باب صفة صلاة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-

طباعة الموضوع

أم حذيفة

وَهذَا زَمَانُ الصَّبْرِ مَنْ لَكَ بِالَّتي
طاقم الإدارة
إنضم
26 أغسطس 2010
المشاركات
3,675
النقاط
38
الإقامة
الامارات
احفظ من كتاب الله
القرءان كامل
احب القراءة برواية
بحميع الروايات
القارئ المفضل
الشيخ ابراهيم الأخضر
الجنس
أخت
باب صفة صلاة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-

باب صفة صلاة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-
لعل هذا من أهم الأبواب في كتاب الصلاة الذي يصف صلاة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- وقد ذكر فيه المصنف -رحمه الله تعالى- عدة أحاديث تبين كيفية صلاة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فمع الحديث الأول:

قال المصنف -رحمه الله تعالى-: (باب صفة صلاة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- : عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: ( كان رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- إذا كبر في الصلاة سكت هنيهة قبل أن يقرأ، فقلت يا رسول الله، بأبي أنت وأمي أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال: أقول اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد ) . الحديث الأول في الباب الكلام عليه من وجوه:
(كان رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- إذا كبر في الصلاة) "كان" تشعر بكثرة الفعل والمداومة عليه والاستمرار، أي أن هذا هو حال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- الذي يداوم عليه.
(كان إذا كبر ) هذه التكبيرة التي تسمى بتكبيرة الإحرام؛ لأنه بها يحرم عليه أشياء داخل الصلاة كما قال -عليه الصلاة والسلام-: ( مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم ) وهذا التكبير هو ركن باتفاق الناس، لا يصح دخول الصلاة إلا بهذا الركن، أو لا يصح انعقاد الصلاة إلا بركن التكبير.
أيضاً هذا الحديث فيه الاستفتاح، فموضوعه الذي يقصده المصنف -رحمه الله تعالى- أن يُبَيِّنَ أنه يبتديء بالاستفتاح بعد الدخول في الصلاة وبعد التكبير، فأيضاً هذا يدل على استحباب الذكر بين التكبير وبين القراءة، أو استحباب الاستفتاح، والدال على المقيَّد دال على المطلق، المقيَّد هو هذا الذكر المذكور في هذا الحديث حديث أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- كان يقول: ( اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد ).
هذا الدعاء وهو دعاء خاص مذكور يدل على مطلق الدعاء بين التكبير وقراءة الفاتحة.
وأيضاً في هذا الحديث دليل لمن قال بالسكتة بين تكبيرة الإحرام والقراءة. والمراد بالسكتة هنا قال: (كان رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- إذا كبر في الصلاة سكت هُنَيْهة أو هُنَيَّة أو هُنَيْئَة ) فسكت، والكل بمعنى أنه سكت سكوتا يسيرا، فسكت في الصلاة السكوت هنا هو السكوت عن الجهر، والسكوت يطلق على السكوت عن الجهر، ويطلق على عدم الكلام مطلقاً، لكن المقصود هنا أنه سكت أي: عن الجهر.
فقوله: ( ما تقول ) يشعر أنه علم أنه يقول، ومن أين علم أنه يقول؟ لعله علم ذلك بحركة شفتيه كما استدلوا على قراءة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- في السر باضطراب لحيته، فعلموا أنه يقرأ من اضطراب لحيته فيكون أبو هريرة -رضي الله عنه- في هذا الحديث علم أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- يقرأ بتحرك شفتيه أو باهتزاز واضطراب لحيته -صلوات الله وسلامه عليه-.
فلذا قال له: ( ما تقول؟ ) فقال -عليه الصلاة والسلام- ( اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب ) ( اللهم باعد ) هذه المباعدة تكون فاصلا في المكان، وتكون أيضاً فاصلا في الزمان، والمقصود هنا المباعدة بين خطاياه كما باعد الله -جل وعلا- بين المشرق وبين المغرب، فالمباعدة بين الخطايا هذا أمر معنوي فهذا تشبيه للمحسوس أو تشبيه للمعنوي، المباعدة بين الخطايا بالمحسوس وهو المباعدة بين المشرق والمغرب، والمباعدة هنا المقصود بها محو الخطايا أو تكفير الخطايا أو المنع عن أنه يخطيء ( اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب ) فذلك يكون عبارة عن محوها وترك المؤاخذة بها أو المنع من وقوعها والعصمة من الوقوع منها.
وأيضاً قوله -صلوات الله وسلامه عليه-: ( اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس ) وقد يكون ذلك تأكيدا للدعاء الأول ( اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب ) ثم قال: ( اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس ) فقد يكون ذلك تأكيدا للأول أو لمعنى آخر ( اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب ) هذا للمستقبل و( اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوق الأبيض من الدنس ) هذا للحال والذي بعده ( اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد ) هذا للماضي فكأنه سأل الله -جل وعلا- ألا يقع في الخطأ والخطايا في المستقبل، وكذلك ينقيه من الخطايا الحالية، ويغفر له الخطايا الماضية.
وأيضاً لما كان الثوب الأبيض يظهر فيه الشيء القذر أو الشيء الذي يلوثه أوْضَحُ من غيره فطلب النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أن ينقي الله -جل وعلا- خطاياه كما ينقي الثوب الأبيض من الدنس.
أيضاً الحديث فيه مسائل:
المسألة الأولى: مشروعية تكبيرة الإحرام.
والمسألة الثانية: مشروعية دعاء الاستفتاح.
أما المسألة الأولى: وهي تكبيرة الإحرام فذهب جماهير السلف والخلف أن الصلاة لا تنعقد إلا بتكبيرة الإحرام، فتكبيرة الإحرام فرض لازم، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة ( أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- عَلَّمَ المسيء في صلاته أنه إذا قام إلى الصلاة أن يكبر ) وأيضاً في الحديث الذي ذكرناه ( تحريمها التكبير وتحليلها التسليم ) وأيضاً في حديث مالك بن الحويرث -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) فكان يكبر في كل صلواته -صلوات الله وسلامه عليه- فلذلك ذهب جماهير أهل العلم من السلف والخلف إلى أن الصلاة لا تنعقد إلا بتكبيرة الإحرام فهي فرض لازم.
وذهب الأحناف إلى جواز افتتاح الصلاة بألفاظ التعظيم، أي: لا يشترط أن يقول: الله أكبر، لكن يقول: الله أعظم أو ما شابه ذلك من صيغ التعظيم يفتتح بها الصلاة، فالصلاة تصح إذا افتتحت بهذه الصيغة عند الأحناف، ولا تصح عند جماهير أهل العلم.
استدل الأحناف على قولهم بقوله تعالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى ﴿14﴾ وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ﴿15﴾ [الأعلى: 14: 15] فاستدلوا على أنه يذكر اسم ربه -جل وعلا- بأي صيغة من صيغ التعظيم، والناس في تفسير هذه الآية ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى ﴾ أي: زكاة الفطر ﴿ وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ﴾ أي: وكبر ﴿ فَصَلَّى ﴾ أي صلاة العيد.
وأيضاً الأحاديث المبينة لفعل الرسول -صلى الله عليه وسلم- الدائم أنه كان دائماً يكبر "الله أكبر" ولم يثبت في مرة واحدة أنه افتتح الصلاة بغير صيغة هذا التكبير.
أيضاً المسألة الثانية: وهي مشروعية دعاء الاستفتاح وقال به الجمهور، لكن قال مالك وأصحابه -رحمهم الله تعالى-: إنه لا يشرع الذكر بين التكبير والقراءة. واحتجوا بأن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- كان يفتتح الصلاة بـ ﴿ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ كما في حديث عائشة الآتي يفتتح الصلاة بـ ﴿ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ وأيضاً استدلوا بحديث المسيء أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- علمه وقال له: ( إذا قمت إلى الصلاة فكبِّر ) ولم يذكر له دعاء الاستفتاح.
الجمهور استدلوا بهذه الأحاديث الصريحة في أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- كان يدعو بعد تكبيره وقبل قراءته. وقد وردت عدة أدعية للاستفتاح عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وهذا الاستفتاح مشروع في الفرض ومشروع في النفل.
والوارد في الاستفتاح ما كان تمجيدا محضا لله تعالى، ومنها ما كان دعاء محضا، ومنها ما يجمع بين التمجيد والدعاء، فمِن النوع الأول وهو ما كان تمجيدا محضا لله تعالى كقول القائل في الاستفتاح: ( الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلا ) هذا الحديث رواه مسلم، وهو من أدعية استفتاح الرسول -صلى الله عليه وسلم- فقد ثبت عنه عدة أنواع.
وأيضاً في الحديث الذي رواه أبو داود والحاكم وصححه ووافقه الذهبي على ذلك أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- كان يقول في استفتاح الصلاة ( سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك ).
وأيضاً هذا ما شمل تمجيدا محضا لله تعالى من أدعية الاستفتاح، أما ما كان دعاء محضا فكحديث الباب ( اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد ).
أيضاً من الأحاديث التي تجمع بين تمجيد الله -جل وعلا- وبين الدعاء ما رواه مسلم -رحمه الله تعالى- من حديث علي -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- كان يقول في دعاء الاستفتاح: ( وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أُمِرْتُ وأنا أول المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك، ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنبي جميعا إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله في يديك، والشر ليس إليك، أنا بك وإليك، تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك )
هذا أطول الأدعية الواردة في الاستفتاح، وكان يقوله النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- في صلاة الليل.
وأيضاً كان يقول في صلاة الليل: ( اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختُلِف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم ).
بعض أهل العلم يفضل بعض الاستفتاحات على الأخرى فالإمام أحمد -رحمه الله تعالى- كان يفضل دعاء الاستفتاح الذي كان عمر يعلمه للناس وكان يحافظ عليه في الفرض وهو ( سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك ).
الشافعي -رحمه الله تعالى- كان يفضل الدعاء الذي بين أيدينا ( اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب.. إلى آخره ).
فكل منهم يفضل دعاءً على الآخر على اعتبار صحته أو قوة صحته أو معنى الكلام الذي فيه.
وعلى كلٍ فهذا من خلاف التنوع، ولا بأس أن يستفتح المرء تارة بهذا وتارة بهذا عملا بالسنة، لكن هل يجمع بين الاستفتاحات كلها في صلاة واحدة؟ بعض أهل العلم قال هذا، لكن لم يثبت أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- جمع بين استفتاحين في صلاة، فالأَوْلَى ألا يجمع، ولكن يغير في صلواته بين هذا وبين ذاك.


قال المصنف -رحمه الله تعالى-:عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: ( كان رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- يستفتح الصلاة بالتكبير، والقراءة بالحمد لله رب العالمين، وكان إذا ركع لم يُشْخِص رأسه ولم يصوبه، ولكن بين ذلك، وكان إذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد حتى يستوي قائما، وكان إذا رفع رأسه من السجدة لم يسجد حتى يستوي قاعداً، وكان يقول في كل ركعتين التحية، وكان يفرش رجله اليسرى وينصب رجله اليمني، وكان ينهى عن عُقْبة الشيطان، وينهى أن يفترش الرجل ذراعين افتراش السبع، وكان يختم الصلاة بالتسليم ) ).
هذه الأفعال التي تذكرها السيدة عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- في الصلاة قد استدل الفقهاء بكثير منها على وجوب هذه الأفعال، لا لأن الأفعال تدل على الوجوب؛ بل لأنهم يرون أن قوله تعالى : ﴿أَقِيمُوا الصَّلاَةَ﴾ هذا خطاب مجمل مبَيَّن بفعل النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- والفعل المبيِّن للمجمل المأمور به يدخل تحت الأمر، بيان المأمور به يكون مأمورا به.
وأيضاً قول النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) فيدل مجموع ذلك على الوجوب.
فقولها -رضي الله عنها- ( كان يفتتح الصلاة بالتكبير ) يدل على أمور:
أولها: أنه لا يكتفَى بالنية في الدخول في الصلاة؛ بل لابد من التكبير، لا يكفي أن المرء ينوي الصلاة دون أن يكبر. وهذا قول جماهير أهل العلم، لابد من الجهر بالتكبير.
وقولها: ( وكان إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوبه ) ( لم يشخص رأسه ) أي: لم يرفعه، ومادة اللفظ "يشخص" تدل على الارتفاع، ومنه: أشخص بصره. أي: إذا رفعه في جهة العلو، ومنه الشاخص لارتفاعه وقيامه. ( فكان -صلى الله عليه وسلم- لم يشخص رأسه ) أي: لم يرفع رأسه ( ولم يصوبه ) أي: لم ينكسه، لم ينكسه أي: لم يطأطيء رأسه -صلى الله عليه وسلم- ولم يرفع رأسه، ولكن كانت رأسه -صلوات الله وسلامه عليه- في مستوى ظهره، فلم يرفعه أي: لم يشخص رأسه ( ولم يصوبه ) أي: لم ينكسه ( ولكن كان بين ذلك ) يعني: إشار إلى الفعل المسنون. تقول: ( لكن كان بين ذلك ) وهو الاعتدال واستواء الظهر والعنق. كانت عنقه في مستوى ظهره لا يرفعها ولا يخفضها.
وقولها: ( وكان إذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد حتى يستوي قائما ) هذا يدل على ركنية القيام من الركوع ، الركوع ركن وكذلك القيام من الركوع حتى يطمئن، ركن أيضاً لقولها: ( وكان إذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد حتى يستوي قائما ) فلا بد من الاطمئنان في القيام وهو ركن، فدليل على أن الركوع ركن، وعلى أن الرفع من الركوع أيضاً ركن، وأنه ينبغي أن يطمئن في هذا الركن قبل أن يسجد.
وقولها -رضي الله عنها- ( وكان إذا رفع رأسه من السجود لم يسجد حتى يستوي قاعدا ) يدل أيضاً على أن الرفع من السجود ركن، وعلى أن الاستواء في الجلوس بين السجدتين أيضاً ركن.
فأما الرفع فلابد منه, أي: الرفع من السجود لابد منه؛ لأنه لا يتصور تعدد السجود إلا به، إلا بالفصل بين السجدة الأولى والسجدة الثانية، بخلاف الرفع من الركوع لأنه لا يتعدى؛ ولذلك اختلف الناس في الرفع من الركوع، اختلفوا في هذا الركن أنه لا يقوم، يعني: لا يستتم قائما من الركوع، منهم من قال: إذا اقترب من القيام فإن هذا يكفيه، لكن حديث عائشة -رضي الله عنها- يرُد هذا القول: أنه استتم قائما ثم سجد بعد ما استتم قائما. أما السجود فلا خلاف في أنه لابد وأن يجلس ثم يسجد السجدة الثانية.
وأيضاً قولها -رضي الله عنها-: ( وكان يقول في كل ركعتين التحية ) أطلقت لفظ "التحية" على التشهد كله تقول: التحيات لله. فأطلقت لفظ "التحية" على التشهد من باب إطلاق الجزء على الكل.
وقولها -رضي الله عنها-: ( وكان يفرش رجله اليسرى، وينصب رجله اليمنى ) ( يفرش رجله اليسرى ) أي يجعلها بينه وبين الأرض، يعني بطن رجله اليسرى إلى إليته، وظهرها إلى الأرض، فيجعل رجله اليسرى فاصلة بين إليته وبين الأرض ( كان يفترش رجله اليسرى، وينصب رجله اليمنى ) ويستدل أو يستدل بهذه الصورة أصحاب أبي حنيفة على اختيار الهيئة للجلوس للرجل.
( وكان يستقبل بأطراف أصابعه اليمنى القبلة ) أي: يفترش اليسرى وينصب اليمنى ويستقبل بأطراف أصابعها القبلة. ومالك -رحمه الله تعالى- اختار التورك، وهو أن يفضي بوَركه إلى الأرض وينصب رجله اليمنى.
فالافتراش أن يفترش رجله اليسرى، والتورك أن يقدم رجله اليسرى إلى الأمام ويجلس على وركه، أن يفضي بوركه إلى الأرض وينصب رجله اليمنى.
واختار الشافعي -رحمه الله تعالى- في التفرقة بين التشهد الأول والتشهد الأخير فقال: في التشهد الأول يفترش، يعني: اختار الافتراش على التورك. وفي التشهد الثاني اختار التورك.
وقد وردت أيضاً هيئة التورك في بعض الأحاديث، يعني: في بعض الأحاديث تورك وفي بعض الأحاديث افتراش فجمع الشافعي -رحمه الله تعالى- بين الحديثين، فحمل الافتراش على التشهد الأول وحمل التورك على التشهد الثاني.
وقد ورد ذلك مفصلا في بعض الأحاديث أنه كان يفترش في الأول، وكان يتورك في الثاني فدل هذا على صحة الجمع الذي جمع به الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- ورجح أيضاً بعضهم هذا أنه يفترش في الأول وأنه يتورك في الثاني من جهة المعنى أي أن العقل يؤيد هذا أيضاً هذا الجمع.
كما يقول ابن دقيق العيد -رحمه الله تعالى- « ورجح من جهة المعنى بأمرين لكنهما ليسا بالقويين » لم يقول: إنهما ليس بالقويين؟ لأنه من جهة العقل، والعبادة الأصل فيها التوقف. فعلى هذا يكون ليس بالجيد من جهة العقل، لكن إن كان هذا العقل يؤيد الوارد في الكيفية فلا بأس بذلك، فرجح من جهة المعنى بأمرين أحدهما أن المخالفة في الهيئة قد تكون سببا للتذكر عند الشك في كونه في التشهد الأول أو في التشهد الأخير، يعني: لما حدثت مغايرة بين التشهد الأول والتشهد الأخير أنه يفترش في الأول ويتورك في الأخير يكون ذلك أدعى لأن يتذكر، فإذا نسي هل هو في الركعتين أو في الأربع فإن رأى أنه يفترش فعلم أنه في الاثنتين، وإن كان متوركا علم أنه ... يعني إن سها في أثناء تشهده ذَكَّرَتْه هذه الهيئة.
يُقَال رُجِّح المعنى بأمرين:
الأمر الأول: أن المخالفة في الهيئة تكون سببا في تذكره.
الثاني: أن الافتراش هيئة استفاذ، يعني: مُهَأٌ للقيام، فناسب أن تكون في التشهد الأول، أما في التشهد الأخير فهو ينتهي من الصلاة في جلسته هذه، فناسب أن تكون جلسة تورك.
فعلى هذا يُستحب أن يفترش المرء في التشهد الأول، وأن يتورك في التشهد الأخير، وخصوصا أنه ورد النص بالتفرقة بين التورك وبين الافتراش في حديث عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-.
أيضاً قولها -رضي الله عنها-: ( كان ينهى عن عُقْبة الشيطان ) ويروى ( عن عَقِب الشيطان ) وفُسِّرت هذه الكيفية بأن يفرش قدميه ويجلس بإليتيه على عقبيه، أن يفرش قدميه متصورين الصورة؟ أن يفرش قدميه ويجلس بإليتيه على عقبيه، يفرش الاثنين ويجلس على عقبيه وسمي ذلك الإقعاء، وأيضاً فسر الإقعاء بصورة أخرى أن يجلس على إليتيه، وأن ينصب رجليه، ويضع يديه خلف ظهره، هذا أيضاً إقعاء كإقعاء الكلب، فنُهِيَ عن هذا الإقعاء، وقيل: إن ذلك عُقْبة الشيطان.
وقولها: ( وينهى أن يفترش افتراش السبع ) وهو أن يضع ذراعيه على الأرض في السجود، لكن يضع يده فقط وكفه ويرفع ذراعيه عن الأرض، فالسنة أن يرفعهما ويكون الموضوع على الأرض كفه فقط.
وقول عائشة -رضي الله عنها-: ( كان يختم الصلاة بالتسليم ) أكثر الفقهاء على تعيين التسليم للخروج من الصلاة اتباعا للفعل الذي واظب عليه النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فكان دائماً يخرج من صلاته بالتسليم.
ولا يدل الحديث على أكثر من مسمى السلام، كان يخرج بالتسليم، وقال: إن قال السلام عليكم فإن هذا يجزئه، فلا يدل الحديث على أكثر من مسمى التسليم، وقد يؤخذ من هذا أن التسليم من الصلاة لقولها: ( وكان يختم الصلاة بالتسليم ) فدل على أن التسليم ركن من أركان الصلاة.
وأبو حنيفة يخالف في هذا، يخالف جماهير أهل العلم على أن السلام ليس من أركان الصلاة، فلو تشهد الرجل وقام ولم يسلم فصلاته صحيحة عند أبي حنيفة، وعند جماهير أهل العلم أن التسليم ركن لهذا الحديث الذي نحن بصدده.
وأيضاً وردت صيغ تسليم عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- منها:
"السلام عليكم ورحمة الله وبركاته" جهة اليمين، "السلام عليكم ورحمة الله" جهة اليسار.
"السلام عليكم ورحمة الله" جهة اليمين، "السلام عليكم ورحمة الله" جهة اليسار.
"السلام عليكم ورحمة الله" جهة اليمين، "السلام عليكم" جهة الشمال.
كل هذه الصيغ صحت ووردت عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فذلك من اختلاف التنوع، تارة تقول: "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، السلام عليكم ورحمة الله"، أو "السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله" أو "السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم" كل هذا صح عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وأيضاً صح أنه سلم تسليمة واحدة عن يمينه: "السلام عليكم" ، أو "السلام عليكم ورحمة الله".
فالحديث أيضاً يدل على مشروعية التسليم وهل يسلم واحدة أو يسلم ثنتين، جائز هذا وجائز هذا، وهو من خلاف التنوع.
ولكن من أهل العلم من أوجب التسليمتين فقال: لا يصح أن يخرج من الصلاة قبل أن يسلم التسليمة الثانية. والرسول -صلى الله عليه وسلم- سلم تسليمة واحدة فقال طائفة من أهل العلم منهم العز بن عبد السلام -رحمه الله تعالى-: « إن الواجب هو تسلمية واحدة » وعلى هذا إذا وجدت بعض الناس تأخر عن الإمام وسلم تسلمية واحدة وقام لا إنكار في ذلك، حتى وإن كنت ترى أن التسليمتين واجبتين فسلم أنت، لكن من لم يفعل هذا فنعم يسعه هذا الأمر فالمسألة فيها خلاف.

قال المصنف -رحمه الله تعالى-: (عن عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- ( كان يرفع يديه حَذوَ مَنْكِبَيه إذا افتتح الصلاة، وإذا كبر للركوع، وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك، وقال: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد، وكان لا يفعل ذلك في السجود ) ).
نعم الحديث مازال يتكلم عن صفة صلاة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- والكلام على الحديث من وجوه:
أولاً: اختلف الفقهاء في رفع اليدين في الصلاة على مذاهب متعددة فالشافعي -رحمه الله تعالى- قال بالرفع في هذه الأماكن الثلاثة، كان النبي -صلى الله عليه وسلم- ( كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة، وإذا كبر للركوع، وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك )
في هذه المواضع الثلاثة عند تكبيرة الإحرام وعند الركوع وعند القيام من الركوع. و"كان" تشعر أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يفعل ذلك دائماً، فهي تدل على الاستمرار والمداومة، فالشافعي -رحمه الله تعالى- قال بالرفع في هذه الأماكن الثلاثة نعني: افتتاح الصلاة والركوع والرفع من الركوع وحجته هذا الحديث، وهو من أقوى الأحاديث سنداً.
وأبو حنيفة -رحمه الله تعالى- لا يرى الرفع في غير الافتتاح، يرى الرفع فقط مع تكبيرة الإحرام ولا يرى الرفع في غيرها، وهو المشهور أيضاً عند أصحاب مالك، والمعمول به عند المتأخيرن منهم.
واقتصر الشافعي -رحمه الله تعالى- على الرفع في هذه الأماكن الثلاثة لهذا الحديث، حديث عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما-.
وقد ثبت أيضاً الرفع عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- عند القيام من الركعتين، عند القيام من الركعتين أيضاً رفع، فيكون الرفع في أربع مواضع: عند تكبيرة الإحرام وعند الركوع وعند القيام منه وعند القيام من الركعة الثانية، أي: القيام إلى الركعة الثالثة.
وأيضاً قياس قول الشافعي -رحمه الله تعالى- أنه يسن الرفع أيضاً في هذا المكان، وهو عند القيام من الركعتين؛ لأنه قال بإثبات الرفع في الركوع والرفع منه لكونه زائدا على الرفع عند التكبير، يعني: رد من قال: إن الرفع عند تكبيرة الإحرام فقط أن هذا شيء زائد كحديث ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- على تكبيرة الإحرام أنه يرفع عند الركوع وعند القيام منه وجب أيضاً أن يثبت الرفع عند القيام من الركعتين لثبوت النص به، فإنه زائد على من أثبت الرفع في هذه الأماكن الثلاث، والحجة واحدة في الموضعين، فإذا قلنا: إننا نثبت الرفع رفع اليدين عند الركوع وعند الرفع منه لأنه زائد كذلك أيضاً نثبت الرفع عن القيام من ركعتين لأنه زائد.
فالصواب -والله أعلم- استحباب الرفع عند القيام من الركعتين مع المواضع الثلاث السابقة فيستحب الرفع في أربع مواضع:
1- عند تكبيرة الإحرام.
2- وعند التكبير للركوع.
3- وعند القيام منه.
4- وعند القيام من الركعتين.
أيضاً ثانياً: الكلام على الحديث من وجوه: عن صفة الرفع، كيف يكون رفع اليدين عند هذه المواضع؟.
قال في حديث ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- الذي نحن بصدده ( رفع يديه حذو منكبيه ) ورفعُ اليدين حذور المنكبين هو اختيار الشافعي -رحمه الله تعالى- وأن ذلك منتهى الرفع، أن يرفع يديه حذو منكبيه هذا منتهى الرفع عند الشافعي.
وأبو حنيفة -رحمه الله تعالى- اختار الرفع إلى حذو الأذنين، وفيه حديث ثبت في صحيح مسلم ( أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يرفع يديه حذو أذنيه ) ورجح مذهب الشافعي بقوة السند؛ لأن سنده أقوى من الحديث الآخر، وبكثرة الرواة لهذا المعنى فروِيَ عن الشافعي أنه قال: رَوَى هذا الخبر بضعة عشر نفسا من الصحابة. لذلك هو قدمه على الحديث الآخر، وربما سلك بعضهم طريق الجمع حمل خبر ابن عمر على أنه رفع يديه حتى حاذى كفاه منكبيه، يعني: جمع بين الحديثين وأطراف الأصابع حاذت الأذنين فكأنه جمع بين الحديثين.
وأيضاً قيل: إنه رويت رواية من حديث عبد الجبار بن وائل عن أبيه: ( كان رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- إذا افتتح الصلاة رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، ويحاذي بإبهاميه أذنيه ) يعني: الرواية تؤيد هذا الجمع، فعلى هذا الأقوال فيها ثلاثة:
أنه يرفع يديه حذو منكبيه.
أو حذو أذنيه.
أو أنه مخير بين أن يرفع حذو منكبيه أو إلى منكبيه أو إلى أذنيه.
والقول الثالث: هو اختيار الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- ولعل هذا هو الأقوى والأقرب للصواب،فالكل ثابت عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ولكن قد يفضل بعض الأئمة صفة أو كيفية على أخرى؛ لثبوتها أكثر أو لقوة ثبوتها عن الأخرى.
وأيضاً اختُلِف متى يبتديء التكبير؟ يعني يبتدئ التكبير مع حركة اليد أو بعد ما تنتهي حركة اليد، اختلف أصحاب الشافعي متى يبتدئ التكبير؟ فمنهم من قال: يبتديء التكبير مع ابتداء رفع اليدين. يعني يبتدئ الله أكبر، يبتدئ التكبير مع ابتداء رفع اليدين، ويتم التكبير مع انتهاء إرسال اليدين بأن يقول: الله أكبر، يرفع ويرسل اليدين مع التكبير، فيبتدئ رفع اليدين مع بداية التكبير، وينتهي الإرسال مع نهاية التكبير، ونُسِبت هذه الكيفية إلى رواية وائل بن حُجْر -رضي الله عنه- ومن أصحاب الشافعي أيضاً من قال: « يرفع اليدين غير مكبر، ثم يبتدئ التكبير مع الإرسال » يرفع الله أكبر ويكبر وهو يرسل اليدين، ثم يتم التكبير مع تمام الإرسال. وتنسب هذه الرواية إلى رواية أبي حُمَيْد الساعدي -رضي الله عنه- و الأمر واسع: فمنهم من قال: يرفع ثم يكبر، أو يرفع وهو يكبر، أو يكبر بعد أن يرفع وأثناء إرساله اليدين. فكل هذه الصور وردت، ولعل من نقل هذه الرواية، رواية أنه كبر بعد أن رفع، وكبر وهو يرفع، أو كبر وهو يرسل، كل هذه الصيغ وردت عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فتارة كان يكبر مع حركة يديه، وتارة كان يكبر ثم يرفع يديه، وتارة كان يرفع يديه ثم يكبر ويرسلهما مع نهاية التكبير، فالأمر واسع والكل ثابت عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-: (عن عبد الله بن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ( أُمِرت أن أسجد على سبعة أعظم: على الجبهة وأشار بيده إلى أنفه، واليدين، والركبتين، وأطراف القدمين )
في حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: ( أُمرت ) من الذي أمره؟ هو الله -جل وعلا- وأمته مأمورة بالتبع، فالأمة مأمورة في شخص رسولها -صلى الله عليه وسلم- وفي رواية النسائي لهذا الحديث ( أُمرنا أن نسجد على سبعة آراب ) و"آراب" أي: سبعة أعْظُم "آراب" جمع "إرب" وهو العضو ( أُمرنا أن نسجد على سبعة آراب ) أي: على سبعة أعظُم، فآراب جمع إرب وهو العضو.
( أُمرت أن أسجد على سبعة أعظم: على الجبهة ) والجبهة هي من منابت شعر الرأس إلى أطراف الحاجب هذه هي الجبهة ( أُمرت أن أسجد على سبعة أعظم: على الجبهة وأشار بيده إلى أنفه -صلى الله عليه وسلم- واليدين، والركبتين، وأطراف القدمين) الكلام على الحديث من وجوه:
الأول: أنه -صلى الله عليه وآله وسلم- سمى كل واحد من هذه الأعضاء عظما باعتبار الجملة ( أُمرتُ أن أسجد على سبعة أعظم ) هذا إجمال ثم بعد ذلك فصَّل وبيَّن -عليه الصلاة والسلام- وهذا مما لا شك من وسائل التقريب والتسهيل أُمرت أن أسجد على سبعة أعظم، هذا إجمال ثم بين هذه الأعظُم اشتمل كل منها على عظام يعني: هو سبعة أعظم وأشار إلى الجبهة، والجبهة فيها عظام وليس فيها عظم واحد، فيحتمل أن يكون ذلك من باب تسيمة الجملة باسم بعضها.
أيضاً الثاني: ظاهر الحديث يدل على وجوب السجود على هذه الأعضاء؛ لأن الأصل في الأمر هو الوجوب: ( أُمِرت أن أسجد على سبعة أعظم ).
هذ السبعة أعظم ( على جبهته ) أما الجبهة فيجب السجود عليها لهذا الحديث، لكن من أهل العلم من قال: لا يجب السجود على الجبهة فلو سجد على أنفه يجزئه؛ لأنه قال: سجد على جبهته وأشار إلى أنفه في الحديث.
فالجبهة للعلماء فيها قولان:
القول الأول: يجب السجود على الجبهة، وهو قول جماهير أهل العلم لحديث الباب ( أُمرت أن أسجد على سبعة أعظم: على الجبهة وأشار إلى أنفه -صلوات الله وسلامه عليه- ) وأيضاً لحديث المسيء في صلاته أنه أمره بالسجود، وحديث أبي حميد الساعدي ( كان إذا سجد -صلى الله عليه وسلم- مكن جبهته من الأرض ) وأيضاً كان يُمَكِّن جبهته وقال: ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) فهذه أدلة الجمهور في وجوب السجود على الجبهة.
قال أبو حنيفة -رحمه الله تعالى-: « لا يجب السجود على الجبهة » وهو قول في مذهب مالك أيضاً؛ لأن ابن عباس -رضي الله عنهما- في هذا الحديث لما أمر بالسجود أشار إلى أنفه، في هذا الحديث أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أشار إلى أنفه: ( أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: على الجبهة وأشار إلى أنفه ) فكأنه أَمَر بالسجود على الأنف وهذا هو الذي يجب أما الجبهة فلا تجب.
قال أيضاً دليل عقلي؛ لأن الأنف أبلغ في التذلل، يعني مثلاً: إذا أراد رجلا أن يذل رجلا يقول له: أكسر أنفك. لأن هذا موضع الذلة، فقال: إن السجود على الأنف أبلغ في التذلل، فيجب السجود على الأنف، ولكن لا يجب على الجبهة.
أما الأنف فللعلماء فيها ثلاثة أقوال:
القول الأول: وجوب السجود على الأنف، يجب أن يسجد على أنفه، طبعاً لهذا الحديث، قال به إسحاق بن راهويه وهو رواية عن مالك ورواية عن الإمام أحمد يجب السجود على الأنف.
القول الثاني: لا يجب السجود على الأنف الواجب هو السجود على الجبهة فقط وهو قول الشافعية وقول الحسن وعكرمة واختيار صاحبي أبي حنيفة، واستدلوا بعدم وجوب السجود على الأنف بحديث المسيء في صلاته، وهو استدلال كما يقول العلماء بمفهوم اللقط أنه أمره أن يسجد، السجود على جبهته، أي: لا يجب على غير الجبهة، وكذلك في حديث مالك بن الحويرث -رضي الله عنه- أنه ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) لكن في هذا الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يضع أنفه على الأرض فهو حجة على هؤلاء لا حجة له.
فالقول الثاني: هو عدم وجوب السجود على الأنف.
القول الثالث: هو مخير بين السجود على الأنف أو عدم السجود على الأنف، يعني: لا يجب، هو مخير، هذا القول الثالث قول ابن القاسم من أصحاب مالك.
الراجح: هو وجوب السجود على الأنف وعلى الجبهة لهذا الحديث، حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: ( أُمرت أن أسجد على سبعة أعظُم: على الجبهة وأشار أيضاً إلى أنفه ) أي أن الأنف مع الجبهة في السجود.
أيضاً هل يجب السجود على هذه الأعضاء الستة الأخرى غير الجبهة؟
اختلفت أقوال أهل العلم في ذلك، منهم من قال: يجب، وهو قول الظاهرية ورواية عن الإمام أحمد طبعا لحديث الباب، استدلوا بحديث الباب: ( أُمرت أن أسجد على سبعة أعظم ) وبحديث مالك بن الحويرث أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: ( صلوا كما رأيتموني أصلي ).
القول الثاني: لا يجب السجود على هذه الست، وهو قول الجمهور نقله القاضي عياض أن هذا قول الجمهور لا يجب السجود على الأعضاء الستة، واستدلوا بقوله -صلوات الله وسلامه عليه- في سجود التلاوة ( سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره ) فقصر السجود على الوجه ( سجد وجهي ) فقالوا: إن السجود في الوجه هو الواجب، وما عدا ذلك فيكون مستحبا.
والراجح هو وجوب السجود على الأعضاء السبع للحديث، والذي استدلوا به هنا في سجود النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- في التلاوة أنه قال ( سجد وجهي) فذِكْرُه للجزء لا ينفي ما عداه، سجد الوجه فلا ينفي عدم سجود الركبتين واليدين والقدمين فالراجح هو وجوب السجود على هذه السبعة.
أيضاً في الحديث أنه ( سجد على سبعة أعظُم: على الجبهة وأشار بيده إلى أنفه، واليدين، والركبتين، وأطراف القدمين ) سجد على يديه "اليدان" المقصود هنا من أطراف الأصابع وصفحة اليد، وقد يقول البعض: إن اليد هي من أصابع الكف إلى المنكب، أو هي إلى الكوعين، أو إلى المرفق.
اختلف أهل العلم في أن اليد تطلق حقيقة على اليد من أطراف الأصابع إلى المنكب؟ أو أنها من أطراف الأصابع إلى الكوعين فقط. استدل من قال: إنها من أطراف الأصابع إلى الكوعين فقط في آية: ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا [المائدة : 39] والقطع يكون من الكوعين من هنا.
وعلى هذا يفرع العلماء أن التيمم للكفين فقط أو أن التيمم لأكثر من ذلك على خلاف أن اليد حقيقة تطلق على الكفين أم تطلق على الكفين مع الساعد والعضد؟ لكن المراد هنا في هذا هما الكفان فقط. المراد هنا بلا خلاف هما الكفان فقط. أنه يسجد على يديه.
أيضاً قد يستدل بذلك هذا الحديث أنه لا يجب كشف شيء من هذه الأعضاء، فسواء سجد وهي مغطاة أو عليها ساتر أو بغير ساتر فقد حقق السجود، فإن مسمى السجود يحصل بالوضع فمن وضعها فقد أتى بما أُمر به، فوجب أن يخرج عن العهدة، طبعاً هذا الكلام معناه أنه إذا كان هناك حائل بين الأعضاء وبين الأرض والحائل له حالتان:
إما أنه حائل منفصل.
وإما أنه حائل متصل.
فالحائل المنفصل أن يفرش شيئاً على الأرض. فهذا بالاتفاق لا شيء فيه، ففي حديث أنس الذي ذكرناه أنه لَيَّنَ له حصير قد اسود من طول ما لُبِس، صلى على حصير، وقال لعائشة: ( ناوليني الخُمرة من المسجد ) فكان يضع شيئاً على الأرض ويصلي عليه، فهذا الحائل حائل منفصل عن الإنسان لا خلاف بين أهل العلم أنه يجوز للمرء أن يصلي عليه، لكن الكلام في الحائل المتصل، يغطي مثلاً رأسه، أو يغطي جبهته، يغطي يديه وهو يسجد هذا الذي تكلم فيه أهل العلم.
بالنسبة للركبتين والقدمين لم يختلف أهل العلم أن كشف هذا لا يجب، طبعاً بالنسبة للركبتين لأن هذا فيه كشف للعورة، أما القدمان فاستدلوا بأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي في خُفيه، وأمر بألا ننزع خففنا في حديث صفوان ثلاثة أيام بلياليهن للمسافر ويوم وليلة للمقيم يمسح على خفه، فهذا يقتضي أنه يصلي في نعليه، فهذا يقتضي أنه لا يباشر بالقدم الأرض، فبالاتفاق لا يجب أن يباشر بقدمه الأرض، ولا يجب أن يباشر بركبتيه الأرض، فصار الكلام في اليدين فقط، الجمهور على أنه لا يجب أن يكشف اليدين عند السجود.
والقول الثاني: وهو رواية عن الإمام الشافعي يجب أن يكشف يده عند السجود، هذه السبعة أعضاء في الحديث هي ( أُمرت أن أسجد على سبعة أعضاء ) على الراجح أن هذه الأعضاء هي الجبهة مع الأنف، هذه واحدة أو العظم الجبهة مع الأنف على الراجح، واليدان يجب على الراجح، على اختلاف في الأنف لكن الراجح أنها تجب، واليدان والراجح أنها أو المتفق عليه أنه الكف فتصير ثلاثة، والركبتان تصير هكذا خمسة، والقدمان أطراف الأصابع تصير هكذا سبعة .
يتوجب عليك تسجيل الدخول او تسجيل لروئية الموضوع
 
التعديل الأخير:
أعلى