سورة الانشراح والتين

طباعة الموضوع

أم حذيفة

وَهذَا زَمَانُ الصَّبْرِ مَنْ لَكَ بِالَّتي
طاقم الإدارة
إنضم
26 أغسطس 2010
المشاركات
3,675
النقاط
38
الإقامة
الامارات
احفظ من كتاب الله
القرءان كامل
احب القراءة برواية
بحميع الروايات
القارئ المفضل
الشيخ ابراهيم الأخضر
الجنس
أخت
سورة الشرح.
وتُسمى: سورة الشرح، وألم نشرح، وألم نشرح لك صدرك .
وتُسمى أيضًا سورة الانشراح .
وهي سورة مكية جاءت تتصل برسول الله، وفيها تثبيت له على هذه الدعوة العظيمة، وتصبير له على هذا البلاء الذي يناله والمشقة التي تصيبه .
عدد آياتها ثمان آيات بالإجماع .
وهي تتمةٌ لسورة الضحى، فسورة الضحى في ذِكر نِعم الله على رسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن بعض المشركين قال له: إن ربك قد قلاك، فأنكر الله ذلك، وبين أنه يحبه، وأنه يكرمه، وأقسم على أنه سيكرمه كرامة لم يكرمها أحدًا من عباده، ثم استدل على ذلك بذكر النعم، فقال: ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى [الضحى: 6-8]، ثم بين له سبيل الشكر لتلك النِّعم التي أنعم به عليه.
في هذه السورة تتمة لهذه النِّعم، فكأنه يقول: ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى، ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ.
ولذلك ذكر بعض السلف أنهما سورة واحدة، والصحيح أنهما سورتان، وسورة الضحى جاءت بذكر النعم الحسية الظاهرة، وسورة الشرح جاءت بذكر النعم المعنوية على رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
وفي سورة الضحى يُبين له كيف يَشكر تلك النِّعم الحسية، وفي سورة الشرح يُبين له كيف يشكر هذه النعم المعنوية عليه -عليه الصلاة والسلام- وعلى من حصل له مثل ذلك، وأمة محمد -صلى الله عليه وسلم-
ففي هذه السورة يقول لله -عز وجل: ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ * فَإِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً، هذا مثل قوله: ﴿مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى[الضحى: 3]؛ وذلك لأنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قد أصابته مشقة عظيمة في تبليغ هذه الدين، فالله -عز وجل- يقول: اصبر يا محمد، اصبر؛ فإني معك، وإن كل عسر ينزل بك معه يسر، بل معه يسران، ثم يرشده إلى طريق الوصول إلى ذلك اليسر، وإلى طريق النصر، وإلى طريقِ الشكر، ﴿فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ.
محورها
بيان نعم الله على نبيه وكيفية شُكر تلك النعم. فإن قال قائل: هل هذا خاص برسول الله؟
هو لرسول الله، ولمن كان على منهج رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
ما أنعم الله عليه بنعمة وتفضل عليه بفضل عليه أن يشكر فإذا كان رسول الله -صلوات ربي وسلامه عليه- قد طلب منه أن يشكر الله -سبحانه وتعالى- على النِّعم التي أنعم بها عليه، فحريٌّ بنا نحن أن نشكر، ولذلك كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يطيل القيام، ويطيل الوقوف بين يدي ربه حتى تتفطر قدماه، فيقال له: أليس الله قد غفر لك ما تقدم من ذنبك؟
فيقول -عليه الصلاة والسلام: «أفلا أكون عبدًا شكورًا».
فمن أراد أن تتم له النعم، ويثبت له الفضل، وتتنزل عليه المكارم من الرب -سبحانه وتعالى- فعليه بطريق الشكر، ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ [إبراهيم: 7]، وهذا قسَم من الله -سبحانه وتعالى- بأن المزيد سيتحقق بالشكر، ومن دون أن يُعلق بالمشيئة، ما قال: "لئن شكرتم لأزيدنكم إن شئت"، بل قال: ﴿لأَزِيدَنَّكُمْ، فليس هناك مجال إلا للزيادة عند وقوع الشكر .
مناسبة السورة
مناسبة لسورة الضحى، فكلاهما تتحدث عن نِعم الله على نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم-، وتبين له كيف يشكر نعمة الله عليه بعد أن أسبغ عليه النعم.
يقول الله -عز وجل: ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ.
الهمزة في قوله: ﴿أَلَمْ همزةاستفهامية، ونوع هذا الاستفهام تقريري
﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَاداً [النبأ: 6]؛ أي قد جعلنا الأرض مهادًا.
﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الغَاشِيَةِ [الغاشية: 1]؛ أي قد جاءك حديث الغاشية.
إن هذا الاستفهام تقريري، يقرره الله -سبحانه وتعالى- أي قد شرحنا لك صدرك.
﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ؛ أي ألم نوسع لك صدرك فنجعله فسيحًا، حليمًا رفيقًا، واسعًا طيبًا لا يحمل فيه غلًّا ولا حقدًا ولا حسدًا، ولا شيئًا يعتمل في قلوب الخلق من سُوء الظن والغل، من الكراهية، من الحقد، من الحسد، من هذه الأمراض القلبية التي تؤثر على مسيرة القائد، وعلى مسيرة القدوة، وعلى مسيرة من يحمل الأمانة.
﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وإن كان في الأشياء المعنوية فهو أيضًا يُوحي بما حَصَلَ لرسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- من حادثةِ شقِّ الصدرِ التي حصلتْ للنبيِّ -صلى الله عليه وسلم- عندما جاءه جبريل فشق صدره، وأخرج منه حظ الشيطان، فهي توحي بها، وإن كان المعنى أساسًا مقصودًا به ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ؛ أي ألم نوسع لك صدرك؟ فيصبح هذا الصدر طيبًا رفيقًا حليمًا، غيرَ مملوء بحقد ولا حسد ولا ضغينة ولا كراهية.

قال: ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ
قال بعض العلماء: الوزر هنا هو ثقل الدعوة وأعباؤها، ولكن هذا هروب من شيء يعتقده بعض الناس فيحمل الآية على غير معناها الذي يعرف من ظاهرها، فعندما يعتقد الإنسان أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يقع في ذنب أو مخالفة يحمل الآية على هذا المعنى.
والصحيح الذي عليه عامة السلف والأئمة المحققون: أن الأنبياء تصدر منهم الذنوب، لكن الله يوفقهم للتوبة، ولا يصدر منهم من الذنوب ما لا يليق بمقامهم ويتنافى مع مقامهم ويتنافى مع نبوتهم، مثل ذنب الكذب، أو الأشياء الخسيسة التي تحط من أقدارهم كالسرقة والزنا وغير ذلك من الأعمال التي لا تليق، لكن أن يغضب مثلًا فيحصل منه ما لا يليق، أو يجتهد في موطن لا يصح فيه الاجتهاد، أو نحو ذلك .
والنبي -صلى الله عليه وسلم- بل الأنبياء يوفقهم الله -سبحانه وتعالى- للتوبة فيتوبون، ولذلك قال العلماء: إنه لا يمكن أن يحصل للنبي ذنب يتصل بالعصمة بعصمة النبوة، يقدح في عصمة النبوة في تبليغ الرسالة .
ويدل لذلك: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: «اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا ولا يغفر الذنوب إلا أنت».
ويقول: «اللهم غفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري».

ما يقع من رسول لله -صلى الله عليه وسلم- من الذنوب الله -سبحانه وتعالى- قد محاها عنه، ووضعها عنه، وأزالها، فلا يؤاخذه بها، وهذا من كرم لله -سبحانه وتعالى- وعظيم تفضله على عبده؛ لأن النبي بشر، ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ [فصلت: 6]، والبشر يُتوقع منه لوقوع في الذنب، وهذا بدءًا بأبينا آدم -عليه الصلاة والسلام-، وتسير حتى تصل إلى نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- يقع منه شيء من ذلك، ولو لم يقع منهم ذلك ما صح لنا الاقتداء به. كيف نقتدي بهم في توبتهم وانكسارهم وذلهم بين يدي ربهم واعترافهم بذنوبهم، واستغفارهم لله -سبحانه وتعالى- إذا كانت الذنوب لا تقع منهم؟
وإذا كُنا نعلم أنَّ الذنوب لا تقع منه أصلًا؛ فنحن نقول: الأنبياء ليسوا مثلنا، هم خلق آخر كالملائكة، وهذا يمنع من الاقتداء به.
﴿وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ؛ أي حططنا عنك ذنوبك، تفضلًا من الله -سبحانه وتعالى- على نبيه.
﴿الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ، الوزر أنقض الظهر، يعني أثقله، وهذا يدل على أن الذنب يثقل الإنسان ويؤذيه، ويؤخر مسيرته، ويعيقه عن الجد والاجتهاد والعمل، ومزيد التحصيل من العمل الصالح ومن الكسب في الدعوة.
ما يصيبك من شيء يمنعك من تحقيق مكاسبَ دعويةٍ أو ثقل نفسي أو بدين يحصل لك إلا بذنب منك، ﴿وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ [الشورى: 30]، ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ [آل عمران: 165].
قال: ﴿ الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ، أثقل ظهرك.
قال: ﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ، هذه هي النعمة الثالثة على نبيِّه محمد -صلى الله عليه وسلم- وهي رَفع الذكر، ولسان الصدق في العالمين، وهذا حصل لرسول الله بما لم يحصل لأحد من رسل الله قبله، وهو أن الله رفع ذكره.
رفع ذكره قرن اسمه باسمه، في الأذان مثلًا -وهذا على سبيل المثال وليس على سبيل الحصر-، فذكر رسول الله لا ينقطع من الأرض لحظة واحدة، ولو أخذنا هذا في الأذان وحده لكان كافيًا، فكيف والناس يذكرون رسول لله -صلى الله عليه وسلم- عبر أحاديثه وكلماته وسيرته، وعبر تلاوة القرآن، وغير ذلك من الأسباب، بل عبر التعبد لله بالصلاة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإنه يشرع لنا في صباح كل يوم ومساء كل ليلة وفي كل صلاة أن نُصلي على رسول لله -صلى الله عليه وسلم-، وأن نُصلي عليه كلما ذكر حتى قال -عليه الصلاة والسلام: «البخيل من ذُكرتُ عنده فلم يصلِّ علي»، اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد.
﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ معناها أي جعلنا لك ذكرًا رفيعًا منشورًا في الخلق، باقيًا إلى يوم القيامة.
وفي الأذان هذه الآية العجيبة، هناك من يؤذن الظهر، وهناك من يؤذن العصر، وهناك من يؤذن المغرب، وهناك من يؤذن العشاء، وهناك من يؤذن الفجر الآن، وفي كل دقيقة هناك من يؤذن إما عصر أو ظهر، أو مغرب، وعشاء، أو فجر،فلاهل ينقطع ذكر محمد -صلى الله عليه وسلم- من الأرض دقيقة واحدة .
فهو سيد ولد آدم.
قال: ﴿فَإِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً، الفاء هذه يسميها العلماء "الفاء الفصيحة"، وهي التي تُفصح عن شيء محذوف، يعني فإذا تحقق ذلك فلا تجزع يا محمد ﴿فَإِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً؛ أي ما أنت فيه من الضيق والشدة، ومهاجمة هؤلاء الكفار ومعاداتهم لك؛ اعلم أنه يزول، ويعقبه يسر عظيم.
قال: ﴿فَإِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً، وهذه بشارة لكل من أُصيب بعسرة من عدة جهات:
- الجهة الأولى: التأكيد ﴿فَإِنَّ، ثم أعادها مرة ثانية.
- الثانية: التكرار ﴿فَإِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً، يعني لا تيأس، ولا تتوقع أن العسر سيستمر بك؛ بل سيعقبه يسر -بإذن الله.
- الثالثة: أن الله جعل اليسر مقرونًا بالعسر، ما قال: "فإن بعد العسر يسرًا"، قال: ﴿مَعَ العُسْرِ يُسْراً، لمزيد الطمأنينة بأن البشارة قادمة، وأن الفرج قريب.
- ثم أمر رابع، وهو مهم جدًّا، وهو: أن الله -عز وجل- ذكر العسر مُعرَّفًا في الآيتين، واليسر منكَّرًا في الآيتين، ولذلك قال ابن عباس ورُوي مثله عن عمر وبعض السلف، قالوا: "لن يَغلب عُسرٌ يُسرين".
فجعلوا اليسر اثنين، وجعلوا العسر واحدًا، مع أنه ذُكر مرتين .
السبب هو أن المعرَّف إذا كُرِّر في الكلام دلَّ على شيء واحد .
هنا العسر جاء معرفًا بالألف واللام في الموطنين، هنا وهنا، واليسر جاء منكرًا، وذلك قالوا: لن يغلب عسر واحد يسرين اثنين.
فهذه بُشرى لكل مَن نزل به عُسر، لكل من نزلت به شدة، فقد أنزل لله مع العسر يُسرين.
﴿فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ، الآن يبين له المخرج مما ينزل بالإنسان وطريق الشكر، فيا محمد، متى فرغت من شغل أخروي أو من عمل تقوم به، فانصب في عبادة ربك.
إذا فرغت من صلاة الفريضة، فانصب في صلاة النافلة.
أو إذا فرغت من عبادة ربك، فانصب في دعاء ربك.
أو إذا فرغت من الجهاد في سبيل الله، فانصب في الصلاة.
أو إذا فرغت من شغل دنياك، كأن تكون تعالج أمرًا من أمور الدنيا، زراعة أو صناعة أو غير ذلك، أو إصلاح شيء في البيت؛ فانصب في عبادة ربك.
فإن الأصل أنك مخلوق لهذه العبادة، ويقول الشيخ أبو بكر الجزائري -حفظه الله- يقول: "هذه الآية عامة، فإذا فرغت من شُغل الدنيا؛ فانصب في شغل الآخرة. وإذا فرغت من شغل الآخرة، فانصب في شغل الدنيا"؛ لأن المؤمن لا يمكن أن يبقى خاليًا لا في شغل الدنيا، ولا في شغل الآخرة.
وهذا معنى واسع جدًّا، ويدل على مبدأ عظيم من المبادئ لإسلامية، وهي أن المسلم يعلم أن هذا الوقت عُدة له، إما أن ينتفع به في أمر دنياه، أو ينتفع به في أمر دينه.
قال: ﴿فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ، قوله: ﴿فَانصَبْ فيها الدلالة على القصد القلبي والقصد البدني، انصب في عبادة ربك، اسعَ واجتهدْ وأقْبِلْ، ولا تقتصر على أنك تؤديها كما يؤديها المنافقون، ﴿وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً [النساء: 142].
قال الله -عز وجل: ﴿وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْيعني إلى الله وحده لا إلى غيره ارغب، ارغب في الطلب، وفي القصد، وفي السؤال، وفي العون، ارغب إليه وحده.
وهنا يقول: ﴿إِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ، أصل الكلام: "فارغب إلى ربك"؛ لأن الجار والمجرور عادة يكون متأخرًا، محله التأخر، فإذا قدِّم دلَّ على معنى وهو الحصر، يعني: ارغب إلى ربك، لا إلى أحد سواه.
وهذه المناسبة من المعاني البليغة التي ترد وتُقصد في موردها في القرآن لكريم، وهو إذا قُدِّم ما حقه التأخير دلَّ على الاختصاص أو على الحصر.
يعني: ارغب إلى ربك لا إلى أحد سواه، لا يلتف قلبك إلى أحد من خلق الله، ارغب إليه بالدعاء، ارغب إليه بطلب النصر، ارغب إليه بالفتح، ارغب إليه بطلب الحفظ، ارغب إليه في كل حاجة من حاجاتك.
قال: ﴿وَإِلَى رَبِّكَ، ولم يقل: "إلى الله"؛ لأن الرغبة له صلة بالربوبية، أنا أرغب إلى الرب الذي يربي ويعطي ويمنع ويرزق ويخلق، فهذا هو الذي يستحقه أو ينبغي للإنسان أن يفعله .

سورة التين
السورة تعرف بهذا الاسم،وهي سورة مكية لأن كثيرًا من السلف قالوا بذلك، ولأنه ورد فيه ما يدل على ذلك، وهو قوله: ﴿وَهَذَا البَلَدِ الأَمِينِ، فالإشارة "هذا" تدل على شيء حاضر فالصحيح من أقوال أهل العلم أنه سورة مكية.
وموضوعها من موضوعات السور المكية.
عدد آياتها: فهي ثماني بالإجماع، ولم يختلفوا في ذلك .
محور سورة التين: بيان تكريم الله للإنسان، وما ينبغي له حيال ذلك التكريم.
فالله أقسم، قال: ﴿وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا البَلَدِ الأَمِينِ * لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ وحقه إذا خلقناه في أحسن تقويم أن يشكر ويؤمن ويعمل الصالحات لكنه يرتد طواعيةً واختيارًا إلى أسفل سافلين فيُؤثر الكفر والطغيان والجحود على الطاعة والشكران والعبادة لله -عز وجل- فيرده الله إلى النار في أسفل سافلين إلا مَن أراد الله به خيرًا ﴿إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ أي غير مقطوع.
قال الله: ﴿فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ؛ أي بالجزاء والحساب.﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الحَاكِمِينَ.
محورها الذي جاءت له :
فحديثها عن تكريم الإنسان، وعما ينبغي له حيال ذلك التكريم، أو أقسام الناس حِيال ذلك التكريم، منهم من طغى فارتد بذلك التكريم إلى أن يكون في أسفل سافلين، ومنهم من شكر، فجعل الله له أجرًا غير ممنون.
مُناسبتُها لسورة الشرح :
في سورة الشرح تكريم الله لرسوله -صلى الله عليه وسلم-، ففي هذه بيان كرامة الإنسان عند الله، وأن الله أكرمه وشرَّفه وأعلى مقامه، وجعله أحسن الخلق خلقًا، قال: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾، وكان الأجدر بهذا الإنسان أن يشكر نعمة الله، مثلما جاءنا في سورة البلد، قال الله -عز وجل: ﴿أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ * فَلاَ اقْتَحَمَ العَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا العَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ [البلد: 8-14]، إلى آخره.
فبين أنه أنْعم عليه بِنعم، ومع ذلك لم يشكرْ هذه النعم، ولا اقتحم العقبة التي هي طاعة الله -عز وجل-، أو اقتحم عذاب لله -عز وجل- الذي لا يُقتحم إلا بفك الرقبة وإطعام المساكين والأيتام ونحوهم.
فسُورة الشرح في بيان كرامة رسول لله -صلى الله عليه وسلم-، في سورة التين في كرامة الإنسان وواجبه تجاه تلك الكرامة.
افتتحت هذه السورة بأربعة أقسام:
القسَم الأول: التين.
القسَم الثاني: الزيتون.
القسَم الثالث: الطور.
القسَم الرابع: وهذا البلد الأمين.
أين جواب القسَم؟
﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ. فهذا هو جواب القسم بلا نزاع.
طيب، قال الله: ﴿وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ.
التين: هو هذه الثمرة المعروفة التي قال عنها بعض السلف: "هي أشبه ثمار الدنيا بثمار الجنة"، لأنه لا يوجد فيها شيء يُرمى، ما فيها نواة، ولا فيها قشر، وكلها يؤكل، التينة تأخذها وتأكلها جميعًا.
والزيتون: هي تلك الثمرة المشهورة المعروفة المباركة، التي مدحها الله -سبحانه وتعالى- بالبركة، قال: ﴿مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ المِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ [النور: 35]، فجعلها الله مباركة ومن بركتها أنها تعطي عطاءها كل عام، ومن بركتها أنه تعمر فتعيش أحيانًا مئة ومائتين وثلاثمائة سنة، ومن بركتها أنه لا تيبس ولا تجف، خضراء طول العام في كل الأوقات، ومن بركاتها أنها تخرج منها هذه الثمرة فيأكلها الناس، ويعصرونها فيخرجون منها الزيت الذي هو أفضل الزيوت وأحسنها.
والعجيب أن العالم والطب الحديث لا يكتشف ما في هذا لزيت من الفوائد إلا متأخرًا، يعني منذ سنوات قليلة، بينما المسلمون قد اكتشفوا هذه البركة، وهذه الفضيلة لهذا الزيت منذ أن نزل عليهم القرآن، وه يأخذون هذا الزيت ويأتدمون به، ويشعرون ببركته وفضله على سائر الزيوت التي تؤخذ من غيرها من الأشجار.
قال: ﴿وَالزَّيْتُونِ، هنا اختلف العلماء: هل المقصود الإقسام بالشجرة نفسها أو الثمرة نفسها .
فمن العلماء من قال: أن الإقسام بهما.
ومنهم من قال: إن الإقسام بمكانهما.
التين في بلاد الشام، دمشق وما حولها والزيتون بيت المقدس لأنها الأرض مباركة.
قالوا: لأنه عُطف عليها القسَم بأماكن، وهو: ﴿وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا البَلَدِ الأَمِينِ.
قالوا: وهذا إشارة إلى محل الرسالات الثلاث، التي هي أكثر الرسالات انتشارًا وشيوعًا وأتباعًا في الأرض، وهي اليهودية، والنصرانية، والإسلام.
أو إشارة إلى الأنبياء، أنبياء هذه لديانات الثلاثة التي نزلت.
فالإشارة في الأولى إلى عيسى -عليه الصلاة والسلام- لأنه بعث وولد في ذلك الموطن في بيت المقدس.
وطور سينين إشارة إلى رسالة موسى -عليه الصلاة والسلام- لأنه كُلِّم في الطور طور سيناء.
﴿وَهَذَا البَلَدِ الأَمِينِ، إشارة إلى رسالة محمد -صلى الله عليه وسلم.
ولا مانع نقول أن يُراد الأمران، يراد هاتان الشجرتان إقسامًا بهما لمنفعتِهما وبركتهما، والإشارة إلى مكانهما؛ لأن الله عطف عليها مكانًا، وقد ورد عن كثير من السلف أنهم لما فسروا ﴿وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ قالوا: إن المراد بهما المكان، إشارة إلى نبي الله عيسى -عليه الصلاة والسلام.
قال: ﴿وَطُورِ سِينِينَ، الطور: هو الجبل .بعضهم يقول: الطور هو الجبل الذي عليه شجر .
من العلماء من يقول: أنه قسَم بكل جبل عليه شجر.
والصحيح أنه جبل محدد لأنه أضافه فقال: ﴿وَطُورِ سِينِينَ﴾، لو أراد أي جبل؛ لقال: "وطورٍ" فنوَّنه، لكن لما أضافه دل ذلك على أنه يريد جبلًا معينًا، وهو الجبل الذي كلم الله عنده موسى -عليه الصلاة والسلام.
وهو جبل في سيناء، المنطقة المعروفة تاريخيًّا وجغرافيًّا، هي هذه المنطقة التي في أعلى البحر الأحمر بين مصر وفلسطين.
قال: ﴿وَهَذَا البَلَدِ الأَمِينِ، إشارة إلى البلد الذي بعث فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو مكة، ويسمى البلد، والبلدة، وهو مشهور من أسمائها.
﴿الأَمِينِ؛ لأن الله أمَّنه فجعله آمنًا، لا يُختلى خلاؤه، ولا يُنفر صيده، ولا يُقتص فيه، ولا ينتقم فيه منتقم من أحد؛ لأنَّ الله جعله: ﴿وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً [آل عمران: 97].
قال: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ، أكد هذا الأمر بمؤكدين: اللام و"قد".
﴿خَلَقْنَا الإِنسَانَ؛ أي جميع الناس.
﴿فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ، في قوام حسن.
جعل فمه وعيناه وأذناه ورأسه في أعلاه، ولم تجعل في أسفله، وجعل الطعام الذي يأخذه بيده فيجعله في فمه، لا كما تفعل البهائم تأكل طعامها بأفواهها، وانظر إلى العنز والبقرة والبعير والغزال والأسد، كلهم يأكلون ويذهبون بأفواههم التي في رؤوسهم إلى المكان الذي يأكلون منه، وغالب البهائم يمشي على على رجليه ويديه أما ابن آدم فقد جعل قائمًا منتصبًا وشرفه الله -عز وجل- بهذه الصورة الحسنة والجميلة التي لا يشبهه فيها أحد.
قال: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ، قال: ﴿ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ؛ أي جعلناه مرتدًّا إلى النار.
يعني ﴿أَسْفَلَ سَافِلِينَ﴾، على الصحيح من قول المفسرين فيها أنها النار، رددناه إلى النار لأنه لم يشكر نعمة الله -عز وجل-، وجحد كما قال الله -عز وجل: ﴿وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً * فَالْمُورِيَاتِ قَدْحاً * فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحاً * فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً * فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً * إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ * وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ [العاديات 1- 7]، كنود بمعنى جحود شديد الكفر.
يقال في عبس: ﴿قُتِلَ الإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ [عبس: 17] أي ما أشد كفره.
قال: ﴿ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ﴾، هذا قول.
القول الثاني وهو قول مشهور رجَّحَه ابن جرير، قال: "رددناه إلى أرذلِ العمر"، أي جعلناه يرتد إلى أرذل العمر.
وهذا القول حقيقة ضعيف لأننا إذا لنا به كيف يصبح أمر الاستثناء، رددناه إلى أرذل العمر إلا الذين آمنوا لم نردهم إلى أرذل العمر؟!
والواقع يشهد بأن الذين يردون إلى أرذل العمر قد يكونون من الكفار، وقد يكونون من المؤمنين.
ثم لو قلنا بذلك؛ لكان ذكر مآل المؤمنين، ولم يُذكر مآل الذين كذبوا ولم يؤمنوا ولم يعملوا الصالحات، وهذا يُخالف ما جرى عليه معهود القرآن، من أنه إذا ذكر مصير هؤلاء يُذكر مصير من يقابله، فهو هنا يقول: ثم رددنا الإنسان الذي لم يشكر إلى النار إلا من آمن فإننا نعطيه أجرًا غير ممنون، أي غير مقطوع.
وبهذا نعرف أن قوله: ﴿ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ؛ أي رددناه إلى النار، ﴿ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ، فهؤلاء ينجيهم الله -عز وجل- من أسفل السافلين وهي السِّجين المذكورة في سورة المطففين، ﴿كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ [المطففين: 7] أي في أسفل سافلين.
﴿إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ، يعطيهم الله -سبحانه وتعالى- ويمكنهم ويملكهم من الأجر غير الممنون، أي غير المقطوع.
وكلمة "ممنون" تأتي بمعنى:
- غير ممنون: أي غير مقطوع.
- غير محسوب أيضًا.
- غير منقوص.
فهي تأتي بهذه المعاني الثلاثة، ﴿فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ.
قال الله: ﴿فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ.
ومما يؤكد هذا المعنى بالمناسبة: قوله في سورة الانشقاق: ﴿فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ [الانشقاق 25، 26 ]، فهذه مثل تلك، فقوله ﴿فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ مثل قوله: ﴿ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ.
قال: ﴿فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ، فما يكذبك أيها الإنسان بعد بالدين؟
"ما" هنا يصح أن تكون بمعنى "مَن"، ويصح أن تكون "ما" الاستفهامية.
فيكون المعنى: فأي شيء يجعلك تكذب بالدين؟ أو: فمن يكذب بعد بالدين؟
يمكن أن تكون هكذا، ويمكن أن تكون هكذا، والمعنى لا يختلف كثيرًا إن حملناه على هذا أو حملناها على هذا.
الدين فيه قولان لأهل العلم :
- منهم من يقول: الدين بمعنى الجزاء والحساب وهذا هو الذي ترد عليه كلمة "الدين" في عامة لقرآن كما في سورة الفاتحة ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة: 4]، وفي سورة الانفطار قال الله -عز وجل: ﴿وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ [الانفطار 16- 18]، وهذا مأخوذ من دان بمعنى حاسب وجازى، "كما تدين تدان"، "الكيس من دان نفسه" أي حاسبها.
إذن فما الذي يجعلك تكذب بالدين؟ وقد أكرمك الله -عز وجل- هذه الكرامة، وأعطاك هذه العطية، وأحسن إليك؛ ما الذي يحملك على التكذيب بالدين؟ أي الجزاء والحساب.
- وبعضهم حمل معنى الدين على العمل والطاعة والعبادة، فما الذي يجعلك تُكذب بهذا الدين أو بهذه الشريعة التي أنزلت على محمد -صلى الله عليه وسلم.
ولا شك أن المعنى الأول هو الأليقُ.
قال: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الحَاكِمِينَ، هذه لها صلة بالتكذيب بالدين، من أي جهة؟
أن الله أحكم الحاكمين، فمن حِكمته أنه لا يمكن أن يخلقنا في هذه الدنيا فيكون منا المؤمن والكافر، والبر والفاجر، والظالم والمظلوم، والمطيع والعاصي، والمحسن والمسيء، يفنينا وينهينا ولا يجازينا، لا يمكن هذا!
هذا -ما شاء الله- طوال حياته وهو مستقيم على الجادة، بار بوالديه، مُطيع لله، صادق في حديثه، لا يظلم أحدًا من العباد، يعدل بين الناس، يتصدق من ماله، يُؤثِرُ على نفسه.. إلخ.
وهذا لا يفعل شيئًا من الخير؛ بل هو ظلم للعباد، باغٍ عليهم، يزني ويسرق ويظلم، ويفعل الأفاعيل، ثم يموتان ولا يبعثان؟! هل يليق هذا بحكمة الله؟!
ولذلك قال: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الحَاكِمِينَ.
وقوله: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الحَاكِمِينَ، إما أن تكون من الحكمة أو تكون من الحكم، ولا مانع أن يجتمع الأمران.
﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الحَاكِمِينَ؛ أي ذو الحكمة العالية، أو أليس الله ذو الحكم الذي يحكم بما يشاء ويفعل ما يريد؟
ولا مانع من اجتماعها، فهم معنيان صحيحان يمكن اجتماعهما.
وقد ورد في نهاية هذه السورة أنه إذا قال: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الحَاكِمِينَ، يقول الإنسان: بلى وأنا على ذلك من الشاهدين، والحديث في إسناده ما فيه، منه من يحسنه، وكثير من المحدثين يضعفه، والذي في سورة القيامة أقوى منه.
ودمتم بناتي الحبيبات في طاعة الرحمن

يتوجب عليك تسجيل الدخول او تسجيل لروئية الموضوع
 
أعلى