شرح حديث ((انما الأعمال))

طباعة الموضوع

أم حذيفة

وَهذَا زَمَانُ الصَّبْرِ مَنْ لَكَ بِالَّتي
طاقم الإدارة
إنضم
26 أغسطس 2010
المشاركات
3,675
النقاط
38
الإقامة
الامارات
احفظ من كتاب الله
القرءان كامل
احب القراءة برواية
بحميع الروايات
القارئ المفضل
الشيخ ابراهيم الأخضر
الجنس
أخت
كِتَـابُ الطَّهَـارَةِ
1- عن عمرَ بنِ الخطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنهُ قالَ: سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يقولُ: (( إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ – وفي روايَةٍ: بِالنِّيَّةِ –وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَن كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلى اللهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرتُهُ إلى اللهِ وَرَسُولِهِ، وَمَن كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَو امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ)).


حديث أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- الحديث المشهور حديث (الأعمال بالنيات) حديث متفق عليه،والمتفق عليه هو ما رواه الشيخان البخاري ومسلم من طريق صحابي واحد، وإن اختلف اللفظ ما دام أن المعنى متحد، هذا هو المتفق عليه، فهذا الحديث متفق عليه رواه البخاري ورواه مسلم كما رواه غيرهما من أصحاب السنن، كالنسائي وأبي داود وغيرهما.


الحديث المتفق عليه هو أعلى درجات الصحة، فالأحاديث الصحيحة متفاوتة في مرتبتها: فمنها ما هو أعلى الصحيح، ومنها ما هو أدنى الصحيح، فأعلى الصحيح هو المتفق عليه الذي رواه البخاري ومسلم.

و اشتهر عند بعض الناس شهرة ليست صحيحة وهي أنه متواتر، فهوليس متواترا وهو حديث مشهور من الناحية الاصطلاحية .

وهو أيضًا غريب من الناحية الاصطلاحية، والغريب هو ما رواه شخص في طبقة من طبقات الإسناد أو في كل طبقات الإسناد. بذلك يكون قد جمع بين لطيفتين، بين أنه غريب وبين أنه مشهور.

- ( إنَّما الأعمالُ بالنياتِ ) كلمةُ: (إنَّما)، تفيدُ الحصرَ، فهو هنا قصرُ موصوفٍ على صفةٍ، وهو إثباتُ حُكْمِ الأعمالِ بالنياتِ، فهو في قوَّةِ: وينفي الحُكمَ عمَّا عداهُ.

"الأعمال" مطلقة هنا، والمراد صحة العمل أو فساده.


2- ( النِّيَّةُ ) لُغةً: القصدُ.
وشرعاً: العزمُ على فعلِ العبادةِ تقرُّباً إلى اللَّهِ تعالى.
3-( فمَنْ كانت هجرتُه ) جُملةٌ شرطيَّةٌ.
4- ( فهجرتُهُ إلى اللَّهِ ورسولِهِ ) جوابُ الشرطِ، واتَّحدَ الشرطُ والجوابُ؛ لأنَّهما على تقديرِ: (مَن كانتْ هجرتُهُ إلى اللَّهِ ورسولِهِ) نيَّةً وقصداً (فهجرتُه إلى اللَّهِ ورسولِهِ ) ثواباً وأجراً .
المعنَى الإجماليُّ:
هذا الحديث أصل في الدين وهو حديث عظيم الشأن، كبير القدر، عظيم المكانة؛ وقاعدةٌ جليلةٌ من قواعدِ الإسلامِ، هي القياسُ الصحيحُ لوزنِ الأعمالِ، من حيثُ القبولُ وعدمُهُ، ومن حيثُ كثرةُ الثوابِ وقلَّتُهُ.

لذلك اهتم به السلف -رضوان الله عليهم- اهتماما كبيرًا: فمنهم من جعله ثلث الدين، ومنهم من جعله ربع الدين، ومنهم من جعله أصلا من الأصول، وكونه أصلًا من الأصول أو عظيمًا أو جليلا لأن عليه مدار كثير من الأحكام
فإنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخْبرُ أنَّ مدارَ الأعمالِ على النيَّاتِ: فإنْ كانت النِّيَّةُ صالحةً، والعملُ خالصاً لوجهِ اللَّهِ تعالى، فالعملُ مقبولٌ. وإنْ كانت غيرَ ذلك، فالعملُ مردودٌ. فإنَّ اللَّهَ تعالى أغنَى الشركاءِ عن الشركِ. ثم ضربَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثلاً يُوضِّحُ هذه القاعدةَ الجليلةَ بالهجرةِ. فمَنْ هاجرَ من بلادِ الشِّركِ، ابتغاءَ ثوابِ اللَّهِ، وطلباً للقُرْبِ من النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتعلُّمِ الشريعةِ، فهجرتُه في سبيلِ اللَّهِ، واللَّهُ يُثيبُه عليهَا. ومَن كانت هجرتُهُ لغرضٍ من أغراضِ الدنيا، فليسَ له عليهَا ثوابٌ. وإنْ كانت إلى معصيةٍ، فعليه العقابُ.
والنيَّةُ تُميِّزُ العبادةَ عن العادةِ، فالغُسلُ مثلاً يُقصدُ عن الجنابةِ؛ فيكونُ عبادةً، ويُرادُ للنظافةِ أو التبرُّدِ؛ فيكونُ عادةً.

عندما نقول صحة العمل أو فساده ما الذي خرج معنا؟ وجود العمل. فلا نستطيع أن نقدر هنا وجود العمل لماذا؟ لأن العمل موجود (إنما الأعمال بالنيات) فالصلاة موجودة هل نقول الحديث: "إنما وجود الصلاة"؟ مثلًا، الصلاة وُجِدت، لا داعي لأن نقول: "بالنية" لأن العمل موجود.


لم لا نقدر، (إنما الأعمال) يعني كمالها؟ لأن الحديث عن أصل العمل، صحيح أو غير صحيح، مقبول أو غير مقبول، إذن التقدير الصحيح: إنما صحة الأعمال وفسادها بالنية، يعني: بسبب النية، وبعض أهل العلم يجعل "بالنية" يعني: الباء هنا للمصاحبة ليست للسببية والمعنى متقارب.


(إنما الأعمال بالنيات) فهذه الصلاة نجدها واحدة، زيد وعمر وصالح ومحمد وإبراهيم وغيرهم صلوا صلاة واحدة، لكن صلاة إبراهيم صحيحة، وصلاة محمد غير صحيحة لماذا؟ للنية (إنما الأعمال بالنية) طيب (وإنما لكل امرء ما نوى) من الثواب أو العقاب، فهذه الصلاة صحتها أو عدم صحتها (وإنما لكل امرء ما نوى) بعض أهل العلم جعل هذه الجملة تأكيدا للجملة السابقة (إنما الأعمال بالنيات) يقول: تكفي، ولكن جاءت (وإنما لكل امرء ما نوى) تأكيدا.


ومنهم من قال: لا (إنما الأعمال بالنيات) صحة العمل أو فساده (وإنما لكل امرء ما نوى) هل أثيب عليه أو لا؟ فلكل امرء ما نوى، فبحسب ما نوى يثاب عليه أو لا يثاب عليه.


قال: (فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله) الهجرة في الأصل هي الترك، نسينا نقول: (إنما الأعمال بالنيات) النية هي القصد، قصدت الصلاة؛ لأن الله أمرني بها، قصدت الصيام، قصدت الحج، وهكذا.


الهجرة لغة في الأصل هي الترك، في الاصطلاح ما المراد بها لما نقول: الهجرة؟ الأصل فيها الانتقال من شيء إلى شيء، الأصل في الإسلام أن هذا الانتقال الهجرة من مكة إلى المدينة هذا أصل الهجرة، أهل الهجرة من مكة إلى المدينة هذه الدائرة الصغيرة لمعنى الهجرة، ولكن بعد فتح مكةقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا هجرة بعد الفتتح) هل الهجرة بقيت أو لا زالت؟ انتهت ..


إذن بقي معنى أكبر، دائرة أكبر وهي الانتقال من بلاد الشرك والكفر إلى بلاد الإسلام، إذن هذه دائرة أوسع، الانتقال من بلاد الشرك والكفر إلى بلاد الإسلام.


وفي حديث آخر (والمهاجر ما هجر ما نهى الله عنه) ةهذا معنى ثالث وهو معنى أكبر، دائرة أكبر، وهي الهجرة ترك الذنوب والمعاصي،


ثلاثة معاني للهجرة هي :


المعنى الأول :الانتقال من مكة إلى المدينة وانتهى بفتح مكة .


2- المعنى الثاني: الانتقال من بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام باقٍ لمن انطبقت عليه الحالة، يعني: كان في بلد مشركين ولم يستطع أن يقيم شعائر دينه، ويستطيع الهجرة فالمعنى في حقه هذا باقٍ .


3- المعنى الثالث: هجر الذنوب وهو دائم لكل مسلم فوق كل أرض، بأن يهجر الذنوب والمعاصي .


(فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله) يعني: هاجر لأن الله –تعالى- ورسوله -صلى الله عليه وسلم- أمره بالهجرة قال: (فهجرته إلى الله ورسوله) يعني: فثوابه على الله -سبحانه وتعالى- فيأخذ أو ينال ثواب هذه الهجرة


((ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجه)) يعني: هاجر من أجل مال، هاجر من مكة إلى المدينة، أو من بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام، قصده مال، تجارة، زواج، قال: ((فهجرته إلى ما هاجر إليه)) : ليس له ثواب الهجرة الأولى التي أمر بها الله -سبحانه وتعالى- أو أمر بها رسوله -صلى الله عليه وسلم- وإنما هنا هاجر لأجل مصلحة معينة يثاب عليها أو لا يثاب عليها بحسب هذه المصلحة التي هاجر من أجلها.


للنية معنيين تتميز بها الاعمال بعضها عن بعض هما


: المعنى الأول: تمييز العبادات بعضها عن بعض، أو تمييز العبادات عن العادات، مثل تمييز العبادات بعضها عن بعض كالصلاة مثلًا، هذه الصلاة هي الظهر أم العصر؟ ما الذي يميزها؟ النية، خصوصا فيما إذا كان الوقت واحدًا كالمسافر، فالذي يميز بين صلاة الظهر ولا صلاة العصر النية، صيام القضاء أم صيام الست من شوال، ما الذي يميز بينها؟ النية.


أو تمييز العبادات عن العادت: غسل الجنابة أو الغسل عن الحيض والنفاس أو غسل التبرد؟ يعني: واحد أراد أن يغتسل ليتبرد، أو غسل النظافة العامة، فتميز غسل الجنابة الذي هو عبادة عن غسل التبرد بالنية


المعنى الثاني هو: تمييز العمل هل هو لله أو لغيره؟ وهذا المعنى هو الذي يطلق الإخلاص، يعني: أن تنوي العمل لله -سبحانه وتعالى- أو لغيره، ومن ثم ينبني عليه الثواب أو العقاب، إذن المعنى الثاني تمييز العمل


وهذا الذي جاءت فيه النصوص ﴿ فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ ﴾ [الزمر: 2]، ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾ [البينة: 5]


المعنى الأول هو الذي يتحدث عنه الفقهاء كثيرًا،عندما يقولون: شروط الصلاة تسعة: الشرط الأول النية، والشرط هو الذي يسبق العمل، فالنية هنا في كلام الفقهاء صحة هذا العمل، وهو أنني أصلي الظهر مثلًا أربع ركعات نويتها أو أنني ذهبت إلى مكة ووقفت في الميقات ونويت الحج أو العمرة، هذا الذي يتحدث عنه الفقهاء.


والمعنى الثاني هو الذي تشير إليه جميع العلوم والمعارف الشرعية لما يتحدث في كتب التفسير في كتب الحديث وغيرها في معنى الإخلاص الذي ضده الرياء والسمعة والنوايا الأخرى الدنيوية.


المعنى الثاني: جاءت في نصوص عظيمة، وهو أن نخلص العمل لله -سبحانه وتعالى- فهذا الحديث دل على ضرورة الإخلاص في العمل لله -سبحانه وتعالى- وهذا الإخلاص عليه مدار قبول الأعمال، عليه مدار قبول العمل، فلا يقبل العمل عند الله إلا ما كان خالصا له -سبحانه وتعالى- وجاءت فيه النصوص من القرآن ومن السنة من ذلك قوله -سبحانه وتعالى-: ﴿ فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ ﴾ [الزمر: 2] ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾ [البينة: 5] ﴿ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللهِ ﴾ [البقرة: 272]

وجاء التحذير الشديد من صرف العمل لغير الله -سبحانه وتعالى- سواء في كتاب الله -عز وجل- أو في سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- فمن ذلك الحديث المشهور الذي رواه الإمام مسلم حديث : (أول من تسعر بهم النار ثلاثة) ذكرهم، الحديث طويل نذكر وجه الشاهد ذكر منهم: (رجل تصدق بصدقة، ورجل آخر تعلم علمًا أو قرآ قرآنا، ورجل ثالث جاهد في سبيل الله -أو ظاهرًا في سبيل الله- فلما أتو يوم القيامة قيل لهم: ماذا عملت في هذا المال -للذي أنفق- قال: أنفقت، ما تركت من سبيل إلا وأنفقت فيها لك لله -سبحانه وتعالى- قال: كذبت، ولكنك أنفقت ليقال جواد، فقد قيل، ثم يكب في النار على وجهه أو في رواية على مناخره، والآخر قيل له: ماذا عملت بهذا العلم؟ قال: تعلمت العلم وعلمته فيك، وقرأت القرآن وأقرأته فيك، فيقال: تعلمت ليقال عالم، وقرأت ليقال قارئ، فقد قيل: ثم يكب في النار على وجهه أو على مناخره -والعياذ بالله- والثالث قال: جاهدت في سبيلك حتى قتلت، قال: جاهدت ليقال شجاع، فقد قيل ثم كب في النار على وجهه أو على مناخره -والعياذ بالله-)


السلف -رحمهم الله- اهتموا بهذه النية اهتماما كبيرًا منهم من قال: "لا عمل لمن لا نية له، ولا أجر لمن لا حسبة له" ومنهم من قال في أمر النية وهو سفيان الثوري -رحمه الله- قال: «ما عالجت شيئًا أشد علي من نيتي» وابن المبارك يقول: «رب عمل صغير تعظمه النية، ورب عمل كبير تصغره النية» فكان رحمهم الله لهم اهتمام كبير في أمر النية، لأن أمر النية في القلب والشهوة الإنسانية لأمور الدنيا جامحة، والشيطان يعظمها في النفوس؛ لأن الشيء يراه الإنسان؛ ولذلك خصوصا في الشيء الذي يُرى أمام الناس كالصلاة أوكالجهاد أو التعليم أو الإنفاق أو نحو ذلك.


من دلالة الحديث أيضًا أن الإنسان في هذه الدنيا يحرص على تجديد النية في كل عمل،لأنها متشعبة فالصلاة تحتاج إلى نية، والزكاة تحتاج إلى نية، صلة الأرحام تحتاج إلى نية، الإنفاق في وجوه الخير يحتاج إلى نية، كل عمل شرعي سواءً في عبادة مباشرة مع الله -سبحانه وتعالى- أو في عبادة غير مباشرة مع الله -سبحانه وتعالى- فهو يحتاج إلى نية فلذلك الإنسان يحتاج إلى معالجة هذه النية، يعني: تجديد النية بين وقت وآخر.

يتوجب عليك تسجيل الدخول او تسجيل لروئية الموضوع
 
أعلى