أبو منار عصام
مشرف
- إنضم
- 23 يونيو 2011
- المشاركات
- 2,069
- النقاط
- 38
- الإقامة
- مصر
- احفظ من كتاب الله
- القرآن كاملا
- احب القراءة برواية
- حفص
- القارئ المفضل
- الشيخ محمود خليل الحصري
- الجنس
- أخ
الغاية التي من أجلها خرجنا إلى الدنيا
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده، و نستعينه و نستغفره، و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له و من يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده و رسوله صلى الله عليه و على آله و سلم. أما بعد،
فكثير ممن لم يوفقوا لمعرفة دين الله المرضي فضلا عن الدخول فيه، بل و حتى من دخلوا فيه؛ لا يعرفون سبب وجودهم في هذه الدنيا، و لا الغاية التي من أجلها خرجوا بعد أن لم يكونوا شيئا.
قال الله جل و علا في سورة الإنسان {هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا * إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا * إنا هديناه السبيل إما شاكرا و إما كفورا}.
و قال سبحانه في سورة الذاريات {و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون * ما أريد منهم من رزق و ما أريد أن يطعمون * إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين}.
قال العلامة الفقيه ابن سعدي رحمه الله تعالى:
"هذه الغاية التي خلق الله الجن و الإنس لها، و بعث جميع الرسل يدعون إليها، و هي عبادته المتضمنة لمعرفته و محبته، و الإنابة إليه و الإقبال عليه، و الإعراض عمّا سواه، و ذلك يتضمن معرفة الله تعالى، فإن تمام العبادة متوقف على المعرفة بالله، بل كلما ازداد العبد معرفة لربه كانت عبادته أكمل، فهذا الذي خلق الله المكلَّفين لأجله، فما خلقهم لحاجة منه إليه ". انتهى كلامه
و قال الإمام ابن القيم في نونيته :
و الله لم تخرج إلى الدنيـا للذّت ::: عيشها أو للحطام الفــان
لكن خرجت لِكي تُعد الزاد لل ::: أُخرى فجئت بأقبح الخُسران
أهملت جمع الزاد حتى فات بَلْ ::: فات الذي ألهاك عن ذا الشان
و الله لو أن القلوب سلـيمة ::: لتقطعت أسفا من الحرمــان
لكنها سَكْرَا بحُب حيـاتها ::: الدنيا و سوف تَفيق بعد زمـان
و كان عمر ابن عبد العزيز يقول في خطبته:
" يأيها الناس، إنكم لم تُخلقوا عبثا، و لم تُتركوا سدا، و إن لكم مَعادًا يجمعكم الله فيه للحكم فيكم، و الفصل بينكم، فخاب و شقي عبد أخرجه الله من رحمته التي وسعت كل شيء، و جَنَّتِهِ التي عرضها السماوات و الأرض، و إنما الأمان غدا لمن خاف الله تعالى و اتقى، و باع قليلا بكثير، و فانيا بباق، و شقاوة بسعادة. ألا ترون أنكم في أصلاب الهالكين تتقلبون، و سَيَخْلُفُكم بعدَكم الباقون. ألاَ ترون أنكم في كل يوم تشيعون غاديا إلى الله، قد قضا نحبه و انقطع أملُه، فتضعونه في بطن صدع من الأرض غير موسد و لا ممهد، قد خلع الأسباب و فارق الأحباب و واجه الحساب." – أخرجه أبو نعيم في "حلية الأولياء".
فالغاية التي من أجلها خلق الله الخلق هي عبادَته وحدَه دون ما سواه عبادة محبة و تعظيم، فهو المستحق للألوهية و العبودية على خلقه جل في علاه، و أن من عُبد من دون الله أو مع الله فقد عُبد بالباطل و الظلم. قال جل و علا في سورة البقرة {يأيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم و الذين من قبلكم لعلكم تتقون * الذي جعل لكم الأرض فراشا و السمآء بنآءً و أنزل لكم من السمآء مآء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم. فلا تجعلوا لله أندادا و أنتم تعلمون}. فكان أول أمرٍ أمرَ الله به في كتابه هو إفراده بالعبادة وحده دون ما سواه، وكان أول نهي نها الله عنه في كتابه هو اتخاذ الند و الشريك معه.
قال العلامة ابن سعدي رحمه الله في تفسير هذه الآية:
" و هذه الآية جمعت بين الأمر بعبادة الله وحده، و النهي عن عبادة ما سواه، و بيان الدليل الباهر على وجوب عبادته، و بُطلان عبادة من سواه، و هو ذكر توحيد الربوبية المتضمن لانفراده بالخلق و الرزق و التدبير. فإذا كان كل أحد مقرّا بأنه ليس له شريك في ذلك، فكذلك فليكن إقراره بأن الله لا شريك له في العبادة، و هذا أوضح دليل عقلي على وحدانية الباري، و بطلان الشرك". انتهى كلامه رحمه الله.
و هذا هو معنى كلمة التوحيد " لا إله إلا الله " أي: لا معبود بحق إلا الله، و أن كل من عُبد من دون الله فقد عُبد بالباطل و الظلم. و لذلك اتفقت دعوة المرسلين على هذه الكلمة من لَدُنْ نوح إلى نبينا محمد عليهم الصلاة و السلام. قال الله تعالى {و ما أرسلنا من قبلك من رسول إلاّ نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون}.
و ما جاء في سورة الأعراف يشهد لذلك، و أن كل واحد منهم كان يقول لقومه {يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره}. فدلَّ على أن الأصل الذي يُبدأ به تَعلُّما و دعوة هو إفراد الله جل جلاله بالعبادة وحده دون ما سواه. قال الله جل و علا مخبرا عن نبيه يعقوب عليه السلام {أم كنتم شهدآء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي. قالوا نعبد إلهك و إله آبائك إبراهيم و إسماعيل و إسحاق إلها واحدا و نحن له مسلمون}.
و قد جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال " كل عبادة في القرآن هي التوحيد".
قال ابن القيِّم رحمه الله تعالى في «الفوائد» :
"هذه سنَّة الله في عباده، فما دُفعت شدائد الدنيا بمثل التَّوحيد، ولذلك كان دعاء الكرب بالتَّوحيد ودعوة ذِي النُّون الَّتي ما دعا بها مكروب إِلاَّ فَرَّج الله كربه بالتَّوحيد، فلا يُلقي في الكُرَب العظام إِلاَّ الشِرك ولا ينجي منها إِلاَّ التَّوحيد، فهو مفزع الخليقة وملجؤها وحصنها وغياثها، وبالله التَّوفيق". انتهى كلامه رحمه الله.
و التوحيد مصدر وحَّدَ بمعنى: إذا جعله واحدا. وحَّدَ المسلمون الله إذا جعلوا المعبود واحدا و هو الله جل و علا.
جاء في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه و سلم، لما بعث معاذ ابن جبل رضي الله عنه إلى اليمن قال: "إنك تأتي قوما أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه، إلى أن يوحدوا الله".
و جاء في الصحيحين من حديث ابن عباس، قال صلى الله عليه و سلم:" فليكن أول ما تدعوهم إليه، شهادة أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله".
فَدَلََّ على أن التوحيد هو شهادة أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله. فمن حقق هاتين الشهادتين حقق التوحيد.
و التوحيد هو اعتقاد أن الله:
* واحد في ربوبيته، لا شَريك له
* واحد في إلهيته، لا نِدَّ له
* واحد في أسمائه و صفاته، لا مَثيل له.
و بهذا تَعلم مكانة " لا إله إلا الله" في الدين، و أهميتها في الحياة، و أنها الأساس الذي تبنى عليه الأعمال و لأنها حق الله على العباد. و هي كلمة وجيزة اللفظ، خفيفة على اللسان، ثقيلة في الميزان.
فقد روى ابن حبان و الحاكم و صححه، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: " قال موسى، يا رب علمني شيئا أذكرك و أدعوك به، قال: يا موسى قل لا إله إلا الله. قال: كل عبادك يقولون هذا. قال: يا موسى، لو أن السماوات السبع و عامرهن غيري و الأرضين السبع في كفة، و لا إله إلا الله في كفة مالت بهن لا إله إلا الله".
و مما يدل على أنها ثقيلة في الميزان أيضا ما رواه الترمذي و حسنه، عن عبد الله بن عمرو: قال النبي صلى الله عليه و سلم:" يُصاح برجل من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فيُنشر له تِسعةٌ و تِسعونَ سجلا، كل سجل منها مَدَّ البصر، ثم يقال: أتنكر من هذا شيئا ؟ فيقول: لا يا رب، فيقال: ألك عذر أو حسنة ؟ فيهاب الرجل فيقول: لا. فيقال: بلى، إن لك عندنا حسنات، و إنه لا ظلم عليك، فيُخرج له بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن محمدا عبده و رسوله، فيقول: يا رب، ما هذه البطاقة مع هذه السجلات ؟ فيقول: إنك لا تظلم، فتوضع السجلات في كفة و البطاقة في كفة، فطاشت السجلات و ثقلت البطاقة".
قال ابن عيينة: "ما أنعم الله على عبد من العباد نعمة أعظم من أن عرفهم لا إله إلا الله، و إن لا إله إلا الله لأهل الجنة كالماء البارد لأهل الدنيا" – رواه مسلم في الإيمان.
فطوبى لعبد أكرمه الله و جعله ممن عَرَفَ معناها و عَمل بمقتضاها، و أتى بشروطها و أركانها، و دعى إليها و ذَبَّ عنها، و جاء بها في صحيفته يوم القيامة.
قال الشيخ العلامة صالح الفوزان حفظه الله في كتابه " معنى لا إله إلا الله ":
... و هي كلمة قامت بها الأرض و السماوات، و خُلقت لأجلها جميع المخلوقات، و بها أَرسل الله رسله، و أَنزل كتبه و شرَّع شرائعه، و لأجلها نُصبت الموازين و وُضعت الدواوين، و قام سوق الجنة و النار، و لها انقسمت الخليقة إلى مؤمنين و كفار، فهي منشأ الخلق و الأمر و الثواب و العقاب، و هي الحق الذي خُلقت له الخليقة، و عنها و عن حقوقها السؤال و الحساب، و عليها يقع الثواب و العقاب، و عليها نُصبة القبلة و عليها أُسست الملة، و لأجلها جُردت سيوف الجهاد، و هي حق الله على جميع العباد، فهي كلمة الإسلام و مفتاح دار السلام، و عنها يُسأل الأولون و الآخرون. فلا تزولُ قدما العبد بين يدي الله حتى يُسأل مسألتين:
* ماذا كنتم تعبدون ؟
* و ماذا أجبتم المرسلون ؟
و جواب الأولى بتحقيق " لا إله إلا الله " معرفة و إقرارا و عملا، و جواب الثانية بتحقيق أن " محمدا رسول الله " معرفة و انقيادا و طاعة. انتهى كلامه حفظه الله.
اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا.
هذا و صل اللهم على نبينا محمد و على آله و صحبه و إخوانه و سلم تسليما مزيدا./
إن الحمد لله نحمده، و نستعينه و نستغفره، و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له و من يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده و رسوله صلى الله عليه و على آله و سلم. أما بعد،
فكثير ممن لم يوفقوا لمعرفة دين الله المرضي فضلا عن الدخول فيه، بل و حتى من دخلوا فيه؛ لا يعرفون سبب وجودهم في هذه الدنيا، و لا الغاية التي من أجلها خرجوا بعد أن لم يكونوا شيئا.
قال الله جل و علا في سورة الإنسان {هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا * إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا * إنا هديناه السبيل إما شاكرا و إما كفورا}.
و قال سبحانه في سورة الذاريات {و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون * ما أريد منهم من رزق و ما أريد أن يطعمون * إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين}.
قال العلامة الفقيه ابن سعدي رحمه الله تعالى:
"هذه الغاية التي خلق الله الجن و الإنس لها، و بعث جميع الرسل يدعون إليها، و هي عبادته المتضمنة لمعرفته و محبته، و الإنابة إليه و الإقبال عليه، و الإعراض عمّا سواه، و ذلك يتضمن معرفة الله تعالى، فإن تمام العبادة متوقف على المعرفة بالله، بل كلما ازداد العبد معرفة لربه كانت عبادته أكمل، فهذا الذي خلق الله المكلَّفين لأجله، فما خلقهم لحاجة منه إليه ". انتهى كلامه
و قال الإمام ابن القيم في نونيته :
و الله لم تخرج إلى الدنيـا للذّت ::: عيشها أو للحطام الفــان
لكن خرجت لِكي تُعد الزاد لل ::: أُخرى فجئت بأقبح الخُسران
أهملت جمع الزاد حتى فات بَلْ ::: فات الذي ألهاك عن ذا الشان
و الله لو أن القلوب سلـيمة ::: لتقطعت أسفا من الحرمــان
لكنها سَكْرَا بحُب حيـاتها ::: الدنيا و سوف تَفيق بعد زمـان
و كان عمر ابن عبد العزيز يقول في خطبته:
" يأيها الناس، إنكم لم تُخلقوا عبثا، و لم تُتركوا سدا، و إن لكم مَعادًا يجمعكم الله فيه للحكم فيكم، و الفصل بينكم، فخاب و شقي عبد أخرجه الله من رحمته التي وسعت كل شيء، و جَنَّتِهِ التي عرضها السماوات و الأرض، و إنما الأمان غدا لمن خاف الله تعالى و اتقى، و باع قليلا بكثير، و فانيا بباق، و شقاوة بسعادة. ألا ترون أنكم في أصلاب الهالكين تتقلبون، و سَيَخْلُفُكم بعدَكم الباقون. ألاَ ترون أنكم في كل يوم تشيعون غاديا إلى الله، قد قضا نحبه و انقطع أملُه، فتضعونه في بطن صدع من الأرض غير موسد و لا ممهد، قد خلع الأسباب و فارق الأحباب و واجه الحساب." – أخرجه أبو نعيم في "حلية الأولياء".
فالغاية التي من أجلها خلق الله الخلق هي عبادَته وحدَه دون ما سواه عبادة محبة و تعظيم، فهو المستحق للألوهية و العبودية على خلقه جل في علاه، و أن من عُبد من دون الله أو مع الله فقد عُبد بالباطل و الظلم. قال جل و علا في سورة البقرة {يأيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم و الذين من قبلكم لعلكم تتقون * الذي جعل لكم الأرض فراشا و السمآء بنآءً و أنزل لكم من السمآء مآء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم. فلا تجعلوا لله أندادا و أنتم تعلمون}. فكان أول أمرٍ أمرَ الله به في كتابه هو إفراده بالعبادة وحده دون ما سواه، وكان أول نهي نها الله عنه في كتابه هو اتخاذ الند و الشريك معه.
قال العلامة ابن سعدي رحمه الله في تفسير هذه الآية:
" و هذه الآية جمعت بين الأمر بعبادة الله وحده، و النهي عن عبادة ما سواه، و بيان الدليل الباهر على وجوب عبادته، و بُطلان عبادة من سواه، و هو ذكر توحيد الربوبية المتضمن لانفراده بالخلق و الرزق و التدبير. فإذا كان كل أحد مقرّا بأنه ليس له شريك في ذلك، فكذلك فليكن إقراره بأن الله لا شريك له في العبادة، و هذا أوضح دليل عقلي على وحدانية الباري، و بطلان الشرك". انتهى كلامه رحمه الله.
و هذا هو معنى كلمة التوحيد " لا إله إلا الله " أي: لا معبود بحق إلا الله، و أن كل من عُبد من دون الله فقد عُبد بالباطل و الظلم. و لذلك اتفقت دعوة المرسلين على هذه الكلمة من لَدُنْ نوح إلى نبينا محمد عليهم الصلاة و السلام. قال الله تعالى {و ما أرسلنا من قبلك من رسول إلاّ نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون}.
و ما جاء في سورة الأعراف يشهد لذلك، و أن كل واحد منهم كان يقول لقومه {يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره}. فدلَّ على أن الأصل الذي يُبدأ به تَعلُّما و دعوة هو إفراد الله جل جلاله بالعبادة وحده دون ما سواه. قال الله جل و علا مخبرا عن نبيه يعقوب عليه السلام {أم كنتم شهدآء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي. قالوا نعبد إلهك و إله آبائك إبراهيم و إسماعيل و إسحاق إلها واحدا و نحن له مسلمون}.
و قد جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال " كل عبادة في القرآن هي التوحيد".
قال ابن القيِّم رحمه الله تعالى في «الفوائد» :
"هذه سنَّة الله في عباده، فما دُفعت شدائد الدنيا بمثل التَّوحيد، ولذلك كان دعاء الكرب بالتَّوحيد ودعوة ذِي النُّون الَّتي ما دعا بها مكروب إِلاَّ فَرَّج الله كربه بالتَّوحيد، فلا يُلقي في الكُرَب العظام إِلاَّ الشِرك ولا ينجي منها إِلاَّ التَّوحيد، فهو مفزع الخليقة وملجؤها وحصنها وغياثها، وبالله التَّوفيق". انتهى كلامه رحمه الله.
و التوحيد مصدر وحَّدَ بمعنى: إذا جعله واحدا. وحَّدَ المسلمون الله إذا جعلوا المعبود واحدا و هو الله جل و علا.
جاء في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه و سلم، لما بعث معاذ ابن جبل رضي الله عنه إلى اليمن قال: "إنك تأتي قوما أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه، إلى أن يوحدوا الله".
و جاء في الصحيحين من حديث ابن عباس، قال صلى الله عليه و سلم:" فليكن أول ما تدعوهم إليه، شهادة أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله".
فَدَلََّ على أن التوحيد هو شهادة أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله. فمن حقق هاتين الشهادتين حقق التوحيد.
و التوحيد هو اعتقاد أن الله:
* واحد في ربوبيته، لا شَريك له
* واحد في إلهيته، لا نِدَّ له
* واحد في أسمائه و صفاته، لا مَثيل له.
و بهذا تَعلم مكانة " لا إله إلا الله" في الدين، و أهميتها في الحياة، و أنها الأساس الذي تبنى عليه الأعمال و لأنها حق الله على العباد. و هي كلمة وجيزة اللفظ، خفيفة على اللسان، ثقيلة في الميزان.
فقد روى ابن حبان و الحاكم و صححه، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: " قال موسى، يا رب علمني شيئا أذكرك و أدعوك به، قال: يا موسى قل لا إله إلا الله. قال: كل عبادك يقولون هذا. قال: يا موسى، لو أن السماوات السبع و عامرهن غيري و الأرضين السبع في كفة، و لا إله إلا الله في كفة مالت بهن لا إله إلا الله".
و مما يدل على أنها ثقيلة في الميزان أيضا ما رواه الترمذي و حسنه، عن عبد الله بن عمرو: قال النبي صلى الله عليه و سلم:" يُصاح برجل من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فيُنشر له تِسعةٌ و تِسعونَ سجلا، كل سجل منها مَدَّ البصر، ثم يقال: أتنكر من هذا شيئا ؟ فيقول: لا يا رب، فيقال: ألك عذر أو حسنة ؟ فيهاب الرجل فيقول: لا. فيقال: بلى، إن لك عندنا حسنات، و إنه لا ظلم عليك، فيُخرج له بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن محمدا عبده و رسوله، فيقول: يا رب، ما هذه البطاقة مع هذه السجلات ؟ فيقول: إنك لا تظلم، فتوضع السجلات في كفة و البطاقة في كفة، فطاشت السجلات و ثقلت البطاقة".
قال ابن عيينة: "ما أنعم الله على عبد من العباد نعمة أعظم من أن عرفهم لا إله إلا الله، و إن لا إله إلا الله لأهل الجنة كالماء البارد لأهل الدنيا" – رواه مسلم في الإيمان.
فطوبى لعبد أكرمه الله و جعله ممن عَرَفَ معناها و عَمل بمقتضاها، و أتى بشروطها و أركانها، و دعى إليها و ذَبَّ عنها، و جاء بها في صحيفته يوم القيامة.
قال الشيخ العلامة صالح الفوزان حفظه الله في كتابه " معنى لا إله إلا الله ":
... و هي كلمة قامت بها الأرض و السماوات، و خُلقت لأجلها جميع المخلوقات، و بها أَرسل الله رسله، و أَنزل كتبه و شرَّع شرائعه، و لأجلها نُصبت الموازين و وُضعت الدواوين، و قام سوق الجنة و النار، و لها انقسمت الخليقة إلى مؤمنين و كفار، فهي منشأ الخلق و الأمر و الثواب و العقاب، و هي الحق الذي خُلقت له الخليقة، و عنها و عن حقوقها السؤال و الحساب، و عليها يقع الثواب و العقاب، و عليها نُصبة القبلة و عليها أُسست الملة، و لأجلها جُردت سيوف الجهاد، و هي حق الله على جميع العباد، فهي كلمة الإسلام و مفتاح دار السلام، و عنها يُسأل الأولون و الآخرون. فلا تزولُ قدما العبد بين يدي الله حتى يُسأل مسألتين:
* ماذا كنتم تعبدون ؟
* و ماذا أجبتم المرسلون ؟
و جواب الأولى بتحقيق " لا إله إلا الله " معرفة و إقرارا و عملا، و جواب الثانية بتحقيق أن " محمدا رسول الله " معرفة و انقيادا و طاعة. انتهى كلامه حفظه الله.
اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا.
هذا و صل اللهم على نبينا محمد و على آله و صحبه و إخوانه و سلم تسليما مزيدا./
يتوجب عليك
تسجيل الدخول
او
تسجيل
لروئية الموضوع