تفسيرُ جزءعمَّ للعلامة / عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله

الحالة
مغلق و غير مفتوح للمزيد من الردود.
طباعة الموضوع

أم حذيفة

وَهذَا زَمَانُ الصَّبْرِ مَنْ لَكَ بِالَّتي
طاقم الإدارة
إنضم
26 أغسطس 2010
المشاركات
3,675
النقاط
38
الإقامة
الامارات
احفظ من كتاب الله
القرءان كامل
احب القراءة برواية
بحميع الروايات
القارئ المفضل
الشيخ ابراهيم الأخضر
الجنس
أخت
تيسير الكريم الرحمن للعلامة / عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله

تفسيرُ سورةِ عمَّ

(1-5){بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ عَمَّ يَتَسَاءلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (3) كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ (4) ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ} أي: عَنْ أيِّ شيءٍ يتساءلُ المكذِّبونَ بآياتِ اللهِ؟ ثمَّ بَيَّنَ ما يتساءلونَ عنهُ؛ فقالَ: {عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ} أي: عنِ الخبرِ العظيمِ؛ الذي طالَ فيهِ نزاعُهمْ؛ وانتشرَ فيهِ خلافُهمْ على وجهِ التكذيبِ والاستبعادِ؛ وهوَ النبأ الذي لا يقبلُ الشكَّ ولا يدخُلُهُ الريبُ؛ ولكنِ المكذِّبونَ بلقاءِ ربهمْ لا يؤمنونَ ولو جاءتهم كل آيةٍ حتى يروا العذابَ الأليمَ.


ولهذا قالَ: {كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ (4) ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ} أي: سيعلمونَ إذا نزلَ بهمُ العذابُ ما كانوا بهِ يكذبونَ، حين يُدَعُّون إلى نارِ جهنمَ دعّاً، ويقالُ لهمْ: {هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ}.


ثم بيَّنَ تعالى النعمَ والأدلةَ الدالةَ على صدقِ ما أخبرتْ به الرسلُ، فقالَ: (6-16)

{أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَادًا (6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7) وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا (8) وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (9) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11) وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا (12) وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا (13) وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاء ثَجَّاجًا (14) لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا (15) وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا} أي: أما أنعَمنَا عليكمْ بنعم جليلةٍ؛ فجعلنَا لكمُ {الأَرْضَ مِهَاداً} أي: ممهَّدة مهيَّأةً لكمْ ولمصالحكمْ، منَ الحروثِ والمساكنِ والسبلِ.


{وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً} تمسكُ الأرضَ لئلا تضطربَ بكمْ وتميد.


{وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً} أي: ذكوراً وإناثاً من جنسٍ واحدٍ، ليسكنَ كلٌّ منهما إلى الآخرِ، فتكونَ المودةُ والرحمةُ، وتنشأَ عنهما الذريةُ، وفي ضمنِ هذا الامتنانُ بلذةِ المنكحِ.


{وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً} أي: راحةً لكُم؛ وقطعاً لأشغالكمْ، التي متىَ تمادتْ بكمْ أضرَّتْ بأبدَانكمْ، فجعلَ اللهُ الليلَ والنومَ يغشى الناسَ، لتنقطعَ حركاتهُمُ الضارةُ، وتحصلَ راحتُهم النافعةُ.


{وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً}أي: سبعَ سمواتٍ، في غايةِ القوةِ، والصلابةِ والشدةِ، وقد أمسكها اللهُ بقدرتهِ، وجعلها سقفاً للأرضِ، فيها عدةُ منافعَ لهمْ، ولهذا ذكرَ من منافعها الشمس، فقالَ: {وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً} نبَّه بالسراجِ على النعمةِ بنورِها، الذي صارَ كالضرورةِ للخلقِ وبالوهاجِ الذي فيه الحرارةُ على حرارتهِا وما فيها منَ المصالحِ.


{وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ} أي: السحابِ{مَاءً ثَجَّاجاً} أي: كثيراً جدّاً.


{لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا} من بُرًّ وشعير، وذرةٍ وأرزٍ، وغيرِ ذلكَ مما يأكُلهُ الآدميونَ، {وَنَبَاتاً} يشملُ سائر النباتِ، الذي جعلَه اللهُ قوتاً لمواشيهم.
{وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً} أي: بساتينَ ملتفةً، فيها من جميعِ أصنافِ الفواكهِ اللذيذةِ.
فالذي أنعمَ عليكمْ بهذه النعم العظيمة، التي لا يقدَّرُ قدرهَا، ولا يحصى عدُّها، كيفَ [تكفرونَ بهِ وتكذِّبونَ] ما أخبركمْ به منَ البعثِ والنشورِ؟ أمْ كيفَ تستعينونَ بنعمهِ على معاصيهِ وتجحدونَها؟

17-30){إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا (17) يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا (18) وَفُتِحَتِ السَّمَاء فَكَانَتْ أَبْوَابًا (19) وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا (20) إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا (21) لِلْطَّاغِينَ مَآبًا (22) لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (23) لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلا شَرَابًا (24) إِلا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا (25) جَزَاء وِفَاقًا (26) إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَابًا (27) وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا(28) وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا (29) فَذُوقُوا فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلا عَذَابًا (30)}


ذكر تعالى ما يكون في يومِ القيامةِ الذي يتساءلُ عنهُ المكذِّبونَ، ويجحدهُ المعاندونَ، أنه يومٌ عظيمٌ، وأن اللهَ جعله {مِيقَاتاً} للخلق {يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً} ويجري فيه من الزعازع والقلاقل ما يشيب له الوليد، وتنزعج له القلوب، فتسير الجبال، حتى تكون كالهباء المبثوث، وتشقق السماء حتى تكون أبواباً، ويفصل الله بين الخلائق بحكمه الذي لا يجور، وتوقد نار جهنم التي أرصدها الله وأعدها للطاغين، وجعلها مثوى لهم ومآباً، وأنهم يلبثون فيها أحقاباً كثيرة، و(الحقب) على ما قاله كثير من المفسرين: ثمانون سنة.


وهم إذا وردوها {لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلا شَرَاباً} أي: لا ما يبرِّدُ جلودَهم، ولا ما يدفعُ ظمأهمْ.

{إِلاَّ حَمِيماً} أي: ماءً حارّاً، يشوي وجوههم، ويقطعُ أمعاءهُمْ.




{وَغَسَّاقاً}وهوَ صديدُ أهلِ النارِ، الذي هوَ في غايةِ النتنِ، وكراهةِ المذاقِ، وإنَّما استحقُّوا هذهِ العقوباتِ الفظيعةَ جزاءً لهم ووفاقاً على ما عملوا منَ الأعمالِ الموصلةِ إليهمْ، لمْ يظلمْهُمُ اللهُ، ولكن ظلمُوا أنفسَهمْ، ولهذا ذكرَ أعمالَهم، التي استحقوا بها هذا الجزاءَ، فقالَ: {إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَاباً} أي: لا يؤمنونَ بالبعثِ، ولا أنَّ اللهَ يجازي الخلقَ بالخيرِ والشرِّ، فلذلكَ أهملوا العملَ للآخرةِ.

{وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّاباً} أي: كذَّبوا بها تكذيباً واضحاً صريحاً وجاءتهمُ البيناتُ فعاندوهَا.

{وَكُلُّ شَيْءٍ} من قليلٍ وكثيرٍ، وخيرٍ وشرٍّ {أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً} أي: كتبناهُ في اللَّوحِ المحفوظِ، فلا يخشى المجرمونَ أنَّا عذبناهُم بذنوبٍ لم يعملوهَا، ولا يحسبوا أنَّه يضيعُ منْ أعمالِهِم شيء، أو ينسى منها مثقالُ ذرةٍ، كمَا قالَ تعالى: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً}.

{فَذُوقُوا} أيها المكذِّبونَ هذا العذابَ الأليمَ والخزيَ الدائمَ.

{فَلَن نَزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً}وكلَّ وقتٍ وحينٍ يزدادُ عذابهمْ [وهذهِ الآيةُ أشدُّ الآياتِ في شدةِ عذابِ أهلِ النارِ أجارَنا اللهُ منها].
31-36) {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً (31) حَدَائِقَ وَأَعْنَاباً (32) وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً (33) وَكَأْساً دِهَاقاً (34) لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلا كِذَّاباً (35) جَزَاء مِن رَبِّكَ عَطَاء حِسَاباً (36)}
لما ذكرَ حالَ المجرمينَ، ذكرَ مآلَ المتقينَ، فقالَ: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً} أي: الذينَ اتقوا سخطَ ربهمْ، بالتمسكِ بطاعتهِ، والانكفافِ عمَّا يكرهه فلهمْ مفازٌ ومنجى، وبُعدٌ عن النارِ، وفي ذلكَ المفازِلهمْ {حَدَائِقَ} وهيَ البساتينُ الجامعةُ لأصنافِ الأشجارِ الزاهيةِ، في الثمارِ التي تتفجرُ بينَ خلالها الأنهار، وخصَّ الأعنابَ لشرفهِ وكثرتهِ في تلكَ الحدائق.



ولهمْ فيهَا زوجاتٌ على مطالبِ النفوسِ {كَوَاعِبَ} وهيَ النواهدُ اللاتي لم تتكسَّرْ ثُدِيُّهُنَّ مِنْ شبابهنَّ، وقوتهنَّ، ونضارتهنَّ.


(والأترابُ): اللاتي علَى سنٍّ واحدٍ متقاربٍ، ومنْ عادةِ الأترابِ أنْ يكنَّ متآلفاتٍ متعاشراتٍ، وذلك السنُّ الذي هنَّ فيهِ ثلاثٌ وثلاثونَ سنةً، في أعدلِ سنِّ الشباب.{وَكَأْساً دِهَاقاً}أي: مملوءةً منْ رحيقٍ، لذةٍ للشاربينَ، {لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً} أي: كلاماً لا فائدةَ فيه {وَلا كِذَّاباً} أي: إثماً.

كما قَالَ تعالَى: {لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلا تَأْثِيماً (25) إِلاَّ قِيلاً سَلاماً سَلاماً}.

وإنَّما أعطاهُمُ اللهُ هذا الثوابَ الجزيلَ [منْ فضلِهِ وإحسانهِ] {جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ} لهم {عَطَاءً حِسَاباً} أي: بسببِ أعمالهمُ التي وفقهمُ اللهُ لهَا، وجعلهَا ثمناً لجنتهِ ونعيمهَا.



(37-40) {رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا (37) يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا (38) ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا (39) إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا (40)} أي: الذي أعطاهمْ هذهِ العَطايا هو ربُّهمْ {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} الذي خلقهَا ودبَّرهَا {الرَّحْمَنِ} الَّذي رحمتهُ وسعتْ كلَّ شيءٍ، فربَّاهمْ ورحمهمْ، ولطفَ بهم، حتَّى أدركوا ما أدركوا.
ثم ذكرَ عظمتهُ وملكهُ العظيم يومَ القيامةِ، وأنَّ جميعَ الخلقِ كلهُمْ ذَلكَ اليوم ساكتون لا يتكلمونَ، و{لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً} إلاَّ منْ أذنَ له الرحمنُ وقالَ صواباً، فلا يتكلَّمُ أحدٌ إلا بهذينِ الشرطينِ: أن يأذنَ اللهُ لهُ في الكلامِ؛ لأنَّ {ذَلِكَ الْيَوْمُ} هوَ {الْحَقُّ} الذي لا يروجُ فيهِ الباطلُ، ولا ينفعُ فيهِ الكذبُ، وفي ذلكَ اليومِ {يَقُومُ الرُّوحُ} وهوَ جبريلُ عليهِ السلامُ، الذي هوَ أشرفُ الملائكةِ {وَالْمَلائِكَةُ} أيضاً يقوم الجميعُ {صَفًّا} خاضعين للهِ {لا يَتَكَلَّمُونَ} إلا بما أذنَ لهم اللهُ بهِ.
فلما رغَّبَ ورهَّبَ، وبشَّرَ وأنذرَ، قالَ:



{فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآباً}



أي: عملاً، وقدَمَ صِدْقٍ يرجعُ إليه يومَ القيامةِ.

{إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً}

لأنَّهُ قدْ أزفَ مقبلاً، وكل ما هوَ آتٍ فهوَ قريبٌ.
{يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ}
أي: هذا الذي يهمُّهُ ويفزعُ إليهِ، فلينظرْ في هذِه الدنيَا إليهِ، وكما قالَ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} الآياتِ.
فإنْ وجدَ خيراً فليحمدِ اللهَ، وإنْ وجدَ غيرَ ذلكَ فلا يلومنَّ إلا نفسهُ، ولهذَا كانَ الكفارُ يتمنونَ الموتَ منْ شدةِ الحسرةِ والندمِ.
نسألُ اللهَ أنْ يعافينا مِنَ الكفرِ والشرِّ كلِّهِ، إنَّهُ جوادٌ كريمٌ.
تم تفسير سورة عم، والحمد لله رب العالمين.



يتوجب عليك تسجيل الدخول او تسجيل لروئية الموضوع
 

أم حذيفة

وَهذَا زَمَانُ الصَّبْرِ مَنْ لَكَ بِالَّتي
طاقم الإدارة
إنضم
26 أغسطس 2010
المشاركات
3,675
النقاط
38
الإقامة
الامارات
احفظ من كتاب الله
القرءان كامل
احب القراءة برواية
بحميع الروايات
القارئ المفضل
الشيخ ابراهيم الأخضر
الجنس
أخت
سورة النازعات
(1-14) {بسم الله الرحمن الرحيم وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا (1) وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا (2) وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا (3) فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا (4) فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا (5) يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (7) قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ (8) أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ (9) يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ (10) أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَّخِرَةً (11) قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ (12) فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (13) فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَةِ (14)}
هذهِ الإقساماتُ بالملائكةِ الكرامِ، وأفعالِهمْ الدالةُ على كمالِ انقيادهمْ لأمرِ اللهِ وإسراعِهمْ في تنفيذِ أمرهِ:

-يحتملُ أنَّ المقسمَ عليه، الجزاءُ والبعثُ، بدليلِ الإتيانِ بأحوالِ القيامةِ بعدَ ذلكَ.
-ويحتملُ أنَّ المقسم عليهِ والمقسمَ بهِ متحدانِ،وأنَّه أقسمَ على الملائكةِ؛ لأنَّ الإيمانَ بهمْ أحدُ أركانِ الإيمانِ الستةِ، ولأنَّ في ذكِر أفعالهِمْ هنَا ما يتضمنُ الجزاءَ الذي تتولاهُ الملائكةُ عندَ الموتِ وقبلَه وبعدَه، فقالَ:{وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً}وهمُ الملائكةُ التي تنزعُ الأرواحَ بقوةٍ، وتغرقُ في نزعِها حتى تخرجَ الروحُ، فتجازى بعملهَا.

{وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً} وهمْ الملائكةُ أيضاً، تجتَذبُ الأرواحَ بقوةٍ ونشاطٍ، أو أنَّ النزعَ يكونُ لأرواحِ المؤمنينَ، والنشطَ لأرواحِ الكفارِ.
{وَالسَّابِحَاتِ}أي: المتردداتِ في الهواءِ صعوداً ونزولاً {سَبْحاً}{فَالسَّابِقَاتِ} لغيرهَا {سَبْقاً} فتبادرُ لأمرِ اللهِ، وتسبقُ الشياطينَ في إيصالِ الوحيِ إلى رسلِ اللهِ حتى لا تسترقَهُ.
{فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً}الملائكةُ الذينَ وكَّلهم اللهُ أن يدبروا كثيراً منْ أمور العالمِ العلويِّ والسفليِّ، منَ الأمطارِ، والنباتِ، والأشجارِ، والرياحِ، والبحارِ، والأجنحةِ، والحيواناتِ، والجنةِ، والنارِ وغيرِ ذلكَ.
{يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ}وهيَ قيامُ الساعةِ.
{تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ} أي: الرجفةُ الأخرى التي تردفهَا وتأتي تِلوَها.
{قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ } أي: موجفةٌ ومنزعجةٌ من شدَّةِ ما ترى وتسمعُ.
{أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ} أي: ذليلةٌ حقيرةٌ، قد ملكَ قلوبهَم الخوفُ، وأذهلَ أفئدتهَمُ الفزعُ، وغلَبَ عليهمُ التأسفُ [واستولتْ عليهمُ] الحسرةُ.
{يَقُولُونَ}
أي: الكفارُ في الدنيا، على وجهِ التكذيبِ {أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً نَخِرَةً} أي: باليةً فُتاتاً.
{قَالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ} أي: استبعدوا أنْ يبعثَهمُ اللهُ ويعيدَهمْ بعدمَا كانوا عظاماً نخرةً، جهلاً [منهم] بقدرةِ اللهِ، وتجرُّؤَاً عليهِ.
قالَ اللهُ في بياِن سهولةِ هذَا الأمرِ عليهِ: {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ} يُنفخُ فيهَا في الصورِ، فإذَا الخلائقُ كلُّهمْ {بِالسَّاهِرَةِ} أي: على وجهِ الأرضِ، قيامٌ ينظرونَ، فيجمعهمُ اللهُ ويقضي بينهمْ بحكمِه العدلِ ويجازيهم.

15-26) {هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (15) إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (16) اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (17) فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى (18) وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى (19) فَأَرَاهُ الآيَةَ الْكُبْرَى (20) فَكَذَّبَ وَعَصَى (21) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى (22) فَحَشَرَ فَنَادَى (23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى (24) فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى (25) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى}

يقولُ [اللهُ] تعالى لنبيهِ محمد صلى اللهُ عليهِ وسلمَ: {هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى} وهذَا الاستفهامُ عنْ أمرٍ عظيمٍ متحققٍ وقوعهُ، أي: هلْ أتاكَ حديثهُ {إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى} وهوَ المحلُّ الذي كلَّمَهُ اللهُ فيهِ، وامتنّ عليهِ بالرسالةِ، واختصَّهُ بالوحيِ والاجتباءِ فقالَ لهُ: {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} أي: فانههُ عن طغيانهِ وشركهِ وعصيانهِ بقولٍ ليِّنٍ، وخطابٍ لطيفٍ، لعلَّهُ {يتذكرُ أو يخشَى}.
{فَقُلْ} لهُ: {هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى} أي: هل لكَ في خصلةٍ حميدةٍ ومحمدةٍ جميلةٍ، يتنافسُ فيهَا أولو الألبابِ، وهيَ أنْ تُزَكِّيَ نفسكَ وتطهِّرَها منْ دنسِ الكفر والطغيانِ، إلى الإيمانِ والعمل الصالحِ؟
{وأهديَكَ إلى ربِّكَ} أي: أدلَّكَ عليهِ، وأبَيِّنَ لَكَ مواقعَ رضاهُ، منْ مواقعِ سخطِه.
{فَتَخْشَى}اللهَ إذا علمتَ الصراطَ المستقيمَ، فامتنعَ فرعونُ مما دعاهُ إليهِ موسى.
{فَأَرَاهُ الآيَةَ الْكُبْرَى}أي: جنسَ الآيةِ الكُبرى، فلاَ ينافي تعدُّدَها {فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ (107) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء لِلنَّاظِرِينَ}{فكذَّبَ} بالحقِّ {وَعَصَى} الأمرَ.
{ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى} أي: يجتهدُ في مُبارزةِ الحقِّ ومحاربتِهِ.
{فَحَشَرَ} جنودَه أي: جمَعهمْ {فَنَادَى (23) فَقَالَ} لهمْ: {أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} فأذْعنوا لهُ، وأقرُّوا بباطلهِ حينَ استخفَّهُم {فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى} أي: صارتْ عقوبَتُهُ دليلاً وزاجراً، ومبينةً لعقوبةِ الدنيا والآخرةِ.
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى}
فإنَّ منْ يخشَى اللهَ، هوَ الذي ينتفعُ بالآياتِ والعبرِ، فإذا رأَى عقوبةَ فرعونَ، عرفَ أنَّ كلَّ منْ تكبَّرَ وعصى، وبارزَ الملكَ الأعلى، عاقَبهُ في الدنيا والآخرةِ، وأمَّا مَنْ ترحَّلتْ خشيةُ اللهِ من قلبهِ، فلو جاءتهُ كلُّ آيةٍ لمْ يؤمنْ [بها].

(27-34){أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29)وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا (31) وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (32) مَتَاعاً لَكُمْ وَلأَِنْعَامِكُمْ} يقولُ تعالى مبيِّناً دليلاً واضحاً لمنكري البعثِ ومستبعدي إعادةِ اللهِ للأجسادِ: {أَأَنْتُمْ} أيُّها البشرُ {أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاءُ}ذاتُ الجرْمِ العظيم، والخلقِ القوي، والارتفاعِ الباهِر {بَنَاهَا} اللهُ، {رَفَعَ سَمْكَهَا} أي: جرمهَا وصورتهَا، {فَسَوَّاهَا} بإحكامٍ وإتقانٍ يحيرُ العقولَ، ويذهلُ الألبابَ.
{وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا}أي: أظلَمهُ، فعمتِ الظلمةُ [جميعَ] أرجاءِ السماء، فأظلمَ وجهُ الأرضِ، {وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا}أي: أظهرَ فيهِ النورَ العظيمَ، حينَ أتى بالشمسِ، فامتدَّ النَّاسُ في مصالحِ دينهِمْ ودنياهمْ.
{وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ}أي: بعد خلق السماءِ {دَحَاهَا}أي: أودعَ فيها منافعهَا، وفَسَّرَ ذلكَ بقولهِ {أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا (31) وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا} أي: ثبَّتَها في الأرضِ.
فَدَحْيُ الأرضِ بعدَ خلق السماءِ،كما هوَ نصُّ هذه الآياتِ [الكريمةِ].
وأمَّا خْلقُ الأرضِ فمتقدِّمٌ على خلقِ السماءِ؛ كما قالَ تعالى: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} إلى أنْ قالَ: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ}.
فالذي خلقَ السماواتِ العظامَ وما فيهَا منَ الأنوارِ والأجرامِ، والأرضَ الكثيفةَ الغبراءَ، وما فيهَا منْ ضرورياتِ الخلقِ ومنافعهمْ، لا بدَّ أنْ يبعثَ الخلقَ المكلَّفينَ، فيجازيَهمْ على أعمالِهمْ، فمنْ أحسنَ فلهُ الحسنى، ومنْ أساءَ فلا يلومَنَّ إلاَّ نفسَهُ، ولهذا ذكرَ بعدَ هذا القيامِ الجزاءَ، فقالَ:

(34-41) {فَإِذَا جَاءتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (34) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ مَا سَعَى (35) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَى (36) فَأَمَّا مَن طَغَى (37) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} أي: إذا جاءتِ القيامةُ الكبرى، والشدةُ العظمى، التي تهونُ عندَها كلُّ شدةٍ، فحينئذٍ يذهلُ الوالدُ عن ولدهِ، والصاحبُ عن صاحبه [وكلُّ محبٍّ عنْ حبيبهِ].
و{يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ مَا سَعَى} في الدنيا، مِنْ خيرٍ وشرٍّ، فيتمنى زيادةَ مثقالِ ذرةٍ في حسناتهِ، ويغمّه ويحزنُ لزيادةِ مثقالِ ذرةٍ في سيئاتهِ.

ويعلمُ إذ ذاكَ أنَّ مادَّةَ ربحِهِ وخسرانهِ ما سعاهُ في الدنيا، وينقطعُ كلُّ سببٍ وصلةٍ كانتْ في الدنيا، سوى الأعمالِ.
{وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَى} أي: جعلتْ في البرازِ، ظاهرةً لكلِّ أحدٍ، قدْ برزتْ لأهلِهَا، واستعدتْ لأخذِهمْ، منتظرةً لأمرِ ربِّها.

{فَأَمَّا مَن طَغَى}أي: جاوزَ الحدَّ بأَنْ تجرَّأَ علَى المعاصي الكبارِ، ولمْ يقتصرْ علَى ما حدَّهُ اللهُ.
{وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} علَى الآخرةِ، فصارَ سعيُهُ لهَا، ووقتُهُ مستغرقاً في حظوظِهَا وشهواتِها، ونسيَ الآخرةَ وتركَ العملَ لهَا.
{فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى}[لهُ] أي: المقرُّ والمسكنُ لِمَنْ هذهِ حالُهُ.

{وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ} أي: خافَ القيامَ عليهِ ومجازاتِهِ بالعدلِ، فأثَّرَ هذا الخوفُ في قلبِهِ، فنهَى نفسَهُ عَنْ هواهَا الذي يقيِّدُها عَنْ طاعةِ اللهِ، وصارَ هواهُ تبعاً لِمَا جاءَ بهِ الرسولُ، وجاهدَ الهوى والشهوةَ الصادِّينِ عن الخيرِ، {فَإِنَّ الْجَنَّةَ} [المشتملةَ على كلِّ خيرٍ وسرورٍ ونعيمٍ] {هِيَ الْمَأْوَى} لمنْ هذا وصفُهُ.
(42-46){يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42) فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا (43) إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا (44) إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا (45) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} أي: يسألُكَ المتعنتونَ المكذبونَ بالبعثِ {عَنِ السَّاعَةِ} متَى وقوعهَا؟ و{أَيَّانَ مُرْسَاهَا}؟ فأجابهمُ اللهُ بقولِهِ: {فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا} أي: ما الفائدةُ لكَ ولهمْ في ذكرهَا ومعرفةِ وقتِ مجيئِها؟ فليسَ تحتَ ذلكَ نتيجةٌ، ولهذا لمَّا كانَ علمُ العبادِ للساعةِ ليسَ لهمْ فيهِ مصلحةٌ دينيةٌ ولا دنيويةٌ، بلِ المصلحةُ في خفائِهِ عليهمْ، طوَى علمَ ذلكَ عنْ جميعِ الخلقِ، واستأثرَ بعلمهِ فقالَ: {إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا} أي: إليهِ ينتهي علمُهَا، كمَا قالَ في الآيةِ الأخرى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}.
{إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا}أي: إنَّمَا نذارتُك [نفعُها] لمنْ يخشى مجيءَ الساعةِ، ويخافُ الوقوفَ بينَ يديهِ، فهمُ الذينَ لا يهمهمْ سوى الاستعدادِ لها والعملِ لأجلِهَا.

وأمَّا مَنْ لا يؤمنُ بهَا فلا يبالى بهِ ولا بتعنُّتِهِ؛ لأنَّهُ تعنُّتٌ مبنيٌّ علَى العنادِ والتكذيبِ، وإذا وصلَ إلَى هذهِ الحالِ، كانَ الإجابةُ عنهُ عبثاً، ينزَّهُ الحكيمُ عنهُ [تمت] والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ.





 

أم حذيفة

وَهذَا زَمَانُ الصَّبْرِ مَنْ لَكَ بِالَّتي
طاقم الإدارة
إنضم
26 أغسطس 2010
المشاركات
3,675
النقاط
38
الإقامة
الامارات
احفظ من كتاب الله
القرءان كامل
احب القراءة برواية
بحميع الروايات
القارئ المفضل
الشيخ ابراهيم الأخضر
الجنس
أخت

تفسير سورة عبس
(1-10) {بسم الله الرحمن الرحيم عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَن جَاءهُ الأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلا يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَن جَاءكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10)}
وسببُ نزولِ هذهِ الآياتِ الكريماتِ:

أنهُ جاءَ رجلٌ مِنَ المؤمنينَ أعمَى يسألُ النبي صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، ويتعلمُ منهُ.
وجاءَهُ رجلٌ مِنَ الأغنياءِ، وكانَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ حريصاً على هدايةِ الخلقِ، فمالَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ [وأصغَى] إلى الغني، وصدّ عَنِ الأعمَى الفقيرِ، رجاءً لهدايةِ ذلكَ الغنيِّ، وطمعاً في تزكيتهِ، فعاتبهُ اللهُ بهذا العتابِ اللطيفِ، فقالَ: {عَبَسَ} [أي: ] في وجههِ {وَتَوَلَّى} في بدنهِ؛ لأجلِ مجيء الأعمَى لهُ، ثمَّ ذكرَ الفائدةَ في الإقبالِ عليهِ، فقال: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ} أي: الأعمى {يَزَّكَّى} أي: يتطهرُ عن الأخلاقِ الرذيلةِ، ويتصفُ بالأخلاقِ الجميلةِ؟

{أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى}

أي: يتذكرُ ما ينفعُهُ، فيعملُ بتلكَ الذكرَى.
وهذهِ فائدةٌ كبيرةٌ، هيَ المقصودةُ منْ بعثةِ الرسلِ، ووعظِ الوعَّاظِ، وتذكيرِ المذكِّرينَ، فإقبالكَ على مَنْ جاءَ بنفسهِ مفتقراً لذلكَ منكَ، هوَ الأليقُ الواجبُ، وأمَّا تصديكَ وتعرضكَ للغنيِّ المستغني الذي لا يسألُ ولا يستفتي لعدَم رغبتهِ في الخير، معَ تركِكَ مَنْ هوَ أهمُّ منهُ فإنَّهُ لا ينبغي لكَ، فإنَّهُ ليسَ عليكَ أنْ لا يزكَّى، فلو لمْ يتزكَّ، فلستَ بمحاسبٍ على مَا عملهُ مِنَ الشرِّ.
فدلَّ هذا على القاعدةِ المشهورةِ، أنَّهُ: (لا يتركُ أمرٌ معلومٌ لأمرٍ موهومٍ، ولا مصلحةٌ متحققةٌ لمصلحةٍ متوهمةٍ) وأنَّهُ ينبغي الإقبالُ على طالبِ العلمِ، المفتقرِ إليهِ، الحريصِ عليهِ أزيدَ منْ غيرِهِ.

(11-16){كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11) فَمَن شَاء ذَكَرَهُ (12) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ}.

يقولُ تعالىَ: {كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ} أي: حقّاً إنَّ هذه الموعظةَ تذكرةٌ مِنَ اللهِ، يذكِّرُ بهَا عبادَهُ، ويبيِّنُ لهمْ في كتابهِ ما يحتاجونَ إليهِ، ويبيِّنُ الرشدَ مِنَ الغيِّ، فإذا تبينَ ذلكَ {فَمَن شَاء ذَكَرَهُ} أي: عملَ بهِ، كقولهِ تعالى: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}.

ثمَّ ذكرَ محلَّ هذهِ التذكرةِ وعظمهَا ورفعَ قدرهَا، فقالَ: {في صحفٍ مكرمةٍ (14) مرفوعة} القدرِ والرتبَةِ {مُطَهَّرَةٍ} [من الآفات و] عَنْ أنْ تنالهَا أيدي الشياطين أو يسترقوهَا، بلْ هيَ {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ}: وهمُ الملائكةُ [الذينَ همُ] السُّفراءُ بينَ اللهِ وبينَ عبادهِ، {كِرَامٍ} أي: كثيري الخير والبركة، {بَرَرَةٍ} قلوبهُمْ وأعمالهُمْ.

17-42){قُتِلَ الإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18) مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20) ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21) ثُمَّ إِذَا شَاء أَنشَرَهُ (22) كَلا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ (23) فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبًّا (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقًّا (26) فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28) وَزَيْتُونًا وَنَخْلاً (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا
(31) مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلأَِنْعَامِكُمْ}


وذلكَ كُلّهُ حفظٌ منَ اللهِ لكتابهِ، أنْ جعلَ السُّفراءَ فيهِ إلى الرسلِ الملائكة الكرام الأقوياء الأتقياء، ولمْ يجعلْ للشياطين عليهِ سبيلاً، وهذا مما يوجبُ الإيمانَ بهِ وتلقيهِ بالقبولِ، ولكن معَ هذا أبى الإنسانُ إلاَّ كفوراً، ولهذا قالَ تعالى:
{قُتِلَ الإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ} لنعمةِ اللهِ، وما أشدَّ معاندته للحقِّ بعدمَا تبينَ، وهوَ أضعفُ الأشياءِ، خلقهُ اللهُ مِنْ ماءٍ مهينٍ، ثمَّ قدَّرَ خلقهُ، وسوّاهُ بشراً سويّاً، وأتقنَ قواه الظاهرةَ والباطنةَ.
{ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ}أي: يسَّرَ لهُ الأسبابَ الدينيةَ والدنيويةَ، وهداهُ السبيلَ، [وبيَّنَهُ] وامتحنهُ بالأمرِ والنهي، أي: أكرَمهُ.
{ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ}أي: أكرمَهُ بالدفنِ، ولم يجعلْهُ كسائرِ الحيواناتِ التي تكونُ جيفُها على وجهِ الأرضِ.
{ثُمَّ إِذَا شَاء أَنشَرَهُ}أي: بعثَهُ بعدَ موتهِ للجزاءِ، فاللهُ هو المنفردُ بتدبيرِ الإنسانِ وتصريفهِ بهذهِ التصاريفِ، لمْ يشاركْهُ فيهِ مشاركٌ، وهوَ - معَ هذا - لا يقومُ بِمَا أمرَهُ اللهُ، ولم يقضِ مَا فرضَهُ عليهِ، بلْ لا يزالُ مقصِّراً تحت الطلبِ.
ثمَّ أرشدَهُ تعالى إلى النظرِ والتفكرِ في طعامِهِ، وكيفَ وصلَ إليهِ بعدمَا تكررتْ عليهِ طبقاتٌ عديدةٌ، ويسرهُ لهُ، فقالَ: {فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبًّا} أي: أنزلنَا المطرَ على الأرضِ بكثرةٍ.
{ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ} للنباتِ {شَقًّا (26) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا} أصنافَاً مصنفةً مِنْ أنواعِ الأطعمةِ اللذيذةِ، والأقواتِ الشهيةِ {حُبًّا} وهذا شاملٌ لسائرِ الحبوبِ على اختلافِ أصنافِهَا، {وَعِنَباً وَقَضْباً}وهوَ القتُّ.
{وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً} وخصّ هذهِ الأربعةَ لكثرةِ فوائدهَا ومنافعهَا.
{وَحَدَائِقَ غُلْباً}أي: بساتينَ فيها الأشجارُ الكثيرةُ الملتفةُ.

{وَفَاكِهَةً وَأَبًّا}الفاكهةُ: ما يتفكهُ فيهِ الإنسانُ، من تينٍ وعنبٍ وخوخٍ ورمانٍ، وغيرِ ذلكَ.
والأبُّ: ما تأكلهُ البهائمُ والأنعامُ، ولهذا قالَ: {مَتَاعاً لَكُمْ وَلأَِنْعَامِكُمْ} التي خلقَها اللهُ وسخرهَا لكمْ، فمَنْ نظرَ في هذهِ النعمِ، أوجبَ لهُ ذلكَ شكرَ ربِّهِ، وبذلَ الجهدِ في الإنابةِ إليهِ، والإقبالِ على طاعتهِ، والتصديقِ بأخبارِهِ.
(33-42){فَإِذَا جَاءتِ الصَّاخَّةُ (33) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ (38) ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ (39) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (40) تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ (41) أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (42)} أي: إذا جاءتْ صيحةُ القيامةِ، التي تصخُّ لهولِهَا الأسماعُ، وتنزعجُ لها الأفئدةُ يومئذٍ، مما يرى الناسُ مِنَ الأهوالِ وشدةِ الحاجةِ لسالفِ الأعمالِ.
{يَفِرُّ الْمَرْءُ}مِنْ أعزِّ الناسِ إليهِ، وأشفقهمْ لديهِ {مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ
(35) وَصَاحِبَتِهِ} أي: زوجتهِ {وَبَنِيهِ} وذلكَ لأنَّهُ {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} أي: قَدْ أشغلتهُ نفسهُ، واهتمَّ لفكاكِهَا، ولمْ يكنْ لهُ التفاتٌإلى غيرِهَا، فحينئذٍ ينقسمُ الخلقُ إلى فريقينِ: سعداءَ وأشقياءَ، فأمَّا السعداءُ، فوجوههم [يومئذٍ] {مُسْفِرَةٌ} أي: قدْ ظهرَ فيها السرورُ، والبهجةُ، منْ مَا عرفُوا من نجاتهِمْ، وفوزِهمْ بالنعيمِ، {ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (39) وَوُجُوهٌ} الأشقياءِ {يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (40) تَرْهَقُهَا} أي: تغشاهَا {قَتَرَةٌ} فهي سوداءُ مظلمةٌ مدلهمةٌ، قدْ أيستْ مِنْ كلِّ خيرٍ، وعرفَتْ شقَاءَهَا وهلاكَهَا.
{أُولَئِكَ}الذينَ بهذا الوصفِ {هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ} أي: الذينَ كفرُوا بنعمةِ اللهِ، وكذبوا بآياتِ اللهِ، وتجرؤوا على محارمِهِ.
نسألُ اللهَ العفوَ والعافيةَ، إنَّه جوادٌ كريمٌ [والحمدُ للهِ ربِ العالمينَ].
 
الحالة
مغلق و غير مفتوح للمزيد من الردود.
أعلى