الموسوعة الفقهية / الجزء الثاني
أجل
التّعريف
1 - أجل الشّيء لغةً : مدّته ووقته الّذي يحلّ فيه ، وهو مصدر أجل الشّيء أجلاً من باب تعب ، وأجّلته تأجيلاً جعلت له أجلاً ، والآجل - على وزن فاعل - خلاف العاجل . إطلاقات الأجل في كتاب اللّه تعالى :
2 - ورد إطلاق الأجل على أمور :
أ - على نهاية الحياة : قال اللّه تعالى : { ولكلّ أمّة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعةً ولا يستقدمون } .
ب - وعلى نهاية المدّة المضروبة أجلاً لانتهاء التزام أو لأدائه . قال اللّه تعالى : { يا أيّها الّذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمًّى فاكتبوه } .
ج - وعلى المدّة أو الزّمن . قال جلّ شأنه : { ونقرّ في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمًّى } .
الأجل في اصطلاح الفقهاء
3 - الأجل هو المدّة المستقبلة الّتي يضاف إليها أمر من الأمور ، سواء كانت هذه الإضافة أجلاً للوفاء بالتزام ، أو أجلاً لإنهاء التزام ، وسواء كانت هذه المدّة مقرّرةً بالشّرع ، أو بالقضاء ، أو بإرادة الملتزم فرداً أو أكثر . وهذا التّعريف يشمل : أوّلاً : الأجل الشّرعيّ ، وهو المدّة المستقبلة الّتي حدّدها المشرّع الحكيم سبباً لحكم شرعيّ ، كالعدّة . ثانياً : الأجل القضائيّ : وهو المدّة المستقبلة الّتي يحدّدها القضاء أجلاً لأمر من الأمور كإحضار الخصم ، أو البيّنة . ثالثاً : الأجل الاتّفاقيّ ، وهو المدّة المستقبلة الّتي يحدّدها الملتزم موعداً للوفاء بالتزامه ( أجل الإضافة ) ، أو لإنهاء تنفيذ هذا الالتزام ( أجل التّوقيت ) سواء كان ذلك فيما يتمّ من التّصرّفات بإرادة منفردة أو بإرادتين . خصائص الأجل :
4 - أ - ( الأجل هو زمن مستقبل ) ب - الأجل هو أمر محقّق الوقوع . وتلك خاصّيّة الزّمن ، وفي تحقيق ذلك يقول الكمال بن الهمام : « إنّه يترتّب على الإضافة تأخير الحكم المسبّب إلى وجود الوقت المعيّن الّذي هو كائن لا محالة ، إذ الزّمان من لوازم الوجود الخارجيّ ، فالإضافة إليه إضافة إلى ما قطع بوجوده » .
ج - الأجل أمر زائد على أصل التّصرّف . وذلك يحقّقه أنّ التّصرّفات قد تتمّ منجّزةً ، وتترتّب أحكامها عليها فور صدور التّصرّف ، ولا يلحقها تأجيل ، وقد يلحقها الأجل ، كتأجيل الدّين ، أو العين أو تأجيل تنفيذ آثار العقد ( فيما يصحّ فيه ذلك ) قال السّرخسيّ والكاسانيّ ما حاصله : إنّ الأجل يعتبر أمراً لا يقتضيه العقد ، وإنّما شرع رعايةً للمدين على خلاف القياس .
( الألفاظ ذات الصّلة )
التّعليق
5 - هو لغةً : ربط أمر بآخر . واصطلاحاً : أن يربط أثر تصرّف بوجود أمر معدوم . والفرق بين التّعليق والأجل أنّ التّعليق يمنع المعلّق عن أن يكون سبباً للحكم في الحال ، أمّا الأجل فلا صلة له بالسّبب وإنّما هو لبيان زمن فعل التّصرّف .
( الإضافة )
6 - هي لغةً : نسبة الشّيء إلى الشّيء مطلقاً . واصطلاحاً : تأخير أمر التّصرّف عن وقت التّكلّم إلى زمن مستقبل يحدّده المتصرّف بغير أداة شرط . والفرق بين الإضافة والأجل أنّ الإضافة فيها تصرّف وأجل ، في حين أنّ الأجل قد يخلو من إيقاع تصرّف . ففي كلّ إضافة أجل . التّوقيت :
7 - هو لغةً : تقدير زمن الشّيء . واصطلاحاً ثبوت الشّيء في الحال وانتهاؤه في وقت معيّن . فالفرق بينه وبين الأجل أنّ الأجل وقت مضروب محدود في المستقبل .
( المدّة ) :
8 - باستقصاء ما يوجد في الفقه الإسلاميّ نجد أنّ للمدّة المستقبلة استعمالات أربعةً : هي مدّة الإضافة ، ومدّة التّوقيت ، ومدّة التّنجيم ، ومدّة الاستعجال . وبيانها فيما يلي : مدّة الإضافة :
9 - وهي المدّة المستقبلة الّتي يضاف إليها ابتداءً تنفيذ آثار العقد ، أو تسليم العين ، أو تسليم الثّمن ( للدّين ) .
فمثال الأوّل : ما إذا قال : « إذا جاء عيد الأضحى فقد وكّلتك في شراء أضحيّة لي " فقد أضاف عقد الوكالة إلى زمن مستقبل ، وقد صرّح جمهور الفقهاء بصحّة ذلك .
ومثال الثّاني : ما جاء في السّلم ، من إضافة العين المسلم فيها إلى زمن معلوم لقوله صلى الله عليه وسلم : « من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم أو وزن معلوم إلى أجل معلوم » .
ومثال الثّالث : ما إذا باع بثمن مؤجّل فإنّه يصحّ ؛ لقوله تعالى : « يا أيّها الّذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمًّى فاكتبوه » .
( مدّة التّوقيت )
10 - وهي المدّة المستقبلة الّتي يستمرّ فيها تنفيذ الالتزام حتّى انقضائها ، وذلك كما في العقود المؤقّتة ، كما في الإجارة ، فإنّها لا تصحّ إلاّ على مدّة معلومة ، أو على عمل معيّن يتمّ في زمن ، وبانتهائها ينتهي عقد الإجارة ومدّة عقد الإجارة تعتبر أجلاً . مصداق ذلك قوله تعالى { قال إنّي أريد أن أنكحك إحدى ابنتيّ هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشراً فمن عندك وما أريد أن أشقّ عليك ستجدني إن شاء اللّه من الصّالحين . قال ذلك بيني وبينك أيّما الأجلين قضيت فلا عدوان عليّ واللّه على ما نقول وكيل . } كما أنّ اللّغة العربيّة تجعل " التّأجيل تحديد الوقت " " والتّوقيت تحديد الأوقات ، يقال : وقّته ليوم كذا توقيتاً مثل أجّل » . مدّة التّنجيم :
11 - جاء في مختار الصّحّاح : النّجم لغةً الوقت المضروب ، ومنه سمّي المنجّم ، ويقال : نجّم المال تنجيماً إذا أدّاه نجوماً ( أقساطاً ) ، والتّنجيم اصطلاحاً هو " التّأخير لأجل معلوم ، نجماً أو نجمين " أو هو " المال المؤجّل بأجلين فصاعداً ، يعلم قسط كلّ نجم ومدّته من شهر أو سنة أو نحوهما " فالتّنجيم نوع من الأجل يرد على الدّين المؤجّل فيوجب استحقاق بعضه عند زمن مستقبل معيّن ، ثمّ يليه البعض الآخر لزمن آخر معلوم يلي الزّمن الأوّل وهكذا . ومن بين ما برز فيه التّنجيم : أ - دين الكتابة : فقد اتّفق الفقهاء على جواز تنجيم مال الكتابة . ( والمراد بالكتابة اتّفاق السّيّد وعبده على مال ينال العبد نظيره حرّيّة التّصرّف في الحال ، والرّقبة في المال ، بعد أداء المال ) ، واختلفوا في لزوم ذلك ، فيرى المالكيّة على الرّاجح ، والشّافعيّة والحنابلة أنّ الكتابة لا تكون إلاّ بمال مؤجّل منجّم ، وسيأتي التّعرّض لذلك في الدّيون المؤجّلة . والفقه الإسلاميّ يجعل التّنجيم نوعاً من الأجل .
ب - الدّية في القتل شبه العمد والخطأ : تجب الدّية في القتل شبه العمد والخطأ على العاقلة مؤجّلةً منجّمةً على ثلاث سنوات في كلّ سنة ثلث الدّية ، وهذا ما صرّح به فقهاء الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة .
ج - الأجرة : جاء في المغني أنّه " إذا شرط تأجيل الأجر فهو إلى أجله ، وإن شرطه منجّماً يوماً يوماً ، أو شهراً شهراً ، أو أقلّ من ذلك أو أكثر ، فهو على ما اتّفقا عليه ؛ لأنّ إجارة العين كبيعها ، وبيعها يصحّ بثمن حالّ أو مؤجّل ، فكذلك إجارتها » .
( مدّة الاستعجال ) :
12 - المراد بها : الوقت الّذي يقصد بذكره في العقد استعجال آثار العقد ، وذكر الوقت للاستعجال تعرّض له الفقهاء في الإجارة ، فقالوا إنّ الإجارة على ضربين . أحدهما : أن يعقدها على مدّة . والثّاني : أن يعقدها على عمل معلوم ، ومتى تقدّرت المدّة لم يجز تقدير العمل عند أبي حنيفة والشّافعيّة والحنابلة ؛ لأنّ الجمع بينهما يزيد الإجارة غرراً ؛ لأنّه قد يفرغ من العمل قبل انقضاء المدّة . فإن استعمل في بقيّة المدّة فقد زاد على ما وقع عليه العقد ، وإن لم يعمل كان تاركاً للعمل في بعض المدّة ، وقد لا يفرغ من العمل في المدّة ، فإن أتمّه عمل في غير المدّة ، وإن لم يعمله لم يأت بما وقع عليه العقد ، وهذا غرر ، أمكن التّحرّز عنه ، ولم يوجد مثله في محلّ الوفاق ، فلم يجز العقد معه . ويرى أبو يوسف ومحمّد ، وهو مرويّ عن الإمام أحمد أنّه تجوز الإجارة هنا ؛ لأنّ الإجارة معقودة على العمل ، والمدّة مذكورة للتّعجيل فلا يمتنع ذلك . فعلى هذا إذا فرغ من العمل قبل انقضاء المدّة لم يلزمه شيء آخر ، كما لو قضى الدّين قبل أجله ، وإن مضت المدّة قبل العمل فللمستأجر فسخ الإجارة ؛ لأنّ الأجير لم يف له بشرطه ، وإن رضي بالبقاء عليه لم يملك الأجير الفسخ ؛ لأنّ الإخلال بالشّرط منه ، فلا يكون ذلك وسيلةً إلى الفسخ ، كما لو تعذّر أداء المسلم فيه في وقته فيملك المسلم إليه الفسخ . ويملكه المسلم ، فإن اختار إمضاء العقد طالبه بالعمل لا غير ، كالمسلم إذا صبر عند تعذّر المسلم فيه إلى حين وجوده لم يكن له أكثر من المسلم فيه ، وإن فسخ العقد قبل عمل شيء من العمل سقط الأجر والعمل ، وإن كان بعد عمل شيء منه فله أجر مثله ؛ لأنّ العقد قد انفسخ فسقط المسمّى ، ورجع إلى أجل المثل .
تقسيمات الأجل باعتبار مصدره
ينقسم الأجل باعتبار مصدره إلى ثلاثة أقسام : أجل شرعيّ ، وأجل قضائيّ ، وأجل اتّفاقيّ . ونتناول فيما يلي التّعريف بكلّ قسم ، وذكر ما يندرج تحته من أنواع . جاعلين لكلّ قسم فصلاً مستقلّاً . الفصل الأوّل الأجل الشّرعيّ الأجل الشّرعيّ : هو المدّة الّتي حدّدها الشّرع الحكيم سبباً لحكم شرعيّ .
ويندرج تحت هذا النّوع الآجال الآتية :
( مدّة الحمل )
13 - مدّة الحمل هي الزّمن الّذي يمكثه الجنين في بطن أمّه ، وقد بيّن الفقه الإسلاميّ أقلّ مدّة الحمل وأكثره ، وقد استنبطت هذه المدّة ممّا ورد في القرآن الكريم ، وذلك لما روى الأثرم بإسناده عن أبي الأسود أنّه : رفع إلى عمر أنّ امرأةً ولدت لستّة أشهر ، فهمّ عمر برجمها ، فقال له عليّ : ليس لك ذلك ، قال اللّه تعالى : { والوالدات يرضعن أولادهنّ حولين كاملين } وقال تعالى : { وحمله وفصاله ثلاثون شهراً } فحولان وستّة أشهر ثلاثون شهراً ، لا رجم عليها . فخلّى عمر سبيلها ، وولدت مرّةً أخرى لذلك الحدّ . كما بيّن الفقه الإسلاميّ أكثر مدّة الحمل ، فيرى جمهور الفقهاء ( المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة في أصحّ الرّوايتين ) أنّها أربع سنوات . وفي رأي للمالكيّة أنّها خمس سنوات ، ويرى الحنفيّة ، وهو رواية في مذهب الحنابلة ، أنّها سنتان . وقد جاء في مغني المحتاج أنّ أكثر مدّة الحمل دليله الاستقراء ، وحكي عن مالك أنّه قال : « جارتنا امرأة محمّد بن عجلان ، امرأة صدق ، وزوجها رجل صدق ، حملت ثلاثة أبطن في اثنتي عشرة سنةً ، تحمل كلّ بطن أربع سنين » . وقد روي هذا عن غير المرأة المذكورة ، وقيل إنّ أبا حنيفة حملت أمّه به ثلاث سنين وفي صحّته كما قال ابن شيبة نظر ؛ لأنّ مذهبه أنّ أكثر مدّة الحمل سنتان ، فكيف يخالف ما وقع في نفسه ؟ " قال ابن عبد السّلام : وهذا مشكل مع كثرة الفساد في هذا الزّمان » .
مدّة الهدنة :
14 - يرى الحنفيّة والمالكيّة وهو ظاهر الرّواية عن الإمام أحمد أنّه يجوز موادعة أهل الحرب عشر سنين ، كما « وادع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أهل مكّة » . ويجوز أن تكون المدّة أقلّ من ذلك أو أكثر أو دون تحديد ، ما دامت مصلحة المسلمين في ذلك . أمّا إذا لم تكن مصلحة المسلمين في ذلك فلا يجوز ، لقوله تعالى : { فلا تهنوا وتدعوا إلى السّلم وأنتم الأعلون } . ويرى الإمام الشّافعيّ وهو رواية أخرى عند الحنابلة أنّه لا تجوز مهادنة المشركين أكثر من عشر سنين ، استناداً إلى ما يروى عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية . فإن هودن المشركون أكثر من ذلك فالهدنة منتقضة ؛ لأنّ الأصل فرض قتال المشركين حتّى يؤمنوا أو يعطوا الجزية . والتّفصيلات في مصطلح ( هدنة ) .
مدّة تعريف اللّقطة :
15 - مدّة تعريفها ثبتت بالشّرع ، والأصل فيها ما روي عن زيد بن خالد بن زيد الجهنيّ صاحب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنّه قال : « سئل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن اللّقطة الذّهب أو الورق فقال : اعرف وكاءها وعفاصها ، ثمّ عرّفها سنةً . فإن جاء طالبها يوماً من الدّهر فأدّها إليه . وسأله عن ضالّة الإبل ، فقال : مالك ولها ؟ دعها ، فإنّ معها حذاءها وسقاءها ، ترد الماء وتأكل الشّجر ، حتّى يجدها ربّها . وسأله عن الشّاة فقال : خذها فإنّما هي لك ، أو لأخيك أو للذّئب » . رواه مسلم . وللفقهاء في الزّيادة عن هذه المدّة أو النّقص منها حسب أهمّيّة المال أقوال يرجع إليها في مصطلح ( لقطة ) .
مدّة وجوب الزّكاة :
16 - روى أبو عبد اللّه بن ماجه في السّنن بإسناده عن عمر عن عائشة قالت : « سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول : « لا زكاة في مال حتّى يحول عليه الحول » وقد اعتبر الحول في زكاة السّوائم ، والأثمان ( الذّهب والفضّة ) وقيم عروض التّجارة . وأمّا الزّروع والثّمار والمعدن فإنّه لا يعتبر فيها الحول .
( مدّة تأجيل العنّين ) :
17 - إذا ثبتت عنّة الزّوج ضرب القاضي له سنةً كما فعل عمر رضي الله عنه ، رواه الشّافعيّ والبيهقيّ وغيرهما ، وروي أيضاً عن عليّ وابن مسعود وعثمان والمغيرة بن شعبة ، وقال في النّهاية : أجمع المسلمون على اتّباع قضاء عمر رضي الله عنه في قاعدة الباب . والمعنى فيه مضيّ الفصول الأربعة ؛ لأنّ تعذّر الجماع قد يكون لعارض حرارة فتزول في الشّتاء . أو برودة فتزول في الصّيف ، أو يبوسة فتزول في الرّبيع ، أو رطوبة فتزول في الخريف . فإذا مضت السّنة ، ولا إصابة ، علمنا أنّه عجز خلقيّ .
مدّة الإمهال في الإيلاء :
18 - إذا آلى الرّجل من زوجته أمهل وجوباً أربعة أشهر ، لقوله تعالى { للّذين يؤلون من نسائهم تربّص أربعة أشهر فإن فاءوا فإنّ اللّه غفور رحيم } . فإن وطئها في الأربعة الأشهر حنث في يمينه ولزمته الكفّارة ، وسقط الإيلاء بالإجماع ، وإن لم يقربها حتّى مضت الأربعة أشهر بانت منه بتطليقة عند الحنفيّة ، وهو قول ابن مسعود ، ويرى المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وأبو ثور أنّه إذا انقضت هذه المدّة يخيّر المولى بين الفيئة والتّكفير ، وبين الطّلاق للمحلوف عليها ، وهو قول عليّ وابن عمر .
مدّة الرّضاع
19 - يرى جمهور الفقهاء : المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وأبو يوسف ومحمّد من الحنفيّة ، أنّ مدّة الرّضاع الّتي إذا وقع الرّضاع فيها تعلّق به التّحريم سنتان ، لقوله تعالى : { وحمله وفصاله ثلاثون شهراً } ومدّة الحمل أدناها ستّة أشهر ، فبقي للفصال حولان . وروى سفيان عن عمرو بن دينار عن ابن عبّاس : قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : « لا رضاع إلاّ ما كان في الحولين » رواه الدّارقطنيّ ، وظاهر " أنّ المراد نفي الأحكام ، وقال : لم يسنده عن ابن عيينة إلاّ الهيثم بن جميل ، وهو ثقة حافظ " ويرى أبو حنيفة أنّ مدّة الرّضاع ثلاثون شهراً ؛ لقوله تعالى { وحمله وفصاله ثلاثون شهراً } ووجهه أنّ اللّه سبحانه وتعالى ذكر شيئين وضرب لهما مدّةً ، فكانت تلك المدّة لكلّ واحد منهما بكمالها ، كالأجل المضروب للدّينين على شخصين ، بأن قال أجّلت الدّين الّذي لي على فلان ، والدّين الّذي لي على فلان سنةً ، فإنّه يفهم منه أنّ السّنة بكمالها لكلّ ، وكالأجل المضروب للدّينين على شخص ، مثل أن يقول : لفلان عليّ ألف درهم وعشرة أقفزة إلى سنة ، فصدّقه المقرّ له في الأجل ، فإذا مضت السّنة يتمّ أجلهما جميعاً ، إلاّ أنّه قام المنقّص في أحدهما ، يعني في مدّة الحمل ، وهو قول عائشة رضي الله عنها الولد لا يبقى في بطن أمّه أكثر من سنتين ولو بقدر فلكة مغزل " وفي رواية " ولو بقدر ظلّ مغزل ومثله ممّا لا يقال إلاّ سماعاً ؛ لأنّ المقدّرات لا يهتدي إليها العقل . وروي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « الولد لا يبقى في بطن أمّه أكثر من سنتين » فتبقى مدّة الفصال على ظاهرها . ويرى زفر أنّ مدّة الرّضاع ثلاثة أحوال ، وذلك لأنّه لا بدّ للصّبيّ من مدّة يتعوّد فيها غذاءً آخر غير اللّبن ، لينقطع الإنبات باللّبن ، وذلك بزيادة مدّة يتعوّد فيها الصّبيّ تغيّر الغذاء ، والحول حسن للتّحوّل من حال إلى حال ، لاشتماله على الفصول الأربعة ، فقدّر بثلاثة أحوال .
أجل العدّة
20 - العدّة أجل ضربه الشّرع للمطلّقة أو المتوفّى عنها زوجها أو من فسخ نكاحها . فالحامل في كلّ ما ذكر عدّتها وضع الحمل . والمتوفّى عنها زوجها - ما لم تكن حاملاً - عدّتها أربعة أشهر وعشر ، سواء كانت مدخولاً بها أم لا . والمطلّقة المدخول بها غير الحامل والآيسة والصّغيرة ثلاثة أقراء ، على الخلاف بين الفقهاء في تفسير القرء أهو الطّهر أم الحيض ، وعدّة الصّغيرة الّتي لم تحض والآيسة ثلاثة أشهر . وتفصيل ذلك في مصطلح ( عدّة ) .
مدّة خيار الشّرط ) :
21 - يرى جمهور الفقهاء جواز خيار الشّرط واختلفوا في تحديد هذه المدّة ، فيرى أبو حنيفة وزفر والشّافعيّة أنّه يجوز خيار الشّرط في البيع للبائع أو المشتري ، أو لهما ، ثلاثة أيّام فما دونها ، والأصل فيه ما روي « أنّ حبّان بن منقذ بن عمرو الأنصاريّ رضي الله عنه كان يغبن في البياعات ، فقال له النّبيّ صلى الله عليه وسلم : إذا بايعت فقل : لا خلابة ، ولي الخيار ثلاثة أيّام . » ويرى أبو يوسف ومحمّد وابن المنذر والحنابلة أنّه يجوز إذا سمّى مدّةً معلومةً وإن طالت . وحكي ذلك عن الحسن بن صالح وابن أبي ليلى وإسحاق وأبي ثور . واستدلّوا بما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنّه أجاز البيع إلى شهرين ، وأنّ الخيار حقّ يعتمد على الشّرط ، فرجع في تقديره إلى مشترطه ، كالأجل ، ولقوله صلى الله عليه وسلم : « المسلمون عند شروطهم » . ولأنّ الخيار إنّما شرع للحاجة إلى التّروّي ليندفع الغبن ، وقد تمسّ الحاجة إلى أكثر من ثلاثة أيّام ، كالتّأجيل في الثّمن ، فإنّ الأجل شرع للحاجة إلى التّأخير ، مخالفاً لمقتضى العقد ، ثمّ جاز أيّ مقدار تراضيا عليه . ويرى المالكيّة أنّ مدّة الخيار تختلف باختلاف السّلع ، فإنّ القصد ما تختبر فيه تلك السّلعة ، وذلك يختلف باختلاف السّلع بقدر الحاجة ، ويضرب من الأجل أقلّ ما يمكن ؛ تقليلاً للغرر ، كشهر في دار ، وكثلاث في دابّة . وإذا كانت المدّة المشترطة مجهولةً ، كما إذا شرط الخيار أبداً ، أو متى شاء ، أو قال أحدهما : ولي الخيار ، ولم يذكر مدّته ، أو شرطاه إلى مدّة مجهولة كقدوم زيد ، أو نزول المطر ، أو مشاورة إنسان ، ونحو ذلك ، لم يصحّ في الصّحيح من مذهب الحنابلة ومذهب الشّافعيّة . وروي عن أحمد أنّه يصحّ ، وهما على خيارهما أبداً أو يقطعاه ، أو تنتهي مدّته إن كان مشروطاً إلى مدّة ، وهو قول ابن شبرمة ، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « المسلمون عند شروطهم » . وقال مالك : يصحّ ، ويضرب لهما مدّة يختبر المبيع في مثلها في العادة ، لأنّ ذلك مقرّر في العادة " ، وقال أبو حنيفة : إن أسقطا الشّرط قبل مضيّ الثّلاث ، أو حذف الزّائد عليها وبيّنّا مدّته ، صحّ ؛ لأنّهما حذفا المفسد قبل اتّصاله بالعقد ، فوجب أن يصحّ كما لو لم يشترطاه .
مدّة الحيض :
22 - أقلّ مدّة الحيض يوم وليلة عند الشّافعيّة والحنابلة ، وأكثرها خمسة عشر يوماً بلياليها ، وذلك لأنّه ورد في الشّرع مطلقاً دون تحديد ، ولا حدّ له في اللّغة ولا في الشّريعة ، فيجب الرّجوع فيه إلى العرف والعادة ، كما في القبض والإحراز والتّفرّق وأشباهها . وقد وجد حيض معتاد يوماً . قال عطاء : رأيت من النّساء من تحيض يوماً وتحيض خمسة عشر . ويرى الحنفيّة أنّ أقلّ الحيض ثلاثة أيّام ولياليها ، وما نقص عن ذلك فهو استحاضة ، وذلك لقوله عليه الصلاة والسلام : « أقلّ حيض الجارية البكر والثّيّب ثلاثة أيّام ، وأكثر ما يكون عشرة أيّام ، فإذا زاد فهي مستحاضة » ، وعن أبي يوسف أنّه يومان والأكثر من الثّالث ، إقامةً للأكثر مقام الكلّ ، وأكثر الحيض عشرة أيّام ولياليها ، والزّائد استحاضة . ويرى المالكيّة أنّه لا حدّ لأقلّ الحيض بالزّمان ، وأكثره لمبتدأة غير حامل تمادى بها نصف شهر ، وأكثره لمعتادة غير حامل سبق لها حيض ولو مرّةً ثلاثة أيّام زيادةً على أكثر عادتها أيّاماً لا وقوعاً . وفي ذلك تفصيل موطنه مصطلح ( حيض ) .
مدّة الطّهر
23 - يرى الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والثّوريّ أنّ أقلّ الطّهر بين الحيضتين خمسة عشر يوماً ، واستدلّ الحنفيّة على ذلك بقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « أقلّ الحيض ثلاثة ، وأكثره عشرة أيّام ، وأقلّ ما بين الحيضتين خمسة عشر يوماً » منقول عن إبراهيم النّخعيّ ، وقد قيل : أجمعت الصّحابة عليه ؛ ولأنّه مدّة اللّزوم ، فكان كمدّة الإقامة . واستدلّ الشّافعيّة على ذلك بأنّ الشّهر غالباً لا يخلو عن حيض وطهر ، وإذا كان أكثر الحيض - على رأيهم - خمسة عشر يوماً لزم أن يكون أقلّ الطّهر كذلك ، ولا حدّ لأكثر الطّهر بالإجماع ، فقد لا تحيض المرأة في عمرها إلاّ مرّةً ، وقد لا تحيض أصلاً . ويرى الحنابلة أنّ أقلّ الطّهر بين الحيضتين ثلاثة عشر ، لما روي عن عليّ : « أنّ امرأةً جاءته ، وقد طلّقها زوجها ، فزعمت أنّها حاضت في شهر ثلاث حيض ، طهرت عند كلّ قرء وصلّت . فقال عليّ لشريح : قل فيها . فقال شريح : إن جاءت ببيّنة من بطانة أهلها ، ممّن يرضى دينه وأمانته ، فشهدت بذلك ، وإلاّ فهي كاذبة . فقال عليّ : قالون " أي جيّد ، بالرّوميّة . رواه الإمام أحمد بإسناده . وهذا لا يقوله إلاّ توقيفاً ، ولأنّه قول صحابيّ انتشر ، ولم يعلم خلافه .
سنّ الإياس :
24 - اختلف الفقهاء في تقدير سنّ الإياس اختلافاً كبيراً : فيرى بعضهم أنّه لا تقدير لسنّ الإياس ، وإياس المرأة على هذا أن تبلغ من السّنّ ما لا يحيض فيه مثلها . فإذا بلغت هذا المبلغ ، وانقطع الدّم ، حكم بإياسها ، ويمكن أن يراد بمثلها فيما ذكر المماثلة في تركيب البدن ، والسّمن ، والهزال ، وهو رأي في مذهب الحنفيّة . ويرى بعض الفقهاء تقديره بخمسين سنةً ، وهو قول للشّافعيّة ، ورواية عن الإمام أحمد . وقال إسحاق بن راهويه : لا يكون حيض بعد الخمسين ، ويكون حكمها فيما تراه من الدّم حكم المستحاضة ، لما روي عن عائشة رضي الله عنها أنّها قالت : إذا بلغت المرأة خمسين سنةً خرجت من حدّ الحيض " وروي عنها أنّها قالت : « لن ترى المرأة في بطنها ولداً بعد الخمسين . ويرى بعض الشّافعيّة ، وهو رواية عن الإمام أحمد ، أنّها لا تيأس من المحيض يقيناً إلى ستّين سنةً . ويرى الشّافعيّة - على أشهر الأقوال - أنّ سنّ الإياس اثنتان وستّون سنةً . ويرى المالكيّة أنّه يتحقّق في سنّ السّبعين ، ومثله عن بعض الشّافعيّة ، وأنّها بعد الخامسة والخمسين مشكوك في يأسها ، فيرجع فيما تراه إلى النّساء لمعرفة هل هو حيض ، أو ليس بحيض ، أمّا من بلغت سنّ السّبعين فلا يسأل عنها .
( مدّة النّفاس ) :
25 - اتّفق الفقهاء على أنّه لا حدّ لأقلّ النّفاس ، فأيّ وقت رأت المرأة الطّهر اغتسلت ، وهي طاهر ، واختلفوا في أكثره : فيرى جمع من العلماء أنّ أكثر النّفاس أربعون يوماً . قال أبو عيسى التّرمذيّ : أجمع أهل العلم من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم على أنّ النّفساء تدع الصّلاة أربعين يوماً ، إلاّ أن ترى الطّهر قبل ذلك ، فتغتسل وتصلّي . وقال أبو عبيد : وعلى هذا جماعة النّاس ، وروي هذا عن عمر وابن عبّاس وعثمان بن أبي العاص وعبد اللّه بن عمر وأنس وأمّ سلمة رضي الله عنهم ، وبه قال الثّوريّ وإسحاق والحنفيّة والحنابلة . واستدلّوا بما روى أبو سهل كثير بن زياد عن مسّة الأزديّة عن أمّ سلمة قالت : « كانت النّفساء تجلس على عهد النّبيّ صلى الله عليه وسلم أربعين يوماً وأربعين ليلةً . » وروى الحكم بن عتيبة عن مسّة الأزديّة عن « أمّ سلمة أنّها سألت النّبيّ صلى الله عليه وسلم : كم تجلس المرأة إذا ولدت ؟ قال : أربعين يوماً ، إلاّ أن ترى الطّهر قبل ذلك » رواه الدّارقطنيّ ، قال ابن قدامة : ولأنّه قول من سمّينا من الصّحابة ، ولم نعرف لهم مخالفاً في عصرهم فكان إجماعاً ، وقد حكاه التّرمذيّ إجماعاً ، ونحوه حكى أبو عبيد . ويرى المالكيّة والشّافعيّة أنّ أكثره ستّون يوماً ، وحكى ابن عقيل عن أحمد بن حنبل روايةً مثل قولهما ، لأنّه روي عن الأوزاعيّ أنّه قال : عندنا امرأة ترى النّفاس شهرين ، وروي مثل ذلك عن عطاء أنّه وجده ، والمرجع في ذلك إلى الوجود ، وقال الشّافعيّة : إنّ غالبه أربعون يوماً .
سنّ البلوغ :
26 - لقد جعل الشّارع البلوغ أمارةً على تكامل العقل ؛ لأنّ الاطّلاع على تكامل العقل متعذّر ، فأقيم البلوغ مقامه . وقد اختلف في سنّ البلوغ : فيرى الشّافعيّة والحنابلة وأبو يوسف ومحمّد من الحنفيّة ، وبرأيهما يفتى في المذهب ، والأوزاعيّ ، أنّ البلوغ بالسّنّ يكون بتمام خمس عشرة سنةً قمريّةً للذّكر والأنثى ( تحديديّة كما صرّح الشّافعيّة ) ، لخبر « ابن عمر . عرضت على النّبيّ صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنةً ، فلم يجزني ولم يرني بلغت ، وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنةً ، فأجازني ، ورآني بلغت » . رواه ابن حبّان ، وأصله في الصّحيحين قال الشّافعيّ : « ردّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم سبعة عشر من الصّحابة وهم أبناء أربع عشرة سنةً ، لأنّه لم يرهم بلغوا ، ثمّ عرضوا عليه وهم أبناء خمس عشرة ، فأجازهم ، منهم زيد بن ثابت ، ورافع بن خديج ، وابن عمر » . وروي عن أنس أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : « إذا استكمل المولود خمس عشرة سنةً كتب ما له وما عليه ، وأخذت منه الحدود » . ويرى المالكيّة أنّ البلوغ يكون بتمام ثماني عشرة سنةً ، وقيل بالدّخول فيها ، أو الحلم أي الإنزال ، لقوله صلى الله عليه وسلم : « رفع القلم عن ثلاث : عن الصّبيّ حتّى يحتلم . . . » ، أو الحيض لقوله صلى الله عليه وسلم : « لا يقبل اللّه صلاة حائض إلاّ بخمار » ، أو الحبل للأنثى ، أو الإنبات الخشن للعانة . وقد أورد الحطّاب خمسة أقوال في المذهب ، ففي رواية ثمانية عشر وقيل سبعة عشر ، وزاد بعض شرّاح الرّسالة ستّة عشر ، وتسعة عشر ، وروى ابن وهب خمسة عشر لحديث ابن عمر . ويرى أبو حنيفة أنّ بلوغ الغلام بالسّنّ هو بلوغه ثماني عشرة سنةً ، والجارية سبع عشر سنةً . وذلك لقوله تعالى « ولا تقربوا مال اليتيم إلاّ بالّتي هي أحسن حتّى يبلغ أشدّه » قال ابن عبّاس رضي الله عنه : ثماني عشرة سنةً وهي أقلّ ما قيل فيه ، فأخذ به احتياطاً . هذا أشدّ الصّبيّ ، والأنثى أسرع بلوغاً من الغلام فنقصناها سنةً ، ويرجع في تفصيل الأحكام إلى مصطلحي ( احتلام ) ( وبلوغ ) .
مدّة المسح على الخفّ
27 - يرى الجمهور جواز المسح على الخفّ مدّة يوم وليلة للمقيم ، وثلاثة أيّام ولياليها للمسافر ، وهو رأي الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة والثّوريّ والأوزاعيّ والحسن بن صالح بن حيّ وإسحاق بن راهويه ومحمّد بن جرير الطّبريّ . قال ابن سيّد النّاس في شرح التّرمذيّ : وثبت التّوقيت عن عمر بن الخطّاب ، وعليّ بن أبي طالب ، وابن مسعود ، وابن عبّاس ، وحذيفة ، والمغيرة ، وأبي زيد الأنصاريّ . هؤلاء من الصّحابة ، وروي عن جماعة من التّابعين منهم شريح القاضي ، وعطاء بن أبي رباح ، والشّعبيّ ، وعمر بن عبد العزيز . قال أبو عمر بن عبد البرّ : وأكثر التّابعين والفقهاء على ذلك . واستدلّوا بأحاديث وآثار كثيرة ، منها ما روى صفوان بن عسّال ، قال : « أمرنا - يعني النّبيّ صلى الله عليه وسلم - أن نمسح على الخفّين إذا نحن أدخلناهما على طهر ثلاثةً إذا سافرنا ، ويوماً وليلةً إذا أقمنا ، ولا نخلعهما من غائط ولا بول ولا نوم ، ولا نخلعهما إلاّ من جنابة » . رواه أحمد وابن خزيمة . وقال الخطّابيّ : هو صحيح الإسناد ، وعن عوف بن مالك الأشجعيّ « أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أمر بالمسح على الخفّين في غزوة تبوك ثلاثة أيّام ولياليهنّ للمسافر ، ويوماً وليلةً للمقيم . » رواه أحمد ، وقال : هو أجود حديث في المسح على الخفّين ؛ لأنّه في غزوة تبوك ، وهي آخر غزاة غزاها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ، وهو آخر فعله . ويرى المالكيّة أنّ المسح على الخفّين غير مؤقّت ، وأنّ لابس الخفّين وهو طاهر يمسح عليهما ما بدا له ، والمسافر والمقيم في ذلك سواء ، ما لم ينزعهما ، أو تصبه جنابة . إلاّ أنّه يندب نزعه كلّ يوم جمعة ، ويستحبّ كلّ أسبوع أيضاً ، وقد استدلّ لهذا الرّأي بما روي عن أبيّ بن عمارة « أنّه قال لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم : أمسح على الخفّين ؟ قال : نعم قال : يوماً ، قال : ويومين ؟ قال : وثلاثة أيّام ؟ قال : نعم وما شئت » . وفي رواية « حتّى بلغ سبعاً ، قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : نعم ، وما بدا لك » رواه أبو داود ، وروي ذلك عن عمر بن الخطّاب ، وعقبة بن عامر ، وعبد اللّه بن عمر ، والحسن البصريّ ، واللّيث بن سعد . كما أنّهم قاسوه على مسح الرّأس والجبيرة ، فكما أنّ المسح عليهما لا يتوقّت ، فكذلك المسح على الخفّين .