كيف نعين أبناءنا على حب القرآن الكريم؟!

طباعة الموضوع

ام عبد المولى

مراقب عام
إنضم
26 سبتمبر 2012
المشاركات
2,741
النقاط
38
الإقامة
المغرب
احفظ من كتاب الله
الجزء الخامس
احب القراءة برواية
ورش
القارئ المفضل
الشيخ الحصري
الجنس
اخت
كيف نعين أبناءنا على حب القرآن الكريم؟!


أخي يا صاحب القرآن، إن طفلاً في جوفه القرآن أو شيء من القرآن، أو طفلاً يحب القرآن، لهو نور في الأرض يتحرك وسط الظلام الأخلاقي الذي يسود أيامنا الحالية، وصرنا نخشى اتساع رقعته في الأعوام القادمة.

وإذا كان الإمام أحمد - رحمه الله - قد اعتبر زمانه زمن فتن؛ لأن الريح كشفت جزءًا من كعب امرأة رغمًا عنها، ورآه هو من غير قصد، فماذا نقول عن زماننا؟! بل كيف نتصور حال الزمان الذي سيعيشه أبناؤنا؟!

وإذا كان المخرَج من هذه الفتن هو التمسك بكتاب الله - تعالى - وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - فما أحرانا بأن نحبب القرآن إلى أبنائنا، لعل القرآن يشفع لنا ولهم يوم القيامة، وعساه أن ينير لهم أيامهم، ولعل الله - تعالى - ينير بهم ما قد يحل من ظلام حولهم، ولكن، لماذا نحبب القرآن الكريم إلى أبنائنا؟!

إنك - يا صاحب القرآن - لكي تغرس ثمرات زكية في حياة أبنائك، وتنتظر من هذا الغرس الحصاد الطيب، لا بد أن تكون على علمٍ وفهم ودراسة حقيقية بهذه الثمرة قبل أن تبدأ بغرسها، فابدأ بنفسك - أخي يا صاحب القرآن - فتعلَّم قبل أن تعلِّم، والله يوفقك ويسدد خطاك، فإذا تعلمتَ وكنت على وعي وحب للقرآن، فساعتها يمكن أن تغرس المعاني الإسلامية تجاه القرآن في قلوب أبنائك، وتُنشِّئهم عليها، حتى يشِبُّوا وقد انطبعت هذه المعاني في قلوبهم فيكونوا حقًّا أصحاب القرآن وأبناء الإسلام.

أقول: الواجب عليك يا صاحب القرآن - بعدما تعلمتَ عن الله ورسوله، وعَرَفت فضل القرآن وأحببته - أن تبدأ بغرس هذه الثمرة الطيبة في حياة أبنائك، حتى تنشئ طفلاً موحدًا لله - تعالى - محبًّا لكتابه ودينه، وذلك في مراحل عمره المختلفة، بداية من اختيار الزوجة الصالحة أو الزوج الصالح، فقبل أن ننثر البذور علينا أن نختار الأرض الصالحة للزراعة، ثم المناخ المناسب لنمو هذه البذور؛ حتى نضمن - بإذن الله تعالى - محصولاً سليمًا من الآفات، يسرُّ القلب والعين.

إن الأسباب التي تدعونا إلى أن نحبب القرآن إلى أبنائنا أسباب كثيرة، ولعل من أهمها ما يلي:
1- أن القرآن هو عقل المؤمن، ودستور حياته، فهو كلام الله - تعالى - الذي تولى حفظه دون سائر ما نزل من كتب سماوية؛ لذا فإن أبناءنا إذا أحبوه تمسكوا بتعاليمه، ومن ثَم لم يضلوا أبدًا.

2- أن القرآن هو خير ما يثبِّت في النفس عقيدة الإيمان بالله واليوم الآخر، وإذا ارتبط قلب الطفل بالقرآن، وفتح عينيه على آياته، فإنه لن يعرف مبدأ يعتقده سوى القرآن، ولن يعرف ما يستقي منه دينه غير القرآن، ولن يعرف بلسمًا لروحه وشفاءً لنفسه سوى التخشع بآيات القرآن، وعندئذٍ يصل الوالدان إلى غايتهما المرجوَّة في تكوين الطفل روحيًّا، وإعداده إيمانيًّا وخُلقيًّا.

3- لأن القرآن هو الرسالة الإلهية الخالدة، ومستودع الفكر والوعي، ومنهج الاستقامة والهداية، ومقياس النقاء والأصالة، فإذا أحبه الطفل كان ذلك ضمانًا - بإذن الله - لهدايته واستقامته وسَعة أُفُقه، ونقاء سريرته، وغزارة علمه.

4- لأن القرآن إذا تبوأ مكانة عظيمة في نفوس أبنائنا شبوا على ذلك، ولعل منهم من يصبح قاضيًا، أو وزيرًا، أو رئيسًا، فيجعل الله - تعالى - القرآن العظيم له دستورًا ومنهاجًا، بعد أن ترسخ حبه في نفسه منذ الصغر.

5- لأن حب الطفل للقرآن يُعينه على حفظه، ولعل هذا يحفظ الطفل، ليس فقط من شرور الدنيا والآخرة، وإنما أيضًا من بذاءات اللسان، ففَمٌ ينطق بكلام الله ويحفظه يأنف ويستنكف عن أن ينطق بالشتائم والغِيبة والكذب وسائر آفات اللسان.

6- لأن أبناءنا أمانة في أعناقنا، وسوف نُسأل عنهم يوم القيامة، و((كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يقوت))؛ كما روى أبو داود وحسَّنه الألباني؛ فالضياع قد يكون أخلاقيًّا، وقد يكون دينيًّا، وقد يكون نفسيًّا، وقد يكون ماديًّا - كفانا الله وإياكم شر تضييع أبنائنا - ولن نجد أكثر أمانًا من القرآن نبثُّه في عقول وأرواح أطفالنا؛ حفظًا لهم من كل أنواع الضياع.

7- لأن ذاكرة الطفل صفحة بيضاء، فإذا لم نملأها بالمفيد، فإنها ستمتلئ بما هو موجود! فإذا أحب الطفل القرآن أصبح فهمه يسيرًا عليه، مما يولد لديه ذخيرة من المفاهيم والمعلومات التي تمكنه من غربلة وتنقية الأفكار الهدامة التي تغزو فكره من كل مكان.

8- لأننا مُقبِلون - أو أَقبَلنا بالفعل - على الزمن الذي أخبر عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصحيح أن فيه: ((تلد الأَمَة ربتها))؛ أي: تتعامل الابنة مع أمها وكأنها هي الأم، فلعل حب القرآن في قلوب الأبناء يخفِّف من حدَّة عقوقهم لوالديهم في ذلك الزمان.

9- لأن أطفالنا إذا أحبوا القرآن وفهموه، ثم عملوا به وتسببوا في أن يحبه غيرهم، كان ذلك صدقة جارية في ميزان حسنات الوالدين إلى يوم الدين، يوم يكون الإنسان في أمسِّ الحاجة لحسنة واحدة تثقل ميزانه.

10- لأن هذا الصغير صغير في نظر الناس، لكنه كبير عند الله! فهو من عباده الصغار، ومن ثم، فمن حقه علينا أن نحترمه، وأن نعطيَه حقه من الرعاية والتأديب.

11- لأن القرآن هو حبل الله المتين الذي يربط المسلمين بربهم، ويجمع بين قلوبهم على اختلاف أجناسهم ولغاتهم، وما أحوج أبناءنا - حين يشبوا - لأن يرتبطوا بشتى المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، في وقت اشتدَّت فيه الهجمات على الإسلام والمسلمين في كل مكان، فأسأل الله - تعالى - أن يوفقنا جميعًا في أن نعين أبناءنا على حب القرآن الكريم.

إننا ينبغي علينا أن نبدأ من البداية، وهي: اختيار الزوجة الصالحة أو الزوج الصالح - كما ذكرت آنفًا - فقبل أن ننثر البذور، علينا أن نختار الأرض الصالحة للزراعة، ثم المناخ المناسب لنمو هذه البذور؛ حتى نضمن - بإذن الله تعالى - محصولاً سليمًا من الآفات، يسرُّ القلب والعين، ثم تأتي بعد ذلك المراحل التالية:
1- مرحلة الأجنة:
في هذه المرحلة يكون الجنين في مرحلة تكوين من طور إلى طور، ولك أن تتخيل جنينك وهو ينمو ويتكون على صوت القرآن المرتَّل، وسماع الألفاظ الإسلامية الجزلة التي تكون في الحوارات بين الأطراف التي تتصل بالأسرة، فلقد أثبتت البحوث والدراسات المتخصصة في علم الأجنة أن الجنين يتأثر بما يحيط بأمه، ويتأثر بحالتها النفسية، حتى إنه يتذوق الطعام الذي تأكله وهي تحمله، ويُقبل عليه أكثر مما يُقبل على غيره من الأطعمة، كما أثبتت الأبحاث أن هناك ما يسمَّى بذكاء الجنين، أما أحدث هذه الأبحاث، فقد أثبتت أن العوامل الوراثية ليس فقط هي المسؤولة عن تحديد الطباع المزاجية للطفل، ولكن الأهم هي البيئة التي توفرها الأم لجنينها، وهو ما زال في رحمها، فما تشعر به الأم من راحة وسكينة بسبب الاستماع إلى القرآن أو تلاوته ينتقل إلى الجنين، بل ويتأثر بالقرآن، ليس في هذه المرحلة فقط، وإنما في حياته المستقبلية أيضًا.

كما أثبتت التجارب الشخصية للأمهات أن الأم الحامل التي تستمع كثيرًا إلى القرآن، أو تتلوه بصوت مسموع، يكون طفلها أكثر إقبالاً على سماع القرآن وتلاوته وتعلُّمه فيما بعد، بل إنه يميزه من بين الأصوات، وينجذب نحوه كلما سمعه وهو لا يزال رضيعًا! لذا فإن الإكثار من تلاوة القرآن والاستماع إليه في فترة الحمل يزيد من ارتباط الطفل عاطفيًّا ووجدانيًّا بالقرآن، مما يزيد من فرصة الإقبال على تعلمه وحفظه فيما بعد، والله المستعان.

2- مرحلة ما بعد الولادة حتى نهاية العام الأول:
تبدأ هذه المرحلة بخروج الجنين إلى الدنيا؛ حيث أول محيط اجتماعي يحيط به؛ ولذا فإنها تُعَدُّ الأساس في البناء الجسدي والعقلي والاجتماعي للطفل، ولها تأثيرها الحاسم في تكوين التوازن الانفعالي والنضوج العاطفي، فلا عجب إذًا أن يركز المنهج الإسلامي على إبداء عناية خاصة بالطفل في هذه المرحلة؛ فالطفل في أيامه الأولى وبعد خروجه من محضنه الدافئ الذي اعتاد عليه فترة طويلة، يحتاج إلى التغذية الجسمية والنفسية ليعوِّض ما اعتاده وألِفه وهو في وعاء أمه.

فما بالنا بالأم التي ترضع وليدها على آيات القرآن المرتل بصوت ندي، وتكون الحوارات التي تدور حوله مما يتصل بما نحب أن نغرسه فيه، ألا يُعينه ذلك على حب القرآن، ورسوخ المعاني المطلوبة في ذهنه بعد ذلك؟!

إن الأم التي تُرضع طفلها على صوت ندي يتلو القرآن، فإن الراحة والسكينة والاطمئنان والحنان التي يشعر بها الطفل وهو بين أحضان أمه، سترتبط في عقله اللاواعي بالقرآن، ومن ثم يُصبح القرآن بالنسبة للطفل فيما بعد مصدرًا للأمن والاطمئنان والسعادة، ونوعًا آخر من الزاد الذي يشبع قلبه وروحه، كما كانت الرضاعة تشبع بطنه وتُسعد قلبه، فإذا كانت الأم هي التي تتلو القرآن مجوَّدًا، فإن ذلك أقرب لوجدان الطفل وأشد تأثيرًا فيه، وأهنأ له ولأمه، ولنا أن نتخيل هل سيظل طفل كهذا يصرخ طوال الليل، أو يكون نومه مضطربًا، وهو محفوف بالملائكة بسبب القرآن الكريم؟!

ولعل الفائدة ستعم أيضًا على الأم؛ حيث يعينها الاستماع إلى القرآن على هدوء النفس وراحة الأعصاب في هذه الفترة، مما يجنبها ما يسمى باكتئاب ما بعد الولادة الذي تُصاب به معظم الوالدات.

3- في العام الثاني من حياة الطفل:
تلعب القدوة في هذه المرحلة دورًا هامًّا ورئيسًا في توجيه سلوك الطفل؛ لذا فإنه إذا شعر بحب والديه للقرآن من خلال تصرفاتهما، فإن هذا الشعور سوف ينتقل إليه تلقائيًّا، ودون جهد منهما، فإذا سمع أباه يتلو القرآن وهو يصلي في جماعة مع والدته - بعد صلاته في المسجد طبعًا - أو رأى والديه - أو من يقوم مقامهما في تربيته - يتلوانِ القرآن بعد الصلاة، أو في أثناء انتظار الصلاة، أو اعتاد أن يراهما يجتمعان لقراءة سورة الكهف يوم الجمعة في جو عائلي هادئ، فإنه سيتولد لديه شعور بالارتياح نحو هذا القرآن، وإذا لاحظ أن والديه يفرحان عند سماع القرآن، فيجلسان للاستماع إليه باهتمام وإنصات، فإنه سيتعلم الاهتمام به، وعدم تفضيل أشياء أخرى عليه، وإذا رآهما يختاران أفضل الأماكن وأعلاها لوضع المصحف، فلا يضعان فوقه شيئًا، ولا يضعانه في مكان لا يليق به، بل ويمسكانه باحترام وحب، فإن ذلك سيتسلل إلى عقله اللاواعي، فيدرك مع مرور الزمن أن هذا المصحف شيء عظيم جليل كريم، يجب احترامه وحبه وتقديسه.

ومن ناحية أخرى، إذا تضايق الطفل من انشغال والديه عنه بتلاوة القرآن، وأقبل عليهما يقاطعهما، فلا يزجرانه أو ينهرانه، بل يأخذه أحدهما في حضنه، ويطلب من الطفل أن يقبِّل المصحف، قائلاً له: هذا كتاب الله، هل تقبله؟! فإن الطفل سيشعر بالود تجاه هذا الكتاب.

وإذا رأى الأم تستمع بالإنصات إلى القرآن وهي تصنع الطعام أو تنظف البيت، ورأى نفس الشيء يحدث مع والده، وهو يقوم بترتيب مكتبته مثلاً، أو يفعل أي شيء آخر، فإن ذلك يجعله يفضل أن يستمع إليه هو الآخر حين يكبر وهو يؤدي أعمالاً روتينية مشابهة.

4- منذ العام الثالث حتى نهاية الخامس:
أخطر سن في تلقي العادات والتقاليد والمبادئ والقيم، هو سن الحضانة، ثم سن التعليم الابتدائي، والطفل يستطيع أن يحفظ القرآن في سِنِي حياته الأولى، فإذا كبِر فهم معانيه، ولكن بعد أن يصبح لسانه مستقيمًا بالقرآن، فيشب وقد تعلم الكثير من الآداب، بل إن الطفل إذا حفظ القرآن منذ صغره، فإن القرآن يختلط بلحمه ودمه؛ لذا ففي هذه السن غالبًا يمكننا أن نبدأ بأنفسنا تعليمه تلاوة القرآن تلاوة صحيحة، فإن لم يتيسر ذلك، فلا بأس من اختيار معلمة أو معلم يكون طيب المعشر، لين الجانب، حازمًا في رفق، ذا خُلُق قويم، واسع الأفق، وأن يكون محبًّا لمهنته؛ كي ينتقل هذا الحب إلى تلاميذه، مع ملاحظة أننا لا ينبغي أبدًا أن نُجبر الطفل على حفظ القرآن، أو نضربه إذا لم يحفظ، بل يجب أن تكون جلسة الاستماع إلى القرآن أو حفظه من أجمل الجلسات وأحبها إلى قلبه؛ وذلك من خلال تشجيعه بشتى الصور المحببة إلى قلبه، من مكافآت مادية ومعنوية، وغير ذلك، فإذا كان من يُحَفِّظه يتبع أسلوبًا عنيفًا أو غير محبِّب، فلنستبدل به على الفور إن نهيناه ولم ينتهِ.

وهناك ملاحظة هامة جدًّا، وهي مراعاة الفروق الفردية بين الأطفال؛ فإن كان طفلك غير متقبل للحفظ في هذه السن، فعليك أن تمهله حتى يصير مهيأ لذلك، مع الاستمرار في إسماعه القرآن مرتلاً، أما إذا كان لدى طفلك القدرة والاستعداد قبل هذا العمر، فيجب أن تنتهز هذه الفرصة، وتشكر الله - تعالى - على هذه النعمة، فتشجعه وتعينه على حفظ القرآن الكريم، كما حدث مع النماذج المشرفة من أمثال الطفلة السعودية/ زهرة التي حفظت سُوَرًا كاملة من القرآن، مع إتقان كامل لمخارج الحروف، وهي تبلغ من العمر عامًا ونصف العام.

وفي هذه المرحلة - ما بين العام الثالث والخامس - ينبغي أن نعلِّم الطفل الأدب مع كتاب الله - تعالى - فلا يقطع أوراقه، ولا يضعه على الأرض، ولا يضع فوقه شيئًا، ولا يدخل به دورة المياه، ولا يخط فيه بقلم، وأن يستمع إليه بانتباه وإنصات حين يُتلى.

ومن معالم هذه المرحلة الولع بالاستماع إلى القصص؛ لذا يمكننا أن ننتقي للطفل من قصص القرآن ما يناسب فهمه وإدراكه؛ مثل: قصة أصحاب الفيل، وقصة موسى - عليه السلام - مع الخضر، وقصته مع قارون، وقصة سليمان - عليه السلام - مع بلقيس والهدهد، وقصة أصحاب الكهف، بشرط أن نقول له قبل أن نبدأ: هيا يا حبيبي لنستمتع معًا إلى قصة من قصص القرآن! ومع تكرار هذه العبارة سيرتبط حبه للقصص بحب القرآن، وسترتبط المتعة الروحية التي يشعر بها - من خلال قربه من الأب والأم وما يسمعه من أحداث مشوقة - بالقرآن الكريم، فيعي - مع مرور الزمن - أن القرآن مصدر للسعادة والمتعة الروحية، ومن المفيد أن نختم كل قصة بالعبر المستفادة منها، كما أن رواية هذه القصص قبل النوم يجعل هذه القصص أكثر ثباتًا في ذاكرته، ومن ثم أشد تأثيرًا في عقله ووجدانه.

وفي هذه المرحلة يمكننا أن نعلِّمه حب القرآن أيضًا، من خلال الأناشيد التي تكون ممتعة بالنسبة له، فيسهل عليه تذكر معانيها طوال الحياة، فقد ثبت علميًّا أن الطفل يتذكر ما هو ممتع بالنسبة له بصورة أفضل ولمدة أطول، بالإضافة إلى أنه يستخدمه في نشاطه المستقبلي، ومن أمثلة هذه الأناشيد: الله ربي.. محمد نبيِّي، وهو أيضًا قدوتي.. والإسلام ديني.. والكعبة قبلتي.. والقرآن كتابي.. والصيام حصني.. والصدقة شفائي.. والوضوء طهوري.. والصلاة قرة عيني.. والإخلاص نيتي.. والصدق خلقي.. والجنة أملي.. ورضا الله غايتي.. وأيضًا: أنا يا قومِ مسلم.. أنا يا قومِ مسلم.. إن سألتم عن إلهي.. فهو رحمن رحيم.. أو سألتم عن نبيِّي.. فهو ذو خلق عظيم.. أو سألتم عن كتابي.. فهو قرآن كريم.. أو سألتم عن عدوِّي.. فهو شيطان رجيم.. وغير ذلك من الأناشيد الممتعة، والتي تحمل مثل هذه المعاني الطيبة التي نريد غرسها في قلوب أبنائنا، والله المستعان.

5- منذ العام السابع حتى العاشر:
في هذه المرحلة يمكن أن نشجِّعه بأن تكون هدية نجاحه أو تصرفه بسلوك طيب هي مصحفًا ناطقًا للأطفال يسمح له بتكرار كل آية مرة على الأقل بعد القارئ، أو أشرطة صوتية للمصحف المعلم كاملاً، أو قرص كمبيوتر يحوي المصحف مرتلاً، وبه إمكانية التحفيظ، كما يمكن إلحاقه بحلقة قرآنية في مركز للتحفيظ، يتم اختياره بعناية بحيث يكون موقعه قريبًا من البيت، كما يكون نظيفًا جيد التهوية، جميل المنظر؛ حتى يُقبل عليه الطفل بحب ورضا، مع متابعة المحفِّظ لنتأكد أن أسلوبه في التلقين والتحفيظ تربوي، أو على الأقل ليس بضار من الناحية التربوية.

كما ينبغي أن نمدح الطفل ونثني على سلوكه، كلما تعامل مع المصحف بالشكل الذي يليق به، ويمكن في هذه المرحلة أن نسمع معه مثل هذه الأناشيد التي يسهل عليه حفظُها، كما نشجعه على أن يمنحها - مسجلة على شريط - كهدايا لأصحابه في الحلقة القرآنية، أو جيرانه، أو أقاربه:
اقرأ كتاب الله ورتل الآياتِ
space.gif

ما دام في هُدَاه سعادة الحياةِ
space.gif

رتِّله في الصبح، رتِّله في الإمساءِ
space.gif

كالبلبل الصدَّاح في غابة خضراءِ
space.gif

فإن تكن صديقًا لكتاب الرحمنِ
space.gif

يرسم لك الطريق بأجمل الألحان
space.gif

يُنبيك عمَّا كان في الأرض من أخبار
space.gif

في سالف الزمان ويُظهر الأسرار
space.gif

كم قصة رواها عن أنبياء الله
space.gif

اللهَ ما أحلاها تتلى على الشفاه
space.gif

وحين يُصغِي الناس إليك في سرور
space.gif

وتبدو الأعراس من حولهم تدور
space.gif

ويسأل الأطفال ويسأل الشبَّان
space.gif

ما ذاك الجمال فقل هو القرآن
space.gif

اقرأ كتاب الله ورتل الآياتِ
space.gif

ما دام في هُدَاه سعادة الحياةِ
space.gif



وأيضًا:
طفل كان طهور الصدر
space.gif

يجلس بعد صلاة الفجر
space.gif

يتلو في القرآن بصوت
space.gif

أحلى من تغريد الطير
space.gif

يتلوه ويفكر فيه
space.gif

يتأمل حسن معانيه
space.gif

ويراه قصصًا رائعة
space.gif

يسرح فيها وتسلِّيه
space.gif

كل صباح كان أبوه
space.gif

يأتي فيراه يتلوه
space.gif

وله يُصغي في إعجاب
space.gif

ذلك أغلى ما يرجوه
space.gif

قال له يومًا: يا ولدي
space.gif

ما تقرأ والصوت ندي
space.gif

قال أرتِّل خير كتاب
space.gif

فأضيء به يومي وغدي
space.gif

قال بصوت فاض حنانا
space.gif

اقرأ وكأن القرآنا..
space.gif

يتنزل من عند المولى
space.gif

بالآيات عليك الآنا..
space.gif



قال ومن أجمل ما قال:
إن كتاب الله رسالة.. بدأ الطفل إذا رتله.. يدرس روعته وجلاله
لما الطفل المؤمن شبَّ.. ونما عقلاً وزكا قلبا.. أمسى يكتب فكرًا حرًّا.. ومضى ينظم شعرًا عَذْبا..
طفل كان طهور الصدر.. يجلس بعد صلاة الفجر

وأيضًا:
ألف لام ميم، القرآن كريم.
ما أحلى الكلمات، في تلك الآيات..
لما في البستان.. رتله حسَّان.. غردت الأطيار.. من فوق الأشجار..
نسمات خضراء عطرت الأجواء..
لما ذاتَ مساء، قرأتْ فيه دعاء.. سمعتها النجمات.. أرسلت البسمات..
قالت: جل الله.. صوتك ما أنداه..
كان البدر يسير.. فوق الأرض يدور.. يستمع القرآن، من كل البلدان..
يهتف يا الله.. قولك ما أحلاه..
أصوات الأطفال، ونساء ورجال.. تقرأ في القرآن.. تشدو في إيمان..
تشهد أن الله.. أنزله وحماه..

وغير ذلك من الأناشيد الطيبة التي تحمل مثل هذه المعاني.

ومن الضروري أن نجعل للطفل كرامة من كرامة القرآن الذي يحفظه؛ كأن يقول له الأب: لولا أنك تحفظ القرآن لعاقبتك.. كما ينبغي أن نشرح له أهمية القرآن الكريم للمسلم والعالَم، وكيف كانت البشرية تعيش قبل نزوله على النبي - صلى الله عليه وسلم.

ويظل دور القدوة مستمرًّا مع الطفل، فإذا تردد على سمعه من والديه عبارات قرآنية؛ مثل:
﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: 2].
﴿ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾ [آل عمران: 173].
﴿ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ﴾ [المائدة: 54].
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ [الطلاق: 2، 3].
﴿ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ ﴾ [يوسف: 18].
﴿ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ﴾ [غافر: 44].
﴿ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ ﴾ [يوسف: 86].
﴿ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ ﴾ [يوسف: 21].
﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق: 3].
﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا ﴾ [هود: 6].
﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 88، 89].

فإن الطفل سيرددها دون أن يعلم معناها، ولكنها مع مرور الوقت ستصبح مفهومة لديه، ليس هذا فحسب، وإنما ستكون له نبراسًا يضيء له ظلام حياته، ومنهاجًا يعينه على ما يصادفه من مصاعب ومشكلات.

وينبغي أن نستمرَّ معه في رواية قصص القرآن - بنفس الطريقة - فنروي له في هذه المرحلة مثلاً: قصة الخلق منذ آدم - عليه السلام - وابنَي آدم، ثم قصة نوح - عليه السلام - وقصة زكريا ويحيَى - عليهما السلام - وقصة مريم وعيسى - عليهما السلام - وهاروت وماروت، وأصحاب القرية، وأصحاب الكهف، وأصحاب الجنة.

6- منذ العام الحادي عشر حتى الثالث عشر: في هذه المرحلة تتسع دائرة الطفل الاجتماعية، ويزداد حرصًا على تكوين علاقات اجتماعية، كما يزداد ارتباطًا بأصحابه وزملائه.. ويمكن استغلال ذلك في إلحاقه - وأصحابه إن أمكن - بحلقة تعليم أحكام التجويد، مع تشجيعه ومكافأته بشتى الطرق المادية والمعنوية؛ ومنها: تعريفه بفضل تعلم القرآن وتجويده، مثل الأحاديث الشريفة الصحيحة: ((أهل القرآن هم أهل الله وخاصته))، ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه))، ((يؤم الناس أقرؤهم لكتاب الله))، ((الماهر بالقرآن...))، ((من أراد الدنيا...))، ويمكن أن نعرفه بذلك بطريقة غير مباشرة؛ بحيث ندعو أصحابه المفضلين إلى المنزل، ونسألهم عدة أسئلة نعرف أنهم يعرفون إجابتها، ثم نسأل عن فضل تعلم القرآن وتجويده، فإن لم يعرفوا أقمنا بينهم مسابقة لمن يعثر على أكبر قدر من الأحاديث والآيات حول ذلك، مع توجيههم للاستعانة بمكتبة المدرسة أو أقرب مكتبة عامة، أو نعطيهم مما لدينا من كتب ومراجع.. فإذا وصلوا إلى المعلومة بأنفسهم كان ذلك أشدَّ تأثيرًا في نفوسهم، وأيسر إيصالاً للمعلومة إلى قلوبهم قبل عقولهم.

كما يمكن أن نضع - في مكان بارز بالبيت - لوحة أو سبورة يمكن أن يكتب عليها الأولاد أحاديث شريفة عن فضل القرآن الكريم؛ بحيث يتسابقون في البحث عنها، ووضعها على هذه اللوحة بمعدل حديث كل أسبوع، ليروه كلما مرُّوا بها فيحفظوه، ويتناقشوا مع الأم أو الأب حول معناه.. وبعد ذلك تكون هناك جائزة لمن وضع أكبر عدد من هذه الأحاديث.. كما يمكن إلحاق الطفل مع أصحابه بمعسكرات الأشبال الصيفية التي تهتم بتعليم أحكام التجويد.

وينبغي في هذه المرحلة أن نستمر في رواية قصص القرآن له، ومما يناسب الطفل في هذه المرحلة من قصص القرآن: قصة بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - وجهاده في سبيل الله، وقصة موسى - عليه السلام - وبني إسرائيل، والأرض المقدسة، وقصة ذي القرنين، ويأجوج ومأجوج، وأصحاب الأخدود، وطالوت وجالوت وداود - عليه السلام - وقصة الإنسان والشيطان التي وردت في الآية الثامنة عشرة من سورة الحشر، وقصة يوسف وقصة أيوب - عليهما السلام.

ومن المفيد له في هذه المرحلة أن نشجِّعه على الاشتراك في المنتديات التي تعينه على حب القرآن الكريم وحفظه، كما يمكن أن نحكي له - مع أصحابه المقربين - بعض القصص الواقعية في تأثير القرآن حتى على المشركين.

7- منذ العام الرابع عشر حتى السادس عشر: في هذه المرحلة يمكننا أن نناقشه حول فكرة: هل يمكن أن يكون القرآن كلام بشر؟!

وأن نشجعه على أن يبحث عن المعلومات بنفسه، ويتعاون مع أصحابه في عمل أبحاث حول إعجاز القرآن في شتى المجالات، وأن يتبادل معهم الأبحاث؛ لتعم الفائدة بينهم، كما يمكن تشجيعهم جميعًا على نشر هذه الأبحاث، وفي المنتديات المختلفة، ويا حبَّذا لو كانوا يتقنون اللغات الأجنبية، فعندئذٍ يمكنهم أن يترجموها إلى هذه اللغات، وينشروها أيضًا على شبكة الإنترنت.. ومما يشجعهم على ذلك أن نحيطهم علمًا بالأجر الذي سيحصلون عليه بسبب ما يفعلونه إن كانت النية خالصة لوجه الله - تعالى.

كما يمكن أن نعقد جلسة أسبوعية تجمعه مع إخوته وأصحابه المقربين لنشرح لهم - في جو هادئ يسوده الود - الهدف المنشود من كل سورة من سور القرآن، مع أسباب نزولها، ويمكن الاستعانة في ذلك بأحد التفاسير؛ مثل: أيسر التفاسير للشيخ/ الجزائري - حفظه الله.

وبعد ذلك يمكنهم أن يمارسوا أي نشاط ترفيهي يفضلونه، مع تقديم الحلوى والمرطبات؛ لنجعل من هذه الجلسة الأسبوعية شبه احتفال، ومن خلال هذه الجلسات يمكننا أيضًا أن نوضح لهم معنى قوله - تعالى -: ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾ [القمر: 17]، ومن أدلة هذا التيسير أن القرآن الكريم هو الكتاب السماوي الوحيد الذي يحفظه مئات الألوف من الناس، صغارهم وكبارهم؛ فالتوراة - على سبيل المثال - لم يستطع أن يحفظها سوى أربعة: موسى، وهارون، وعزير، ويوشع - عليهم السلام - حتى إن التوراة حين ضاعت في سبي بابل لم يستطع كتابتَها سوى عُزير!

كما يمكن أن نحكي لهم قصصًا عن نماذج مشرقة؛ مثل:
الطفل السوري بهاء القصاب الذي يحفظ القرآن بأرقام الآيات، وكان ترتيبه الثامن على العالم من بين سبعين طفلاً في مسابقة دبي للقرآن الكريم.

وفيصل الرمضاني القطري الجنسية، والذي حفظ ثلث القرآن وهو لا يزال في العاشرة من عمره، ويتمنَّى أن يصبح عالمًا في القراءات.

وأم صالح التي بدأت في حفظ القرآن في السبعين من عمرها، وقد بلغت الآن عامها الثاني والثمانين.

وأم طه الأردنية الأمية التي لا تقرأ ولا تكتب، ولكنها حين تجاوزت الستين من عمرها ورأت أنها على حافة القبر، تأثرت وقالت: كيف سأقابل ربي وأنا لا أستطيع كتابة اسمه؟! فطلبت من إحدى قريباتها أن تعلمها كتابة لفظ الجلالة، فبدأت تعلمها، ففرحت أم طه بذلك، وأمسكت بالمصحف لتبحث عن كل لفظ الجلالة فيه، فكانت ترى الصفحة أمامها طلاسم إلا لفظ الجلالة، وكلما رأته فرحت فرحًا شديدًا، وظلت هكذا تبحث عنه من أول المصحف إلى آخره، فلما رأت أن الأمر سهل، طلبت من قريبتها أن تعلمها بقية الحروف، وفعلاً بدأت ولم تيئس حتى تعلمت قراءة القرآن نظرًا من أوله إلى آخره! ولكنها لم تقف عند هذا الإنجاز، بل أرادت أن تحفظ ولو شيئًا يسيرًا من القرآن، فبدأت بالفعل.. وفي خلال سنتين ختمت القرآن الكريم كاملاً، وكان الختم في رمضان الماضي.

وأبي سلطان العجلوني الأردني الذي أنعم الله - تعالى - عليه بنعمة حفظ القرآن الكريم خلال عامين، وهو في السابعة والسبعين من عمره!

وأم الهدى الربيعي التي حفظت القرآن الكريم في خمس وأربعين يومًا، وغير هؤلاء كثير في أمة الإسلام.

ومن المفيد أن نخبر أبناءنا أن الهجمات الشرسة على القرآن الكريم لا تتوقف، ومنها محاولة تشويهه وتحريفه، ولعل أشهرها هو ما صدر مؤخرًا في الولايات المتحدة الأمريكية تحت عنوان: "الفرقان الحق"، وهو قرآن جديد طبعت منه آلاف النسخ، ويُتوقع له أن يغزو العالم الإسلامي في خلال السنوات العشرين القادمة!

كما ينبغي أن نوضح لهم أن الله - تعالى - قد تكفل بحفظ القرآن الكريم في قوله - تعالى -: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9]، ولعل هذه الآية تذكرنا بذلكم الموقف العظيم، يوم زار القاهرةَ أحدُ المستشرقين، فقال لأحد المشايخ: سننزع الإسلام من صدوركم! فقال له الشيخ: على رسلك، ثم أخذه إلى الشارع، فلقيَا أطفالاً، فطلب منهم الشيخ أن يقرؤوا - من الذاكرة - سورًا معينة من القرآن، فقرؤوا والمستشرق ينظر إليهم في دهشة بالغة، فلما أفاق من دهشته سأل: هل كل أطفالكم يحفظون القرآن؟! فسأله الشيخ: وهل كل أبنائكم يحفظون كتبكم المقدسة؟! ثم أردف الشيخ: ما دام أطفال المسلمين يحفظون القرآن، فلن تستطيعوا أبدًا أن تنزعوا الإسلام من قلوبنا!

ماذا لو لم أبدأ مع طفلي منذ البداية؟!
إذا كان هذا هو حالك، فيمكنك أن تستعين بالله - تعالى - وتدعوه في سجودك أن يشرح صدر أبنائك لحب القرآن والإقبال على حفظه وفهمه وتطبيقه، وأن يخلطه بلحمهم ودمهم، ثم تبدأ بالتدريج، وبالرِّفق واللِّين مع كل منهم حسب مرحلته العمرية؛ حتى يوفقك الله إلى مبتغاك بفضله، فإن استصعبت الأمر فتذكَّر قول الله - تعالى -: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ﴾ [العنكبوت: 69]، وإن أصابك الفتور في منتصف الطريق فتذكر قول الله - تعالى -: ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ [الحج: 32].

وماذا لو لم أرزق بأطفال حتى الآن؟!
إن لم تكن قد رزقت بأطفال حتى الآن، فاعلم أن لديك خيرًا كثيرًا يفتقد إليه غيرك، ونعمة من الله يغبطك عليها الآخرون - وأنت لا تشعر - وهي وقت الفراغ الذي يمكنك استثماره بما يعود عليك بالنفع في الدنيا والآخرة، من خلال إفادة الأطفال المسلمين بما علمت، سواء كانوا من الأقارب، أو الجيران، أو التلاميذ، أو اليتامى في دُور رعاية الأيتام أو في بيوتهم، فلا تتردد، بل توجَّه إليهم، ومُدَّ إليهم يدك، فهم أحوج ما يكونون إليها، وأنت أحوج ما تكون إلى الأجر.. فاقترب منهم، وحاول أن تزرع في قلوبهم الصغيرة حب القرآن الكريم، واستعن بالله - تعالى - فهو خير مستعان به.

وأخيرًا، فإن حب القرآن لهو شيء عظيم، لا يُرزَقه إلا كل سعيد، وإني لأرجو أن يكون أبنائي وأبناؤكم - بعون الله تعالى وفضله - من أولئك السعداء، وأن يكون ذلك الحب شفيعًا لنا ولهم يوم القيامة.



يتوجب عليك تسجيل الدخول او تسجيل لروئية الموضوع
 
أعلى