الرئيسية
المنتديات
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
الغرف الصوتية
غرفة ٠٠٠٠
ما الجديد
المشاركات الجديدة
جديد مشاركات الحائط
آخر النشاطات
الأعضاء
الزوار الحاليين
مشاركات الحائط الجديدة
البحث عن مشاركات الملف الشخصي
تسجيل الدخول
تسجيل
ما الجديد
البحث
البحث
بحث بالعناوين فقط
بواسطة:
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
قائمة
تسجيل الدخول
تسجيل
تثبيت التطبيق
تثبيت
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية
تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة
.
الرد على الموضوع
الرسالة
<blockquote data-quote="ابن عامر الشامي" data-source="post: 40734" data-attributes="member: 329"><p>التّأجيل بالأشهر بإطلاق :</p><p>75 - إذا جعل التّأجيل بالأشهر ، دون النّصّ على أنّها هلاليّة أو روميّة أو فارسيّة ، فإنّ الفقهاء ( الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ) قد اتّفقوا على أنّه عند التّأجيل بالأشهر بإطلاق تنصرف إلى الهلاليّة ، وذلك لأنّ الشّهور في عرف الشّرع شهور الأهلّة ، بدليل قوله تعالى : { إنّ عدّة الشّهور عند اللّه اثنا عشر شهراً في كتاب اللّه يوم خلق السّموات والأرض منها أربعة حرم } وأراد الهلاليّة ، فعند الإطلاق يحمل العقد عليها ، واحتساب هذه المدّة إذا وقع العقد في أوّل الشّهر من أوّله . أمّا إذا لم يقع في أوّله ، فإمّا أن يكون لشهر أو أكثر ، أو سنة . فإن كان لشهر ، فإن وقع العقد في غرّة الشّهر ، يقع على الأهلّة بلا خلاف ، حتّى لو نقص الشّهر يوماً كان عليه كمال الأجرة ؛ لأنّ الشّهر اسم للهلال ، وإن وقع بعدما مضى بعض الشّهر ، ففي إجارة الشّهر يقع على ثلاثين يوماً بالإجماع ، لتعذّر اعتبار الأهلّة ، فتعتبر الأيّام . وأمّا في إجارة ثلاثة أشهر مثلاً فإنّهم قد اختلفوا ، فقد قيل : تكمل شهرين بالهلال ، وشهراً بالعدد ثلاثين يوماً ، وهو رأي للحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وقيل تكون الثّلاثة كلّها عدديّةً ، وهو رأي لأبي حنيفة ، ورأي عند الحنابلة ، ومثل ذلك في إجارة السّنة مثلاً .</p><p>بدء احتساب مدّة الأجل :</p><p>76 - يبدأ احتساب مدّة الأجل من الوقت الّذي حدّده المتعاقدان فإن لم يحدّدا كان من وقت العقد .</p><p>التّأجيل بأعياد المسلمين :</p><p>77 - إذا وقع التّأجيل إلى الأعياد جاز إذا كان العيد محدّداً معلوماً ، كعيد الفطر ، وعيد الأضحى ، فهذا يصحّ التّأجيل إليه .</p><p>التّأجيل إلى ما يحتمل أحد أمرين :</p><p>78 - إذا وقع الأجل بما يحتمل أمرين صرف إلى أوّلهما ، كما صرّح الشّافعيّة ( على الأصحّ عندهم ) والحنابلة ، كتأجيله بالعيد ، أو جمادى ، أو ربيع ، أو نفر الحجّ ؛ لأنّ العيد عيد الفطر وعيد الأضحى ، وجمادى الأولى والثّانية ، وربيع الأوّل والثّاني ، ونفر الحجّ ثاني أيّام التّشريق وثالثها ، فيحمل على الأوّل من ذلك ، لتحقّق الاسم به . والثّاني : لا ، بل يفسده ، لتردّده بين الأوّل والثّاني .</p><p>التّأجيل إلى مواسم معتادة :</p><p>79 - اختلف الفقهاء في جوازه ، كالحصاد ، والدّياس ، والجذاذ ، وقدوم الحاجّ ، إلى رأيين : يرى الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة وابن المنذر أنّه لا يجوز التّأجيل إلى هذه الأشياء . واستدلّوا بما روي عن ابن عبّاس أنّه قال : لا تتبايعوا إلى الحصاد والدّياس ، ولا تتبايعوا إلاّ إلى شهر معلوم . ولأنّ التّأجيل بذلك يختلف ، ويقرب ويبعد ، فالحصاد والجذاذ يتأخّران أيّاماً إن كان المطر متواتراً ، ويتقدّمان بحرّ الهواء وعدم المطر ، وأمّا العطاء فقد ينقطع جملةً .</p><p>80 - وقد اختلف هؤلاء الفقهاء في أثر اشتراط التّأجيل إلى أجل مجهول جهالةً متقاربةً . فيرى الحنفيّة أنّه لا يجوز البيع إلى أجل مجهول سواء كانت الجهالة متقاربةً كالحصاد والدّياس مثلاً ، أو متفاوتةً ، كهبوب الرّيح وقدوم واحد من سفر ، فإن أبطل المشتري الأجل المجهول التّقارب قبل محلّه ، وقبل فسخ العقد بالفساد ، انقلب البيع جائزاً عند أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمّد ، وعند زفر لا ينقلب ، ولو مضت المدّة قبل إبطال الأجل تأكّد الفساد ، ولا ينقلب جائزاً بإجماع علماء الحنفيّة ، ويرى الشّافعيّة فساد العقد ، وذلك لأنّه يشترط عندهم في المؤجّل العلم بالأجل ، بأن يكون معلوماً مضبوطاً ، فلا يجوز بما يختلف ، كالحصاد وقدوم الحاجّ ، للحديث « من أسلم في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم » . ( متّفق عليه ) ولأنّ ذلك غير معلوم ، لأنّه يتقدّم ويتأخّر . ويرى الحنابلة أنّه يلغو التّأجيل ويصحّ العقد ، وذلك لأنّهم يشترطون أن يكون الأجل مقدّراً بزمن معلوم ، فإن شرط خياراً أو أجلاً مجهولين - بأن باعه بشرط الخيار وأطلق ، أو إلى الحصاد ونحوه ، أو بثمن مؤجّل إلى الحصاد ونحوه - لم يصحّ الشّرط وصحّ البيع ، وللّذي فات غرضه بفساد الشّرط من بائع ومشتر - سواء علم بفساد الشّرط أو لا - أحد أمرين : فسخ البيع ؛ لأنّه لم يسلّم له ما دخل عليه من الشّرط ، أو أرش ، ( أي تعويض ) ما نقص من الثّمن بإلغاء الشّرط إن كان المشترط بائعاً ، أو ما زاد إن كان مشترياً - يعني إذا اشترى بزيادة على الثّمن . أمّا في السّلم فإنّه لا يصحّ العقد إذا وقع التّأجيل بذلك ، وذلك لفوات شرط صحّته ، وهو الأجل المعلوم ، لاختلاف هذه الأشياء . ويرى المالكيّة أنّه يجوز التّأجيل إليه ، ويعتبر في الحصاد والدّياس ونحوهما ميقات معظمه ، أي الوقت الّذي يحصل فيه غالب ما ذكر ، وهو وسط الوقت المعدّ لذلك ، وسواء وجدت الأفعال في بلد العقد ، أو عدمت - أي لم توجد - فالمراد وجود الوقت الّذي يغلب فيه الوقوع . ونحوه ما ذكره ابن قدامة في رواية أخرى عن الإمام أحمد أنّه قال : أرجو ألاّ يكون به بأس . وبه قال أبو ثور ، وعن ابن عمر أنّه كان يبتاع إلى العطاء ، وبه قال ابن أبي ليلى . وقال أحمد : إن كان شيء يعرف فأرجو ، وكذلك إن قال إلى قدوم الغزاة ، وهذا محمول على أنّه أراد وقت العطاء ، لأنّ ذلك معلوم . فأمّا نفس العطاء فهو في نفسه مجهول ، يختلف ، ويتقدّم ويتأخّر ، ويحتمل أنّه أراد نفس العطاء ، لكونه يتفاوت أيضاً ، فأشبه الحصاد . واحتجّ من أجاز ذلك بأنّه أجل يتعلّق بوقت من الزّمن يعرف في العادة ، لا يتفاوت فيه تفاوتاً كبيراً ، فأشبه ما إذا قال رأس السّنة .</p><p>الأجل المجهول التّأجيل إلى فعل غير منضبط الوقوع :</p><p>81 - اتّفق الفقهاء على عدم جواز التّأجيل إلى ما لا يعلم وقت وقوعه - حقيقةً أو حكماً - ولا ينضبط ، وهو الأجل المجهول ، وذلك كما لو باعه بثمن مؤجّل إلى قدوم زيد من سفره ، أو نزول مطر ، أو هبوب ريح . وكذا إذا باعه إلى ميسرة ، وقد استدلّوا على عدم جواز هذا النّوع من الأجل بالآثار الّتي استدلّ بها على عدم جواز التّأجيل بالفعل الّذي يقع في زمان معتاد ، كالحصاد والدّياس ، بل هذا النّوع أولى ؛ لأنّ الجهالة هناك متقاربة ، وهنا الجهالة فيها متفاوتة . ولأنّ التّأجيل بمثل ذلك غير معلوم ؛ لأنّ ذلك يختلف : يقرب ويبعد ، يتقدّم ويتأخّر ، ولأنّ جهالته تفضي إلى المنازعة في التّسليم والتّسلّم ، فهذا يطالبه في قريب المدّة ، وذاك في بعيدها ؛ ولأنّ الأجل المجهول لا يفيد ؛ لأنّه يؤدّي إلى الغرر .</p><p>أثر التّأجيل إلى أجل مجهول جهالةً مطلقةً :</p><p>82 - سبق بيان اتّفاق الفقهاء على عدم جواز التّأجيل إلى أجل مجهول جهالةً مطلقةً . واختلفوا في أثر هذا التّأجيل على التّصرّف فيرى الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة ، وهو رأي للحنابلة ، أنّه لا يصحّ العقد أيضاً ، وذلك لأنّه أجل فاسد فأفسد العقد ؛ لأنّ المتعاقدين رضيا به مؤجّلاً إلى هذا الأجل ، وإذا لم يصحّ الأجل ، فالقول بصحّته حالّاً يخالف إرادتهما وما تراضيا عليه ، والبيع - ونحوه - يقوم على التّراضي ، فأفسد العقد . غير أنّ الحنفيّة يرون أنّه إن أبطل المشتري الأجل المجهول المتفاوت قبل التّفرّق ، ونقد الثّمن ، انقلب جائزاً ، وعند زفر لا ينقلب جائزاً ، ولو تفرّقا قبل الإبطال تأكّد الفساد ، ولا ينقلب جائزاً بإجماع الحنفيّة . ويرى الحنابلة أنّ الأجل المجهول في البيع يفسد ، ويصحّ البيع ، وفي السّلم يفسد الأجل والسّلم ، وقد استدلّوا على صحّة البيع وبطلان الأجل المجهول بما روي عن « عائشة أنّها قالت : جاءتني بريرة ، فقالت كاتبت أهلي على تسع أواق ، في كلّ عام أوقيّة ، فأعينيني . فقلت : إن أحبّ أهلك أن أعدّها لهم عدّةً واحدةً ، ويكون ولاؤك لي فعلت . فذهبت بريرة إلى أهلها ، فقالت لهم ، فأبوا عليها . فجاءت من عندهم ورسول اللّه صلى الله عليه وسلم جالس ، فقالت : إنّي عرضت عليهم فأبوا إلاّ أن يكون الولاء لهم . فسمع النّبيّ صلى الله عليه وسلم . فأخبرت عائشة النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : خذيها واشترطي لهم الولاء ، فإنّما الولاء لمن أعتق ففعلت عائشة ، فقام رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في النّاس فحمد اللّه وأثنى عليه ، ثمّ قال : أمّا بعد فما بال رجال يشترطون شروطاً ليست في كتاب اللّه تعالى ؟ ما كان من شرط ليس في كتاب اللّه فهو باطل ، وإن كان مائة شرط . قضاء اللّه أحقّ . وشرط اللّه أوثق . وإنّما الولاء لمن أعتق » متّفق عليه ، فأبطل الشّرط ولم يبطل العقد . قال ابن المنذر : خبر بريرة ثابت ، ولا نعلم خبراً يعارضه . فالقول به يجب .</p><p>الاعتياض عن الأجل بالمال</p><p> يرد الاعتياض عن الأجل بالمال في صور منها ما يلي :</p><p>الصّورة الأولى :</p><p>83 - صدور إيجاب مشتمل على صفقتين ، إحداهما بالنّقد ، والأخرى بالنّسيئة ، مثل أن يقول بعتك هذا نقداً بعشرة ، وبالنّسيئة بخمسة عشر . يرى جمهور العلماء أنّ هذا البيع إذا صدر بهذه الصّيغة لا يصحّ ، لأنّ « النّبيّ صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعتين في بيعة ، » جاء في الشّرح الكبير : « كذلك فسّره مالك والثّوريّ ، وإسحاق ، وهذا قول أكثر أهل العلم ؛ لأنّه لم يجزم له ببيع واحد ، أشبه ما لو قال بعتك أحد هذين ؛ ولأنّ الثّمن مجهول فلم يصحّ ، كالبيع بالرّقم المجهول " ، وقد روي عن طاوس والحكم وحمّاد أنّهم قالوا : لا بأس أن يقول : أبيعك بالنّقد بكذا ، وبالنّسيئة بكذا ، فيذهب إلى أحدهما . فيحتمل أنّه جرى بينهما بعدما يجري في العقد ، فكأنّ المشتري قال : أنا آخذه بالنّسيئة بكذا ، فقال : خذه ، أو قال : قد رضيت ، ونحو ذلك ، فيكون عقداً كافياً ، فيكون قولهم كقول الجمهور ، فعلى هذا : إن لم يوجد ما يدلّ على الإيجاب أو ما يقوم مقامه لم يصحّ ؛ لأنّ ما مضى من القول لا يصلح أن يكون إيجاباً ، فهذا الخلاف الوارد في صحّة هذا البيع مصدره الصّيغة الصّادرة مشتملة على صيغتين في آن واحد ، فلم يجزم البائع ببيع واحد ؛ ولأنّ الثّمن مجهول هل هو عشرة أو خمسة عشر . وإذا كان الإيجاب غير جازم لا يصلح ، ويكون عرضاً ، فإذا قبل الموجّه إليه العرض إحدى الصّفقتين كان إيجاباً موجّهاً إلى الطّرف الأوّل ، فإن قبل تمّ العقد ، وإلاّ لم يتمّ .</p><p>( الصّورة الثّانية ) :</p><p>84 - وهي بيع الشّيء بأكثر من سعر يومه لأجل النّساء . يرى جمهور الفقهاء جواز بيع الشّيء بأكثر من سعر يومه لأجل النّساء ، وذلك لعموم الأدلّة القاضية بجواز البيع . قال اللّه تعالى : { وأحلّ اللّه البيع } وهو عامّ في إباحة سائر البياعات إلاّ ما خصّ بدليل ، ولا يوجد دليل يخصّص هذا العموم .</p><p>( الصّورة الثّالثة ) :</p><p>وهي تأجيل الدّين الحالّ في مقابل زيادة :</p><p>85 - وهذه الصّورة تدخل في باب الرّبا " إذ الرّبا المحرّم شرعاً شيئان : ربا النّساء ، وربا التّفاضل . وغالب ما كانت العرب تفعله ، من قولها للغريم : أتقضي أم تربي ؟ فكان الغريم يزيد في المال ، ويصبر الطّالب عليه ، وهذا كلّه محرّم باتّفاق الأمّة » . قال الجصّاص : معلوم أنّ ربا الجاهليّة إنّما كان قرضاً مؤجّلاً بزيادة مشروطة ، فكانت الزّيادة بدلاً من الأجل ، فأبطله اللّه تعالى وحرّمه ، وقال : { وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم } وقال تعالى : { وذروا ما بقي من الرّبا } حظر أن يؤخذ للأجل عوض ، ولا خلاف أنّه لو كان عليه ألف درهم حالّةً ، فقال له : أجّلني وأزيدك فيها مائة درهم ، لا يجوز ؛ لأنّ المائة عوض من الأجل » .</p><p>الصّورة الرّابعة :</p><p>وهي تعجيل الدّين المؤجّل في مقابل التّنازل عن بعضه « ضع وتعجّل » . 86 - يرى جمهور الفقهاء أنّه إذا كان لرجل على آخر دين مؤجّل ، فقال المدين لغريمه : ضع عنّي بعضه وأعجّل لك بقيّته ، فإنّ ذلك لا يجوز عند الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة . وكرهه زيد بن ثابت ، وابن عمر ، والمقداد ، وسعيد بن المسيّب ، وسالم ، والحسن ، وحمّاد ، والحكم ، والثّوريّ ، وهشيم ، وابن عليّة ، وإسحاق . فقد روي أنّ رجلاً سأل ابن عمر فنهاه عن ذلك . ثمّ سأله ، فقال : إنّ هذا يريد أن أطعمه الرّبا . وروي عن زيد بن ثابت أيضاً النّهي عن ذلك . وروي أنّ المقداد قال لرجلين فعلا ذلك : كلاكما قد أذن بحرب من اللّه ورسوله . واستدلّ جمهور الفقهاء على بطلان ذلك بشيئين : أحدهما : تسمية ابن عمر إيّاه ربا ، ومثل ذلك لا يقال بالرّأي وأسماء الشّرع توقيف . والثّاني : أنّه معلوم أنّ ربا الجاهليّة إنّما كان قرضاً مؤجّلاً بزيادة مشروطة ، فكانت الزّيادة بدلاً من الأجل ، فأبطله اللّه تعالى ، وحرّمه ، وقال : { وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم } وقال تعالى : { وذروا ما بقي من الرّبا } حظر أن يؤخذ للأجل عوض . فإذا كانت عليه ألف درهم مؤجّلة ، فوضع عنه على أن يعجّله ، فإنّما جعل الحطّ مقابل الأجل ، فكان هذا هو معنى الرّبا الّذي نصّ اللّه تعالى على تحريمه . ولا خلاف أنّه لو كان عليه ألف درهم حالّة ، فقال له : أجّلني وأزيدك فيها مائة درهم ، لا يجوز ؛ لأنّ المائة عوض من الأجل ، كذلك الحطّ في معنى الزّيادة ، إذ جعله عوضاً من الأجل ، وهذا هو الأصل في امتناع جواز أخذ الأبدال عن الآجال . فحرمة ربا النّساء ليست إلاّ لشبهة مبادلة المال بالأجل وإذا كانت شبهة الرّبا موجبةً للحرمة فحقيقته أولى بذلك . وأيضاً فإنّه لا يمكن حمل هذا على إسقاط الدّائن لبعض حقّه ؛ لأنّ المعجّل لم يكن مستحقّاً بالعقد ، حتّى يكون استيفاؤه استيفاءً لبعض حقّه ، والمعجّل خير من المؤجّل لا محالة ، فيكون ( فيما لو كانت له عليه ألف مؤجّلة فصالحه على خمسمائة حالّة ) خمسمائة في مقابل مثله من الدّين ، وصفة التّعجيل في مقابلة الباقي - وهو الخمسمائة - وذلك اعتياض عن الأجل ، وهو حرام . وأيضاً لأنّ الأجل صفة ، كالجودة ، والاعتياض عن الجودة لا يجوز ، فكذا عن الأجل . ويقول ابن قدامة : إنّه بيع الحلول ، فلم يجز ، كما لو زاده الّذي له الدّين ، فقال له : أعطيك عشرة دراهم وتعجّل لي المائة الّتي عليك ، ويقول صاحب الكفاية : والأصل فيه أنّ الإحسان متى وجد من الطّرفين يكون محمولاً على المعاوضة - كهذه المسألة - فإنّ الدّائن أسقط من حقّه خمسمائة ، والمديون أسقط حقّه في الأجل في الخمسمائة الباقية ، فيكون معاوضةً بخلاف ما إذا صالح من ألف على خمسمائة ، فإنّه يكون محمولاً على إسقاط بعض الحقّ ، دون المعاوضة ؛ لأنّ الإحسان لم يوجد إلاّ من طرف ربّ الدّين . وروي عن ابن عبّاس أنّه لم ير بأساً بهذا « ضع عنّي وتعجّل » ، وروي ذلك عن النّخعيّ ، وأبي ثور ؛ لأنّه آخذ لبعض حقّه ، تارك لبعضه ، فجاز كما لو كان الدّين حالّاً ، واستثنى من ذلك الحنفيّة والحنابلة ( وهو قول الخرقيّ من علمائهم ) أنّه يجوز أن يصالح المولى مكاتبه على تعجيل بدل الكتابة في مقابل الحطّ منه ، وذلك لأنّ معنى الإرفاق فيما بينهما أظهر من معنى المعاوضة ، فلا يكون هذا في مقابلة الأجل ببعض المال ، ولكن إرفاق من المولى بحطّ بعض المال ، ومساهلة من المكاتب فيما بقي قبل حلول الأجل ليتوصّل إلى شرف الحرّيّة ؛ ولأنّ المعاملة هنا هي معاملة المكاتب مع سيّده ، وهو يبيع بعض ماله ببعض ، فدخلت المسامحة فيه ، بخلاف غيره .</p><p>اختلاف المتعاقدين في الأجل</p><p>87 - اختلاف المتعاقدين في الأجل إمّا أن يكون في أصل الأجل ، أو في مقداره ، أو في حلوله ، أو في مضيّه وفيما يلي آراء الفقهاء في ذلك :</p><p>الاختلاف في أصل الأجل في البيع :</p><p>88 - إذا اختلف المتعاقدان في أصل الأجل ، بأن قال المشتري : اشتريته بدينار مؤجّل ، وأنكره البائع - فإنّ الفقهاء قد اختلفوا : فيرى الحنفيّة والحنابلة أنّ القول لمن ينفي الأجل ، وهو البائع ، مع يمينه ، وذلك لأنّ الأصل الحلول . والبيّنة على المشتري ؛ لأنّه يثبت خلاف الظّاهر ، والبيّنات للإثبات ، ويرى المالكيّة أنّه يعمل بالعرف باليمين ، سواء أكانت السّلعة قائمةً أو فاتت . فإن لم يكن عرف تحالفا وتفاسخا إن كانت قائمةً ، فتردّ السّلعة لبائعها ، وإن لم تكن قائمةً صدّق المشتري بيمين إن ادّعى أجلاً قريباً لا يتّهم فيه ، وإلاّ فالقول للبائع إن حلف . ويرى الشّافعيّة ، وهو رواية في مذهب الحنابلة ، أنّهما يتحالفان ، لقوله صلى الله عليه وسلم : « لو يعطى النّاس بدعواهم لادّعى ناس دماء رجال وأموالهم ، ولكن اليمين على المدّعى عليه » . رواه مسلم ، وكلّ منهما مدّعًى عليه ، كما أنّه مدّع . ولأنّهما اختلفا في صفة العقد ، فوجب أن يتحالفا ، قياساً على الاختلاف في الثّمن .</p><p>( الاختلاف في مقدار الأجل )</p><p>89 - إذا اختلف المتعاقدان في مقدار الأجل ، كما إذا قال البائع بعتكه بثمن مؤجّل إلى شهر ، ويدّعي المشتري أكثر من ذلك ، فإنّ الفقهاء اختلفوا فيه : فيرى الحنفيّة والحنابلة أنّ القول قول مدّعي الأقلّ ، لإنكاره الزّيادة ، والبيّنة للمشتري ، لأنّه يثبت خلاف الظّاهر ، والبيّنات لإثبات خلاف الظّاهر . ويرى المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ( في رواية أخرى ) أنّهما يتحالفان ، للحديث المتقدّم ؛ ولأنّ كلّاً منهما مدّعًى عليه ، كما أنّه مدّع ، فإذا تحالفا فعند المالكيّة فسخ العقد إن كانت السّلعة قائمةً - على المشهور - إن حكم بالفسخ حاكم ، أو تراضيا عليه ، وتعود السّلعة على ملك البائع حقيقةً ، ظالماً أو مظلوماً . وقيل يحصل الفسخ بمجرّد التّحالف ، كاللّعان ، ولا يتوقّف على حكم . وحلف المشتري إن فات المبيع كلّه ، فإن فات البعض فلكلّ حكمه . ويرى الشّافعيّة أنّهما إذا تحالفا فالصّحيح أنّ العقد لا ينفسخ بنفس التّحالف ؛ لأنّ البيّنة أقوى من اليمين ، ولو أقام كلّ منهما بيّنةً لم ينفسخ فبالتّحالف أولى ، بل إن تراضيا على ما قال أحدهما أقرّ العقد وإن لم يتراضيا بأن استمرّ نزاعهما فيفسخانه ، أو أحدهما ، أو الحاكم لقطع النّزاع ، وحقّ الفسخ بعد التّحالف ليس على الفور ، فلو لم يفسخا في الحال كان لهما بعد ذلك لبقاء الضّرر المحوج للفسخ . وقيل إنّما يفسخه الحاكم ؛ لأنّه فسخ مجتهد فيه فلا يفسخ أحدهما . ومقابل الصّحيح أنّه ينفسخ بالتّحالف وتعود الحال إلى ما كانت عليه قبل العقد .</p><p>( الاختلاف في انتهاء الأجل ) :</p><p>90 - إذا اختلف المتعاقدان في مضيّ الأجل ، مع اتّفاقهما على التّأجيل - كما إذا قال البائع بعتكه بثمن مؤجّل إلى شهر أوّله هلال رمضان ، وقد انقضى ، ويقول المشتري بل أوّله نصف رمضان فانتهاء الأجل نصف شوّال - فقد اختلف الفقهاء في حكمه : فيرى الحنفيّة أنّ القول والبيّنة للمشتري ؛ لأنّهما لمّا اتّفقا على الأجل ، فالأصل بقاؤه ، فكان القول للمشتري في عدم مضيّه ؛ ولأنّه منكر توجّه المطالبة ، وأمّا تقديم بيّنته على بيّنة البائع فلكونها أكثر إثباتاً . ويرى المالكيّة أنّ القول لمنكر التّقضّي بيمينه ؛ لأنّ الأصل بقاء الأجل ، " أي أنّ القول لمن ادّعى بقاء الأجل ، وأنكر انقضاءه ، سواء كان بائعاً أو مشترياً ، كان مكرياً أو مكترياً ، إذا لم توجد بيّنة ، فإن كان لأحدهما بيّنة عمل بها ، وهذا إن أشبه قوله عادة النّاس في الأجل - أشبه الآخر أم لا - فإن لم يشبها معاً عادة النّاس حلفا ، وفسخ إن كانت السّلعة قائمةً ، وإلاّ فالقيمة ، ويقضى للحالف على النّاكل . . . » .</p><p>مسقطات الأجل</p><p>91 - الأجل إمّا أن يكون أجل إضافة ، وهو ما يترتّب على تحقّقه ترتّب أحكام التّصرّف . أو يترتّب على تحقّقه حلول الدّين أو حلول العين فيما يصحّ إضافته من الأعيان إلى أجل ، أو يكون أجل توقيت وهو الّذي يترتّب على تحقّقه انتهاء الحقّ الّذي كان له . </p><p>والمسقطات - بوجه عامّ - إمّا بطريق الإسقاط ، وإمّا بطريق السّقوط .</p><p>وفيما يلي بيان ذلك :</p><p>أوّلاً : إسقاط الأجل :</p><p>أ - إسقاط الأجل من قبل المدين :</p><p>92 - لمّا كان الأجل قد شرع رفقاً بالمدين وتمكيناً له من وفاء الدّين في الوقت المناسب له ، ورعايةً لحالة العدم الّتي يتعرّض لها ، كان من حقّه أن يسقط أجل الدّين ، ويصبح الدّين حالّاً ، وعلى الدّائن قبض الدّين . وهذا هو رأي جمهور الفقهاء : ( الحنفيّة مطلقاً وكذا المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إذا لم يؤدّ ذلك إلى الإضرار بالدّائن كأن كان الأداء في مكان مخوف ، أو كان له حمل ومؤنة أو كان في وقت كساد ) على تفصيل في هذه المذاهب الثّلاثة يرجع إليه في مواطنه .</p><p>ب - إسقاط الأجل من قبل الدّائن :</p><p>93 - تبيّن ممّا تقدّم أنّ الأجل حقّ لمن عليه الدّين ، وإذا كان حقّاً له فإنّه يستبدّ بإسقاطه ، طالما أنّه لا يؤدّي هذا الإسقاط إلى ضرر بالدّائن . أمّا الدّائن فإنّ إسقاطه الأجل يجب أن يفرّق فيه بين أجل لحق العقد وقت صدوره - كما لو باع بثمن مؤجّل - ففي هذه الحالة يكون الأجل لازماً للدّائن لأنّه التحق بصلب العقد باتّفاق الفقهاء ، وبين أجل أراده الدّائن والمدين بعد صدور العقد بثمن حالّ ، وهذا النّوع قد اختلف الفقهاء في لزومه للدّائن ، أي أنّه لا يمكنه أن يستبدّ بإسقاطه دون الرّجوع إلى المدين . فذهب الحنفيّة ( غير زفر ) والمالكيّة إلى أنّ من باع بثمن حالّ ، ثمّ أجّله إلى أجل معلوم أنّ الثّمن يصير مؤجّلاً ، كما لو باعه بثمن مؤجّل ابتداءً ، ويصبح الأجل لازماً للدّائن لا يصحّ رجوعه عنه دون رضا المدين . أمّا التّأجيل فلأنّ الثّمن حقّه ، فله أن يؤخّره تيسيراً على من عليه ؛ ولأنّ التّأجيل إثبات براءة مؤقّتة إلى حلول الأجل ، وهو يملك البراءة المطلقة بالإبراء عن الثّمن فلأن يملك البراءة المؤقّتة أولى ، وأمّا كونه لازماً له فذلك لأنّ الشّرع أثبت عن إسقاطه بالبراءة المطلقة السّقوط ، والتّأجيل التزام الإسقاط إلى وقت معيّن ، فيثبت شرعاً السّقوط إلى ذلك الوقت ، كما ثبت شرعاً سقوطه بإسقاطه مطلقاً . وقال زفر ( من علماء الحنفيّة ) والشّافعيّة والحنابلة : إنّ كلّ دين حالّ لا يصير مؤجّلاً بالتّأجيل ؛ لأنّه بعد أن كان حالّاً ليس إلاّ وعداً بالتّأخير ، وحينئذ يكون له الحقّ في الرّجوع عنه ، وكذلك اختلفوا في لزوم شرط تأجيل القرض ، وقد سبق أنّ جمهور الفقهاء لا يرون تأجيله ، حتّى لو اشترط فيه التّأجيل ، خلافاً للمالكيّة واللّيث الّذين يرون لزومه حسب التّفصيل الّذي سبق بيانه .</p><p>ج - إسقاط الأجل بتراضي الدّائن والمدين :</p><p>94 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّه إذا تراضى الدّائن والمدين على إسقاط شرط التّأجيل أنّ ذلك جائز وصحيح .</p><p>ثانياً : سقوط الأجل</p><p>تناول الفقهاء عدّة أسباب إذا وقعت أدّت إلى سقوط شرط التّأجيل ، ومنها الموت والتّفليس والإعسار ، والجنون والأسر .</p><p>أ - سقوط الأجل بالموت :</p><p>95 - اختلف الفقهاء في سقوط الأجل بموت المدين أو الدّائن : فيرى الحنفيّة والشّافعيّة أنّ الأجل يبطل بموت المدين لخراب ذمّته ، ولا يبطل بموت الدّائن ، سواء أكان موتاً حقيقيّاً ، أم حكميّاً ، وذلك لأنّ فائدة التّأجيل أن يتّجر فيؤدّي الثّمن من نماء المال ، فإذا مات من له الأجل تعيّن المتروك لقضاء الدّين ، فلا يفيد التّأجيل ؛ ولأنّ الأجل حقّ المدين ، لا حقّ صاحب الدّين ، فتعتبر حياته وموته في الأجل وبطلانه . ومثل الموت الحقيقيّ الموت الحكميّ ، وذلك كما . لو لحق مرتدّاً بدار الحرب - كما صرّح الحنفيّة - أو كالرّدّة المتّصلة بالموت أو استرقاق الحربيّ - كما صرّح الشّافعيّة . ويرى المالكيّة ذلك ، إلاّ أنّهم يستثنون ثلاث حالات . جاء في شرح الخرشيّ : إنّ الدّين المؤجّل على الشّخص يحلّ بفلسه أو موته على المشهور ، لأنّ الذّمّة في الحالتين قد خربت ، والشّرع قد حكم بحلوله ؛ ولأنّه لو لم يحلّ للزم إمّا تمكين الوارث من القسم ، أو عدمه ، وكلاهما باطل ، لقوله تعالى : { من بعد وصيّة يوصي بها أو دين } ، وللضّرورة الحاصلة بوقفه . وعلى المشهور : لو طلب بعض الغرماء بقاءه مؤجّلاً منع من ذلك " وأمّا لو طلب الكلّ لكان لهم ذلك » . ويستثنى من الموت من قتل مدينه ( عمداً ) فإنّ دينه المؤجّل لا يحلّ ، لحمله على استعجال ما أجّل . وأمّا الدّين الّذي له فلا يحلّ بفلسه ولا بموته ، ولغرمائه تأخيره إلى أجله ، أو بيعه الآن ، ومحلّ حلول الدّين المؤجّل بالموت أو الفلس ما لم يشترط من عليه أنّه لا يحلّ عليه الدّين بذلك ، وإلاّ عمل بشرطه . قد ذكر ذلك ابن الهنديّ في الموت ، وإمّا إن شرط من له أنّه يحلّ بموته على المدين فهل يعمل بشرطه ، أو لا ؟ والظّاهر الأوّل ( أي أنّه يعمل بشرطه ) حيث كان الشّرط غير واقع في صلب عقد البيع ، فإن وقع في صلب عقد البيع فالظّاهر فساد البيع ؛ لأنّه آل أمره إلى البيع بأجل مجهول ، ويرى الحنابلة أنّه لا يحلّ الدّين المؤجّل بموت الدّائن ، وأمّا موت المدين فلهم رأيان : أحدهما : أنّه يحلّ بموت المدين كما هو رأي من ذكر من الفقهاء . والثّاني : أنّه لا يحلّ بموته إذا وثق الورثة ، فقد جاء في كشّاف القناع : « أنّه إذا مات شخص وعليه دين مؤجّل لم يحلّ الدّين بموته إذا وثق الورثة ، أو وثق غيرهم برهن أو كفيل مليء ، على أقلّ الأمرين : من قيمة التّركة أو الدّين " ، وهو قول ابن سيرين ، وعبيد اللّه بن الحسن ، وإسحاق ، وأبي عبيد لأنّ الأجل حقّ للميّت ، فورث عنه كسائر حقوقه ، وكما لا تحلّ الدّيون الّتي له بموته ، فتختصّ أرباب الدّيون الحالّة بالمال ، ويتقاسمونه بالمحاصّة ، ولا يترك منه للمؤجّل شيء ، ولا يرجع ربّه عليه بعد حلوله بل على من وثّقه ، فإن تعذّر التّوثّق لعدم وارث ، بأن مات عن غير وارث ، حلّ ، ولو ضمنه الإمام ، أو " تعذّر التّوثّق " لغير عدم وارث ، بأن خلف وارثاً لكنّه لم يوثق ، حلّ الدّين لغلبة الضّرر ، فيأخذه ربّه كلّه إن اتّسعت التّركة أو يحاصص به الغرماء ، ولا يسقط منه شيء في مقابلة الأجل . وإن ضمنه ضامن وحلّ على أحدهما لم يحلّ على الآخر . وقد استدلّ الحنابلة على قولهم بأنّ الدّين المؤجّل لا يحلّ بالموت إذا وثّق الورثة ، فقالوا : إنّ الأجل حقّ للمدين فلا يسقط بموته ، كسائر حقوقه ؛ ولأنّ الموت ما جعل مبطلاً للحقوق ، وإنّما هو ميقات للخلافة وعلامة على الوراثة ، وقد قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « من ترك حقّاً أو مالاً فلورثته » وما قيل بسقوطه بالموت هو حكم مبنيّ على المصلحة ، ولا يشهد لها شاهد الشّرع باعتبار ، ولا خلاف في فساد هذا ، فعلى هذا يبقى الدّين في ذمّة الميّت كما كان ويتعلّق بعين ماله كتعلّق حقوق الغرماء بمال المفلس عند الحجر عليه ، فإن أحبّ الورثة أداء الدّين ، والتزامه للغريم ، على أن يتصرّفوا في المال ، لم يكن لهم ذلك إلاّ أن يرضى الغريم ، أو يوثّقوا الحقّ بضمين مليء ، أو رهن يثق به لوفاء حقّه ، فإنّهم قد لا يكونون أملياء ، ولم يرض بهم الغريم ، فيؤدّي إلى فوات الحقّ . ويرى طاوس وأبو بكر بن محمّد ، والزّهريّ وسعد بن إبراهيم أنّ الدّين المؤجّل لا يحلّ بموت المدين ، ويبقى إلى أجله ، وحكي ذلك عن الحسن .</p><p>ب - سقوط الأجل بالتّفليس :</p><p>96 - إذا حكم الحاكم بالحجر على المدين للإفلاس ، فهل تحلّ ديون المفلس المؤجّلة ؟ يرى الحنفيّة والحنابلة والشّافعيّة ( في الأظهر ) وهو قول للمالكيّة أنّه لا تحلّ ديون المفلس المؤجّلة ؛ لأنّ الأجل حقّ للمفلس ، فلا يسقط بفلسه كسائر حقوقه ، ولأنّه لا يوجب حلول ماله ، فلا يوجب حلول ما عليه - كالجنون والإغماء - ولأنّه دين مؤجّل على حيّ ، فلم يحلّ قبل أجله ، كغير المفلس ، والفرق بين الفلس والموت أنّ ذمّة الميّت خربت وبطلت بخلاف المفلس . والمشهور عند المالكيّة ورأي للشّافعيّة أنّ الدّين المؤجّل يحلّ بالإفلاس الأخصّ ( أي الشّخص الّذي حكم الحاكم بخلع ماله للغرماء ) لخراب ذمّة المفلس ، ما لم يشترط المدين عدم حلوله بالتّفليس ، وما لم يتّفق الغرماء جميعاً على بقاء ديونهم مؤجّلةً . أمّا حقوق المفلس المؤجّلة قبل الغير فباتّفاق الفقهاء تبقى على حالها ؛ لأنّ الأجل حقّ للغير ، فليس لغير صاحبه الحقّ في إسقاطه .</p><p>ج - سقوط الأجل بالجنون :</p><p>97 - إذا جنّ من عليه الدّين المؤجّل أو من له الدّين ، فهل يسقط الأجل بجنونه ؟ يرى الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة جنون المدين لا يوجب حلول الدّين عليه لإمكان التّحصيل عند حلول الأجل بواسطة وليّه ، فالأجل باق ، ولصاحب الحقّ عند حلول الأجل مطالبة وليّه بماله . ولأنّ الأجل حقّ للمجنون فلا يسقط بجنونه كسائر حقوقه ؛ ولأنّه لا يوجب حلول ما له قبل الغير ، فلا يوجب حلول ما عليه ، وأمّا المالكيّة فقد نصّوا على أنّ الدّين المؤجّل يحلّ بالفلس والموت ما لم يشترط المدين عدم حلوله بهما وما لم يقتل الدّائن المدين عمداً ، ولم ينصّوا على الجنون معهما ممّا يدلّ على أنّ الجنون عندهم لا يحلّ الدّين المؤجّل .</p></blockquote><p></p>
[QUOTE="ابن عامر الشامي, post: 40734, member: 329"] التّأجيل بالأشهر بإطلاق : 75 - إذا جعل التّأجيل بالأشهر ، دون النّصّ على أنّها هلاليّة أو روميّة أو فارسيّة ، فإنّ الفقهاء ( الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ) قد اتّفقوا على أنّه عند التّأجيل بالأشهر بإطلاق تنصرف إلى الهلاليّة ، وذلك لأنّ الشّهور في عرف الشّرع شهور الأهلّة ، بدليل قوله تعالى : { إنّ عدّة الشّهور عند اللّه اثنا عشر شهراً في كتاب اللّه يوم خلق السّموات والأرض منها أربعة حرم } وأراد الهلاليّة ، فعند الإطلاق يحمل العقد عليها ، واحتساب هذه المدّة إذا وقع العقد في أوّل الشّهر من أوّله . أمّا إذا لم يقع في أوّله ، فإمّا أن يكون لشهر أو أكثر ، أو سنة . فإن كان لشهر ، فإن وقع العقد في غرّة الشّهر ، يقع على الأهلّة بلا خلاف ، حتّى لو نقص الشّهر يوماً كان عليه كمال الأجرة ؛ لأنّ الشّهر اسم للهلال ، وإن وقع بعدما مضى بعض الشّهر ، ففي إجارة الشّهر يقع على ثلاثين يوماً بالإجماع ، لتعذّر اعتبار الأهلّة ، فتعتبر الأيّام . وأمّا في إجارة ثلاثة أشهر مثلاً فإنّهم قد اختلفوا ، فقد قيل : تكمل شهرين بالهلال ، وشهراً بالعدد ثلاثين يوماً ، وهو رأي للحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وقيل تكون الثّلاثة كلّها عدديّةً ، وهو رأي لأبي حنيفة ، ورأي عند الحنابلة ، ومثل ذلك في إجارة السّنة مثلاً . بدء احتساب مدّة الأجل : 76 - يبدأ احتساب مدّة الأجل من الوقت الّذي حدّده المتعاقدان فإن لم يحدّدا كان من وقت العقد . التّأجيل بأعياد المسلمين : 77 - إذا وقع التّأجيل إلى الأعياد جاز إذا كان العيد محدّداً معلوماً ، كعيد الفطر ، وعيد الأضحى ، فهذا يصحّ التّأجيل إليه . التّأجيل إلى ما يحتمل أحد أمرين : 78 - إذا وقع الأجل بما يحتمل أمرين صرف إلى أوّلهما ، كما صرّح الشّافعيّة ( على الأصحّ عندهم ) والحنابلة ، كتأجيله بالعيد ، أو جمادى ، أو ربيع ، أو نفر الحجّ ؛ لأنّ العيد عيد الفطر وعيد الأضحى ، وجمادى الأولى والثّانية ، وربيع الأوّل والثّاني ، ونفر الحجّ ثاني أيّام التّشريق وثالثها ، فيحمل على الأوّل من ذلك ، لتحقّق الاسم به . والثّاني : لا ، بل يفسده ، لتردّده بين الأوّل والثّاني . التّأجيل إلى مواسم معتادة : 79 - اختلف الفقهاء في جوازه ، كالحصاد ، والدّياس ، والجذاذ ، وقدوم الحاجّ ، إلى رأيين : يرى الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة وابن المنذر أنّه لا يجوز التّأجيل إلى هذه الأشياء . واستدلّوا بما روي عن ابن عبّاس أنّه قال : لا تتبايعوا إلى الحصاد والدّياس ، ولا تتبايعوا إلاّ إلى شهر معلوم . ولأنّ التّأجيل بذلك يختلف ، ويقرب ويبعد ، فالحصاد والجذاذ يتأخّران أيّاماً إن كان المطر متواتراً ، ويتقدّمان بحرّ الهواء وعدم المطر ، وأمّا العطاء فقد ينقطع جملةً . 80 - وقد اختلف هؤلاء الفقهاء في أثر اشتراط التّأجيل إلى أجل مجهول جهالةً متقاربةً . فيرى الحنفيّة أنّه لا يجوز البيع إلى أجل مجهول سواء كانت الجهالة متقاربةً كالحصاد والدّياس مثلاً ، أو متفاوتةً ، كهبوب الرّيح وقدوم واحد من سفر ، فإن أبطل المشتري الأجل المجهول التّقارب قبل محلّه ، وقبل فسخ العقد بالفساد ، انقلب البيع جائزاً عند أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمّد ، وعند زفر لا ينقلب ، ولو مضت المدّة قبل إبطال الأجل تأكّد الفساد ، ولا ينقلب جائزاً بإجماع علماء الحنفيّة ، ويرى الشّافعيّة فساد العقد ، وذلك لأنّه يشترط عندهم في المؤجّل العلم بالأجل ، بأن يكون معلوماً مضبوطاً ، فلا يجوز بما يختلف ، كالحصاد وقدوم الحاجّ ، للحديث « من أسلم في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم » . ( متّفق عليه ) ولأنّ ذلك غير معلوم ، لأنّه يتقدّم ويتأخّر . ويرى الحنابلة أنّه يلغو التّأجيل ويصحّ العقد ، وذلك لأنّهم يشترطون أن يكون الأجل مقدّراً بزمن معلوم ، فإن شرط خياراً أو أجلاً مجهولين - بأن باعه بشرط الخيار وأطلق ، أو إلى الحصاد ونحوه ، أو بثمن مؤجّل إلى الحصاد ونحوه - لم يصحّ الشّرط وصحّ البيع ، وللّذي فات غرضه بفساد الشّرط من بائع ومشتر - سواء علم بفساد الشّرط أو لا - أحد أمرين : فسخ البيع ؛ لأنّه لم يسلّم له ما دخل عليه من الشّرط ، أو أرش ، ( أي تعويض ) ما نقص من الثّمن بإلغاء الشّرط إن كان المشترط بائعاً ، أو ما زاد إن كان مشترياً - يعني إذا اشترى بزيادة على الثّمن . أمّا في السّلم فإنّه لا يصحّ العقد إذا وقع التّأجيل بذلك ، وذلك لفوات شرط صحّته ، وهو الأجل المعلوم ، لاختلاف هذه الأشياء . ويرى المالكيّة أنّه يجوز التّأجيل إليه ، ويعتبر في الحصاد والدّياس ونحوهما ميقات معظمه ، أي الوقت الّذي يحصل فيه غالب ما ذكر ، وهو وسط الوقت المعدّ لذلك ، وسواء وجدت الأفعال في بلد العقد ، أو عدمت - أي لم توجد - فالمراد وجود الوقت الّذي يغلب فيه الوقوع . ونحوه ما ذكره ابن قدامة في رواية أخرى عن الإمام أحمد أنّه قال : أرجو ألاّ يكون به بأس . وبه قال أبو ثور ، وعن ابن عمر أنّه كان يبتاع إلى العطاء ، وبه قال ابن أبي ليلى . وقال أحمد : إن كان شيء يعرف فأرجو ، وكذلك إن قال إلى قدوم الغزاة ، وهذا محمول على أنّه أراد وقت العطاء ، لأنّ ذلك معلوم . فأمّا نفس العطاء فهو في نفسه مجهول ، يختلف ، ويتقدّم ويتأخّر ، ويحتمل أنّه أراد نفس العطاء ، لكونه يتفاوت أيضاً ، فأشبه الحصاد . واحتجّ من أجاز ذلك بأنّه أجل يتعلّق بوقت من الزّمن يعرف في العادة ، لا يتفاوت فيه تفاوتاً كبيراً ، فأشبه ما إذا قال رأس السّنة . الأجل المجهول التّأجيل إلى فعل غير منضبط الوقوع : 81 - اتّفق الفقهاء على عدم جواز التّأجيل إلى ما لا يعلم وقت وقوعه - حقيقةً أو حكماً - ولا ينضبط ، وهو الأجل المجهول ، وذلك كما لو باعه بثمن مؤجّل إلى قدوم زيد من سفره ، أو نزول مطر ، أو هبوب ريح . وكذا إذا باعه إلى ميسرة ، وقد استدلّوا على عدم جواز هذا النّوع من الأجل بالآثار الّتي استدلّ بها على عدم جواز التّأجيل بالفعل الّذي يقع في زمان معتاد ، كالحصاد والدّياس ، بل هذا النّوع أولى ؛ لأنّ الجهالة هناك متقاربة ، وهنا الجهالة فيها متفاوتة . ولأنّ التّأجيل بمثل ذلك غير معلوم ؛ لأنّ ذلك يختلف : يقرب ويبعد ، يتقدّم ويتأخّر ، ولأنّ جهالته تفضي إلى المنازعة في التّسليم والتّسلّم ، فهذا يطالبه في قريب المدّة ، وذاك في بعيدها ؛ ولأنّ الأجل المجهول لا يفيد ؛ لأنّه يؤدّي إلى الغرر . أثر التّأجيل إلى أجل مجهول جهالةً مطلقةً : 82 - سبق بيان اتّفاق الفقهاء على عدم جواز التّأجيل إلى أجل مجهول جهالةً مطلقةً . واختلفوا في أثر هذا التّأجيل على التّصرّف فيرى الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة ، وهو رأي للحنابلة ، أنّه لا يصحّ العقد أيضاً ، وذلك لأنّه أجل فاسد فأفسد العقد ؛ لأنّ المتعاقدين رضيا به مؤجّلاً إلى هذا الأجل ، وإذا لم يصحّ الأجل ، فالقول بصحّته حالّاً يخالف إرادتهما وما تراضيا عليه ، والبيع - ونحوه - يقوم على التّراضي ، فأفسد العقد . غير أنّ الحنفيّة يرون أنّه إن أبطل المشتري الأجل المجهول المتفاوت قبل التّفرّق ، ونقد الثّمن ، انقلب جائزاً ، وعند زفر لا ينقلب جائزاً ، ولو تفرّقا قبل الإبطال تأكّد الفساد ، ولا ينقلب جائزاً بإجماع الحنفيّة . ويرى الحنابلة أنّ الأجل المجهول في البيع يفسد ، ويصحّ البيع ، وفي السّلم يفسد الأجل والسّلم ، وقد استدلّوا على صحّة البيع وبطلان الأجل المجهول بما روي عن « عائشة أنّها قالت : جاءتني بريرة ، فقالت كاتبت أهلي على تسع أواق ، في كلّ عام أوقيّة ، فأعينيني . فقلت : إن أحبّ أهلك أن أعدّها لهم عدّةً واحدةً ، ويكون ولاؤك لي فعلت . فذهبت بريرة إلى أهلها ، فقالت لهم ، فأبوا عليها . فجاءت من عندهم ورسول اللّه صلى الله عليه وسلم جالس ، فقالت : إنّي عرضت عليهم فأبوا إلاّ أن يكون الولاء لهم . فسمع النّبيّ صلى الله عليه وسلم . فأخبرت عائشة النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : خذيها واشترطي لهم الولاء ، فإنّما الولاء لمن أعتق ففعلت عائشة ، فقام رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في النّاس فحمد اللّه وأثنى عليه ، ثمّ قال : أمّا بعد فما بال رجال يشترطون شروطاً ليست في كتاب اللّه تعالى ؟ ما كان من شرط ليس في كتاب اللّه فهو باطل ، وإن كان مائة شرط . قضاء اللّه أحقّ . وشرط اللّه أوثق . وإنّما الولاء لمن أعتق » متّفق عليه ، فأبطل الشّرط ولم يبطل العقد . قال ابن المنذر : خبر بريرة ثابت ، ولا نعلم خبراً يعارضه . فالقول به يجب . الاعتياض عن الأجل بالمال يرد الاعتياض عن الأجل بالمال في صور منها ما يلي : الصّورة الأولى : 83 - صدور إيجاب مشتمل على صفقتين ، إحداهما بالنّقد ، والأخرى بالنّسيئة ، مثل أن يقول بعتك هذا نقداً بعشرة ، وبالنّسيئة بخمسة عشر . يرى جمهور العلماء أنّ هذا البيع إذا صدر بهذه الصّيغة لا يصحّ ، لأنّ « النّبيّ صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعتين في بيعة ، » جاء في الشّرح الكبير : « كذلك فسّره مالك والثّوريّ ، وإسحاق ، وهذا قول أكثر أهل العلم ؛ لأنّه لم يجزم له ببيع واحد ، أشبه ما لو قال بعتك أحد هذين ؛ ولأنّ الثّمن مجهول فلم يصحّ ، كالبيع بالرّقم المجهول " ، وقد روي عن طاوس والحكم وحمّاد أنّهم قالوا : لا بأس أن يقول : أبيعك بالنّقد بكذا ، وبالنّسيئة بكذا ، فيذهب إلى أحدهما . فيحتمل أنّه جرى بينهما بعدما يجري في العقد ، فكأنّ المشتري قال : أنا آخذه بالنّسيئة بكذا ، فقال : خذه ، أو قال : قد رضيت ، ونحو ذلك ، فيكون عقداً كافياً ، فيكون قولهم كقول الجمهور ، فعلى هذا : إن لم يوجد ما يدلّ على الإيجاب أو ما يقوم مقامه لم يصحّ ؛ لأنّ ما مضى من القول لا يصلح أن يكون إيجاباً ، فهذا الخلاف الوارد في صحّة هذا البيع مصدره الصّيغة الصّادرة مشتملة على صيغتين في آن واحد ، فلم يجزم البائع ببيع واحد ؛ ولأنّ الثّمن مجهول هل هو عشرة أو خمسة عشر . وإذا كان الإيجاب غير جازم لا يصلح ، ويكون عرضاً ، فإذا قبل الموجّه إليه العرض إحدى الصّفقتين كان إيجاباً موجّهاً إلى الطّرف الأوّل ، فإن قبل تمّ العقد ، وإلاّ لم يتمّ . ( الصّورة الثّانية ) : 84 - وهي بيع الشّيء بأكثر من سعر يومه لأجل النّساء . يرى جمهور الفقهاء جواز بيع الشّيء بأكثر من سعر يومه لأجل النّساء ، وذلك لعموم الأدلّة القاضية بجواز البيع . قال اللّه تعالى : { وأحلّ اللّه البيع } وهو عامّ في إباحة سائر البياعات إلاّ ما خصّ بدليل ، ولا يوجد دليل يخصّص هذا العموم . ( الصّورة الثّالثة ) : وهي تأجيل الدّين الحالّ في مقابل زيادة : 85 - وهذه الصّورة تدخل في باب الرّبا " إذ الرّبا المحرّم شرعاً شيئان : ربا النّساء ، وربا التّفاضل . وغالب ما كانت العرب تفعله ، من قولها للغريم : أتقضي أم تربي ؟ فكان الغريم يزيد في المال ، ويصبر الطّالب عليه ، وهذا كلّه محرّم باتّفاق الأمّة » . قال الجصّاص : معلوم أنّ ربا الجاهليّة إنّما كان قرضاً مؤجّلاً بزيادة مشروطة ، فكانت الزّيادة بدلاً من الأجل ، فأبطله اللّه تعالى وحرّمه ، وقال : { وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم } وقال تعالى : { وذروا ما بقي من الرّبا } حظر أن يؤخذ للأجل عوض ، ولا خلاف أنّه لو كان عليه ألف درهم حالّةً ، فقال له : أجّلني وأزيدك فيها مائة درهم ، لا يجوز ؛ لأنّ المائة عوض من الأجل » . الصّورة الرّابعة : وهي تعجيل الدّين المؤجّل في مقابل التّنازل عن بعضه « ضع وتعجّل » . 86 - يرى جمهور الفقهاء أنّه إذا كان لرجل على آخر دين مؤجّل ، فقال المدين لغريمه : ضع عنّي بعضه وأعجّل لك بقيّته ، فإنّ ذلك لا يجوز عند الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة . وكرهه زيد بن ثابت ، وابن عمر ، والمقداد ، وسعيد بن المسيّب ، وسالم ، والحسن ، وحمّاد ، والحكم ، والثّوريّ ، وهشيم ، وابن عليّة ، وإسحاق . فقد روي أنّ رجلاً سأل ابن عمر فنهاه عن ذلك . ثمّ سأله ، فقال : إنّ هذا يريد أن أطعمه الرّبا . وروي عن زيد بن ثابت أيضاً النّهي عن ذلك . وروي أنّ المقداد قال لرجلين فعلا ذلك : كلاكما قد أذن بحرب من اللّه ورسوله . واستدلّ جمهور الفقهاء على بطلان ذلك بشيئين : أحدهما : تسمية ابن عمر إيّاه ربا ، ومثل ذلك لا يقال بالرّأي وأسماء الشّرع توقيف . والثّاني : أنّه معلوم أنّ ربا الجاهليّة إنّما كان قرضاً مؤجّلاً بزيادة مشروطة ، فكانت الزّيادة بدلاً من الأجل ، فأبطله اللّه تعالى ، وحرّمه ، وقال : { وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم } وقال تعالى : { وذروا ما بقي من الرّبا } حظر أن يؤخذ للأجل عوض . فإذا كانت عليه ألف درهم مؤجّلة ، فوضع عنه على أن يعجّله ، فإنّما جعل الحطّ مقابل الأجل ، فكان هذا هو معنى الرّبا الّذي نصّ اللّه تعالى على تحريمه . ولا خلاف أنّه لو كان عليه ألف درهم حالّة ، فقال له : أجّلني وأزيدك فيها مائة درهم ، لا يجوز ؛ لأنّ المائة عوض من الأجل ، كذلك الحطّ في معنى الزّيادة ، إذ جعله عوضاً من الأجل ، وهذا هو الأصل في امتناع جواز أخذ الأبدال عن الآجال . فحرمة ربا النّساء ليست إلاّ لشبهة مبادلة المال بالأجل وإذا كانت شبهة الرّبا موجبةً للحرمة فحقيقته أولى بذلك . وأيضاً فإنّه لا يمكن حمل هذا على إسقاط الدّائن لبعض حقّه ؛ لأنّ المعجّل لم يكن مستحقّاً بالعقد ، حتّى يكون استيفاؤه استيفاءً لبعض حقّه ، والمعجّل خير من المؤجّل لا محالة ، فيكون ( فيما لو كانت له عليه ألف مؤجّلة فصالحه على خمسمائة حالّة ) خمسمائة في مقابل مثله من الدّين ، وصفة التّعجيل في مقابلة الباقي - وهو الخمسمائة - وذلك اعتياض عن الأجل ، وهو حرام . وأيضاً لأنّ الأجل صفة ، كالجودة ، والاعتياض عن الجودة لا يجوز ، فكذا عن الأجل . ويقول ابن قدامة : إنّه بيع الحلول ، فلم يجز ، كما لو زاده الّذي له الدّين ، فقال له : أعطيك عشرة دراهم وتعجّل لي المائة الّتي عليك ، ويقول صاحب الكفاية : والأصل فيه أنّ الإحسان متى وجد من الطّرفين يكون محمولاً على المعاوضة - كهذه المسألة - فإنّ الدّائن أسقط من حقّه خمسمائة ، والمديون أسقط حقّه في الأجل في الخمسمائة الباقية ، فيكون معاوضةً بخلاف ما إذا صالح من ألف على خمسمائة ، فإنّه يكون محمولاً على إسقاط بعض الحقّ ، دون المعاوضة ؛ لأنّ الإحسان لم يوجد إلاّ من طرف ربّ الدّين . وروي عن ابن عبّاس أنّه لم ير بأساً بهذا « ضع عنّي وتعجّل » ، وروي ذلك عن النّخعيّ ، وأبي ثور ؛ لأنّه آخذ لبعض حقّه ، تارك لبعضه ، فجاز كما لو كان الدّين حالّاً ، واستثنى من ذلك الحنفيّة والحنابلة ( وهو قول الخرقيّ من علمائهم ) أنّه يجوز أن يصالح المولى مكاتبه على تعجيل بدل الكتابة في مقابل الحطّ منه ، وذلك لأنّ معنى الإرفاق فيما بينهما أظهر من معنى المعاوضة ، فلا يكون هذا في مقابلة الأجل ببعض المال ، ولكن إرفاق من المولى بحطّ بعض المال ، ومساهلة من المكاتب فيما بقي قبل حلول الأجل ليتوصّل إلى شرف الحرّيّة ؛ ولأنّ المعاملة هنا هي معاملة المكاتب مع سيّده ، وهو يبيع بعض ماله ببعض ، فدخلت المسامحة فيه ، بخلاف غيره . اختلاف المتعاقدين في الأجل 87 - اختلاف المتعاقدين في الأجل إمّا أن يكون في أصل الأجل ، أو في مقداره ، أو في حلوله ، أو في مضيّه وفيما يلي آراء الفقهاء في ذلك : الاختلاف في أصل الأجل في البيع : 88 - إذا اختلف المتعاقدان في أصل الأجل ، بأن قال المشتري : اشتريته بدينار مؤجّل ، وأنكره البائع - فإنّ الفقهاء قد اختلفوا : فيرى الحنفيّة والحنابلة أنّ القول لمن ينفي الأجل ، وهو البائع ، مع يمينه ، وذلك لأنّ الأصل الحلول . والبيّنة على المشتري ؛ لأنّه يثبت خلاف الظّاهر ، والبيّنات للإثبات ، ويرى المالكيّة أنّه يعمل بالعرف باليمين ، سواء أكانت السّلعة قائمةً أو فاتت . فإن لم يكن عرف تحالفا وتفاسخا إن كانت قائمةً ، فتردّ السّلعة لبائعها ، وإن لم تكن قائمةً صدّق المشتري بيمين إن ادّعى أجلاً قريباً لا يتّهم فيه ، وإلاّ فالقول للبائع إن حلف . ويرى الشّافعيّة ، وهو رواية في مذهب الحنابلة ، أنّهما يتحالفان ، لقوله صلى الله عليه وسلم : « لو يعطى النّاس بدعواهم لادّعى ناس دماء رجال وأموالهم ، ولكن اليمين على المدّعى عليه » . رواه مسلم ، وكلّ منهما مدّعًى عليه ، كما أنّه مدّع . ولأنّهما اختلفا في صفة العقد ، فوجب أن يتحالفا ، قياساً على الاختلاف في الثّمن . ( الاختلاف في مقدار الأجل ) 89 - إذا اختلف المتعاقدان في مقدار الأجل ، كما إذا قال البائع بعتكه بثمن مؤجّل إلى شهر ، ويدّعي المشتري أكثر من ذلك ، فإنّ الفقهاء اختلفوا فيه : فيرى الحنفيّة والحنابلة أنّ القول قول مدّعي الأقلّ ، لإنكاره الزّيادة ، والبيّنة للمشتري ، لأنّه يثبت خلاف الظّاهر ، والبيّنات لإثبات خلاف الظّاهر . ويرى المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ( في رواية أخرى ) أنّهما يتحالفان ، للحديث المتقدّم ؛ ولأنّ كلّاً منهما مدّعًى عليه ، كما أنّه مدّع ، فإذا تحالفا فعند المالكيّة فسخ العقد إن كانت السّلعة قائمةً - على المشهور - إن حكم بالفسخ حاكم ، أو تراضيا عليه ، وتعود السّلعة على ملك البائع حقيقةً ، ظالماً أو مظلوماً . وقيل يحصل الفسخ بمجرّد التّحالف ، كاللّعان ، ولا يتوقّف على حكم . وحلف المشتري إن فات المبيع كلّه ، فإن فات البعض فلكلّ حكمه . ويرى الشّافعيّة أنّهما إذا تحالفا فالصّحيح أنّ العقد لا ينفسخ بنفس التّحالف ؛ لأنّ البيّنة أقوى من اليمين ، ولو أقام كلّ منهما بيّنةً لم ينفسخ فبالتّحالف أولى ، بل إن تراضيا على ما قال أحدهما أقرّ العقد وإن لم يتراضيا بأن استمرّ نزاعهما فيفسخانه ، أو أحدهما ، أو الحاكم لقطع النّزاع ، وحقّ الفسخ بعد التّحالف ليس على الفور ، فلو لم يفسخا في الحال كان لهما بعد ذلك لبقاء الضّرر المحوج للفسخ . وقيل إنّما يفسخه الحاكم ؛ لأنّه فسخ مجتهد فيه فلا يفسخ أحدهما . ومقابل الصّحيح أنّه ينفسخ بالتّحالف وتعود الحال إلى ما كانت عليه قبل العقد . ( الاختلاف في انتهاء الأجل ) : 90 - إذا اختلف المتعاقدان في مضيّ الأجل ، مع اتّفاقهما على التّأجيل - كما إذا قال البائع بعتكه بثمن مؤجّل إلى شهر أوّله هلال رمضان ، وقد انقضى ، ويقول المشتري بل أوّله نصف رمضان فانتهاء الأجل نصف شوّال - فقد اختلف الفقهاء في حكمه : فيرى الحنفيّة أنّ القول والبيّنة للمشتري ؛ لأنّهما لمّا اتّفقا على الأجل ، فالأصل بقاؤه ، فكان القول للمشتري في عدم مضيّه ؛ ولأنّه منكر توجّه المطالبة ، وأمّا تقديم بيّنته على بيّنة البائع فلكونها أكثر إثباتاً . ويرى المالكيّة أنّ القول لمنكر التّقضّي بيمينه ؛ لأنّ الأصل بقاء الأجل ، " أي أنّ القول لمن ادّعى بقاء الأجل ، وأنكر انقضاءه ، سواء كان بائعاً أو مشترياً ، كان مكرياً أو مكترياً ، إذا لم توجد بيّنة ، فإن كان لأحدهما بيّنة عمل بها ، وهذا إن أشبه قوله عادة النّاس في الأجل - أشبه الآخر أم لا - فإن لم يشبها معاً عادة النّاس حلفا ، وفسخ إن كانت السّلعة قائمةً ، وإلاّ فالقيمة ، ويقضى للحالف على النّاكل . . . » . مسقطات الأجل 91 - الأجل إمّا أن يكون أجل إضافة ، وهو ما يترتّب على تحقّقه ترتّب أحكام التّصرّف . أو يترتّب على تحقّقه حلول الدّين أو حلول العين فيما يصحّ إضافته من الأعيان إلى أجل ، أو يكون أجل توقيت وهو الّذي يترتّب على تحقّقه انتهاء الحقّ الّذي كان له . والمسقطات - بوجه عامّ - إمّا بطريق الإسقاط ، وإمّا بطريق السّقوط . وفيما يلي بيان ذلك : أوّلاً : إسقاط الأجل : أ - إسقاط الأجل من قبل المدين : 92 - لمّا كان الأجل قد شرع رفقاً بالمدين وتمكيناً له من وفاء الدّين في الوقت المناسب له ، ورعايةً لحالة العدم الّتي يتعرّض لها ، كان من حقّه أن يسقط أجل الدّين ، ويصبح الدّين حالّاً ، وعلى الدّائن قبض الدّين . وهذا هو رأي جمهور الفقهاء : ( الحنفيّة مطلقاً وكذا المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إذا لم يؤدّ ذلك إلى الإضرار بالدّائن كأن كان الأداء في مكان مخوف ، أو كان له حمل ومؤنة أو كان في وقت كساد ) على تفصيل في هذه المذاهب الثّلاثة يرجع إليه في مواطنه . ب - إسقاط الأجل من قبل الدّائن : 93 - تبيّن ممّا تقدّم أنّ الأجل حقّ لمن عليه الدّين ، وإذا كان حقّاً له فإنّه يستبدّ بإسقاطه ، طالما أنّه لا يؤدّي هذا الإسقاط إلى ضرر بالدّائن . أمّا الدّائن فإنّ إسقاطه الأجل يجب أن يفرّق فيه بين أجل لحق العقد وقت صدوره - كما لو باع بثمن مؤجّل - ففي هذه الحالة يكون الأجل لازماً للدّائن لأنّه التحق بصلب العقد باتّفاق الفقهاء ، وبين أجل أراده الدّائن والمدين بعد صدور العقد بثمن حالّ ، وهذا النّوع قد اختلف الفقهاء في لزومه للدّائن ، أي أنّه لا يمكنه أن يستبدّ بإسقاطه دون الرّجوع إلى المدين . فذهب الحنفيّة ( غير زفر ) والمالكيّة إلى أنّ من باع بثمن حالّ ، ثمّ أجّله إلى أجل معلوم أنّ الثّمن يصير مؤجّلاً ، كما لو باعه بثمن مؤجّل ابتداءً ، ويصبح الأجل لازماً للدّائن لا يصحّ رجوعه عنه دون رضا المدين . أمّا التّأجيل فلأنّ الثّمن حقّه ، فله أن يؤخّره تيسيراً على من عليه ؛ ولأنّ التّأجيل إثبات براءة مؤقّتة إلى حلول الأجل ، وهو يملك البراءة المطلقة بالإبراء عن الثّمن فلأن يملك البراءة المؤقّتة أولى ، وأمّا كونه لازماً له فذلك لأنّ الشّرع أثبت عن إسقاطه بالبراءة المطلقة السّقوط ، والتّأجيل التزام الإسقاط إلى وقت معيّن ، فيثبت شرعاً السّقوط إلى ذلك الوقت ، كما ثبت شرعاً سقوطه بإسقاطه مطلقاً . وقال زفر ( من علماء الحنفيّة ) والشّافعيّة والحنابلة : إنّ كلّ دين حالّ لا يصير مؤجّلاً بالتّأجيل ؛ لأنّه بعد أن كان حالّاً ليس إلاّ وعداً بالتّأخير ، وحينئذ يكون له الحقّ في الرّجوع عنه ، وكذلك اختلفوا في لزوم شرط تأجيل القرض ، وقد سبق أنّ جمهور الفقهاء لا يرون تأجيله ، حتّى لو اشترط فيه التّأجيل ، خلافاً للمالكيّة واللّيث الّذين يرون لزومه حسب التّفصيل الّذي سبق بيانه . ج - إسقاط الأجل بتراضي الدّائن والمدين : 94 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّه إذا تراضى الدّائن والمدين على إسقاط شرط التّأجيل أنّ ذلك جائز وصحيح . ثانياً : سقوط الأجل تناول الفقهاء عدّة أسباب إذا وقعت أدّت إلى سقوط شرط التّأجيل ، ومنها الموت والتّفليس والإعسار ، والجنون والأسر . أ - سقوط الأجل بالموت : 95 - اختلف الفقهاء في سقوط الأجل بموت المدين أو الدّائن : فيرى الحنفيّة والشّافعيّة أنّ الأجل يبطل بموت المدين لخراب ذمّته ، ولا يبطل بموت الدّائن ، سواء أكان موتاً حقيقيّاً ، أم حكميّاً ، وذلك لأنّ فائدة التّأجيل أن يتّجر فيؤدّي الثّمن من نماء المال ، فإذا مات من له الأجل تعيّن المتروك لقضاء الدّين ، فلا يفيد التّأجيل ؛ ولأنّ الأجل حقّ المدين ، لا حقّ صاحب الدّين ، فتعتبر حياته وموته في الأجل وبطلانه . ومثل الموت الحقيقيّ الموت الحكميّ ، وذلك كما . لو لحق مرتدّاً بدار الحرب - كما صرّح الحنفيّة - أو كالرّدّة المتّصلة بالموت أو استرقاق الحربيّ - كما صرّح الشّافعيّة . ويرى المالكيّة ذلك ، إلاّ أنّهم يستثنون ثلاث حالات . جاء في شرح الخرشيّ : إنّ الدّين المؤجّل على الشّخص يحلّ بفلسه أو موته على المشهور ، لأنّ الذّمّة في الحالتين قد خربت ، والشّرع قد حكم بحلوله ؛ ولأنّه لو لم يحلّ للزم إمّا تمكين الوارث من القسم ، أو عدمه ، وكلاهما باطل ، لقوله تعالى : { من بعد وصيّة يوصي بها أو دين } ، وللضّرورة الحاصلة بوقفه . وعلى المشهور : لو طلب بعض الغرماء بقاءه مؤجّلاً منع من ذلك " وأمّا لو طلب الكلّ لكان لهم ذلك » . ويستثنى من الموت من قتل مدينه ( عمداً ) فإنّ دينه المؤجّل لا يحلّ ، لحمله على استعجال ما أجّل . وأمّا الدّين الّذي له فلا يحلّ بفلسه ولا بموته ، ولغرمائه تأخيره إلى أجله ، أو بيعه الآن ، ومحلّ حلول الدّين المؤجّل بالموت أو الفلس ما لم يشترط من عليه أنّه لا يحلّ عليه الدّين بذلك ، وإلاّ عمل بشرطه . قد ذكر ذلك ابن الهنديّ في الموت ، وإمّا إن شرط من له أنّه يحلّ بموته على المدين فهل يعمل بشرطه ، أو لا ؟ والظّاهر الأوّل ( أي أنّه يعمل بشرطه ) حيث كان الشّرط غير واقع في صلب عقد البيع ، فإن وقع في صلب عقد البيع فالظّاهر فساد البيع ؛ لأنّه آل أمره إلى البيع بأجل مجهول ، ويرى الحنابلة أنّه لا يحلّ الدّين المؤجّل بموت الدّائن ، وأمّا موت المدين فلهم رأيان : أحدهما : أنّه يحلّ بموت المدين كما هو رأي من ذكر من الفقهاء . والثّاني : أنّه لا يحلّ بموته إذا وثق الورثة ، فقد جاء في كشّاف القناع : « أنّه إذا مات شخص وعليه دين مؤجّل لم يحلّ الدّين بموته إذا وثق الورثة ، أو وثق غيرهم برهن أو كفيل مليء ، على أقلّ الأمرين : من قيمة التّركة أو الدّين " ، وهو قول ابن سيرين ، وعبيد اللّه بن الحسن ، وإسحاق ، وأبي عبيد لأنّ الأجل حقّ للميّت ، فورث عنه كسائر حقوقه ، وكما لا تحلّ الدّيون الّتي له بموته ، فتختصّ أرباب الدّيون الحالّة بالمال ، ويتقاسمونه بالمحاصّة ، ولا يترك منه للمؤجّل شيء ، ولا يرجع ربّه عليه بعد حلوله بل على من وثّقه ، فإن تعذّر التّوثّق لعدم وارث ، بأن مات عن غير وارث ، حلّ ، ولو ضمنه الإمام ، أو " تعذّر التّوثّق " لغير عدم وارث ، بأن خلف وارثاً لكنّه لم يوثق ، حلّ الدّين لغلبة الضّرر ، فيأخذه ربّه كلّه إن اتّسعت التّركة أو يحاصص به الغرماء ، ولا يسقط منه شيء في مقابلة الأجل . وإن ضمنه ضامن وحلّ على أحدهما لم يحلّ على الآخر . وقد استدلّ الحنابلة على قولهم بأنّ الدّين المؤجّل لا يحلّ بالموت إذا وثّق الورثة ، فقالوا : إنّ الأجل حقّ للمدين فلا يسقط بموته ، كسائر حقوقه ؛ ولأنّ الموت ما جعل مبطلاً للحقوق ، وإنّما هو ميقات للخلافة وعلامة على الوراثة ، وقد قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « من ترك حقّاً أو مالاً فلورثته » وما قيل بسقوطه بالموت هو حكم مبنيّ على المصلحة ، ولا يشهد لها شاهد الشّرع باعتبار ، ولا خلاف في فساد هذا ، فعلى هذا يبقى الدّين في ذمّة الميّت كما كان ويتعلّق بعين ماله كتعلّق حقوق الغرماء بمال المفلس عند الحجر عليه ، فإن أحبّ الورثة أداء الدّين ، والتزامه للغريم ، على أن يتصرّفوا في المال ، لم يكن لهم ذلك إلاّ أن يرضى الغريم ، أو يوثّقوا الحقّ بضمين مليء ، أو رهن يثق به لوفاء حقّه ، فإنّهم قد لا يكونون أملياء ، ولم يرض بهم الغريم ، فيؤدّي إلى فوات الحقّ . ويرى طاوس وأبو بكر بن محمّد ، والزّهريّ وسعد بن إبراهيم أنّ الدّين المؤجّل لا يحلّ بموت المدين ، ويبقى إلى أجله ، وحكي ذلك عن الحسن . ب - سقوط الأجل بالتّفليس : 96 - إذا حكم الحاكم بالحجر على المدين للإفلاس ، فهل تحلّ ديون المفلس المؤجّلة ؟ يرى الحنفيّة والحنابلة والشّافعيّة ( في الأظهر ) وهو قول للمالكيّة أنّه لا تحلّ ديون المفلس المؤجّلة ؛ لأنّ الأجل حقّ للمفلس ، فلا يسقط بفلسه كسائر حقوقه ، ولأنّه لا يوجب حلول ماله ، فلا يوجب حلول ما عليه - كالجنون والإغماء - ولأنّه دين مؤجّل على حيّ ، فلم يحلّ قبل أجله ، كغير المفلس ، والفرق بين الفلس والموت أنّ ذمّة الميّت خربت وبطلت بخلاف المفلس . والمشهور عند المالكيّة ورأي للشّافعيّة أنّ الدّين المؤجّل يحلّ بالإفلاس الأخصّ ( أي الشّخص الّذي حكم الحاكم بخلع ماله للغرماء ) لخراب ذمّة المفلس ، ما لم يشترط المدين عدم حلوله بالتّفليس ، وما لم يتّفق الغرماء جميعاً على بقاء ديونهم مؤجّلةً . أمّا حقوق المفلس المؤجّلة قبل الغير فباتّفاق الفقهاء تبقى على حالها ؛ لأنّ الأجل حقّ للغير ، فليس لغير صاحبه الحقّ في إسقاطه . ج - سقوط الأجل بالجنون : 97 - إذا جنّ من عليه الدّين المؤجّل أو من له الدّين ، فهل يسقط الأجل بجنونه ؟ يرى الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة جنون المدين لا يوجب حلول الدّين عليه لإمكان التّحصيل عند حلول الأجل بواسطة وليّه ، فالأجل باق ، ولصاحب الحقّ عند حلول الأجل مطالبة وليّه بماله . ولأنّ الأجل حقّ للمجنون فلا يسقط بجنونه كسائر حقوقه ؛ ولأنّه لا يوجب حلول ما له قبل الغير ، فلا يوجب حلول ما عليه ، وأمّا المالكيّة فقد نصّوا على أنّ الدّين المؤجّل يحلّ بالفلس والموت ما لم يشترط المدين عدم حلوله بهما وما لم يقتل الدّائن المدين عمداً ، ولم ينصّوا على الجنون معهما ممّا يدلّ على أنّ الجنون عندهم لا يحلّ الدّين المؤجّل . [/QUOTE]
الإسم
التحقق
اكتب معهد الماهر
رد
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية