ورقات من فقه الدعوة الإسلامية وآدابها

طباعة الموضوع
إنضم
4 يناير 2012
المشاركات
587
النقاط
18
الإقامة
الفيوم
الموقع الالكتروني
www.alfayyumy.com
احفظ من كتاب الله
كاملا بحمد الله
احب القراءة برواية
عاصم
القارئ المفضل
المنشاوي
الجنس
أخ
f3d7adf40b.gif


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ستكون هذه الصفحة بأمر الله تعالى
مخصصة لمعرفة بعض آداب الدعوة الإسلامية وفقهها
وستكون موضوعات متتالية
في ورقات من فقه الدعوة وآدابها
كتبتها بيانا وإيجازا ومعرفة
وفقنا الله وإياكم لكل خير
يتوجب عليك تسجيل الدخول او تسجيل لروئية الموضوع
 
إنضم
4 يناير 2012
المشاركات
587
النقاط
18
الإقامة
الفيوم
الموقع الالكتروني
www.alfayyumy.com
احفظ من كتاب الله
كاملا بحمد الله
احب القراءة برواية
عاصم
القارئ المفضل
المنشاوي
الجنس
أخ
من فقه الدعوة (1)

الالتفات إلى ما عند الله تعالى من الأجر والثواب للداعية


ذلك أن الداعية إلى الله تعالى لا يعمل لحساب مخلوق، ولا يعمل لتحصيل منافع دنيوية فانية، وإنما هو عامل بحق العبودية لله تعالى، قائم بأمر الله ورسوله، مبلغ منهج الله إلى الناس، "وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ"[آل عمران: 110].

فالدعوة أمر من الله تعالى، وأجرها أيضًا لا يكون إلا على الله، وهذا ما أعلنه كل أنبياء الله ورسله كما قال تعالى: "إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ" [الشعراء: 106-109]، وكذلك قال هود وصالح وشعيب وغيرهم من الأنبياء والرسل عليهم السلام.

ثم إن على الداعية أن يلتفت إلى ما عند الله من الأجر والثواب لأن أجره عند الله عظيم، كما قال تعالى: "وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ" [فصلت: 33]، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: "انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه، فوالله لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا، خير لك من أن يكون لك حمر النعم". متفق عليه.

وفي الحديث عن أبي مسعود الأنصاري قال جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم – فقال: إني أبدع بي فاحملني، فقال: "ما عندي". فقال رجل: يا رسول الله أنا أدله على من يحمله. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من دل على خير فله مثل أجر فاعله" . رواه مسلم

وعن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من دعا إلى هدًى، كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، ومن دعا إلى ضلالة، كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا". رواه مسلم

ثم إن الداعية قد يصيبه شيء من الضجر والألم النفسي، لما يرى من صدود الناس عنه، وردهم لدعوته، وإعراضهم عنها، ومحاولة إيذائه أحيانًا، وصده أحيانًا أخرى، فعندها يلتفت إلى ما ينتظره من الأجر والنعيم في الآخرة، وما أعده الله تعالى لأوليائه وأحبابه، فيخفف ذلك الألم عن نفسه، ويسلي النفس بما ينتظرها في الآخرة، فتهون عليه عقبات الطريق وشدائده كما قال تعالى لرسوله: "لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ" [الشعراء: 3]. وكما قال تعالى: "وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ * إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ" [النحل: 127،128].

وإن لنا في دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - لقومه المثل الأعلى؛ وهو القائل: "لقد أوذي موسى بأكثر من هذا فصبر"، فلقد أوذي كثيرًا من صناديد الكفر، ووضعت أمامه العقبات، وسلط عليه السفهاء، وسالت منه الدماء، وكم حاول أهل الكفر صده بالإغراء والكيد، والنيل منه، بل ومحاولة قتله، ولكن الله تعالى يدافع عن نبيه ورسوله، وكذلك كل أوليائه.

ونحن اليوم نتعرض إلى صنوف وألوان من الكيد والمكر والأذي، من الكافرين والمنافقين، الصادين عن سبيل الله، والشانئنين لدعوة الحق والسنة، وهؤلاء صاروا يملكون كثيرًا من المنابر الإعلامية المقروء منها والمرئي والمسموع، وصاروا يصوبون سهاهم الباطلة إلى صدور الدعاة الصادقين، والعلماء المخلصين، ويعملون على تشويه صورتهم ومكانتهم، بل ووصل بهم الأمر إلى التشكيك في ثوابت الإسلام وأصوله العظيمة، في قلوب أتباعه، وصدور حملته.

فالواجب إذًا أن نصبر على كيد هؤلاء واستعلائهم بالباطل الذي معهم، وأن نعمل لإعلاء كلمة الله تعالى ودينه، راغبين في ثواب الله وجنته، وعلى ثقة ويقين من نصره ووعده بالخلافة والتمكين، لكننا لا نيأس ولا نتخلف عن الركب، ولنعلم أن كل هذا النصب والأذى والكيد يزول عن أول قدم على توضع على باب الجنة بإذن الله تعالى؛ "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا" [الكهف: 108،107].
 

اسلام

عضو مميز
إنضم
18 أبريل 2011
المشاركات
335
النقاط
16
احفظ من كتاب الله
32حزب
احب القراءة برواية
قالون حفص و وورش
القارئ المفضل
الحذيفي
الجنس
اخت
جزاكم الله خير الجزاء شيخنا
 

أم حذيفة

وَهذَا زَمَانُ الصَّبْرِ مَنْ لَكَ بِالَّتي
طاقم الإدارة
إنضم
26 أغسطس 2010
المشاركات
3,675
النقاط
38
الإقامة
الامارات
احفظ من كتاب الله
القرءان كامل
احب القراءة برواية
بحميع الروايات
القارئ المفضل
الشيخ ابراهيم الأخضر
الجنس
أخت
نفع الله بك شيخنا الفاضل ،،، وكتب لك الاجر
 
إنضم
4 يناير 2012
المشاركات
587
النقاط
18
الإقامة
الفيوم
الموقع الالكتروني
www.alfayyumy.com
احفظ من كتاب الله
كاملا بحمد الله
احب القراءة برواية
عاصم
القارئ المفضل
المنشاوي
الجنس
أخ
من فقه الدعوة (2)

التزود من سير الدعاة والصالحين على طريق الدعوة

الداعية إلى الله تعالى ليس في الميدان وحيدًا، ولا يسير في الطريق وحده، وإنما هو واحد من كثير من السابقين على الطريق، فعليه أن يأخذ الزاد ممن سبق، وأن ينظر في سيرهم، ويلتمس العبرة في منهجهم ودعوتهم، وأخلاقهم وعبادتهم، وأن يتزود من معينهم، ويعمل كما عملوا، ويصبر كما صبروا "لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ" [يوسف: 111].

وفي نظر الداعية الصادق إلى السابقين دروس وعبر، من التبليغ للرسالة، والصبر على الكيد والمكر، وسعة الصدر للناس، وسعة الأفق في التعامل في الأحداث الجارية، والتخلق بآداب وأخلاق الدعاة الموفقين من الله تعالى.

ولو تأملنا بعضًا من سور القرآن لوجدنا المثل الأعلى لكل داعية إلى الله على طريق الدعوة، وهذا المثل الجليل يتمثل في "أنبياء الله ورسله عليهم السلام"، وهم ولا ريب أول الدعاة إلى طريق الله وعبادته وتوحيده، فلكم دعوا إلى توحيد الله تعالى أقوامهم، ولكم أوذوا في سبيل الله، ولاقوا من الصدود والكيد، وصنوف الإيذاء والإعراض.

فهذا أول رسل الله إلى قومه نوح - عليه السلام -، يأمره الله بدعوتهم، وتبليغهم، وإخراجهم من عبادة الأوثان والأصنام، إلى عبادة الله وحده لا شريك له، ومكث فيهم قرابة الألف عام، يدعوا بكل السبل في السر والجهر، في الليل والنهار، في النوادي والمجتمعات حتى جاء وعد الله كما قال تعالى: "وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ" [العنكبوت: 14].

وهذا إبراهيم - عليه السلام -، يدعوا قومه ويأخذ بيدهم إلى الله، ويحمل دعوته بهمة عالية، حتى أنه أجهز على أصنامهم فحطمها، وجعلها جذاذًا، وتعرض للحرق في النار، ومع ذلك صبر وجاهد كما قال تعالى: "وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ" [العنكبوت: 17،16].

وهذا يوسف - عليه السلام -، ولكم تعرض إلى صنوف من الابتلاءات والمحن منذ صغره، فلقد ألقي في الجب، وبيع مملوكًا، ودخل السجن في محنة امرأة العزيز، فما كلّ ولا ملّ، لكنه دعا إلى الله وهو في سجنه إلى توحيد الله تعالى وعبادته دون ما سواه كما قال تعالى: "يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ" [يوسف: 40،39].

وهذا موسى - عليه السلام -، يتعرض لكثير من الإيذاء من بني إسرائيل، ويرى ألوانًا من عنتهم وشدتهم، ومع ذلك صبر كثيرأ كما قال الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا" [الأحزاب: 69]. وكما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لقد أوذي موسى بأكثر من هذا فصبر".

وهذا النبي - محمد صلى الله عليه وسلم -، سيد الدعاة والمصلحين، صاحب المثل الأعلى الفريد، يدعوا إلى توحيد الله تعالى وعبادته، فيواجه من قريش وكفارها بصنوف وألوان من الكيد والعنت، والمكر والصد، حتى تآمر القوم – كما روت لنا كتب السير – على قتله، والاستراحة منه ومن دعوته، لكن الله تعالى كان في كل موقف مؤيده ونصيره، حتى مكن الله له ولصحابته الكرام، وهاجروا إلى المدينة، وقامت لهم الدولة والخلافة، بعد صبر وجهاد ويقين، وكم بين الله ذلك في كتابه العزيز كما قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ" [المدثر: 1-7]. وقال تعالى: "وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ" [القصص: 88،87].

ولا ينسى الداعية بعد هذا أن ينظر في عبادة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ليأخذ منها خير زاد، فلقد كان يقوم من الليل حتى تورمت قدماه، ويصلي ويطيل القراءة والقيام والركوع والسجود، وكان كثير الصيام والذكر، والسعي لحوائج الناس والضعفاء، ولا يرد سائلًا، ولا ينهر مخالفا، وقد قال تعالى له في كتابه: "أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا * وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا * وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا" [الإسراء: 78-80]. وقال أيضأ: "يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا" [المزمل: 1-4].

فهذا بعض من أمرهم ودعوتهم، يجب على الداعية أن يطالعه ويقف معه طويلًا، على طول الطريق، عندها تهون عليه شدائد الطريق وآلامه، ويعلم أن العاقبة له لا لأعدائه، وأنه مؤيد منصور، لأنه على درب الأنبياء والمرسلين يسير، ومن قصصهم يأخذ الزاد والعبرة؛ "كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ".
 
إنضم
4 يناير 2012
المشاركات
587
النقاط
18
الإقامة
الفيوم
الموقع الالكتروني
www.alfayyumy.com
احفظ من كتاب الله
كاملا بحمد الله
احب القراءة برواية
عاصم
القارئ المفضل
المنشاوي
الجنس
أخ
اللهم ربنا آمين وإياكم جميعا
وكم أثلجتم الصدر
وأرقتم الحبر
ليعطر لكم جزيل الشكر
 
إنضم
4 يناير 2012
المشاركات
587
النقاط
18
الإقامة
الفيوم
الموقع الالكتروني
www.alfayyumy.com
احفظ من كتاب الله
كاملا بحمد الله
احب القراءة برواية
عاصم
القارئ المفضل
المنشاوي
الجنس
أخ

من فقه الدعوة الإسلامية (3)

الاهتمام بترتيب الأولويات في الدعوة

الاهتمام بترتيب الأولويات وتعلم فقهها من أهم قواعد الانطلاق الدعوي الصحيح، والتخبط في هذا الباب، والاستهانة به، لا ريب أنه مخالف للنصوص الشرعية الواضحة من الكتاب والسنة، وعمل أهل العلم وسلف الأمة، كما أنه طريق بعيد عن الوصول إلى جنى الثمار الحقيقية للدعوة إلى الله تعالى، كما أنه بعد ذلك عقبة في طريق العمل الإسلامي وتقدمه.
والإشكال هنا أن كثيرًا من الناس عندما ينطلق في طريق الدعوة إلى الله، لا يلتفت كثيرًا إلى أهمية هذا الفقه ومكانته، ولا إلى العواقب والنتائج من وراء تركه، هذا من جانب، أما على الجانب الآخر فنجد فريقًا آخر قد احتفى بهذا الباب، وعني بها أيما عناية، إلا أنه حيزه إلى فكر بذاته، أو اتجاه دعوي بذاته، ثم ينزل في هذا الاتجاه بعد ذلك النصوص الواردة، والتي يرجوا منها أن تؤكد وجهته، وتدعم دعوته، وكلا الأمرين بهذا التصور العقلي والفكري طرفي نقيض.
والحق؛ أن الأمر لا يرجع إلا اجتهاد بشري، أو فكر دعوي، إنما مرجعه إلى الشرع، وإلى ما دلت عليه نصوص الشرع من الكتاب والسنة، لأن الدعوة إلى الله تعالى من الواجبات الشرعية المأمور بها، والتي بها تكون خيرية الأمة المسلمة دائمة، فلا بد إذًا أن يجتمع الدعاة إلى الله تعالى على هذه القاعدة، ثم بعدها نرى..
ونحن إذا تأملنا دعوة كل الأنبياء والرسل - عليهم السلام -، من خلال القصص الوارد عنهم في القرآن، ظهر لنا وبدون لف أو مواربة، أنهم جميعًا متفقون ابتداءً على الدعوة إلى توحيد الله تعالى وإفراده بالعبادة، ثم بعد هذا الأمر ينطلق النبي والرسول بدعوة قومه بما هو أولى لهم، وأهم في واقعهم، لا في واقع غيرهم من الأمم والأقوام.
وقد قال تعالى في هذا عن دعوة جميع الأنبياء والرسل: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 59].
وقال: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُم مِّن إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ}[الأعراف: 65].
وقال تعالى: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}[الأعراف: 73].
وقال تعالى: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}[الأعراف: 85].
وقال تعالى: {وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * إِنَّمَا تَعْبُدُون مِن دُونِ اللهِ أَوْثَاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَّعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ لاَ يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُواْ عِندَ اللهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدوهُ واشْكُرُواْ لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}[العنكبوت: 17،16]، إلى غير ذلك من الآيات..
ثم بعد إقرار هذا الأصل العظيم من التوحيد لله تعالى، والتوجه له وحده بالعبادة دون ما سواه من الآلهة الباطلة، نجد أن كل نبي ينطلق في علاج أمراض أمته، وقضاياها المصيرية، فنجد على سبيل المثال نبي الله إبراهيم – عليه السلام - يرسخ قضية التوحيد ونبذ الشرك وعبادة الأصنام الباطلة المدعاة من دون الله، وكذلك كانت قضية نبي الله نوح – عليه السلام -، بينما نجد أن نبي الله شعيبًا – عليه السلام - قام يدعوا بعد العقيدة والتوحيد إلى تطهير المجتمع من داء الغش والتطفيف في البيع والشراء، ونجد نبي الله لوطًا – عليه السلام - يحذر قومه من الفواحش واللواط والشذوذ والمنكرات، وهكذا صارت دعوة كل الرسل - عليهم الصلاة والسلام - في طريقها.
فدعوتهم تقدم الأهم فالمهم، ولقد اتفقوا جميعًا على أصل الانطلاق الدعوي، نحو التغيير والإصلاح لأممهم وأقوامهم، ونحن لنا فيهم الأسوة الحسنة في ذلك ولا ريب.
وحسبنا هنا دعوة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -، والتي كان عمادها أولًا على التأسيس على التوحيد والعقيدة، حيث وجدنا في سيرته - صلى الله عليه وسلم - أنه ظل في دعوة الناس من الكفار والمشركين فترة طويلة في مكة، تزيد على الثلاثة عشر عامًا، وكان القرآن ينزل ويؤكد هذا جليًا، ولهذا كانت السور القرآنية التي نزلت بمكة تزيد كثيرًا، على السور التي نزلت بالشرائع والأحكام بعد هذا في المدينة.
كما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يؤكد هذا الأمر في تقديم الأهم فالمهم في دعوة الناس وتعليمهم شريعة الإسلام العظيمة، فقد روى أبو داود بسنده؛ عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث معاذًا إلى اليمن فقال: "إنك تأتي قوما أهل كتاب؛ فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإن هم أطاعوك لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات، في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوك لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم، تؤخذ من أغنيائهم، وترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوك لذلك، فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم، فإنها ليس بينها وبين الله حجاب".
فتأمل كيف علم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – معاذًا – رضي الله عنه - أصول الدعوة، وأولوياتها، وكيف أرشده إلى التدرج في الدعوة والتعليم مع الناس، وذلك حتى لا ينفروا من كثرة التعاليم عليهم، وحتى يكون أدعى لقبول الإسلام وتطبيقه في واقعهم.
ثم نجد خبرًا آخر في تقديم الإيمان والعمل به على غيره من شرائع الإسلام، كما جاء عن أبي هريرة – رضي الله عنه - قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أي العمل أفضل؟ قال: "إيمان بالله ورسوله" قيل: ثم ماذا؟ قال: "الجهاد في سبيل الله". قيل: ثم ماذا؟ قال: "حج مبرور". متفق عليه.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الإيمان بضع وسبعون شعبة فأفضلها: قول لا إله إلا الله وأدناها، إماطة الأذى عن الطريق، والحياة شعبة من الإيمان". متفق عليه.
كما أن النبي – صلى الله عليه وسلم – يؤكد في مواقف كثيرة على مسائل الإيمان والعقيدة، وحتى في تعليم الناس والشباب كما جاء الحديث عن ابن عباس قال: كنت خلف رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يومًا فقال: "يا غلام إني أعلمك كلمات؛ احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام، وجفت الصحف".رواه الترمذي، وقال هذا حديث حسن صحيح .
وكذلك التأكيد على أعمال القلوب من الخوف والرجاء والتوكل والخشية والصدق وغيرها، فعن أبي ثابتٍ، وقيل: أبي سعيدٍ، وقيل: أبي الوليد، سهل بن حنيفٍ، وهو بدريٌ، - رضي الله عنه - أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: "من سأل الله - تعالى - الشهادة بصدقٍ بلغه الله منازل الشهداء، وإن مات على فراشه". رواه مسلم.
وعن عمر - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: "لو أنكم تتوكلون على الله حق وتوكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً وتروح بطاناً". رواه الترمذي، وقال: حديثٌ حسنٌ.
وعن أبي عمروٍ، وقيل: أبي عمرة سفيان بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول الله قل لي في الإسلام قولاً، لا أسأل عنه أحداً غيرك. قال: "قل: آمنت بالله، ثم استقم". رواه مسلم.

إذًا هذا هو منهج النبوة في الدعوة إلى الله تعالى، والاهتمام بفقه الأولويات في مسار الدعوة والعمل الإسلامي المعاصر، لكن في ذات الوقت علينا أن نعلم؛ أننا لا نغفل مع هذا كما يقال كثيرًا من مسائل الواقع الأليم لحال الأمة الإسلامية اليوم، ولكن لكل حال مقال، ولكل واقع فقهه وأولوياته، وإن الإغراق في الواقع بعيدًا عن تأصيل العقيدة الصحيحة، والتربية الإسلامية الرشيدة، هو ضرب من التكلف والبعد عن منهاج النبوة، كما قال العلامة الألباني - رحمه الله تعالى -: "القول الوسط الحق في "فقه الواقع": فالأمر إذًا كما قال الله تعالى: "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا" [البقرة: 142] ففقه الواقع بمعناه الشرعي الصحيح؛ هو واجب بلا شك، ولكن وجوبًا كفائيًا، إذا قام به بعض العلماء سقط عن سائر العلماء، فضلًا عن طلاب العلم، فضلًا عن عامة المسلمين.
فلذلك يجب الاعتدال بدعوة المسلمين إلى معرفة "فقه الواقع". وعدم إغراقهم بأخبار السياسة وتحليلات مفكري الغرب وإنما الواجب دائمًا وأبدًا، الدندنة حول تصفية الإسلام مما علق به من شوائب، ثم تربية المسلمين: جماعات وأفرادا على هذا الإسلام المصفى، وربطهم بمنهج الدعوة الأصيل: الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة"([1]).
وليعلم كل داعية أننا لا نعارض الدعوة إلى الله تعالى بمواجهة الباطل، أو مقاومة المد التنصيري الجارف، أو الاهتمام بشؤون السياسة والاقتصاد وغيرها، كلا.. ثم كلا؛ لأننا نرى هذه الأمور وغيرها من الأهمية والضرورة بمكان، كما أنها من شرائع الدعوة وفقهها.
لكن الإشكال أن تتحول مثل هذه القضايا الكبيرة - ولا ريب – إلى أصول واهتمامات، تفوق حجمها وكمها، في حين أن كثيرًا من الناس لا يعلمون شيئًا عن ربهم ولا عن أسمائه الحسنى وصفاته العلى، بل ويقعون في صور وألوان من الشرك في الأقوال والأعمال، بل ولا يعملون للآخرة حساب إلا من رحم الله، وانشغلوا بالمال والدولار، وشؤون السياسة والاقتصاد، أكثر من تلاوتهم لآيات القرآن، والعمل بشريعته وأحكامه، كما انتشرت فيهم الكثير من البدع والخرافات في باب العقيدة والعبادة، وأيضًا مظاهر الانحراف الأخلاقي والسلوكي والفكري، واللهث وراء التقليد الأعمي للشرق والغرب، والاقتداء بمن ليسوا بأهل للقدوة في شيء.
إن الدعاة لا يغفلون عن مثل هذا، لكنهم لا يعالجون أعراض المرض، ولكنهم يعالجون أصوله وجذوره، فما من انحراف في العقيدة والعبادة والفكر والسلوك، إلا ومصدره ضعف الانتماء الصحيح لهذا الدين، والجهل الحقيقي بشرائعه وأحكامه من الكتاب والسنة، لكننا نغرم كثيرًا بالأفكار والاتجاهات العقلية والفكرية، والتي غالبًا لا تستمد منهجها وعملها من وحي الله، وسنة رسوله، وعمل السلف الصالح، وصدق الله تعالى إذ يقول: "قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ" [يوسف:108].
وبعد كل هذا لا يفوتنا أن نقول؛ إن فقه الأولويات باب عظيم ومهم، شريطة أن يلتزم الداعي إلى الله فيه منهاج النبوة، وفقه الدعوة الصحيح، من غير إفراط ولا تفريط.
كما أن هناك مسألة مهمة في هذا الباب من الأهمية بمكان؛ وهي أن الدعوة إلى العقيدة الصحيحة الصافية لا ينتقل منها إلى غيرها، كلا؛ إنما ينتقل معها إلى غيرها، لأن العقيدة هي الركن الأساس لجميع الشعائر والأخلاق والمنطلقات، فهي ثابتة في كل مرحلة، تأصيلًا وتدليلًا.
لكن يرد هنا أمر آخر، وهو أن يعتقد أحد بعد هذا التوجيه والتأصيل؛ أنه ما هو إلا ترف من النظر والفكر، ولا حاجة له في فقه الواقع، وهنا تكمن المشكلة في التصورات الخاطئة.




* * *​
 
إنضم
3 يونيو 2012
المشاركات
2,918
النقاط
38
الإقامة
تونس الخضراء
احفظ من كتاب الله
الحمد لله
احب القراءة برواية
قالون
القارئ المفضل
الحذيفي / أبو عبد الله
الجنس
أخت
بارك الله فيكم شيخنا الفاضل

مواضيع قيمة تستحق الشكر
 
إنضم
4 يناير 2012
المشاركات
587
النقاط
18
الإقامة
الفيوم
الموقع الالكتروني
www.alfayyumy.com
احفظ من كتاب الله
كاملا بحمد الله
احب القراءة برواية
عاصم
القارئ المفضل
المنشاوي
الجنس
أخ
اللهم آمين وفيكم بارك الرحمن أختنا الفاضلة
 
أعلى