الاعجاز العلمي في سورة التكوير

طباعة الموضوع

أم هنا وريهام

مشرف عام
إنضم
6 يناير 2012
المشاركات
873
النقاط
16
الإقامة
المنصوره
احفظ من كتاب الله
ماتيسر من القران
احب القراءة برواية
حفص
القارئ المفضل
المنشاوى
الجنس
اخت
الاعجاز العلمي في سورة التكوير – 16

{ فَلاَ أُقْسِمُ بِٱلْخُنَّسِ } * { ٱلْجَوَارِ ٱلْكُنَّسِ }

علمياً، تعتمد قوة جاذبية أي جسم على كتلته، فكلّما زادت كتلة الجسم، زادت معها قوة الجذب، فعلى سبيل المثال، تبلغ قوة جاذبية القمر 1/6 جاذبية الأرض، فإذا كان وزن شخص ما على الأرض 60 كيلوجراماً، فإن وزنه على سطح القمر يكون 10 كيلوجرامات. وعليه، فإن قدرة الأرض على جذب أي جسم أقوى بـ 6 مرّات من قدرة القمر، بينما يعتبر العلماء كوكب المشتري “مكنسة شفط كونية” للدور الكبير الذي يلعبه في جذب المذنبات والكويكبات كما بيّنا في مقالتنا وزينّا السماء الدنبا بمصابيح وحفظا.
عند بداية تشكل نظامنا الشمسي، كانت المناطق المحيطة بمركز تكثّف الدخان (السحابة السديمية) مليئة بالكواكب الجنينية (الكِسَف) أو الكويكبات بينما احتوت المناطق الأبعد على الماء والهايدروجين والهيليوم، وقد تكونت الكواكب الصلبة نتيجة تجمّع الكويكبات في أجسام صلبة مثل عطارد والزهرة والأرض والمريخ (داخل الحزام الأبيض) كما هو مبين في الشكل أدناه والتي قامت بدورها بكنس أو تنظيف مداراتها من الكويكبات خلال جريانها، بينما بقيت منطقة حزام الكويكبات على وضعها لعدم وجود كواكب في تلك المنطقة مع العلم أن هناك كوكبين قزمين هما سيريس و فيستا داخل الحزام إلاّ أنهما لم بكونا قادرين على كنس مداراتهما لصغر حجمهما، ولاحظ أيضاً قدرة كوكب المريخ الضعيفة على الكنس مقارنة بكوكب المشتري القوية خارج حزام الكويكبات.
حزام الكويكبات (اللون الأبيض)، ويتكوّن من الكويكبات والتي تتركز بين مداري المريخ Mars والمشتري Jupiter. لاحظ كيف قامت الكواكب من خلال جريانها بكنس مداراتها

بعد جدل طويل وواسع، توصّل الاتحاد الفلكي الدولي عام 2006 إلى تعريف “الكَوكَب” ضمن نظامنا الشمسي على أنه جرم سماوي 1- يجري في مدار حول الشمس (جَوار؟) 2- كبير بما يكفي ليصبح شكله مستديرًا بفعل قوة جاذبيته (خُنّس؟) 3- يستطيع أن يُخلي مداره من الكواكب الجنينية أو الكويكبات (كُنّس؟). وبناءاً على التعريف السابق، لم يعد كوكب بلوتو يلبي الشروط المذكورة وتم إعادة تصنيفه ليصبح كوكباً قزماً.
هل لاحظت التطابق بين القسم والتعريف؟ هل هذه مصادفة؟ أم أن القسم الذي كان غريباً وعجيباً في بداية المقالة لم يعد كذلك، فالله تعالى وفي ثلاث كلمات {… الخُنَّسِ الجَوَارِ الكُنَّسِ }، صًنَّف الكواكب قبل أن يقوم العلماء بذلك بـ 1430 سنة! في وقت كان الفارق الوحيد بين الأجرام السماوية هو أن النجوم ثابتة والكواكب سيّارة ولم يعرف الناس حقيقة تكوينها.
تعريف الكواكب حسب
الاتحاد الفلكي الدولي عام 2006
النص القرآني المعنى المرتبط بالنص القرآني 1- جرم سماوي يجري في مدار حول الشمس جوار تجري في السماء، الخَيْلُ تَجْرِي والرِّياح تَجْرى والشمسُ تَجْرِي 2- كبير بما يكفي ليصبح شكله مستديرًا بفعل قوة جاذبيته خُنّس إنقباضُ الشيء على نفسه والاستخفاء، وورد الخنوس في سورة الناس { الْوَسْوَاسِ الخَنَّاسِ } قال: ينبسط، فإذا ذُكر الله خَنَس وانقبض 3- يستطيع أن يُخلي مداره من الكواكب الجنينية أو الكويكبات كُنّس كَنَسَ الموضع يَكْنُسُه، بالضم، كَنْساً: كَسَح القُمامَة عنه لم يستطع العلماء التوصل الى تصنيف الكواكب إلا بعد أن أصبح لديهم في القرن الحادي والعشرين ما يكفي من العلم والتكنولوجيا لمعرفة حقيقة نظامنا الشمسي، مما يطرح السؤال التالي: كيف لآدمي أن يدلي بهذا الوصف دون أن تتوفر له الوسائل العلمية الحديثة؟
جاء هذا القسم ليخبرنا جلّ جلاله بـ​
{ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ } * { ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي ٱلْعَرْشِ مَكِينٍ } التكوير – 19: يقول تعالى ذكره: هذا القرآن لتنزيل رسول كريم، يعني جبريل، نزله على محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلّم. أليس هذا بقسم عظيم؟ { فَلا أُقْسِمُ بالخُنَّسِ الجَوَارِ الكُنَّسِ }،
يتوجب عليك تسجيل الدخول او تسجيل لروئية الموضوع
 
التعديل الأخير:

محمد الكاظمي

عضو جديد
إنضم
10 أكتوبر 2019
المشاركات
1
النقاط
1
الجنس
اكتب اخ او اخت
التفسير العلمي لسورة التكوير

سورة التكوير
بسم الله الرحمن الرحيم:
إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ : تبدأ سورة التكوير ب(إذا) وهي أداة ظرف لما يُستفبل من الزمان شرطية أو غير شرطية، ولعل سبب إفتتاح السورة الكريمة بها هو تهيئة المتلقي لإستقبال معلومات قيِّمة بخصوص شأن عظيم، وهذهِ المعلومة العظيمة تتلخص بحقيقة تكوير الشمس، فالشمس كما نراها بالعين المجردة فإنها ذات شكل دائري أو كروي، وعندما نقرأ قولهِ تعالى (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) سوف نتسائل عن الجهة التي كورت الشمس وعن السبب في حدوث فعل التكوير هذا، وللتعرف على قيمة أن تكون الشمس كروية نستعين بعلم الفيزياء، فعندما تطلق كتلة معدنية رخوة في الفراغ فسوف تتكور بفعل الطرد المركزي كما يحدث مع قطرات الماء الكروية المتصاقطة في الهواء الطلق، إذاً فتكوير الشمس تمَّ بفعل فاعل، وبما أنَّ معظم الكواكب والنجوم ذات شكل كروي إذاً فعملية تكورها قد تمَّ بفعل فاعل وهو الله الذي لا إله سواه، وعليهِ فتكوير الشمس وغيرها من الكواكب والنجوم إنما هو أذان ببدأ عملية خلق المخلوقات الحية، والله أعلم.

وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ : وهنا تكررت (إذا) ليتم توجيه الأنظار إلى ما هو أبعد من الشمس ألا وهو الكواكب والنجوم وألتي تحتاج بدورها إلى بعثرة وإنتشار ثُم إعادة تنظيم في مسارات وأماكن محددة وهو ما تمَّ إختصارهُ بمصطلح (إنكدرت). فكما نعلم يقيناً بأنَّ الكون بكواكبه ونجومه ومجراته نراه متبعثراً ولكن هو في تبعثره منتظم ومتناسق فلا تخبط ولا تقاطع في مساراته المنتظمة بل كل شيء مخلوق في هذا الكون لهُ مقره ومكانه الخاص والمُعد بكل دقة وإحكام، والله أعلم.

وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ : بعد أن تمَّ تهيأة الكون بشموسه وكواكبه ومجراته بكل دقة وإحكام وبالأشكال المناسبة في تكويرها، توجه الخالق سُبحانهُ وتعالى إلى كوكب الأرض والذي كان في بدأ تكوينهِ مغطى في الماء من جميع أجزائه فكان في قولهِ تعالى (وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ) أذان للكتل الصخرية المغمورة بالمياه أن تتحرك بشكل منتظم أي تمَّ تسييرها بحيث تنشأ اليابسة أو بما يسمى بالقارة العظيمة أو القارة الأم والتي كانت تشمل في وقتها جميع القارات المعروفة حالياً قبل أن تنفصل، ويبقى العلم عند الله وحده.

وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ : تخبرنا هذهِ الآية الكريمة بأنّهُ بعد أن تمَّ تجهيز الأرض والسماء لإستقبال المخلوقات العضوية كالحيوان والنبات كان الخلق الأول أو بمعنى آخر العصر الأول للمخلوقات الأرضية والمُشار بها ب(العشار)، فالفعل (عُطلت) إنما جاء ليوحي إلى إنتشار تلك المخلوقات عشوائياً في الأرض، فكما نُلاحظ في الأحفوريات المتوفرة بين أيدينا والخاصة بعصر الثلاثي أو العصر التراسي وهو عصر الديناصورات بأنَّ المخلوقات في ذلك الزمان كانت غير منظمة ومبعثرة وليس لها نظام أو متسلط عليها كما هو الحال في زماننا الحالي الذي تخضع المخلوقات العضوية جميعها إلى سلطة البشر الذي يتحكم بها ويسيطر عليها، فالمخلوقات في العصر الثلاثي كانت ضخمة وهائجة سواء كانت نبات أم حيوان ولقد تُركت هكذا لفترة طويلة من الزمن تقدر بعشرات الملايين إن لم تكن مئات، وسبب تعطيل النظام في حياة تلك المخلوقات هو تهيأت الأرض لعصر الإنسان، والله أعلم.

وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ : في نهاية العصر الثلاثي تمَّ تجميع تلك المخلوقات ومن ضمنهم الديناصورات المتوحشة وغيرها من الكائنات الحية ومن ثُمَّ حشرهُم في باطن الأرض وفي أماكن متفرقة، بمعنى أن تلك الوحوش الضخمة بأعدادها الهائلة عند موتها لم تترك هكذا على الأرض كما تموت الوحوش في زماننا الحالي، بل تمَّت الإرادة الإلهية بتجميع جثث ومخلفات تلك المخلوقات وحشرها في باطن الأرض بأعماق بعيدة عن وجه الأرض وذلك حتى يتم ممارسة الضغط الهائل من سطح الأرض مع الحرارة العالية من باطن الأرض وبمرور ملايين السنين الكافية سوف تتحلل جثث ومخلفات تلك الوحوش المحشورة في باطن الأرض لينتج عنها البترول والغاز المستخدم بكثرة في زماننا الحاضر، فلولا حشر تلك الوحوش الضخمة بأعدادها الكبيرة وبهذهِ الطريقة لما تميَّز عصر الإنسان الحالي بالعلم والمعرفة والرقي في العيش، فالحمد لله والشكر العظيم للخالق الرحيم على هذهِ النعمة العظيمة، وبيقى العلم عند الله وحدهُ سُبحانه.

وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ : بعد أن تمَّ حشر الوحوش في باطن الأرض جاءت الإستعدادات لتجهيز الأرض للمرحلة الثانية أي للعصر الثاني والأخير في سلسلة الأحداث الخاصة بالمخلوقات على وجه الأرض حيث يكون الإنسان فيها الخليفة الذي تمَّ تنصيبه من السماء، والذي تمَّ تسخير مقدرات الأرض وثرواتها لتكون تحت تصرفه، فبعد الإنتهاء من حشر الوحوش في باطن الأرض لتكون هبة الله للإنسانية في آخر الزمان عندما يتم إستخراج هذهِ الأحمال التي لا يمكن لأحد الإستفادة منها غير البشر بدليل قولهِ تعالى في سورة الزلزلة (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا(1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا(2)، فالأثقال في هذهِ الآية إنما تعني الحمل الزائد عن الحاجة، وأثقال الأرض هو النفط والغاز والتي تمَّ حشرها في باطنها ليتم إخراجه في آخر الزمان كما يحدث الآن، فبعد ذلك جاءت الآية الكريمة هُنا لتُشير إلى تسجير البحار أي تهيجها وثورانها وهي المرحلة التي تحركت في القارات وتوزعت كما نراها الآن، فلولا تهيج البحار الشديد والعظيم لما تحركت القارات عن أماكنها وبقيت ملتصقة بالقارة الأم، فتسجير البحار ساعد على تشقق الفواصل بين القارات السبع وتحركها بإتجاهات مختلفة مصطحبه معها ما تبقى من الحيوانات والنباتات كذلك من البشر الأوائل فتوزع الناس حينها وتفرقوا بين القارات بعد أن كانوا في قارة واحدة وفي مجموعة واحدة، وما نعيشه الآن كمجتمعات وأمم متباعدة بالرغم من وحدة الجنس والدم لخير دليل على تأويلنا للآيات هذا والخاص بسورة التكوير، ويبقى العلم عند الله.

وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ : بعد متابعتنا لتسلسل الأحداث السابقة نصل للمرحلة الأخير من حياة الإنسان على الأرض وهي المرحلة التي تخبرنا الآية الكريمة فيها بأنَّ النفوس البشرية قد تمَّ تزويجها لتصل أعدادها إلى أرقام قياسية لم تعهدها البشرية من قبل، فعدد البشر حالياً يكاد يصل إلى ثمانية مليار إنسان متوزعين على جميع بقاع الأرض، وهو الأمر الذي ينبأ بقرب الساعة، والله أعلم.

وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ : فيما مضى من أحداث حول تطور الحياة على الأرض لم تكن إلا ليكون فيها قد أكتمل الإختبار الرباني لبني الإنسان على الأرض وذلك بعد أن تمَّ تسخير جميع مقدرات العصر الأول بما فيه من حيوانات متوحشة وضخمة تحولت بطرق محددة إلى مادة حيوية وأساسية في حياة الإنسان المعاصر ألا وهو البترول والغاز، ومقدرات العصر الثاني بما فيه من معادن ثمينة كالذهب والحديد واليورانيوم وغيره سخرت لخدمة الإنسان وحده، ثم جاء يوم الحساب الذي يتم فيه سؤال ومحاسبة جميع البشر ومن ضمنهم الموؤودة التي لم يتسنى لها أن تعيش حياتها أو أن ترتكب أي ذنب، وهذا إن دلَّ على شيء فإنَّهُ يدل على جدية الخالق سُبحانهُ في حسابهِ لبني البشر أجمعين دون إستثناء، ويبقى العلم عند الله.

بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ : في هذهِ الآية الكريمة نقرأ عن السؤال الذي سوف يوجه إلى البشر في يوم القيامة، حينها سوف يُسأل الإنسان بأي ذنب فعلت كذا وكذا، وبأي حق قمت بكذا وكذا، أو من أعطاك الحق لتقوم أو تفعل كذا وكذا، وكأنَّهُ يسأل من قتل الموؤودة بأي ذنب أو حق قتلتها، وماذا فعلت لك لتقتلها وهي في حقيقتها نعمة من الله قد وهبها لك، كما كانت تلك العطايا من العصر الأول والثاني قد خصصها الخالق سُبحانه ليستفيد منها الإنسان وحده، فبأي حق كفر بربهِ وبأي حق قتل وأجرم وسرق وهو المُكرَّم من ربه دون غيره من المخلوقات؟ والله أعلم.

وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ : ثُم تعود (إذا) لتستمر وتسرد لنا أحوال ما بعد الحساب الرباني لبني الإنسان، فبعد ذلك اليوم سوف يتم نشر صُحف كل إنسان من أول فرد تم خلقهِ ألى آخر فرد تمَّت محاسبتهِ، وصحيفة كل من هؤلاء الإفراد سوف تُنشر على الملأ ليقرأها الجميع دون تحفظ ، ليبقى هُناك من يفخر بصحيفته أمام أهل الجنَّة، وليبقى هُناك من يخجل من صحيفته فيدخل النار، والله أعلم وأجل.

وَإِذَا السَّمَاء كُشِطَتْ : تخبرنا هذهِ الآية الكريمة بالحدث الذي يلي نشر الصحف، فحينها سوف تنكشف السماء وينكشط أي يختفي ويُزال عنها الغطاء الذي كان يغطيها فتظهر الجنّة للعيان فيفرح حينها أصحاب الصُحف المُطهرة، كيف لا وهذهِ هي الجنَّة قد ظهرت أمامهم بعد طول إنتظار وترقُب، فطوبا لساكنيها وحُسن مآب، ويبقى الله أعلم وأجَّل.

وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ : بالمقابل تُخبرنا هذهِ الآية الكريمة بأنَّ الجحيم بعد يوم الحساب سوف يتم تسعيرها بمعنا إشعالها ورفع درجة حرارتها حتى تستقبل أصحاب الصحف السيئة ليًخلدوا في العذاب إلى الأبد، والله أعلم وأجل.

وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ : أما بخصوص الجنَّة بدرجاتها ومقامها الكريم فسوف يتم إزلافها أي تقريبها لساكينيها الكرام البررة حتى يدخلوها بكل يُسر وترحاب مهللين وفرحين بتصديق الله وعده للمؤمنين الصالحين من عبادهِ المخلصين، والعلم الأكيد عند الله وحده.

عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ : في هذهِ الآية الكريمة نجد تعليل الشروط في الآيات السابقة والتي تم الحرص فيها لتكون مبتدئه بأداة الشرط (إذا) والسبب كما نراه هُنا أنَّ هذهِ الأداة إنما جاءت لعمل مقارنة بين عمل الإنسان الدنيوي والمُشار إليهِ هُنا بالنفس وما أحضرت، وبين عمل الخالق سُبحانه وتعالى والمتمثل كما أشارت الآيات السابقات بتكوير الشمس ثم تكدير النجوم وتسيير الجبال وتعطيل العشار وحشر الوحوش وتسجير البحار وتزويج النفوس ثم التحكيم بين الخلق وبعدها نشر الصحف ثم المباشرة بتكشيط السماء وتسعير الجحيم وتزليف الجنَّة ُ، فأي عمل من أعمال البشر يقارن بعمل الخالق لا إله إلا هو؟ ويبقى العلم عند الله.

فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ : بعد أن تمّ طرح المقارنة فيما سبق من الآيات وإظهار بين قدرة الخالق سُبحانهُ في تسلسل خلقهِ للكون وتسخير تلك الأمور الجليلة لخدمة الإنسان وحده بكونهِ خليفة الله في الأرض، وبين جحود الإنسان وغروره وتكبره متبجحاً بأعماله من بناء وإستعباد للبشر وغيرها، جاءت هذهِ الآية الكريمة لترسخ حقيقة أعمال الخالق التي لا يمكن تصورها من عظمتها وبالرغم من ذلك يأتي الإنسان وينكر هذهِ الأعمال متحججاً بما يخفيه المستقبل، فيأتي قول الله بأنَّهُ لا يُقسم ولا يعترف بالخُنَّس بمعنى أنَّهُ لا شيء يمكن أن يخفيه المستقبل من أعمال تُقارن بأعمال الله والعياذ بالله، فالخنس هو الشيء المخفي من دون قصد، والله أعلم.

الْجَوَارِ الْكُنَّسِ : وبخصوص هذهِ الأية الكريمة فتأتي تكملة للآية السابقة والتي ذكرت الأشياء المخفية من دون قصد والتي ينتضرها الإنسان الكافر، فكل الأديان والفلسفات الغير إسلامية تتحجج بقدوم شيء ما في المستقبل لينصرهُم على غيرهِم وهذا الشيء مخفي الآن بصورة لا إرادية، فأتت هذهِ الآية لتؤكد عدم الإعتراف بتلك الأمور سواء كانت بعيدة ومخفية بصورة لا إرادية كالخُنَّس أو قريبة ومخفية بصورة إرادية كالجوار الكُنَّس، فالجوار هُنا الشيء القريب، والكُنَّس هو الشيء المخفي إرادياً، ويبقى العلم عند الله.

وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ : بعد أن تمَّ دحض وتعرية الكُفر وأهلهِ وأفكارهِ وحججه بما سبق من آيات كريمات، بدأ الخالق العزيز القدير بعرض البدائل الحقيقية مبتدئاً بقسم رباني عظيم كما جاء في الآية الكريمة التي يٌقسم بها الخالق بقدوم الوقت الذي يزول بهِ الليل نهائياً عن الوجود، وهذا الحدث لن يبدأ إلا بعد حدوث الساعة، والله أعلم.

وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ : كذلك يٌقسم الخالق هُنا بأن الصبح سوف يتنفس وكأنُّهُ قد تمَّ إحياءه فلا يغيب أو يموت أبداً مشيراً بذلك إلى الحياة في جنَّة الخُلد المُعدَّة للمتقين من عباد الله الصالحين، فالقسم الذي جاء في الآيتين السابقتين إنما جاء ليؤكد حدوث يوم الحِساب الذي يُشكك بهِ الكافرون، ويبقى العلم وحدهُ عند الله.

إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ : في هذهِ الآية الكريمة جاء جواب القسم بأنَّ الرسول العظيم المرسل للعالمين وهو محمد إبن عبد الله إنما هو رسول كريم، قد تمَّ تكريمهُ من قبل رب العالمين سُبحانهُ وتعالى، وما يقوله للناس إنما هو وحي يوحى إليه من عند ربهِ لا إله إلا هو، إذاً فهو بذلك لا يحتاج إلى تكريم البشر أو تعاطفهم بكونهِ يتيم أو عندما يذكرون قِلة أتباعهِ من قومهِ المهاجرين أو التنويه إلى دولتهِ الفقيرة بالرغم من إنتصاراتهِ الكبير على أعداءه من الكفرة الحاقدين، والله أعلم.

ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ : ثم تأتي الآيات تِباعاً لتذكر فضائل ومميزات الرسول العظيم، فمن هذهِ الآية نعلم يقيناً بأنَّ نبينا محمد عليهِ الصلاة والسلام وبالرغم من ضعفهِ بين قومهِ ولكنهُ عند ربهِ ذي قوة لا يُستهان بها وصاحب تمكين يُعتدُّ بهِ بين خلق الله أجمعين، ويبقى العلم وحدهُ عند الله رب العالمين.

مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ : تذكر لنا هذهِ الآية الكريمة بأنَّ الرسول محمد عليه الصلاة والسلام وفي مكانتهِ الحقيقية عند رب العالمين إنما هو مُطاع بين أهل الجنَّة وآمين أي دعوتهُ مُستجابة عند رب العالمين وطلبهُ يتم تلبيتهُ بأمر من الله العزيز القدير، والله أعلم.

وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ : بعد أن تمَّ إظهار مكانة رسول المسلمين ونبي المؤمنين محمد إبن عبد الله الصادق الأمين عند رب العالمين توجه الخالق العزيز القدير إلى البشر أجمعين منوهاً إلى رسالة نبيهِ الكريم التي كانت تقتضي أن يواجه البشر أجمعين متحدياً بذلك أفكار البشر الخارجة عن الإسلام الحنيف وناقد لعاداتهِم السيئة وطبائعهِم الشاذة وغير ذلك كثير وهذا التحدي والمواجهة إنما كانت منذ بدأ عليهِ الصلاة والسلام رسالتهِ في مدينة مكة وبين قومهِ من قريش إلى يومنا هذا بل إلى يوم يبعثون، وهذا ليس ضرب من الجنون إنما هو الحق من رب العالمين لو كان الناس يعلمون، وعند الله العلم اليقين.

وَلَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ الْمُبِينِ : ثم تعود هذهِ الآية الكريمة لتوضح للناس بأنَّ مهمَّة الرسول العظيم والتي كانت توصف أحياناً بالجنون لصعوبتها وإستحالة تصور تحقيقها من قبل البشر العاديين، إنما هي في حقيقتها عبارة عن رسالة وتكليف مُباشر من رب السماء والأرض رب العرش العظيم وهي بذلك واقعية وحتمية بل ومرئية، فالرسول العظيم كان على يقين من إمكانية تحقيق رسالة الإسلام وتنفيذ أوامر الله كما أمر وكان يرى هذا الأمر في الأفق المبين أي الأفق الواضح المعالم والذي يستطيع أن يراه أي إنسان صادق في رؤياه ومؤمن بالله واليوم الآخر، ويبقى العلم عند الله.

وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ : وفي هذهِ الآية يتم تصديق ما جاء في الآية السابقة بخصوص الأفق المُبين نافية نفياً قاطعاً الإدعاء بأنَّ الرسالة المحمدية إنما كانت مجرد أحلام ضنية بما يُخبئهُ الغيب، فنبينا المُصطفى كان متيقن من نجاح رسالتهِ وتنفيذ مهمتهِ وتمكن دينه من التغلب على جميع الأديان الأرضية والتي تمَّ التلاعب بها من قبل الشيطان اللعين عنه طريق أعوانهِ من الإنس والجن الملاعين، غضب الله عليهِم أجمعين، والله على كل شيء قدير.

وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ : وتأتي هذهِ الآية لتُأكد نقاء وصفاء وصدق الدعوة المحمدية وتميزها الأكيد عن ما سواها من الأديان التي إختلط بها الأقوال مع قول الشاطين لعنهُم الله إينما كانوا، فدين الإسلام هو الدين الوحيد المقبول من الله لخلوه من دسائس إبليس اللعين، كيف لا والله العزيز القدير قد حفظ قرآنهُ من يد العابثين وصان رسولهِ من كل عمل أثيم ونصر دينهُ دين الإسلام العظيم على الأديان جميعاً وفي كل حين.

فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ : بعد ما تمَّ في الآيات السابقات طرح الدلائل والبراهين من تحدي للبشر عندما يتم مقارنة غرورهم بما يصنعون من توافه الأمور مع صنع الله العظيم في الأرض والسماء، ومن إثبات صدق رسالة المصطفى عليه الصلاة والسلام، ومن عظمة دينهِ دين الإسلام العظيم، ومن حكمة قرآنهِ المحفوظ من رب العالمين، بعد هذا كلهِ جاء سؤال الخالق سُبحانهُ للبشر عن المكان الذي يمكن أن يلجؤون إليهِ ليتجنبوا غضب الله عليهِم وسخطهِ على الكافرين بأنعمهِ، وعقابهِ للجاحدين لفضلهِ، وعذابهِ للمكذبين برسولهِ الذي جاء مُبشراً لدين الإسلام وناشراً لقرآن الله العزيز ذو إنتقام، والله أعلم.

إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ : في هذهِ الآية الكريمة نعود ونقرأ إصرار وتأكيد من الخالق عزَّ وجل على أنَّ ما جاء بهِ الرسول الكريم إنما هو في النهاية ليس سوى تذكرة وذكر للعالمين أي للناس أجمعين لعلهُم يؤمنون ويُجنِبون أنفسهم نار السموم، فما الخالق العظيم بحاجة للعباد، ولا الرسول الكريم بحاجة لتصديق الأشهاد، بل ولا القرآن بحاجة لمن يحفضهُ ويحميه من تلاعب الحُساد، فدين الإسلام كامل بإذن الله وببركة رسولهِ المُصطفى وبمؤآزرة ودعم القرآن العظيم، ويبقى العلم وحدهُ عند الله العزيز القهَّار.

لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ : إذاً التذكرة هُنا والذكر الذي جاء في الآية السابقة والذي جاءت بهِ الآيات السابقات ضمناً لم يكن إلا رحمة لمن يُريد من عباد الله المُخلصين الإستقامة عن طريق القرآن العظيم، وسيرة رسول الله النبي محمد إبن عبد الله الصادق الأمين، وفعل الخالق سُبحانهُ وتعالى في خلق السماوات والأرض الظاهر للمُتبصرين وذلك حتى يتعزز إيمان المؤمنين ويترسخ إسلام المسلمين وليهتدي كل تائه مسكين أو يؤمن كل إنسان عن الحقيقة من السائلين والباحثين، حينها يكون مقر هؤلاء جنَّاة النعيم التي أُعدت للمتقين من عباد الصالحين، أما من يُصر على غروره الوهمي وتكبره على ربهِ وعلى البشر، ويُصر على كفره وعصيانه لدين الله ولرسولهِ الأغر، ويتمسك بأكاذيبه لآيات الله وبراهينهُ المذكورة في قرآن الخالق المُعتبر، حينها يكون مقر هؤلاء جهنَّم وبئس المصير حيث نار السعير التي أعدت للمجرمين الكافرين بأنعم الله وذلك بما جنَّت أيديهِم وبما فعلتهُ أنفسهِم بالإنصياع لوساوس إبليس اللعين وأعوانه من الإنس والجن الملاعين.

وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ : ثم يختم الخالق عزَّ وجل السورة الكريمة سورة التكوير بحكمة ربانية عظيمة وشأن رباني فريد، فالخالق الذي خلق الإنسان مؤمنهُ وكافره، وخلق الأرض بما فيها من نشأتها لمستقرها، وخلق السماوات بكواكبها وشموسها ومجراتها، وخلق الخلق أجمعين من حيوانات إلى نبات إلى جن وإلى ملائكة وإلى نعرف وما لا نعرف، فالخالق العظيم لن يعجزه هداية الضاليين، ولن يقهرهُ عصيان المُضلين، ولن يضرَّهُ وساوس الشياطين لعبادهِ المخلصين، فالمشيئة في هداية الخلق بيد الله وحده سُبحانهُ وتعالى، والإرادة في إدارة شؤون العباد من تدبير الله وحده لا إله إلا هو، والقدرة على قهر الأعداء طوع يمين الله جلَّة قدرتهُ، وخاتمة كل من خلق تتحدد بحكمة الله العزيز القهَّار، فلا شيء قبله ولا شيء بعده لا إله إلا هو رب العرش العظيم، فلا يظن أحد بأنَّه مُعجز الله كائن من يكون.
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين.

محمد "محمد سليم" الكاظمي (المقدسي)
 
أعلى