- إنضم
- 26 أغسطس 2010
- المشاركات
- 3,675
- النقاط
- 38
- الإقامة
- الامارات
- احفظ من كتاب الله
- القرءان كامل
- احب القراءة برواية
- بحميع الروايات
- القارئ المفضل
- الشيخ ابراهيم الأخضر
- الجنس
- أخت
العمل الجماعي فضله وآدابه
الحمد لله رب الأرباب، والصلاة والسلام على من أوتي الحكمة وفصل الخطاب، وبعد:
فإن شريعة الإسلام عظيمة وجميلة وكاملة، وعظمتها من عظمة مُنزلها، وجمالها من جمال مبدعها، وكمالها من كمال مؤسسها جل في علاه وتبارك في سماه.
ولا تكاد تغادر صغيرة ولا كبيرة من أمر الدنيا والآخرة إلا أحصتها تفصيلاً وتوضيحاً، قال - تعالى -: (ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين) [النحل: 89]، وقال - سبحانه -: (وكل شيء فصلناه تفصيلا)[الإسراء: 12].
ومن هذا البيان والتفصيل قضية محورية في السياسة الشرعية، تضبط حركة العمل الإسلامي الهادف لإعلاء كلمة الله في إطار الغاية والوصية الربانية: (أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه)، ألا وهي حتمية تنسيق الجهود وترتيب الصفوف بعد الاستيعاب الشرعي لضرورة العمل الجماعي المنظم، وإدراك آدابه وضوابطه، ولاسيما أننا في فترة حرجة قد رمانا القوم جميعهم فيها عن قوس واحدة، وتآخى الأعداء على حربنا، وكشر أهل الإلحاد والعلمانية عن أنيابهم، وبيتوا لنا المؤامرات بليل فوجبت الانتفاضة وإعلان حالة الطوارئ في التجمعات الإسلامية لمقارعة الباطل وكشف خبثه وسحق ضرره: (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون) [الأنبياء: 18].
وهذا أوان الشرع في المقصود متوكلين على الواحد المعبود، فنقول: إن جميع الحركات الإسلامية - مع اختلاف مناهجها وآليات أعمالها - يجب أن توقن بأنها مدعوة أمام تكتلات أعدائها إلى ضرورة الالتقاء على القواسم المشتركة، ومن أبرزها:
إقامة العدل وتحقيق مصالح البلاد والعباد، وإفساح الطريق لنشر الفضيلة ودحر الرذيلة، والوقوف صفا واحداً تجاه العدو المشترك الذي يجتاح أمتنا ليفسد الدين والدنيا، ولا شيء - بعد الإيمان - أوجب من دفعه وعلى رأس هؤلاء يأتي العدو الصهيوني.
العمل الجماعي قوة وبركة
يقول - عز وجل -: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا)[آل عمران: 103]، ويقول - جل وعلا -: (إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص) [الصف: 4]، ويقول - سبحانه -: (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم) [آل عمران: 105]، ويحذر من التنازع الذي يبدد الغاية ويفشل الهدف، فيقول: (وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين) [الأنفال: 46].
وقد صح في الحديث: ((الجماعة رحمة والفرقة عذاب))[أحمد وحسنه الألباني]، وكذا في الحديث: ((عليكم بالجماعة؛ فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية))[أبو داود وصححه الألباني]، وصلاح الحياة ومصالح الناس لا تتم عادة إلا من خلال اجتماعهم وتعاونهم؛ لذا يقول - تعالى -: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب) [المائدة: 2].
هذا، وإن الأهداف العليا لأمة الإسلام ابتداء من طلب العلم الشرعي النافع ومرورا بالدعوة إلى الله، وإدخال الناس في دين الله أفواجا، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وانتهاء بذروة السنام، وهو الجهاد في سبيل الله، لتكون كلمة الله هي العليا، وحتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله، نقول: إن تلك الأهداف السامية لا تتم في الطابع الشرعي الصحيح إلا من خلال العمل الجماعي، والتنسيق بين الكيانات المجتهدة لإعلاء كلمة الله.
وإن كان عامة المؤمنين مطالبين بالود والتآلف، كما وصفهم الحديث: ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)) [أخرجه مسلم]، فإن العاملين لدين الله أحق وأولى بهذا المظهر الاجتماعي الرائع؛ لأنهم هم الأسوة الذين يقتدى بهم؛ فلا ينبغي أن يكونوا فتنة لأتباعهم.
تلك الومضة الخاطفة عن فضيلة وضرورة العمل الجماعي، لابد أن يتبعها ومضة أخرى عن الضوابط والآداب المرعية للدعوات الإسلامية، ومن ثم نقول وبالله - تعالى - التوفيق:
كل عبادة في شريعة الإسلام تشملها سنن وآداب ترتفع بها إلى مقام الإحسان، عملا بالتوجيه الرباني: (واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم)[الزمر: 55]، ومن ذلك فريضة العمل الجماعي التي أمر بها المولى - عز وجل - في قوله: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا)[آل عمران: 103]؛ فإن لها سننا وآدابا تحكم العلاقات الداخلية بين أفراد الجماعة، وبينهم وبين المسؤولين عن هذا التجمع من أهل العلم والقيادة من جهة.
ومن جهة أخرى ثمة آداب ينبغي أن تراعى في العلاقات الخارجية مع الطوائف الأخرى وعامة الأمة، وعلى هذين المحورين نسلط الضوء في هذه العجالة، لكي يرشد العمل الجماعي، ويسدد على بصيرة وهدى من الله العليم الحكيم.
العلاقات الداخلية
1 - الأمير أو المدير:
إن العمل الجماعي فيه قوة وبركة، حيث تتضافر الجهود للتعاون على أعمال البر والخير، وتحقيق بعض المصالح العليا للأمة كالدعوة والتبليغ، ورد الشبهات، وإعداد العدة لتحكيم شريعة الرحمن، وهذا لا يتأتى إلا بمرجعية مسؤولة عن هذه المسيرة تصدر القرارات المناسبة، وتفصل في الأمور المتشابهة، لكي تمضي القافلة دون تنازع ولا تشتت.
لذا فإن من شرع لنا الدين يوجب على مجرد الثلاثة إذا انطلقوا في طريق سفر أن يوكلوا لأحدهم قيادة مسيرتهم وضبط حركتهم، وهذا ما يطلق عليه شرعا منصب ((الأمير))، وقد صح في الحديث: عن نافع عن أبي سلمة عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله، قال: ((إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم))[أبو داود وصححه الألباني].
2 - الطاعة والالتزام:
إن المسؤول أو الأمير لا يكون قائدا يحقق الهدف الشرعي من مهمته إلا إذا استمع الناس لرأيه وأطاعوه في توجيهه، وذلك بعد أن يعمل الرأي ويشاور من حوله إذا اقتضى الأمر؛ فإذا عزم على وجهة أو قرار يجب أن يمضي في اختياره، ويجب على أتباعه طاعته، قال - تعالى -: (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين) [آل عمران: 159].
وهناك لطيفة في هذا النص القرآني؛ فإنه بعد أن ألزمه بمشاورة أصحابه لم يقل: فإذا عزمتم، وإنما أرجع القرار في النهاية للقيادة وحدها (فإذا عزمت) فالأمير هو الذي يختار من بين الآراء ما يراه صائباً، وهو الذي يقرر ويعزم وعلى البقية طاعته.
3 - الاستئذان:
يجب الاستئذان عند الانصراف لمكان ما، أو مباشرة عمل ما يخص شؤون الجماعة، حتى يحيط الأمير علماً بكل ذلك، فيوافق على ما يراه جائزا ويعين أتباعه على إنجاز مهامهم، ومن ثم جاء الأدب القرآني: (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه إن الذين يستئذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم الله إن الله غفور رحيم) [آل عمران: 62].
4 - حرب الشائعات:
عدم التسرع في تقل الأخبار لحين التثبت، وإذا تثبت فيتأنى في نقل الخبر، ولاسيما ما يخص الجانب الأمني؛ لأن في ذلك تأثيرا على قوة الجماعة وثباتها، فلابد من الرجوع لأولي الأمر في مثل هذه الملمات وعدم الإرجاف بها بين أوساط العامة، ومن ثم جاء هذا الأدب القرآني: (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا) [النساء: 83].
5 - عدم التعصب:
لا ينبغي أن يتعصب المرء لذات الجماعة وأفرادها، وذات الراية المرفوعة ودلالاتها، ويمجد شخوصها ومقالاتها، وينتقص من شأن الآخرين، ولا يرى الحق إلا في ظلال جماعته، ولا يعقد الولاء والبراء إلا على ضوء الانتماء لها؛ فهذا من أكبر الآفات والسلبيات التي تصيب العمل الجماعي في مقتل، بل لعل المرء إذا انطلق بهذه الروح العصبية وغض الطرف عن الآخرين أو ناصبهم العداء، فقد يصيبه مثل هذا الجزاء، فعن جندب بن عبدالله البجلي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: ((من قتل تحت راية عمّية يدعو عصبية أو ينصر عصبية فقِتْلة جاهلية)) [أخرجه مسلم].
العلاقات الخارجية
1 - فقه أسباب الخلاف وآدابه:
من الضروري لطلاب العلم والدعاة وأصحاب العمل الإسلامي إدراك فطرية الخلاف ووضع اليد على أسبابه ومراعاة آدابه، فاختلاف الرأي وتعدد وجهات النظر والاستنباط طبيعة في العقل البشري، قال - تعالى -: (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين * إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم) [هود: 118 - 119].
ومسائل الخلاف أكبر بمراحل من مسائل الإجماع، بل لا مقارنة بينهما ولا بأس في ذلك شريطة إدراك الأسباب ومراعاة الآداب، وإن ضيق المقام لا يسمح بتحقيق هذه المسألة الأصولية المهمة، فنحيل إلى ما كتبه الفضلاء في ذلك، ولعلنا نفرده بتفصيل في مقال قادم بعون الله، إلا أن ذلك من الضروري أن يقودنا إلى:
2 - عدم التجهيل والتضليل:
لا ينبغي أن يتسرع البعض في وصم الآخرين بالجهل والضلالة إذا خالفوا ما يراه حقا وصوابا، وإنما يجب تقديم حسن الظن والاعتبار بمساحة الخلاف .
- فإذا أدركنا هذا الأدب في العلاقات كان ذلك تمهيداً إلى:
3 - التآلف والتوفيق:
وهذا ما ينبغي أن تكون عليه كافة فصائل العمل الإسلامي؛ لأنهم ((أمة واحدة)) فيجب إشاعة روح التآلف والمودة مع الاختلاف في الرأي، وتعدد أساليب العمل، حينئذ ((ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضوا تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى)) [البخاري 5552]، فإذا تحقق ذلك نكون قد بلغنا المراد في فريضة الوقت وعبادة الساعة، ألا وهي:
4 - الترتيب والتنسيق:
ألا فليعلم أن القوم قد رمونا عن قوس واحدة، ومع اختلاف مشاربهم وأهوائهم، بل وعداوتهم فيما بينهم، إلا أنهم اجتمعوا وتحالفوا على حرب كل من يسعى لإعلاء كلمة الله ونصرة الدين، وقد سخروا لذلك جنودهم وإعلامهم، وصدق فيهم تأكيد القرآن: (إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله)، بيد أنه يواسينا ويبشرنا وعده - عز وجل -، الذي لا يخلف: (فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون) [الأنفال: 36].
وهنا دقت ساعة العمل ويقع السؤال: ماذا نحن فاعلون أمام هذه الهجمة الشرسة؟ فهؤلاء القوم هم الذين يتبعون الشهوات، ويريدون للمسلمين أن يميلوا ميلا عظيما، وهؤلاء (الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة)، وهؤلاء قد نهينا عن اتباعهم: (ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون).
فهل نشمت بنا الأعداء ونترك لهم الساحة ونمكنهم من الانقضاض على مقاليد الأمور فيعيثوا في الأرض فساداً، ويسقطوا العاملين للإسلام وهم لن يفرقوا بين أحد منهم تبليغياً كان أو سلفياً، جهادياً كان أو إخوانياً، فهم أعداء للكل.
فحي هلا بكم نسرع الخطا وننسق أوراقنا ونرتب بيتنا ونجتمع على القواسم المشتركة بيننا، حفاظاً على الدين والدعوة: (حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله) [الأنفال: 39].
الحمد لله رب الأرباب، والصلاة والسلام على من أوتي الحكمة وفصل الخطاب، وبعد:
فإن شريعة الإسلام عظيمة وجميلة وكاملة، وعظمتها من عظمة مُنزلها، وجمالها من جمال مبدعها، وكمالها من كمال مؤسسها جل في علاه وتبارك في سماه.
ولا تكاد تغادر صغيرة ولا كبيرة من أمر الدنيا والآخرة إلا أحصتها تفصيلاً وتوضيحاً، قال - تعالى -: (ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين) [النحل: 89]، وقال - سبحانه -: (وكل شيء فصلناه تفصيلا)[الإسراء: 12].
ومن هذا البيان والتفصيل قضية محورية في السياسة الشرعية، تضبط حركة العمل الإسلامي الهادف لإعلاء كلمة الله في إطار الغاية والوصية الربانية: (أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه)، ألا وهي حتمية تنسيق الجهود وترتيب الصفوف بعد الاستيعاب الشرعي لضرورة العمل الجماعي المنظم، وإدراك آدابه وضوابطه، ولاسيما أننا في فترة حرجة قد رمانا القوم جميعهم فيها عن قوس واحدة، وتآخى الأعداء على حربنا، وكشر أهل الإلحاد والعلمانية عن أنيابهم، وبيتوا لنا المؤامرات بليل فوجبت الانتفاضة وإعلان حالة الطوارئ في التجمعات الإسلامية لمقارعة الباطل وكشف خبثه وسحق ضرره: (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون) [الأنبياء: 18].
وهذا أوان الشرع في المقصود متوكلين على الواحد المعبود، فنقول: إن جميع الحركات الإسلامية - مع اختلاف مناهجها وآليات أعمالها - يجب أن توقن بأنها مدعوة أمام تكتلات أعدائها إلى ضرورة الالتقاء على القواسم المشتركة، ومن أبرزها:
إقامة العدل وتحقيق مصالح البلاد والعباد، وإفساح الطريق لنشر الفضيلة ودحر الرذيلة، والوقوف صفا واحداً تجاه العدو المشترك الذي يجتاح أمتنا ليفسد الدين والدنيا، ولا شيء - بعد الإيمان - أوجب من دفعه وعلى رأس هؤلاء يأتي العدو الصهيوني.
العمل الجماعي قوة وبركة
يقول - عز وجل -: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا)[آل عمران: 103]، ويقول - جل وعلا -: (إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص) [الصف: 4]، ويقول - سبحانه -: (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم) [آل عمران: 105]، ويحذر من التنازع الذي يبدد الغاية ويفشل الهدف، فيقول: (وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين) [الأنفال: 46].
وقد صح في الحديث: ((الجماعة رحمة والفرقة عذاب))[أحمد وحسنه الألباني]، وكذا في الحديث: ((عليكم بالجماعة؛ فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية))[أبو داود وصححه الألباني]، وصلاح الحياة ومصالح الناس لا تتم عادة إلا من خلال اجتماعهم وتعاونهم؛ لذا يقول - تعالى -: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب) [المائدة: 2].
هذا، وإن الأهداف العليا لأمة الإسلام ابتداء من طلب العلم الشرعي النافع ومرورا بالدعوة إلى الله، وإدخال الناس في دين الله أفواجا، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وانتهاء بذروة السنام، وهو الجهاد في سبيل الله، لتكون كلمة الله هي العليا، وحتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله، نقول: إن تلك الأهداف السامية لا تتم في الطابع الشرعي الصحيح إلا من خلال العمل الجماعي، والتنسيق بين الكيانات المجتهدة لإعلاء كلمة الله.
وإن كان عامة المؤمنين مطالبين بالود والتآلف، كما وصفهم الحديث: ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)) [أخرجه مسلم]، فإن العاملين لدين الله أحق وأولى بهذا المظهر الاجتماعي الرائع؛ لأنهم هم الأسوة الذين يقتدى بهم؛ فلا ينبغي أن يكونوا فتنة لأتباعهم.
تلك الومضة الخاطفة عن فضيلة وضرورة العمل الجماعي، لابد أن يتبعها ومضة أخرى عن الضوابط والآداب المرعية للدعوات الإسلامية، ومن ثم نقول وبالله - تعالى - التوفيق:
كل عبادة في شريعة الإسلام تشملها سنن وآداب ترتفع بها إلى مقام الإحسان، عملا بالتوجيه الرباني: (واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم)[الزمر: 55]، ومن ذلك فريضة العمل الجماعي التي أمر بها المولى - عز وجل - في قوله: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا)[آل عمران: 103]؛ فإن لها سننا وآدابا تحكم العلاقات الداخلية بين أفراد الجماعة، وبينهم وبين المسؤولين عن هذا التجمع من أهل العلم والقيادة من جهة.
ومن جهة أخرى ثمة آداب ينبغي أن تراعى في العلاقات الخارجية مع الطوائف الأخرى وعامة الأمة، وعلى هذين المحورين نسلط الضوء في هذه العجالة، لكي يرشد العمل الجماعي، ويسدد على بصيرة وهدى من الله العليم الحكيم.
العلاقات الداخلية
1 - الأمير أو المدير:
إن العمل الجماعي فيه قوة وبركة، حيث تتضافر الجهود للتعاون على أعمال البر والخير، وتحقيق بعض المصالح العليا للأمة كالدعوة والتبليغ، ورد الشبهات، وإعداد العدة لتحكيم شريعة الرحمن، وهذا لا يتأتى إلا بمرجعية مسؤولة عن هذه المسيرة تصدر القرارات المناسبة، وتفصل في الأمور المتشابهة، لكي تمضي القافلة دون تنازع ولا تشتت.
لذا فإن من شرع لنا الدين يوجب على مجرد الثلاثة إذا انطلقوا في طريق سفر أن يوكلوا لأحدهم قيادة مسيرتهم وضبط حركتهم، وهذا ما يطلق عليه شرعا منصب ((الأمير))، وقد صح في الحديث: عن نافع عن أبي سلمة عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله، قال: ((إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم))[أبو داود وصححه الألباني].
2 - الطاعة والالتزام:
إن المسؤول أو الأمير لا يكون قائدا يحقق الهدف الشرعي من مهمته إلا إذا استمع الناس لرأيه وأطاعوه في توجيهه، وذلك بعد أن يعمل الرأي ويشاور من حوله إذا اقتضى الأمر؛ فإذا عزم على وجهة أو قرار يجب أن يمضي في اختياره، ويجب على أتباعه طاعته، قال - تعالى -: (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين) [آل عمران: 159].
وهناك لطيفة في هذا النص القرآني؛ فإنه بعد أن ألزمه بمشاورة أصحابه لم يقل: فإذا عزمتم، وإنما أرجع القرار في النهاية للقيادة وحدها (فإذا عزمت) فالأمير هو الذي يختار من بين الآراء ما يراه صائباً، وهو الذي يقرر ويعزم وعلى البقية طاعته.
3 - الاستئذان:
يجب الاستئذان عند الانصراف لمكان ما، أو مباشرة عمل ما يخص شؤون الجماعة، حتى يحيط الأمير علماً بكل ذلك، فيوافق على ما يراه جائزا ويعين أتباعه على إنجاز مهامهم، ومن ثم جاء الأدب القرآني: (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه إن الذين يستئذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم الله إن الله غفور رحيم) [آل عمران: 62].
4 - حرب الشائعات:
عدم التسرع في تقل الأخبار لحين التثبت، وإذا تثبت فيتأنى في نقل الخبر، ولاسيما ما يخص الجانب الأمني؛ لأن في ذلك تأثيرا على قوة الجماعة وثباتها، فلابد من الرجوع لأولي الأمر في مثل هذه الملمات وعدم الإرجاف بها بين أوساط العامة، ومن ثم جاء هذا الأدب القرآني: (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا) [النساء: 83].
5 - عدم التعصب:
لا ينبغي أن يتعصب المرء لذات الجماعة وأفرادها، وذات الراية المرفوعة ودلالاتها، ويمجد شخوصها ومقالاتها، وينتقص من شأن الآخرين، ولا يرى الحق إلا في ظلال جماعته، ولا يعقد الولاء والبراء إلا على ضوء الانتماء لها؛ فهذا من أكبر الآفات والسلبيات التي تصيب العمل الجماعي في مقتل، بل لعل المرء إذا انطلق بهذه الروح العصبية وغض الطرف عن الآخرين أو ناصبهم العداء، فقد يصيبه مثل هذا الجزاء، فعن جندب بن عبدالله البجلي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: ((من قتل تحت راية عمّية يدعو عصبية أو ينصر عصبية فقِتْلة جاهلية)) [أخرجه مسلم].
العلاقات الخارجية
1 - فقه أسباب الخلاف وآدابه:
من الضروري لطلاب العلم والدعاة وأصحاب العمل الإسلامي إدراك فطرية الخلاف ووضع اليد على أسبابه ومراعاة آدابه، فاختلاف الرأي وتعدد وجهات النظر والاستنباط طبيعة في العقل البشري، قال - تعالى -: (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين * إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم) [هود: 118 - 119].
ومسائل الخلاف أكبر بمراحل من مسائل الإجماع، بل لا مقارنة بينهما ولا بأس في ذلك شريطة إدراك الأسباب ومراعاة الآداب، وإن ضيق المقام لا يسمح بتحقيق هذه المسألة الأصولية المهمة، فنحيل إلى ما كتبه الفضلاء في ذلك، ولعلنا نفرده بتفصيل في مقال قادم بعون الله، إلا أن ذلك من الضروري أن يقودنا إلى:
2 - عدم التجهيل والتضليل:
لا ينبغي أن يتسرع البعض في وصم الآخرين بالجهل والضلالة إذا خالفوا ما يراه حقا وصوابا، وإنما يجب تقديم حسن الظن والاعتبار بمساحة الخلاف .
- فإذا أدركنا هذا الأدب في العلاقات كان ذلك تمهيداً إلى:
3 - التآلف والتوفيق:
وهذا ما ينبغي أن تكون عليه كافة فصائل العمل الإسلامي؛ لأنهم ((أمة واحدة)) فيجب إشاعة روح التآلف والمودة مع الاختلاف في الرأي، وتعدد أساليب العمل، حينئذ ((ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضوا تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى)) [البخاري 5552]، فإذا تحقق ذلك نكون قد بلغنا المراد في فريضة الوقت وعبادة الساعة، ألا وهي:
4 - الترتيب والتنسيق:
ألا فليعلم أن القوم قد رمونا عن قوس واحدة، ومع اختلاف مشاربهم وأهوائهم، بل وعداوتهم فيما بينهم، إلا أنهم اجتمعوا وتحالفوا على حرب كل من يسعى لإعلاء كلمة الله ونصرة الدين، وقد سخروا لذلك جنودهم وإعلامهم، وصدق فيهم تأكيد القرآن: (إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله)، بيد أنه يواسينا ويبشرنا وعده - عز وجل -، الذي لا يخلف: (فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون) [الأنفال: 36].
وهنا دقت ساعة العمل ويقع السؤال: ماذا نحن فاعلون أمام هذه الهجمة الشرسة؟ فهؤلاء القوم هم الذين يتبعون الشهوات، ويريدون للمسلمين أن يميلوا ميلا عظيما، وهؤلاء (الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة)، وهؤلاء قد نهينا عن اتباعهم: (ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون).
فهل نشمت بنا الأعداء ونترك لهم الساحة ونمكنهم من الانقضاض على مقاليد الأمور فيعيثوا في الأرض فساداً، ويسقطوا العاملين للإسلام وهم لن يفرقوا بين أحد منهم تبليغياً كان أو سلفياً، جهادياً كان أو إخوانياً، فهم أعداء للكل.
فحي هلا بكم نسرع الخطا وننسق أوراقنا ونرتب بيتنا ونجتمع على القواسم المشتركة بيننا، حفاظاً على الدين والدعوة: (حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله) [الأنفال: 39].
يتوجب عليك
تسجيل الدخول
او
تسجيل
لروئية الموضوع