الرد على الموضوع

التّأجيل بالأشهر بإطلاق :

75 - إذا جعل التّأجيل بالأشهر ، دون النّصّ على أنّها هلاليّة أو روميّة أو فارسيّة ، فإنّ الفقهاء ( الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ) قد اتّفقوا على أنّه عند التّأجيل بالأشهر بإطلاق تنصرف إلى الهلاليّة ، وذلك لأنّ الشّهور في عرف الشّرع شهور الأهلّة ، بدليل قوله تعالى : { إنّ عدّة الشّهور عند اللّه اثنا عشر شهراً في كتاب اللّه يوم خلق السّموات والأرض منها أربعة حرم } وأراد الهلاليّة ، فعند الإطلاق يحمل العقد عليها ، واحتساب هذه المدّة إذا وقع العقد في أوّل الشّهر من أوّله . أمّا إذا لم يقع في أوّله ، فإمّا أن يكون لشهر أو أكثر ، أو سنة . فإن كان لشهر ، فإن وقع العقد في غرّة الشّهر ، يقع على الأهلّة بلا خلاف ، حتّى لو نقص الشّهر يوماً كان عليه كمال الأجرة ؛ لأنّ الشّهر اسم للهلال ، وإن وقع بعدما مضى بعض الشّهر ، ففي إجارة الشّهر يقع على ثلاثين يوماً بالإجماع ، لتعذّر اعتبار الأهلّة ، فتعتبر الأيّام . وأمّا في إجارة ثلاثة أشهر مثلاً فإنّهم قد اختلفوا ، فقد قيل : تكمل شهرين بالهلال ، وشهراً بالعدد ثلاثين يوماً ، وهو رأي للحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وقيل تكون الثّلاثة كلّها عدديّةً ، وهو رأي لأبي حنيفة ، ورأي عند الحنابلة ، ومثل ذلك في إجارة السّنة مثلاً .

بدء احتساب مدّة الأجل :

76 - يبدأ احتساب مدّة الأجل من الوقت الّذي حدّده المتعاقدان فإن لم يحدّدا كان من وقت العقد .

التّأجيل بأعياد المسلمين :

77 - إذا وقع التّأجيل إلى الأعياد جاز إذا كان العيد محدّداً معلوماً ، كعيد الفطر ، وعيد الأضحى ، فهذا يصحّ التّأجيل إليه .

التّأجيل إلى ما يحتمل أحد أمرين :

78 - إذا وقع الأجل بما يحتمل أمرين صرف إلى أوّلهما ، كما صرّح الشّافعيّة ( على الأصحّ عندهم ) والحنابلة ، كتأجيله بالعيد ، أو جمادى ، أو ربيع ، أو نفر الحجّ ؛ لأنّ العيد عيد الفطر وعيد الأضحى ، وجمادى الأولى والثّانية ، وربيع الأوّل والثّاني ، ونفر الحجّ ثاني أيّام التّشريق وثالثها ، فيحمل على الأوّل من ذلك ، لتحقّق الاسم به . والثّاني : لا ، بل يفسده ، لتردّده بين الأوّل والثّاني .

التّأجيل إلى مواسم معتادة :

79 - اختلف الفقهاء في جوازه ، كالحصاد ، والدّياس ، والجذاذ ، وقدوم الحاجّ ، إلى رأيين : يرى الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة وابن المنذر أنّه لا يجوز التّأجيل إلى هذه الأشياء . واستدلّوا بما روي عن ابن عبّاس أنّه قال : لا تتبايعوا إلى الحصاد والدّياس ، ولا تتبايعوا إلاّ إلى شهر معلوم . ولأنّ التّأجيل بذلك يختلف ، ويقرب ويبعد ،  فالحصاد والجذاذ يتأخّران أيّاماً إن كان المطر متواتراً ، ويتقدّمان بحرّ الهواء وعدم المطر ، وأمّا العطاء فقد ينقطع جملةً .

80 - وقد اختلف هؤلاء الفقهاء في أثر اشتراط التّأجيل إلى أجل مجهول جهالةً متقاربةً . فيرى الحنفيّة أنّه لا يجوز البيع إلى أجل مجهول سواء كانت الجهالة متقاربةً كالحصاد والدّياس مثلاً ، أو متفاوتةً ، كهبوب الرّيح وقدوم واحد من سفر ، فإن أبطل المشتري الأجل المجهول التّقارب قبل محلّه ، وقبل فسخ العقد بالفساد ، انقلب البيع جائزاً عند أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمّد ، وعند زفر لا ينقلب ، ولو مضت المدّة قبل إبطال الأجل تأكّد الفساد ، ولا ينقلب جائزاً بإجماع علماء الحنفيّة ، ويرى الشّافعيّة فساد العقد ، وذلك لأنّه يشترط عندهم في المؤجّل العلم بالأجل ، بأن يكون معلوماً مضبوطاً ، فلا يجوز بما يختلف ، كالحصاد وقدوم الحاجّ ، للحديث « من أسلم في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم » . ( متّفق عليه ) ولأنّ ذلك غير معلوم ، لأنّه يتقدّم ويتأخّر . ويرى الحنابلة أنّه يلغو التّأجيل ويصحّ العقد ، وذلك لأنّهم يشترطون أن يكون الأجل مقدّراً بزمن معلوم ، فإن شرط خياراً أو أجلاً مجهولين - بأن باعه بشرط الخيار وأطلق ، أو إلى الحصاد ونحوه ، أو بثمن مؤجّل إلى الحصاد ونحوه - لم يصحّ الشّرط وصحّ البيع ، وللّذي فات غرضه بفساد الشّرط من بائع ومشتر - سواء علم بفساد الشّرط أو لا - أحد أمرين : فسخ البيع ؛ لأنّه لم يسلّم له ما دخل عليه من الشّرط ، أو أرش ، ( أي تعويض ) ما نقص من الثّمن بإلغاء الشّرط إن كان المشترط بائعاً ، أو ما زاد إن كان مشترياً - يعني إذا اشترى بزيادة على الثّمن . أمّا في السّلم فإنّه لا يصحّ العقد إذا وقع التّأجيل بذلك ، وذلك لفوات شرط صحّته ، وهو الأجل المعلوم ، لاختلاف هذه الأشياء . ويرى المالكيّة أنّه يجوز التّأجيل إليه ، ويعتبر في الحصاد والدّياس ونحوهما ميقات معظمه ، أي الوقت الّذي يحصل فيه غالب ما ذكر ، وهو وسط الوقت المعدّ لذلك ، وسواء وجدت الأفعال في بلد العقد ، أو عدمت - أي لم توجد - فالمراد وجود الوقت الّذي يغلب فيه الوقوع . ونحوه ما ذكره ابن قدامة في رواية أخرى عن الإمام أحمد أنّه قال : أرجو ألاّ يكون به بأس . وبه قال أبو ثور ، وعن ابن عمر أنّه كان يبتاع إلى العطاء ، وبه قال ابن أبي ليلى . وقال أحمد : إن كان شيء يعرف فأرجو ، وكذلك إن قال إلى قدوم الغزاة ، وهذا محمول على أنّه أراد وقت العطاء ، لأنّ ذلك معلوم . فأمّا نفس العطاء فهو في نفسه مجهول ، يختلف ، ويتقدّم ويتأخّر ، ويحتمل أنّه أراد نفس العطاء ، لكونه يتفاوت أيضاً ، فأشبه الحصاد . واحتجّ من أجاز ذلك بأنّه أجل يتعلّق بوقت من الزّمن يعرف في العادة ، لا يتفاوت فيه تفاوتاً كبيراً ، فأشبه ما إذا قال رأس السّنة .

الأجل المجهول التّأجيل إلى فعل غير منضبط الوقوع :

81 - اتّفق الفقهاء على عدم جواز التّأجيل إلى ما لا يعلم وقت وقوعه - حقيقةً أو حكماً - ولا ينضبط ، وهو الأجل المجهول ، وذلك كما لو باعه بثمن مؤجّل إلى قدوم زيد من سفره ، أو نزول مطر ، أو هبوب ريح . وكذا إذا باعه إلى ميسرة ، وقد استدلّوا على عدم جواز هذا النّوع من الأجل بالآثار الّتي استدلّ بها على عدم جواز التّأجيل بالفعل الّذي يقع في زمان معتاد ، كالحصاد والدّياس ، بل هذا النّوع أولى ؛ لأنّ الجهالة هناك متقاربة ، وهنا الجهالة فيها متفاوتة . ولأنّ التّأجيل بمثل ذلك غير معلوم ؛ لأنّ ذلك يختلف : يقرب ويبعد ، يتقدّم ويتأخّر ، ولأنّ جهالته تفضي إلى المنازعة في التّسليم والتّسلّم ، فهذا يطالبه في قريب المدّة ، وذاك في بعيدها ؛ ولأنّ الأجل المجهول لا يفيد ؛ لأنّه يؤدّي إلى الغرر .

أثر التّأجيل إلى أجل مجهول جهالةً مطلقةً :

82 - سبق بيان اتّفاق الفقهاء على عدم جواز التّأجيل إلى أجل مجهول جهالةً مطلقةً . واختلفوا في أثر هذا التّأجيل على التّصرّف فيرى الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة ، وهو رأي للحنابلة ، أنّه لا يصحّ العقد أيضاً ، وذلك لأنّه أجل فاسد فأفسد العقد ؛ لأنّ المتعاقدين رضيا به مؤجّلاً إلى هذا الأجل ، وإذا لم يصحّ الأجل ، فالقول بصحّته حالّاً يخالف إرادتهما وما تراضيا عليه ، والبيع - ونحوه - يقوم على التّراضي ، فأفسد العقد . غير أنّ الحنفيّة يرون أنّه إن أبطل المشتري الأجل المجهول المتفاوت قبل التّفرّق ، ونقد الثّمن ، انقلب جائزاً ، وعند زفر لا ينقلب جائزاً ، ولو تفرّقا قبل الإبطال تأكّد الفساد ، ولا ينقلب جائزاً بإجماع الحنفيّة . ويرى الحنابلة أنّ الأجل المجهول في البيع يفسد ، ويصحّ البيع ، وفي السّلم يفسد الأجل والسّلم ، وقد استدلّوا على صحّة البيع وبطلان الأجل المجهول بما روي عن « عائشة أنّها قالت : جاءتني بريرة ، فقالت كاتبت أهلي على تسع أواق ، في كلّ عام أوقيّة ، فأعينيني . فقلت : إن أحبّ أهلك أن أعدّها لهم عدّةً واحدةً ، ويكون ولاؤك لي فعلت . فذهبت بريرة إلى أهلها ، فقالت لهم ، فأبوا عليها . فجاءت من عندهم ورسول اللّه صلى الله عليه وسلم جالس ، فقالت : إنّي عرضت عليهم فأبوا إلاّ أن يكون الولاء لهم . فسمع النّبيّ صلى الله عليه وسلم . فأخبرت عائشة النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : خذيها واشترطي لهم الولاء ، فإنّما الولاء لمن أعتق ففعلت عائشة ، فقام رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في النّاس فحمد اللّه وأثنى عليه ، ثمّ قال : أمّا بعد فما بال رجال يشترطون شروطاً ليست في كتاب اللّه تعالى ؟ ما كان من شرط ليس في كتاب اللّه فهو باطل ، وإن كان مائة شرط . قضاء اللّه أحقّ . وشرط اللّه أوثق . وإنّما الولاء لمن أعتق » متّفق عليه ، فأبطل الشّرط ولم يبطل العقد . قال ابن المنذر : خبر بريرة ثابت ، ولا نعلم خبراً يعارضه . فالقول به يجب .

الاعتياض عن الأجل بالمال

 يرد الاعتياض عن الأجل بالمال في صور منها ما يلي :

الصّورة الأولى :

83 - صدور إيجاب مشتمل على صفقتين ، إحداهما بالنّقد ، والأخرى بالنّسيئة ، مثل أن يقول بعتك هذا نقداً بعشرة ، وبالنّسيئة بخمسة عشر . يرى جمهور العلماء أنّ هذا البيع إذا صدر بهذه الصّيغة لا يصحّ ، لأنّ « النّبيّ صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعتين في بيعة ، » جاء في الشّرح الكبير : « كذلك فسّره مالك والثّوريّ ، وإسحاق ، وهذا قول أكثر أهل العلم ؛ لأنّه لم يجزم له ببيع واحد ، أشبه ما لو قال بعتك أحد هذين ؛ ولأنّ الثّمن مجهول فلم يصحّ ، كالبيع بالرّقم المجهول " ، وقد روي عن طاوس والحكم وحمّاد أنّهم قالوا : لا بأس أن يقول : أبيعك بالنّقد بكذا ، وبالنّسيئة بكذا ، فيذهب إلى أحدهما . فيحتمل أنّه جرى بينهما بعدما يجري في العقد ، فكأنّ المشتري قال : أنا آخذه بالنّسيئة بكذا ، فقال : خذه ، أو قال : قد رضيت ، ونحو ذلك ، فيكون عقداً كافياً ، فيكون قولهم كقول الجمهور ، فعلى هذا : إن لم يوجد ما يدلّ على الإيجاب أو ما يقوم مقامه لم يصحّ ؛ لأنّ ما مضى من القول لا يصلح أن يكون إيجاباً ، فهذا الخلاف الوارد في صحّة هذا البيع مصدره الصّيغة الصّادرة مشتملة على صيغتين في آن واحد ، فلم يجزم البائع ببيع واحد ؛ ولأنّ الثّمن مجهول هل هو عشرة أو خمسة عشر . وإذا كان الإيجاب غير جازم لا يصلح ، ويكون عرضاً ، فإذا قبل الموجّه إليه العرض إحدى الصّفقتين كان إيجاباً موجّهاً إلى الطّرف الأوّل ، فإن قبل تمّ العقد ، وإلاّ لم يتمّ .

(  الصّورة الثّانية ) :

84 - وهي بيع الشّيء بأكثر من سعر يومه لأجل النّساء . يرى جمهور الفقهاء جواز بيع الشّيء بأكثر من سعر يومه لأجل النّساء ، وذلك لعموم الأدلّة القاضية بجواز البيع . قال اللّه تعالى : { وأحلّ اللّه البيع } وهو عامّ في إباحة سائر البياعات إلاّ ما خصّ بدليل ، ولا يوجد دليل يخصّص هذا العموم .

( الصّورة الثّالثة ) :

وهي تأجيل الدّين الحالّ في مقابل زيادة :

85 - وهذه الصّورة تدخل في باب الرّبا " إذ الرّبا المحرّم شرعاً شيئان : ربا النّساء ، وربا التّفاضل . وغالب ما كانت العرب تفعله ، من قولها للغريم : أتقضي أم تربي ؟ فكان الغريم يزيد في المال ، ويصبر الطّالب عليه ، وهذا كلّه محرّم باتّفاق الأمّة » . قال الجصّاص : معلوم أنّ ربا الجاهليّة إنّما كان قرضاً مؤجّلاً بزيادة مشروطة ، فكانت الزّيادة بدلاً من الأجل ، فأبطله اللّه تعالى وحرّمه ، وقال : { وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم } وقال تعالى : { وذروا ما بقي من الرّبا } حظر أن يؤخذ للأجل عوض ، ولا خلاف أنّه لو كان عليه ألف درهم حالّةً ، فقال له : أجّلني وأزيدك فيها مائة درهم ، لا يجوز ؛ لأنّ المائة عوض من الأجل » .

الصّورة الرّابعة :

وهي تعجيل الدّين المؤجّل في مقابل التّنازل عن بعضه « ضع وتعجّل » . 86 - يرى جمهور الفقهاء أنّه إذا كان لرجل على آخر دين مؤجّل ، فقال المدين لغريمه : ضع عنّي بعضه وأعجّل لك بقيّته ، فإنّ ذلك لا يجوز عند الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة . وكرهه زيد بن ثابت ، وابن عمر ، والمقداد ، وسعيد بن المسيّب ، وسالم ، والحسن ، وحمّاد ، والحكم ، والثّوريّ ، وهشيم ، وابن عليّة ، وإسحاق . فقد روي أنّ رجلاً سأل ابن عمر فنهاه عن ذلك . ثمّ سأله ، فقال : إنّ هذا يريد أن أطعمه الرّبا . وروي عن زيد بن ثابت أيضاً النّهي عن ذلك . وروي أنّ المقداد قال لرجلين فعلا ذلك : كلاكما قد أذن بحرب من اللّه ورسوله . واستدلّ جمهور الفقهاء على بطلان ذلك بشيئين : أحدهما : تسمية ابن عمر إيّاه ربا ، ومثل ذلك لا يقال بالرّأي وأسماء الشّرع توقيف . والثّاني : أنّه معلوم أنّ ربا الجاهليّة إنّما كان قرضاً مؤجّلاً بزيادة مشروطة ، فكانت الزّيادة بدلاً من الأجل ، فأبطله اللّه تعالى ، وحرّمه ، وقال : { وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم } وقال تعالى : { وذروا ما بقي من الرّبا } حظر أن يؤخذ للأجل عوض . فإذا كانت عليه ألف درهم مؤجّلة ، فوضع عنه على أن يعجّله ، فإنّما جعل الحطّ مقابل الأجل ، فكان هذا هو معنى الرّبا الّذي نصّ اللّه تعالى على تحريمه . ولا خلاف أنّه لو كان عليه ألف درهم حالّة ، فقال له : أجّلني وأزيدك فيها مائة درهم ، لا يجوز ؛ لأنّ المائة عوض من الأجل ، كذلك الحطّ في معنى الزّيادة ، إذ جعله عوضاً من الأجل ، وهذا هو الأصل في امتناع جواز أخذ الأبدال عن الآجال . فحرمة ربا النّساء ليست إلاّ لشبهة مبادلة المال بالأجل وإذا كانت شبهة الرّبا موجبةً للحرمة فحقيقته أولى بذلك . وأيضاً فإنّه لا يمكن حمل هذا على إسقاط الدّائن لبعض حقّه ؛ لأنّ المعجّل لم يكن مستحقّاً بالعقد ، حتّى يكون استيفاؤه استيفاءً لبعض حقّه ، والمعجّل خير من المؤجّل لا محالة ، فيكون ( فيما لو كانت له عليه ألف مؤجّلة فصالحه على خمسمائة حالّة ) خمسمائة في مقابل مثله من الدّين ، وصفة التّعجيل في مقابلة الباقي - وهو الخمسمائة - وذلك اعتياض عن الأجل ، وهو حرام . وأيضاً لأنّ الأجل صفة ، كالجودة ، والاعتياض عن الجودة لا يجوز ، فكذا عن الأجل . ويقول ابن قدامة : إنّه بيع الحلول ، فلم يجز ، كما لو زاده الّذي له الدّين ، فقال له : أعطيك عشرة دراهم وتعجّل لي المائة الّتي عليك ، ويقول صاحب الكفاية : والأصل فيه أنّ الإحسان متى وجد من الطّرفين يكون محمولاً على المعاوضة - كهذه المسألة - فإنّ الدّائن أسقط من حقّه خمسمائة ، والمديون أسقط حقّه في الأجل في الخمسمائة الباقية ، فيكون معاوضةً بخلاف ما إذا صالح من ألف على خمسمائة ، فإنّه يكون محمولاً على إسقاط بعض الحقّ ، دون المعاوضة ؛ لأنّ الإحسان لم يوجد إلاّ من طرف ربّ الدّين . وروي عن ابن عبّاس أنّه لم ير بأساً بهذا « ضع عنّي وتعجّل » ، وروي ذلك عن النّخعيّ ، وأبي ثور ؛ لأنّه آخذ لبعض حقّه ، تارك لبعضه ، فجاز كما لو كان الدّين حالّاً ، واستثنى من ذلك الحنفيّة والحنابلة ( وهو قول الخرقيّ من علمائهم ) أنّه يجوز أن يصالح المولى مكاتبه على تعجيل بدل الكتابة في مقابل الحطّ منه ، وذلك لأنّ معنى الإرفاق فيما بينهما أظهر من معنى المعاوضة ، فلا يكون هذا في مقابلة الأجل ببعض المال ، ولكن إرفاق من المولى بحطّ بعض المال ، ومساهلة من المكاتب فيما بقي قبل حلول الأجل ليتوصّل إلى شرف الحرّيّة ؛ ولأنّ المعاملة هنا هي معاملة المكاتب مع سيّده ، وهو يبيع بعض ماله ببعض ، فدخلت المسامحة فيه ، بخلاف غيره .

اختلاف المتعاقدين في الأجل

87 - اختلاف المتعاقدين في الأجل إمّا أن يكون في أصل الأجل ، أو في مقداره ، أو في حلوله ، أو في مضيّه وفيما يلي آراء الفقهاء في ذلك :

الاختلاف في أصل الأجل في البيع :

88 - إذا اختلف المتعاقدان في أصل الأجل ، بأن قال المشتري : اشتريته بدينار مؤجّل ، وأنكره البائع - فإنّ الفقهاء قد اختلفوا : فيرى الحنفيّة والحنابلة أنّ القول لمن ينفي الأجل ، وهو البائع ، مع يمينه ، وذلك لأنّ الأصل الحلول . والبيّنة على المشتري ؛ لأنّه يثبت خلاف الظّاهر ، والبيّنات للإثبات ، ويرى المالكيّة أنّه يعمل بالعرف باليمين ، سواء أكانت السّلعة قائمةً أو فاتت . فإن لم يكن عرف تحالفا وتفاسخا إن كانت قائمةً ، فتردّ السّلعة لبائعها ، وإن لم تكن قائمةً صدّق المشتري بيمين إن ادّعى أجلاً قريباً لا يتّهم فيه ، وإلاّ فالقول للبائع إن حلف . ويرى الشّافعيّة ، وهو رواية في مذهب الحنابلة ، أنّهما يتحالفان ، لقوله صلى الله عليه وسلم : « لو يعطى النّاس بدعواهم لادّعى ناس دماء رجال وأموالهم ، ولكن اليمين على المدّعى عليه » . رواه مسلم ، وكلّ منهما مدّعًى عليه ، كما أنّه مدّع . ولأنّهما اختلفا في صفة العقد ، فوجب أن يتحالفا ، قياساً على الاختلاف في الثّمن .

( الاختلاف في مقدار الأجل )

89 - إذا اختلف المتعاقدان في مقدار الأجل ، كما إذا قال البائع بعتكه بثمن مؤجّل إلى شهر ، ويدّعي المشتري أكثر من ذلك ، فإنّ الفقهاء اختلفوا فيه : فيرى الحنفيّة والحنابلة أنّ القول قول مدّعي الأقلّ ، لإنكاره الزّيادة ، والبيّنة للمشتري ،  لأنّه يثبت خلاف الظّاهر ، والبيّنات لإثبات خلاف الظّاهر . ويرى المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ( في رواية أخرى ) أنّهما يتحالفان ، للحديث المتقدّم ؛ ولأنّ كلّاً منهما مدّعًى عليه ، كما أنّه مدّع ، فإذا تحالفا فعند المالكيّة فسخ العقد إن كانت السّلعة قائمةً - على المشهور - إن حكم بالفسخ حاكم ، أو تراضيا عليه ، وتعود السّلعة على ملك البائع حقيقةً ، ظالماً أو مظلوماً . وقيل يحصل الفسخ بمجرّد التّحالف ، كاللّعان ، ولا يتوقّف على حكم . وحلف المشتري إن فات المبيع كلّه ، فإن فات البعض فلكلّ حكمه . ويرى الشّافعيّة أنّهما إذا تحالفا فالصّحيح أنّ العقد لا ينفسخ بنفس التّحالف ؛ لأنّ البيّنة أقوى من اليمين ، ولو أقام كلّ منهما بيّنةً لم ينفسخ فبالتّحالف أولى ، بل إن تراضيا على ما قال أحدهما أقرّ العقد وإن لم يتراضيا بأن استمرّ نزاعهما فيفسخانه ، أو أحدهما ، أو الحاكم لقطع النّزاع ، وحقّ الفسخ بعد التّحالف ليس على الفور ، فلو لم يفسخا في الحال كان لهما بعد ذلك لبقاء الضّرر المحوج للفسخ . وقيل إنّما يفسخه الحاكم ؛ لأنّه فسخ مجتهد فيه فلا يفسخ أحدهما . ومقابل الصّحيح أنّه ينفسخ بالتّحالف وتعود الحال إلى ما كانت عليه قبل العقد .

( الاختلاف في انتهاء الأجل ) :

90 - إذا اختلف المتعاقدان في مضيّ الأجل ، مع اتّفاقهما على التّأجيل - كما إذا قال البائع بعتكه بثمن مؤجّل إلى شهر أوّله هلال رمضان ، وقد انقضى ، ويقول المشتري بل أوّله نصف رمضان فانتهاء الأجل نصف شوّال - فقد اختلف الفقهاء في حكمه : فيرى الحنفيّة أنّ القول والبيّنة للمشتري ؛ لأنّهما لمّا اتّفقا على الأجل ، فالأصل بقاؤه ، فكان القول للمشتري في عدم مضيّه ؛ ولأنّه منكر توجّه المطالبة ، وأمّا تقديم بيّنته على بيّنة البائع فلكونها أكثر إثباتاً . ويرى المالكيّة أنّ القول لمنكر التّقضّي بيمينه ؛ لأنّ الأصل بقاء الأجل ، " أي أنّ القول لمن ادّعى بقاء الأجل ، وأنكر انقضاءه ، سواء كان بائعاً أو مشترياً ، كان مكرياً أو مكترياً ، إذا لم توجد بيّنة ، فإن كان لأحدهما بيّنة عمل بها ، وهذا إن أشبه قوله عادة النّاس في الأجل - أشبه الآخر أم لا - فإن لم يشبها معاً عادة النّاس حلفا ، وفسخ إن كانت السّلعة قائمةً ، وإلاّ فالقيمة ، ويقضى للحالف على النّاكل . . . » .

مسقطات الأجل

91 - الأجل إمّا أن يكون أجل إضافة ، وهو ما يترتّب على تحقّقه ترتّب أحكام التّصرّف . أو يترتّب على تحقّقه حلول الدّين أو حلول العين فيما يصحّ إضافته من الأعيان إلى أجل ، أو يكون أجل توقيت وهو الّذي يترتّب على تحقّقه انتهاء الحقّ الّذي كان له .

والمسقطات - بوجه عامّ - إمّا بطريق الإسقاط ، وإمّا بطريق السّقوط .

وفيما يلي بيان ذلك :

أوّلاً : إسقاط الأجل :

أ - إسقاط الأجل من قبل المدين :

92 - لمّا كان الأجل قد شرع رفقاً بالمدين وتمكيناً له من وفاء الدّين في الوقت المناسب له ، ورعايةً لحالة العدم الّتي يتعرّض لها ، كان من حقّه أن يسقط أجل الدّين ، ويصبح الدّين حالّاً ، وعلى الدّائن قبض الدّين . وهذا هو رأي جمهور الفقهاء : ( الحنفيّة مطلقاً وكذا المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إذا لم يؤدّ ذلك إلى الإضرار بالدّائن كأن كان الأداء في مكان مخوف ، أو كان له حمل ومؤنة أو كان في وقت كساد ) على تفصيل في هذه المذاهب الثّلاثة يرجع إليه في مواطنه .

ب - إسقاط الأجل من قبل الدّائن :

93 - تبيّن ممّا تقدّم أنّ الأجل حقّ لمن عليه الدّين ، وإذا كان حقّاً له فإنّه يستبدّ بإسقاطه ، طالما أنّه لا يؤدّي هذا الإسقاط إلى ضرر بالدّائن . أمّا الدّائن فإنّ إسقاطه الأجل يجب أن يفرّق فيه بين أجل لحق العقد وقت صدوره - كما لو باع بثمن مؤجّل - ففي هذه الحالة يكون الأجل لازماً للدّائن لأنّه التحق بصلب العقد باتّفاق الفقهاء ، وبين أجل أراده الدّائن والمدين بعد صدور العقد بثمن حالّ ، وهذا النّوع قد اختلف الفقهاء في لزومه للدّائن ، أي أنّه لا يمكنه أن يستبدّ بإسقاطه دون الرّجوع إلى المدين . فذهب الحنفيّة ( غير زفر ) والمالكيّة إلى أنّ من باع بثمن حالّ ، ثمّ أجّله إلى أجل معلوم أنّ الثّمن يصير مؤجّلاً ، كما لو باعه بثمن مؤجّل ابتداءً ، ويصبح الأجل لازماً للدّائن لا يصحّ رجوعه عنه دون رضا المدين . أمّا التّأجيل فلأنّ الثّمن حقّه ، فله أن يؤخّره تيسيراً على من عليه ؛ ولأنّ التّأجيل إثبات براءة مؤقّتة إلى حلول الأجل ، وهو يملك البراءة المطلقة بالإبراء عن الثّمن فلأن يملك البراءة المؤقّتة أولى ، وأمّا كونه لازماً له فذلك لأنّ الشّرع أثبت عن إسقاطه بالبراءة المطلقة السّقوط ، والتّأجيل التزام الإسقاط إلى وقت معيّن ، فيثبت شرعاً السّقوط إلى ذلك الوقت ، كما ثبت شرعاً سقوطه بإسقاطه مطلقاً . وقال زفر ( من علماء الحنفيّة ) والشّافعيّة والحنابلة : إنّ كلّ دين حالّ لا يصير مؤجّلاً بالتّأجيل ؛ لأنّه بعد أن كان حالّاً ليس إلاّ وعداً بالتّأخير ، وحينئذ يكون له الحقّ في الرّجوع عنه ، وكذلك اختلفوا في لزوم شرط تأجيل القرض ، وقد سبق أنّ جمهور الفقهاء لا يرون تأجيله ، حتّى لو اشترط فيه التّأجيل ، خلافاً للمالكيّة واللّيث الّذين يرون لزومه حسب التّفصيل الّذي سبق بيانه .

ج - إسقاط الأجل بتراضي الدّائن والمدين :

94 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّه إذا تراضى الدّائن والمدين على إسقاط شرط التّأجيل أنّ ذلك جائز وصحيح .

ثانياً : سقوط الأجل

تناول الفقهاء عدّة أسباب إذا وقعت أدّت إلى سقوط شرط التّأجيل ، ومنها الموت والتّفليس والإعسار ، والجنون والأسر .

أ - سقوط الأجل بالموت :

95 - اختلف الفقهاء في سقوط الأجل بموت المدين أو الدّائن : فيرى الحنفيّة والشّافعيّة أنّ الأجل يبطل بموت المدين لخراب ذمّته ، ولا يبطل بموت الدّائن ، سواء أكان موتاً حقيقيّاً ، أم حكميّاً ، وذلك لأنّ فائدة التّأجيل أن يتّجر فيؤدّي الثّمن من نماء المال ، فإذا مات من له الأجل تعيّن المتروك لقضاء الدّين ، فلا يفيد التّأجيل ؛ ولأنّ الأجل حقّ المدين ، لا حقّ صاحب الدّين ، فتعتبر حياته وموته في الأجل وبطلانه . ومثل الموت الحقيقيّ الموت الحكميّ ، وذلك كما . لو لحق مرتدّاً بدار الحرب - كما صرّح الحنفيّة - أو كالرّدّة المتّصلة بالموت أو استرقاق الحربيّ - كما صرّح الشّافعيّة . ويرى المالكيّة ذلك ، إلاّ أنّهم يستثنون ثلاث حالات . جاء في شرح الخرشيّ : إنّ الدّين المؤجّل على الشّخص يحلّ بفلسه أو موته على المشهور ، لأنّ الذّمّة في الحالتين قد خربت ، والشّرع قد حكم بحلوله ؛ ولأنّه لو لم يحلّ للزم إمّا تمكين الوارث من القسم ، أو عدمه ، وكلاهما باطل ، لقوله تعالى : { من بعد وصيّة يوصي بها أو دين } ، وللضّرورة الحاصلة بوقفه . وعلى المشهور : لو طلب بعض الغرماء بقاءه مؤجّلاً منع من ذلك " وأمّا لو طلب الكلّ لكان لهم ذلك » . ويستثنى من الموت من قتل مدينه ( عمداً ) فإنّ دينه المؤجّل لا يحلّ ، لحمله على استعجال ما أجّل . وأمّا الدّين الّذي له فلا يحلّ بفلسه ولا بموته ، ولغرمائه تأخيره إلى أجله ، أو بيعه الآن ، ومحلّ حلول الدّين المؤجّل بالموت أو الفلس ما لم يشترط من عليه أنّه لا يحلّ عليه الدّين بذلك ، وإلاّ عمل بشرطه . قد ذكر ذلك ابن الهنديّ في الموت ، وإمّا إن شرط من له أنّه يحلّ بموته على المدين فهل يعمل بشرطه ، أو لا ؟ والظّاهر الأوّل ( أي أنّه يعمل بشرطه ) حيث كان الشّرط غير واقع في صلب عقد البيع ، فإن وقع في صلب عقد البيع فالظّاهر فساد البيع ؛ لأنّه آل أمره إلى البيع بأجل مجهول ، ويرى الحنابلة أنّه لا يحلّ الدّين المؤجّل بموت الدّائن ، وأمّا موت المدين فلهم رأيان : أحدهما : أنّه يحلّ بموت المدين كما هو رأي من ذكر من الفقهاء . والثّاني : أنّه لا يحلّ بموته إذا وثق الورثة ، فقد جاء في كشّاف القناع : « أنّه إذا مات شخص وعليه دين مؤجّل لم يحلّ الدّين بموته إذا وثق الورثة ، أو وثق غيرهم برهن أو كفيل مليء ، على أقلّ الأمرين : من قيمة التّركة أو الدّين " ، وهو قول ابن سيرين ، وعبيد اللّه بن الحسن ، وإسحاق ، وأبي عبيد لأنّ الأجل حقّ للميّت ، فورث عنه كسائر حقوقه ، وكما لا تحلّ الدّيون الّتي له بموته ، فتختصّ أرباب الدّيون الحالّة بالمال ، ويتقاسمونه بالمحاصّة ، ولا يترك منه للمؤجّل شيء ، ولا يرجع ربّه عليه بعد حلوله بل على من وثّقه ، فإن تعذّر التّوثّق لعدم وارث ، بأن مات عن غير وارث ، حلّ ، ولو ضمنه الإمام ، أو " تعذّر التّوثّق " لغير عدم وارث ، بأن خلف وارثاً لكنّه لم يوثق ، حلّ الدّين لغلبة الضّرر ، فيأخذه ربّه كلّه إن اتّسعت التّركة أو يحاصص به الغرماء ، ولا يسقط منه شيء في مقابلة الأجل . وإن ضمنه ضامن وحلّ على أحدهما لم يحلّ على الآخر . وقد استدلّ الحنابلة على قولهم بأنّ الدّين المؤجّل لا يحلّ بالموت إذا وثّق الورثة ، فقالوا : إنّ الأجل حقّ للمدين فلا يسقط بموته ، كسائر حقوقه ؛ ولأنّ الموت ما جعل مبطلاً للحقوق ، وإنّما هو ميقات للخلافة وعلامة على الوراثة ، وقد قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « من ترك حقّاً أو مالاً فلورثته » وما قيل بسقوطه بالموت هو حكم مبنيّ على المصلحة ، ولا يشهد لها شاهد الشّرع باعتبار ، ولا خلاف في فساد هذا ، فعلى هذا يبقى الدّين في ذمّة الميّت كما كان ويتعلّق بعين ماله كتعلّق حقوق الغرماء بمال المفلس عند الحجر عليه ، فإن أحبّ الورثة أداء الدّين ، والتزامه للغريم ، على أن يتصرّفوا في المال ، لم يكن لهم ذلك إلاّ أن يرضى الغريم ، أو يوثّقوا الحقّ بضمين مليء ، أو رهن يثق به لوفاء حقّه ، فإنّهم قد لا يكونون أملياء ، ولم يرض بهم الغريم ، فيؤدّي إلى فوات الحقّ . ويرى طاوس وأبو بكر بن محمّد ، والزّهريّ وسعد بن إبراهيم أنّ الدّين المؤجّل لا يحلّ بموت المدين ، ويبقى إلى أجله ، وحكي ذلك عن الحسن .

ب - سقوط الأجل بالتّفليس :

96 - إذا حكم الحاكم بالحجر على المدين للإفلاس ، فهل تحلّ ديون المفلس المؤجّلة ؟ يرى الحنفيّة والحنابلة والشّافعيّة ( في الأظهر ) وهو قول للمالكيّة أنّه لا تحلّ ديون المفلس المؤجّلة ؛ لأنّ الأجل حقّ للمفلس ، فلا يسقط بفلسه كسائر حقوقه ، ولأنّه لا يوجب حلول ماله ، فلا يوجب حلول ما عليه - كالجنون والإغماء - ولأنّه دين مؤجّل على حيّ ، فلم يحلّ قبل أجله ، كغير المفلس ، والفرق بين الفلس والموت أنّ ذمّة الميّت خربت وبطلت بخلاف المفلس . والمشهور عند المالكيّة ورأي للشّافعيّة أنّ الدّين المؤجّل يحلّ بالإفلاس الأخصّ ( أي الشّخص الّذي حكم الحاكم بخلع ماله للغرماء ) لخراب ذمّة المفلس ، ما لم يشترط المدين عدم حلوله بالتّفليس ، وما لم يتّفق الغرماء جميعاً على بقاء ديونهم مؤجّلةً . أمّا حقوق المفلس المؤجّلة قبل الغير فباتّفاق الفقهاء تبقى على حالها ؛ لأنّ الأجل حقّ للغير ، فليس لغير صاحبه الحقّ في إسقاطه .

ج - سقوط الأجل بالجنون :

97 - إذا جنّ من عليه الدّين المؤجّل أو من له الدّين ، فهل يسقط الأجل بجنونه ؟ يرى الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة جنون المدين لا يوجب حلول الدّين عليه لإمكان التّحصيل عند حلول الأجل بواسطة وليّه ، فالأجل باق ، ولصاحب الحقّ عند حلول الأجل مطالبة وليّه بماله . ولأنّ الأجل حقّ للمجنون فلا يسقط بجنونه كسائر حقوقه ؛ ولأنّه لا يوجب حلول ما له قبل الغير ، فلا يوجب حلول ما عليه ، وأمّا المالكيّة فقد نصّوا على أنّ الدّين المؤجّل يحلّ بالفلس والموت ما لم يشترط المدين عدم حلوله بهما وما لم يقتل الدّائن المدين عمداً ، ولم ينصّوا على الجنون معهما ممّا يدلّ على أنّ الجنون عندهم لا يحلّ الدّين المؤجّل .


اكتب معهد الماهر
أعلى