دراسة مهمة عن التاريخ الهجري والتاريخ الميلادي

طباعة الموضوع
إنضم
20 سبتمبر 2015
المشاركات
17
النقاط
1
الجنس
أخ

أولا: الحديث عن التأريخ الهجري يقتضي تأصيل الحكم الشرعي للتقويم القمري فنقول: دلت النصوص الشرعية على وجوب الأخذ بالتقويم القمري المتمثل بالتأريخ الهجري ومن ذلك قوله تعالى:

1 – "يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ" (البقرة: من الآية189).
وجه الدلالة:
أن الله جعل الهلال علامة على بداية الشهر ونهايته، فبطلوع الهلال يبدأ شهر وينتهي آخر فتكون الأهلة بمعنى المواقيت وهذا يدل على أن الشهر قمري لارتباطه بالأهلة وهي منازل القمر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"فأخبر أنها مواقيت للناس وهذا عام في جميع أمورهم، فجعل الله الأهلة مواقيت للناس في الأحكام الثابتة بالشرع، ابتداء أو سبباً من العبادة وللأحكام التي ثبتت بشروط العبد، فما ثبت من الموقتات بشرع أو شرط فالهلال ميقات له، وهذا يدخل فيه، الصيام، والحج، ومدة الإيلاء والعدة...

2 – قوله تعالى: "إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ" (التوبة: من الآية36).
وجه الدلالة:
أن الله وصف التوقيت بالهلال وأن الشهور القمرية إذا بلغت هذا الرقم سميت سنة وهذا معنى عدة الشهور.
وقال الفخر الرازي:
قال أهل العلم: الواجب على المسلمين بحكم هذه الآية أن يعتبروا في بيوعهم ومدد ديونهم وأحوال زكاتهم وسائر أحكامهم بالأهلة، لا يجوز لهم اعتبار السنة العجمية والرومية .
وذكر رحمه الله أن الشهور المعتبرة في الشريعة مبناها على رؤية الهلال، والسنة المعتبرة في الشريعة هي السنة القمرية(22).

3 – قال صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا فإن غم عليكم فاقدروا له" .
وجه الدلالة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم جعل انتهاء شهر شعبان ودخول رمضان برؤية الهلال ويقاس عليها بقية الأشهر.
ومؤدى هذه النصوص الشرعية صريح أن المعول عليه والمعتبر هو التقويم القمري مما يؤكد وجوب التمسك به دون غيره من التقاويم وهو يتفق مع أحوال الناس لكونه صالحاً للجميع ليسره وسهولة مخاطبته لجميع الأطراف، ولقد اتفق عليه السلف الأول من الصحابة والتابعين كما مر معنا وأصبح العمل عليه.
قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله:
التأريخ اليومي يبدأ بغروب الشمس، والشهر يبدأ من الهلال، والسنوي يبدأ من الهجرة، هذا ما جرى عليه المسلمون وعلموا به واعتبره الفقهاء في كتبهم .
وتأسيساً على ما تقدم فإن استخدام التأريخ الهجري والميلادي يكون على حالات:
الحالة الأولى: استخدام التأريخ الهجري دون الميلادي، وحكم هذه الحالة أن التوجيه الشرعي جاء للعمل بالتقويم القمري المتمثل بالتاريخ الهجري وأن احتساب المواقيت والأحوال يكون عليه دون غيره وهو شعار ورمز الأمة الإسلامية التي يؤرخ لها وله دلالاته وأبعاده.
الحالة الثانية: حكم استخدام التأريخ الهجري والميلادي جميعاً:
ذكرنا في الحالة الأولى أن الأصل هو العمل بالتقويم القمري المتمثل بالتأريخ الهجري وهذا الحكم يشمل جميع الأفراد والدول الإسلامية و لكن لا مانع من الاستفادة بالتقويم الشمسي المتمثل بالتأريخ الميلادي بصفته تقويماً مساعداً للتقويم القمري تابعاً له متى وجد مقتضى لذلك تتحقق فيه مصلحة راجحة ولا عيب أن نأخذ – لا أن نستبدل – من مواقيت الأمم ما يفيدنا في بعض الحالات فيما لا يتعارض مع أمر من أمور الدنيا .
وأما ما يتعلق بالفصول الأربعة واستخدامها لتنظيم الاكتساب والمهنة والدراسة والعمل دون ربط ذلك بالسنين فليس من التأريخ مثل أن يقال يبدأ العام الدراسي كل عام ببرج الميزان أو يبدأ موعد الحصاد في برج الحمل كل عام فهذا من الاستفادة العامة للمواسم ولا صلة له ببحث التأريخ الهجري أو الميلادي .
الحالة الثالثة: حكم استخدام التأريخ الميلادي فقط:
بناء على ما تقدم يتضح لنا أن التأريخ الميلادي مرتبط بالدين النصراني وحضاراته وهذا واضح في أسماء الأشهر في التأريخ الميلادي فغالبها إما وثنية مرتبطة ببعض آلهة النصارى المزعومة أو بأسماء القياصرة وكبار الرهبان .
ولذا فإن وضع التقويم الشمسي المتمثل بالتأريخ الميلادي شعار للبلد والاعتداد به في احتساب المواقيت والأحوال هو تشبه صريح بالنصارى وجاءت النصوص الشرعية التي تحرم ذلك، ويدل على هذا قوله صلى الله عليه وسلم: "من تشبه بقوم فهو منهم" .
ويتضمن الحديث التشبه بسمات الكفار وعاداتهم وتقاليدهم وأزيائهم وكل ما هو من خصائصهم ولا شك أن اعتبار الأصل هو استخدام التأريخ الميلادي يدخل في سمات الكفار .
وقد سئل الشيخ صالح الفوزان عن:
هل التأريخ بالتاريخ الميلادي يُعتبَرُ من موالاة النصارى‏؟‏
فأجاب لا يُعتبَرُ موالاة، لكن يعتبر تشبُّهًا بهم‏.‏
والصَّحابة رضي الله عنهم كان التاريخ الميلادي موجودًا، ولم يستعملوه، بل عدلوا عنه إلى التاريخ الهجريِّ، وضعوا التاريخ الهجريَّ، ولم يستعملوا التاريخ الميلادي، مع أنه كان موجودًا في عهدهم، هذا دليل على أنَّ المسلمين يجب أن يستقلُّوا عن عادات الكفَّار وتقاليد الكفَّار، لا سيَّما وأنَّ التَّاريخ الميلاديَّ رمز على دينهم؛ لأنه يرمز إلى تعظيم ميلاد المسيح والاحتفال به على رأس السَّنة، وهذه بدعة ابتدعها النصارى؛ فنحن لا نشاركهم ولا نشجِّعهم على هذا الشيء، وإذا أرَّخنا بتاريخهم؛ فمعناه أنَّنا نتشبَّه بهم، وعندنا ولله الحمد التاريخ الهجريُّ، الذي وضعه لنا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخليفة الرَّاشد بحضرة المهاجرين والأنصار، هذا يغنينا‏‏ .
ويقول فضيلة الشيخ الدكتور عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين: لقد اقتصر المسلمون على تأريخهم الذي اتفقوا عليه من عهد عمر بن الخطاب الذي وضع لهم هذا التاريخ الهجري، حيث اختار مبدأه من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وعمل عليه المسلمون في كتبهم وسيرهم مع معرفتهم بتأريخ من قبلهم، ولم يزالوا كذلك حتى استولى النصارى على كثير من بلاد الإسلام، واستعمروهم واضطروهم إلى تعلم التاريخ الميلادي، وأنسوهم التاريخ الهجري إلا ما شاء الله، فنقول: إن في العمل بالتأريخ الهجري تذكراً لوقائع الإسلام وأحوال المسلمين في سابق الدهر، ثم هو أوضح وأبين حيث يعتمد على الأهلة التي ترى عياناً ويحصل بمشاهدتها معرفة دخول السنة وخروجها، دون إعواز إلى حساب وكتابة، فتنصح المسلمين أن يقتصروا على تأريخهم الذي كان عليه سلفهم، وأن يعرضوا عن تأريخ النصارى الذي لا يتحقق صحته، إنما هو مبني على نقل أهل الكتاب وهم غير متيقنين، حيث لم يثبتوا ذلك بالنقل الصحيح. ومتى احتيج إلى معرفة السنة الشمسية، فإن هناك التاريخ الشمسي الهجري وهو يعتمد الحساب، ويسير على سير البروج الاثني عشر التي ذكرها الله تعالى مجملاً كما في قوله تعالى: "وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً" (الحجر: من الآية16)، وعرفها الحُسّاب وعلماء الفلك بالمشاهدة، ففي معرفتها ما يكفي عن الاحتياج إلى تاريخ النصارى، والله أعلم .
وأما بالنسبة لمن كان يعيش في دولة نظامها يأخذ بالتأريخ الميلادي فإن كان النظام يسمح بوضع التأريخ الهجري مع التأريخ الميلادي فيجب على الأفراد الإشارة إلى التأريخ الهجري في المكاتبات والإجراءات متى ما استطاعوا لذلك لأن هذا يحافظ على بقاء التأريخ الهجري شعاراً للأمة الإسلامية ويخفف من المفسدة الواقعة بالأخذ بالتأريخ الميلادي والقاعدة الشرعية تنص على أنه إذا لم يمكن قطع المفسدة جملة بأسبابها ودواعيها فإن التقليل من آثارها والحد من استشرائها وانتشارها مطلوب وهو من مقاصد الشرع المطهر .
وأما إذا كان النظام الرسمي للدولة يمنع الإشارة للتقويم القمري المتمثل بالتأريخ الهجري أبداً ويحارب ذلك فيجب على الأفراد في هذه الحالة بذل ما يستطيعون من الإنكار والنصح ومراعاة الأمور والموازنة بين المفاسد المتوقعة وقطع أسبابها والمفاسد الواقعة والسعي إلى تقليل آثارها إذا لم يمكن تلافيها ويبقى الجزاء مرتبطاً بالاستطاعة والقدرة على التغيير ويدخل في هذا التعامل مع الدولة أو الشركات العالمية التي تعتمد التأريخ الميلادي فيجوز مع الحاجة استخدام التأريخ الميلادي مع بعض الاعتبارات المرتبطة في ذلك مثل حساب الزكاة بالتأريخ الميلادي مع معادلته بالتقويم القمري، لإخراج القدر الزائد من المال الزكوي المقابل للزمن الزائد من التقويم الشمسي علما بأن المعتبر في إخراج الزكاة هو التأريخ الهجري لا الميلادي.
وفي نهاية البحث أوصي أمتي وأصحاب الشأن في بلاد المسلمين أينما كانوا بأن يتمسكوا بتأريخهم الإسلامي القمري الهجري امتثالاً لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم وتمسكاً بالسنة الراشدة والإجماع الصحابي واعتزازاً بما شرع الله.
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.



المصدر : http://www.dorar.net/article/223

يتوجب عليك تسجيل الدخول او تسجيل لروئية الموضوع
 
أعلى