اَلأُصُولُ اَلْثَّلاَثَةُ وَأَدِلَّتُهَا (مُدَّقَقَةٌ عَلَى نُسْخَتَيْنِ)

طباعة الموضوع

ابن عامر الشامي

وَعَنْ غِيبَةٍ فَغِبْ
إنضم
20 ديسمبر 2010
المشاركات
10,237
النقاط
38
الإقامة
المملكة المغربية
احفظ من كتاب الله
بين الدفتين
احب القراءة برواية
رواية حفص عن عاصم
القارئ المفضل
سعود الشريم
الجنس
اخ
اَلأُصُولُ اَلْثَّلاَثَةُ وَأَدِلَّتُهَا (مُدَّقَقَةٌ عَلَى نُسْخَتَيْنِ)​


لِشَيْخِ اِلْإِسْلِامِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِاِلْوَهَّابِ

بِسْمِ الَلَّهِ الْرَّحْمَنِ الْرَّحِيمِ
اعْلَمْ رَحِمَكَ الْلَّهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْنَا تَعَلُّمُ أَرْبَعِ مَسَائِلَ :
الْأُولَى: الْعِلْمُ، وَهُوَ مَعِرَفَةُ الْلًّهِ، وَمَعْرِفَةُ نَبِيِّهِ، وَمَعْرِفَةُ دِينِ الْإِسْلَامِ بِالْأَدِلَّةِ.
الْثَّانِيَةُ:الْعَمَلُ بِهِ.
الْثَّالِثَةُ: الْدَّعْوَةُ إِلَيْهِ.
الْرَّابِعَةُ:الْصَّبْرُ عَلَى الْأَذَى فِيهِ.
وَالْدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى -بِسْمِ الْلَّهِ الْرَّحْمَنِ الْرَّحِيمِ-: وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3].
قَالَ الْشَّافِعِيُّ -رَحِمَهُ اَلْلَّهُ تَعَالَى-: ( لَوْ مَا أَنْزَلَ الْلَّهُ حُجَّةً عَلَى خَلْقِهِ إِلَّا هَذِهِ الْسُّورَةَ لَكَفَتْهُمْ ).
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ الْلَّهُ تَعَالَى: ( بَابُ: الْعِلْمِ قَبْلَ الْقَوْلِ وَالُعَمَلِ؛ وَالْدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ [محمد:19]، فَبَدَأَ بِالْعِلْمِ [قَبْلَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ] )( ).
اِعْلَمْ رَحِمَكَ اَلْلَّهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ، تَعَلُّمُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ الْثَّلَاثِ، وَالْعَمَلُ بِهِنَّ:
اَلْأُولَى: أَنَّ اَلْلََّهَ خَلَقَنَا، وَرَزَقَنَا، وَلَمْ يَتْرُكْنَا هَمَلاً، بَلْ أَرْسَلَ إِلَيْنَا رَسُولاً، فَمَنْ أَطَاعَهُ دَخَلَ الُجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَاهُ دَخَلَ الُنَّارَ، وَالَْدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً (15) فَعَصَى فِرْعَوْنُ الْرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً [المزمل:16،15].
اَلْثَّانِيَةُ: أَنَّ اَلْلَّهَ لَا يَرْضَى أَنْ يُشْرَكَ مَعَهُ أَحَدٌ فِي عِبَادَتِهِ، لَا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ، وَلَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ؛ وَالْدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً [الجن:18].
اَلْثَّالِثَةُ: أَنَّ مَنْ أَطَاعَ الْرَّسُولَ، وَوَحَّدَ الْلَّهَ لَا يَجُوزُ لَهُ مُوَالَاةُ مَنْ حَادَّ الُلَّهَ وَرَسُولَهُ، وَلَوْ كَانَ أَقُرَبَ قَرِيبٍ؛ وَالْدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [المجادلة:22].
اِعْلَمْ أَرْشَدَكَ الْلَّهُ لِطَاعَتِهِ: أَنَّ الْحَنِيفِيَّةَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ: أَنْ تَعْبُدَ الْلَّهَ وَحْدَهُ، مُخْلِصاً لَهُ الْدِّينَ، وَبِذَلِكَ أَمَرَ الْلَّهُ جَمِيعَ الْنَّاسِ، وَخَلَقَهُمْ لَهَا؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَمَا خَلَقتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلّا لِيَعْبُدُوِن [الذاريات:56]، وَمَعْنَى يَعْبُدُونِ : يُوَحِّدُونِ، وَأَعْظَمُ مَا أَمَرَ الْلَّهُ بِهِ الْتَّوْحِيدُ، وَهُوَ: إِفْرَادُ الْلَّهِ بِالْعِبَادَةِ. وَأَعْظَمُ مَا نَهَى عَنْهُ الْشِّرْكُ، وَهُوَ: دَعْوَةُ غَيْرِهِ مَعَهُ، وَالْدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً [النساء:36].
فَإِذَا قِيلَ لَكَ: مَا الْأُصُولُ الْثَّلَاثَةُ الْتِّي يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ مَعْرِفَتُهَا؟
فَقُلْ: مَعْرِفَةُ الْعَبْدِ رَبَّهُ، وَدِينِهُ، وَنَبِيَّهُ مُحَمَّدًا .



فَإِذَا قِيلَ لَكَ:مَنْ رَبُّكَ؟ فَقُلْ: رَبِّيَ الْلَّهُ الَّذِي رَبَّانِي وَرَبَّى جَمِيعَ الْعَالَمِينَ بِنِعَمِهِ، وَهُوَ مَعْبُودِي لَيْسَ لِي مَعْبُودٌ سِوَاهُ؛ وَالْدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2].وَكُلُّ مَنْ سِوَى الْلَّهِ عَالَمٌ، وَأَنَا وَاحِدٌ مِنْ ذَلِكَ الْعَالَمِ.
فَإِذَا قِيلَ لَكَ: بِمَ عَرَفْتَ رَبَّكَ؟
فَقُلْ: بِآيَاتِهِ وَمَخْلُوقَاتِهِ، وَمِنْ آيَاتِهِ: الْلَّيْلُ، وَالْنَّهَارُ، واَلشَّمْسُ، وَالْقَمَرُ، وَمِنْ مَخْلُوقَاتِهِ: الْسَّمَوَاتُ الْسَّبْعُ، وَالْأَرَضُونَ الْسَّبْعُ، وَمَنْ فِيهِنَّ، وَمَا بَيْنَهُمَا؛ وَالْدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [فصلت:37]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [الأعراف:54].
وَالْرَّبُّ هُوَ: الْمَعْبُودُ؛ وَالْدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: يَأيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الذَِّي خَلَقَكُم وَالذِّّينَ مِن قَبلكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ(21) الّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمآءَ بِنآءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَاَءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الْثَّمَرَاتِ رِزْقًا لّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لَلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعَلُمُونَ [البقرة:22،21]. قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ -رَحِمَهُ الْلَّهُ تَعَالَى-: ( الْخَالِقُ لِهَذِهِ الُأَشْيَاءِ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِبَادَةِ ).
وَأَنْوَاعُ الْعِبَادَةِ الَّتِي أَمَرَ الْلَّهُ بِهَا مِثْلُ: الْإِسْلَامِ، وَالْإِيمَانِ، وَالْإِحْسَانِ، وَمِنْهُ: الْدُّعَاءُ، وَالْخَوْفُ، وَالْرَّجَاءُ، وَالْتَّوَكُّلُ، وَالْرَّغْبَةُ، وَالْرَّهْبَةُ، وَالْخُشُوعُ، وَالْخَشْيَةُ، وَالْإِنَابَةُ، وَالْاِسْتِعَانَةُ، وَالْاِسْتِعَاذَةُ، وَالْاِسْتِغَاثَةُ، وَالْذَّبْحُ، وَالْنَّذْرُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ الَّتِي أَمَرَ الْلَّهُ بِهَا، كُلُّهَا لِلَّهِ تَعَالَى؛ وَالْدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً [الجن:18].
فَمَنْ صَرَفَ مِنْهَا شَيْئاً لِغَيْرِ الْلَّهِ، فَهُوَ مُشْرِكٌ كَافِرٌ؛ وَالَّدلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى:
وَمَن يَّدْعُ مَعَ اَللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ [المؤمنون:117].
وَفِي الْحَدِيثِ: ((الْدُّعَاءُ مُخُّ الْعِبَادَةِ)). وَالْدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر:60].
وَدَلِيلُ الْخَوْفِ؛ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ [آل عمران:175 ].
وَدَلِيلُ الُرَّجَاءِ؛ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً [الكهف:110].
وَدَلِيلُ الْتَوَكُّلِ؛ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ [المائدة:23]، وقوله: وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [الطلاق:3].
وَدَلِيلُ الْرَّغْبَةِ، وَالْرَّهْبَةِ، وَالْخُشُوعِ، قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ [الأنبياء:90].
وَدَلِيلُ الْخَشْيَةِ؛ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي [البقرة:150].
وَدَلِيلُ الْإِنَابَةِ؛ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ الآية [الزمر:45].
وَدَلِيلُ الْاِسْتِعَانَةِ؛ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة]، وَفِي الْحَدِيثِ: ((إِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِالْلَّهِ)).
وَدَلِيلُ الْاِسْتِعَاذّةِ؛ قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ(1) [الفلق]، وَ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ [الناس:1].
وَدَلِيلُ الْاِسْتِغَاثَةِ؛ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ [الأنفال:9].
وَدَلِيلُ الْذَّبْحِ؛ قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قَيِّماً مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161) قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِيَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(162)لاََ شَرِيكَ لَهُ [الأنعام:163]. وَمِنَ الْسُّنَّةِ: ((لَعَنَ اللهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللهِ)).
وَدَلِيلُ الْنَّذْرِ قَوْلُهُ تَعَالَى: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً [الإنسان:7].
الْأَصْلُ الْثَّانِي
مَعْرِفَةُ دِينِ الْإِسْلاَمِ بِالأَدِلَّةِ وَهُوَ: الاِسْتِسْلاَمُ لِلَّهِ بِالْتَّوْحِيدِ، وَالاِنْقِيَادُ لَهُ بِالْطَّاعَةِ، وَالْبَرَاءَةُ مِنَ الْشِّرْكِ وَأَهْلِهِ، وَهُوَ ثَلاَثُ مَرَاتِبٍ: الْإِسْلاَمُ، وَالْإِيمَانُ، وَالْإِحْسَانُ. وَكُلُّ مَرْتَبَةٍ لَهَا أَرْكَانٌ. فَأَرْكَانُ الْإِسْلاَمِ خَمْسَةٌ: شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامُ الْصَّلاَةِ، وَإِيتَاءُ الْزَّكَاةِ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ، وَحَجُّ بَيْتِ اللهِ الْحَرَامِ.
فَدَلِيلُ الْشَّهَادَةِ قَوُلُهُ تَعَالَى: شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [آل عمران:18].
وَمَعْنَاهَا: لاَ مَعْبُودَ بِحَقٍّ إِلاَّ اللهُ، وَحَدُّ النَّفْيِ مِنَ الإِثْبَاتِ ((لاَ إِلَهَ)) نَافِياً مَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللهِ( ) (إِلاَّ اللهُ) مُثْبِتاً الْعِبَادَةَ للهِ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ فِي عِبَادَتِهِ، كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ شَرِيكٌ فِي مُلْكِهِ.
وَتَفْسِيرُهَا الَّذِي يُوَضِّحُهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (27) وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الزخرف:26-28]. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران:64].
وَدَلِيلُ شَهَادَةِ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ؛ قَوْلُهُ تَعَالَى: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ [التوبة:128]. وَمَعْنَى شََهَادَةِ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ: طَاعَتُهُ فِيمَا أَمَرَ، وَتَصْدِيقُهُ فِيمَا أَخْبَرَ، وَاجْتِنَابُ مَا نَهَى عَنْهُ وَزَجَرَ( )، وَأَنْ لاَ يُعْبَدَ اللهُ إِلاَّ بِمَا شَرَعَ.
وَدَلِيلُ الْصَّلاَةِ وَالْزَّكَاةِ، وَتَفْسِيرُ الْتَّوْحِيدِ؛ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [البينة:5].
وَدَلِيلُ الْصِّيَامِ؛ قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ َ [البقرة:183].
وَدَلِيلُ الْحَجِّ؛ قَوْلُهُ تَعَالَى: ولِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيِتِ مَنِ اِسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ [آل عمران:97].
الْمَرْتَبَةُ الْثَّانِيَةُ
الإِيمَانُ؛ وَهُوَ: بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً، فَأَعْلاَهَا قَوْلُ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ.
وَأَرْكَانُهُ سِتَّةٌ: ((أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلاَئِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَبِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ)). وَالْدَّلِيلُ عَلَى هَذِهِ الْأَرْكَانِ الْسِّتَّةِ؛ قَوْلُهُ تَعَالَى: لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ [البقرة:177]. وَدَلِيلُ الْقَدَرِ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر:49].
الْمَرْتَبَةُ الْثَّالِثَةُ
الْإِحْسَانُ رُكْنٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ: ((أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ )). وَالْدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ [النحل:128]. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217) الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [الشعراء:217 ـ220]. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ [يونس:61].
وَالْدَّلِيلُ مِنَ الْسُّنَّةِ: ((حَدِيثُ جِبْرِيلَ)) الْمَشْهُورُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - -قَالَ: ( بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ الْنَّبِيِّ - -إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الْشَّعْرِ، لاَ يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ الْسَّفَرِ، وَلاَ يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ، فَجَلَسَ إِلَى الْنَّبِيِّ ، فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ، وَقَا لَ: يَا مُحَمَّدٌ أَخْبِرْنِي عَنِ الإِسْلاَمِ. قَالَ: ((أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ، وَتُقِيمَ الْصَّلاَةَ وَتُؤْتِيَ الْزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اِسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)). قَالَ: صَدَقْتَ. فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ. قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنِ الإِيمَانِ. قَالَ: ((أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ وَمَلاَئِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الآخِرِ، وَبِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ)). قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنِ الإِحْسَانِ. قَالَ: ((أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ)). قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنِ الْسَّاعَةِ. قَالَ: ((مَا الْمَسْؤُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ الْسَّائِلِ )). قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَاتِهَا. قَالَ: ((أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا، وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الْشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ)). قَالَ: فَمَضَى، فَلَبِثْنَا مَلِياًّ. فَقَالَ: ((يَا عُمَرُ أَتَدْرُونَ مَنِ الْسَّائِلُ؟)) قَلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: ((هَذَا جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ أَمْرَ دِينِكُمْ)).
الْأَصْلُ الْثَّالِثُ
مَعْرِفَةُ نَبِيِّكُمْ مُحَمَّدٍ ، وَهُوَ مُحَمَّدٌ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِالْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ، وَهَاشِمٌ مِنْ قُرَيْشٍ، وَقُرَيْشٌ مِنَ الْعَرَبِ، وَالْعَرَبُ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ -عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا أَفْضَلُ الْصَّلاَةِ وَالْسَّلاَمِ-، وَلَهُ مِنَ الْعُمُرِ ثَلاَثٌ وَسِتُّونَ سَنَةً، مِنْهَا أَرْبَعُونَ قَبْلَ الْنُبُوَّةِ، وَثَلاَثٌ وَعِشْرُونَ نَبِيًّا رَسُولاً. نُبِّىءَ بِـ اقْرَأْ وَأُرْسِلَ بِـ الْمُدَّثِّرُ ، وَبَلَدُهُ مَكَةُ، وَهَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ، بَعَثَهُ اللهُ بِالْنِّذَارَةِ عَنِ الْشِّرْكِ، وَيَدْعُو إِلَى الْتَّوْحِيدِ؛ وَالْدَّلِيلُ قَوْلُه ُتَعَالَى: يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ (6) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ [المدثر:1ـ7]. وَمَعْنَى قُمْ فَأَنذِرْ : يُنْذِرُ عَنِ الْشِّرْكِ، وَيَدْعُو إِلَى الْتَّوْحِيدِ. وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ، أَيْ: عَظِّمْهُ بِالْتَّوْحِيدِ. وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ، أَيْ: طَهِّرْ أَعْمَالَكَ مِنَ الْشِّرْكِ. وَ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ، الْرُّجْزُ: الأَصْنَامُ، وَهَجْرُهَا: تَرْكُهَا، وَالْبَرَاءَةُ مِنْهَا وَأَهْلِهَا ، أَخَذَ عَلَى هَذَا عَشْرَ سِنِينَ يَدْعُو إِلَى الْتَّوْحِيدِ، وَبَعْدَ الُعَشْرِ عُرِجَ بِهِ إِلَى الْسَّمَاءِ، وَفُرِضَتْ عَلَيْهِ الْصَّلَوَاتُ الخَمْسُ، وَصَلَّى فِي مَكَّةَ ثَلاَثَ سِنِينَ، وَبَعْدَهَا أُمِرَ بِالْهِجْرَةِ إِلَى ((الْمَدِينَةِ))، وَالْهِجْرَةُ الاِنْتِقَالُ مِنْ بَلَدِ الْشِّرْكِ إِلَى بَلَدِ الإِسْلاَمِ.
وَالْهِجْرَةُ فَرِيضَةُ عَلَى هَذِهِ الأَمََّةِ مِنْ بَلَدِ الْشِّرْكِ إَلَى بَلَدِ الإِسْلاَمِ، وَهِيَ بَاقِيَةٌ إَلَى أَنْ تَقُومَ الْسَّاعَةُ؛ وَالْدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً (97) إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (98) فَأُوْلَـئِكَ عَسَى اللّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللّهُ عَفُوّاً غَفُوراً [النساء:97 ـ99]. وقوله تعالى: يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ [العنكبوت:56]. قَالَ الْبَغَوِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: ( سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ فِي الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ فِي مَكَّةَ لَمْ يُهَاجِرُوا، نَادَاهُمُ اللهُ بِاسْمِ الإِيمِانِ).
وَالْدَّلِيلُ عَلَى الْهِجْرَةِ مِنَ الْسُّنَّةِ قَوْلُهُ : ((لاَ تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ حَتَّى تَنْقَطِعَ الْتَّوْبَةُ، وَلاَ تَنْقَطِعُ الْتَّوْبَةُ حَتَى تَطْلُعَ الْشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا)).
فَلَمَّا اِسْتَقَرَّ فِي ((الْمَدِينَةِ)) أُمِرَ بِبَقيَّةِ شَرَائعِ الإِسْلاَمِ، مِثْلِ: الْزَّكَاةِ، وَاْلصَّوْمِ، وَالْحَجِّ، وَالأَذَانِ، وَالْجِهَادِ، وَالأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالْنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ شَرَائِعِ الإِسْلاَمِ، أَخَذَ عَلَى هَذَا عَشَرِ سِنِينَ، وَبَعْدَهَا تُوفِيَ –صَلاَةُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ- وَدِينُهُ بَاقٍ، وَهَذَا دِينُهُ، لاَ خَيْرَ إِلاَّ دَلَّ الأُمَّةَ عَلَيْهِ، وَلاَ شَرَّ إِلاَّ حَذَّرَهَا مِنْهُ، وَالْخَيْرُ الَّذِي دَلَّهََا عَلَيْهِ: الْتَّوْحِيدُ، وَجَمِيعُ مَا يُحِبُّهُ اللهُ وَيَرْضَاهُ، وَالْشَّرُّ الَّذِي حَذَّرَهَا مِنْهُ: الْشِّرْكُ، وَجَمِيعُ مَا يَكْرَهُ اللهُ وَيَأْبَاهُ( )، بَعَثَهُ اللهُ إَلَى الْنَّاسِ كَافَّةً، وَافْتَرَضَ طَاعَتَهُ عَلَى جَمِيعِ الثَّقَلَيْنِ: الْجِنِّ وَالإِنْسِ؛ وَالْدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً [الأعراف:158]. وَكَمَّلَ اللهُ بِهِ الْدِّينَ؛ وَالْدَّلِيلُ قَوْل تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً [المائدة:3].وَالْدَّلِيلُ عَلَى مَوْتِهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ (30) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ [الزمر:31،30].
وَالْنَّاسُ إِذَا مَاتُوا يُبْعَثُونَ؛ وَالْدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى [طه:55]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى : وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتاً (17) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً [نوح:18،17]. وَبَعْدَ الْبَعْثِ مُحَاسَبُونَ وَمَجْزِيُّونَ بِأَعْمَالِهِمْ؛ والدليل قول تعالى: وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى [النجم:31]. ومن كذَّب بالبعث كفر؛ والدليل قوله تعالى: زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [التغابن:7].
وَأَرْسَلَ اللهُ جَمِيعَ الْرُّسُلِ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ؛ وَالْدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [النساء:165].
وَأَوَّلُهُمْ نُوحٌ عَلَيْهِ الْسَّلاَمُ، وَآخِرُهُمْ مُحَمَّدٌ وَهُوَ خَاتَمُ الْنَّبِيِّينَ؛ وَالْدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ أَوَّلَهُمْ نُوحٌ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ [النساء:163].
وَكُلُّ أُمَّةٍ بَعَثَ اللهُ إِلَيْهِمْ رَسُولاً -مِنْ نُوحٍ إِلَى مُحَمَّدٍ- يَأْمُرُهُمْ بِعِبَادَةِ اللهِ وَحْدَهُ، وَيَنْهَاهُمْ عَنْ عِبَادَةِ الْطَّاغُوتْ؛ وَالْدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ [النحل:36]. وَافْتَرَضَ اللهُ عَلَى جَمِيعِ الْعِبَادِ الْكُفْرَ بِالْطَّاغُوتِ، وَالإِيمَانَ بِاللهِ. قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: (مَعْنَى الْطَّاغُوتِ مَا تَجَاوَزَ بِهِ الْعَبْدُ حَدَّهُ مِنْ مَعْبُودٍ، أَوْ مَتْبُوعٍ، أَوْ مُطَاعٍ). وَالْطَّوَاغِيتُ كَثِيرُونَ، وَرُؤُوسُهُمْ خَمْسَةٌ: إِبْلِيسُ لَعَنَهُ اللهُ، وَمَنْ عُبِدَ وَهُوَ رَاضٍ، وَمَنْ دَعَا الْنَّاسَ إِلَى عِبَادَةِ نَفْسِهِ، وَمَنْ اِدَّعَى شَيْئاً مِنْ عِلْمِ الْغَيْبِ، وَمَنْ حَكَمَ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللهُ؛ وَالْدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْد مِن الْغَي فَمَن يَكْفُرْ بالطَّاغُوت وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انَفِصَام لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:256]. وَهَذَا هُوَ مَعْنَى ((لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ))، وَفِي الْحَدِيثِ: ((رَأْسُ الْأَمْرِ الإِسْلاَمُ، وَعَمُودُهُ الْصَّلاَةُ، وَذِرْوَةُ سِنَامِهِ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ)).
وَاللهُ أَعْلَمُ. وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

تَمَّتِ الأُصُولُ الْثَّلاَثَةُ.

يتوجب عليك تسجيل الدخول او تسجيل لروئية الموضوع
 

أم حذيفة

وَهذَا زَمَانُ الصَّبْرِ مَنْ لَكَ بِالَّتي
طاقم الإدارة
إنضم
26 أغسطس 2010
المشاركات
3,675
النقاط
38
الإقامة
الامارات
احفظ من كتاب الله
القرءان كامل
احب القراءة برواية
بحميع الروايات
القارئ المفضل
الشيخ ابراهيم الأخضر
الجنس
أخت
بارك الله بك شيخنا ورفع قدرك بالدنيا والاخرة
 

ابن عامر الشامي

وَعَنْ غِيبَةٍ فَغِبْ
إنضم
20 ديسمبر 2010
المشاركات
10,237
النقاط
38
الإقامة
المملكة المغربية
احفظ من كتاب الله
بين الدفتين
احب القراءة برواية
رواية حفص عن عاصم
القارئ المفضل
سعود الشريم
الجنس
اخ
وفيكم بارك الله شيختنا الفاضلة
 
أعلى