د - سقوط الأجل بالأسر أو الفقد :
98 - يرى الفقهاء الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة أنّ الأسير في أرض العدوّ إذا علم خبره ومكانه ، كان حكمه كالغائب ، والغائب تبقى ديونه على ما هي عليه من تأجيل أو حلول ، سواء كان دائناً أم مديناً . أمّا إذا لم يعلم خبره ولا مكانه ، فيرى الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة أنّ حكمه حكم المفقود لأنّه حيّ في حقّ نفسه ، ميّت في حقّ غيره . ويرى المالكيّة أنّ ديونه تبقى على حالها من تأجيل أو حلول ، كالغائب - ولا يأخذ حكم المفقود لأنّه قد عرف أنّه أسر ؛ لأنّه إذا كانت أموال المفقود تبقى كما هي ، فهو أولى بهذا الحكم . أمّا إذا علم موت الأسير ، فإنّه يأخذ حكم الميّت ، وكذا إذا علم ردّته يأخذ حكم المرتدّ ، وهو موت حكماً كما سبق الإشارة إلى ذلك من أنّ الآجال تسقط بموت المدين موتاً حقيقيّاً أو حكميّاً .
هـ - سقوط الأجل بانتهاء مدّته :
99 - لمّا كان هذا النّوع من الأجل يحدّد لنا المدى الزّمنيّ لاستيفاء الحقّ ، فالعقد أو التّصرّف المقترن بأجل التّوقيت ، أو المؤقّت ، إذا انقضى أجله انتهى بذلك العقد وعاد الحقّ إلى صاحبه ، كما كان أوّلاً ، فيكون على المتعاقد ردّ العين إلى مالكها إذا كان المعقود عليه عيناً ، ويكون عليه عدم التّصرّف إذا كان العقد يجيز للشّخص تصرّفاً ما من التّصرّفات . والعقد المؤقّت - إذا لم يكن مضافاً ولا معلّقاً - هو عقد ناجز يتمّ ترتّب آثاره عليه من وقت صدور المدّة المحدّدة له شرعاً أو اتّفاقاً . فإن أضيف إلى زمن - وكان من التّصرّفات الّتي تقبل الإضافة فمدّة التّوقيت تبدأ من وقت حلول أجل الإضافة . وكذلك إذا علّق على شرط - وكان من التّصرّفات الّتي تقبل التّعليق - فمدّة التّوقيت تبدأ من وقت وجود الشّرط المعلّق عليه العقد . وبالإضافة إلى ذلك فإنّ الأجل ينقضي بانقضاء العقد نفسه الّذي اقترن به الأجل ؛ لأنّ الأجل وصف للعقد وشرط لاعتباره شرعاً ، فإذا انتهى الموصوف انتهى الوصف .
استمرار العمل بموجب العقد المنقضي أجله دفعاً للضّرر :
100 - قد ينقضي العقد المؤقّت . وحينئذ على المنتفع ردّ العين إلى صاحبها ، ولكن قد يؤدّي ذلك إلى ضرر ، ومن ثمّ أجاز الفقهاء تأخير الرّدّ إلى الوقت الملائم ، الّذي لا يؤدّي إلى ضرر ، مع ضمان حقوق الطّرف الآخر . ولذلك تطبيقات في الإجارة والإعارة تنظر فيهما .
إجماع
التّعريف
1 - الإجماع في اللّغة يراد به تارةً العزم ، يقال : أجمع فلان كذا ، أو أجمع على كذا ، إذا عزم عليه وتارةً يراد به الاتّفاق ، فيقال : أجمع القوم على كذا ، أي اتّفقوا عليه ، وعن الغزاليّ أنّه مشترك لفظيّ . وقيل إنّ المعنى الأصليّ له العزم ، والاتّفاق لازم ضروريّ إذا وقع من جماعة ، والإجماع في اصطلاح الأصوليّين : اتّفاق جميع المجتهدين من أمّة محمّد صلى الله عليه وسلم في عصر ما بعد عصره صلى الله عليه وسلم على أمر شرعيّ ، والمراد بالأمر الشّرعيّ : ما لا يدرك لولا خطاب الشّارع ، سواء أكان قولاً أم فعلاً أم اعتقاداً أم تقريراً .
بيان من ينعقد بهم الإجماع :
2 - جمهور أهل السّنّة على أنّ الإجماع ينعقد باتّفاق المجتهدين من الأمّة ، ولا عبرة باتّفاق غيرهم مهما كان مقدار ثقافتهم ، ولا بدّ من اتّفاق المجتهدين ولو كانوا أصحاب بدعة إن لم يكفروا ببدعتهم ، فإن كفروا بها كالرّافضة الغالين فلا يعتدّ بهم ، وأمّا البدعة غير المكفّرة أو الفسق فإنّ الاعتداد بخلافهم أو عدم الاعتداد فيه خلاف وتفصيل بين الفقهاء والأصوليّين موضعه الملحق الأصوليّ . وذهب قوم إلى أنّ العبرة باتّفاق الخلفاء الرّاشدين فقط ، لما ورد عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال : « عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الرّاشدين المهديّين من بعدي ، عضّوا عليها بالنّواجذ » . وهذا خبر آحاد لا يفيد اليقين ، وعلى فرض التّسليم فإنّه يفيد رجحان الاقتداء بهم لا إيجابه ، وقال قوم إنّ الإجماع هو إجماع أهل المدينة دون غيرهم ، وهذا ظاهر مذهب مالك فيما كان سبيله النّقل والتّواتر ، كبعض أفعاله صلى الله عليه وسلم كالأذان والإقامة وتحديد الأوقات وتقدير الصّاع والمدّ وغير ذلك ممّا يعتمد على النّقل وحده لا على الاجتهاد ، وما سبيله الاجتهاد فلا يعتدّ عنده بإجماعهم .
إمكان الإجماع :
3 - اتّفق الأصوليّون على أنّ الإجماع ممكن عقلاً ، وذهب جمهورهم إلى أنّه ممكن عادةً ، وخالف في ذلك النّظّام وغيره . وخالف البعض في إمكان نقله .
حجّيّة الإجماع :
4 - الإجماع حجّة قطعيّة على الصّحيح ، وإنّما يكون قطعيّاً حيث اتّفق المعتبرون على أنّه إجماع ، لا حيث اختلفوا ، كما في الإجماع السّكوتيّ وما ندر مخالفه .
ما يحتجّ عليه بالإجماع :
5 - يحتجّ بالإجماع على الأمور الدّينيّة الّتي لا تتوقّف حجّيّة الإجماع عليها ، سواء أكانت اعتقاديّةً كنفي الشّريك عن اللّه تعالى ، أو عمليّةً كالعبادات والمعاملات ، وقيل لا أثر للإجماع في العقليّات ، فإنّ المعتبر فيها الأدلّة القاطعة ، فإذا انتصبت لم يعارضها شقاق ولم يعضّدها وفاق . أمّا ما تتوقّف عليه حجّيّة الإجماع ، كوجود الباري تعالى ، ورسالة محمّد صلى الله عليه وسلم فلا يحتجّ عليه بالإجماع ؛ لئلاّ يلزم الدّور .
مستند الإجماع :
6 - لا بدّ للإجماع من مستند ، نصّ أو قياس ، وقد يكون النّصّ أو القياس خفيّاً . فإذا أجمع على مقتضاه سقط البحث عنه ، وحرمت مخالفته مع عدم العلم به ، ويقطع بحكمه وإن كان ظنّيّاً .
إنكار الإجماع :
7 - قيل : يكفر منكر حكم الإجماع القطعيّ ، وفصّل بعض الأصوليّين بين ما كان من ضروريّات دين الإسلام ، وهو ما يعرفه الخواصّ والعوامّ ، من غير قبول للتّشكيك ، كوجوب الصّلاة والصّوم ، وحرمة الزّنا والخمر ، فيكفر منكره ، وبين ما سوى ذلك ، فلا يكفر منكره ، كالإجماع على بعض دقائق علم المواريث الّتي قد تخفى على العوّام . وفرّق فخر الإسلام بين الإجماع القطعيّ من إجماع الصّحابة نصّاً ، كإجماعهم على قتال مانعي الزّكاة ، أو مع سكوت بعضهم ، فيكفر منكره ، وبين إجماع غيرهم فيضلّل .
الإجماع السّكوتيّ :
8 - يتحقّق الإجماع السّكوتيّ إذا أفتى بعض المجتهدين في مسألة اجتهاديّة ، أو قضى ، واشتهر ذلك بين أهل عصره ، وعرفه جميع من سواه من المجتهدين ، ولم يخالفوه ، واستمرّت الحال على هذا إلى مضيّ مدّة التّأمّل ، وقد ذهب أكثر الحنفيّة وبعض الشّافعيّة إلى أنّه إذا تحقّق ذلك فهو إجماع قطعيّ ، وإنّما يكون إجماعاً عندهم حيث لا يحمل سكوتهم على التّقيّة خوفاً . وموضع اعتبار سكوتهم إجماعاً إنّما هو قبل استقرار المذاهب ، وأمّا بعد استقرارها فلا يعتبر السّكوت إجماعاً ؛ لأنّه لا وجه للإنكار على صاحب مذهب في العمل على موجب مذهبه ، وذهب أبو هاشم الجبّائيّ إلى أنّه حجّة وليس إجماعاً . وذهب الشّافعيّة إلى أنّه ليس بحجّة فضلاً أن يكون إجماعاً ، وبه قال ابن أبان والباقلاّنيّ وبعض المعتزلة وأكثر المالكيّة وأبو زيد الدّبوسيّ من الحنفيّة ، والرّافعيّ والنّوويّ من الشّافعيّة .
التّعارض بين الإجماع وغيره :
9 - الإجماع لا ينسخ ولا ينسخ به عند الجمهور ؛ لأنّ الإجماع لا يكون إلاّ بعد وفاة النّبيّ صلى الله عليه وسلم والنّسخ لا يكون بعد موته . ولا ينسخ الإجماع الإجماع ، وإذا جاء الإجماع مخالفاً لشيء من النّصوص استدللنا على أنّ ذلك النّصّ منسوخ . فيكون الإجماع دليل النّسخ وليس هو النّاسخ .
رتبة الإجماع بين الأدلّة :
1 - بنى بعض الأصوليّين على المسألة السّابقة تقديم الإجماع على غيره . قال الغزاليّ : « يجب على المجتهد في كلّ مسألة أن يردّ نظره إلى النّفي الأصليّ قبل ورود الشّرع . ثمّ يبحث عن الأدلّة السّمعيّة ، فينظر أوّل شيء في الإجماع ، فإن وجد في المسألة إجماعاً ، ترك النّظر في الكتاب والسّنّة ، فإنّهما يقبلان النّسخ ، والإجماع لا يقبله . فالإجماع على خلاف ما في الكتاب والسّنّة دليل قاطع على النّسخ ، إذ لا تجتمع الأمّة على الخطأ » . وقد حرّر ذلك ابن تيميّة فقال " كلّ من عارض نصّاً بإجماع ، وادّعى نسخه ، من غير نصّ يعارض ذلك النّصّ ، فإنّه مخطئ في ذلك ، فإنّ النّصوص لم ينسخ منها شيء إلاّ بنصّ باق محفوظ لدى الأمّة » . وفي موضع آخر قال " لا ريب أنّه إذا ثبت الإجماع كان دليلاً على أنّه منسوخ ، فإنّ الأمّة لا تجتمع على ضلالة ، ولكن لا يعرف إجماع على ترك نصّ إلاّ وقد عرف النّصّ النّاسخ له ، ولهذا كان أكثر من يدّعي نسخ النّصوص بما يدّعيه من الإجماع إذا حقّق الأمر عليه ، لم يكن الإجماع الّذي ادّعاه صحيحاً ، بل غايته أنّه لم يعرف فيه نزاعاً » . وفي الإجماع تفصيل وخلاف أوسع ممّا ذكر ، موطنه الملحق الأصوليّ .
إجمال
التّعريف
1 - الإجمال مصدر أجمل ، ومن معانيه في اللّغة : جمع الشّيء من غير تفصيل . وللأصوليّين في الإجمال اصطلاحان ، تبعاً لاختلافهم في تعريف المجمل : الأوّل : اصطلاح الأصوليّين غير الحنفيّة ( المتكلّمين ) ، وهو أنّ المجمل ما لم تتّضح دلالته . فيكون عامّاً في كلّ ما لم تتّضح دلالته . وما لحقه البيان خرج من الإجمال بالاتّفاق ( ر : بيان ) ، وكما يكون الإجمال عندهم في الأقوال ، يكون في الأفعال . وقد مثّل له بعض الأصوليّين بما ورد « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم سلّم في صلاة رباعيّة من اثنتين » ، فدار فعله بين أن يكون سلّم سهواً ، وبين أن تكون الصّلاة قد قصرت . فاستفسر منه ذو اليدين ، فبيّن لهم أنّه سها . الثّاني : اصطلاح الأصوليّين من الحنفيّة ، وهو أنّ المجمل ما لا يعرف المراد منه إلاّ ببيان يرجى من جهة المجمل ، ومعنى ذلك أنّ خفاءه لا يعرف بمجرّد التّأمّل ، ومثّلوا له بالأمر بالصّلاة والزّكاة ونحوهما ، قبل بيان مراد الشّارع منها .
( الألفاظ ذات الصّلة )
أ - المشكل :
2 - إن كان المعنى ممّا يدرك بالتّأمّل فليس عند الحنفيّة مجملاً ، بل يسمّى " مشكلاً " ، ومثّلوا له بقول اللّه تعالى : { فأتوا حرثكم أنّى شئتم } ، فإنّ « أنّى » دائرة بين معنى « أين » ومعنى « كيف » ، وبالتّأمّل يظهر أنّ المراد الثّاني ، بقرينة الحارث ، وتحريم الأذى .
ب - المتشابه :
3 - وأمّا إن كان لا يرجى معرفة معناه في الدّنيا فهو عندهم " متشابه " ، وهو ما استأثر اللّه تعالى بعلمه ، كالحروف المقطّعة في أوائل السّور .
ج - الخفيّ :
4 - وهو ما كان خفاؤه في انطباقه على بعض أفراده لعارض هو تسمية ذلك الفرد باسم آخر ، كلفظ « السّارق " ، فهو ظاهر في مفهومه الشّرعيّ ، ولكنّه خفيّ في الطّرّار والنّبّاش . حكم المجمل :
5 - ذهب أصوليّو الحنفيّة إلى أنّ حكم المجمل التّوقّف فيه إلى أن يتبيّن المراد به ، بالاستفسار من صدر منه المجمل . وذهب غيرهم إلى أنّ حكم المجمل التّوقّف فيه إلى أن يتبيّن من جهة المجمل ، أو بالقرائن ، أو بالعرف ، أو بالاجتهاد . وفي ذلك تفصيل موطنه الملحق الأصوليّ .
أجنبيّ
التّعريف
1 - الأجنبيّ في اللّغة الغريب ، ويقال للغريب أيضاً جنب ، وأجنب ، ومن معاني الجنابة : الغربة . واجتنب فلان فلاناً إذا تجنّبه وابتعد عنه ، ونقل في التّاج عن الأساس : « ومن المجاز : هو أجنبيّ عن كذا ، أي لا تعلّق له به ولا معرفة " يعني كما تقول : فلان أجنبيّ عن هذا العلم ، أو عن هذه القضيّة . فيطلق الأجنبيّ على من هو غريب حسّاً أو معنًى .
2 - ولم نجد أحداً من الفقهاء عرّف هذا المصطلح ، ولكن باستقراء . مواضع وروده في كلامهم تبيّن أنّه لفظ ليس له معنًى واحد ، بل يفسّر في كلّ مقام بحسبه . فمن معانيه ما يلي : أ - الأجنبيّ البعيد عنك في القرابة ، وهو الّذي لا تصله بك رابطة النّسب ، كقول المحلّيّ في شرح منهاج الطّالبين : « الأجنبيّ أن يحجّ عن الميّت حجّة الإسلام بغير إذن » . قال عميرة في حاشيته : « المراد بالأجنبيّ غير الوارث . قاله شيخنا . وقياس الصّوم أن يراد به غير القريب » .
ب - والأجنبيّ الغريب عن الأمر من عقد أو غيره ، كقولهم : « لو أتلف المبيع أجنبيّ قبل قبضه فسد العقد " أي شخص غريب عن العقد ، ليس هو البائع ولا المشتري . وكقولهم : « هل يصحّ شرط الخيار لأجنبيّ " ويسمّى الأجنبيّ إذا تصرّف فيما ليس له : « فضوليّاً " ج - والأجنبيّ : الغريب عن الوطن ، ودار الإسلام كلّها وطن للمسلم . فالأجنبيّ عنها من ليس بمسلم ولا ذمّيّ .
د - والأجنبيّ عن المرأة من لم يكن محرماً لها . والمحرم من يحرم عليه نكاحها على التّأبيد بنسب أو بسبب مباح وقيل بمطلق سبب ، ولو كان قريباً كابن عمّها وابن خالها .
انقلاب الأجنبيّ إلى ذي علاقة ، وعكسه :
3 - ينقلب الأجنبيّ إلى ذي علاقة في أحوال ، منها : أ - بالعقد ، كعقد النّكاح ، فإنّه تنقلب به المرأة الأجنبيّة إلى زوجة ، وكعقد الشّركة ، وعقد الوكالة ونحوهما . وتفصيل ذلك في أبوابه من الفقه .
ب - بالإذن والتّفويض ونحوهما ، كتفويض الطّلاق إلى المرأة أو إلى غيرها ، وكالتّوكيل والإيصاء .
ج - بالاضطرار ، كأخذ من اشتدّ جوعه ما في يد غيره من الطّعام فائضاً عن ضرورته بغير رضاه .
د - حكم القضاء ، كنصب الأجنبيّ وصيّاً أو ناظراً على الوقف .
4 - وينقلب ذو العلاقة إلى أجنبيّ في أحوال :
منها : أ - ارتفاع السّبب الّذي به صار الأجنبيّ ذا علاقة ، كطلاق المرأة ، وفسخ عقد البيع ، ونحو ذلك .
ب - قيام المانع الّذي يحول دون كون السّبب مؤثّراً ، وذلك كردّة أحد الزّوجين ، يصبح به كلّ منهما أجنبيّاً عن الآخر ، فلا عشرة ولا ميراث .
ج - حكم القضاء ، كالحجر على السّفيه ، والتّفريق بين المولي وزوجته عند تمام المدّة عند الجمهور ، والتّفريق للضّرر ، والحكم باستحقاق العين لغير ذي اليد .
اجتماع ذي العلاقة والأجنبيّ :
5 - إذا اجتمع ذو علاقة وأجنبيّ ، فذو العلاقة هو الأولى ، كما يلي .
( الحكم الإجماليّ )
يختلف الحكم الإجماليّ للأجنبيّ بحسب معانيه المختلفة : أوّلاً : الأجنبيّ الّذي هو خلاف القريب :
6 - للقريب حقوق وميزات ينفرد بها عن الأجنبيّ ، ومن ذلك أنّه أولى من الأجنبيّ برعاية الشّخص المحتاج إلى الرّعاية والنّظر كما في الأمثلة التّالية : أ - أنّ القريب له حقّ الولاية على نفس الصّغير والمجنون وتزويج المرأة دون الأجنبيّ .
ب - وأنّ له حقّ الحضانة للصّغير والمجنون دون الأجنبيّ ، ويقدّم أولى الأقارب في استحقاق الحضانة حسب ترتيب معيّن . وإذا تزوّجت الحاضنة من أجنبيّ من المحضون سقط حقّها في الحضانة ، « لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم للأمّ : أنت أحقّ به ما لم تنكحي » . وتفصيل ذلك في أبواب الحضانة من كتب الفقه .
ج - وأنّ القريب أولى من الأجنبيّ بتغسيل الميّت ، وبالإمامة في الصّلاة عليه ، على تفصيل يعرف في أبواب الجنائز .
ثانياً : الأجنبيّ في التّصرّفات والعقود :
7 - المراد بالأجنبيّ هنا من ليست له صلاحية التّصرّف ، والّذي له صلاحية التّصرّف هو صاحب الحقّ والوصيّ والوكيل ونحوهم ، فمن سواهم أجنبيّ . فإن تصرّف الإنسان في حقّ هو فيه أجنبيّ ، على أنّ تصرّفه لنفسه ، فتصرّفه باطل . أمّا إن تصرّف عن غيره من غير أن تكون له ولاية أو نيابة فهو الّذي يسمّى عند الفقهاء الفضوليّ واختلفوا في تصرّفه ذاك ، فمنهم من أبطله ، ومنهم من جعله موقوفاً على الإجازة . ( ر : إجازة . فضوليّ ) .
ب - الأجنبيّ والعبادة :
8 - لا يختلف حكم الأجنبيّ عن حكم الوليّ في شأن أداء العبادات البدنيّة عن الغير ، فلا تصحّ الصّلاة والصّيام عن الحيّ ، إذ لا بدّ في ذلك من النّيّة ، ولا يجب على الوليّ أو غيره القضاء عن الميّت لما في ذمّته من العبادات . ، إن تبرّع به الوليّ أو الأجنبيّ ففي إجزائه عن الميّت خلاف . أمّا العبادات الماليّة المحضة كالزّكاة وبعض الكفّارات وفدية الصّوم ، أو الماليّة البدنيّة كالحجّ ، فلا يصحّ كذلك فعلها عن الغير بغير إذنه ، إن كان حيّاً قادراً . وأمّا فعلها عن الميّت فيجب على الوليّ أو الوصيّ إذا أوصى من هو عليه قبل وفاته بذلك ، في حدود ثلث التّركة ، على مذهب الحنفيّة . وعند غيرهم تنفذ من كلّ المال ، سواء أوصى بها أم لم يوص ، كسائر الدّيون . وفي المسألة خلاف وتفصيل يرجع لمعرفته إلى أبواب الزّكاة والحجّ والصّوم والكفّارات .
ج - تبرّع الأجنبيّ بأداء الحقوق :
9 - تبرّع الأجنبيّ بأداء ما ترتّب على الغير من الحقوق جائز ، وذلك كوفاء دينه ، ودفع مهر زوجته ونفقتها ونفقة أولاده . وله حقّ الرّجوع إن كان فعل ذلك بإذن حاكم ، أو نوى الرّجوع به ، وفي ذلك تفصيل وخلاف يرجع لمعرفته إلى الأبواب الخاصّة بتلك الحقوق من كتب الفقه .
ثالثاً : الأجنبيّ بمعنى من لم يكن من أهل الوطن :
10 - الأجنبيّ عن دار الإسلام هو الحربيّ ، وهو من لم يكن مسلماً ولا ذمّيّاً ، ولا يحقّ لمن لم يكن كذلك دخول دار الإسلام إلاّ بأمان ، فإذا دخل دار الإسلام بالأمان سمّي مستأمناً . ولمعرفة أحكام الأجنبيّ بهذا المعنى ( ر : أمان . مستأمنون . أهل الحرب ) .
رابعاً : الأجنبيّ عن المرأة :
11 - خصّصت الشّريعة الأجانب بأحكام خاصّة ، دون الزّوج وذوي المحرم . وذلك رعايةً لسلامة المرأة ، ومحافظةً عليها من أن يصل إليها ما يجرح كرامتها . وقد يسّرت الشّريعة في العلاقة بين المرأة وزوجها ، إذ أنّ عقد الزّواج يبيح لكلّ من الزّوجين من التّمتّع بالآخر ما يكون سبباً للسّكن بينهما ، لتتمّ حكمة اللّه بدوام النّسل ونشوئه في كنف الأبوين على أحسن وجه ، ولم تضيّق الشّريعة أيضاً في العلاقة بين المرأة ومحرمها لأنّ ما يقوم بأنفسهما من المودّة والاحترام يحجب نوازع الرّغبة ، ولكي تتمكّن المرأة وأقاربها الأقربون من العيش معاً بيسر وسهولة ، والزّوج والمحرم في ذلك مخالفان للأجنبيّ ، فوضعت الشّريعة حدوداً للعلاقة بين المرأة وبينه ، تتلخّص فيما يلي : أ - النّظر :
12 - فيحرم على الأجنبيّ النّظر إلى زينة المرأة وبدنها ، كلّه على رأي بعض الفقهاء ، أو ما عدا الوجه والكفّين والقدمين عند البعض الآخر . وكذلك يجب على المرأة أن تستتر عن الأجنبيّ بتغطية ما لا يحلّ له رؤيته ، وعليها أن تمتنع عن النّظر من بدن الأجنبيّ - والمحرم مثله - إلاّ إلى ما سوى العورة ، أو إلى ما عدا ما تنظره المرأة من المرأة .
ب - اللّمس :
13 - فلا يلمس الأجنبيّ بدن المرأة .
ج - الخلوة :
14 - فلا يحلّ للرّجل والمرأة إذا كانا أجنبيّين أن يخلو أحدهما بالآخر ، لما ورد في حديث البخاريّ مرفوعاً « إيّاكم والدّخول على النّساء » وحديثه الآخر « لا يخلونّ رجل بامرأة إلاّ مع ذي محرم » د - صوت المرأة :
15 - فيحرم استماع الأجنبيّ لصوت المرأة على القول المرجوح عند الحنفيّة لأنّه عورة . وفي كثير ممّا ذكرناه خلاف بين الفقهاء وتفصيل واستثناءات يرجع لمعرفتها إلى باب الحظر والإباحة من كتب الحنفيّة ، وإلى أوائل أبواب النّكاح وباب ستر العورة من شروط الصّلاة في كتب سائر المذاهب .
أجنبيّة
انظر : أجنبيّ .
إجهاز
التّعريف
1 - من معاني الإجهاز في اللّغة : الإسراع ، فالإجهاز على الجريح : إتمام قتله . ويستعمل الفقهاء " الإجهاز " بهذا المعنى . كما يستعملون لهذا المعنى أيضاً كلمة " تذفيف » . الحكم العامّ :
2 - الإجهاز على الإنسان الجريح : الإجهاز على جرحى الكفّار المقاتلين جائز ، وكذلك جرحى البغاة المقاتلين إذا كانت لهم فئة ، فإن لم تكن لهم فئة فلا يجوز قتل جريحهم . أمّا الإجهاز على من وجب عليه الموت في حدّ أو قصاص فهو واجب بالاتّفاق .
3 - الإجهاز على الحيوان : الحيوان على نوعين : نوع يجوز ذبحه ، بأن كان مأكول اللّحم ، أو قتله ، بأن كان مؤذياً . وهذا النّوع يجوز الإجهاز عليه إن أصابه مرض أو جرح ؛ لأنّه يجوز ذبحه أو قتله ابتداءً ، ونوع لا يجوز قتله كالحمار ونحوه ، وفي جواز الإجهاز عليه إن أصابه مرض أو جرح - إراحةً له - خلاف ، أجاز ذلك الحنفيّة والمالكيّة ، ومنعه الشّافعيّة والحنابلة . وقد ذكر ذلك الفقهاء في كتاب الذّبائح ، وذكره الحنفيّة في كتاب الحظر والإباحة .
إجهاض
التّعريف
1 - يطلق الإجهاض في اللّغة على صورتين : إلقاء الحمل ناقص الخلق ، أو ناقص المدّة ، سواء من المرأة أو غيرها ، والإطلاق اللّغويّ يصدق سواء كان الإلقاء بفعل فاعل أم تلقائيّاً .
2 - ولا يخرج استعمال الفقهاء لكلمة إجهاض عن هذا المعنى . وكثيراً ما يعبّرون عن الإجهاض بمرادفاته كالإسقاط والإلقاء والطّرح والإملاص .
صفة الإجهاض ( حكمه التّكليفيّ ) :
3 - من الفقهاء من فرّق بين حكم الإجهاض بعد نفخ الرّوح ، وبين حكمه قبل ذلك وبعد التّكوّن في الرّحم والاستقرار ، ولمّا كان حكم الإجهاض بعد نفخ الرّوح موضع اتّفاق كان الأنسب البدء به ثمّ التّعقيب بحكمه قبل نفخ الرّوح ، مع بيان آراء الفقهاء واتّجاهاتهم فيه :
أ - حكم الإجهاض بعد نفخ الرّوح :
4 - نفخ الرّوح يكون بعد مائة وعشرين يوماً ، كما ثبت في الحديث الصّحيح الّذي رواه ابن مسعود مرفوعاً : « إنّ أحدكم يجمع خلقه في بطن أمّه أربعين يوماً نطفةً ، ثمّ يكون علقةً مثل ذلك ، ثمّ يكون مضغةً مثل ذلك ، ثمّ يرسل الملك فينفخ فيه الرّوح » . ولا يعلم خلاف بين الفقهاء في تحريم الإجهاض بعد نفخ الرّوح . فقد نصّوا على أنّه إذا نفخت في الجنين الرّوح حرّم الإجهاض إجماعاً . وقالوا إنّه قتل له ، بلا خلاف . والّذي يؤخذ من إطلاق الفقهاء تحريم الإجهاض بعد نفخ الرّوح أنّه يشمل ما لو كان في بقائه خطر على حياة الأمّ وما لو لم يكن كذلك . وصرّح ابن عابدين بذلك فقال : لو كان الجنين حيّاً ، ويخشى على حياة الأمّ من بقائه ، فإنّه لا يجوز تقطيعه ؛ لأنّ موت الأمّ به موهوم ، فلا يجوز قتل آدميّ لأمر موهوم .
ب - حكم الإجهاض قبل نفخ الرّوح :
5 - في حكم الإجهاض قبل نفخ الرّوح اتّجاهات مختلفة وأقوال متعدّدة ، حتّى في المذهب الواحد ، فمنهم من قال بالإباحة مطلقاً ، وهو ما ذكره بعض الحنفيّة ، فقد ذكروا أنّه يباح الإسقاط بعد الحمل ، ما لم يتخلّق شيء منه . والمراد بالتّخلّق في عبارتهم تلك نفخ الرّوح . وهو ما انفرد به من المالكيّة اللّخميّ فيما قبل الأربعين يوماً ، وقال به أبو إسحاق المروزيّ من الشّافعيّة قبل الأربعين أيضاً ، وقال الرّمليّ : لو كانت النّطفة من زناً فقد يتخيّل الجواز قبل نفخ الرّوح . والإباحة قول عند الحنابلة في أوّل مراحل الحمل ، إذ أجازوا للمرأة شرب الدّواء المباح لإلقاء نطفة لا علقة ، وعن ابن عقيل أنّ ما لم تحلّه الرّوح لا يبعث ، فيؤخذ منه أنّه لا يحرم إسقاطه ، وقال صاحب الفروع : ولكلام ابن عقيل وجه .
6 - ومنهم من قال بالإباحة لعذر فقط ، وهو حقيقة مذهب الحنفيّة . فقد نقل ابن عابدين عن كراهة الخانيّة عدم الحلّ لغير عذر ، إذ المحرم لو كسر بيض الصّيد ضمن لأنّه أصل الصّيد . فلمّا كان يؤاخذ بالجزاء فلا أقلّ من أن يلحقها - من أجهضت نفسها - إثم هنا إذا أسقطت بغير عذر ، ونقل عن ابن وهبان أنّ من الأعذار أن ينقطع لبنها بعد ظهور الحمل وليس لأبي الصّبيّ ما يستأجر به الظّئر ( المرضع ) ويخاف هلاكه ، وقال ابن وهبان : إنّ إباحة الإسقاط محمولة على حالة الضّرورة . ومن قال من المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة بالإباحة دون تقييد بالعذر فإنّه يبيحه هنا بالأولى ، وقد نقل الخطيب الشّربينيّ عن الزّركشيّ : أنّ المرأة لو دعتها ضرورة لشرب دواء مباح يترتّب عليه الإجهاض فينبغي أنّها لا تضمن بسببه .
7 - ومنهم من قال بالكراهة مطلقاً . وهو ما قال به عليّ بن موسى من فقهاء الحنفيّة . فقد نقل ابن عابدين عنه : أنّه يكره الإلقاء قبل مضيّ زمن تنفخ فيه الرّوح ؛ لأنّ الماء بعدما وقع في الرّحم مآله الحياة ، فيكون له حكم الحياة ، كما في بيضة صيد الحرم . وهو رأي عند المالكيّة فيما قبل الأربعين يوماً ، وقول محتمل عند الشّافعيّة . يقول الرّمليّ : لا يقال في الإجهاض قبل نفخ الرّوح إنّه خلاف الأولى ، بل محتمل للتّنزيه والتّحريم ، ويقوى التّحريم فيما قرب من زمن النّفخ لأنّه جريمة .
8 - ومنهم من قال بالتّحريم ، وهو المعتمد عند المالكيّة . يقول الدّردير : لا يجوز إخراج المنيّ المتكوّن في الرّحم ولو قبل الأربعين يوماً ، وعلّق الدّسوقيّ على ذلك بقوله : هذا هو المعتمد . وقيل يكره . ممّا يفيد أنّ المقصود بعدم الجواز في عبارة الدّردير التّحريم . كما نقل ابن رشد أنّ مالكاً قال : كلّ ما طرحته المرأة جناية ، من مضغة أو علقة ، ممّا يعلم أنّه ولد ، ففيه الغرّة وقال : واستحسن مالك الكفّارة مع الغرّة . والقول بالتّحريم هو الأوجه عند الشّافعيّة ؛ لأنّ النّطفة بعد الاستقرار آيلة إلى التّخلّق مهيّأة لنفخ الرّوح . وهو مذهب الحنابلة مطلقاً كما ذكره ابن الجوزيّ ، وهو ظاهر كلام ابن عقيل ، وما يشعر به كلام ابن قدامة وغيره بعد مرحلة النّطفة ، إذ رتّبوا الكفّارة والغرّة على من ضرب بطن امرأة فألقت جنيناً ، وعلى الحامل إذا شربت دواءً فألقت جنيناً .