شرح ثلاثة الأصول لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله ابن باز

طباعة الموضوع

أم حذيفة

وَهذَا زَمَانُ الصَّبْرِ مَنْ لَكَ بِالَّتي
طاقم الإدارة
إنضم
26 أغسطس 2010
المشاركات
3,675
النقاط
38
الإقامة
الامارات
احفظ من كتاب الله
القرءان كامل
احب القراءة برواية
بحميع الروايات
القارئ المفضل
الشيخ ابراهيم الأخضر
الجنس
أخت
72.gif

نعتمد شرح الشيخ عبد العزيز بن بارز للعودة اليه للدراسة

شرح ثلاثة الأصول لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله ابن باز


(1) هذهِ رسالةٌ مهمةٌ في العقيدةِ أَلَّفَها الشيخُ أبو عبدِ اللَّهِ الإمامُ محمدُ بنُ عبدِ الوهَّابِ بنِ سليمانَ بنِ عليٍّ التَّمِيميُّ الحنبليُّ الإمامُ المشهورُ المُجَدِّدُ لِمَا انْدَرَسَ مِنْ مَعَالِمِ الإسلامِ في النصفِ الثاني منَ القرنِ الثاني عشرَ رحمهُ اللَّهُ وأكرمَ مثواهُ.
وقدْ كانَ رحمهُ اللَّهُ يلقِّنُ الطلبةَ والعامةَ هذهِ الأصولَ ليدرُسوها ويحفَظُوها ولِتستقرَّ في قلوبِهم؛ لكونِها قاعدةً في العقيدةِ.
وكانتْ وفاتُه سنةَ ستٍّ ومائتينِ وألفٍ منَ الهجرةِ، وكانَ مولدُهُ سنةَ خمسَ عشرةَ ومائةٍ وألفٍ منَ الهجرةِ، فقدْ عُمِّرَ إحدَى وتسعينَ سنةً.
وقدْ كانَ عُمُرًا مليئًا بالخيرِ والدعوةِ إلى اللَّهِ والتعليمِ والإرشادِ والصبرِ على ذلكَ.
وقدْ أنقذَ اللَّهُ بهِ العبادَ والبلادَ في زمانِهِ في هذهِ الجزيرةِ، وانتشرتْ دعوتُهُ في غيرِ الجزيرةِ منَ الشامِ ومصرَ والعراقِ والهندِ وغيرِها، بسببِ الدُّعاةِ الذينَ حَمَلُوا عنهُ العلمَ، وانْتَقلُوا إلى تلكَ البُلْدانِ والدولِ، وبسببِ المكاتيبِ والكتبِ التي انتشرتْ منهُ رحمهُ اللَّهُ ومنْ أتباعِهِ وأنصارِهِ والدعاةِ التابعينَ لهُ في الدعوةِ إلى اللَّهِ.

(2) هذهِ المسائلُ يجبُ أن يتعلَّمَها المؤمنُ والمؤمنَةُ صغارًا وكبارًا.

(3) فعلى الإنسانِ أن يتعلَّمَ ويتبصَّرَ حتَّى يكونَ على بيِّنةٍ، ويَعْرِفَ دينَ اللَّهِ الذي خُلِقَ مِنْ أجلِهِ، وهذا العلمُ هوَ معرفةُ اللَّهِ ومعرفةُ نَبِيِّه ومعرفةُ دينِ الإسلامِ بالأدلةِ، فهذا أولُ شيءٍ، أن يَتَبَصَّرَ العبدُ منْ هوَ ربُّه؟..
فيعرفَ أنَّ ربَّه الخالقَ الذِي خلقَهُ، ورَزَقَهُ، وأَسْدَى إليهِ النعمَ، وخلقَ مَنْ قبلَهُ، ويخلقُ مَنْ بعدَهُ، هوَ ربُّ العالمينَ وأنَّهُ الإلهُ الحقُّ المعبودُ الذِي لا يستحقُّ العبادةَ سواهُ أبدًا، لا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ، ولاَ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، ولا جنٌّ، ولا إنسٌ، ولا صنمٌ، ولا غيرُ ذلكَ.
بلِ العبادةُ حقٌّ للَّهِ وَحدَهُ، فهوَ المعبودُ بحقٍّ، وهوَ المستحقُّ بأن يُعبَدَ، وهوَ ربُّ العالمينَ وهوَ ربُّكَ وخالقُكَ وإلـهُكَ الحقُّ سبحانَه وتعالَى.

فَتَعْرِفَ هذهِ المسألةَ الأولى، وهيَ: أنْ تعرفَ ربَّك ونبيَّكَ ودينَكَ بالأدلةِ؛ قالَ اللَّهُ وقالَ الرسولُ لا بالرأي ولا بقولِ فلانٍ، بلْ بالأدلةِ من الآياتِ والأحاديثِ، وذلكَ هوَ دينُ الإسلامِ الذي أنتَ مأمورٌ بالدخولِ فيهِ، والالتزامِ بهِ، وهوَ عبادةُ اللَّهِ التي قالَ فيها سبحانَهُ وتعالَى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدونِ}.
هذهِ العِبَادَةُ هيَ الإسلامُ، وهي طاعةُ اللَّهِ ورسولِهِ، والقيامُ بأمرِ اللَّهِ وتركُ محارمِهِ.
هذهِ هي العبادةُ التي خُلِقَ الناسُ لأجلِها وأمرَ اللَّهُ بها الناسَ في قولِهِ: {يَأَيُّها النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ} يعنِي: اعبدوهُ بطاعةِ أوامرِهِ واجتنابِ نواهيهِ، وإسلامِ الوجهِ لهُ، وتخصيصِه بالعبادةِ سبحانَهُ وتعالى.


(4) ومِنْ ذلكَ أن تعرفَ نبيَّك وهوَ محمدُ بنُ عبدِ اللَّهِ بنِ عبدِ المطلبِ الهاشميُّ القرشيُّ المكيُّ ثم المَدَنِيُّ عَلَيْهِ الصلاةُ والسلامُ فتعرفَ أنَّهُ نبيُّكَ وأنَّ اللَّهَ أرسلَهُ إليكَ بدينِ الحقِّ يُعَلِّمُكَ ويُرْشِدُكَ فتؤمنَ بأنَّهُ رسولُ اللَّهِ حقًّا وأنَّ اللَّهَ أرسلَهُ للعالمينَ جميعًا منَ الجنِّ والإنسِ، وأنَّ الواجبَ اتباعُهُ، والسيرُ على منهاجِهِ.
وسيأتِي تفصيلُ هذا في الأصلِ الثالثِ منَ الأصولِ الثلاثةِ.

(5) أيْ: أنْ تَعْمَلَ بهذا الدِّينِ من صلاةٍ وصومٍ وجهادٍ وحجٍّ وإيمانٍ وتَقْوَى فتعملَ بالإسلامِ؛ لأَِنَّك مَخْلُوقٌ لهُ، مخلوقٌ لعبادةِ اللَّهِ.
- فعليكَ أنْ تعلمَ وتعملَ بهِ فتعبدَ اللَّهَ وحدَه.
- وتقيمَ الصلاةَ.
- وتؤديَ الزكاةَ.
- وتصومَ رمضانَ.
- وتحجَّ البيتَ.
- وتؤمنَ باللَّهِ وملائكتِهِ ورسلِهِ وكتبِهِ، وباليومِ الآخرِ، وبالقدرِ خيرِهِ وشرِّهِ.
- وتأمرَ بالمعروفِ وتَنْهَى عنِ المنكرِ.
- وتَبَرَّ والديكَ.
- وتصلَ الأرحامَ.
إلى غيرِ ذلكَ فتعملَ بما أمرَكَ اللَّهُ بِهِ.
وتنتهيَ عمَّا نهاكَ اللَّهُ عنْهُ، وتتركَ المعاصيَ التي أنتَ منهيٌّ عنها، وتفعلَ الواجباتِ التي أنتَ مأمورٌ بها.


(6) أيْ: أنْ تدعوَ إلى هذا الدينِ فتَنْصَحَ الناسَ بأن يَسْتَقِيمُوا عَلَيْهِ، وتُرْشِدَهُم وتأمرَهُم بالمعروفِ وتنهاهُم عن المنكرِ، هذهِ هي الدعوةُ إلى دينِ الإسلامِ.
فعلى كلِّ مسلمٍ أن يَدْعُوَ إلى اللَّهِ حسبَ طاقتِهِ وعلمِهِ، فكلُّ واحدٍ - رجلٍ أوِ امرأةٍ - عليهِ قسطٌ منْ هذا الواجب، منَ التبليغِ والدعوةِ والإرشادِ والنصيحةِ، وأنْ يدعوَ إلى توحيدِ اللَّهِ.
- وإلى الصلاةِ والمحافظةِ عليها.
- وإلى الزكاةِ وأدائِها.

- وإلى صومِ رمضانَ.
- وحجِّ البيتِ معَ الاستطاعةِ.
- وإلى برِّ الوالدينِ.
- وصلةِ الأرحامِ.

- وتركِ المعاصي كلِّها.



(7) أيْ: يصبرُ على الأذى في هذهِ الأشياءِ، فقد يحصلُ للإنسانِ أذًى، قدْ يَتْعَبُ مِنَ المَدْعُوِّ أو غيرِه، منْ أهلِهِ، أو غيرِهِم، فالواجبُ الصبرُ واحتسابُ الأجرِ عندَ اللَّهِ.فالمؤمنُ يصبرُ على إيمانِهِ باللَّهِ، ويصبرُ على العملِ بما أوجبَ اللَّهُ عليهِ، وتركِ ما حَرَّمَ اللَّهُ عليهِ، ويصبرُ في الدعوةِ إلى اللَّهِ، والتعليمِ، والأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عنِ المنكرِ.
فلا بدَّ منَ الصبرِ في هذهِ الأمورِ كلِّها.

فالدينُ كلُّه يحتاجُ إلى صبرٍ، صبرٍ على دعوةِ اللَّهِ وحدَه، وصبرٍ على أنْ تصلِّيَ، وتُزَكِّيَ، وتصومَ، وتحجَّ، وتأمرَ بالمعروفِ وتنهى عنِ المنكرِ، وصبرٍ عنِ المحارمِ والسيئاتِ فَتَحْذَرَ مِنْ قربِها فالإنسانُ إذا لمْ يصبرْ، وقعَ فيما حرَّمَ اللَّهُ عليهِ أو ترك ما أوجبَ اللَّهُ عليه:
- ولهذا قالَ تعالى لرسولِهِ: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزمِ مِنَ الرُّسُلِ}.
- وقالَ سبحانَهُ: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا}.
- وقال تعالى: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ}.
- وقال تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ}.
- وقالَ تعالى: {وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}.
يعني: اصبرُوا على طاعةِ اللَّهِ وتركِ معصيتِهِ، واحذروا مخالفةَ أمرِهِ وارتكابَ نهيِهِ.

(8) وهذا هوَ الدليلُ على هذهِ المسائلِ الأربعِ، ففي هذهِ السورةِ العظيمةِ الحُجَّةُ لهذهِ الأمورِ وهذا هوَ الدينُ كلُّه، فالدينُ كلُّه إيمانٌ وعملٌ ودعوةٌ وصبرٌ، إيمانٌ بالحقِّ وعملٌ بِهِ ودعوةٌ إليهِ وصبرٌ على الأذى فيهِ.
والناسُ كلُّهُم في خَسارةٍ {إلاَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ} أيِ: الذينَ استثناهُمُ اللَّهُ فجميعُ بني آدمَ في خُسْرانٍ وعلى طريقِ الهلاكِ إلاَّ الذينَ آمنُوا وعمِلُوا الصالحاتِ، وتواصَوْا بالحقِّ، وتواصَوْا بالصبرِ، فهؤلاءِ هُمُ الرابحونَ، وهُمُ السعداءُ.
وقدْ أقسمَ اللَّهُ على هذا بقولِهِ: {وَالْعَصْرِ} وهوَ الصادقُ سبحانَهُ وتعالى وإنْ لَمْ يُقْسِمْ، ولكنْ أقسمَ لتأكيدِ المقامِ.

واللَّهُ سبحانَهُ وتعالى يقسمُ بما شاءَ منْ خلقِهِ،فلا أحدَ يَتَحَجَّرُ عَلَيْهِ، فَأَقْسَمَ بالسماءِ ذاتِ البروجِ، وأقسمَ بالسماءِ والطارقِ، وبالضحَى، وبالشمسِ وضحاها، وبالليلِ إذا يَغْشَى، وبالنَّازِعَاتِ، وغيرِ ذلكَ:
- لأَِنَّ المخلوقاتِ تدلُّ على عظمتِهِ،وعلى أنَّهُ سبحانَهُ هوَ المستحقُّ للعبادةِ.
- ولبيانِ عظمِ شأنِ هذهِ المخلوقاتِ التي تدلُّ على وحدانيَّتِهِ وأنَّهُ المستحقُّ للعبادةِ وحدَه.
وأمَّا المخلوقُ فليسَ لَهُ أنْ يُقْسِمَ إلاَّ بربِّهِ،فلا يُقْسِمُ ولاَ يَحْلِفُ إلا باللَّهِ ولا يجوزُ لهُ أن يحلفَ بالأنبياءِ، ولا بالأصنامِ، ولا بالصالحينَ، ولا بالأمانةِ، ولا بالكعبةِ، ولا بغيرِها.
هذا هوَ الواجبُ على المسلمِ؛ لقولِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ حَلَفَ بِشَيْءٍ دُونَ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ)) أخرجَهُ الإمامُ أحمدُ بإسنادٍ صحيحٍ.
وقالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: ((مَنْ كَانَ حالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ)).

فالواجِبُ عَلَى كلِّ مسلمٍ ومسلمةٍ الحذرُ من الحلفِ بغيرِ اللَّهِ، وأنْ تكونَ أَيْمانُهم كلُّها باللَّهِ وحدَه سبحانَهُ وتعالى.

(9) الشافعيُّ: هوَ الإمامُ المشهورُ، أحدُ العلماءِ الكبارِ، وأحدُ الأئمةِ الأربعةِ، وهوَ محمدُ بنُ إدريسَ الشافعيُّ المطلبيُّ، المولودُ سنةَ خمسينَ ومائةٍ وتُوفِّيَ سنةَ أربعٍ ومائتَيْنِ.

(10) يقولُ رحمَهُ اللَّهُ: (لوْ ما أنزلَ اللَّهُ حجةً على خلقِهِ إلاَّ هذهِ السورةَ لكَفَتْهُم) وفي رِوَايةٍ: (لو فكَّر النَّاسُ في هذهِ السورةِ لكَفَتْهُم ) أيْ لوْ نَظَروا فيها وتأمَّلوا فيها لكانتْ كافيةً في إلزامِهِم بالحقِّ، وقيامِهِم بما أوجبَ اللَّهُ عليهِم، وتركِ ما حرَّمَهُ عليهِم؛ لأَِنَّ اللَّهَ بَيَّنَ أنَّ الذينَ آمنُوا وعملُوا الصالحاتِ وتواصَوْا بالحقِّ وتواصَوْا بالصبرِ همُ الرابحونَ، وَمَنْ سواهُم خاسرٌ.
وهذهِ حجةٌ قائمةٌ على وجوبِ التواصي، والتناصُحِ،والإيمانِ والصبرِ، والصدقِ، وأنَّهُ لا طريقَ للسعادةِ والربحِ إلاَّ بهذهِ الصفاتِ الأربعِ؛ إيمانٌ صادقٌ باللَّهِ ورسولِهِ، وعملٌ صالحٌ، وتواصٍ بالحقِّ، وتواصٍ بالصبرِ.

(11) البخاريُّ هوَ أبو عبدِ اللَّهِ محمدُ بنُ إسماعيلَ بنِ إبراهيمَ البُخاريُّ من بُخارَى في الشرقِ الأوسطِ، وُلدَ سنةَ أربعٍ وتسعينَ ومائةٍ في آخرِ القرنِ الثاني، وماتَ سنةَ ستٍّ وخمسينَ ومائتَيْنِ في وَسَطِ القرنِ الثالثِ، كانَ عمرُهُ اثنتَيْنِ وستينَ سنةً، وهوَ صاحبُ الصحيحِ، ولهُ مُؤَلَّفاتٌ أخرى عظيمةٌ نافعةٌ رحمَهُ اللَّهُ. يقولُ: (بابٌ: العلمُ قبلَ القولِ والعملِ؛ لقولِ اللَّهِ سبحانَهُ: {فَاعْلَمْ أنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ}فبدأَ بالعلمِ قبلَ القولِ والعملِ) فالإنسانُ عليهِ أن يتعلَّمَ أوَّلاً، ثمَّ يعملَ، فيتعلَّمَ دينَهُ، ويعملَ على بصيرةٍ.
واللهُ أعلمُ.
يتوجب عليك تسجيل الدخول او تسجيل لروئية الموضوع
 

أم حذيفة

وَهذَا زَمَانُ الصَّبْرِ مَنْ لَكَ بِالَّتي
طاقم الإدارة
إنضم
26 أغسطس 2010
المشاركات
3,675
النقاط
38
الإقامة
الامارات
احفظ من كتاب الله
القرءان كامل
احب القراءة برواية
بحميع الروايات
القارئ المفضل
الشيخ ابراهيم الأخضر
الجنس
أخت
اعْلَمْ رَحِمَكَ اللهُ: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ تَعَلُّمُ ثَلاَثِ هذِهِ المَسَائِلِ والعَمَلُ بِهِنَّ:
الأُولَى:أَنَّ اللهَ خَلَقَنَا وَرَزَقنَا وَلَمْ يَتْرُكْنا هَمَلاً؛ بَلْ أَرْسَلَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَمَنْ أَطَاعَهُ دَخَلَ الجَنَّةَ وَمَنْ عَصَاهُ دَخَلَ النَّارَ.

والدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إنَّا أَرْسَلْنَا إلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيكُم كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرعَوْنَ رَسُولاً (15) فَعَصَى فِرْعَونُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً}[المزمل:14-15].

الثَّانِيَةُ:أَنَّ اللهَ لاَ يَرْضَى أَنْ يُشْرَكَ مَعَهُ أَحـدٌ فِي عِبَادَتِهِ،
لاَ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ وَلا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلا غَيرُهُمَا، وَالدَّلِيلُ قَولُهُ تَعَالى: {وَأَنَّ المَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً}[الجن:18].
الثَّالِثَةُ:أَنَّ مَنْ أَطَاعَ الرَّسُولَ وَوَحَّدَ اللهَ لاَ يَجُوزُ لَهُ مُوَالاَةُ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَو كَانَ أَقْرَبَ قَرِيبٍ، وَالدَّلِيلُ قَولُهُ تَعَالى: {لاَ تَجِدُ قَوماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَو كَانُوا آبَاءَهُمْ أَو أَبْنَآءَهُمْ أَو إِخْوَانَهُمْ أَو عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ في قُلُوبِهِمُ الإيمَانَ وأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللهِ ألا إنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ المُفْلِحُونَ}[المجادلة:22].

(1) هذهِ المسائلُ الثلاثُ منْ أهمِّ المسائلِ التي تتعلَّقُ بالتوحيدِ وحقوقِهِ.

(2) اللَّهُ خَلَقَ الخلْقَ ليعبدُوهُ فلمْ يخلقْهُم هَمَلاً، ولا سُدًى، ولا عَبَثًا.
لكنَّهُ خلقَهُم لأمرٍ عظيمٍ، ولحكمةٍ عظيمةٍ فيها سعادَتُهُم، وفيها نجاتُهُم، وهيَ أنْ يعبدُوا اللَّهَ وحدَه لا شريكَ لهُ، كما قالَ تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ والإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} وهذهِ العِبَادَةُ أمرَهُم اللَّهُ بها:
- في قولِهِ سبحانَهُ: {يَأَيُّها النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُم}.
- وفي قولِهِ تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ}.
- وفي قولِهِ: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا}.
- وفي قولِهِ: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ}.
- وفي قولِهِ: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}.
في آياتٍ كثيرةٍ أمرَهُمْ فيها بالعبادةِ، وهيَ توحيدُهُ جلَّ وعلا، وتخصيصُهُ بالعبادةِ من دعاءٍ وخوفٍ ورجاءٍ وتوكُّلٍ ورغبةٍ ورهبةٍ وصلاةٍ وصومٍ وغيرِ ذلكَ.
فهوَ المُسْتَحِقُّ للعبادةِ جلَّ وعلا، دونَ كلِّ ما سواهُ.
ويدخلُ في ذلكَ فعلُ الأوامرِ، وتركُ النواهي، فأداءُ الأوامرِ التي أمرَكَ اللَّهُ بها ورسولُه، وتركُ النواهي التي نهاكَ اللَّهُ عنها ورسولُهُ، كلُّ هذا داخلٌ في العبادةِ، وهذا هوَ الإسلامُ، وهوَ الدينُ وهوَ الإيمانُ وهوَ الهدى، فلا تُصَلِّ إلاَّ للَّهِ، ولا تَرْكَعْ إلاَّ لهُ ولا تَذْبَحْ إلاَّ لَهُ، ولا تَدْعُ إلاَّ إيَّاهُ، ولا تَتَوَكَّلْ إلاَّ عليهِ، إلى غيرِ هذا مِنَ العِبَادَاتِ.
أمَّا الاستعانةُ بحاضرٍ قادرٍ فيما يَقْدِرُ عَلَيْهِ، فهذا ليسَ بعبادةٍ كَمَا قالَ سبحانَهُ في قِصَّةِ موسى: {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} فإنَّ موسى قادرٌ على أنْ يُغِيثَهُ.
أمَّا دعاءُ الميتِ، ودعاءُ الغائبِ الذي لا يَسْمَعُ كَلاَمَكَ، أو دعاءُ الصنمِ، أو الجنِّ، أو الأشجارِ، ونحوِها فهذا شركُ المشركينَ، وهو الشركُ الأكبرُ الذي قالَ اللَّهُ فيهِ: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}.
- وقالَ تعالى: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
- وقالَ سبحانَهُ: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}.
- وقالَ سبحانَهُ: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وإِلَى الّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}.
فاللَّهُ خلقَنا ورزقَنا ولمْ يتركنا هملاً بلْ أمرَنا بتوحيدِهِ وطاعتِهِ وتركِ معصيتِهِ.

(3) وأرسلَ إلينا رسولاً هوَ محمدٌ عليهِ الصلاةُ والسلامُ بكلِّ ما تقدمَ، وأنزلَ عليهِ القرآنَ بذلكَ، لنستقيمَ على ما فيهِ منَ الهدى، ونعملَ بما فيهِ من الأوامرِ، ونَنْتَهِيَ عمَّا فيهِ من النواهي، وعلى يدِ محمدٍ رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّمَ خاتمِ النَّبِيِّينَ والمُرْسَلِينَ، جاءَ ليعلِّمَ النَّاسَ دينَهُم.
فَهُوَ خاتمُ الأنبياءِ وإمامُهُم وأفضلُهم.

(4) فمنْ أطاعَ هذا الرسولَ واستقامَ على دينِهِ فلهُ الجنَّةُ، ومنْ عصى هذا الرسولَ وحادَ عنْ دينِهِ فلَهُ النارُ، كما قالَ تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِدًا عَلَيْكُم}، يعني: بأعمالِكُم.. {كَمَا أَرْسَلْنَا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً} فهوَ مرسلٌ عليهِ الصلاةُ والسلامُ.
{فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْناهُ أَخْذًا وَبِيلاً} أيْ أخذْنا فرعونَ أخذًا وبيلاً في الدنيا بالغرقِ وفي الآخرةِ بالنارِ.

(5) هذهِ المسألةُ الثانيةُ إنَّما هيَ تحقيقٌ للمسألةِ الأُولى، أنْ تعلمَ أنَّ اللَّهَ لا يَرْضَى أنْ يُشْرَكَ مَعَهُ أَحَدٌ في عبادتِهِ، كما أنَّهُ الخالقُ الرازقُ المُحْيِي المميتُ، الذي خلقَكَ وأعطاكَ النعمَ، فهوَ سبحانَهُ لا يَرْضَى أنْ يُشْرَكَ معهُ أحدٌ منَ الخلقِ، لا نبيٌّ مُرْسَلٌ، ولا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ، ولا غيرُهما؛ لأنَّ العبادةَ حقُّ اللَّهِ وحدَه:
- كما قالَ تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ}.
- وكما قالَ تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}.
لأنَّ الإشراكَ بِهِ هوَ أعظمُ الذنوبِ، وقدْ جَاء في الآياتِ الكثيرةِ، الأمرُ بإخلاصِ العبادةِ للَّهِ وحدَه، والنهيُ عنْ عبادةِ ما سواهُ، فتَجْمَعُ بينَ أمرَيْنِ، فتُؤْمِنُ بأنَّ اللَّهَ هوَ الخالقُ الرازقُ المُحْيِي المميتُ، وتؤمنُ بأنَّهُ سبحانَهُ هوَ المستحقُّ للعبادةِ منْ ذبحٍ وصلاةٍ وصومٍ وغيرِ ذلكَ من العباداتِ، كما قالَ سبحانَهُ: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ واحدٌ} وقالَ سبحانه: {فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}.

(6) وهذهِ هيَ المسألةُ الثالثةُ، وهيَ منْ أهمِّ الواجباتِ أنْ يَعْلَمَ كلُّ مسلمٍ ومسلمةٍ أنَّه لا يجوزُ لهُ أن يُوالِيَ المُشْرِكينَ أو يُحِبَّهُم، فكلُّ مَنْ أطاعَ اللَّهَ ورسولَهُ ووحَّدَ اللَّهَ جلَّ وعلا يَلْزَمُهُ أن يُعادِيَ الكُفَّارَ ويُبْغِضَهُم في اللَّهِ، ولا يجوزُ لهُ موالاتُهُم ومحبتُهُم:
- لقولِهِ تعالى: {لاَ تَجِدُ قَوْمًا} أيْ لاَ تَجِدُ يا محمدُ قومًا أَهْلَ إِيمانٍ صادقٍ يُوادُّونَ مَن حَادَّ اللَّهَ ورسولَهُ.
- وقالَ تعالى: {يَا أَيُّها الَّذينَ ءَامَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا اليَهُودَ وَالنَّصارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمينَ}.
- وقالَ عزَّ وجلَّ: {قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ في إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءَاؤُا مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ العَداوةُ وَالبَغْضَاءُ أبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ}.
فلا بدَّ مِنَ البغضاءِ والعداوةِ لأعداءِ اللَّهِ، ومودةِ المؤمنينَ ومحبتِهِم، هكذا المؤمنُ يُحِبُّ أولياءَ اللَّهِ، ويَتَعَاونُ معَهُم على الخيرِ، ويَكْرَهُ أعداءَ اللَّهِ ويُبْغِضُهم ويُعَادِيهِم في اللَّهِ، وإنْ دعاهُم إلى اللَّهِ، وإنْ أقرَّهُم في بلادِهِ وأخذَ منهُم الجزيةَ كولِيِّ الأمرِ؛ لأنَّ الرسولَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخذَ الجزيةَ من اليهودِ والنَّصارَى والمَجُوسِ، وأَخْذُ الجزيةِ منهُم فيهِ عونٌ للمسلمينَ، لا مَحَبَّةٌ لهُم.
وتؤخذُ الجزيةُ منهُم إذا لمْ يَدْخُلُوا في الإسلامِ، ولا يُقاتَلون بلْ يُقَرُّونَ مع بُغْضِهِم في اللَّهِ، وعدمِ موالاتِهم.
فإنْ أبَوُا الإسلامَ والجزيةَ قُوتِلوا معَ القدرةِ.
وهذا خاصٌّ بأهلِ الكتابِ والمجوسِ، أما بقيةُ الكفارِ فلا تُقبَلُ منهُم الجزيةُ، بلْ يُقاتَلُون حتَّى يدخلُوا في الإسلامِ كالوَثَنِيِّينَ والشُّيُوعِيِّينَ وغيرِهم من أصنافِ الكَفَرةِ معَ القدرةِ على ذلكَ:
- لقولِ اللَّهِ سبحانَهُ: {وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للَّهِ}.
- وقولِهِ سبحانَهُ: {انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}.
- وقولِهِ سبحانَهُ: {فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الحُرُمُ فَاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُم وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَءَاتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}، والآياتُ في هذا المعنى كثيرةٌ.
ومرادُهُ سبحانَهُ معَ القدرةِ على ذلكَ؛ لقولِهِ عزَّ وجلَّ: {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا}.
وقولِهِ سبحانَهُ: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} الآيةَ، ولأنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يُقَاتِلِ المُشْرِكِينَ حتَّى قَوِيَ على ذلكَ، ثمَّ قالَ تعالى في آخرِ الآيةِ: {أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ} أيْ: قَوَّاهُم بقوةٍ منهُ.




 

أم حذيفة

وَهذَا زَمَانُ الصَّبْرِ مَنْ لَكَ بِالَّتي
طاقم الإدارة
إنضم
26 أغسطس 2010
المشاركات
3,675
النقاط
38
الإقامة
الامارات
احفظ من كتاب الله
القرءان كامل
احب القراءة برواية
بحميع الروايات
القارئ المفضل
الشيخ ابراهيم الأخضر
الجنس
أخت
(1) وَدَلِيلُ ذلكَ - أَعْنِي أنَّ اللَّهَ خَلَقَنَا - سَمْعِيٌّ وَعَقْلِيٌّ:
أمَّا السَّمْعِيُّ فكثيرٌ ومنهُ:
- قولُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ}.
- وقولُهُ: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} الآيَةَ.
- وقولُهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ}.
- وقولُهُ: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ}.
- وقولُهُ: {خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ}.
- وَقَوْلُهُ: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}.
- وقولُهُ: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}.
- وقولُهُ: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} إلى غيرِ ذلكَ منَ الآياتِ.
أمَّا الدليلُ العَقْلِيُّ على أنَّ اللَّهَ خَلَقَنَا؛ فقدْ جَاءَت الإشارةُ إليهِ في قولِهِ تَعَالَى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ}.
فإنَّ الإنسانَ لمْ يَخْلُقْ نَفْسَهُ؛ لأنَّهُ قَبْلَ وُجُودِهِ عَدَمٌ، والعدمُ ليسَ بشيءٍ، وما ليسَ بشيءٍ لا يُوجِدُ شَيْئًا، ولمْ يَخْلُقْهُ أَبُوهُ، ولا أُمُّهُ، ولا أَحَدٌ من الخَلْق.
ولمْ يَكُنْ لِيَأْتِيَ صُدْفَةً بدونِ مُوجِدٍ؛ لأنَّ كلَّ حادثٍ لا بُدَّ لهُ مِنْ مُحْدِثٍ، ولأَنَّ وُجُودَ هذهِ المخلوقاتِ على هذا النظامِ البديعِ والتَّنَاسُقِ المُتَآلِفِ يَمْنَعُ مَنْعًا بَاتًّا أنْ يكونَ صُدْفَةً؛ إذ الموجودُ صُدْفَةً ليسَ على نظامٍ في أصلِ وجودِهِ، فكيفَ يكونُ مُنْتَظِمًا حالَ بَقَائِهِ وَتَطَوُّرِهِ؟!
فَتَعَيَّنَ بهذا أنْ يكونَ الخالقُ هوَ اللَّهَ وحدَهُ، فلا خَالِقَ ولا آمِرَ إلاَّ اللَّهُ، قالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ}.
ولمْ يُعْلَمْ أنَّ أَحَدًا من الخلقِ أَنْكَرَ رُبُوبِيَّةَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى إلاَّ على وَجْهِ المُكَابَرَةِ كما حَصَلَ منْ فِرْعَونَ.
وعندَما سَمِعَ جُبَيْرُ بنُ مُطْعِمٍ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ سُورَةَ الطُّورِ، فَبَلَغَ قولَهُ تَعَالَى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَلْ لاَ يُوقِنُونَ أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَوكانَ جُبَيْرُ بنُ مُطْعِمٍ يَوْمَئِذٍ مُشْرِكًا فقالَ: (كَادَ قَلْبِي أَنْ يَطِيرَ، وذلكَ أَوَّلُ ما وَقَرَ الإيمانُ في قَلْبِي).
(2) أَدِلَّةُ هذهِ المسألةِ كثيرةٌ منَ الكتابِ والسُّنَّةِ والعَقْلِ.
أمَّا الكتابُ:
- فقالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}.
- وقالَ تَعَالَى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللَّهُ}.
- وقولُهُ: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ}، والآياتُ في هذا كثيرةٌ.
وأمَّا السُّنَّةُ: فَمِنْهَا قولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الجَنِينِ ( يُبْعَثُ إليهِ مَلَكٌ، فَيُؤْمَرُ بأربعِ كلماتٍ: بِكَتْبِ رِزْقِهِ، وَأَجَلِهِ، وَعَمَلِهِ، وَشَقِيٌّ أمْ سَعِيدٌ ) .
وأمَّا الدليلُ العقليُّ على أنَّ اللَّهَ رَزَقَنَا؛ فَلأَِنَّنَا لا نَعِيشُ إلاَّ على طعامٍ وشرابٍ، والطعامُ والشرابُ خَلَقَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، كما قالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64) لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (65) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (66) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (67) أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (69) لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ}.
ففي هذهِ الآياتِ بَيَانُ أنَّ رِزْقَنَا طَعَامًا وَشَرَابًا مِنْ عندِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
(3) هذا هوَ الواقعُ الَّذِي تَدُلُّ عليهِ الأَدِلَّةُ السَّمْعِيَّةُ والعقليَّةُ.
أمَّا السَّمْعِيَّةُ؛ فمنها:
- قولُهُ تَعَالَى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ}.
- وقولُهُ: {أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى}.
وأمَّا العَقْلُ؛ فَلأَِنَّ وجودَ هذهِ البشريَّةِ لِتَحْيَا، ثُمَّ تَتَمَتَّعَ كمَا تَتَمَتَّعُ الأنعامُ، ثُمَّ تَمُوتَ إلى غيرِ بعثٍ ولا حِسَابٍ، أمرٌ لا يَلِيقُ بِحِكْمَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، بلْ هوَ عَبَثٌ مَحْضٌ، ولا يُمْكِنُ أنْ يَخْلُقَ اللَّهُ هذهِ الخليقَةَ، وَيُرْسِلَ إليها الرُّسُلَ، وَيُبِيحَ لنا دِمَاءَ المُعَارِضِينَ المُخَالِفِينَ للرُّسُلِ عليهِم الصلاةُ والسلامُ، ثمَّ تَكُونُ النتيجةُ لا شيءَ، هذا مُسْتَحِيلٌ على حِكْمَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
(4) أيْ: أنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَرْسَلَ إلَيْنَا - مَعْشَرَ هذهِ الأمةِ، أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْنَا آياتِ ربِّنَا، وَيُزَكِّينَا، وَيُعَلِّمُنَا الكتابَ والحكمةَ، كما أَرْسَلَ إلى مَنْ قَبْلَنَا، قالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وتَعَالَى: {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ}.
ولا بُدَّ أنْ يُرْسِلَ اللَّهُ الرُّسُلَ إلى الخَلْقِ؛ لِتَقُومَ عليهم الحُجَّةُ، وَلِيَعْبُدُوا اللَّهَ بما يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ.
قالَ اللَّهُ تبارَكَ وتَعَالَى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلى إِبْرَاهِيمَ وإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا (163) وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (164) رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ للنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}.
ولا يُمْكِنُ أنْ نَعْبُدَ اللَّهَ بما يَرْضَاهُ إلاَّ عنْ طريقِ الرُّسُلِ عليهم الصلاةُ والسلامُ؛ لأنَّهم هم الذينَ بَيَّنُوا لنا ما يُحِبُّهُ اللَّهُ وَيَرْضَاهُ، وما يُقَرِّبُنَا إليهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ فَبِذَلِكَ كانَ منْ حكمةِ اللَّهِ أنْ أَرْسَلَ إلى الخلقِ رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ، الدليلُ قولُهُ تَعَالَى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلاً}.
(5) هذا حَقٌّ مُسْتَفَادٌ منْ:
- قولِهِ تَعَالَى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ وَسَارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلمُتَّقِينَ}.
- ومِنْ قولِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}.
- ومِنْ قولِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ}.
- وقولِهِ: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا}.
- وقولِهِ: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}، والآياتُ في ذلكَ كثيرةٌ.
ومِنْ قولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ أَبَى))، فَقِيلَ: وَمَنْ يَأْبَى يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ((مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي دَخَلَ النَّارَ)) رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
(6) هذا أَيْضًا حَقٌّ مُسْتَفَادٌ منْ:
- قولِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ}.
- وقولِهِ: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُبِينًا}.
- وقولِهِ: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا}.
- ومِنْ قولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديثِ السابقِ: ((وَمَنْ عَصَانِي دَخَلَ النَّارَ)).
(7) أي : المَسْأَلَةُ الثانيَةُ مِمَّا يَجِبُ علينا عِلْمُهُ ، أنَّ اللَّهَ سبحانَهُ وتَعَالَى لا يَرْضَى أنْ يُشْرَكَ مَعَهُ في عبادتِهِ أَحَدٌ، بلْ هوَ وحدَهُ المُسْتَحِقُّ للعبادةِ.
ودليلُ ذلكَ ما ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ منْ قولِهِ تَعَالَى: {وَأَنَّ المَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}.
فَنَهَى اللَّهُ تَعَالَى أنْ يَدْعُوَ الإنسانُ معَ اللَّهِ أحدًا، واللَّهُ لا يَنْهَى عنْ شيءٍ إلاَّ هُوَ لا يَرْضَاهُ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى:
- وقالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلاَ يَرْضَى لِعِبَادِهِ الكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ}.
- وقالَ تَعَالَى: {فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ}.
فالكفرُ والشِّرْكُ لا يَرْضَاهُ اللَّهُ سبحانَهُ وتَعَالَى، بلْ إنَّمَا أَرْسَلَ الرُّسُلَ، وَأَنْزَلَ الكُتُبَ؛ لِمُحَارَبَةِ الكفرِ والشركِ والقضاءِ عليهِمَا؛ قالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ}.
وإذا كانَ اللَّهُ لا يَرْضَى بالكفرِ والشركِ فإنَّ الواجبَ على المؤمنِ أنْ لا يَرْضَى بهما؛ لأنَّ المؤمنَ رِضَاهُ وَغَضَبَهُ تَبَعُ رِضَا اللَّهِ وَغَضَبِهِ، فَيَغْضَبُ لِمَا يُغْضِبُ اللَّهَ، وَيَرْضَى بِمَا يَرْضَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.
وكذلكَ إذا كانَ اللَّهُ لا يَرْضَى الكفرَ ولا الشِّرْكَ؛ فإنَّهُ لا يَلِيقُ بِمُؤْمِنٍ أنْ يَرْضَى بهما.
والشِّرْكُ أَمْرُهُ خَطِيرٌ:
- قالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}.
- وقالَ تَعَالَى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ}.
- وقالَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ لَقِيَ اللَّهَ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ لَقِيَهُ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا دَخَلَ النَّارَ)).
(8) أي : المسألةُ الثالثةُ مِمَّا يَجِبُ علينا عِلْمُهُ: الْوَلاءُ وَالْبَرَاءُ.
والولاءُ والبراءُ أصلٌ عظيمٌ جاءَتْ فيهِ النصوصُ الكثيرةُ:
- قالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً}.
- وقالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}.
- وقالَ سبحانَهُ وتَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}.
- وقالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}.
- وقالَ عَزَّ وَجَلَّ: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ والَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءَاءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} الآيَةَ.
ولأنَّ مُوَالاَةَ مَنْ حادَّ اللَّهَ ومُدَارَاتَهُ تَدُلُّ على أنَّ ما في قلبِ الإنسانِ من الإيمانِ باللَّهِ ورسولِهِ ضعيفٌ؛ لأنَّهُ ليسَ من العقلِ أنْ يُحِبَّ الإنسانُ شيئًا هوَ عدوٌّ لِمَحْبُوبِهِ.
ومُوَالاَةُ الكُفَّارِ تكونُ بمُناصَرَتِهِم وَمُعَاوَنَتِهِم على ما هم عليهِ من الكُفْرِ والضلالِ.
ومُوَادَّتُهُم تكونُ بفعلِ الأسبابِ التي تَكُونُ بها مَوَدَّتُهُم، فَتَجِدُهُ يُوَادُّهُم؛ أيْ: يَطْلُبُ وُدَّهُم بكلِّ طريقٍ، وهذا لا شَكَّ يُنَافِي الإيمانَ كُلَّهُ أوْ كَمَالَهُ.
فالواجبُ على المؤمنِ مُعَادَاةُ مَنْ حَادَّ اللَّهَ ورسولَهُ، ولوْ كانَ أَقْرَبَ قريبٍ إليهِ، وَبُغْضُهُ والبعدُ عنهُ، ولكنْ هذا لا يَمْنَعُ نَصِيحَتَهُ وَدَعْوَتَهُ لِلْحَقِّ.




 

أم حذيفة

وَهذَا زَمَانُ الصَّبْرِ مَنْ لَكَ بِالَّتي
طاقم الإدارة
إنضم
26 أغسطس 2010
المشاركات
3,675
النقاط
38
الإقامة
الامارات
احفظ من كتاب الله
القرءان كامل
احب القراءة برواية
بحميع الروايات
القارئ المفضل
الشيخ ابراهيم الأخضر
الجنس
أخت
المتن:

اعْلَمْ رَحِمَكَ اللهُ: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ
(1) تَعَلُّمُ ثَلاَثِ هذِهِ المَسَائِلِ والعَمَلُ بِهِنَّ
(2): الأُولَى: أَنَّ اللهَ خَلَقَنَا وَرَزَقنَا
(3) وَلَمْ يَتْرُكْنا هَمَلاً
(4)؛ بَلْ أَرْسَلَ إِلَيْنَا رَسُولاً
(5) فَمَنْ أَطَاعَهُ دَخَلَ الجَنَّةَ
(6) وَمَنْ عَصَاهُ دَخَلَ النَّارَ
(7)والدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إنَّا أَرْسَلْنَا إلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيكُم(8) كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرعَوْنَ رَسُولاً (9) (14) فَعَصَى فِرْعَونُ الرَّسُولَ(10) فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً(11)} .
الثَّانِيَةُ: أَنَّ اللهَ لاَ يَرْضَى أَنْ يُشْرَكَ مَعَهُ أَحـدٌ فِي عِبَادَتِهِ(12)، لاَ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ وَلا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ(13) وَلا غَيرُهُمَا، وَالدَّلِيلُ قَولُهُ تَعَالى: {وَأَنَّ المَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً}(14) .
الثَّالِثَةُ: أَنَّ مَنْ أَطَاعَ الرَّسُولَ وَوَحَّدَ اللهَ(15) لاَ يَجُوزُ لَهُ مُوَالاَةُ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ(16) وَلَو كَانَ أَقْرَبَ قَرِيبٍ(17)، وَالدَّلِيلُ قَولُهُ تَعَالى:
{لاَ تَجِدُ قَوماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ(18) وَلَو كَانُوا آبَاءَهُمْ أَو أَبْنَآءَهُمْ أَو إِخْوَانَهُمْ أَو عَشِيرَتَهُمْ(19) أُولَئِكَ كَتَبَ في قُلُوبِهِمُ الإيمَانَ(20) وأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ(21) وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا(22) رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ(23) أُولَئِكَ حِزْبُ اللهِ(24) ألا إنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ المُفْلِحُونَ(25)} .

الحاشية :
(1) مُكلَّفٌ، مِن ذكَرٍ وأنثَى، حرٍّ وعبْدٍ، وُجُوبًا عَيْنِيًّا، يُعَاقَبُ المرءُ على تركِه.
(2) أيْ: مَعْرِفَتُهُنَّ واعْتِقَادُ معانِيهِنَّ، والعملُ بِمَدْلُولِهِنَّ، فإنَّ العَمَلَ هو ثَمَرَةُ العِلْمِ.
(3) أيْ: أَوْجَدَنا بعدَ أن لم نكُنْ شيئًا لِعبادَتِه، ورَزَقَنا النِّعَمَ لنَسْتَعِينَ بها على مَا خَلَقَنَا لَه.
(4) أيْ: مُهْمَلِين مُعَطَّلِين سُدًى، شِبْهَ البهائِمِ، لا نُؤْمَرُ ولا نُنْهَى:
- قالَ تعالى: {أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى}.
- وقالَ: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لاَ تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ المَلِكُ الحَقُّ لاَ إِلهَ إلاَّ هُوَ}.
- وفي الحديثِ القُدُسِيِّ: ((ابْنَ آدَمَ خَلَقْتُكَ لأَجْلِي، وَخَلَقْتُ كُلَّ شَيْءٍ لأَجْلِكَ فَلاَ تَلْعَبْ)) بلْ خَلَقَنَا لنَعْبُدَه وحدَه لا شريكَ له.
(5) هو: محمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أرْسَلَه اللَّهُ بالهُدَى ودينِ الحقِّ، وهذا أصْلٌ عظيمٌ مِن أصولِ الدينِ، يَجِبُ علينا معرِفَتُه واعتقادُه، والعَمَلُ بِمُقْتَضَاه.
(6) لأنَّ طاعتَه طاعَةٌ للَّهِ {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ}، {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَائِزُونَ}.
(7) أعاذَنَا اللَّهُ مِنْها {وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ}، وقدْ أَمَرَنَا اللَّهُ بطاعتِه ونَهَانا عن مَعْصِيَتِه في غيرِ موْضِعٍ مِن كتابِه.
(8) معشرُ الثَّقَلَيْن بأعْمَالِكم يومَ القيامَةِ، وقالَ تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} عَدْلاً {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}.
(9) هو: موسَى كَلِيمُ الرحمنِ، عليه السلامُ، كمَا أخْبَرَ اللَّهُ به في غيرِ موْضِعٍ مِن كتابِه.
(10) أيْ: عَصَى فِرْعَونُ رسولَ اللَّهِ موسى عليه السلامُ، وأَبَى إلاَّ التمَادِيَ في الكُفْرِ والطُّغْيانِ.
(11) شديدًا مُهْلِكًا، وذلك بإغْراقِه وجنودِه في البحْرِ، فلمْ يَفْلِت منْهُم أحدٌ، ثمَّ بعدَ ذلك في عذابِ البَرْزَخِ إلى يومِ القيامةِ، ثمَّ عذابِ النارِ، قالَ تعالى: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} أيْ: يُعْرَضُون عليها في البَرْزَخِ، يُعَذَّبون بها، (غُدُوًّا) أولَ النهَارِ، (وعَشِيًّا) آخِرَه {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ العَذَابِ} فهذه عاقِبَةُ العاصِين للرسلِ، وجزاءُ المخالِفين لأمرِهِم، أيْ: فاحْذَروا أنْتُم أَيُّهَا الأمَّةُ، أنْ تَعْصُوا نَبِيَّكُم محمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيَحِلَّ بكم كمَا حَلَّ بِهِم مِن عِقابِ اللَّهِ وأليمِ عذابِهِ، في الدُّنْيا والبَرْزَخِ، وفي الآخِرةِ، نعوذُ باللَّهِ من ذلك، وفي القرآنِ آياتٌ كثيرةٌ، في بيانِ سعادةِ مَن أطاعَ الرسلَ، وشقاوةِ من عَصَاهم.
(12) فهو سبحانه المسْتَحِقُّ لها وحدَه، ومَن سِواه لا يَسْتَحِقُّ شيئًا مِنْها، وفي الحديثِ القُدُسِيِّ: ((إِنِّي وَالجِنَّ وَالإِنْسَ فِي نَبَأٍ عَظِيمٍ، أَخْلُقُ وَيُعْبَدُ غَيْرِي، وَأَرْزُقُ وَيُشْكَرُ سِوَايَ، أَتَقَرَّبُ إِلَيْهِمْ بِالنِّعَمِ، وَيَتَبَغَّضُونَ إِلَيَّ بِالمَعَاصِي)).
ولأنَّ الشركَ أظلمُ الظلْمِ، قالَ تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} والظلْمُ: وضْعُ الشيءِ في غيرِ موضِعِه، وسمَّى اللَّهُ المشرِكَ ظالِمًا؛ لأنَّه وَضَعَ العِبادةَ في غيرِ موضِعِها، وصرَفَها لغيرِ مُسْتَحِقِّها.
وأخبرَ تعالى: أنَّه لا يَرْضَى لعبادِه الكفرَ، وإنَّما يَرْضَى لهم الإسلامَ، كما قالَ تعالَى: {وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} وفي الحديثِ: ((إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلاَثًا: أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا)) الحديثَ.
(13) أيْ: لا يَرْضَى سبحانَه أنْ يُجْعَلَ لَه شريكٌ في عبادَتِه؛ لا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ عندَه، ولا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، يَعْني: فَضْلاً عن غيرِهما مِن سائرِ المخلوقاتِ، فإذا لم يَرْضَ بعبادةِ مَن كانَ قَريبًا منه كالملائِكَةِ، ولا نَبيًّا مُرْسَلاً وهم أفضَلُ الخلْقِ، فغيرُهم بطريقِ الأَوْلَى؛ لأنَّ العبادةَ لا تصْلُحُ إلاَّ للَّهِ وحدَه، فكَمَا أنَّه المتَفَرِّدُ بالخلْقِ والرِّزْقِ والتدبيرِ، فهو المسْتَحِقُّ للعبادَةِ وحدَه، دونَ مَن سِواه.
(14) أيْ: وأنَّ المواضِعَ التي بُنِيَت للصلاةِ والعبادةِ وذِكْرِ اللَّهِ، أو أعضاءَ السجودِ للَّهِ، (فلا تَدْعُوا) نَهْيٌ عامٌّ لجميعِ الخلْقِ؛ الإنْسِ والجنِّ فيها أو بها مَعَ اللَّهِ أحَدًا.
و(أَحَدًا) نكِرَةٌ في سياقِ النهْيِ، شمِلَت جَمِيعَ ما يُدْعَى من دونِ اللَّهِ، سواءٌ كانَ المَدْعُوُّ مِن دونِ اللَّهِ صَنَمًا أو وَلِيًّا، أو شجَرَةً أو قَبْرًا، أو جِنِّيًّا أو غيرَ ذلك؛ فإنَّ دعاءَ غيرِ اللَّهِ هو الشرْكُ الأكْبَرُ، والذنبُ الذي لا يُغْفَرُ إلاَّ بالتوبَةِ مِنْه، قالَ تعالَى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ}، {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ}.
(15) أي: المسألةُ الثالثةُ مِن المسائلِ الثلاثِ، التي يجِبُ على المكلَّفِ مَعْرِفَتُها واعْتِقَادُها، والعَمَلُ بِمُوجَبِها، أنَّ مَن أطَاعَ الرسولَ فيما أمَرَ بِهِ، واجْتَنَبَ ما نَهَى عنه، ووَحَّدَ اللَّهَ في عبادَتِه.
(16) بلْ يَجِبُ عليه أنْ يُصَارِمَهم، ويُقاطِعَهم، ويُعادِيَهم أشدَّ المعَاداةِ.
والمُحَادُّون للَّهِ هم الكافِرون باللَّهِ، وقدْ حَرَّمَ اللَّهُ مُوالاتَهم على كلِّ مسلمٍ ومسلِمَةٍ.
والموالاةُ: المُوادَّةُ والصداقةُ، ضِدُّ المعاداةِ.
والمحادَّةُ هي: المجانبةُ والمخالَفَةُ، والمُغَاضَبَةُ والمعاداةُ، ولها أيْضًا عندَ أهلِ العلْمِ معنيان:
أحدُهما: أنَّ الكفارَ كانوا في حَدٍّ، والمؤمنون في حَدٍّ، المؤمنون في حَدِّ اللَّهِ ورسولِه، وهو الإيمانُ، والمشرِكون في حدِّ إبليسَ وجنودِه، وهو الكفرُ.
والقولُ الثاني: أنَّه ليسَ بينَ الكافرين والمسلمين إلاَّ الحديدُ، يعني: القتالَ بالحديدِ.
(17) أيْ: ولو كانَ مَن حَادَّ اللَّهَ ورسولَه ابْنَك، أو أبَاك أو أخَاك، أو عَشِيرَتَك، فإنَّ اللَّهَ قطَعَ التَّواصُلَ، والتَّوادُدَ والتَّعَاقُلَ والتَّوارُثَ، وغيرَ ذلك مِن الأَحْكَامِ، والعَلاَئِقَ، وقُرْبَ الأنْسابِ بينَ المُسْلِمينَ والكُفَّارِ؛ فإِنَّ القُرْبَ إنَّما هو في الحَقِيقَةِ قُرْبُ الدِّينِ، لاَ قُرْبُ النَّسَبِ.
فالمُسْلِمُ ولو كَانَ بَعِيدَ الدَّارِ، فهو أَخُوكَ في اللَّهِ، والكَافِرُ ولو كَانَ أَخَاكَ في النَّسَبِ، فَهُو عَدُوُّكَ في الدِّينِ، وحَرَامٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ مُوَالاَتُهُم، بَلْ يَجِبُ اتِّخَاذُهُم أَعْدَاءً وبُغَضَاءَ.
(18) خِطَابٌ للنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّه لاَ يَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ باللَّهِ واليَوْمِ الآخِرِ الإيمانَ الوَاجِبَ، يُوَادُّونَ، أيْ: يُوالُونَ ويُحِبُّونَ، مَن حَادَّ اللَّهَ ورَسُولَه، وهُم الكَافِرُونَ، وإِنْ كَانُوا أَقْرَبَ قَرِيبٍ.
فَلاَ يَجْتَمِعُ الإيمانُ ومَحَبَّةُ أَعْدَاءِ اللَّهِ، بَلْ لاَ تَجِدُ المُؤْمِنينَ إلاَّ مُحَادِّينَ مَن حَادَّ اللَّهَ ورَسُولَه، مُعَادِينَ مَن عَادَى اللَّهَ ورَسُولَه فإنَّ المُوادَّةَ (المُحَابَّةَ) مُفَاعَلَةٌ مِن المَحَبَّةِ.
ولاَ رَيْبَ أنَّ الإِيمَانَ الوَاجِبَ يُوجِبُ مُحَادَّةَ مَن حَادَّ اللَّهَ ورَسُولَه، كَمَا أَنَّه يَسْتَلْزِمُ مَحَبَّةَ مَن يُحِبُّ اللَّهَ ورَسُولَه، ومُوالاَتَهم، فَمَن والَى الكَافِرينَ فَقَدْ تَرَكَ واجِبًا مِن واجِبَاتِ الإيمَانِ، واسْتَحَقَّ أنْ يُنْفَى عنه الإيمانُ، كَمَا في النُّصُوصِ.
وأَمَّا مَن تَرَكَ مُوالاَةَ المُؤْمِنينَ فَقَدْ تَرَكَ واجِبًا مِن واجِبَاتِ الإيمَانِ، واسْتَحَقَّ أنْ يُنْفَى عنه الإيمانُ، ولاَ يَلْزَمُ مِن نَفْيِهِ عَنْهم أنْ يَنْتَفِيَ بالكُلِّيَّةِ.
(19) أيْ: لاَ يُوادُّونَ مَن حَادَّ اللَّهَ ورَسُولَه، ولو كَانُوا الأَقْرَبِينَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لاَ يَتَّخِذِ المُؤْمِنُونَ الكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ} أَصْدِقَاءً وأَصْحَابًا {مِن دُونِ المُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ} الآيةَ.
وقَالَ: {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ} إلى قَولِهِ: {أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} وخَتَمَها بقولِهِ: {وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الفَاسِقِينَ} فَسَمَّاهُم فاسِقِينَ بذلك.
(20) أيْ: أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُوادُّوهُم، أَثْبَتَ اللَّهُ في قُلُوبِهم الإيمانَ وأَرْسَاهُ، فهي مُوقِنَةٌ مُخْلِصَةٌ، وكَتَبَ لَهُم السَّعَادَةَ، وزَيَّنَ الإيمَانَ في بَصَائِرِهِم.
(21) أيْ: قَوَّاهُم بِنَصْرٍ منه، ونَوَّرَ قُلُوبَهُم بالإيمانِ وبالقُرْآنِ وحُجَجِهِ، وسَمَّى نَصْرَه إيَّاهُم رُوحًا؛ لأَِنَّ بِهِ حَيِيَ أَمْرُهُم.
(22) الجَنَّةُ: اسْمٌ لِدَارٍ جَمَعَتْ أَنْواعَ النَّعِيمِ، التي أَعْلاَها النَّظَرُ إلى وَجْهِ اللَّهِ الكَرِيمِ، ويُدْخِلُهُم، أيْ: يُسْكِنُهُم جَنَّاتٍ في دَارِ كَرَامَتِهِ، التي أُعِدَّتْ للمُتَّقِينَ، وسُمِّيَتْ باسْمِ البَسَاتِينِ؛ لأَِنَّها أَشْجَارٌ مُثْمِرَةٌ، وأَنْهَارٌ جَارِيَةٌ، وقُصُورٌ عَالِيَةٌ، تَجْرِي مِن تَحْتِ أَشْجَارِهَا ومَسَاكِنِهَا المِيَاهُ في الأَنْهَارِ.
وفي الحَدِيثِ: ((أَنْهَارُ الجَنَّةِ فِي غَيْرِ أُخْدُودٍ)) (خَالِدِينَ) دَائِمِينَ (فِيهَا) {لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً}.
(23) وهذا أَعْلَى مَرَاتِبِ النَّعِيمِ، وفيه سِرٌّ بَدِيعٌ، وهو: أنَّهم لَمَّا أَسْخَطُوا القَرَائِبَ، والعَشَائِرَ في اللَّهِ، عَوَّضَهُم اللَّهُ بالرِّضَى عنهم، وأَرْضَاهُم عنه بِمَا أَعْطَاهُم مِن النَّعِيمِ المُقِيمِ، والفَوْزِ العَظِيمِ، والفَضْلِ العَمِيمِ.
(24) لَمَّا ذَكَرَ هذه النِّعَمَ: أَتْبَعَها بِمَا يُوجِبُ تَرْكَ المُوَالاَةِ لأَِعْدَاءِ اللَّهِ، فَقَالَ: {أُولَئِكَ} أيْ: المُوالُونَ أولياءَ اللَّهِ، المُصَارِمُونَ أَعْدَاءَ اللَّهِ، هم: {حِزْبُ اللَّهِ} وأَنْصَارُه في أَرْضِهِ، وعِبَادُه المُقَرَّبُونَ، وأَهْلُ كَرَامَتِهِ.
(25) الفَائِزُونَ في الدُّنيا والآخِرَةِ، النَّاجُونَ يومَ القِيَامَةِ، وفي الحَديثِ: ((اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلْ لِفَاجِرٍ، وَلاَ لِفَاسِقٍ عِنْدِي يَدًا، وَلاَ نِعْمَةً، فَإِنِّي وَجَدْتُ فِيمَا أَوْحَيْتَهُ إِلَيَّ: {لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ})) وظَهَرَ بِهَذا أنَّه يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلمٍ مُقَاطَعَةُ المُشْرِكِينَ ومُنَابَذَتُهُم.
 
أعلى