فجر الدعوة
احسن الله خاتمتها
- إنضم
- 4 أكتوبر 2010
- المشاركات
- 1,324
- النقاط
- 36
- الإقامة
- المغرب
- احفظ من كتاب الله
- 10اجزاء
- احب القراءة برواية
- حفص
- القارئ المفضل
- الحذيفي
- الجنس
- أخ
المؤمن غِرٌّ كريم
هناك من يظن أنَّ الرجل الصالح التقي لا يكون ذا دهاء وكياسة وفطنة، وإنَّما هو رجل ساذج وإنسان طيب غافل، وربما استدلوا على ذلك بالحديث المروي عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (المؤمن غرٌّ كريم، والفاجر خبٌّ لئيم).
فما سبب ذلك؟ وهل يمكن أن يجتمع الدهاء مع الاستقامة والصلاح؛ وما التوجيه للحديث المذكور؟
أما سبب ذلك الظن؛ فهو كثرة ما يصاحب الدهاء من المنكر، والنزوع إلى الشر؛ فلأجل ذلك توهَّم بعض الناس أنه لا يجتمع مع سلامةِ القلب، والحرصِ على فعل الخير؛ فتراهم يعدون غفلة الرجل عما ينطوي عليه الكلام من مغامز، وما يُراد به من مكايد أثر صلاحه، وطيب سريرته.
وأما إمكان اجتماع الدهاء مع الاستقامة والصلاح فممكن، بل كثيرًا ما يجتمعان في أهل الإيمان؛ فالدهاء قد يقترن مع الاستقامة، فيُصْرَف في تدبير الوسائل التي تكفي شرًا مقبلًا، أو تجلب خيرًا متعسرًا.
وقد يقترن الدهاء مع زيغ العقيدة، أو لؤم الطبيعة، فيندفع بصاحبه في شعاب الباطل، ويكون نصيبه في الإفساد فوق نصيب الغباوة.
وإذا اجتمع الدهاء والاستقامة في رجل كان عظيمًا، وجديرًا بأن يكون له أثر كبير.
وأما الحديث المذكور فقد تكلم الحفاظ في سنده، وهو -بقطع النظر عن سنده- قد وقع لفظ (الغِرِّ) فيه مقابلًا للفظ (الخِبّ) وهو الخَدَّاع؛ فيكون المراد بالغرارة، أو الغرِّية: أن من صفاته الصفحَ، والتغاضيَ حتى يُظن أنه غر؛ ولذلك عقَّبه بقوله: "كريم" لدفع الغِرِّية المؤذنة بالبله؛ فإن الإيمان يزيد الفطنة؛ لأن أصولَ اعتقادِه مبنيةٌ على نبذِ كلِّ ما من شأنه تضليلُ الرأيِ وطمسُ البصيرةِ؛ فيكون المرادُ غفلتَه عن الشر؛ فإن كريمَ الأخلاقِ طيبُ السريرة لا يبحث عن الشر بحث من يريد التوغل في طرقه، والخوض في غماره.
وهو مع كونه لا يبحث عن هذه الطرق بحث المولع بها؛ فإنه يأخذ بسنة الاحتراس؛ فلا ينخدع لخبٍّ يزخرف له القول مداهنة، أو ينصب في طريقه حِبَالةً؛ فغفلة الرجل عن وسائل الشر؛ لانصرافه إلى الخير لا تُنْقِصُ من كياسته في تدبير وسائل الخير، أو الاحتراز عما يُهيأ له أو لقومه من الشر.
فلا يصح أن يكون الإيمانُ الذي هو أساس استنارة الفكر سببَ الانخداع لتمويه مبطل، أو مخاتلة ذي مأرب.
قال المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه-: "كان عمر أفضل من أن يَخْدَع، وأعقل من أن يُخْدَعْ".
أما إظهار الانخداع مع التفطن للحيلة إذا كان في غير مضرة، أو كان جالبًا لمصلحة أخرى كتألف الناس؛ فذلك من الكرم والحلم: قال الفرزدق:
استمطروا من قريش كل منخدع إن الكريم إذا خادعته انخدعا
وإلى هذا المعنى اللطيف أشار العلامة الشيخ: محمد الخضر حسين -رحمه الله- في كتابه رسائل الإصلاح، والشيخ العلامة محمد الطاهر بن عاشور في تفسيره "التحرير والتنوير" عند قوله -تعالى-: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} [البقرة: 9].
للشيخ: محمد بن إبراهيم الحمد -حفظه الله-
(بتصرف)
يتوجب عليك
تسجيل الدخول
او
تسجيل
لروئية الموضوع