الملخص الفقهي في الزكاة

طباعة الموضوع

الصحبة الطيبة

عضو مميز
إنضم
16 أبريل 2013
المشاركات
199
النقاط
16
الإقامة
القاهرة - مصر
الموقع الالكتروني
nasrtawfik.blogspot.com
احفظ من كتاب الله
اللهم أعينني علي دوام التلاوة والتدبر وحفظ القرآن كاملا
احب القراءة برواية
حفص عن عاصم
القارئ المفضل
محمد صديق المنشاوي والحصري والسديسي
الجنس
أخ وأسرتي
الملخص الفقهي
قسم العبادات كتاب الزكاة

باب في مشروعية الزكاة ومكانتها
اعلموا وفقني الله وإياكم أنه لا بد من معرفة تفاصيل أحكام الزكاة وشروطها وبيان من تجب عليه ومن تجب له وما تجب فيه من الأموال .
فالزكاة أحد أركان الإسلام ومبانيه العظام - كما تظاهرت بذلك دلالة الكتاب والسنة , وقد قرنها الله تعالى بالصلاة في كتابه في اثنين وثمانين موضعا , مما يدل على عظم شأنها , وكمال الاتصال بينها وبين الصلاة , ووثاقة الارتباط بينهما , حتى قال صديق هذه الأمة وخليفة الرسول الأول أبو بكر الصديق : " لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة " قال الله تعالى : وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وقال تعالى : فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ وقال النبي - صلى الله عليه وسلم : بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله , وإقام الصلاة , وإيتاء الزكاة . .. الحديث .
وأجمع المسلمون على فرضيتها , وأنها الركن الثالث من أركان الإسلام , وعلى كفر من جحد وجوبها , وقتال من منع إخراجها .
فرضت في السنة الثانية للهجرة النبوية , وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم السعاة لقبضها وجبايتها لإيصالها إلى مستحقيها , ومضت بذلك سنة الخلفاء الراشدين وعمل المسلمين .
وفي الزكاة إحسان إلى الخلق , وهي مطهرة للمال من الدنس , وحصانة له من الآفات , وعبودية للرب سبحانه , قال الله تعالى : خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ وبالتالي , فهي تطهير للنفوس من الشح والبخل , وامتحان للغني حيث يتقرب إلى الله بإخراج شيء من ماله المحبوب إليه .
وقد أوجبها الله في الأموال التي تحتمل المواساة . ويكثر فيها النمو والربح - ما ينمو فيها بنفسه كالماشية والحرث , وما ينمو بالتصرف وإدارته في التجارة كالذهب والفضة وعروض التجارة , وجعل الله قدر المخرج في الزكاة على حسب التعب في المال الذي تخرج منه , . فأوجب في الركاز , وهو ما وجد من أموال الجاهلية - الخمس , وما فيه التعب من طرف واحد - وهو ما سقي بلا مؤنة - نصف الخمس , وما وجد فيه التعب من طرفين ربع الخمس , وفيما يكثر فيه التعب والتقلب - كالنقود - وعروض التجارة ثمن الخمس.
وقد سماها الله بالزكاة , لأنها تزكي النفس والمال , فهي ليست غرامة ولا ضريبة تنقص الحال وتضر صاحبه , بل هي على العكس تزيد المال نموا من حيث لا يشعر الناس , قال صلى الله عليه وسلم : ما نقص مال من صدقة
والزكاة في الشرع حق واجب في مال خاص لطائفة مخصوصة في وقت مخصوص , هو تمام الحول في الماشية والنقود وعروض التجارة , وعند اشتداد الحب وبدو الصلاح في الثمار , وحصول ما تجب فيه من العسل , واستخراج ما تجب فيه من المعادن , وغروب الشمس ليلة العيد في زكاة الفطر .
وتجب الزكاة على المسلم إذا توفرت فيه شروط خمسة
أحدها : الحرية , فلا تجب على مملوك ; لأنه لا مال له , وما بيده ملك لسيده , فتكون زكاته على السيد .
الشرط الثاني : أن يكون صاحب المال مسلما , فلا تجب على كافر , بحيث لا يطالب بأدائها ; لأنها قربة وطاعة , والكافر ليس من أهل القربة والطاعة , ولأنها تحتاج إلى نية , ولا تتأتى من الكافر , أما وجوبها عليه بمعنى أنه مخاطب بها ويعاقب عليها في الآخرة عقابا خاصا , فمحل خلاف بين أهل العلم , وفي حديث معاذ رضي الله عنه : فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله , ثم ذكر الصلاة , ثم قال : " فإن هم أطاعوك , فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة , تؤخذ من أغنيائهم , فترد على فقرائهم " متفق عليه , فجعل الإسلام شرطا لوجوب الزكاة .
الشرط الثالث : امتلاك نصاب , فلا تجب فيما دون النصاب , وهو قدر معلوم من المال يأتي تفصيله , سواء كان مالك النصاب كبيرا أو صغيرا , عاقلا أو مجنونا , لعموم الأدلة .
الشرط الرابع : استقرار الملكية , بأن لا يتعلق بها حق غيره , فلا زكاة في مال لم تستقر ملكيته , كدين الكتابة ; لأن المكاتب يملك تعجيز نفسه , ويمتنع من الأداء .
الشرط الخامس : مضي الحول على المال , لحديث عائشة رضي الله عنها : لا زكاة قي مال حتى يحول عليه الحول رواه ابن ماجه , وروى الترمذي معناه .
وهذا في غير الخارج من الأرض كالحبوب والثمار , فأما الخارج من الأرض , فتجب فيه الزكاة عند وجوده فلا يعتبر فيه الحول , وإنما يبقى تمام الحول مشترطا في النقود والماشية وعروض التجارة رفقا بالمالك , ليتكامل النماء فيها .
ونتاج البهائم التي تجب فيها الزكاة وربح التجارة حولهما حول أصلهما , فلا يشترط أن يأتي عليهما حول مستقل إذا كان أصلهما ! قد بلغ النصاب , فإن لم يكن كذلك , ابتدئ الحول من تمامهما النصاب.
ومن له دين على معسر , فإنه يخرج زكاته إذا قبضه لعام واحد على الصحيح , وإن كان له دين على مليء باذل , فإنه يزكيه كل عام .
وما أعد من الأموال للقنية والاستعمال , فلا زكاة فيه , كدور السكنى , وثياب البذلة , وأثاث المنزل , والسيارات , والدواب المعدة للركوب والاستعمال .
وما أعد للمنافع كالسيارات والدكاكين والبيوت , فلا " زكاة في أصله , وإنما تجب الزكاة في أجرته إذا بلغت النصاب بنفسها أو بضمها إلى غيرها وحال عليها الحول .
ومن وجبت عليه الزكاة , ثم مات قبل إخراجها , " وجب إخراجها من تركته , فلا تسقط بالموت , لقوله صلى الله عليه وسلم : فدين الله أحق بالوفاء رواه البخاري ومسلم وغيرهما , فيخرجهما الوارث أو غيره من تركة الميت ; لأنها حق واحب , فلا تسقط بالموت , وهي دين في " ذمة الميت , يجب إبراؤه منها .
باب في زكاة بهيمة الأنعام
اعلم أن من جملة الأموال التي أوجب الله فيها الزكاة بهيمة الأنعام , وهي : الإبل , والبقر , والغنم , بل هي في طليعة الأموال الزكوية , فقد دلت على وجوب الزكاة فيها الأحاديث الصحيحة المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم , وكتبه في شأنها وكتب خلفائه معروفة مشهورة في بيان فرائضها وبعث السعاة لجبايتها من قبائل العرب حول المدينة وغيرها على امتداد الساحة الإسلامية .
فتجب الزكاة في الإبل والبقر والغنم بشرطين
الشرط الأول: أن تتخذ لدر ونسل لا للعمل ; لأنها حينئذ تكثر منافعها ويطيب نماؤها بالكبر والنسل , فاحتملت المواساة .
الشرط الثاني : أن تكون سائمة - أي : راعية - , لقوله صلى الله عليه وسلم : في كل إبل سائمة في كل أربعين ابنة لبون رواه أحمد وأبو داود والنسائي , والسوم : الرعي , فلا تجب الزكاة في دواب تعلف بعلف اشتراه لها أو جمعه من الكلأ أو غيره , هذا إذا كانت تعلف الحول كله أو أكثره .
أولا : زكاة الإبل
- وإذا توفرت الشروط , وجب في كل خمسة من الإبل شاة , وفي العشر شاتان , وفي خمس عشرة ثلاث شياه , وفي عشرين أربع شياه , كما دل على ذلك السنة والإجماع .
- فإذا بلغت خمسا وعشرين , ففيها بنت مخاض , وهي ما تم لها سنة ودخلت في السنة الثانية , سميت بذلك لأن أمها تكون في الغالب قد مخضت , أي : حملت , وليس كونها ماخضا شرطا , وإنما هذا تعريف لها بغالب أحوالها , فإن عدمها أجزأ عنها ابن لبون , لحديث أنس : فإن لم يكن فيها بنت مخاض ففيها ابن لبون ذكر رواه أبو داود , ويأتي بيان معنى ابن اللبون .
- وإذا بلغت الإبل ستا وثلاثين , وجب فيها بنت لبون , لحديث أنس , وفيه : فإذا بلغت ستا وثلاثين إلى خمس وأربعين , ففيها بنت لبون أنثى وكما دل على ذلك الإجماع , وبنت اللبون هي ما تم لها سنتان , لهذا سميت بذلك ; لأن أمها تكون في الغالب قد وضعت حملها , فكانت ذات لبن , وليس هذا شرطا , لكنه تعريف لها بالغالب .
- فإذا بلغت الإبل ستا وأربعين , وجب فيها حقة , وهي ما تم لها ثلاث سنين , سميت بذلك لأنها بهذا السن استحقت أن يطرقها الفحل وأن يحمل عليها وتركب .
- فإذا بلغت الإبل إحدى وستين , وجب فيها جذعة , وهي ما تم لها أربع سنين , سميت بذلك لأنها إذا بلغت هذا السن تجذع , أي : يسقط سنها . والدليل على وجوب الجذعة في هذا المقدار من الإبل ما في " الصحيح " من قول الرسول صلى الله عليه وسلم فإذا بلغت إحدى وستين إلى خمس وسبعين , ففيها جذعة وقد أجمع العلماء على ذلك .
- فإذا بلغ مجموع الإبل ستا وسبعين , وجب فيها بنتا لبون اثنتان للحديث الصحيح , وفيه : فإذا بلغت ستا وسبعين إلى تسعين , ففيها بنتا لبون "
- فإذا بلغت الإبل إحدى وتسعين , وجب فيها حقتان , للحديث الصحيح الذي جاء فيه : فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة , ففيها حقتان طروقتا الفحل وللإجماع على ذلك.
- فإذا زاد مجموع الإبل عن مائة وعشرين بواحدة , وجب فيها ثلاث بنات لبون , لحديث الصدقات الذي كتبه النبي صلى الله عليه وسلم , ولفظه : فإذا زادت على عشرين ومائة " , ففي كل خمسين حقة , وفي كل أربعين بنت لبون , ثم يجب على كل أربعين بنت لبون وعن كل خمسين حقة
ثانيا : زكاة البقر
- وأما البقر , فتجب فيها الزكاة بالنص والإجماع , ففي " الصحيحين عن جابر : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي زكاتها , إلا جاءت يوم القيامة أعظم ما كانت وأسمنه , تنطحه بقرونها , وتطؤه بأخفافها . وقد ثبت عن معاذ رضي الله عنه , أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعثه إلى اليمن , أمره أن يأخذ صدقة البقر : من كل ثلاثين تبيعا , ومن كل أربعين مسنة رواه أحمد والترمذي .
- فيجب فيها إذا بلغت ثلاثين تبيع أو تبيعة قد تم لكل منهما سنة ودخل في السنة الثانية , سمي بذلك لأنه يتبع أمه في السرح .
- ولا شيء فيما دون الثلاثين : لحديث معاذ , قال : أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعثني إلى اليمن أن لا آخذ من البقر شيئا حتى تبلغ ثلاثين
- فإذا بلغ مجموع البقر أربعين , وجب فيها بقرة مسنة , وهي ما تم لها سنتان , لحديث معاذ , قال : وأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن آخذ من كل ثلاثين من البقر تبيعا أو تبيعة , ومن كل أربعين مسنة رواه الخمسة , وصححه ابن حبان والحاكم .
- فإذا زاد مجموع البقر على أربعين , وجب في كل ثلاثين منها تبيع , وفي كل أربعين مسنة .
والمسنة : هي التي قد صارت ثنية , سميت مسنة لزيادة سنها , ويقال لها : ثنية .

ثالثا : زكاة الغنم
- الأصل في وجوب الزكاة في الغنم السنة والإجماع , ففي الصحيح عن أنس أن أبا بكر كتب له : هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين والتي أمر الله بها رسوله . . . إلى أن قال : وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاة . .. الحديث .
- فإذا بلغ مجموع الغنم أربعين ضأنا كانت أو معزا , ففيها شاة : واحدة , وهي جذع ضأن أو ثني معز , لحديث سويد بن غفلة , قال : أتانا مصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : أمرنا أن نأخذ الجذعة من الضأن , والثنية من المعز , وجذع الضأن ما تم له ستة أشهر , وثني المعز ما تم له سنة
- ولا زكـاة في الغنم إذا نقص عددها عن أربعين , لحديث أبي بكـر في " الصحيحين " , وفيه : فإذا كانت سائمة الرجل ناقصة عن أربعين شاة شاة واحدة , فلا شيء فيها , إلا إن شاء ربها .
- فإذا بلغ مجموع الغنم مائة وإحدى - وعشرين , وجب فيها - شاتان , لحديث أبي بكر الذي مر معنا قريبا , وفيه : " فإذا زادت على عشرين ومائة , ففيها شاتان " .
- فإذا بلغت مائتين وواحدة , وجب فيها ثلاث شياه , لحديث أبي بكر , وفيه : فإذا زادت على مائتين , ففيها ثلاث شياه .
- ثم تستقر الفريضة فيها بعد هذا المقدار , فيتقرر في كل مائة شاة ففي أربع مائة أربع شياه , وفي خمس مائة خمس شياه , وفي ست مائة ست شياه . وهكذا , ففي كتاب الصدقات الذي عمل به أبو بكر رضي الله عنه حتى مات وعمر حتى توفي رضي الله عنه , فيه : وفي الغنم من أربعين شاة إلى عشرين ومائة , فإذا زادت شاة , ففيها شاتان إلى مائتين , فإذا زادت واحدة , ففيها ثلاث شياه إلى ثلاث مائة , فإذا زادت بعد , فليس فيها شيء , حتى تبلغ أربع مائة , فإذا كثرت الغنم , ففي كل مائة شاة رواه الخمسة إلا النسائي .
ولا تؤخذ هرمة ولا معيبة لا تجزئ في الأضحية , إلا إذا كانت كل الغنم كذلك , ولا تؤخذ الحامل ولا الربي التي تربي ولدها ولا طروقة الفحل , أي : التي طرقها الفحل ; لأنها تحمل غالبا , لحديث أبي بكر في " الصحيحين " , قال : لا يخرج قي الصدقة هرمة , ولا ذات عوار , ولا تيس , إلا أن يشاء المصدق وقال تعالى : وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وقال عليه الصلاة والسلام : ولكن من أوسط أموالكم , فإن الله لم يسألكم خياره , ولم يأمركم بشراره ولا تؤخذ كريمة , وهي النفيسة التي تتعلق بها نفس صاحبها , ولا تؤخذ أكولة , وهي السمينة المعدة للأكل , أو هي كثيرة الأكل , فتكون سمينة بسبب ذلك , قال صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه لما بعثه إلى اليمن : إياك وكرائم أموالهم متفق عليه .
والمأخوذ في الصدقات العدل , كما قال عليه الصلاة والسلام : ولكن من أوسط أموالكم وتؤخذ المريضة من نصاب كله مراض ; لأن الزكاة وجبت للمواساة , وتكليفه الصحيحة عن المراض إجحاف به , وتؤخذ الصغيرة من نصاب كله صغار من الغنم خاصة .
وإذا شاء صاحب المال أن يخرج أفضل مما وجب عليه , فهو أفضل وأكثر أجرا . وإن كان المال مختلطا من كبار وصغار أو صحاح ومعيبات أو ذكور وإناث , أخذت أنثى صحيحة كبيرة على قدر قيمة المالين , فيقوم - المال كبارا ويعرف ما يجب فيه ثم يقوم صغارا كذلك , ثم يؤخذ بالقسط , وهكذا الأنواع الأخرى من صحاح ومعيبات أو ذكور وإناث , فلو كانت قيمة المخرج من الزكاة إذا كان النصاب كبارا صحاحا عشرين , وقيمته إذا كان صغارا مراضا عشرة , فيخرج النصف من هذا والنصف من هذا , أي : ما يساوي خمسة عشر .
ومن مباحث زكاة الماشية معرفة حكم الخلطة فيها , بأن يكون مجموع الماشية المختلطة مشتركا بين شخصين فأكثر , والخلطة نوعان .
النوع الأول : خلطة أعيان : بأن يكون المال مشتركا - مشاعا بينهما , لم يتميز نصيب أحدهما عن الآخر , كأن يكون لأحدهما نصف هذه الماشية أو ربعها ونحوه .
النوع الثاني : خلطة أوصاف : بأن يكون نصيب كل منهما متميزا معروفا , لكنهما متجاوران .
وكل واحدة من الخلطتين تؤثر في الزكاة إيجابا وإسقاطا وتغليظا وتخفيفا , فالخلطة بنوعيها تصير الحالين المختلطين كالمال الواحد بشروط :
الشرط الأول : أن يكون المجموع نصابا , فإن نقص عن النصاب , لم يجب فيه شيء , والمقصود أن يبلغ المجموع النصاب , ولو كان ما لكل واحد ناقص عن النصاب .
الشرط الثاني : أن يكون الخليطان من أهل وجوب الزكاة , فلو كان أحدهما ليس من أهل الزكاة , كالكافر , لم تؤثر الخلطة , وصار لكل قسم حكمه .
الشرط الثالث : أن يشترك المالان المختلطان في المراح , وهو المبيت والمأوى , ويشتركا في المسرح , وهو المكان الذي تجتمع فيه لتذهب للمرعى , ويشتركا في المحلب , وهو موضع الحلب , فلو حلب أحد الشريكين ماشيته في مكان وحلب الآخر ماشيته في مكان آخر , لم تؤثر الخلطة , وأن يشتركا قي فحل , بأن لا يكون لكل نصيب فحل مستقل , بل لا بد أن يطرقها فحل واحد , وأن يشتركا في مرعى , بأن يرعى مجموع الماشية في مكان واحد , فإن اختلف المرعى , فرعى نصيب أحدهما في مكان غير المكان الذي يرعى فيه خليطه , لم تؤثر الخلطة .
فإذا تمت هذه الشروط , صار المالان المختلطان كالمال الواحد , لقوله صلى الله عليه وسلم : لا يجمع بين متفرق , ولا يفرق بين مجتمع , خشية الصدقة , وما كان من خليطين فإنهما يتراجعا بينهما بالسوية رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه , وحسنه الترمذي .
فلو كان لإنسان شاة ولآخر تسع وثلاثون , أو كان لأربعين رجلا أربعون شاة , لكل واحد شاة , واشتركا حولا تاما , مع توفر الشروط التي ذكرنا , فعليهم شاة واحدة على حسب ملكهم , ففي المثال الأول يكون على صاحب الشاة ربع عشر شاة , وعلى صاحب التسع والثلاثين باقيها , وفي المثال الثاني على كل واحد من الأربعين ربع عشر الشاة , ولو كان لثلاثة مائة وعشرون , لكل واحد أربعون , فعلى الجميع شاة واحدة أثلاثا .
وكما أن الخلطة تؤثر على النحو الذي رأيت , فكذلك التفريق يؤثر عند الإمام أحمد , فإذا كانت سائمة الرجل متفرقة , كل قسم منها يبعد عن الآخر فوق مسافة القصر , صار لكل منهما حكمه , ولا تعلق له بالآخر , فإن كان نصابا , وجبت فيه الزكاة , وإن نقص النصاب , فلا شيء فيه , فلا يضم كل قسم إلى الآخر , هذا قول الإمام أحمد .
وقال جمهور العلماء بعدم تأثير الفرقة في مال الشخص الواحد , فيضم بعضه إلى بعض الحكم , ولو كان متفرقا , وهذا هو الراجح . والله أعلم .
باب في زكاة الحبوب والثمار والعسل والمعدن والركاز
قال الله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ .
والزكاة تسمى نفقة , كما قال تعالى : وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أي : لا يخرجون زكاتها .
وقد استفاضت السنة المطهرة بالأمر بإخراج زكاة الحبوب والثمار وبيان مقدارها , وأجمع المسلمون على وجوبها في البر والشعير والتمر والزبيب , فتجب الزكاة في الحبوب كلها , كالحنطة , والشعير , والأرز , والدخن , وسائر الحبوب , قال عليه الصلاة والسلام : ليس فيما دون خمسة أوساق من حب ولا تمر صدقة وقال عليه الصلاة والسلام : فيما سقت السماء والعيون العشر رواه البخاري .
وتجب الزكاة في الثمار كالتمر والزبيب ونحوهما من كل ما يكال ويدخر , ولا تجب الزكاة إلا فيما يبلغ النصاب , لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه يرفعه : ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة رواه الجماعة , والوسق ستون صاعا بالصاع النبوي , الذي مقداره أربع حفنات , بكفي الرجل المعتدل الخلقة .
ويشترط في زكاة الحبوب والثمار أن يكون النصاب مملوكا له وقت وجوب الزكاة , وهو بدو الصلاح في الثمر , واشتداد الحب في الزرع , فيشترط لوجوب الزكاة في الحبوب والثمار شرطان
الأول : بلوغ النصاب على ما سبق بيانه .
الثاني : أن يكون مملوكا له وقت وجوب الزكاة .
فلو ملك النصاب بعد ذلك , لم تجب عليه فيه زكاة , كما لو اشتراه , أو أخذه أجرة لحصاده , أو حصله باللقاط .
والقدر الواجب إخراجه في زكاة الحبوب والثمار , يختلف باختلاف وسيلة السقي :
- فإذا سقي بلا مؤنة من السيول والسيوح وما شرب بعروقه كالبعل , يجب فيه العشر , لما في " الصحيح " من حديث ابن عمر : فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريا العشر . ولمسلم عن جابر : فيما سقت الأنهار والغيم العشر .
- ويجب فيما سقي بمؤنة من الآبار وغيرها نصف العشر , لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر : وما سقي بالنضح نصف العشر رواه البخاري , والنضح : السقي بالسواني , ولمسلم عن جابر : وفيما سقي بالسانية نصف العشر .
ووقت وجوب الزكاة في الحبوب حين تشتد , وفي الثمر حينما يبدو صلاحه , بأن يحمر أو يصفر , فلو باعه بعد ذلك , وجبت زكاته عليه لا على المشتري .
ويلزم إخراج الحب مصفى , أي : منقى من التبن والقشر , ويعتبر إخراج الثمر يابسا ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بخرص العنب زبيبا , وتؤخذ زكاته زبيبا , كما تؤخذ زكاة النخل تمرا , ولا يسمى زبيبا وتمرا إلا اليابس .
وتجب الزكاة في العسل إذا أخذه من ملكه أو من الموات , كرءوس الجبال , إذا بلغ ما أخذه نصابا , ونصاب العسل ثلاثون صاعا بالصاع النبوي , ومقدار ما يجب فيه هو العشر .
وتجب الزكاة في المعدن , لقوله تعالى : أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ والمعدن هو المكان الذي عدن فيه شيء من جواهر الأرض , فهو مستفاد من الأرض , فوجبت فيه الزكاة , كالحبوب والثمار , فإن كان المعدن ذهبا أو فضة , ففيه ربع العشر إذا بلغ نصابا فأكثر , وإن كان غيرهما كالكحل والزرنيخ والكبريت والملح والنفط , فيجب فيه ربع عشر قيمته إن بلغت قيمته نصابا فأكثر من الذهب والفضة .
وتجب الزكاة في الركاز , وهو ما وجد مدفونا من أموال الكفار من أهل الجاهلية , سمي ركازا ; لأنه غيب في الأرض , كما تقول : ركزت الرمح , ويجب فيه الخمس في قليله وكثيره , لقوله صلى الله عليه وسلم : وفي الركاز الخمس متفق عليه .
- ويعرف كونه من أموال الكفار بوجود علامة الكفار عليه أو على بعضه , بأن يوجد عليه أسماء ملوكهم , أو عليه رسم صلبانهم , فإذا أخرج خمسه , فباقيه لواجده.
- وإن وجد على المال المدفون أو على بعضه علامة المسلمين , أو لم يجد عليه علامة أصلا , فحكمه حكم اللقطة .
- وما أخذ من زكاة الركاز يصرف في مصالح المسلمين كمصرف الفيء .
مما سبق يتبين لنا أن الخارج من الأرض أنواع هي :
1- الحبوب والثمار .
2- المعادن على اختلافها .
3- العسل .
4- الركاز .
وكل هذه الأنواع , داخلة في قوله تعالى : أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وقوله تعالى : وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ
إن الزكاة إنما تجب فيما يكال ويدخر من الحبوب والثمار , فما لا يكال ولا يدخر منها , لا تجب فيه الزكاة , كالجوز , والتفاح , والخوخ , والسفرجل , والرمان , ولا في سائر الخضروات والبقول , كالفجل , والثوم , والبصل , والجزر , والبطيخ , والقثاء , والخيار , والباذنجان , ونحوها , لحديث علي رضي الله عنه مرفوعا : ليس في الخضروات صدقة رواه الدارقطني , ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة فاعتبر الكيل لما تجب فيه الزكاة , فدل على عدم وجوبها فيما لا يكال ويدخر , وتركه صلى الله عليه وسلم هو وخلفاؤه لها وهي تزرع بجوارهم فلا تؤدى زكاتها لهم دليل على عدم وجوب الزكاة فيها , فترك أخذ الزكاة منها هو السنة المتبعة .
- قال الإمام أحمد : " ما كان مثل الخيار والقثاء والبصل والرياحين , فليس فيه زكاة , إلا أن يباع , ويحول على ثمنه الحول " .
باب في زكاة النقدين
اعلم وفقنا الله وإياك أن المراد بزكاة النقدين زكاة الذهب والفضة وما اشتق منهما من نقود وحلي وسبائك وغير ذلك .
والدليل على وجوب الزكاة في الذهب والفضة الكتاب والسنة والإجماع .
قال الله تعالى : وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ففي الآية الكريمة الوعيد الشديد بالعذاب الأليم لمن لم يخرج زكاة الذهب والفضة .
وفي " الصحيحين " : ما من ذهب ولا فضة لا يؤدى حقها , إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار . . . الحديث .
واتفق الأئمة على أن المراد بالكنز المذكور في القرآن والحديث كل ما وجبت فيه الزكاة فلم تؤد زكاته , وأن ما أخرجت زكاته , فليس بكنز , والكنز : كل شيء مجموع بعضه على بعض , سواء كنزه في بطن الأرض أم على ظهرها .
فتجب الزكاة في الذهب إذا بلغ عشرين مثقالا , وفي الفضة إذا بلغت مائتي درهم إسلامي , ربع العشر منهما , سواء كانا مضروبين أو غير مضروبين , لحديث ابن عمرو عن عائشة رضي الله عنهما مرفوعا : أنه كان يأخذ من كل عشرين مثقالا نصف مثقال رواه ابن ماجه , وفي حديث أنس رضي الله عنه مرفوعا : في الرقة ربع العشر متفق عليه . والرقة - بكسر الراء وتخفيف القاف - هي الفضة الخالصة , مضروبة كانت أو غير مضروبة . والمثقال في الأصل مقدار من الوزن . قال الفقهاء : " وزنه اثنتان وسبعون حبة شعير من الشعير الممتلئ معتدل المقدار.
ونصاب الذهب بالجنيه السعودي أحد عشر جنيها وثلاثة أسباع جنيه , ونصاب الفضة بالريال العربي السعودي ستة وخمسون ريالا أو ما يعادل صرفها من الورق النقدي المستعمل في هذا الزمان.
ويخرج من الذهب والفضة إذا بلغ كل منهما النصاب المحدد له فأكثر ربع العشر .
ما يباح للرجل لبسه من الذهب والفضة
- يباح للذكر أن يتخذ خاتما من الفضة ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من ورق , متفق عليه .
- ويحرم عليه اتخاذ الخاتم من الذهب فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم الرجال عن التحلي بالذهب , وشدد النكير على من فعله , وقال صلى الله عليه وسلم : يعمد أحدكم إلى جمرة من نار جهنم , فيجعلها في يده .
- ويباح للذكر أيضا من الذهب ما دعت إليه حاجة , كأنف , ورباط أسنان , لأن عرفجة بن سعد قطع أنفه يوم الكلاب , فاتخذ أنفا من فضة , فأنتن عليه , فأمره النبي صلى الله عليه وسلم فاتخذ أنفا من ذهب رواه أبو داود والحاكم وصححه .
ما يباح للنساء التحلي به من الذهب والفضة
- يباح للنساء من الذهب والفضة ما جرت عادتهن بلبسه ; لأن الشارع أباح لهن التحلي مطلقا , قال النبي صلى الله عليه وسلم : أحل الذهب والحرير لإناث أمتي , وحرم على ذكورها رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي , فدل على إباحة التحلي بالذهب والفضة للنساء , وأجمع العلماء على ذلك .
- ولا زكاة في حلي النساء من الذهب والفضة إذا كان معدا للاستعمال أو للإعارة , لقوله صلى الله عليه وسلم : ليس في الحلي زكاة رواه الطبراني عن جابر بسند ضعيف , لكن يعضده ما جرى العمل عليه , وقال به جماعة من الصحابة , منهم أنس , وجابر , وابن عمر , وعائشة , وأسماء أختها , قال أحمد : " فيه عن خمسة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم , ولأنه عدل به عن النماء إلى فعل مباح أشبه ثياب البذلة وعبيد الخدمة ودور السكنى .
- وإن أعد الحلي للكري , أو أعد لأجل النفقة - أي : اتخذ رصيدا للحاجة - , أو أعد للقنية , أو للادخار , أو لم يقصد به شيء مما سبق , فهو باق على أصله , تجب فيه الزكاة ; لأن الذهب والفضة تجب فيهما الزكاة , وإنما سقط وجوبها فيما أعد للاستعمال أو العارية , فيبقى وجوبها فيما عداه على الأصل إذا بلغ نصابا بنفسه أو بضمه إلى مال آخر , فإن كان دون النصاب , ولم يمكن ضمه إلى مال آخر , فلا زكاة فيه , إلا إذا كان معدا للتجارة , فإنها تجب الزكاة في قيمته.
حكم تمويه الحيطان وغيرها بالذهب والفضة واتخاذ الأواني منهما
- يحرم أن يموه سقف أو حائط بذهب أو فضة , أو يموه شيء من السيارة أو مفاتيحها بهما , كل ذلك حرام على المسلم , ويحرم تمويه قلم أو دواة بذهب أو فضة ; لأن ذلك سرف وخيلاء .
- ويحرم اتخاذ الأواني من الذهب والفضة , أو تمويه الأواني بذلك , قال صلى الله عليه وسلم : الذي يشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم .
- كما أنه يشتد الوعيد على من لبس خاتم الذهب من الرجال , ولكن مع الأسف ترى بعض المسلمين يلبسون خواتيم الذهب في أيديهم , غير مبالين بالوعيد , أو يجهلونه , فالواجب على هؤلاء التوبة إلى الله من التحلي بالذهب ,والاكتفاء بما أباح الله من خاتم الفضة , ففي الحلال غنية عن الحرام وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا .
نسأل الله للجميع البصيرة في دينه والعمل بشرعه والإخلاص لوجهه .
باب في زكاة عروض التجارة
العروض جمع عرض بإسكان الراء , وهو ما أعد لبيع وشراء لأجل الربح , سمي بذلك لأنه يعرض ليباع ويشترى , أو لأنه يعرض ثم يزول .
والدليل على وجوب الزكاة في عروض التجارة : قوله تعالى : خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وقوله تعالى : وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ وعروض التجارة هي أغلب الأموال , فكانت أولى بدخولها في عموم الآيات .
وروى أبو داود عن سمرة : كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نخرج الزكاة مما نعده للبيع ولأنها أموال نامية , فوجبت فيها الزكاة كبهيمة الأنعام السائمة .
وقد حكى غير واحد إجماع أهل العلم على أن في العروض التي يراد بها التجارة الزكاة إذا حال عليها الحول .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " الأئمة الأربعة وسائر الأمة إلا من شذ متفقون على وجوبها في عروض التجارة , سواء كان التاجر مقيما أو مسافرا , وسواء كان متربصا - وهو الذي يشتري التجارة وقت رخصها ويدخرها إلى وقت ارتفاع السعر - أو مديرا - كالتجار الذين في الحوانيت - , سواء كانت التجارة بزا من جديد أو لبيس أو طعاما من قوت أو فاكهة أو أدم أو غير ذلك , أو كانت آنية كالفخار ونحوه , أو حيوانا من رقيق أو خيل أو بغال أو حمير أو غنم معلفة أو غير ذلك , فالتجارات هي أغلب أموال أهل الأمصار الباطنة , كما أن الحيوانات الماشية هي أغلب الأموال الظاهرة " انتهى كلام الشيخ رحمه الله .
ويشترط لوجوب الزكاة في عروض التجارة شروط
الشرط الأول : أن يملكها بفعله , كالبيع , وقبول الهبة , والوصية , والإجارة , وغير ذلك من وجوه المكاسب .
الشرط الثاني : أن يملكها بنية التجارة , بأن يقصد التكسب بها ; لأن الأعمال بالنيات , والتجارة عمل , فوجب اقتران النية به كسائر الأعمال .
الشرط الثالث : أن تبلغ قيمتها نصابا من أحد النقدين .
الشرط الرابع : تمام الحول عليها , لقوله صلى الله عليه وسلم : لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول لكن لو اشترى عرضا بنصاب من النقود أو بعروض تبلغ قيمتها نصابا , بنى على حول ما اشترها به.
وكيفية إخراج زكاة العروض , أنها تقوم عند تمام الحول بأحد النقدين : الذهب أو الفضة , ويراعى في ذلك الأحظ للفقراء , فإذا قومت وبلغت قيمتها نصابا بأحد النقدين , أخرج ربع العشر من قيمتها , ولا يعتبر ما اشتريت به , بل يعتبر ما تساوي عند تمام الحول ; لأنه هو عين العدل بالنسبة للتاجر وبالنسبة لأهل الزكاة .
ويجب على المسلم الاستقصاء والتدقيق ومحاسبة نفسه في إخراج زكاة العروض , كمحاسبة الشريك الشحيح لشريكه , بأن يحصي جميع ما عنده من عروض التجارة بأنواعها , ويقومها تقييما عادلا , فصاحب البقالة مثلا يحصي جميع ما في بقالته من أنواع المعروضات للبيع من المعلبات وأصناف البضائع , وصاحب الآليات وقطع الغيار والمكائن والسيارات المعروضة للبيع يحصيها ويقومها , وصاحب الأراضي والعمارات المعروضة للبيع يقومها بما تساوي , أما العمارات والبيوت والسيارات المعدة للإيجار , فلا زكاة في ذواتها , وإنما تجب الزكاة فيما تحصل عليه صاحبها من إجارها إذا حال عليه الحول , والبيوت المعدة للسكنى والسيارات المعدة للركوب والحاجة لا زكاة فيها , وكذلك أثاث المنزل وأثاث الدكان وآلات التاجر , كالأذرع , والمكاييل , والموازين , وقوارير العطار , كل هذه الأشياء لا زكاة فيها ; لأنها لا تباع للتجارة .
أيها المسلم ! أخرج زكاة مالك عن طيب نفس واحتساب , واعتبرها مغنما لك في الدنيا والآخرة , ولا تعتبرها مغرما , قال الله تعالى : وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ فكل من الصنفين يخرج الزكاة , ويعامل عند الله على حسب نيته وقصده , فهؤلاء أخرجوها ونووها مغرما يتسترون بها عن حكم الإسلام فيهم , وينتظرون أن تدور الدائرة على المسلمين , لينتقموا منهم , فصار جزاءهم أن عليهم دائرة السوء , وحرموا الثواب , وخسروا من أموالهم , والمؤمنون يعتبرون الزكاة حين يخرجونها قربات لهم , فهؤلاء يوفر لهم الأجر , ويخلف عليهم ما أنفقوا بخير منه أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ لنيتهم الحسنة ومقصدهم الأسمى .
فاتق الله أيها المسلم , واستشعر هذه المعاني وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
باب في زكاة الفطر
زكاة الفطر من رمضان المبارك تسمى بذلك ; لأن الفطر سببها , فإضافتها إليه من إضافة الشيء إلى سببه .
والدليل على وجوبها الكتاب والسنة والإجماع.
قال الله تعالى : قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى قال بعض السلف : " المراد بالتزكي هنا إخراج زكاة الفطر " . وتدخل في عموم قوله تعالى : وَآتُوا الزَّكَاةَ
وفي " الصحيحين " وغيرهما : فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعا من بر أو صاعا من شعير , على العبد والحر , والذكر والأنثى , والصغير والكبير من المسلمين .
وقد حكى غير واحد من العلماء إجماع المسلمين على وجوبها .
والحكمة في مشروعيتها أنها طهرة للصائم من اللغو والرفث , وطعمة للمساكين , وشكر لله تعالى على إتمام فريضة الصيام .
وتجب زكاة الفطر على كل مسلم , ذكرا كان أو أنثى , صغيرا أو كبيرا , حرا كان أو عبدا , لحديث ابن عمر الذي ذكرنا قريبا , ففيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين وفرض بمعنى ألزم وأوجب.
كما أن في الحديث أيضا بيان مقدار ما يخرج عن كل شخص , وجنس ما يخرج , فمقدارها صاع , وهو أربعة أمداد , وجنس ما يخرج هو من غالب قوت البلد , برا كان , أو شعيرا , أو تمرا , أو زبيبا , أو غير هذه الأصناف مما اعتاد الناس أكله في البلد , وغلب استعمالهم له , كالأرز والذرة , وما يقتاته الناس في كل بلد بحسبه .
كما بين صلى الله عليه وسلم به وقت إخراجها , وهو أنه أمر بها أن تؤدى قبل صلاة العيد , فيبدأ وقت الإخراج الأفضل بغروب الشمس ليلة العيد , ويجوز تقديم إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين , فقد روى البخاري رحمه الله " أن الصحابة كانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين , فكان إجماعا منهم "
وإخراجها يوم العيد قبل الصلاة أفضل , فإن فاته هذا الوقت , فأخر إخراجها عن صلاة العيد , وجب عليه إخراجها قضاء , لحديث ابن عباس : من أداها قبل الصلاة , فهي زكاة مقبولة , ومن أداها بعد الصلاة , فهي صدقة من الصدقات ويكون آثما بتأخير إخراجه عن الوقت المحدد , لمخالفته أمر الرسول صلى الله عليه وسلم .
ويخرج المسلم زكاة الفطر عن نفسه وعمن يمولهم - أي : ينفق عليهم - من الزوجات والأقارب , لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم : أدوا الفطرة عمن تمولون . ويستحب إخراجها عن الحمل , لفعل عثمان رضي الله عنه .
ومن لزم غيره إخراج الفطرة عنه , فأخرج هو عن نفسه بدون إذن من تلزمه , أجزأت ; لأنها وجبت عليه ابتداء , والغير متحمل لها غير أصيل , وإن أخرج شخص عن شخص لا تلزمه نفقته بإذنه , أجزأت , وبدون إذنه لا تجزئ .
ولمن وجب عليه إخراج الفطرة عن غيره أن يخرج فطرة ذلك الغير مع فطرته في المكان الذي هو فيه , ولو كان المخرج عنه في مكان آخر .
ونحب أن ننقل لك كلاما لابن القيم في جنس المخرج في زكاة الفطر قال رحمه الله لما ذكر الأنواع الخمسة الواردة في الحديث : وهذه كانت غالب أقواتهم بالمدينة , فأما أهل بلد أو محلة قوتهم غير ذلك , فإنما عليهم صاع من قوتهم , فإن كان قوتهم من غير الحبوب كاللبن واللحم والسمك , أخرجوا فطرتهم من قوتهم كائنا ما كان , هذا قول جمهور العلماء , وهو الصواب الذي لا يقال بغيره , إذ المقصود سد خلة المساكين يوم العيد ومواساتهم من جنس ما يقتات أهل بلدهم , وعلى هذا فيجزئ الدقيق , وإن لم يصح فيه الحديث , وأما إخراج الخبز أو الطعام , فإنه وإن كان أنفع للمساكين , لقلة المؤونة والكلفة فيه , فقد يكون الحب أنفع لهم لطول بقائه " انتهى .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : " يخرج من قوت بلده مثل الأرز وغيره , ولو قدر على الأصناف المذكورة في الحديث - وهو رواية عن أحمد وقول أكثر العلماء , وهو أصح الأقوال - , فإن الأصل في الصدقات أنها تجب على وجه المواساة للفقراء , انتهى .
وأما إخراج القيمة عن زكاة الفطر , بأن يدفع بدلها دراهم , فهو خلاف السنة , فلا يجزئ ; لأنه لم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه إخراج القيمة في زكاة الفطر.
قال الإمام أحمد : لا يعطي القيمة . قيل له : قوم يقولون : إن عمر بن عبد العزيز كان يأخذ القيمة , قال : يدعون قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقولون : قال فلان , وقد قال ابن عمر : فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعا . .. الحديث ؟
ولا بد أن تصل صدقة الفطر إلى مستحقها في الموعد المحدد لإخراجها , أو تصل إلى وكيله الذي عمده في قبضها نيابة عنه , فإن لم يجد الدافع من أراد دفعها إليه , ولم يجد له وكيلا في الموعد المحدد , وجب دفعها إلى آخر .
وهنا يغلط بعض الناس , بحيث يودع زكاة الفطر عند شخص لم يوكله المستحق , وهذا لا يعتبر إخراجا صحيحا لزكاة الفطر , فيجب التنبيه عليه .
باب في إخراج الزكاة
إن من أهم أحكام الزكاة معرفة مصرفها الشرعي , لتكون واقعة موقعها , وواصلة إلى مستحقها , حتى تبرأ بذلك ذمة الدافع . فاعلم أيها المسلم أنه تجب المبادرة بإخراج الزكاة فور وجوبها في المال , لقوله تعالى : وَآتُوا الزَّكَاةَ والأمر المطلق يقتضي الفورية , وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما خالطت الزكاة مالا إلا أهلكته ولأن حاجة الفقير تستدعي المبادرة بدفعها إليه , وفي تأخيرها إضرار به , ولأن من وجبت عليه عرضة لحلول العوائق الطارئة كالإفلاس والموت , وذلك يؤدي إلى بقائها في ذمته , ولأن المبادرة بإخراجها أبعد عن الشح وأخلص للذمة , وهو مرضاة للرب , فلهذه المعاني يجب المبادرة بإخراج الزكاة , وعدم تأخيرها إلا لضرورة , كما لو أخرها ليدفعها إلى من هو أشد حاجة , أو لغيبة الحال , ونحو ذلك .
وتجب الزكاة في مال صبي ومال مجنون , لعموم الأدلة , ويتولى إخراجها عنهما وليهما في الحال ; لأن ذلك حق وجب عليهما تدخله النيابة .
ولا يجوز إخراج الزكاة إلا بنية , لقوله صلى الله عليه وسلم : إنما الأعمال بالنيات .
وإخراج الزكاة عمل , والأفضل أن يتولى صاحب المال توزيع الزكاة , ليكون على يقين من وصولها إلى مستحقيها , وله أن يوكل من يخرجها عنه , كأن طلبها إمام المسلمين , دفعها إليه , أو يدفعها إلى الساعي , وهو العامل الذي يرسله الإمام لجباية الزكوات .
ويستحب عند دفع الزكاة أن يدعو الدافع والآخذ , فيقول الدافع : " اللهم اجعلها مغنما ولا تجعلها مغرما , ويقول الآخذ : آجرك الله فيما أعطيت , وبارك لك فيما أبقيت , وجعله لك طهورا ".
قال الله تعالى : خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ أي : ادع لهم . قال عبد الله بن أبي أوفى : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم يصدقهم , قال : اللهم صل عليهم متفق عليه .
وإذا كان الشخص محتاجا , ومن عادته أخذ الزكاة , دفعها إليه دون أن يقول : هذه زكاة , لئلا يحرجه , وإن كان محتاجا , ولم يكن من عادته أخذ الزكاة , أعلمه بأنها زكاة .
والأفضل إخراج زكاة كل مال في بلده , بأن يوزعها على فقراء ذلك البلد الذي فيه المال , ويجوز نقلها إلى بلد آخر لمصلحة شرعية , كأن يكون له قرابة محتاجون ببلد آخر , أو من هم أشد حاجة ممن هم في البلد الذي فيه المال ; لأن الصدقات كانت تنقل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة , فيفرقها في فقراء المهاجرين والأنصار .
ويجب على إمام المسلمين بعث السعاة قرب زمن وجوب الزكاة لقبض زكاة الأموال الظاهرة كسائمة بهيمة الأنعام والزروع والثمار , لفعل النبي صلى الله عليه وسلم وفعل خلفائه رضي الله عنهم من بعده , وجرى عليه عمل المسلمين , ولأن من الناس من لو ترك , لم يخرج الزكاة , ومنهم من يجهل وجوب الزكاة , فإرسال السعاة فيه تدارك لهذا الخطر , وفي بعث السعاة أيضا تخفيف على الناس , وإعانة لهم على أداء الواجب .
والواجب على المسلم إخراج الزكاة عند وجوبها كما سبق من غير تأخير ولا تردد , ويجوز تعجيل إخراج الزكاة قبل وجوبها لحولين فأقل , لأن النبي صلى الله عليه وسلم تعجل من العباس صدقة سنتين كما رواه أحمد وأبو داود , فيجوز تعجيل الزكاة قبل وجوبها إذا انعقد سبب الوجوب عند جمهور العلماء , سواء كانت زكاة ماشية أو حبوب أو نقدين أو عروض تجارة إذا ملك النصاب , وترك التعجيل أفضل , خروجا من الخلاف .
باب في بيان أهل الزكاة ومن لا يجوز دفع الزكاة لهم
واعلم أنه لا يجزئ دفع الزكاة إلا للأصناف التي عينها الله في كتابه الكريم , قال تعالى : إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ فهؤلاء المذكورون في هذه الآية الكريمة هم أهل الزكاة الذين جعلهم الله محلا لدفعها إليهم , لا يجوز صرف شيء منها إلى غيرهم إجماعا .
وأخرج أبو داود وغيره عن زياد بن الحارث مرفوعا : إن الله لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها هو فجزأها ثمانية أجزاء . وقال النبي صلى اللهعليه وسلم للسائل : إن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك . وذلك أنه لما اعترض بعض المنافقين على النبي صلى الله عليه وسلم في الصدقات , بين الله تعالى أنه هو الذي قسمها , وبين حكمها , وتولى أمرها بنفسه , ولم يكل قسمتها إلى أحد غيره .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " يجب صرفها إلى الأصناف الثمانية إن كانوا موجودين , وإلا , صرفت إلى الموجود منهم , ونقلها إلى حيث يوجدون ". وقال : " لا ينبغي أن يعطى منها إلا من يستعين بها على طاعة الله , فإن الله فرضها معونة على طاعته لمن يحتاج إليها من المؤمنين أو من يعاونهم , فمن لا يصلي من أهل الحاجات , لا يعطى منها , حتى يتوب ويلتزم بأداء الصلاة " انتهى .
ولا يجوز صرف الزكاة في غير هذه المصارف التي عينها الله من المشاريع الخيرية الأخرى , كبناء المساجد والمدارس , لقوله تعالى : إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ الآية , و ( إنما ) تفيد الحصر , وتثبت الحكم لما بعدها , وتنفيه عما سواه , والمعنى : ليست الصدقات لغير هؤلاء , بل لهؤلاء خاصة , وإنما سمى الله الأصناف الثمانية , إعلاما منه أن الصدقة لا تخرج من هذه الأصناف إلى غيرها .
وهذه الأصناف تنقسم إلى قسمين :
القسم الأول : المحاويج من المسلمين .
القسم الثاني : من في إعطائهم معونة على الإسلام وتقوية له .
وقول الله تعالى : إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ففي هذه الآية الكريمة حصر لأصناف أهل الزكاة الذين لا يجوز صرف الزكاة إلا لهم , ولا يجزئ صرفها في غيرهم , وهم ثمانية أصناف:
أحدهم : الفقراء , وهم أشد حاجة من المساكين , لأن الله تعالى بدأ بهم , وإنما يبدأ بالأهم فالأهم , والفقراء هم الذين لا يجدون شيئا يكتفون به في معيشتهم , ولا يقدرون على التكسب , أو يجدون بعض الكفاية , فيعطون من الزكاة كفايتهم إن كانوا لا يجدون منها شيئا , أو يعطون تمام كفايتهم إن كانوا يجدون بعضها لعام كامل .
الثاني : المساكين , وهم أحسن حالا من الفقراء , فالمسكين هو الذي يجد أكثر كفايته أو نصفها , فيعطى من الزكاة تمام كفايته لعام كامل .
الثالث : العاملون عليها , وهم العمال الذين يقومون بجمع الزكاة من أصحابها , ويحفظونها , ويوزعونها على مستحقيها بأمر إمام المسلمين , فيعطون من الزكاة قدر أجرة عملهم , إلا إن كان ولي الأمر قد رتب لهم رواتب من بيت المال على هذا العمل , فلا يجوز أن يعطوا شيئا من الزكاة , كما هو الجاري في هذا الوقت , فإن العمال يعطون من قبل الدولة , فيأخذون انتدابات على عملهم في الزكاة , فهؤلاء حرام عليهم أن يأخذوا من الزكاة شيئا عن عملهم ; لأنهم قد أعطوا أجرة عملهم من غيرها .
الرابع : المؤلفة قلوبهم : جمع مؤلف من التأليف وهو جمع القلوب , والمؤلفة قلوبهم قسمان : كفار ومسلمون , فالكافر يعطى من الزكاة إذا رجي إسلامه لتقوى نيته على الدخول في الإسلام وتشتد رغبته , أو إذا حصل بإعطائه كف شره عن المسلمين أو شر غيره , والمسلم المؤلف يعطى من الزكاة لتقوية إيمانه , أو رجاء إسلام نظيره . .. ونحو ذلك من الأغراض الصحيحة المفيدة للمسلمين , والإعطاء للتأليف إنما يعمل به عند الحاجة إليه فقط ; لأن عمر وعثمان وعليا رضي الله عنهم تركوا الإعطاء للتأليف , لعدم الحاجة إليه في وقتهم
الخامس : الرقاب , وهم الأرقاء المكاتبون الذين لا يجدون وفاء , فيعطى المكاتب ما يقدر به على وفاء دينه حتى يعتق ويخلص من الرق , ويجوز أن يشتري المسلم من زكاته عبدا فيعتقه , ويجوز أن يفتدى من الزكاة الأسير المسلم ; لأن في ذلك فك رقبة المسلم من الأسر .
السادس : الغارم , وانفراد بالغارم المدين , وهو نوعان :
أحدهما : غارم لغيره , وهو الغارم لأجل إصلاح ذات البين , بأن يقع بين قبيلتين أو قريتين نزاع في دماء أو أموال , ويحدث بسبب ذلك بينهم شحناء وعداوة , فيتوسط الرجل بالصلح بينهما , ويلتزم في ذمته مالا عوضا عما بينهم , ليطفئ الفتنة , فيكون قد عمل معروفا عظيما , من المشروع حمله عنه من الزكاة , لئلا تجحف الحمالة بماله , وليكون ذلك تشجيعا له ولغيره على مثل هذا العمل الجليل , الذي يحصل به كف الفتن والقضاء على الفساد , بل لقد أباح الشارع لهذا الغارم المسألة لتحقيق هذا الغرض بما ففي " صحيح مسلم " عن قبيصة , قال : تحولت حمالة , فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها
الثاني : الغارم لنفسه , كأن يفتدي نفسه من كفار , أو يكون عليه دين لا يقدر على تسديده , فيعطى من الزكاة ما يسدد به دينه , لقوله تعالى : وَالْغَارِمِينَ
السابع : في سبيل الله , بأن يعطى من الزكاة الغزاة المتطوعة الذين لا رواتب لهم من بيت المال ; لأن المراد بسبيل الله عند الإطلاق الغزو , قال تعالى : إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ وقال تعالى : وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ
الثامن : ابن السبيل , وهو المسافر المنقطع به في سفره بسبب نفاد ما معه أو ضياعه ; لأن السبيل هو الطريق , فسمي من لزمه ابن السبيل , فيعطى ابن السبيل ما يوصله إلى بلده , وإن كان في طريقه إلى بلد قصده , أعطي ما يوصله ذلك البلد , وما يرجع به إلى بلده , ويدخل في ابن السبيل الضيف كما قال ابن عباس وغيره , وإن بقي مع ابن السبيل أو الغازي أو الغارم أو المكاتب شيء مما أخذوه من الزكاة زائدا عن حاجتهم , وجب عليهم رده ; لأنه لا يملك ما أخذه ملكا مطلقا , وإنما يملكه ملكا مراعى بقدر الحاجة , وتحقق السبب الذي أخذه من أجله , فإذا زال السبب , زال الاستحقاق .
واعلم أنه يجوز صرف جميع الزكاة في صنف واحد من هذه الأصناف المذكورة , قال تعالى : وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ولحديث معاذ حين بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن , فقال : أعلمهم أن الله قد افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم متفق عليه , فلم يذكر في الآية والحديث إلا صنفا واحدا , فدل على جواز صرفها إليه .
ويجزئ الاقتصار على إنسان واحد , لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بني زريق بدفع صدقتهم إلى سلمة بن صخر رواه أحمد , وقال صلى الله عليه وسلم لقبيصة : أقم يا قبيصة حتى تأتينا الصدقة , فنأمر لك بها فدل الحديثان على جواز الاقتصار على شخص واحد من الأصناف الثمانية .
ويستحب دفعها إلى أقاربه المحتاجين الذين لا تلزمه نفقتهم الأقرب فالأقرب , لقوله صلى الله عليه وسلم : صدقتك على ذي القرابة صدقة وصلة رواه الخمسة وحسنه الترمذي ._
ولا يجوز دفع الزكاة إلى بني هاشم , ويدخل فيهم : آل العباس , وآل علي , وآل جعفر , وآل عقيل , وآل الحارث بن عبد المطلب , وآل أبي لهب , لقوله صلى الله عليه وسلم إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد , وإنما هي أوساخ الناس أخرجه مسلم .
ولا يجوز دفع الزكاة إلى امرأة فقيرة إذا كانت تحت زوج غني ينفق عليها , ولا إلى فقير إذا كان له قريب غني ينفق عليه , لاستغنائهم بتلك النفقة عن الأخذ من الزكاة .
ولا يجوز للإنسان أن يدفع زكاة ماله إلى أقاربه الذين يلزمه الإنفاق عليهم , لأنه يقي بها ماله حينئذ , أما من كان ينفق عليه تبرعا , فإنه يجوز أن يعطيه من زكاته , ففي " الصحيح " أن امرأة عبد الله سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بني أخ لها أيتام في حجرها , أفتعطيهم زكاتها , قال : نعم
ولا يجوز دفع زكاته إلى أصوله , وهم آباؤه وأجداده , ولا إلى فروعه , وهم أولاده وأولاد أولاده . ولا يجوز له دفع زكاته إلى زوجته , لأنها مستغنية بإنفاقه عليها , ولأنه يقي بها ماله . ويجب على المسلم أن يتثبت من دفع الزكاة , فلو دفعها لمن ظنه مستحقا , فتبين أنه غير مستحق , لم تجزئه , أما إذا لم يتبين عدم استحقاقه , فالدفع إليه يجزئ , اكتفاء بغلبة الظن , ما لم يظهر خلافه , لأن النبي صلى الله عليه وسلم حينما أتاه رجلان يسألانه من الصدقة فقلب فيهما البصر , ورآهما جلدين , فقال : إن شئتما أعطيتكما منها , ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب
باب في الصدقة المستحبة
وإلى جانب الزكاة الواجبة في المال هناك صدقة مستحبة تشرع كل وقت لإطلاق الحث عليها في الكتاب والسنة والترغيب فيها , فقد حث الله عليها في كتابه العزيز في آيات كثيرة : قال تعالى : وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ ، وقال تعالى : وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ، وقال تعالى : مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : إن الصدقة لتطفئ غضب الرب وتدفع ميتة السوء رواه الترمذي وحسنه. وفي " الصحيحين " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله . .. وذكر منهم : ورجلا تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ، والأحاديث قي هذا كثيرة .
وصدقة السر أفضل , لقوله تعالى : وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ولأنه أبعد عن الرياء , إلا أن يترتب على إظهار الصدقة وإعلانها مصلحة راجحة من اقتداء الناس به .
وينبغي أن تكون طيبة بها نفسه , غير ممتن بها على المحتاج , قال تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى ، والصدقة في حال الصحة أفضل , قال صلى الله عليه وسلم لما سئل : أي الصدقة أفضل , قال : أن تصدق وأنت صحيح شحيح , تأمل الغنى وتخشى الفقر
والصدقة في الحرمين الشريفين أفضل , لأمر الله بها في قوله : فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ .
والصدقة في رمضان أفضل , لقول ابن عباس : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس , وكان أجود ما يكون في رمضان , حين يلقاه جبريل , فكان أجود بالخير من الريح المرسلة .
والصدقة في أوقات الحاجة أفضل , قال تعالى : أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ .
كما أن الصدقة على الأقارب والجيران أفضل منها على الأبعدين , فقد أوصى الله بالأقارب , وجعل لهم حقا على قريبهم في كثير من الآيات , كقوله تعالى : وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وقال عليه الصلاة والسلام : الصدقة على المسكين صدقة , وعلى ذي الرحم اثنتان : صدقة وصلة رواه الخمسة وغيرهم , وفي " الصحيحين " : أجران : أجر القرابة , وأجر الصدقة .
ثم اعلم أن في المال حقوقا سوى الزكاة , نحو مواساة القرابة , وصلة الإخوان , لإعطاء سائل , وإعارة محتاج , وإنظار معسر , وإقراض مقترض , قال تعالى : وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ .
ويجب إطعام الجائع وقري الضيف وكسوة العاري وسقي الظمآن , بل ذهب الإمام مالك رحمه الله إلى أنه يجب على المسلمين فداء أسراهم وإن استغرق ذلك أموالهم .
كما أنه يشرع لمن حصل على مال وبحضرته أناس من الفقراء والمساكين أن يتصدق عليهم منه , قال تعالى : وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وقال تعالى : وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا وهذه من محاسن دين الإسلام ; لأنه دين المواساة والرحمة , ودين التعاون والتآخي في الله , فما أجمله من دين وما أحكمه من تشريع. نسأل الله تعالى أن يرزقنا البصيرة في دينه والتمسك بشريعته , إنه سميع عليم .
3
يتوجب عليك تسجيل الدخول او تسجيل لروئية الموضوع
 
أعلى