أداة (لن) في النحو العربي

طباعة الموضوع

تسابيح ساجدة

لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
إنضم
16 أكتوبر 2010
المشاركات
8,111
النقاط
38
الإقامة
المعهد
احفظ من كتاب الله
اللهم إجعلنا من العاملين به... آمين
احب القراءة برواية
حفص
القارئ المفضل
هم كُثر ,,,
الجنس
أخت
أداة (لن) في النحو العربي


كوني أحمد

إن الخوض في المعركة النحوية في مسائل ذات بُعدٍ عقديٍّ حسّاسٌ وعاطفي، وهذه العواطف لا يُمكن أن تكون عائقةً لإعادة القراءة النقدية حول بعض القضايا اللغوية؛ حيث كثر القيل والقال فيها.

والأسطر الآتية تهدف إلى حيادية في المناقشة العلمية، وإلى المناظرة الموضوعية، وتسعى إلى تسليط الضوء على ما قيل في زمخشريَّة مسألة حرف (لن)، وتتبع ما قاله النحاة الآخرون، ونلفت الانتباه إلى أنَّ تصويب رأيٍ ما، أو تخطئة رأي آخر، هذا غير مقصود.

قد يَعود اختلاف النحاة إلى توجُّهات فِكريَّة ذات أبعاد دينية أو سياسية، وغير ذلك من الأيديولوجيات الفلسفية؛ بسبب اللقاح الثقافي، وهلمَّ جرًّا.

من بين هذه المسائل المختلف فيها أداة "لن"؛ فعند استقراء أقوال العلماء ووجهاتهم في المسألة، نجد أنها مُتعلِّقة بأحد شيئين:
الشيء الأول - الوظيفة النحوية:
اختلف العلماء في أصل لفظ "لن" وحقيقته إلى ثلاثة مذاهب:
1- مذهب الخليل والكسائي:
يرى رُواد هذا المذهب أنَّ "لن" مُركَّب، وأصلُه من (لا أن) حذفت همزة "أن" تخفيفًا، ثم حُذفت الألف لالتقاء الساكنين، بدليل أن الشيء قد يَحدُث له حكم لم يكن قبل، كما في "لو" حرف امتناع لامتناع، وتليها الأفعال، فلمَّا ركِّبت مع "لا" قيل: "لولا" صارت حرف امتِناع لإيجاب ووليَتْها الأسماء.

2- مذهب سيبويه والجمهور:
أصل "لن" بسيط - أي: إنه غير مركَّب كما يراه المذهب الأول - بحُجة أن البَساطة أصل، والتركيب فرع، فلا يُدَّعى إلا بدليل قاطع.

وأنه لو كان الأصل من "لا أن" لم يجز تقديم معمول "لن" عليه، وهو جائز في نحو: زيدًا لن أضرب، وأنه يلزم منه أن تكون "أن" وما بعدها في تقدير مفرد، فلا يكون قولك: "لن يقوم زيد" كلامًا، بتقدير: لا قيام زيد، فتدخل على المعرفة بدون التكرار، وهذا غير جائز.

3- مذهب الفراء:
يرى الفراء أن أصل "لن" من "لا" أُبدلت ألف "لا" نونًا.

الشيء الثاني - الوظيفة الدلاليَّة:
كَثُرت آراء العلماء حول إفادة "لن" أحد المعنيَين، فمِن العلماء من رأى أن أداة "لن" تُفيد نفيًا مؤكدًا، ومنهم من رأى أنها تفيد نفيًا مؤبَّدًا، ومنهم من يرى أنها لا تُفيد شيئًا من هذا ولا ذاك.

وشاع مُصطلَح "لن" الزمخشرية في النحو العربي، إشارة إلى أنَّ الزمخشري ذهب إلى التأبيد في كتابه "الأنموذج" وأكثرَ النحاةُ الردَّ عليه.

ويُروى عنه التأكيد أيضًا عند تفسيره قوله تعالى: ﴿ لَنْ تَرَانِي ﴾ [الأعراف: 143] في كتابه "الكشاف".

نُصنِّف مواقف النحاة إلى ثلاثة اتجاهات:
أ- الاتجاه الأول:
خلت المؤلفات النحوية لهذا الاتجاه تمامًا من القول تصريحًا أو تلميحًا، بأن الزمخشري يقول بتأبيد النفْي بـ"لن"، ولم يَنقلوا عنه في كتبهم هذه شيئًا من ذلك، وخلت كذلك من الإشارة مُطلقًا إلى إفادة "لن" معنى التأبيد.

ب- الاتجاه الثاني:
تردَّد في مؤلفات هؤلاء ذِكرُ معنى التأبيد في النفي بـ"لن"، غير منسوب إلى الزمخشري.

السكَّاكي يقول في القسم الرابع من أقسام الحروف العاملة، وهي الناصبة للفعل: و"لن" وهو لنفي "سيَفعل"، وأنه لتأكيد النفي في الاستقبال، وقد أشير إلى أنه لنفي الأبد"، وقد عبَّر السكاكي بقوله: "وقد أشير" دون أن يذكر الذي أشار بذلك.

ج- الاتجاه الأخير:
وهو الذي يذكر علماؤه القول بتأبيد النفي بلن منسوبًا إلى الزمخشري؛ مثل ابن مالك في شرح الكافية عند قوله:
ومَن رأى النفي ب"لن" مؤبَّدا
space.gif

فقوله اردُد وخلافه اعضُدا
space.gif



يقول في شرح هذا البيت:
"ثم أشرتُ إلى ضعفِ قول من رأى تأبيد النفي بـ"لن" وهو الزمخشري في أنموذجه، وحامله على ذلك اعتقاده أن الله لا يُرى، وهو اعتقاد باطل، بصحَّة ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أعني: ثبوت الرؤية، جعلنا الله من أهلها، وأعاذنا من عدم الإيمان بها". ا هـ قول ابن مالك.

إن القول بتأبيد "لن" منسوب إلى الزمخشري في كتابه الأنموذج، ذكره ابن مالك في شرحه للكافية والشافية له، وإن كان القول بالتأبيد مذكورًا قبله، غير أنه لم ينسبه أحد إلى الزمخشري، ولعلَّ ابن مالك أول من نسبه إلى الزمخشري، ولذلك فإن النحاة الذين تابعوا ابن مالك في نسبته إلى الزمخشري هم الأغلب من شُرَّاح كتبه، أو ممَّن قرؤوا كتبه كأبي حيان والمرادي وابن هشام.

لعلَّ الذي أدى إلى نسبة التأبيد إلى الزمخشري هو ما وقع في بعض نسخ الأنموذج من وقع التأبيد موقع التأكيد، كما أثبَتَ ذلك المُحقِّقون من شراح هذا الكتاب، والصحيح في الأنموذج: "لن" نظيرة "لا" في نفي المستقبل، ولكن على التأكيد.

والأنموذج اختصار لكتاب المفصَّل، ومعنى ذلك أن نصوص الأنموذج إن لم تكن مطابقة لما في المفصل فهي مقاربة له ومتَّفقة مع ما فيه من أحكام، والصحيح عند الزمخشري أن "لن" لتأكيد ما تُعطيه "لا" مِن نفي المستقبل.

وعند المحققين - كابن هشام - أن "لن" لا تفيد شيئًا من التأكيد أو التأبيد إلا بقرينة لفظية أو معنوية.

مصادر هذه الخاطرة النحوية:
المفصَّل في علم اللغة؛ الزمخشري.
شرح الكافية الشافية؛ ابن مالك.
الجني الداني في حروف المعاني؛ الحسن بن قاسم المرادي.
قضية لن بين الزمخشري والنحويين؛ أحمد قاسم عبدالله.
تمَّت بنعمة الله تعالى وبتوفيقه
يتوجب عليك تسجيل الدخول او تسجيل لروئية الموضوع
 
أعلى