من النصر إلى الناس

طباعة الموضوع

أم حذيفة

وَهذَا زَمَانُ الصَّبْرِ مَنْ لَكَ بِالَّتي
طاقم الإدارة
إنضم
26 أغسطس 2010
المشاركات
3,675
النقاط
38
الإقامة
الامارات
احفظ من كتاب الله
القرءان كامل
احب القراءة برواية
بحميع الروايات
القارئ المفضل
الشيخ ابراهيم الأخضر
الجنس
أخت
سورة النصر
تسمى سورة النصر ويسميها بعض العلماء إذا جاء نصر الله وبعضهم يسميها سورة الفتح وتسمى أيضًا في بعض كتب التفسير سورة التوديع لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد ودَّع فيها أصحابه، لما قرأها عرف بعض الصحابة أنها أجل رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
السورة جاءت بعد فتح مكة، وأكثر العلماء على أنها آخر سورة نزلت من القرآن.
وهذا رأي ابن عباس وابن عمر -رضي الله تعالى عنهم جميعًا-، فهذان العالمان يريان أن هذه السورة هي آخر سورة نزلت من القرآن.
فإن قيل: أليس آخر شيء نزل من القرآن: ﴿وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ﴾ [البقرة: 281] ؟
قلنا: نعم، تلك آخر آية.. وهذه آخر سورة نزلت كاملة من القرآن الكريم هي .
يقول الله -عز وجل: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ﴾ أي إذا جاءك يا محمد نصر الله النصر الذي نزل من عند الله عليك و التوفيق الذي وُفِّقت به بأن تغلَّبتَ على أعدائك.
﴿وَالْفَتْحُ﴾ أي فتح مكة وهذه كما قال ابن كثير: قولًا واحدًا الفتح المقصود به فتح مكة.
وسُمي فتحًا لأن الله -عز وجل- فتح به بلاد العرب كلها، فلما فُتحت مكة تذللت جزيرة العرب كلها لرسول الله -صلى الله عليه وسلم.
قال: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ﴾، والفتح وقع في عام ثمانية وفي العام التاسع كان عام الوفود يعني العام الذي وفد فيه العرب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أجل أن يدخلوا في الإسلام ويُذعنوا لطاعة رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
قال: ﴿وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً﴾ أي إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجًا كما حصل في عام الوفود حيث جاءت وفود العرب مُسَلِّمةً ومُسلِمة تبايع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الإسلام والسمع والطاعة.
﴿يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً﴾ يعني جماعات إثر جماعات.
قال: ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ﴾ سبح ربك أي سبح أي نزِّه لأن التسبيح بمعنى التنزيه.
﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ﴾ الباء هنا يقول العلماء للمصاحبة يعني سبِّح تسبيحًا مصحوبًا بحمد ربك وهذا أفضل أنواع التسبيح أن يكون التسبيح مصحوبًا بالحمد لأن التسبيح إذا كان وحده فهو تنزيه فإذا كان معه الحمد كان معه الثناء كأن نقول : أنزِّهك يا الله تنزيهًا ووقت أثني عليك الثناء كله، وأمدحك المدح كله، وأعترف لك بصفات الكمال ونعوت الجلال، وهذا أكمل ما يكون من الثناء والمدح، أن نخلى الله من العيوب والنقائص ثم نحليه بصفات المدح ونعوت الجمال والجلال والكمال.
ولذلك دائمًا نقول: سبحان الله وبحمده، يعني مصحوبًا بحمده.
إذن التسبيح هو التنزيه، والحمد هو ذكر المحمود بصفات الكمال مع المحبة والتعظيم.
والحمد هو ذكر المحمود بصفات الكمال أن تذكر صفات الكمال لمن تحمده مع محبتك إياه وتعظيمك له لابد من هذين الأمرين: محبة وتعظيم.لأنه إن خلا من المحبة والتعظيم سُمِّيَ مدحًا، مثل أن تمدح جدارًا فتقول: جدار طويل، أو قوي، أو أملس، أو جميل، فإن ذلك ليس فيه محبة ولا تعظيم، فيسمى مدحًا، ولا يسمى حمدًا. الحمد هو ما يكون معه المحبة والتعظيم.
والحمد يختلف عن الشكر بأنه يكون في اللسان .
أما الشكر فإنه يكون بالقلب وباللسان وبالجوارح كما قال الله -عز وجل: ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ [سبأ: 13]
قال: ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ﴾، أي اطلب عفوه و مغفرته، واطلب ستره عن ذنوبك... لأن الاستغفار يجمع معنيين: طلب الستر، والتجاوز.
أي اطلب من ربك أن يتجاوز لك عن ذنبك وأن يستر عليك ما بدر منك،
وإذا استغفرنا الله -سبحانه وتعالى- ينبغي لنا أن تستحضر هذين المعنيين:
- أن يستر الله عليك فلا يفضحك بشيء مما بدر منك.
- وأن يتجاوز عن الذنب فلا يؤاخذك به.
قال: ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً﴾ أي إذا استغفرته وأنت صادق في استغفارك فإن الله يقابلك بأن يتوب عليك، كلما استغفرت تاب، فهو توَّاب كثير التوبة على عباده، بل إنه -سبحانه وتعالى- يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يديه بالنهار ليتوب مسيء الليل، ويفرح بتوبة عبده أشد من فرح أحدنا كان على ناقته ثم أضلها، حتى إذا أيس منها وأيقن بالموت نام، ثم قام فوجدها مربوطة عند رأسه، فقال من شدة ما أصابه من الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، فالله أفرح بتوبة عبده من هذا بناقته التي عليها طعامه وشرابه.
هذه السورة قال فيها عمر وابن عباس وبعض الصحابة: "إنها كانت نعي رسول الله"، يعني علامة على موت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فمن أين أخذوا ذلك؟
{أن معنى السورة يوحي أن الرسالة التي جاء بها الرسول -صلى الله عليه وسلم- والمهمة قد أداها، وهو النصر، وتأدية الرسالة}.
يعني إذا قيل له: أنت قد فتح الله عليك وجاءك نصر الله ودخل الناس في دين الله؛ عليك أن تسبح وأن تستغفر، هذه رسالة مبطَّنة؛ إذن استعد للقاء الله، فقد تحقق ما أرسلت من أجله وما أرسلت به، وأيضًا أكثر من الاستغفار والتسبيح والحمد، هذا دلالة على أنك الآن تستعد للقاء الله -عز وجل.
ولذلك عمر اختبر فهوم بعض الصحابة بها، فقال: ما تقولون في قوله الله -عز وجل: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً﴾؟
فقالوا: أمر الله نبيه إذا جاءه نصر الله وفتح الله عليه ودخل الناس في دين الله أن يسبح وأن يستغفر.
فقال: "ليس الأمر كما تقولون".
ليس معنى هذا أن عمر يُنكر عليهم أن هذا معنى الآية أو السورة، ولكنه يقول: ما الجديد فيما تقولون؟ هذا ظاهر من ألفاظ الآية، أنا أريد المعنى الذي في جوف هذه الآيات، ما هو السر الذي ينبغي أن يتطلع له .
ثم قال لابن عباس: "ما تقول فيها يا ابن عم رسول الله؟".
قال: "هذه أجل رسول الله"، يعني هذه السورة هي أجل رسول الله.
قال: "ما أعلم منها إلا ما تعلم".
فدلَّ ذلك على أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان يفهم منها وجملة من الصحابة أن هذه السورة كانت علامة على قرب أجل رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
هذه القصة تدلنا على أن تدبر القرآن نوعان:
النوع الأول: نوع يفهمه كل أحد، ويصل إليه كل إنسان من ظاهر الألفاظ.
والنوع الثاني: نوع لا يصل إليه إلا العلماء الراسخون الغوَّاصون على المعاني. وهذا لا يحصل الإنسان عليه إلا بطول ممارسة وبدقة في العلم، وقوة في الفهم -نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من أهل الفهوم العميقة والدقيقة.
.سورة المسد.
سورة المسد سورة مكية باتفاق العلماء، وهي مكوَّنة من خمس آيات أيضًا ولم يختلف فيها العادُّون.
هذه السورة تسمَّى سورة المسد، وتسمى سورة أبي لهب، وتسمى سورة تبَّت يدا أبي لهب، ثلاثة أسماء من أسمائها التي ذكرها المفسرون، لكن أشهرها: سورة المسد، بهذا اللفظ المذكور في آخر هذه السورة.
هذه السورة نزلت في مكة، وكان سبب نزولها أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صعد على جبل بمكة -إما الصفا أو غيره- فنادى في الناس فاجتمعوا، فقال: «أرأيتم لو أخبرتكم بخيل خلف هذا الجبل؛ أكنتم مصدقيّ؟».
قالوا: نعم، ما جربنا عليك كذبًا.
فقال: «أما إني رسول لكم من الله بين يدي عذاب شديد»، أو كما قال -عليه الصلاة والسلام.
فقام عمه أبو لهب -وهو عم رسول الله- واسمه عبد العزَّى، وكُنِّيَ بأبي لهبٍ لحُمرةٍ في وجهه كأنها اللهب من شدة الحمرة، فقال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم: تبًّا لك، ألهذا جمعتنا؟ ألأجل هذه الكلمة جئت بنا وجمعت وجوه القبائل من قريش؟ فأنزل الله -عز وجل- هذه السورة ليرد عليه وليبشره بنارٍ ذات لهب.
وسبحان الله! كانت هذه السورة معجزة لرسول الله، ومعجزة لهذا القرآن، لأن إعجاز القرآن يكون بألفاظه ومعانيه، ويكون بتشريعاته، ويكون بما فيه من الأسرار والعلوم، ويكون أيضًا بما فيه من المغيبات، فإذا قال الله عن شخصٍ أنت ستكون في النار، ومات على الكفر؛ دلَّ ذلك على أن هذا القرآن من عند الله الذي يعلم الغيب ويعلم خفايا الأمور؛ لأنه ألا يمكن أن يقوم أبو لهب بعد هذه السورة ويقول: يا محمد أنا أسلمت، أشهد ألا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ماذا سيحصل؟
سيحصل أن هذه السورة ستبطل. كيف يُقال: ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ ﴾، وهو قد شهد الشهادتين؟
مات أبو لهب ولم يشهد الشهادتين، وهذا ما يسميه بعض العلماء: الإعجاز الغيبي، مثل قول الله -عز وجل- في حق اليهود: ﴿وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾ [البقرة: 95]، لن يتمنوا الموت، ﴿مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا المَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * وَلاَ يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً﴾ [الجمعة: 6، 7]، ولم يُعرف أن واحدًا من اليهود الذين عاشوا في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قام وقال: أنا أتمنى الموت يا محمد، مع أن الله قال: ﴿وَلاَ يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً﴾ [الجمعة: 7]. لماذا؟ لعلمهم بأنهم على الباطل، وبأن هذا القرآن لا يمكن أن يكون من عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأن محمدًا رسول من عند الله حقًّا.
قال الله -عز وجل: ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ﴾، ﴿تَبَّتْ﴾دعاء بالتَّباب، والتَّباب هو : الخسار والهلاك.
وقوله: ﴿تَبَّتْ يَدَا﴾ ليس المقصود أن الخسارة لليدين، ولكنه خسار للإنسان كله، لأن يدا الإنسان تعبير عنه، ﴿فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ﴾ [الشورى: 30]
ولعله إنما أشار إلى اليدين لأن الإنسان عادة إذا أراد أن يسبَّ أو يدعو أو يشتم أشار بيده، فلعل أبا لهبٍ عندما كان أمام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: تبًّا لك، ألهذا جمعتنا؟
فالله -عز وجل- قال: ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ﴾
ما الفرق بين "تبَّت"، و"تبَّ"؟
الأول دعاء عليه بأن يُهلك الله يديه ويهلكه، والثاني خبر بأنه هلك، ﴿وَتَبَّ﴾ أي قد هلك .
يقول: ﴿مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ﴾، أي لم يُغنِ عنه ماله، لا يغني عنه ماله الذي كان عنده وكان يفخر به ويستكبر به على العباد؛ بل قد يكون المال سببًا في صدِّ الإنسان عن الإيمان ﴿كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى﴾ [العلق: 6، 7].
﴿وَمَا كَسَبَ﴾ أي وما ولد لأن ولد الإنسان من كسبه فهو يقول: ما أغنى عنه ماله وما أغنى عنه ولده لأنه بالفعل لا يغني عن الإنسان إذا نزل به عذاب الله أو حلت به عقوبته وسخطه لا يغني عنه لا قوة ولا ناصر ولا ولي ولا ولد ولا أهل ولا شافع ولا أحد، قال: ﴿مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ﴾.
ثم توعَّده الله بقوله: ﴿سَيَصْلَى﴾ أي سيدخل نارًا ويُقاسي حرَّها لأن الصَّلْي يأتي بمعنى الدخول ويأتي بمعنى الشيِّ والإحراق فهو سيُدخل نارًا ويُحرق بها.
﴿سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ﴾ نكَّر النار هنا ليبيِّن فخامتها وعظمها، كما يقول: ﴿سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً﴾ [النساء: 162] أي أجرًا كبيرًا هائلًا عظيمًا، يؤكد عظمة ذلك الأجر المنكَّر بقوله ﴿عَظِيماً﴾.
هنا: ﴿سَيَصْلَى نَاراً﴾ مهولة، ثم يصفها بأنها ذات لهب.
ننظر! اشتقَ العذاب من كنية أبي لهب أي ذات لهب تتلهب عليه وتصلاه وتصليه بحرها وتحرقه إحراقًا بسوء عذابها.
﴿وَامْرَأَتُهُ﴾ سيصلى هو وامرأته فقوله: ﴿وَامْرَأَتُهُ﴾معطوف على الضمير في قوله: ﴿سَيَصْلَى﴾.
إذن امرأته ستكون معه وهذا فيه الدلالة على أن مَن أعان ضالًّا على ضلاله أنه سيكون معه في العذاب -والعياذ بالله.
فامرأة أبي لهب وهي أم جميل كانت تعين زوجها على هذا الباطل وعلى هذا التكذيب، بل كانت تتبرع بأن تؤذي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى من هذا النوع السخيف الذي يدل على الخوار وعلى عدم وجود الدليل والسلطان والحجة، فكانت تجمع الشوك والحطب فتلقيه في طريق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى تعبِّر عن مدى بغضها لرسول الله وعن أي شيء تقدمه لإيذاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
قال: ﴿وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الحَطَبِ﴾ ﴿حَمَّالَةَ﴾ منصوبة بالاختصاص أي أخصُّ أو أذمُّ حمَّالة الحطب لأنها كانت تحمل الحطب والشوك فتلقيه عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو في طريق رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
وقد قال بعض العلماء إن حمالة الحطب أنها كانت تسعى بالنميمة، هذا تفسير بالمعنى يُخالف الظاهر فالظاهر أن حمل الحطب يُحمل على ما يظهر من هذه الكلمة، و دائمًا في التفسير -وهذه قاعدة- نفسر بالأشهر الأظهر المعروف من كلام العرب دون القليل والنادر والأنكر من كلامهم هذه قاعدة من قواعد التفسير، إذا اختلف عندنا معنيان فإننا نؤثر الظاهر المعهود المستعمل في كلامهم دون ما سواه.
قال: ﴿وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الحَطَبِ﴾ ثم جعل لها وعيدًا خاصًّا وهو قوله: ﴿فِي جِيدِهَا﴾ هذا الوعيد حقيقة يدلنا على أن الإنسان لا يُعذر بكونه كان تابعًا ولا يُعذر بكونه كان قد سُيطِرَ عليه من قِبَل زوج أو من قِبَل أي شيء آخر يُهيمن على الإنسان، أنت قد جعل الله لك إرادة، جعل لك عقلا، وبيَّن لك طريق الحق وطريق الضلال، فأنت مسئول عن تصرفاتك، ولا يحق لك ولا يليق بك أن تحتجّ بأن أحدًا ما قد سبقك إلى هذا أو حملك على هذا أو المجتمع أرغمني أو غير ذلك، أنت مسئول، وستحاسب عند الله -سبحانه وتعالى.
قال: ﴿فِي جِيدِهَا﴾ أي في عنقها.
﴿حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ﴾ اختلف العلماء في قوله: ﴿مَّسَدٍ﴾ هل المقصود حبل من ليف حبل من شجر؟ والظاهر أن هذا الشجر ليف لأنه هو الحبل الذي يكون خشنًا إلى مرَّ على الجلد مزَّقه واحدث فيه خدوشًا.
أو حبلٌ من حديد لأن المسد يُطلق في اللغة على الحديد حتى قال بعض المفسرين: هي البكرة التي تكون في الدلو، وغالبًا تكن من الحديد، فالله -عز وجل- سيجعل لها يوم القيامة بدل العقد الذي تجعله يزيِّن عنقها حبلًا من حديد أو من ليف من النار -نسأل الله العافية والسلامة- تجرُّ به وتعلَّق بهو وتعذَّب به -نسأل الله العافية والسلامة.
تفسير سورة الإخلاص
سورة الإخلاص الأولى وهي سورة الكافرون، الفرق بين سورة الكافرون وسورة الصمد أن سورة الإخلاص الأولى -وهي سورة الكافرون- هي في التوحيد العملي، فأنت تعلن لله -عز وجل-، وتعلن لكل أحد أنك لا يمكن أن تعبد ما يعبده المشركون، وأنك لن تعبد إلا الله، وأن عبادة المشركين لا يمكن أن تكون عبادة لله، وأن عبادة الله وحده لا يمكن أن يكون فيها شيء من الشرك، فهذا توحيد عملي.
وفي سورة الإخلاص هذه النوع الثاني من أنواع التوحيد وهو توحيد المعرفة والإثبات، فأنت تعلن علمًا واعتقادًا أن الله واحد في أفعاله، واحد في ذاته، واحد في أسمائه وصفاته، واحد في ربوبيته، واحد في ألوهيته، لا شريك له، لا ندَّ له، لا نظير له، لا مثيل له، لا ولد له، لا صاحبة له -سبحانه وتعالى.
ولذلك هذه السورة من أجَلِّ سور القرآن بل إن قراءتها كما ثبت في الصحيح تعدل ثلث القرآن.
وسبب ذلك كما يقول العلماء: أن القران ثلاثة أقسام:
- الأول: القصص.
- والثاني: أحكام.
- الثالث عقائد وتوحيد.
فهذه السورة قد جمعت التوحيد، فليس فيها شيء آخر غير التوحيد، فمَن آمن بها فكأنما آمن بثلث ما جاء في القرآن، ومَن قرأها كأنما قرأ ثلث القرآن، فهذه السورة عظيمة، ومن عظمتها أننا أمرنا بقراءتها دبر كل صلاة، وأمرنا بقراءتها عند النوم، وأمرنا بقراءتها في إحدى ركعتي الفجر، وأمرنا بقراءتها في ركعة الوتر، وأمرنا بقراءتها في الصباح وفي المساء، فالمسلم يقرأها في اليوم قرابة ثمان إلى عشر مرَّات يتعبَّد الله -عز وجل- بها؛ بل ورد في بعض الأحاديث وإن كان في أسانيدها مقال: «أن مَن قرأ قل هو الله أحد عشر مرات بنى الله له بيتًا في الجنة»، وأحد الصحابة -رضوان الله تعالى عليهم- أمَّره النبي -صلى الله عليه وسلم- على سريَّة فكان يقرأ بهم ما شاء من القرآن، ثم يختم كل ركعة بقراءة قل هو الله أحد.
فاستغرب أصحابه منه وذكروا ذلك لرسول الله، فسأله رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: إني أحبها لأن فيها صفة الرحمن، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحبك بحبك إياها»، فهذا دليل على عظمة هذه السورة.
بل إن رجلًا من الصحابة كان يقوم الليل بها، يقوم الليل كله بها، يركع ويقوم ويقعد، يركع ويقوم ويقعد، ولا يقرأ في قيامه إلا هذه السورة، فكأن أحد الصحابة استغرب ذلك وكأنه تقالَّه، يعني ما عندك إلا هذه السورة المكوَّنة من سطر تقرأها؟! ألا تقرأ بأشياء أخرى من كتاب الله؟!
فأخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بذلك، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: «إنها تعدل ثلث القرآن».
فهي تعدل ثلث القرآن لأنها اشتملت على توحيد الألوهية والربوبية والأسماء والصفات .
لما قال: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾، أي أحد في ألوهيته، أحد في ربوبيته، أحد في أسمائه وصفاته، فشملت أنواع التوحيد كلها.
هذه السورة العظيمة تسمى سورة الصمد، وتسمى سورة الإخلاص.
قال الله فيها: ﴿قُلْ﴾ الآية أو السورة التي فيها ﴿قُلْ﴾ فيها مزيد عناية وتأكيد واهتمام.
الله يقول: ﴿قُلْ﴾ يا محمد لهم.
وقد ذكر المفسرون أن هذه السورة جاءت جوابًا لسؤال طرحه المشركون أو اليهود، قالوا: يا محمد انسب لنا ربك، يعني أعطنا نسبه من أين جاء؟ وكيف جاء؟ وهذا سؤال مَن لم يقدر الله -سبحانه وتعالى- حق قدره، فانزل الله هذه السورة بقوله: ﴿قُلْ﴾ يا محمد ﴿هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ أي واحد لكن ﴿أَحَدٌ﴾ جاء بهذه الصفة وهي المنكَّرة في سياق الإثبات، ما جاءت إلا لله -عز وجل-، أما إن كانت منكَّرة في سياق النفي كما في هذه الـ ﴿أَحَدٌ﴾ فإنه تأتي لغير الله -عز وجل-، أما هذه فما جاءت إلا لله أن يُقال: ﴿أَحَدٌ﴾، أم تلك فإنها لا تأتي إلا في سياق النفي أو الشرط أو الاستفهام، ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ المُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ﴾ [التوبة: 6]، ﴿هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً﴾ [مريم: 98].
قال: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ أي واحد في أسمائه وصفاته، واحد في ربوبيته، واحد في ملكه، واحد في أفعاله، واحد في ألوهيته، لا شريك له، لا ندَّ له، لا نظير له، لا مثيل له، لا ولد له، لا زوج له، غني عن كل أحد، وكل أحد محتاج إليه.
قال: ﴿اللَّهُ الصَّمَدُ﴾ هذا تأكيد لأحديته، فالصمد يقول العلماء: هو الذي لا جوف له.
وفي رواية: هو الذي لا يخرج منه شيء.
وفي رواية: هو الذي لا يأكل ولا يشرب.
وفي رواية: هو المصمت الذي ليس في داخله جوف -جل جلاله وتقدست أسماؤه.
بمعنى أنه مستغنٍ عن كل أحد، وكل أحد محتاج إليه، ولذلك عبَّر عنها جماعة من العلماء بأن قالوا: هو السيِّد الذي بلغ الغاية في السؤدد، الكامل الذي بلغ الغاية في الكمال، الحي الذي بلغ الغاية في الحياة، القيوم الذي بلغ الغاية في القيُّوميَّة، يسمى صمدًا، وهذه المعاني كلها من باب اختلاف التنوع، لكل واحد منها معنًى مستقل؛ لكنها تجتمع على معنًى نهائي بحيث تُعدّ اختلافًا في الألفاظ والعبارات.
فكلها تدل على قيُّوميَّة الله، وعلى أنه مستغنٍ عن كل أحد، وأن كل أحد محتاج إليه -جل جلاله.
قال: ﴿اللَّهُ الصَّمَدُ﴾ ثم بيَّن ذلك ووضحه بقوله: ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ﴾ لم يلد أحدًا لأنه ليس بحاجة إلى الوالد، فلا يُنسب إليه بنت ولا ابن ولا غير ذلك، وهذا فيه الرد على النصارى الذين يزعمون أن المسيح هو الله.
﴿وَلَمْ يُولَدْ﴾ أي لم يتولد من شيء قبله، فهو -سبحانه وتعالى- الكامل الصمد المستغني عن كل أحد وكل أحد محتاج إليه وقائم به.
قال: ﴿وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ﴾ هذه الكلمة في غاية الدلالة على نفي النظير والندِّ والمثيل عن الله -عز وجل- لأن أصلها لو أردنا أن نركبها تركيبًا في البناء العربي لقلنا: ولم يكن أحد كفوًا له.
وعلماء البلاغة عندهم قاعدة يقولون: تقديم ما حقه التأخير يدل على الحصر .
فهنا قدَّم ﴿لَّهُ﴾، ثم قدم ﴿كُفُواً﴾ على ﴿أَحَدٌ﴾، تقديم للمتأخر ثم لما يليه على المتقدم الذي ينبغي أن يكون هو المتقدم في الكلام من أجل أن يدل على الحصر.
﴿وَلَمْ يَكُن لَّهُ﴾-سبحانه وتعالى- ﴿كُفُواً﴾، أي مكافئا، ولا ندّا، ولا نظيرا ﴿أَحَدٌ﴾مهما كان.
ولذلك تعالى الله عن الند والنظير والمثيل والشبيه والسَّميّ -جل جلاله وتقدست أسماؤه.
سورة الفلق.
سورة الفلق وسورة الناس تسميان سورتا المعوذتين؛ لأنهما عياذٌ يقوله الإنسان أو يتعوذ الإنسان به من كل شر، فهما سورتان يلتجئ الإنسان بسببهما لله -عز وجل- ليحوط نفسه ويعصمها من كل شر.
ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في بيان فضلهما: «ما تعوذ المتعوذون بمثلهما».
وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يُعوِّذ الحسن والحسين من الجانِّ وعين الإنسان، فلما نزلت المعوذتان، أخذ بهما وترك ما سواهما.
هاتان السورتان تقرءان في المساء وفي الصباح وعند النوم، وتقرآن أدبار الصلوات المكتوبة، بعد الفجر، وبعد الظهر، وبعد العصر، وبعد العشاء، وأيضًا تقرأ هاتان السورتان في أوقات متفرقة مثل إذا كان الإنسان عنده سحر أو اكتشف سحرًا؛ فإنه عندما يحل العقد أو يريد أن يفرِّق المعقود المنفوث عليه يقرأ هاتين السورتين.
وقد نزلت هاتان السورتان بعد السحر الذي سحر به لبيد بن الأعصم اليهودي النبي -صلى الله عليه وسلم-، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قد وقع عليه السحر -عليه الصلاة والسلام-، لكن هذا السحر لم يؤثر عليه في جانب الوحي ولا تبليغ الرسالة، وإنما أثر عليه في الجوانب الشخصية، كان يرى أنه يفعل الشيء ولا يفعله -عليه الصلاة والسلام-، أو يأتي أهله ولم يأتهم، وبقي فيه ستة أشهر، ثم إن الله -سبحانه وتعالى- أنزل هاتين السورتين فقرأهما النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد أوتيَ له بالسِّحر الذي أخبره به الملكان في الرؤيا، وقف أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه فقال أحدهما للآخر: ما بالرجل؟
قال: مطبوب.
قال: مَن طبَّه؟
قال: لبيد بن الأعصم.
قال: فيمَ؟
قال: في مشطٍ ومشاطة، في جفِّ طلعة ذكرٍ تحت راعوفة عند بئر ذروان.
في جفِّ طلعة ذكرٍ وهو كم لقاح النخل، وضع الشعر من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مشط، لُفَّ على مشطٍ ثم وُضع في هذا الكم، ثم وُضع تحت الصخرة التي يقف عليها مَن ينزل أسفل البئر، في ذلك المكان الخفي، أراد بذلك أن يخفي مكان سحر النبي -صلى الله عليه وسلم-، فأُخْبِر، فذهب إليه علي بن أبي طالب فأخرج ذلك السحر، وجاء به رسول الله وقد أنزل الله عليه هاتين السورتين، فأخذ يحل العقد عقدة عقدة وكانت إحدى عشرة عقدة، فحلَّها رسول الله وهو يقرأ هذه الآيات فذهب عنه السحر.
هاتان السورتان تعويذتان عظيمتان وجليلتان ينبغي لكل مسلم أن يتعلمهما ويأخذ بهما، ليقي نفسه الشرور كلها، ثم أيضًا يعلمها أولاده وأهل بيته، فإنك إن تعلمتها وأخذت بها، وقرأتها، وحرصت عليها؛ وقاك الله كل شر، وكفاك الله كل ضر، ولن يستطيعك لا ساحر ولا حاسد ولا جن ولا هامَّة ولا دابة ولا سبع ولا غير ذلك.
قال الله -عز وجل: ﴿قُلْ﴾، وهذا يدل على العناية والاهتمام.
﴿أَعُوذُ﴾، أي ألتجئ وأعتصم.
﴿بِرَبِّ الفَلَقِ﴾، أي برب الصبح، قال الله -عز وجل: ﴿فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً﴾ [الأنعام: 96]
﴿بِرَبِّ الفَلَقِ﴾، وقيل: إن الفلق هم الخلق، وهذا القول له معنى، لأن كل خلق الله منفلق، أي ينفلق من شيء آخر، نحن انفلقنا من البويضة أمن الحيوان المنوي، وهكذا هذه النجوم والأفلاك والصخور والأشجار والحبوب والزروع والثمار؛ كلها منفلقة.
إذن الفلق هو الصبح، وهذا قول أكثر السلف، وقال بعضهم: الفلق بمعنى الخلق، وقيل إنه وادٍ أو نفق في جهنم.
وقيل إنه اسم لجهنم، وأشهر الأقوال ما ذكرنا من أن الفلق هو الصبح.
فإن قلت: ما المناسبة بين الفلق بمعنى الصبح وهذه التعويذة؟ فكأن الإنسان الذي يأخذ بهذه السورة مثل الذي يقبل على الصباح بعد ظلمة الليل، فهو يفرح به، فكذلك هذه السورة إذا أخذت بها كأنك أصبحت بعد ظلمة الخوف والهمِّ والوقوع في البلايا والشرور والمضرات.
ثم جاء بتعويذة عامة: ﴿مِن شَرِّ مَا خَلَقَ﴾، أي من شر كل شيء خلقه الله -سبحانه وتعالى-، حتى من نفسك ومن ولدك وأهل بيتك، من شر كل شيء خلقه الله -سبحانه وتعالى.
ثم قال: ﴿وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ﴾، أي ومن شر الليل إذا وقب، أي دخل، ولماذا استعاذ بالليل؟ لأن الليل تقع فيه كثير من الشرور، ويتخفى فيه كثير من الأشرار، ففي الليل يجتمع اللصوص، وفي الليل تقطع الطرق، وفي الليل تنتشر الهوامّ، وفي الليل تخرج السباع للبحث عن فرائسها، حتى المؤامرات تكون في الليل، وحتى الفضائيات التي تعبث بالأخلاق وتنشر الأفكار الضالة والشهوات المفسدة غالبًا ما تشتغل في الليل، إذن فنحن نستعيذ بالله من شر الليل إذا دخل.
وقد ورد في الغاسق حديث رواه الإمام مسلم أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال لعائشة وهو يشير للقمر: «يا عائش استعيذي بالله من شر هذا الغاسق إذا وقب»، وهذا قد يُشكِل عند بعض الناس، ولا إشكال فيه لأن القمر هو آية الليل، ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ﴾ [الإسراء: 12]، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- أشار إلى آية القمر التي هي أخص من الليل ليُبيِّن أنه يريد بها القمر والليل.
قال: ﴿إِذَا وَقَبَ﴾، أي إذا دخل.
﴿وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي العُقَدِ﴾، أي وأستعيذ برب الفلق من شر النفَّاثات في العقد، والنفَّاثات هنَّ السَّواحر، والنَّفث هو النفخ بغير ريق، النفخ بغير ريق يسمى نفثًا، وإذا كان بريق يسمى تفلًا.
قال: ﴿وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ﴾ أي السواحر، ﴿فِي العُقَدِ﴾، إذا عقدن السِّحر، فهنَّ يعقدن سحرهنَّ ثم ينفثن عليه ليتمَّ لهنَّ السحر أو ليتمَّ لهنَّ ما يردن.
وهل قوله ﴿النَّفَّاثَاتِ﴾ يدل على النساء السَّواحر؟ هذا ما يقوله بعض المفسرين، ويروا أن سحر النساء أكثر، وأنه أشد .
وهل يشمل ذلك سحر الرجال؟ إذا دخل فيه سحر النساء فيدخل فيه من باب أولى أو من باب عدم الفارق بين سحر الرجال وسحر النساء سحر الرجال.
وبعض العلماء يقول: ﴿وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ﴾، أي الأنفس السَّواحر، النَّفَّاثات هي الأنفس التي يقع منها السحر، فيشمل الرجال ويشمل النساء، وإنما نُصَّ على النَّفَّاثات والسحر لأنه شيء خفيّ لا يستشعره كل أحد، ولا يستطيع الإنسان أن يسلم منه، فهو الآن يلجأ إلى الله -عز وجل- في دفع هذا الشر عن نفسه.
قال الله -عز وجل: ﴿وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي العُقَدِ * وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ﴾، أيضًا هذا مستعاذ منه آخر وهو الحاسد إذا حسد.
قال: ﴿وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ﴾ أي إذا أمضى الحسد ولم يقل: "ومن شر الحاسد"، أو : "ومن شر حاسد"، ويكتفي؛ بل جعل الحاسد إذا حسد، لأن النفوس لا تسلم من الحسد، ولكن من الناس مَن يُمضيه، ومن الناس مَن يردُّه بإيمانه بقضاء الله وقدره وحسن تدبيره في عباده.
هذه السورة في الشرور الخارجية التي تحيط بالإنسان ولا قدرة للإنسان عليها ولذلك كان المستعاذ منه واحدًا -برب الفلق.

سورة الناس
ثم خصَّص لشرٍّ عظيمٍ خطيرٍ مهولٍ -وهو شر الشيطان- خصَّص له سورة كاملة، وجعل المستعاذ منه ثلاثًا، قال: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ﴾، ثلاث مرات. لماذا يأتي بثلاثة أسماء؟ لشدة خطره وأنه يلازم الإنسان في الليل والنهار، ومستمر على الكيد المكر والتزيين والتسويس والتغرير ما دامت هذه الحياة، ولذلك يستعيذ الإنسان برب الناس، ملك الناس، إله لناس.
قال: ﴿مِن شَرِّ الوَسْوَاسِ الخَنَّاسِ﴾، سمي وسواسًا لأنه يوسوس، يُحدِّث النفس بحديث خفي، يسمَّى وسواسًا، فهو دائمًا جاثم على قلب ابن آدم يُحدِّثه ويُزيِّن له الباطل، ويُزخرف له السوء.
قال: ﴿الخَنَّاسِ﴾، وصفه بالخنوس، لأن من وصف الشيطان أنه يخنس عندما يُذكر الله، فهو إذا غفلت وسوس، وإذا ذكرت الله خنس.
قال الله -عز وجل: ﴿الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ﴾، يعني مهمَّته هي الوسوسة في صدور العباد، ﴿يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ﴾.
﴿مِنَ الجِنَّةِ وَالنَّاسِ﴾، قوله: ﴿مِنَ الجِنَّةِ وَالنَّاسِ﴾ يحتمل أن يكون من تمام قوله ﴿الَّذِي يُوَسْوِسُ﴾، الذي يوسوس من الجنة والناس في صدور الناس، لأن الذين يوسوسون إمَّا أن يكونوا جنًّا وإما أن يكونوا إنسًا، وهذا يؤيده قول الله -عز وجل: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُواًّ شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ القَوْلِ غُرُوراً﴾ [الأنعام: 112].
ويمكن أن يكون المعنى: الذي يوسوس في صدور الناس. مَن هم الناس؟ المُوَسْوَس لهم من الجنة والناس، فيكون داخلًا فيها الجن والإنس، فالشيطان يوسوس لهؤلاء ولهؤلاء.
وهل الجن يسمون إنسًا؟ نعم يسمون إنسًا، وقد ورد في ذلك أحاديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم.
نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يمنَّ علينا بالقبول، وأن يجعلنا جميعًا من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصَّته .
يتوجب عليك تسجيل الدخول او تسجيل لروئية الموضوع
 

ام عبد المولى

مراقب عام
إنضم
26 سبتمبر 2012
المشاركات
2,741
النقاط
38
الإقامة
المغرب
احفظ من كتاب الله
الجزء الخامس
احب القراءة برواية
ورش
القارئ المفضل
الشيخ الحصري
الجنس
اخت
زادك علما ونفعا شيختنا الغالية
واسعدك في الدارين يارب
وصدقة جارية لك يارب
 

آلداعي

عضو مميز
إنضم
24 نوفمبر 2011
المشاركات
3,316
النقاط
38
الإقامة
||خير بقاع الأرض||
الموقع الالكتروني
www.qoranona.net
احفظ من كتاب الله
احب القراءة برواية
ツ ورش ツ
القارئ المفضل
كل من تلى كتاب الله بتدبر وخشوع
الجنس
||داعي إلى الله||
جزاك الله خيرا
كتب الباري سبحانه اجرك ونفع بك
وجزاك جل وعلا كل الخير واحسن اليك


 
أعلى