أم أحمد و عبد الرحمان
عضو مميز
- إنضم
- 3 يونيو 2012
- المشاركات
- 2,918
- النقاط
- 38
- الإقامة
- تونس الخضراء
- احفظ من كتاب الله
- الحمد لله
- احب القراءة برواية
- قالون
- القارئ المفضل
- الحذيفي / أبو عبد الله
- الجنس
- أخت
لقد شاع بين كثير من الناس أن المرأة الملازمة لبيتها،القائمة بوظيفة التربية والعناية بالبيت،إنسان معطل،موؤود القدرات والمواهب،لا يلعب أي دور في تنمية المجتمع،وترقية النوع البشري!
وروج لهذه الفكرة كثير من العلمانيين الرافضين لتحكيم الدين في التصور والسلوك،والرافضين لانتشار أحكامه وآدابه في المجتمع.
وزعموا أن المجتمع الذي يكثر فيه هذا الصنف من النساء كالإنسان الذي يتنفس برئة واحدة! وأريد في هذه السطور أن أسلط ضوء النقد الهادف –بما يناسب حجم المقال- على هذه الأطروحة لإظهار ما في زواياها من تدليس، وما في خباياها من مغالطات،لا يسع باحثا منصفا،فضلا عن محب للإصلاح السكوت عنها. فأقول وبالله التوفيق:
الأصل الشرعي في هذا الباب قول الله تعالى:{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى}(الأحزاب33) و بين نبينا الآية بقوله: «قد أذن الله لكن أن تخرجن لحوائجكن»(متفق عليه)
وقد أورد هذا الحديث الإمام البخاري تحت (باب خروج النساء لحوائجهن)
و فقه المسألة:أن من الآداب التي دعا الشارع الحكيم إليها المرأة: أن يكون الأصل فيها القرار في البيت وأن لا تكون كثيرة الخروج منه،وهذا الخروج جائز للحاجة كطلب علم أو صلة رحم أو نزهة ..
وقد يكون العمل للتكسب أو إسداء خدمة للمجتمع من الحاجة ، فيجوز لها الخروج إليه ويؤكد ذلك ما يلي: عن جابر رضي الله عنه قال: طلقت خالتي ثلاثا فخرجت تَجُذُّ نخلا لها فلقيها رجل فنهاها، فأتت النبي فذكرت ذلك له. فقال لها: «اخرجي فجذي نخلك».(رواه مسلم)
"وإذا نظرنا إلى واقع الحياة وتقلّباتها، نجد أن:
المرأة قد تضطرها صروف الدهر إلى التكسب لتقيم أودها؛ إما لفقدان العائل أو رغبة في مساعدته على أعباء المعيشة وتكاليفها، وقد يحتاج المجتمع المسلم إلى أعمال هي من صميم اختصاص النساء..."، فكان هذا من الحاجة التي تبيح لها - مع مراعاة الضوابط الشرعية- الخروج للعمل والتكسب.
لكن ليس في ذلك ما يقتضي جعل خروجها ديدنا وأصلا. بل الأصل هو القرار في البيت كما سبق. أما المخالفون فيريدون أن يكون الأصل في المرأة هو العمل خارج البيت وأن تكون مساوية للرجل في ذلك، ويجعلون ذلك من حقوقها. ويرون أن قرارها في البيت يجعلها إنسانا معطلا؛لا إسهام له في تنمية مجتمعه وإصلاحه وترقية النوع الإنساني!
وبتبنيهم لهذه القناعة المقلوبة عرضوا سفينة الحياة الأسرية والاجتماعية إلى عواصف مدمرة، وأمواج مهلكة نشاهد آثارها صباح مساء.
وبيان ذلك بأن نقول: إنه لابد –في خضم الحياة الاجتماعية- للمرأة من عمل ولا بد للرجل من عمل، فهما متساويان من هذه الناحية. لكن طبيعتهما البيولوجية والنفسية من جهة، ومتطلبات الحياة الأسرية والاجتماعية من جهة أخرى، هذا يدل على أنهما لم يخلقا ليعملا في مجال واحد، ولذلك يتعين التفريق بينهما في نوع العمل.
يقول أحد الباحثين:"وإذا نظرنا إلى جنس انقسم إلى نوعين فيجب أن نقول إنه لم ينقسم إلى نوعين إلا لأداء مهمتين، وإلا لو كانت المهمة واحدة لظل الجنس واحدا، ولم ينقسم إلى نوعين؛ فالليل والنهار نوعان لجنس واحد هو الزمن، وهذا التنوع أدى إلى أن يكون لليل مهمة هي السكن، وأن يكون للنهار مهمة هي السعي والكدح، والرجل والمرأة بهذا الشكل نوعان لجنس هو الإنسان فكأن هناك أشياء تطلب من كل منهما كإنسان، وبعد ذلك أشياء تطلب من الرجل كرجل ومن المرأة كامرأة".
وقد راعى الإسلام هذه الحقيقة فيما شرعه من جعل الأصل في المرأة قرارها في البيت،وجعل أهم أعمالها الحضارية في هذا الإطار.
وأساس هذا العمل يتمثل في رعاية البيت والقيام على مصالحه؛وأعظمها:تربية الطفل تربية ذات أبعاد مهمة وحساسة، تلعب أكبر الدور في رقي الأمة وقوتها.
ووظيفة التربية هذه من أقدس الوظائف وأدعاها للعناية والاهتمام؛ فإن الطفل عندما يخرج من ذلك العالم الغيبي يكون مرآة خالية من جميع الصور، مبرأة من جميع الشوائب الأخلاقية والمعايب النفسية، وقابلة لأن ترسم كل صورة عرضت إليها على علاتها، ولكل من هذه الصور لوازم وآثار تؤثر على وجدان الطفل عندما يشب وتسوقه رغم أنفه إلى الوجهة التي تهيئها له.
فإما الجبن أو الشجاعة وإما الكرم أو البخل وإما البشاشة أو العبوس... إلى غير ذلك من الفضائل
والرذائل التي ما هي إلا آثار تلك الصور التي ارتسمت في مخه وهو خلي الذهن من كل شيء، فإذا كان الناس قد اعتادوا على أن ينظروا إلى من ورث مالا فأساء التصرف فيه، بعين الآسف المتلهب فكان بالأولى يجب عليهم أن ينظروا بتلك العين إلى الأم الجاهلة بشرائط تلك التربية، بل شتان بين كنز يبذر
وبين نفس كريمة تقتل قتلا أدبيا، فيشب صاحبها رغم أنفه جائحة على بني جلدته ومصيبة على إخوان ملته، أو بالأقل غير نافع لقومه وعشيرته، مع أنه لو كان ممن أسعده الحظ فأحسنت أمه تربية مواهبه وتنمية ملكاته لشب وهو واحد من أولئك الأفراد الذين تسعد بهم الأمم وترقى بفهمهم إلى أوج الجلال
والعظم".
والواقع أكبر دليل على خطورة تخلي المرأة عن هذا العمل أو التقصير فيه؛و يتمثل هنا فيما انتشر في الأمة من هذا القطيع المدمر من الشباب والشابات،الذين يشكلون حجر عثرة في وجه صلاح الأمة ورقيها،بما هم عليه من انحراف في السلوك والخلق،وضعف في العلم والعمل،همُّ الواحد منهم لا يتجاوز شهواته،وسعيه يدور في فلك اللهو ومصالحه المادية فحسب.
..إن الأمة لن يرجع إليها أبدا عزها الغابر،ومجدها الأثيل،مع كثرة هذا النوع من الناس بين أفرادها المؤثرين؟!
والواجب المذكور،لا يضطلع به في أمتنا العربية إلا فتية آمنوا بربهم،واستقاموا على صراطه،وجعلوا من أنفسهم أداة بناء وإنتاج،ووسيلة إصلاح ورقي وتنمية.
ولاشك أن البيت والأسرة هو أول وأهم من يلعب دورا في وضع النشئ في هذا المسار العظيم.
ومن المؤكد أنه المسؤول الأول عن كل الانحرافات التي تجعل شبابنا يتقاعسون عن القيام بهذا الواجب،بل يشكلون عائقا أمام تحققه.
والمرأة شرعا وطبيعة هي المؤهلة للاضطلاع بالجانب الأكبر من هذه المسؤولية؛ كما يشير إلى ذلك الحديث الشريف:
عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ... والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسئولة عنهم".(رواه مسلم)
قال النووي:" قال العلماء الراعي هو الحافظ المؤتمن الملتزم صلاح ما قام عليه وهو ما تحت نظره ففيه أن كل من كان تحت نظره شيء فهو مطالب بالعدل فيه والقيام بمصالحه في دينه ودنياه ومتعلقاته".
فربة البيت مطالبة بالقيام بمصالحه ومتعلقاته،وهي أمانة ومسؤولية،تجعلها على قمة هرم العاملين والمساهمين في إصلاح المجتمع وتنميته.
ولا ينبغي لعاقل أن يماري في أن البيت أحوج إلى المرأة من حاجة المحاكم والوزارات والإدارات والشركات إليها. وهذه المرافق لا تتضرر بغياب المرأة كما تضرر بذلك الأسرة. وكل منصف متجرد يعلم أن حاجة الولد إلى أمه أعظم من حاجة المجتمع إلى قاضية تنصف المظلوم وتعاقب المجرم،أو وزيرة تدبر بعض الشؤون السياسية أو الاقتصادية..أو غيرها,فضلا عما هو دون ذلك من الأعمال؛ فإن هذه الأخيرة تعوض, أما الأم فلا تعوض أبدا.
فهذا العامل المؤثر راعاه الإسلام في تشريعه المعجز،وجعله نصب عينيه حين أمر المرأة أن يكون وجودها في البيت هو الأصل،وخروجها طارئ.
وتأمل كيف جاءت أحكام الشريعة -التي لها علاقة بالباب-منسجمة مع هذا الأصل؛والتي منها:
إعفاء المرأة من وجوب شهود الجمعة،ووجوب أداء الصلوات الخمس في المسجد،ووجوب المشاركة في الجهاد،ووجوب السعي لتحصيل قوت الأسرة...
فإن من الحكمة البالغة في ذلك:مراعاة رسالتها الحضارية،وتفريغها لها،وتمكينها من أدائها على أكمل الوجوه.
وقد راعى التشريع الرباني كذلك ما هو مشاهد من حاجة كثير من النساء للعمل خارج البيت للتكسب،وحاجة المجتمع للمرأة كطبيبة أو ممرضة أو معلمة أو ناشطة في أعمال اقتصادية أو اجتماعية ..أو غير ذلك؛فضلا عن حاجتها للخروج لأداء حق أو تحصيل مطلب.. فأتاح لها الخروج لذلك مع حثه لها على الالتزام بالآداب الشرعية التي تصون كرامتها وعرضها.
وهذا يظهر عظمة الإسلام وسمو تشريعاته التي تنسجم مع السنن الكونية والطبيعة البشرية، وتُكون معها وحدة متكاملة منسجمة تحقق مصالح الإنسان المختلفة.
..إن الإسلام لا يرى في المرأة أنها نصف المجتمع فحسب، بل يرى فيها أكثر من ذلك حين مكنها –بما أناطه بها من مهمة تنشئة الأجيال- من صنع أفراد المجتمع الذي يُحكم بنجاحه إذا نجحوا وبفشله إذا فشلوا.
وهذه الصنعة الشريفة لا تدانيها أهمية صنعة تتخذ فيها المرأة قرارت سياسية،أو أخرى تقوم فيها بترتيبات إدارية،أو غير ذلك من الوظائف والأعمال...
فأحسن الله عزاءنا في فكر العلمانيين والمستغربين الذي يرى في حكم الإسلام تخلفا ورجعية، بينما هو من أهم عوامل الإصلاح والتنمية.
ولابد أن أشير هاهنا إلى أن هذه المصالح المتوخاة من الحُكم المذكور لا تظهر، ويكون لها وزن وتأثير إلا إذا كانت ممارسة المرأة لوظيفة تربية الأطفال قائمة على دراسة قوانين هذه التربية ومطالعة أسرارها وسبر أغوارها وقائمة على الوعي التام بالبعد الحضاري لهذه الوظيفة، وهذا أمر تفتقده –للأسف- جل
نسائنا بسبب فشو الجهل والأمية،وبسبب انتشار الثقافة المعكوسة التي تجعل المرأة العاملة خارج البيت في مرتبة أعلى من مرتبة المرأة العاملة داخله،بل تجعل هذه الأخيرة يدا مشلولة في جسد الأمة،وآلة معطلة في مصانعها! مما أدى إلى نفور أكثر النساء من عمل البيت واحتقاره،وهذا موقف مقلوب بني على جهل مركب،وقديما قال فرعون:{ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى فَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ}(غافر26)!
كما أؤكد أن نجاح ربة البيت في رسالتها السامية هذه،متوقف إلى حد كبير على قيام شقيقها الرجل بواجبه،أبا وابنا وأخا،ومتوقف أيضا على تحمل المجتمع لمسؤولياته في هذه القضية الحساسة...
والله الموفق،لا رب سواه،ولا إلاه غيره.
وروج لهذه الفكرة كثير من العلمانيين الرافضين لتحكيم الدين في التصور والسلوك،والرافضين لانتشار أحكامه وآدابه في المجتمع.
وزعموا أن المجتمع الذي يكثر فيه هذا الصنف من النساء كالإنسان الذي يتنفس برئة واحدة! وأريد في هذه السطور أن أسلط ضوء النقد الهادف –بما يناسب حجم المقال- على هذه الأطروحة لإظهار ما في زواياها من تدليس، وما في خباياها من مغالطات،لا يسع باحثا منصفا،فضلا عن محب للإصلاح السكوت عنها. فأقول وبالله التوفيق:
الأصل الشرعي في هذا الباب قول الله تعالى:{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى}(الأحزاب33) و بين نبينا الآية بقوله: «قد أذن الله لكن أن تخرجن لحوائجكن»(متفق عليه)
وقد أورد هذا الحديث الإمام البخاري تحت (باب خروج النساء لحوائجهن)
و فقه المسألة:أن من الآداب التي دعا الشارع الحكيم إليها المرأة: أن يكون الأصل فيها القرار في البيت وأن لا تكون كثيرة الخروج منه،وهذا الخروج جائز للحاجة كطلب علم أو صلة رحم أو نزهة ..
وقد يكون العمل للتكسب أو إسداء خدمة للمجتمع من الحاجة ، فيجوز لها الخروج إليه ويؤكد ذلك ما يلي: عن جابر رضي الله عنه قال: طلقت خالتي ثلاثا فخرجت تَجُذُّ نخلا لها فلقيها رجل فنهاها، فأتت النبي فذكرت ذلك له. فقال لها: «اخرجي فجذي نخلك».(رواه مسلم)
"وإذا نظرنا إلى واقع الحياة وتقلّباتها، نجد أن:
المرأة قد تضطرها صروف الدهر إلى التكسب لتقيم أودها؛ إما لفقدان العائل أو رغبة في مساعدته على أعباء المعيشة وتكاليفها، وقد يحتاج المجتمع المسلم إلى أعمال هي من صميم اختصاص النساء..."، فكان هذا من الحاجة التي تبيح لها - مع مراعاة الضوابط الشرعية- الخروج للعمل والتكسب.
لكن ليس في ذلك ما يقتضي جعل خروجها ديدنا وأصلا. بل الأصل هو القرار في البيت كما سبق. أما المخالفون فيريدون أن يكون الأصل في المرأة هو العمل خارج البيت وأن تكون مساوية للرجل في ذلك، ويجعلون ذلك من حقوقها. ويرون أن قرارها في البيت يجعلها إنسانا معطلا؛لا إسهام له في تنمية مجتمعه وإصلاحه وترقية النوع الإنساني!
وبتبنيهم لهذه القناعة المقلوبة عرضوا سفينة الحياة الأسرية والاجتماعية إلى عواصف مدمرة، وأمواج مهلكة نشاهد آثارها صباح مساء.
وبيان ذلك بأن نقول: إنه لابد –في خضم الحياة الاجتماعية- للمرأة من عمل ولا بد للرجل من عمل، فهما متساويان من هذه الناحية. لكن طبيعتهما البيولوجية والنفسية من جهة، ومتطلبات الحياة الأسرية والاجتماعية من جهة أخرى، هذا يدل على أنهما لم يخلقا ليعملا في مجال واحد، ولذلك يتعين التفريق بينهما في نوع العمل.
يقول أحد الباحثين:"وإذا نظرنا إلى جنس انقسم إلى نوعين فيجب أن نقول إنه لم ينقسم إلى نوعين إلا لأداء مهمتين، وإلا لو كانت المهمة واحدة لظل الجنس واحدا، ولم ينقسم إلى نوعين؛ فالليل والنهار نوعان لجنس واحد هو الزمن، وهذا التنوع أدى إلى أن يكون لليل مهمة هي السكن، وأن يكون للنهار مهمة هي السعي والكدح، والرجل والمرأة بهذا الشكل نوعان لجنس هو الإنسان فكأن هناك أشياء تطلب من كل منهما كإنسان، وبعد ذلك أشياء تطلب من الرجل كرجل ومن المرأة كامرأة".
وقد راعى الإسلام هذه الحقيقة فيما شرعه من جعل الأصل في المرأة قرارها في البيت،وجعل أهم أعمالها الحضارية في هذا الإطار.
وأساس هذا العمل يتمثل في رعاية البيت والقيام على مصالحه؛وأعظمها:تربية الطفل تربية ذات أبعاد مهمة وحساسة، تلعب أكبر الدور في رقي الأمة وقوتها.
ووظيفة التربية هذه من أقدس الوظائف وأدعاها للعناية والاهتمام؛ فإن الطفل عندما يخرج من ذلك العالم الغيبي يكون مرآة خالية من جميع الصور، مبرأة من جميع الشوائب الأخلاقية والمعايب النفسية، وقابلة لأن ترسم كل صورة عرضت إليها على علاتها، ولكل من هذه الصور لوازم وآثار تؤثر على وجدان الطفل عندما يشب وتسوقه رغم أنفه إلى الوجهة التي تهيئها له.
فإما الجبن أو الشجاعة وإما الكرم أو البخل وإما البشاشة أو العبوس... إلى غير ذلك من الفضائل
والرذائل التي ما هي إلا آثار تلك الصور التي ارتسمت في مخه وهو خلي الذهن من كل شيء، فإذا كان الناس قد اعتادوا على أن ينظروا إلى من ورث مالا فأساء التصرف فيه، بعين الآسف المتلهب فكان بالأولى يجب عليهم أن ينظروا بتلك العين إلى الأم الجاهلة بشرائط تلك التربية، بل شتان بين كنز يبذر
وبين نفس كريمة تقتل قتلا أدبيا، فيشب صاحبها رغم أنفه جائحة على بني جلدته ومصيبة على إخوان ملته، أو بالأقل غير نافع لقومه وعشيرته، مع أنه لو كان ممن أسعده الحظ فأحسنت أمه تربية مواهبه وتنمية ملكاته لشب وهو واحد من أولئك الأفراد الذين تسعد بهم الأمم وترقى بفهمهم إلى أوج الجلال
والعظم".
والواقع أكبر دليل على خطورة تخلي المرأة عن هذا العمل أو التقصير فيه؛و يتمثل هنا فيما انتشر في الأمة من هذا القطيع المدمر من الشباب والشابات،الذين يشكلون حجر عثرة في وجه صلاح الأمة ورقيها،بما هم عليه من انحراف في السلوك والخلق،وضعف في العلم والعمل،همُّ الواحد منهم لا يتجاوز شهواته،وسعيه يدور في فلك اللهو ومصالحه المادية فحسب.
..إن الأمة لن يرجع إليها أبدا عزها الغابر،ومجدها الأثيل،مع كثرة هذا النوع من الناس بين أفرادها المؤثرين؟!
والواجب المذكور،لا يضطلع به في أمتنا العربية إلا فتية آمنوا بربهم،واستقاموا على صراطه،وجعلوا من أنفسهم أداة بناء وإنتاج،ووسيلة إصلاح ورقي وتنمية.
ولاشك أن البيت والأسرة هو أول وأهم من يلعب دورا في وضع النشئ في هذا المسار العظيم.
ومن المؤكد أنه المسؤول الأول عن كل الانحرافات التي تجعل شبابنا يتقاعسون عن القيام بهذا الواجب،بل يشكلون عائقا أمام تحققه.
والمرأة شرعا وطبيعة هي المؤهلة للاضطلاع بالجانب الأكبر من هذه المسؤولية؛ كما يشير إلى ذلك الحديث الشريف:
عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ... والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسئولة عنهم".(رواه مسلم)
قال النووي:" قال العلماء الراعي هو الحافظ المؤتمن الملتزم صلاح ما قام عليه وهو ما تحت نظره ففيه أن كل من كان تحت نظره شيء فهو مطالب بالعدل فيه والقيام بمصالحه في دينه ودنياه ومتعلقاته".
فربة البيت مطالبة بالقيام بمصالحه ومتعلقاته،وهي أمانة ومسؤولية،تجعلها على قمة هرم العاملين والمساهمين في إصلاح المجتمع وتنميته.
ولا ينبغي لعاقل أن يماري في أن البيت أحوج إلى المرأة من حاجة المحاكم والوزارات والإدارات والشركات إليها. وهذه المرافق لا تتضرر بغياب المرأة كما تضرر بذلك الأسرة. وكل منصف متجرد يعلم أن حاجة الولد إلى أمه أعظم من حاجة المجتمع إلى قاضية تنصف المظلوم وتعاقب المجرم،أو وزيرة تدبر بعض الشؤون السياسية أو الاقتصادية..أو غيرها,فضلا عما هو دون ذلك من الأعمال؛ فإن هذه الأخيرة تعوض, أما الأم فلا تعوض أبدا.
فهذا العامل المؤثر راعاه الإسلام في تشريعه المعجز،وجعله نصب عينيه حين أمر المرأة أن يكون وجودها في البيت هو الأصل،وخروجها طارئ.
وتأمل كيف جاءت أحكام الشريعة -التي لها علاقة بالباب-منسجمة مع هذا الأصل؛والتي منها:
إعفاء المرأة من وجوب شهود الجمعة،ووجوب أداء الصلوات الخمس في المسجد،ووجوب المشاركة في الجهاد،ووجوب السعي لتحصيل قوت الأسرة...
فإن من الحكمة البالغة في ذلك:مراعاة رسالتها الحضارية،وتفريغها لها،وتمكينها من أدائها على أكمل الوجوه.
وقد راعى التشريع الرباني كذلك ما هو مشاهد من حاجة كثير من النساء للعمل خارج البيت للتكسب،وحاجة المجتمع للمرأة كطبيبة أو ممرضة أو معلمة أو ناشطة في أعمال اقتصادية أو اجتماعية ..أو غير ذلك؛فضلا عن حاجتها للخروج لأداء حق أو تحصيل مطلب.. فأتاح لها الخروج لذلك مع حثه لها على الالتزام بالآداب الشرعية التي تصون كرامتها وعرضها.
وهذا يظهر عظمة الإسلام وسمو تشريعاته التي تنسجم مع السنن الكونية والطبيعة البشرية، وتُكون معها وحدة متكاملة منسجمة تحقق مصالح الإنسان المختلفة.
..إن الإسلام لا يرى في المرأة أنها نصف المجتمع فحسب، بل يرى فيها أكثر من ذلك حين مكنها –بما أناطه بها من مهمة تنشئة الأجيال- من صنع أفراد المجتمع الذي يُحكم بنجاحه إذا نجحوا وبفشله إذا فشلوا.
وهذه الصنعة الشريفة لا تدانيها أهمية صنعة تتخذ فيها المرأة قرارت سياسية،أو أخرى تقوم فيها بترتيبات إدارية،أو غير ذلك من الوظائف والأعمال...
فأحسن الله عزاءنا في فكر العلمانيين والمستغربين الذي يرى في حكم الإسلام تخلفا ورجعية، بينما هو من أهم عوامل الإصلاح والتنمية.
ولابد أن أشير هاهنا إلى أن هذه المصالح المتوخاة من الحُكم المذكور لا تظهر، ويكون لها وزن وتأثير إلا إذا كانت ممارسة المرأة لوظيفة تربية الأطفال قائمة على دراسة قوانين هذه التربية ومطالعة أسرارها وسبر أغوارها وقائمة على الوعي التام بالبعد الحضاري لهذه الوظيفة، وهذا أمر تفتقده –للأسف- جل
نسائنا بسبب فشو الجهل والأمية،وبسبب انتشار الثقافة المعكوسة التي تجعل المرأة العاملة خارج البيت في مرتبة أعلى من مرتبة المرأة العاملة داخله،بل تجعل هذه الأخيرة يدا مشلولة في جسد الأمة،وآلة معطلة في مصانعها! مما أدى إلى نفور أكثر النساء من عمل البيت واحتقاره،وهذا موقف مقلوب بني على جهل مركب،وقديما قال فرعون:{ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى فَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ}(غافر26)!
كما أؤكد أن نجاح ربة البيت في رسالتها السامية هذه،متوقف إلى حد كبير على قيام شقيقها الرجل بواجبه،أبا وابنا وأخا،ومتوقف أيضا على تحمل المجتمع لمسؤولياته في هذه القضية الحساسة...
والله الموفق،لا رب سواه،ولا إلاه غيره.
يتوجب عليك
تسجيل الدخول
او
تسجيل
لروئية الموضوع