الحديث السابع عشر والثامن عشر

طباعة الموضوع

أم حذيفة

وَهذَا زَمَانُ الصَّبْرِ مَنْ لَكَ بِالَّتي
طاقم الإدارة
إنضم
26 أغسطس 2010
المشاركات
3,675
النقاط
38
الإقامة
الامارات
احفظ من كتاب الله
القرءان كامل
احب القراءة برواية
بحميع الروايات
القارئ المفضل
الشيخ ابراهيم الأخضر
الجنس
أخت
عن أبي يعلى شداد بن أوس -رضي الله تعالى عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ( إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته) رواه مسلم.
الحديث رواه الإمام مسلم فالحديث صحيح.
الحديث غاية في الأهمية و يمثل قاعدة كلية من قواعد الدين ومبدأ عظيما من مبادئه: و هو مبدأ الإحسان.
قال النبي -صلى اله عليه وسلم-: (إن الله كتب الإحسان) كتب : أي فرض وأوجب .

الإحسان لغة: هو الإتقان . في الشرع : فالمراد بما حسنه الشرع وجعله حسنا وضده القبح . والمراد بالحسن والقبح ما حسنه الشرع وما قبحه الشرع، سواء كان في نظر بعض الناس حسنا، وفي نظر بعضهم الآخر غير حسن، فالمراد تحسين الشرع .
وبناء على هذا خرج معنا تحسين العقل المجرد دون الشرع، فإذا كان تحسين العقل دون أن يكون مبنيا على تحسين الشرع فلا يعتبر، بمعنى: إذا كان تحسين العقل مضادا لتحسين الشرع، إذًا الأصل هو تحسين الشرع، فالإحسان في نظر الشرع (كتب الإحسان على كل شيء) مما هو فيه نفس منفوسة حية أو مع الأشياء الأخرى.
(فإذا قتلتم فأحسنوا القِتلة) هذا مثال على القاعدة، القاعدة الإحسان في كل شيء، ثم مثل النبي -صلى الله عليه وسلم- (فإذا قتلتم فأحسنوا القِتلة) القتل في موضعه كالحرب مثلا، أو القتل حال الحد أو حال القصاص (فأحسنوا القِتلة) القِتلة بكسر القاف مصدر قتل قِتلة وصف للقتلة (إذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة) والذبحة مثل القِتلة مصدر .

ثم بين النبي -صلى الله عليه وسلم- ما المراد بالإحسان في الذبح، وذكر مثالا على ذلك وهو(وليحد أحدكم شفرته) الشفرة: هي السكين يعني الحديدة المحددة التي يذبح بها الحيوان .
(وليرح ذبيحته)عندما تكون الشفرة حادة حينئذ أراح هذه الذبيحة.
هذه الحديث يمثل قاعدة كلية من قواعد الدين ومبدأ عظيما من مبادئه حسب التفصيل الآتي:
الإحسان هو مبدأ كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- (إن الله كتب الإحسان على كل شيء) والله -جل وعلا- يقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ﴾[النحل: 90]الإحسان فوق مستوى العدل وأعلى مرتبة من العدل وكلاهما مأمور به ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ﴾.
إذًا الإحسان مبدأ من مبادئ الدين يجب أن يتعامل به المسلم في جميع المواضع لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (كتب الإحسان في كل شيء)

أعلى أنواع الإحسان: الإحسان في التعامل مع الله -عز وجل- وسماه جبريل الإحسان في حديث جبريل المشهور، فجعل الإحسان المرتبة العليا من مراتب الدين، فلما سئل عن الإسلام وهو يمثل الأعمال الظاهرة، سئل بعد ذلك عن الإيمان وهو يمثل الأعمال الباطنة والاعتقاد . سئل بعد ذلك عن الدرجة العليا وهي الإحسان .
والإحسان مع الله (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنه يراك) عندما يستشعر المسلم أثناء عبوديته لله -عز وجل- أنه يرى الله -عز وجل- أو أن الله يراه فوصل إلى درجة عليا من عبوديته لله -عز وجل-، فأعلى مقام العبودية أن يصل إلى هذا المستوى بحيث ينسى ما أمامه، وما خلفه، وما عن يمينه، وما عن شماله، فلا يتجه إلا لما يقوم به من العبادة: كالصلاة، والصيام، والحج حال صلاته، حال صيامه، حال حجه، حال إنفاقه، كل هذا يكون باستشعاره بأن الله يراه .
ثم الدرجة الأخرى الإحسان مع الخلق: سواء كان هؤلاء الخلق مما فيه حياة من الحيوان، أو مما ليس فيه حياة وأعلاهم الإنسان .
تعامل المسلم مع الإنسان يجب أن يكون بالإحسان بهذه القاعدة العظيمة سواء كان هؤلاء الخلق من أقرب الأقربين أو من أبعد الأبعدين، وأقرب الأقربين هم الوالدان وإن علو: الأجداد والجدات فهؤلاء أقرب الأقربين يجب أن يكون التعامل معهم بالإحسان، والإحسان كما قال الله –تعالى-: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾[الإسراء: 23و التعامل مع الوالدين الإحسان القولي بالكلام، الإحسان الفعلي بالخدمة والقيام بالخدمة والقيام بالحاجات، والقيام المالي: بأن يعطيهم ما يحتاجان إليه وفوق ما يحتاجان إليه، هذا مع أقرب الأقربين. ومع أبعد الأبعدين -مع غير المسلمين- يجب أن يكون التعامل معهم بالإحسان لأن الله –تعالى- يقول: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ﴾[البقرة:83]، والناس هم المسلمون وغير المسلمين، فهم يجب أن يعاملوا بالإحسان ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ﴾ وكذلك عامة الناس أتعامل معهم بالإحسان، سواء كانوا جيران، أقارب، أصدقاء، زملاء في أي مجال من المجالات أيا كان هؤلاء الناس أتعامل معهم بالإحسان.
ويكون التعامل بالإحسان مع خلق الله بالقول أو الفعل أو بالمال، بالقول وأعلى الكلام الطيب الدعوة إلى الله من أعلى الكلام الطيب مع الناس؛ لذلك قال الله –تعالى-: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ ﴾ [فصلت: 33]، و قال الله - سبحانه وتعالى -: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ﴾[النحل:125] وفي المناظرة والمجادلة ﴿ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾[النحل:125] المجادَل هنا أيا كان مسلمًا كافرًا صغيرًا كبيرًا يجب أن يكون بالحسنى، إذًا الإحسان بالقول: أولا: يجب أن يكون بالألفاظ الطيبة، بالكلام الطيب الجيد الواضح، أن يكون بالكلام اللين بالكلام اللطيف، كما قال الله - سبحانه وتعالى -:﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ ﴾ [آل عمران: 195]، وقال الله - سبحانه وتعالى – لموسى وهارون في مخاطبتهم فرعون ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا ﴾[طه: 44]، فالمخاطبة تكون بالقول اللين والنبي -صلى الله عليه وسلم- حذر من السباب والشتائم والكلام البذيء، وأخبر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان على خلق عظيم في قوله في أعماله.

الإحسان أيضا بالمال يشمل: الصدقة على الفقراء والمساكين، التبرعات لأهل الخير للمجالات .
إذًا الإحسان للناس أيا كانوا وكلما قربت درجة الإنسان بالنسبة لك، يجب أن يعلوا إحسانك إليه من الوالدين: وآبائهم وأمهاتهم، والأجداد والجدات، والأعمام والعمات، والأخوال والخالات، والإخوة والأخوات، والأبناء والبنات، والزوجة أو الزوجات، والجيران، والأصدقاء، والزملاء وغير ذلك.
أيضا الإحسان إلى الحيوان بعدم إيذائه، بعدم تركه يجوع ويعطش، يسد جوعه يروى ظمأه؛ ولذلك يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في تكريس هذا المبدأ (وفي كل كبد رطبة أجر)، وفي الحديث الآخر (دخلت امرأة النار في هرة حبستها، لا هي أطعمتها، ولا تركتها تأكل من خشاش الأرض ) فدخلت بسببها النار، والحديث في الصحيحين.
وفي الحديث الآخر أن امرأة بغي دخلت الجنة بسبب كلب يلهث فسقته من الماء، في رواية أنه رجل، وفي رواية أنها امرأة دخلت الجنة، يعني، غفر الله –تعالى- لها بسبب إحسانها إلى هذا الحيوان مع أنه حيوان لا يأكل ولا يستفاد منه الفائدة الكبيرة.
ايضا الإحسان إلى البيئة بعدم إفساد هذه البيئة، نظافة هذه البيئة، المحافظة على هذه البيئة، المحافظة على المنشآت كالمطارات مثلا الأسواق العامة الحدائق العامة أماكن جلوس الناس؛ ولذلك جاء في الأحاديث الحديث الكبير المشهور (الإيمان بضع وستون شعبة، أو بضع وسبعون شعبة: أعلاها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق) والرسول -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الآخر (اتقوا اللاعنين) في حديث آخر (اتقوا الملاعن الثلاثة) ذكر منها: البول، والغائط تحت الشجرة في الظل، أو البول في طريق الناس، كل ذلك من الإحسان إلى الأشياء، ومنها الإحسان إلى البيئة.
أيضا من الإحسان إتقان العمل فالإحسان في العمل إتقانه قال النبي –صلى الله عليه وسلم- (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه)

النبي -صلى الله عليه وسلم- مثل هنا بمثالين -هذان المثالان قد يشذ الذهن بعدم تصورهما-: وهو في حال القتل، وفي حال الذبح، والمجرم إذا قتل شخصا في الغالب أنه يطلب التشفي منه، فالإسلام يقول: انتبه لا القصاص ولا الحدود جعلت للتشفي، وإنما هي لإقامة حكم الله - سبحانه وتعالى – في هذا الجانب؛ فلذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم - (إذا قتلتم فأحسنوا القِتلة) : لا يعذب ولذلك نهى النبي - صلى الله عليه وسلم – عن المُثلة حتى في الحرب، فإذا كان هناك مقتول في الحرب ولا يمثل به هذا نهى عنه النبي -صلى الله عليه وسلم-؛
ولذلك استنبط أهل العلم من هذا الحديث النهي عن المُثلة في الحرب، حتى في حال الحرب فضلا عن المقتول من المسلمين حدا أو قصاصا أو تعذيرا، كذلك في التعامل مع الحيوان، بالذات في التعامل مع ما يؤكل سواء من بهيمة الأنعام أو من الطيور أو غيرها فيحسن إليه بمواضع الإحسان، من مواضع الإحسان: حد الشفرة بأن تكون السكين محدودة، تريح المذبوح ذكر بعض أهل العلم: أنه يشرب ماء قبل الذبح بدقائق لكي يسهل خروج الدم أثناء الذبح فتخرج روحه بسرعة ولا يؤذى هذا الحيوان.
كذلك من الإحسان إلى الحيوان في هذا الباب ألا تذبح الذبيحة والذبيحة الأخرى؛ فيكون إيذاءً لها.
فاذا تعامل المسلم بالإحسان مع الناس، ومع الحيوان، ومع البيئة، ومع عمله وغير ذلك، تكون النتيجة ﴿هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (60)﴾[الرحمن: 60]، ونلاحظ الإحسان أولا من المحسن من الإنسان، والإحسان الثاني من الله، ولا يقارن كرم الله بكرم خلقه ولا يقارن جود الله بجود خلقه بلا شك فالله - سبحانه وتعالى - أجود الأجودين، وأكرم الأكرمين، وأرحم الراحمين؛ ولذلك قال الله –تعالى-: ﴿ إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56) والله - سبحانه وتعالى – أخبر أنه يحب المحسنين فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ (195)﴾[ البقرة:195] فليست المسألة عطية مقابل عطية، إنما المسألة رحمة الله، ومحبة الله -عز وجل- وأيضا سينال ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
إذًا مبدأ الإحسان ليس مبدأ مثالي فقط، وإنما سيجازى عليه المحسن في دنياه؛ لأن الله –تعالى-قال: ﴿هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (60)﴾[الرحمن:60] في الدنيا وفي الآخرة، فسيحسن الله إليه في دنياه، وفي أخرته .



قال المصنف - رحمه الله تعالى – عن أبي ذر جندب بن جنادة، وأبي عبد الرحمن معاذ بن جبل - رضي الله عنه – عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن ) هذا الحديث رواه الترمذي وغيره وحسنه، كما سمعنا كما قال: حسن صحيح، وفي بعض النسخ أنه حسن، والحسن أقل درجة من الصحيح، الحسن يختل في شرط من شروط الصحة، يجب أن يكون الضبط تاما، بينما إذا خف الضبط قليلا انتقل الحكم من الصحة إلى الحسن، ولكن الصحيح والحسن كليهما داخلان في المقبول فيحتج به.
قال: (اتق الله حيثما كنت) اتق الله من التقوى، والتقوى: أن يجعل العبد بينه وبين عذاب الله وقاية، وذلك بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، وبعض أهل العلم يعبر عن التقوى بتعبيرات مختلفة كلها تعود إلى امتثال الأوامر، واجتناب النواهي.
بعضهم قال: التقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تجتنب معاصي الله؛ خشية الوقوع في عذاب الله هذه هي التقوى .

وبعضهم يعبر عن التقوى بأن تعمل بما أمرك الله، فلا يفقدك حيث أمرك، ولا يجدك حيث نهاك، هذه هي التقوى.
قال: ( حيثما كنت) : في أي زمان أو مكان، فوق أي أرض وتحت أي سماء، (وأتبع السيئة الحسنة تمحها ) أتبع : افعل الحسنة بعد السيئة مباشرة تمحها : تزيلها وخالق الناس بخلق حسن، الخلق في الجملة هو التعامل، والخلق هنا بالأخلاق الحسنة .

الحديث يعطينا معالم التعامل مع الله -جل وعلا- ومعالم التعامل مع الناس .
ويندرج تحت كل معلم نقاط متعددة ورئيسة.
المعلم الأول : في التعامل مع الله -سبحانه وتعالى-: التعامل مع الله –سبحانه وتعالى- في حال استقامة الإنسان على منهج معين هو التقوى إذًا الذي يمثل الطريق بكامله في التعامل مع الله –تعالى- هو منهج التقوى: أن أكون متقيا لله -سبحانه وتعالى- ولذلك جاءت بعض الآيات والنصوص النبوية في بعض معالم هذه التقوى، فمثلا في سورة البقرة: ﴿ الـم (1) ذَلِكَ الكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2)﴾ ماذا ﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3)وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4)أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ (5)﴾[البقرة: 1-5]،
إذًا هذه ست صفات وسمات للمتقين، رأسها الإيمان بالله -عز وجل- وذلك من الإيمان وذكر من الإيمان: الإيمان بما أنزل إليك، وما أنزل من قبلك، والإيمان بالآخرة و﴿ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4)﴾، إذًا الإيمان بالله، والإيمان بالكتاب المنزل على النبي - صلى الله عليه وسلم – والكتب المنزلة على الأنبياء والإيمان بالغيب، والإيمان بالغيب يشمل ما سبق، ويشمل ما لحق من الموت فما بعده إلى أن يدخل الناس الجنة أو النار.
إذًا الإيمان من صفات المتقين، إقامة الصلاة، وإقامة الصلاة بشروطها وأركانها وواجباتها وما يستطاع من مستحباتها، وإيتاء الزكاة ﴿ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3)﴾ وهذه أعم من إيتاء الزكاة، الزكاة جزء من الإنفاق، لكن الإنفاق الواجب مثل الإنفاق على الأسرة والوالدين والأولاد والزوجة، كذلك الإنفاق في الواجبات الأخرى، الإنفاق في المستحبات ﴿ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3)﴾

فالتقوى إذا كانت منهجا للإنسان في التعامل الأساسي مع الله -سبحانه وتعالى- سيناله ثمار عظيمة سواء كانت هذه الثمار في الدنيا والآخرة، لذلك كثرت الآيات في بيان ثمار التقوى؛ لأن هذه التقوى تمثل المنهج الكبير في تعامل الإنسان في هذه الحياة، لذلك الآثار التي بينها الله -سبحانه وتعالى- في القرآن للتقوى ليست سهلة تقوى الله -سبحانه وتعالى- سببا للنجاة، كما قال الله –تعالى-: ﴿ ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِياًّ (72)﴾ [مريم: 72]، إذًا التقوى سبب للنجاة من عذاب الله -عز وجل- التقوى سبب لعون الله وتأييده وحفظه للإنسان: ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ (128)﴾[النحل: 182]، هذه أيضا شاهد للإحسان، فالله -سبحانه وتعالى- مع المحسن حيثما كان، ومع المتقى حيثما كان فيؤيده يعينه يقويه ينجيه، يكون مسددا له موفقا له في جميع أموره.
تقوى الله -عز وجل- موجبة للجنة قال تعالى ﴿ إِنَّ المُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54)فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ (55)﴾ [القمر: 55:54ٍ]، ﴿ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً (31) حَدَائِقَ وَأَعْنَاباً (32) وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً (33) وَكَأْساً دِهَاقاً (34)﴾[النبأ: 31-34]
إذًا التقوى سبب للفوز في الدنيا، فتقوى الله -سبحانه وتعالى- عامل من عوامل حفظ الله للعبد، أينما كان نسمع قوله تعالى: ﴿ وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً ﴾[آل عمران: 120]، لا يخشى المتقي حسد، لا يخشى حقد، لا يخشى مؤامرات من الآخرين ضده بقطع رزقه، بإصابته بمصيبة ونحو ذلك أبدا، مادام منهجه التعامل مع الله -سبحانه وتعالى- مباشرة بتقواه -جل وعلا- فلا يضره كيد أعدائه مطلقا .

التقوى سبب من أسباب جلب الأرزاق سواء كانت الأرزاق عاجلة أم آجلة، يقول سبحانه وتعالى: ﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاًّ (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ ﴾ [الطلاق: 2] أنت تخطط وتعمل لكن الرزق يأتي من باب آخر المهم أنت تعمل تكون متقى لله –تعالى-
التقوى سبب للنجاة والخلاص من الشدائد والمكروهات والكرب وغيرها، يقول الله تعالى: ﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاًّ (2) ﴾ وأيضا تتيسر أموره في هذه الدنيا حتى يصل إلى الآخرة بنجاة، ﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً (4)﴾[الطلاق: 4].
التقوى مكفر من مكفرات الذنوب ﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً (5)﴾[الطلاق: 5]، ليست سببا لمحو الذنوب فقط بل ترفع الأجر.
إذًا هذه هي التقوى، بصفات المتقين، بآثار التقوى، إذا تعامل بها المسلم منهجا لحياته سيكون كذلك حتما؛ لأن الله وعد بذلك ووعده حق لا يتخلف -جل وعلا-.
المتقى مهما كان رجل أو امرأة كبير أو صغير قد يزل، فالإنسان في مسيرته في هذه الحياة ليس معصوما، بل جبل على الخطأ والذنب والتقصير، فطبيعته تقتضي ذلك، هكذا البشر يخطئون يذنبون يقصرون يفترون، ويجب أن يتعامل بواقعية مع هذه الأخطاء .
المعلم الثاني في المنهج في التعامل مع الله -سبحانه وتعالى- : ليس العيب أن تذل أو تخطئ، طبعا الذلل لا يكون متعمدا، لكن قد يذل الإنسان أو يسهو فيذل ويخطئ هنا ليست المسألة قاصمة ظهر، إنما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم - وأنت سائر في طريقك تماما متقي لله -عز وجل- تذل وتخطئ تضعف تتراجع حينئذ (وأتبع السيئة الحسنة تمحه) مباشرة، ويحسن أن تكون السيئة هنا مماثلا للسيئة من حيث جنسه مثلا، أخطأت في صلاتك أكثر من الصلاة، أخطأت في التعامل المالي أنفق، أخطأت في لسانك تحدث بما هو خير، أخطأت مع آخر اغتبته، تحلل منه إن استطعت .

ولذلك تأكيدا لهذا المبدأ يقول الله –تعالى-: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَار وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ﴾ [هود: 114]، وهذا مبدأ دأ التوبة والندم، فإذا تاب الإنسان وندم، ثم فعل حسنة بعد أن محيت بإذن الله وهذا من كرم الله –تعالى- لأن الذي يتعامل مع الله لا يجد إلا كرما منه -سبحانه وتعالى-.
هل المراد بالحسنة التي تمحو تلك السيئة التوبة من تلك السيئة فقط
التوبة نوع من الحسنة، يعني لا تحصر الحسنة بالتوبة، التوبة حسنة تجب ما قبلها، لكن الأعمال الأخرى- (واتبع السيئة الحسنة تمحه) هذا فيه بيان مكفرات الذنوب، والمكفرات كثيرة منها التوبة منها الأعمال الصالحة الأخرى: الصلاة، الصيام، الإنفاق، الخلق الطيب، الحج، والعمرة، مثال على ذلك يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) (والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهم) والأحاديث في المكفرات كثيرة، من المكفرات المصائب التي يصاب بها العبد من الأمراض وغيرها والهموم والأحزان (لا يزال البلاء بالمؤمن حتى يمشى على الأرض ليس عليه خطيئة)

المعلم الثالث: وهو المنهج في التعامل مع الخلق: وهو التعامل معهم بالخلق الحسن، في التعامل مع الناس سواء كان هؤلاء الناس من أقرب الأقربين والوالدان الأولاد الإخوة الأخوات وغيرهم، أو سواء كانوا أبعدين من المسلمين وغير المسلمين يجب أن نتعامل معهم بالحسنى، وإذا تعامل المسلم معهم بالتعامل الحسن سيجد ثمرة ذلك عند الله -عز وجل- من ذلك قول النبي -صلى الله عليه وسلم- : (إن أقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاق) والأخلاق الحسنة كثيرة الكلام الطيب، السلام، الهدية، العطية، التواضع، عدم الحسد، عدم الكبر، عدم الكذب، الصدق، العفو، والصفح وغير ذلك من عموم الأخلاق الحسنة عدم كره الآخرين، عدم اغتباطهم بما أعطاهم -سبحانه وتعالى- كل هذا يدخل ضمن هذه الأخلاق العظيمة.
من خلال هذا الحديث عرفنا المنهج الذي يجب أن يتعامل به العبد مع ربه -عز وجل- ولنا في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسوة حسنة، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- قال عنه الله -عز وجل-: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)﴾[القلم: 4]؛ لذلك النتيجة يجب أن يسعى المؤمن لامتثال هذا الحديث في جميع شئون حياته؛ لينال خيري الدنيا والآخرة.

ويجب التعامل مع النفس بالإحسان : الإنسان لا يملك نفسه ولذلك حرم عليه أن يقتل نفسه أو أن يجرح نفسه، وهذا من التعدي على النفس، ومن هنا يجب الإحسان على النفس حتى في عبادتها لله -عز وجل-، لذلك الذين جاءوا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يسألوا عن عبادته، ولما أخبرتهم زوجات النبي -صلى الله عليه وسلم- كأنهم رأوا أنها قليلة، ثم رجعوا إلى أنفسهم، قالوا: هذا رسول الله غفر له ما تقدم من ذنبه، فقال قائل منهم: أنا أصوم ولا أفطر، والثاني يقول: أنا لا أتزوج النساء، والثالث يقول: أنا لا أنام الليل، ومع ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ( ما بال أقوام يقولون: كذا وكذا، فمن رغب عن سنتي فليس مني، أما إني أتقاكم لله، وأخشاكم له، أصوم وأفطر، وأصلى وأنام، وأتزوج النساء ) لذلك من قهر النفس، وعدم الإحسان إليها: أن الإنسان يشد عليها شدا، بحيث ينقطع به الحبل في يوم من الأيام، مثل الذي يصوم الدهر كله، أو يقوم الليل كله فهذا لا يحسن وقد ينقطع به الحبل والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (ولن يشاد الدين أحدا إلا غلبه)فلذلك يجب الإحسان على النفس، ولكن لا يعني هذا أن تعمل بالمعاصي، وإنما أن تعمل بمنهج الله -عز وجل-.
يغلبه الدين ينقطع به الحبل هذا الذي يقوم كل الليل سيكبر هل سيستطيع؟ لذلك عبد الله بن عمر لما قال: إني أستطيع وألزم نفسه بوقت معين من الليل، قال: ليتني أطعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأن أخذ من الليل ما أستطيعه .

ولذلك وجه النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى للذي يقوم الليل إذا غلبه النعاس أن ينام، والحسنة ليست بكثرة العمل، وإنما بأحسن العمل، وخير العمل، أدومه وإن قل.
نفعنا الله واياكـــــــــــــــــــــــــــــــــن

يتوجب عليك تسجيل الدخول او تسجيل لروئية الموضوع
 

ام عبد المولى

مراقب عام
إنضم
26 سبتمبر 2012
المشاركات
2,741
النقاط
38
الإقامة
المغرب
احفظ من كتاب الله
الجزء الخامس
احب القراءة برواية
ورش
القارئ المفضل
الشيخ الحصري
الجنس
اخت
بارك الله لك في مجهودك الرائع شيختنا الغالية
في ميزان حسناتك وصدقة جارية لك يارب
 

اسلام

عضو مميز
إنضم
18 أبريل 2011
المشاركات
335
النقاط
16
احفظ من كتاب الله
32حزب
احب القراءة برواية
قالون حفص و وورش
القارئ المفضل
الحذيفي
الجنس
اخت
بارك الله فيكم شيختنا الفاضلة ونفعنا الله بعلمك
 
أعلى