لا توقد الفرن حتى لا تحترق ...

طباعة الموضوع

تسابيح ساجدة

لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
إنضم
16 أكتوبر 2010
المشاركات
8,111
النقاط
38
الإقامة
المعهد
احفظ من كتاب الله
اللهم إجعلنا من العاملين به... آمين
احب القراءة برواية
حفص
القارئ المفضل
هم كُثر ,,,
الجنس
أخت
لا توقد الفرن حتى لا تحترق ...​



لترتاح في هذه الحياة؛ اجعل من قلبك كبوابات المدن؛ مكتوب لمن أراد دخولها: "مرحبًا أهلاً وسهلاً"، ولمن غادرها: "صحبتكم السلامة"


كم أبغض فلانة، إذا رأيتها كأنني رأيت الموت، فلانٌ كأنني أُنفق عليه، كم أتمنى أن أبشَّر بموته، إنه إنسانٌ حقيرٌ، يظن أن له كرامةً، هو يدعي العلم والثقافة وهو لا شيء... ونحو هذه النفثات.


الناس المبغِضون يجري على ألسنتهم مثلُ هذه الحُمم من العبارات الملتهبة، وما تخفي صدورهم أكبرُ، إنهم أناسٌ يحترقون من حيث لا يشعرون... من أشعل الفرن، فلا بد أن يكون أول من يصطلي بناره.. إذا أردت أن يحيا قلبُك بأمطار الربيع، وتتلذذ بشمسه الصافية، عليك أن تجتهد بعدم حمل الكراهية للآخرين، وترك الكراهية يكون بإحسان الظن، وتذكُّر محاسنهم، ونسيان إساءتهم، والتماس الأعذار، وعدم مخالطة الحمقى الذين لا يعرفون قدر القريب أو الصديق، والبُعد عن أهل الشر.


إذا أردت أن تشم الهواء العليل، وتشرب الماء السلسبيل، فاجعل من قلبك كبوابات المدن؛ مكتوب لمن أراد دخولها: "مرحبًا وأهلاً وسهلاً"، ولمن غادرها: "صحبتكم السلامة"، هكذا تحيا وتعيش، لك ثقلك وحبك في النفوس، أعرف أن الأمر ليس بالهين؛ فمغالبة النفس والحول دون حصولها على حظوظها - أمرٌ بالغ الصعوبة.


فإن وقعت في البغض فحاول أن تنشغل بما ينسي قلبك ما اعتراه، اتصل على صديقٍ حبيبٍ لزيارته، اجلس مع والديك، اشتغل في تقليم أشجار الحديقة، اعمد إلى الصلاة، أو تلاوة القرآن.


الأشخاص في ذاكرتنا عبارةٌ عن صفحاتٍ، اقلب الصفحة التي لا ترغب في قراءتها.


حاول أن تتجاهله وتلقي به في الفرامة، لا أقصد فرامة الورق؛ وإنما فرامة الذاكرة.


إن كره الناس حملٌ تنوء بحمله قلوبُنا، فلنحاول أن نسقط هذا الحمل عنها.


لا تقل: إن ترك البغض ليس بمقدوري؛ إن ديننا لم يكلفنا إلا بما هو في استطاعتنا، ولو كنا لا نستطيع ترك البغض، لما نهانا عنه نبيُّنا - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد لله إخوانًا))، فليس في شريعتنا التكليف بما لا يطاق.


فإذا ما أردنا أن نترك البغض، فلنعلم أن البغض يبين فينا، ولا يؤثر فيمن نبغضه.


الرجل الكاره الحاقد هو إنسانٌ ممتلئٌ بالسم.


ألا يزعجك أن تحمل السم بين جنبيك!


إن محبة الناس ومصافاتهم يخلص لنا وقتنا من التشتت، ربما لا تتقبل أنفسنا محبة من سبَّنا أو سبب لنا ضجرًا؛ لكن لنتقبل ذلك من أجل صحتنا وسعادتنا، لنسامحهم أو ننسهم على الأقل، وهذا عملٌ ذكي يجب أن نعمله.


يقول الجنرال أيزنهاور جملةً بليغةً تستحق أن تحفظ وتطبق مباشرة: دعونا لا نضيع دقيقة واحدةً من التفكير بالأشخاص الذين لا نحبهم.


فمن المصيبة أن يثير عدوٌّ لك في الدنيا حفيظتَك وغضبك، ثم يزداد هذا ويصل إلى درجة التحسر والألم حينما تراه يأخذ من حسناتك يوم القيامة؛ لكونك دائمًا تحضره في ذاكرتك، وتمزقه بلسانك.


إن الحديث عمن نكرههم والقدح فيهم دلالةٌ على الضعف، وعدم القدرة على غير ذلك فحسب.

وأُكرِم نفسي عن جزاء بغيبةٍ وكل اغتيابٍ جهدُ من لا له جهدُ​


إننا حينما نَكره خصومنا نعطيهم قوةَ السيطرة علينا:

السيطرة على نومنا، وشهيتنا، وضغط دمنا، وصحتنا، وسعادتنا، ربما لو علموا بذلك لرقصوا فرحًا أنهم سببوا لنا الضيق والضنك، وأن تأثيرهم فينا قد عمِل عمَله.


إن كراهيتنا لهم لن تؤذيهم أبدًا، لكن هذه الكراهية تحوِّل أيامنا ولياليَنا إلى جحيمٍ مستعرٍ، وتحول طعامنا إلى طعام المساجين الذين حكم عليهم بالأشغال المؤبدة، إن الغضب يعطل حلماتِ الذوق في اللسان، لتفرز لعابًا ممزوجًا بالمرارة، فلا يكون له أي طعمٍ، هل رأيت غاضبًا يتلذذ بطعامه؟! وكفى بهذا نصرًا لأعدائنا علينا.


لذلك أذكر لك:​

قامت إحدى المعلمات في دار رياض الأطفال بطرح لعبة أمام الأطفال الصغار، لها أهدافٌ تربويةٌ رائعةٌ، على أن تكون مدة اللعبة أسبوعًا واحدًا، فطلبتْ من كل طفلٍ أن يحضر كيسًا به عددٌ من ثمار البطاطا، وأن يطلق على كل حبة منها اسمَ شخصٍ يكرهه.


وفي اليوم الموعود أحضر كل طفلٍ كيسًا به بطاطا موسومة بأسماء الأشخاص الذين يكرهونهم، وقد أحضر بعضهم ثمرة بطاطا واحدة، وأحضر آخر اثنتين، وآخر ثلاثًا، وخمسًا، و... وهكذا، عندئذٍ أخبرتهم المعلمة بشروط اللعبة، وهي: أن يحمل كل طفلٍ كيس البطاطا معه أينما يذهب لمدة أسبوعٍ واحد فقط، وبمرور الأيام أحس الأطفال برائحةٍ كريهةٍ تخرج من كيس البطاطا، ولم يكن عليهم تحمل ثقل الكيس، بل كانت رائحته الكريهة أشد عليهم من ثقل حمله.


وبالطبع كلما كثرت أعداد البطاطا كانت الرائحة أشدَّ والكيسُ أثقلَ، وبعد مرور الأسبوع فرح الأطفال؛ لأن اللعبة انتهت.


سألتهم المدرسة عن شعورهم وإحساسهم أثناء حملهم كيس البطاطا لمدة أسبوعٍ.


فبدأ الأطفال يشكون من نظر الناس إليهم، والإحباط والمصاعب التي واجهتْهم أثناء حمل الكيس الثقيل ذي الرائحة النتنة أينما يذهبون، حتى إنهم لا يستمتعون بطعامهم وعند نومهم بسبب تلك الرائحة، بعد ذلك بدأت المعلمة تشرح لهم المغزى من هذه اللعبة.


قالت: هذا الوضع هو بالضبط ما تحمله من كراهيةٍ لشخصٍ ما في قلبك، فالكراهية ستلوث قلبك، وتجعلك تحمل الكراهية معك أينما ذهبت، فإذا لم تستطيعوا تحمل رائحة البطاطا لمدة أسبوع، فكيف تتخيلون ما تحملونه في قلوبكم من كراهيةٍ طول عمركم؟!




المصدر كتاب "ولكن سعداء.."
للكاتب أ. محمد بن سعد الفصّام
يتوجب عليك تسجيل الدخول او تسجيل لروئية الموضوع
 
أعلى