المعتزة بنقابها
عضو مميز
- إنضم
- 10 يناير 2011
- المشاركات
- 302
- النقاط
- 16
- الموقع الالكتروني
- www.alrasekhoon.com
- احفظ من كتاب الله
- القران كاملا
- القارئ المفضل
- الشيخ ياسين الجزائري
الاستغناء بالله ...
كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
فالحمد لله الغني الحميد، غافر الذنب، وقابل التوب، وشديد العقاب، ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير، فهو الذي أوجب على الخلق سببَ سعادتهم وراحتهم رحمةً منه واسعة، ونعمة من فضله سابغة، ألا وهي عبادته وعدم الشرك به، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله -صلى الله عليه وسلم- الذي أرسله ربه بالهدى ودين الحق رحمة للعالمين، ومنة على المؤمنين (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ)(آل عمران:164)، وقال -تعالى-: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا)(المائدة:3)، ونحن والله رضينا بالله رباً وبالإسلام دينا وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- نبياً ورسولاً، جمعنا الله في رفقته والنبيين والصديقين والشهداء والصالحين آمين.
قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ . إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيد)(فاطر:15-16)، فبداية الإنسان ونهايته أعظم دليل على فقره وعجزه وضعفه، وهو فيما بين ذلك فقير تمام الفقر إلى الله رباً خالقاً رازقاً مدبراً، لا يملك دق قلبه، ولا جريان الدم في عروقه، ولا حتى النفس الذي يتنفسه، والخلق كلهم في حصول هذا الفقر سواء، ولكن أهل الإيمان يشهدونه ويستحضرونه؛ فلا يطغون (كَلا إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى . أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى)(العلق:6-7)، ولا يتصرفون فيما أعطاهم الله من سمع وبصر وقوة ومال تصرف الملاك، بل تصرف العبيد المملوكين، فلا يرون أنفسهم أحراراً مع أوامره -عز وجل-، وهذا الشهود لهذا الفقر الذي هو في الحقيقة شهود الربوبية لله وحده، وهذا هو توحيد الألوهية الذي جاءت به الرسل.
فإذا باشر القلب روح العبودية، وذاق طعم الإيمان، أدرك فقره وحاجته إلى الله إلهاً معبوداً يركع له ويسجد، ويحبه ويخافه، ويتوكل عليه، ويشكر نعمه، ويصبر على بلائه، ويفوض أمره إليه، وهي حاجة أشد من حاجة بدنه إلى الهواء والطعام والشراب، وشقاء الحرمان منه أشد من كل أنواع الآلام لولا سكْر القلوب بالشهوات وغمرتها في الأهواء والضلالات (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ)(الحجر:72)، (فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ)(المؤمنون:54).
وهذا المسألة لا تُدرك أولاً بالقياس، بل لابد أن يذوقها الإنسان ويجدها، فيدرك حقيقة ما فطر عليه قلبه من الميل إلى الله والطمأنينة به (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا)(الروم:30)، والحنيف المائل إلى الله المعرض عن غيره، وقال -تعالى-: (الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآَبٍ)(الرعد:29) بعد قوله -تعالى-: (الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)(الرعد:28)، وطوبى: حُسنى لهم وكرامة لهم، ومنها شجرة في الجنة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها، إيذاناً بأن الحياة الحسنة الجميلة مع ذكره والطمأنينة به -سبحانه وتعالى-، كما قال -عز وجل-: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)(النحل:97)، فإذا أدرك الإنسان ذلك حصل له من الغنى بالله ما يجعله يستغني عن الدنيا وما فيها، فلا يتوكل على أحد من الخلق، ولا يرجو شيئاً منهم، ولا يخاصمهم على شيء منها إلى لله -عز وجل-، كما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- لكمال عبوديته لله، وكمال غناه به لا ينتقم لنفسه قط إلا أن تنتهك حرمة من حرمات الله فلا يقوم لغضبه شيء حتى ينتقم لله -عز وجل-، وكما قال -صلى الله عليه وسلم-: (اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ وَبِكَ خَاصَمْتُ وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ) متفق عليه، فهو يخاصم لله وبالله، لا لنفسه. صَحِبَه أنس -رضي الله عنه- عشر سنين ليخدمه، فلم يقل له لشيء فعله: لمَ فعلته؟ ولا لشيء لم يفعله: لمَ لمْ تفعلْه؟.
فالعبد إذا استغنى بالله رأى الدنيا بكل ما فيها كما هي حقيقتها عند الله لا تساوي جناح بعوضة، وأهون من جدي أسَكَّ "صغير الأذن" ميت، فكيف يخاصم من أجلها؟ وكيف يحزن على فوت شيء منها حتى ولو كان حقاً له، كرجل غني مليونير وقع منه "ربع جنيه" فتقاتل الناس عليه، فلغناه يترفع أن ينافسهم عليه رغم أنه حقه، بل يستحي أن يقول لهم هذا "الربع جنيه" حقي وملكي، بل يتركه لهم لغناه، وكذلك القلب إذا استغنى بلحظة من المحبة والشوق إلى الله كان خيراً له من الدنيا وما فيها، فإنها من أحسن ما يعمل، والله يجزي الذين آمنوا بأحسن الذي كانوا يعملون، فكيف بمن يكون الحب والشوق والتوكل والرجاء وسائر العبودية هي حاله المستمرة فضلاً عن أن يكون مقامه الذي لا يزول عنه؟
نستغفر الله من وصف حال الصالحين وعدم الاتصاف به، ونسأله -سبحانه- أن يرزقنا درجات الصديقين، وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يمن علينا بحلاوة الإيمان وأن يثبتنا على دينه إلى أن نلقاه وهو راض عنا، ولا بد أن نتخلص من العقبات التي تحول بيننا وبين الانتفاع بشهود نوعي الفقر:
فالأول: وهو الافتقار إلى الله رباً، يعوق الإنسان عنه أن يصبح والدنيا أكبر همه، ومبلغ علمه، فإن الإنسان في فترات الشدة يكون ضرورة أكثر افتقاراً إلى الله حتى إن أعتى الناس بعداً عن الله وهو المشرك يوجد عنده عند الشدة، ولكن إذا كانت العودة إلى العوائد، وهي ما تعود عليه الإنسان من مطعم ومشرب ومسكن وأهل وعلاقات اجتماعية، وعمل ومال هي همه وغايته لم ينتفع بنعم الله عليه بالمحنة والشدة التي يدفعه الله بها إلى الفقر والتضرع (فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا)(الأنعام:43).
وأما الفقر الثاني: وهو الافتقار إلى الله إلهاً معبوداً محبوباً يخضع له ويذل، فيمنعه ويعوقه عنه كثرة التفاته إلى الخلق، واختلاطه بهم، فكره فيهم وفي مدحهم وذمهم ورضاهم وسخطهم وكلامه معهم وكلامهم عليه، وهذا يصعب معه جداً الإخلاص وإفراد توجه القلب إلى الله -عز وجل-، فعل الإنسان أن يقلل من ذلك ما استطاع إلا من ضرورة أو حاجة، والله المستعان.
اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا. اللهم أمتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا واجعله الوارث منا واجعل ثأرنا على من ظلمنا وانصرنا على من عادانا ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ولا تجعل الدنيا أكثر همنا ولا مبلغ علمنا ولا تسلط علينا من لا يرحمنا.
يتوجب عليك
تسجيل الدخول
او
تسجيل
لروئية الموضوع