شرح الحديث العاشر ، الحادي عشر ، الثاني عشر

طباعة الموضوع

أم حذيفة

وَهذَا زَمَانُ الصَّبْرِ مَنْ لَكَ بِالَّتي
طاقم الإدارة
إنضم
26 أغسطس 2010
المشاركات
3,675
النقاط
38
الإقامة
الامارات
احفظ من كتاب الله
القرءان كامل
احب القراءة برواية
بحميع الروايات
القارئ المفضل
الشيخ ابراهيم الأخضر
الجنس
أخت
الحديث العاشر
عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله -صلي الله عليه وسلم- :( إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ﴾ ، وقال تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ﴾، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يده إلى السماء : يا رب، يا رب، ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغُذِيَ بالحرام فأَنَّى يستجاب له ؟!) [رواه مسلم]

الحديث أخرجه الإمام مسلم وما دام أنه أخرجه الإمام مسلم رحمه الله فمعنى ذلك أن الحديث صحيح .
إن الله تعالى طيب : طاهر منزه من النقائص والعيوب .
الطيب : اسم من أسماء الله - جلّ وعلا - معناه : أنه طاهر منزه من النقائص والعيوب .
قال : ( لا يقبل إلا طيبا ) لا يقبل من الأعمال إلا ما كان طيباً.. خالياً من المفسدات .. كالرياء والعجب والغرور ..أو من المفسدات التي تفسد الأموال.. فلا يقبل منها إلا ما كان طيباً .
والطيب ضده الخبيث لذلك أحل الله - جلّ وعلا - لنا الطيبات وحرم الخبائث .
قال : ( وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين ) المؤمنون يدخل فيهم عامة المسلمين..
والمرسلين :المرسل من الرسل من أوحي إليه بوحي وأمر بتبليغه.. والمراد هنا أن الله - جلّ وعلا - سوى بين المرسلين وبين المؤمنين في الأمر بالطيبات وأن الله - جلّ وعلا - لا يقبل منهم إلا ما كان طيباً.
ثم استشهد بقوله تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ﴾ ما أحله الله فهو طيب، وما حرمه فهو خبيث، وما كان خبيثاً فهو محرم، وما كان طيباً فهو حلال .
وقال تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ﴾
ثم ذكر - النبي صلى الله عليه وسلم - الرجل يطيل السفر أشعث أغبر هذه علامة على الابتذال والتذلل فهو أشعث في لباسه أغبر في هيئته في شكله في شعره .
يمد يديه إلى السماء : يا رب يا رب، أي : يرفع يديه داعياً الله - عز وجل - ومطعمه حرام ومشربه حرام، وملبسه حرام وغذي بالحرام، غذِّي تأتي بالتشديد وتأتي بالتخفيف وغذِي، وهي أقرب للتخفيف بالحرام من التغذية.
بمعنى: ربى جسده ونماه على الحرام..
قال : ( فأنى يستجاب له ) كيف يستجاب لمن هذه حاله الذي يتعامل بالحرام .
وقوله : أنى يستجاب ؟! على وجه التعجب.. لا يستجاب له لأنه وضع حاجزاً بينه وبين قبول دعائه وهو أكل الحرام .
في الحديث وحدتين كل وحدة من هذه الوحدات يندرج تحتها عدد من المسائل :
الوحدة الأولى التعامل بالطيب أو بالطيبات .
ومسائل هذه الوحدة كالآتي :
سمى - النبي صلى الله عليه وسلم - الله سبحانه وتعالى في هذا الحديث بالطيب قال : ( إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا ) والطيب هو الطاهر المنزه من العيوب ومن النقائص .
فالطيب : اسم من أسماء الله وأسماء الله - جلّ وعلا - وصفاته تثبت كما جاءت عنه وكما جاءت عن رسوله - صلى الله عليه وسلم - من غير تحريف ولا تأويل لمعناها ومن غير تشبيه بخلقه ولا تمثيل ولا تكييف لهذا الاسم أو لتلك الصفة .
فالله - سبحانه وتعالى - لم يجعل علمه للبشر؛ ولذلك الإمام مالك رحمه الله عندما سئل عن الاستواء، قال : الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والسؤال عنه .فالأسماء والصفات تثبت لله - جلّ وعلا - بما ذكر .
المسألة الثانية : بناء على ذلك بأن الله تعالى يحب أن يكون عباده المؤمنين طيبين، كذلك يحب أن يكونوا طيبين في أقوالهم و أعمالهم، و معتقداتهم، وفي أجسادهم، وفي أخلاقهم وفى تعاملهم .
وقد وصف الله - جلّ وعلا - المؤمنين ﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ ﴾ [النحل :32] وقال - جلّ وعلا - بناء على ذلك ﴿ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ ﴾[الأعراف : 157] .
فيحب - جلّ وعلا - من عباده المؤمنين أن يكونوا طيبين فينبغي للمسلم أن يكون كلامه طيباً، عمله طيباً، ماله طيباً لا يشوبه شائبة حرام معتقده الذي يعتقده في الله وفى هذا الكون طيباً كذلك في تعامله وأخلاقه مع الآخرين يكون طيباً.
المسألة الثالثة : وهي أن الله - جلّ وعلا - لا يحب من عباده إلا أن تكون أمورهم طيبة.. فلا يقبل من الأعمال والأقوال إلا ما كان طيبا.. يقول - سبحانه وتعالى - ﴿ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ﴾ [فاطر : 10] فلذلك لا يقبل الله - جلّ وعلا - من الأقوال ومن الأعمال ومن الأموال ومن التعاملات إلا ما كان طيباً ولذلك قال : ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً ﴾[البقرة :168].
يجب على المسلم أن يحرص تمام الحرص أن تكون أموره كلها طيبة، في أعماله، وأقواله، وأمواله، لكي يتقبلها الله - جلّ وعلا -.
وأن يحذر من الحرام، أن يحذر من التعامل بالحرام لأن الحرام ضد الطيب ولذلك يقول - جلّ وعلا - ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ﴾ [النساء :29] فنهى الله - سبحانه وتعالى - عن التعامل بالحرام والتعامل بالحرام سواء كان في القول كالكذب قول الزور، الغيبة، النميمة، الغمز واللمز، بالمسلمين، الاستهزاء بالله وبرسوله وبآياته وبشرعه وبأحكامه وحلاله وحرامه بالبهتان بالسخرية بالمسلمين، وكل هذه من الأقوال الخبيثة .
والتعامل بالحرام في الأموال مثل الربا، مثل ما فيه غرر ما فيه جهالة، فيه ظلم للآخرين فيه ضرر على الآخرين، فيه ضرر على الأجساد . .
المسألة الرابعة: يجب على المسلم أن يجد ويجتهد ويعمل ويكدح لكي يحصِّل الطيب.. وقد أمر - النبي صلى الله عليه وسلم - أصحابه بالعمل ونهى عن السؤال.. فالإنسان الذي يبحث عن الطيب يجب أن يكون جادًا عاملًا يجتهد يسعى يكد يكدح في طلب الطيب ولذلك جاء عن - النبي صلى الله عليه وسلم - كما في الحديث الصحيح ( ما أكل أحد طعاماً قط خير من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده ) والنبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعمل ويبيع ويشتري حتى كان قدوة لأصحابه رضوان الله عليهم في ذلك وللمسلمين أجمعين .
وحث النبي صلى الله عليه وسلم و شجع على العمل، فقال : ( المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف )
والقوة هنا عامة شاملة تشمل : القوة البدنية، والقوة الإيمانية، والقوة العلمية، والقوة النفسية، والإرادية، فمنها القوة البدنية والقوة الإرادية التي من خلالها يعمل الإنسان ويكد لأجل أن يحصل الطيب .
والنبى - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلاً يسأل الناس فقال - النبي صلى الله عليه وسلم - أو وجهه - النبي صلى الله عليه وسلم - إلى : أن يأخذ حزمة ويحتطب ثم يأتي بهذه الحزمة ويبيعها خير له من أن يسأل الناس أعطي أو منع من العطاء.
فائدة :إن المال الحرام يفسد الجسد لأن - النبي صلى الله عليه وسلم - قال في هذا الحديث ( ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء : يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له ؟! ) .
معنى ذلك : أنه أثر على جسده، وملبسه، وطعامه، وشرابه، الذي يبنى عليه جسده، ومن هنا منع من إجابة الدعاء.
المسألة الاخيرة: أن الله - جلّ وعلا - لا يقبل من هذا المال إلا الطيب؛ فالمال الخبيث مهما تصدق به الإنسان لا يقبل منه لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا ) .
المذكور في الحديث ما يتعلق بالأكل والشرب ولكن - النبي صلى الله عليه وسلم - أعطى القاعدة ( إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا ) فهذه قاعدة شاملة .
فإذاً الطيب جمع ما كان في القول، وما كان في العمل، وما كان في المال وغير ذلك .
الوحدة الثانية وما يتعلق بالدعاء :
في هذا الحديث أمر الدعاء وذكر - النبي صلى الله عليه وسلم - علاقة الدعاء بالطيبات مما يدل على أهمية الدعاء، وأن الدعاء له علاقة بتعامل العبد في قوله، وعمله، وماله، فهذا يدل على أهمية الدعاء ولا شك في أهمية الدعاء؛ لأن الله - جلّ وعلا - ندب إليه في آيات كثيرة ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾[غافر :60]
﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾[البقرة :186]
ولا غنى للمسلم عن الله - جلّ وعلا - مطلقاً في أي حال من الأحوال، فهو ما يتصل العبد بربه - عز وجل - .
فالدعاء مقتضى من مقتضيات عبادة العبد لربه - عز وجل - ومن أهم ما يحقق للإنسان رغباته ومطالبه وأموره هو الدعاء، دعاء الله - سبحانه وتعالى - من هنا ربط - النبي صلى الله عليه وسلم - بين مسألة الدعاء وبين مسألة الطيب من الأقوال والأعمال والتعامل بالطيب.
المسألة الثانية : للدعاء منزلة عظيمة ذكر - النبي صلى الله عليه وسلم - بعض الأسباب التي تكون معينة لقبول الدعاء.
من هذه الأسباب : تكرار النداء للرب - عز وجل - يقول : يا رب يا رب، .
2- رفع اليدين في الدعاء :فالنبي - صلى الله عليه وسلم - أقر هذا الرجل الذي يرفع يديه، وقد ندب - النبي صلى الله عليه وسلم - إلى ذلك في الحديث الصحيح ( أن الله تعالى حيي كريم يستحيي إذا رفع الرجل يديه أن يردهما صفرا ) وفي رواية ( أن يردهما صفراً خائبتين ) فرفع اليدين عامل من عوامل إجابة الدعاء، كما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل حال دعاء الاستسقاء، وفى حال القنوت لما يرفع يديه أو حال عامة.
3- السفر : فالسفر عامل من عوامل استجابة الدعاء؛ لذلك وصف - النبي صلى الله عليه وسلم - أن هذا الرجل أشعث أغبر، والشعث والغبرة تدل على أن الإنسان مسافر لذلك قال : ( يطيل السفر ) وقد ورد عن - النبي صلى الله عليه وسلم - أن دعاء المسافر مستجاب .
4- التذلل والخضوع : وما يظهر من حال الذل الذي يتذ لل به لله الإنسان لربه - عز وجل - لذلك قال : ( أشعث أغبر ) يدل على أن الإنسان في حالة ضعف وانكسار، وكلما كان الإنسان في حالة ضعف وانكسار كان أقرب إلى الله - جلّ وعلا - وذلك لأن ضده التكبر والطغيان، فالمتكبر والطاغي تكون حاجته قليلة لمن دعاه، لكن هذا أظهر التذلل والخضوع لله - عز وجل -
5- الإلحاح في الدعاء: ويؤخذ هذا من جملة وصف - النبي صلى الله عليه وسلم - لهذا الرجل ( ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء : يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام ) .
قد يسأل العبد ربه مرة أو مرتين ولا يرى الإجابة علماً بأن الله - جلّ وعلا - ألزم نفسه بإجابة دعاء الداعي والإجابة حاصلة ما لم ترد موانع لكن هذه الإجابة إما أن يراها الإنسان في الدنيا وقد تتأخر لحكمة يريدها الله - عز وجل - وإما أنها تؤخر له في الآخرة وهذا أعظم لأنك ستجده أضعافاً مضاعفة عند الله - سبحانه وتعالى - .
قد يكون تاخير الاجابة من الابتلاء وربما يكون خير .
فائدة : الحذر من موانع الإجابة، ومن أهمه : أكل الحرام، وهذا نص صريح من - النبي صلى الله عليه وسلم - بأن أكل الحرام مانع من موانع إجابة الدعاء .
التعامل بالحرام حاجز قوي جداً عن إجابة دعائه، وهذا من أعظم الخسائر التي يخسرها الإنسان في دنياه، وفى أخرته عندما لا يتقبل الله - جلّ وعلا - دعاؤه .
إثبات صفة العلو لله - سبحانه وتعالى - لأنه قال : ( يرفع يديه) ويرفع العبد يديه إلى ربه - عز وجل- هذا يدل على صفة العلو لله - سبحانه وتعالى-.
الحديث الحادي عشر
( عن أبي محمد الحسن بن على بن أبى طالب -سبط رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وريحانته- رضي الله تعالى عـنهـما- قـال : حـفـظـت مـن رســول الله -صلى الله عـليـه وسلم- : ( دع ما يـَرِيـبـُك إلى ما لا يـَرِيـبـُك ). [رواه الترمذي والنسائي، وقال الترمذي : حديث حسن صحيح] ).
هذا الحديث قال عنه الإمام الترمذي : رواه أصحاب السنن، يعني : الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وغيرهم، والإمام أحمد، وقال الترمذي : حديث حسن صحيح، فالحديث صحيح .
وفى رواية للإمام أحمد والترمذي أنه زاد في هذه الرواية ( إن الصدق طمأنينة والكذب ريبة).
قال المصنف : ( عن أبي محمد الحسن بن على بن أبى طالب -سبط رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وريحانته- رضي الله تعالى عـنهـما ) الحسن بن علي والحسين أخوه سيدا شباب أهل الجنة، - رضي الله عنهم وأرضاهم-، ابنا بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبناء فاطمة بنت محمد - رضي الله عنها- وعليه الصلاة والسلام-، ورضي عنهم :عن الحسن، والحسين .
ولذلك قال سبط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والسبط : هو ابن البنت،
وريحانته :القريب الذي يرتاح إليه، الذي يشم منه الرائحة الطيبة الذي يحبه وهكذا.
فالحسن والحسين محبوبان للنبي - صلى الله عليه وسلم - ورضي عنهما قال : ( حفظت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) .
حفظت -ننظر للتعبير- حفظ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والحفظ : هو باب من أبواب التعليم، حفظ القرآن حفظ السنة، ونحو ذلك باب من أبواب التعليم، لذلك استثمر الحسن - رضي الله عنه - هذا القول فقال : حفظت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ).
دع : اترك .
وما يريبك : ما تشك فيه إلى ما لا تشك فيه .
في هذا الحديث قاعدة عظيمة : وهي التعامل في حياتنا سواء مع الأشياء أو التعامل في الحلال والحرام أو التعامل في الأقوال والأعمال.. أن نتعامل بوضوح أن أتعامل بما اتضح لدي أتعامل بما صح لدي أترك ما فيه شك.
وهذا التعامل أعطى قاعدة أخرى أيضاً وهي قاعدة في الورع : أن الورع ترك ما شك فيه إلى ما لا شك فيه .
فمثلاً في أمور الأموال عندي معاملتان :
المعاملة الأولى : حلال مائة في المائة بيع وشراء .
والمعاملة الثانية : فيه شبهة أذهب إلى الواضح إلى ما كان حلالاً صرفاً فأرتاح وأطمئن وهذا هو الورع .
نقطة أخرى مهمة- أن الورع ليس في ترك الحلال من اللباس من الأكل من الشرب من المباحات ليس هذا هو الورع .
الورع : ترك ما فيه شبهة، ترك ما فيه شك، أما إن الله يعطيني من رزقه، يعطيني من حكمه، يعطيني من العلم، فأتركه وأترك الحلال المباح .
هذا ورع هذا خلاف مفهوم الورع الصحيح .
القاعدة الأولى : العمل بالواضح تماماً بما ل شك فيه .
القاعدة الثانية : ليس الورع ما كان حلالاً فأتركه وأذهب إلى أن ألبس الشيء الرديء أن أتعامل بالرديء، أن آخذ كل شيء من الرديء هذا ليس ورعاً هذا بخل وبعد عما أحل الله - سبحانه وتعالى -.
القاعدة الثالثة : وهي قاعدة مهمة سواء كانت في المال أو في غيره، وفى العبادات بالدرجة الأولى وهي : إذا تعارض الشك واليقين . فأذهب إلى اليقين .
ولذلك استنبط من القاعدة أن اليقين لا يزول بالشك .
هذه قاعدة عظيمة خصوصاً في العبادات، وهي من أهم العوامل لإبعاد الوسواس الذي يشتكي منه كثير من الناس.
العامل الثاني : إذا كان الشك خارج العبادة :صليت الظهر، وشككت هل صليت ثلاثة أو أربع،نبني على اليقين .
هذا الحديث من نتائجه إذا عمل المسلم بهذه القواعد الثلاث وهي : العمل بالواضح، قاعدة الورع، قاعدة تعارض اليقين مع الشك-؛ ارتاحت نفسيته، وسلم دينه، وسلمت معاملاته، وحينئذ يربي نفسه .
الفائدة الثانية : يربي نفسه على الحزم، والقوة، والتعامل معها بحزم وقوة، ويبعد مرض الشك، مرض الوسواس، مرض التردد الذي نشتكي منه كثيرا في حياتنا اليومية وحياتنا العبادية، فيتعامل مع نفسه بهذا الحزم والله - سبحانه وتعالى - يعفو عن الخطأ والزلل لو واقعاً خطأ أو زلل.
الحديث الثاني عشر
( عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعـنيه ) [حديث حسن، رواه الترمذي وغيره هكذ] ).
هذا الحديث رواه الترمذي وابن ماجة، واختلف أهل العلم هل هو موصول الإسناد .
أو مرسل : رواه التابعي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مباشرة يعني : الحسن عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أو الحسن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
بعض أهل العلم يرجح أنه مرسل، فسواء كان إسناده مرسلاً أو كان موصولاً فهو رتبة الحسن، وهذا يعني : أقل حديث مر في الأربعين النووية بأنه ينزل عن رتبة الصحيح وفيه شك؛ لأنه موصول أو خلاف على الأصح بأنه موصول أو مرسل، لكن معناه صحيح، وحيث أن معناه صحيح يرتقي العمل به .
بناء على معني الحديث من حيث إسناده ومعناه حسن .
قال : ( من حسن إسلام المرء ) يعني : من كمال إسلام المرء وتمامه
( تركه ما لا يعنيه ) ما لا يعينه : ما لا يهمه من أمور دينه ودنياه.
هذا الحديث أصل في أدب التعامل مع الآخرين .. و من جوامع كلم النبي - صلى الله عليه وسلم - كما كان الحديث السابق ( دع ما يريبك إلى ما لا يريبك )
هذا الحديث أصل في الأدب وفيه جملة من المسائل :
المسألة الأولى : أن الإيمان والإسلام يزيد وينقص؛ لذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ( من حسن إسلام المرء ) معناه أن إسلام المرء قد يكون قوياً، وقد يكون ضعيفاً، وقد يكون مرتفعاً، وقد يكون أقل ارتفاعاً، فهو ضعيف، فضعيف في دينه وفى إسلامه؛ إذا اقترف من المعاصي، و الإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
هذا الحديث يدل على تكوين شخصية المسلم وأن مما يربي شخصية المسلم ومما يقويها ومما يكملها ومما يرفعها إلى أعلى : الاشتغال بالمفيد وما يعود على الإنسان بالمنفعة في دينه ودنياه، وهذا عامل من أهم العوامل لرقي شخصية المسلم .
فالإنسان اذانظم وقته في يومه وليلته حصل من الفوائد والمنافع والآثار الإيجابية التي تعود عليه في الدنيا وفى الآخرة .
وإنسان يقضي وقته بالنوم والكسل والخمول والضعف والخور، ومن ثم يتسول للناس ويتردد على أبواب الناس ونحو ذلك هذا إنسان لا قيمة له، وضيع وقته، ولم تخرج هذه الشخصية كما أرادها الله - سبحانه وتعالى -
ا اذا استغل الانسان قدراته العقلية والبدنية والجسمية، واستغل قدراته الذهنية، استغل المنح والعطايا التي أعطاه الله - سبحانه وتعالى - فاستثمر يومه وليلته فهذا ينتج .
لذلك يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ).
من خلال هذا الحديث ينبغي على المسلم أياً كان أن يستثمر قدراته فيما يعود عليه بالنفع في دينه ودنياه، وأن يحرص على ترك الأعمال والأقوال التي لا فائدة منها ولا تعود عليه بالمنفعة لا في دينه و لا في دنياه ولا في آخرته .
والاشتغال بالمفيد له فوائد: منها نماء الشخصية، والثقة بالنفس، والإنتاج.
الأمر الثاني : سبب لنماء المجتمع، والمجتمع إذا لم يكن عاملاً حينئذ كان مجتمع خور وضعف، لكن إذا عمل أفراده فهذا سبب لنماء المجتمع وتقدمه وتفوقه .
الأمر الثالث : سبب للوفاق، والوئام، والتلاحم، والتعاطف، والتراحم بين الناس؛ لأن كلاً يشتغل بما يفيده ويعيد فائدته إلى الآخرين .
أما إذا اشتغل الناس بغير المفيد؛ فهذا يثمر أموراً سيئة، وأمور سلبية : منها ضعف الدين، ومنها كسب السيئات والآثام، ومنها ضعف رابطة المجتمع، ومنها إيجاد البغضاء والشحناء والتحاسد بين الناس،
ويكون سبب لعدم دخول الجنة؛ لأن الإنسان اشتغل بما لا يفيده بقدر اشتغاله بما لا يفيده؛ تكون نتائجه وأضراره السلبية.
الحديث يربي في المسلم أن تكون همته عالية، فيشتغل بمعالي الأمور؛ فيجب على المسلم أن يضع له هدفاً عالياً فإذا وصل وتحقق له ما يريد، وإلا يصل قريباً؛ ولذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - قال( إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس )
فعلينا أن نحفظ أوقاتنا، ونضع أهدافنا العالية، ونسعى إليها، وسنكسب خيراً كثيراً في الدنيا وفى الآخرة .

يتوجب عليك تسجيل الدخول او تسجيل لروئية الموضوع
 
أعلى