تسابيح ساجدة
لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
- إنضم
- 16 أكتوبر 2010
- المشاركات
- 8,111
- النقاط
- 38
- الإقامة
- المعهد
- احفظ من كتاب الله
- اللهم إجعلنا من العاملين به... آمين
- احب القراءة برواية
- حفص
- القارئ المفضل
- هم كُثر ,,,
- الجنس
- أخت
الإيثــــار ,,,
د. إبراهيم بن فهد بن إبراهيم الودعان
كان - صلى الله عليه وسلم - شديد الإيثار، حتى أشفق عليه أصحابه من شدة ما يؤثرهم على نفسه، يقول جابر - رضى الله عنه -: "ما سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن شيء قط فقال: لا"[1].
وجاءت امرأة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ببردة، فقالت: يا رسول الله أكسوك هذه، فأخذها النبي - صلى الله عليه وسلم - محتاجًا إليها فلبسها فلما رآها عليه رجل من الصحابة، فقال: يا رسول الله ما أحسن هذه فاكسنيها!؟ فقال: نعم. فلما قام النبي - صلى الله عليه وسلم - لامه أصحابه، قالوا: ما أحسنت حين رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذها محتاجًا إليها، ثم سألته إياها، وقد عرفت أنه لا يُسأل شيئًا فيمنعه، فقال: رجوت بركتها حين لبسها النبي - صلى الله عليه وسلم - لعليّ أكفّن فيها[2].
فالإيثار خُلْق إسلامي نبيل، وهو اختياري ليس بلازم وهو أعلى ضروب الكرم والسخاء، وأسمى مراتب البذل والعطاء، رغبة في الأجر والثواب من رب السماء.
يقول تبارك وتعالى: ﴿ وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ﴾[3].
ولو كان بهم جوع أو حاجة إلى ذلك الشيء فإنهم لكرم نفوسهم، وقوة إيمانهم، يتنازلون به لإخوانهم، لأنهم يرون أنهم أحوج به منهم.
يقول عمر - رضى الله عنه -: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نتصدق فوافق ذلك مالاً عندي، فقلت اليوم أسبق أبابكر، قال: فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما أبقيت لأهلك؟ فقلت: مثله، وأتى أبو بكر بكل ما عنده، فقال: يا أبا بكر ما أبقيت لأهلك؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله. قال عمر: "لا أسبقه إلى شيء بعدها أبدًأ"[4].
ضحى بماله كلّه في سبيل الله، آثر ما عند الله وما عند رسوله - صلى الله عليه وسلم - هذه مكرمة ومأثرة تدوّن بماء الذهب وتنقش في سجّل أبي بكر - رضى الله عنه.
وسعد بن الربيع الأنصاري آخى النبي - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين عبدالرحمن بن عوف، عزم على أن يعطي عبدالرحمن شطر ماله، ويطلّق إحدى زوجتيه ليتزوج بها، فامتنع عبدالرحمن من ذلك ودعا له[5].
حقيقة أيها الإخوة إن المسلم ليقف هيبة، وإجلالاً لهذه النفوس الكبيرة التي تربت على التضحية، والبذل والعطاء والإيثار، إنه تربية محمد - صلى الله عليه وسلم -، وأنعم بها من تربية.
ومن لطائف قصص الإيثار عن أبي هريرة - رضى الله عنه - قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني مجهود [6] فأرسل - صلى الله عليه وسلم - إلى بعض نسائه فقالت: والذي بعثك بالحق ما عندي إلاّ ماء، وكل زوجاته قلن مثل ذلك، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "من يضيّف هذا الليلة"؟ قال رجل من الأنصار: أنا يا رسول الله، فانطلق به إلى رحله، فقال لامرأته: أكرمي ضيف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفي رواية قال لامرأته: هل عندك شيء؟ قالت: لا إلا قوت صبياني، قال: فعلّليهم بشيء، وإذا أرادوا العشاء فنوّميهم، وإذا دخل ضيفنا فأطفئ السراج، وأريه أنا نأكل، فقعدوا وأكل الضيف، وباتا طاويين [7] فلما أصبح غدا على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "لقد عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة"[8].
فرغم الفقر، وشظف العيش وشدته إلاّ أن هناك نفوسًا أبت إلاّ البذل والعطاء، ونبذ الأنانية، وإيثار ما عند الله عز وجل، والدار الآخرة.
وانظر إلى عائشة رضي الله عنها لما بعث معاوية - رضى الله عنه - بمائة ألف درهم إليها وكانت صائمة، فوزعت المال من ساعتها على الفقراء، ولم تبق منه شيئًا، فقالت جاريتها: لو أبقيت لنا شيئًا نشتري به لحمًا تفطرين عليه، فقالت رضي الله عنها: يا بنيّة لو ذكرتيني لفعلت[9].
-----
[1] البخاري 6034. مسلم 2311.
[2] البخاري 6036.
[3] سورة الحشر، آية (9).
[4] أبو داود 1678. الترمذي 3675.
[5] البخاري 2048.
[6] أي: فقير.
[7] أي بدون عشاء.
[8] مسلم 2054.
[9] البداية والنهاية 8/110.
يتوجب عليك
تسجيل الدخول
او
تسجيل
لروئية الموضوع