فجر الدعوة
احسن الله خاتمتها
- إنضم
- 4 أكتوبر 2010
- المشاركات
- 1,324
- النقاط
- 36
- الإقامة
- المغرب
- احفظ من كتاب الله
- 10اجزاء
- احب القراءة برواية
- حفص
- القارئ المفضل
- الحذيفي
- الجنس
- أخ
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على رسولنا الأمين ، وعلى آله وصحبه أجمعين ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد :
فالمسلم مأمور بعبادة ربه تعالى كما أمر ومأمور باتباع النبي صلى الله عليه وسلم وهذا كله لا يتأتى إلا بمعرفة ما أمر الله به وما سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وطريق معرفة ذلك هو الرسول الكريم عليه من الله الصلاة والتسليم وبما أن رسولنا صلى الله عليه وسلم عاش مدة محصورة وعمر أمته غير محصور فكان لا بد لنا من اتصال بالنبي صلى الله عليه وسلم وهذا الاتصال يكون بالوسائط التي نقلت لنا أقواله وأفعاله وتقريراته وصفاته صلى الله عليه وسلم لذا بيّن النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة الكرام رضي الله عنهم هذا الأمر فقال :
"تسمعون ويسمع منكم ويسمع ممن سمع منكم " ([1]).
وهذا الحديث دل على مسألة التسلسل في العلم وأنه ينقل جيلا بعد جيل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
ومن ثم رغّب النبي صلى الله عليه وسلم بنقل سنته إلى من بعده ودعا له بالنضارة فقال صلى لله عليه وسلم :
" نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها فأداها إلى من يسمعها فرب حامل فقه غير فقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه"([2])
ومن هنا بدأ الصحابة رضي الله عنهم بتنفيذ الأمر النبوي الكريم فكانوا خير مثال يحتذى في النقل والأمانة فكان الواحد منهم يتحرى النقل عن النبي صلى الله عليه وسلم بالدقة المتناهية حتى إن بعضهم كان لا يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم خشية أن يقول شيئا لم يقله النبي صلى الله عليه وسلم فيدخل في وعيد النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال : " من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار " ([3]) كما حصل مع كثير من الصحابة منهم أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال :"إنه ليمنعني أن أحدثكم حديثا كثيرا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :"من تعمد علي كذبا فليتبوأ مقعده من النار"([4])
لذا رأينا النبي صلى الله عليه وسلم حذر من التحدث بكل ما يسمعه الإنسان فقال : " كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع" ([5]) .
وكان هذا في عهد الصحابة الكرام حيث لم تكن الأحزاب والفرق وفي نهاية عهد الصحابة خرجت بعض البدع وبعض رؤوسها فكان لزاما مع هذا التغيير أن يسأل عن الوسائط التي تنقل لنا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فالصحابة كلهم عدول بتعديل الله لهم في كتابه وبتعديل رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم في غيرما حديث أما من بعدهم فالسؤال عنهم متحتم حتى قال ابن سيرين رحمه الله قولته المشهورة :" إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم"([6]) وقال أيضا :" لم يكونوا يسألون عن الإسناد فلما وقعت الفتنة قالوا سموا لنا رجالكم فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم"([7]) بل أخرج مسلم في مقدمة الصحيح له عن مجاهد قال :" جاء بشير العدوي إلى ابن عباس فجعل يحدث ويقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل ابن عباس لا يأذن لحديثه ولا ينظر إليه فقال يا ابن عباس مالي لا أراك تسمع لحديثي أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تسمع! فقال ابن عباس: إنا كنا مرة إذا سمعنا رجلا يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتدرته أبصارنا وأصغينا إليه بآذاننا فلما ركب الناس الصعب والذلول لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف"([8]).
بل إن النبي صلى الله عليه وسلم حذرنا من وجود الدجالين الذين يكذبون عليه صلى الله عليه وسلم كما في المسند ومقدمة صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون في آخر الزمان دجالون كذابون يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم لا يضلونكم ولا يفتنونكم"([9])
ومن هنا صار الاهتمام بنقلة الحديث اهتمام بالحديث نفسه وأهمية إسناد الحديث من أهمية الحديث فبرز علم رواية الحديث عند علمائنا الكرام لضرورة المحافظة على نقاء السلسلة الموصولة لمتن الحديث وبرز علم الجرح والتعديل للنظر في أحوال الرواة من حيث القبول والرد.
وهكذا فكلما تباعد الزمن بيننا وبين النبي صلى الله عليه وسلم كلما ازداد احتياجنا لهذا العلم وقد قال علماؤنا الكرام مقولات تدل على أهمية الإسناد في الدين أنقل منها ما تسعد به قلوب المتبعين لسيد المرسلين وصحابته الميامين فأقول :
منها ما أخرجه مسلم في مقدمة صحيحه عن الإمام الجهبذ العلم المجاهد عبد الله بن المبارك رحمه الله قوله :"الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء " ([10]) وقال أيضا :" مثل الذي يطلب أمر دينه بلا إسناد كمثل الذي يرتقي السطح بلا سلم"([11]) وقال أيضا :" طلب الإسناد المتصل من الدين "([12])
ومنها أيضا ما أخرجه الخطيب في الكفاية عن الزهري حيث جلس إليه رجل فأخذ يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يذكر السند فقال له الزهري رحمه الله :" مالك - قاتلك الله - تحدث بأحاديث ليس لها أزمة " ([13])
ومنها عن سفيان بن عيينة رحمه الله حيث أخرج الخطيب في كفايته بسنده عن صالح بن أحمد الحافظ ثنا عبد الرحمن بن حمدان ثنا هلال بن العلاء قال سمعت أبي يقول :"حمل أصحاب الحديث يوما على ابن عيينة فصعد فوق غرفة له فقال له أخوه تريد أن يتفرقوا عنك حدثهم بلا إسناد فقال انظروا إلى هذا الذي يأمرني أن أصعد فوق البيت بغير درجة" قال صالح يعني الحديث بلا إسناد ليس بشيء وأن الإسناد درج المتون به يوصل إليها " ([14]).
ومنها عن سفيان الثوري رحمه الله :"الإسناد سلاح المؤمن فمن لم يكن معه سلاح فبأي شيء يقاتل " ([15])
ومنها قول ابن الصلاح رحمه الله :"أصل الإسناد أولا خصيصة فاضلة من خصائص هذه الأمة وسنة بالغة من السنن المؤكدة" ([16])
ومنها قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله " وعلم الإسناد والرواية مما خص الله به أمة محمد وجعله سلما إلى الدراية فأهل الكتاب لا إسناد له يأثرون به المنقولات وهكذا المبتدعون من هذه الأمة أهل الضلالات وإنما الإسناد لمن أعظم الله عليه المنة أهل الإسلام والسنة يفرقون به بين الصحيح والسقيم والمعوج والقويم وغيرهم من أهل البدع والكفار إنما عندهم منقولات يأثرونها بغير إسناد وعليها من دينهم الاعتماد وهم لا يعرفون فيها الحق من الباطل ولا الحالي من العاطل"([17]) وقال أيضا :"الإسناد من خصائص هذه الأمة وهو من خصائص الإسلام ثم هو في الإسلام من خصائص أهل السنة"([18])
ومنها قول الإمام ابن كثير رحمه الله :" ولما كان الإسناد من خصائص هذه الأمة، وذلك أنه ليس أمة من الأمم يمكنها أن تسند عن نبيها إسناداً متصلاً غير هذه الأمة. فلهذا كان طلب الإسناد العالي مرغباً فيه، كما قال الإمام أحمد بن حنبل: الإسناد سنة عمن سلف"([19])
ومنها قول القاضي أبي بكر بن العربي رحمه الله :" والله أكرم هذه الأمة بالإسناد، لم يعطه أحد غيرها، فاحذروا أن تسلكوا مسلك اليهود والنصارى فتحدثوا بغير إسناد فتكونوا سالبين نعمة الله عن أنفسكم، مطرقين للتهمة إليكم، وخافضين المنزلتكم([20])، ومشتركين مع قوم لعنهم الله وغضب عليهم، وراكبين لسنتهم"([21]).
وغير هذا من النقولات التي تدل على أهمية الإسناد بالنسبة للأمة المحمدية والناظر في كتب أهل العلم يجد كثيرا من النقولات التي تدلل على أهمية الإسناد وأنه من خصائص هذه الأمة .
وليعلم أيضا أن الإسناد في هذه الأمة لا يتعلق بالقرآن الكريم والحديث الشريف بل تعداه إلى أسانيد الكتب فهناك الأسانيد لكتب العلم مثل كتب التفاسير وكتب الفقه وكتب العقيدة وكتب اللغة وما إلى ذلك في سائر العلوم والفنون وهذه الأسانيد كانت أنساب الكتب ([22]) كما قال الحافظ ابن حجر رحمه الله بين يدي شرح صحيح البخاري وبقاء هذه السلسلة باق ما بقيت هذه الأمة ولله الحمد والمنة .
وأخيرا فهذا ما يسر الله كتابته حول هذا الموضوع المهم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وحبيبنا وشفعنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
هوامش:
[FONT="][1][/FONT] [FONT="]سنن أبي داود طبعة المعارف برقم 3659 وصححه الألباني[/FONT]
[FONT="][2][/FONT] [FONT="]حديث متواتر عن منهم زيد بن ثابت وسعد بن أبي وقاص وأنس وبشير والد النعمان وجابر ومعاذ وأبي الدرداء وغيرهم ينظر ( الأزهار المتناثرة في الأحاديث المتواترة 5-6 ط دار التأليف 1406هـ )[/FONT]
[FONT="][3][/FONT] [FONT="]حديث متواتر عن جمع من الصحابة منهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة وسعيد بن زيد ومعاوية وأنس وغيرهم أوصلهم السيوطي إلى اثنين وسبعين صحابيا في كتابه (الأزهار المتناثرة في الأحاديث المتواترة 4-5)[/FONT]
[FONT="][4][/FONT] [FONT="]صحيح البخاري[ كتاب العلم باب إثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم رقم الحديث 108 ط الزهراء 2006] ومقدمة صحيح مسلم [1/7 ط دار الجيل ][/FONT]
[FONT="][5][/FONT] [FONT="]مقدمة صحيح مسلم [ 1/8] وسنن أبي داود ( برقم 4992 وصححه الألباني )[/FONT]
[FONT="][6][/FONT] [FONT="]مقدمة صحيح مسلم [ 1/11][/FONT]
[FONT="][7][/FONT] [FONT="]مقدمة صحيح مسلم [ 1/11][/FONT]
[FONT="][8][/FONT] [FONT="]مقدمة صحيح مسلم [ 1/10][/FONT]
[FONT="][9][/FONT] [FONT="]مسند الإمام أحمد [ 14/252-253 رقم الحديث 8596 ط الرسالة وحسنه الشيخ شعيب الأرناؤوط] ومقدمة صحيح مسلم[1/9][/FONT]
[FONT="][10][/FONT] [FONT="]مقدمة صحيح مسلم [ 1/12][/FONT]
[FONT="][11][/FONT] [FONT="]الكفاية في أصول الرواية (2/452)للخطيب البغدادي ط 1 دار الهدى 1423[/FONT]
[FONT="][12][/FONT] [FONT="]الكفاية في أصول الرواية (2/450)[/FONT]
[FONT="][13][/FONT] [FONT="]الكفاية في أصول الرواية ( 2/447-448)[/FONT]
[FONT="][14][/FONT] [FONT="]الكفاية في أصول الرواية ( 2/452)[/FONT]
[FONT="][15][/FONT] [FONT="]سير أعلام النبلاء ط الرسالة ( 7/273-274)[/FONT]
[16] [FONT="](علوم الحديث 255 ط نور الدين العتر دار الفكر 1406)[/FONT]
[FONT="][17][/FONT] [FONT="]مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية (1/9)[/FONT]
[18] [FONT="]منهاج السنة لشيخ الإسلام ابن تيمية (7/24ط1 دار الآثار 1423 )[/FONT]
[19] [FONT="]الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث لأحمد شاكر ( 2/ 443 ط1 المعارف 1417)[/FONT]
[FONT="][20][/FONT] [FONT="]هكذا في الكتاب ولعل الصواب (لمنزلتكم) أو ( منزلتكم ) والله أعلى وأعلم . [/FONT]
[FONT="][21][/FONT] [FONT="]فهرس الفهارس لعبد الحي الكتاني ( 1/80 ط2 دار الغرب 1402)[/FONT]
[FONT="][22][/FONT] [FONT="]فتح الباري شرح صحيح البخاري (1/5 ط3 دار السلام )[/FONT]
أما بعد :
فالمسلم مأمور بعبادة ربه تعالى كما أمر ومأمور باتباع النبي صلى الله عليه وسلم وهذا كله لا يتأتى إلا بمعرفة ما أمر الله به وما سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وطريق معرفة ذلك هو الرسول الكريم عليه من الله الصلاة والتسليم وبما أن رسولنا صلى الله عليه وسلم عاش مدة محصورة وعمر أمته غير محصور فكان لا بد لنا من اتصال بالنبي صلى الله عليه وسلم وهذا الاتصال يكون بالوسائط التي نقلت لنا أقواله وأفعاله وتقريراته وصفاته صلى الله عليه وسلم لذا بيّن النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة الكرام رضي الله عنهم هذا الأمر فقال :
"تسمعون ويسمع منكم ويسمع ممن سمع منكم " ([1]).
وهذا الحديث دل على مسألة التسلسل في العلم وأنه ينقل جيلا بعد جيل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
ومن ثم رغّب النبي صلى الله عليه وسلم بنقل سنته إلى من بعده ودعا له بالنضارة فقال صلى لله عليه وسلم :
" نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها فأداها إلى من يسمعها فرب حامل فقه غير فقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه"([2])
ومن هنا بدأ الصحابة رضي الله عنهم بتنفيذ الأمر النبوي الكريم فكانوا خير مثال يحتذى في النقل والأمانة فكان الواحد منهم يتحرى النقل عن النبي صلى الله عليه وسلم بالدقة المتناهية حتى إن بعضهم كان لا يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم خشية أن يقول شيئا لم يقله النبي صلى الله عليه وسلم فيدخل في وعيد النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال : " من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار " ([3]) كما حصل مع كثير من الصحابة منهم أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال :"إنه ليمنعني أن أحدثكم حديثا كثيرا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :"من تعمد علي كذبا فليتبوأ مقعده من النار"([4])
لذا رأينا النبي صلى الله عليه وسلم حذر من التحدث بكل ما يسمعه الإنسان فقال : " كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع" ([5]) .
وكان هذا في عهد الصحابة الكرام حيث لم تكن الأحزاب والفرق وفي نهاية عهد الصحابة خرجت بعض البدع وبعض رؤوسها فكان لزاما مع هذا التغيير أن يسأل عن الوسائط التي تنقل لنا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فالصحابة كلهم عدول بتعديل الله لهم في كتابه وبتعديل رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم في غيرما حديث أما من بعدهم فالسؤال عنهم متحتم حتى قال ابن سيرين رحمه الله قولته المشهورة :" إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم"([6]) وقال أيضا :" لم يكونوا يسألون عن الإسناد فلما وقعت الفتنة قالوا سموا لنا رجالكم فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم"([7]) بل أخرج مسلم في مقدمة الصحيح له عن مجاهد قال :" جاء بشير العدوي إلى ابن عباس فجعل يحدث ويقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل ابن عباس لا يأذن لحديثه ولا ينظر إليه فقال يا ابن عباس مالي لا أراك تسمع لحديثي أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تسمع! فقال ابن عباس: إنا كنا مرة إذا سمعنا رجلا يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتدرته أبصارنا وأصغينا إليه بآذاننا فلما ركب الناس الصعب والذلول لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف"([8]).
بل إن النبي صلى الله عليه وسلم حذرنا من وجود الدجالين الذين يكذبون عليه صلى الله عليه وسلم كما في المسند ومقدمة صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون في آخر الزمان دجالون كذابون يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم لا يضلونكم ولا يفتنونكم"([9])
ومن هنا صار الاهتمام بنقلة الحديث اهتمام بالحديث نفسه وأهمية إسناد الحديث من أهمية الحديث فبرز علم رواية الحديث عند علمائنا الكرام لضرورة المحافظة على نقاء السلسلة الموصولة لمتن الحديث وبرز علم الجرح والتعديل للنظر في أحوال الرواة من حيث القبول والرد.
وهكذا فكلما تباعد الزمن بيننا وبين النبي صلى الله عليه وسلم كلما ازداد احتياجنا لهذا العلم وقد قال علماؤنا الكرام مقولات تدل على أهمية الإسناد في الدين أنقل منها ما تسعد به قلوب المتبعين لسيد المرسلين وصحابته الميامين فأقول :
منها ما أخرجه مسلم في مقدمة صحيحه عن الإمام الجهبذ العلم المجاهد عبد الله بن المبارك رحمه الله قوله :"الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء " ([10]) وقال أيضا :" مثل الذي يطلب أمر دينه بلا إسناد كمثل الذي يرتقي السطح بلا سلم"([11]) وقال أيضا :" طلب الإسناد المتصل من الدين "([12])
ومنها أيضا ما أخرجه الخطيب في الكفاية عن الزهري حيث جلس إليه رجل فأخذ يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يذكر السند فقال له الزهري رحمه الله :" مالك - قاتلك الله - تحدث بأحاديث ليس لها أزمة " ([13])
ومنها عن سفيان بن عيينة رحمه الله حيث أخرج الخطيب في كفايته بسنده عن صالح بن أحمد الحافظ ثنا عبد الرحمن بن حمدان ثنا هلال بن العلاء قال سمعت أبي يقول :"حمل أصحاب الحديث يوما على ابن عيينة فصعد فوق غرفة له فقال له أخوه تريد أن يتفرقوا عنك حدثهم بلا إسناد فقال انظروا إلى هذا الذي يأمرني أن أصعد فوق البيت بغير درجة" قال صالح يعني الحديث بلا إسناد ليس بشيء وأن الإسناد درج المتون به يوصل إليها " ([14]).
ومنها عن سفيان الثوري رحمه الله :"الإسناد سلاح المؤمن فمن لم يكن معه سلاح فبأي شيء يقاتل " ([15])
ومنها قول ابن الصلاح رحمه الله :"أصل الإسناد أولا خصيصة فاضلة من خصائص هذه الأمة وسنة بالغة من السنن المؤكدة" ([16])
ومنها قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله " وعلم الإسناد والرواية مما خص الله به أمة محمد وجعله سلما إلى الدراية فأهل الكتاب لا إسناد له يأثرون به المنقولات وهكذا المبتدعون من هذه الأمة أهل الضلالات وإنما الإسناد لمن أعظم الله عليه المنة أهل الإسلام والسنة يفرقون به بين الصحيح والسقيم والمعوج والقويم وغيرهم من أهل البدع والكفار إنما عندهم منقولات يأثرونها بغير إسناد وعليها من دينهم الاعتماد وهم لا يعرفون فيها الحق من الباطل ولا الحالي من العاطل"([17]) وقال أيضا :"الإسناد من خصائص هذه الأمة وهو من خصائص الإسلام ثم هو في الإسلام من خصائص أهل السنة"([18])
ومنها قول الإمام ابن كثير رحمه الله :" ولما كان الإسناد من خصائص هذه الأمة، وذلك أنه ليس أمة من الأمم يمكنها أن تسند عن نبيها إسناداً متصلاً غير هذه الأمة. فلهذا كان طلب الإسناد العالي مرغباً فيه، كما قال الإمام أحمد بن حنبل: الإسناد سنة عمن سلف"([19])
ومنها قول القاضي أبي بكر بن العربي رحمه الله :" والله أكرم هذه الأمة بالإسناد، لم يعطه أحد غيرها، فاحذروا أن تسلكوا مسلك اليهود والنصارى فتحدثوا بغير إسناد فتكونوا سالبين نعمة الله عن أنفسكم، مطرقين للتهمة إليكم، وخافضين المنزلتكم([20])، ومشتركين مع قوم لعنهم الله وغضب عليهم، وراكبين لسنتهم"([21]).
وغير هذا من النقولات التي تدل على أهمية الإسناد بالنسبة للأمة المحمدية والناظر في كتب أهل العلم يجد كثيرا من النقولات التي تدلل على أهمية الإسناد وأنه من خصائص هذه الأمة .
وليعلم أيضا أن الإسناد في هذه الأمة لا يتعلق بالقرآن الكريم والحديث الشريف بل تعداه إلى أسانيد الكتب فهناك الأسانيد لكتب العلم مثل كتب التفاسير وكتب الفقه وكتب العقيدة وكتب اللغة وما إلى ذلك في سائر العلوم والفنون وهذه الأسانيد كانت أنساب الكتب ([22]) كما قال الحافظ ابن حجر رحمه الله بين يدي شرح صحيح البخاري وبقاء هذه السلسلة باق ما بقيت هذه الأمة ولله الحمد والمنة .
وأخيرا فهذا ما يسر الله كتابته حول هذا الموضوع المهم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وحبيبنا وشفعنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
منقول
وكتبه أبو الحجاج يوسف بن أحمد آل علاوي
وكتبه أبو الحجاج يوسف بن أحمد آل علاوي
هوامش:
[FONT="][1][/FONT] [FONT="]سنن أبي داود طبعة المعارف برقم 3659 وصححه الألباني[/FONT]
[FONT="][2][/FONT] [FONT="]حديث متواتر عن منهم زيد بن ثابت وسعد بن أبي وقاص وأنس وبشير والد النعمان وجابر ومعاذ وأبي الدرداء وغيرهم ينظر ( الأزهار المتناثرة في الأحاديث المتواترة 5-6 ط دار التأليف 1406هـ )[/FONT]
[FONT="][3][/FONT] [FONT="]حديث متواتر عن جمع من الصحابة منهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة وسعيد بن زيد ومعاوية وأنس وغيرهم أوصلهم السيوطي إلى اثنين وسبعين صحابيا في كتابه (الأزهار المتناثرة في الأحاديث المتواترة 4-5)[/FONT]
[FONT="][4][/FONT] [FONT="]صحيح البخاري[ كتاب العلم باب إثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم رقم الحديث 108 ط الزهراء 2006] ومقدمة صحيح مسلم [1/7 ط دار الجيل ][/FONT]
[FONT="][5][/FONT] [FONT="]مقدمة صحيح مسلم [ 1/8] وسنن أبي داود ( برقم 4992 وصححه الألباني )[/FONT]
[FONT="][6][/FONT] [FONT="]مقدمة صحيح مسلم [ 1/11][/FONT]
[FONT="][7][/FONT] [FONT="]مقدمة صحيح مسلم [ 1/11][/FONT]
[FONT="][8][/FONT] [FONT="]مقدمة صحيح مسلم [ 1/10][/FONT]
[FONT="][9][/FONT] [FONT="]مسند الإمام أحمد [ 14/252-253 رقم الحديث 8596 ط الرسالة وحسنه الشيخ شعيب الأرناؤوط] ومقدمة صحيح مسلم[1/9][/FONT]
[FONT="][10][/FONT] [FONT="]مقدمة صحيح مسلم [ 1/12][/FONT]
[FONT="][11][/FONT] [FONT="]الكفاية في أصول الرواية (2/452)للخطيب البغدادي ط 1 دار الهدى 1423[/FONT]
[FONT="][12][/FONT] [FONT="]الكفاية في أصول الرواية (2/450)[/FONT]
[FONT="][13][/FONT] [FONT="]الكفاية في أصول الرواية ( 2/447-448)[/FONT]
[FONT="][14][/FONT] [FONT="]الكفاية في أصول الرواية ( 2/452)[/FONT]
[FONT="][15][/FONT] [FONT="]سير أعلام النبلاء ط الرسالة ( 7/273-274)[/FONT]
[16] [FONT="](علوم الحديث 255 ط نور الدين العتر دار الفكر 1406)[/FONT]
[FONT="][17][/FONT] [FONT="]مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية (1/9)[/FONT]
[18] [FONT="]منهاج السنة لشيخ الإسلام ابن تيمية (7/24ط1 دار الآثار 1423 )[/FONT]
[19] [FONT="]الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث لأحمد شاكر ( 2/ 443 ط1 المعارف 1417)[/FONT]
[FONT="][20][/FONT] [FONT="]هكذا في الكتاب ولعل الصواب (لمنزلتكم) أو ( منزلتكم ) والله أعلى وأعلم . [/FONT]
[FONT="][21][/FONT] [FONT="]فهرس الفهارس لعبد الحي الكتاني ( 1/80 ط2 دار الغرب 1402)[/FONT]
[FONT="][22][/FONT] [FONT="]فتح الباري شرح صحيح البخاري (1/5 ط3 دار السلام )[/FONT]
يتوجب عليك
تسجيل الدخول
او
تسجيل
لروئية الموضوع