صلاة العيد

طباعة الموضوع

الصحبة الطيبة

عضو مميز
إنضم
16 أبريل 2013
المشاركات
199
النقاط
16
الإقامة
القاهرة - مصر
الموقع الالكتروني
nasrtawfik.blogspot.com
احفظ من كتاب الله
اللهم أعينني علي دوام التلاوة والتدبر وحفظ القرآن كاملا
احب القراءة برواية
حفص عن عاصم
القارئ المفضل
محمد صديق المنشاوي والحصري والسديسي
الجنس
أخ وأسرتي
صلاة العيد
من فضل الله - تبارك وتعالى - على هذه الأمة أن يُتْبِعَ كل عبادة بعبادة أخرى, فقد شرع الله - تبارك وتعالى - صيام شهر رمضان المبارك, هذا الشهر الذي يتلهف كل مسلم لقدومه داعياً ربه - تبارك وتعالى - أن يبلِّغه إياه, فإذا حلَّ به صام أيامه, وقام ليله راكعاً ساجداً باكياً, تالياً لكتاب ربه - جل جلاله -, وإذا ما أزف رحيله تراه يقدم صدقة الفطر، ثم يأتي العيد بأفراحه ومباهجه وعباداته؛ ليفرح المسلم، ويشكر ربّه - تبارك وتعالى - على نعمة الصيام والقيام كما ثبت ذلك في الصحيحين من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((قال الله: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم, والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك, للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه)) 1 .
والفرح غاية مهمة ينشدها الإنسان ليحقق سعادته، فيجهد لتوفير أسبابها، وتهيئة أجوائها، بل قد يصنع الإنسان في سبيل ذلك ما يضر بنفسه، أو قد يفرح بما لا يحقق لها سعادة ولا سروراً، فأما الفرح الذي يهيئه الله - تعالى - للمسلمين ويشرعه لهم فهو الفرح الكامل، والسرور التام، فإن أتمَّ الفرح وأحسن السرور أن يفرح العبد بما شرع له ربه - تبارك وتعالى - من عبادات، وأمره به من طاعات، ورتب على ذلك من ثواب وحسنات قال الله - تبارك وتعالى -: {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} 2 .
وفي العيد ترى الناس يجتمعون صبيحة أول يوم من شوال ليؤدون صلاة العيد, إذ هي واجبة في أصح قولي العلماء وذلك لأن الجمعة تسقط بها إذا اجتمعتا في يوم واحد، وهي ركعتان، ووقتها من طلوع الشمس إلى الزوال، ولكن الأحسن تأخيرها إلى أن ترتفع الشمس قدر رمح, وتسن الجماعة فيها، وتصح لو صلاها الشخص منفردًا ركعتين كركعتي سنة الفجر, ويسن في أول الركعة الأولى بعد تكبيرة الإحرام سبع تكبيرات، وفي الركعة الثانية خمس تكبيرات بعد تكبيرة القيام، ويسن أن يخطب الإمام خطبتين بعد الصلاة لحديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: "إن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج يوم الفطر فبدأ بالصلاة قبل الخطبة" 3 , ويسن التبكير بالخروج لصلاة العيد من بعد صلاة الصبح، إلا الخطيب فيتأخر إلى وقت الصلاة، والمشي أفضل من الركوب، ومن كان له عذر فلا بأس بركوبه، ويسن الاغتسال، والتزيّن بلبس الثياب الجميلة، والتطيب - وهذا للرجال -، أما النساء فلا يجوز لهن الخروج متطيبات ومتزينات.
وفي العيد يستشعر المؤمن أن يحاسب نفسه على كل عمل أداه هل قام به كما ينبغي، وهل اجتهد فيه، وتأمل ما قاله ابن رجب - رحمه الله - في هذا المعنى: "كان السلف الصالح يجتهدون في إتمام العمل، وإكماله، وإتقانه ثم يهتمون بعد ذلك بقبوله، ويخافون من رده، وهؤلاء: {الَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} 4 , وروي عن علي - رضي الله عنه - قال: كونوا لقبول العمل أشد اهتماماً منكم بالعمل، ألم تسمعوا الله - عز وجل - يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} 5 , وعن فضالة بن عبيد قال: لأن أكون أعلم أن الله قد تقبل مني مثقال حبة من خردل أحب إلي من الدنيا وما فيها لأن الله يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}، وقال ابن دينار: الخوف على العمل أن لا يتقبل أشد من العمل، وقال عطاء السلمي: الحذر الاتقاء على العمل أن لا يكون لله، وقال عبد العزيز بن أبي رواد: أدركتهم يجتهدون في العمل الصالح فإذا فعلوه وقع عليهم الهم أيقبل منهم أم لا، قال بعض السلف: كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم شهر رمضان ثم يدعون الله ستة أشهر أن يتقبله منهم، وخرج عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - في يوم عيد فطر فقال في خطبته: "أيها الناس إنكم صمتم لله ثلاثين يوماً، وقمتم ثلاثين ليلة، وخرجتم اليوم تطلبون من الله أن يتقبل منكم"، وكان بعض السلف يظهر عليه الحزن يوم عيد الفطر، فيقال له: إنه يوم فرح وسرور فيقول: صدقتم ولكني عبد أمرني مولاي أن أعمل له عملاً فلا أدري أيقبله مني أم لا؟ ورأى وهب بن الورد قوماً يضحكون في يوم عيد، فقال: إن كان هؤلاء تقبل منهم صيامهم فما هذا فعل الشاكرين، وإن كان لم يتقبل منهم صيامهم فما هذا فعل الخائفين، وعن الحسن قال: إن الله جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته، فسبق قوم ففازوا، وتخلف آخرون فخابوا، فالعجب من اللاعب الضاحك في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون، ويخسر فيه المبطلون.
لعلك غضبان وقلبي غافل سلام على الدارين إن كنت راضياً
وروي عن علي - رضي الله عنه - أنه كان ينادي في آخر ليلة من شهر رمضان: يا ليت شعري من هذا المقبول فنهنيه، ومن هذا المحروم فنعزيه، وعن ابن مسعود أنه كان يقول: من هذا المقبول منا فنهنيه، ومن هذا المحروم منا فنعزيه، أيها المقبول هنيئا لك، أيها المردود جبر الله مصيبتك
ليت شعري من فيه يقبل منا فيهنا يا خيبة المـــردود
من تولى عنه بغير قبــول أرغم الله أنفه بخزي شديد
ماذا فات من فاته خير رمضان، وأي شيء أدرك من أدركه فيه الحرمان، كم بين من حظه فيه القبول والغفران ومن كان حظه فيه الخيبة والخسران، رب قائم حظه من قيامه السهر، وصائم حظه من صيامه الجوع والعطش" 6 .
وعلى الإنسان أن يتذكر عند اجتماع المسلمين لأداء صلاة العيد يوم الجمع في عرصات القيامة, يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم, فيتخلص من كل داء ملازم له, ومن المعاصي والمنكرات, والحقد والحسد والبغض لإخوانه المسلمين, وأن يعلم أنه سيقف بين يدي ربه - تبارك وتعالى - فيسأله عن ذلك كله فكيف يكون الجواب
غدا توفى النفوس ما كسبت ويحصد الزارعون ما زرعوا
إن أحسنوا أحسنوا لأنفسهم وإن أساؤوا فبئس ما صنعوا
نسأل الله - تبارك وتعالى - التوفيق والسداد, ونسأله أن يعيننا على طاعته ورضاه, وأن يتقبل منا, ويعفو عنا ويجنبنا المعاصي والمنكرات, ونسأله الإخلاص في القول والعمل {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ *وسلام على المرسلين* وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} 7 .


________________________________________
1 رواه البخاري برقم (1805)؛ ومسلم برقم (1151).
2 سورة يونس (58).
3 رواه البخاري برقم (915).
4 سورة المؤمنون (60).
5 سورة المائدة (27).
6 لطائف المعارف (232) بتصرف يسير جداً.
7 سورة الصافات (180-182).​
يتوجب عليك تسجيل الدخول او تسجيل لروئية الموضوع
 
أعلى