الرد على الموضوع

بواعث الإجهاض ووسائله :

9 - بواعث الإجهاض كثيرة ، منها قصد التّخلّص من الحمل سواء أكان الحمل نتيجة نكاح أم سفاح ، أو قصد سلامة الأمّ لدفع خطر عنها من بقاء الحمل أو خوفاً على رضيعها ، على ما سبق بيانه . كما أنّ وسائل الإجهاض كثيرة قديماً وحديثاً ، وهي إمّا إيجابيّة وإمّا سلبيّة . فمن الإيجابيّة : التّخويف أو الإفزاع كأن يطلب السّلطان من ذكرت عنده بسوء فتجهض فزعاً ، ومنها شمّ رائحة ، أو تجويع ، أو غضب ، أو حزن شديد ، نتيجة خبر مؤلم أو إساءة بالغة ، ولا أثر لاختلاف كلّ هذا . ومن السّلبيّة امتناع المرأة عن الطّعام ، أو عن دواء موصوف لها لبقاء الحمل . ومنه ما ذكره الدّسوقيّ من أنّ المرأة إذا شمّت رائحة طعام من الجيران مثلاً ، وغلب على ظنّها أنّها إن لم تأكل منه أجهضت فعليها الطّلب . فإن لم تطلب ، ولم يعلموا بحملها ، حتّى ألقته ، فعليها الغرّة لتقصيرها ولتسبّبها .

عقوبة الإجهاض :

10 - اتّفق الفقهاء على أنّ الواجب في الجناية على جنين الحرّة هو غرّة . لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة وغيره : « أنّ امرأتين من هذيل رمت إحداهما الأخرى ، فطرحت جنينها ، فقضى فيه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بغرّة عبد أو وليدة » .

11 - واتّفق فقهاء المذاهب على أنّ مقدار الغرّة في ذلك هو نصف عشر الدّية الكاملة ، وأنّ الموجب للغرّة كلّ جناية ترتّب عليها انفصال الجنين عن أمّه ميّتاً ، سواء أكانت الجناية نتيجة فعل أم قول أم ترك ، ولو من الحامل نفسها أو زوجها ، عمداً كان أو خطأً .

12 - ويختلف الفقهاء في وجوب الكفّارة - وهي العقوبة المقدّرة حقّاً للّه تعالى - مع الغرّة . ( والكفّارة هنا هي عتق رقبة مؤمنة ، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ) فالحنفيّة والمالكيّة يرون أنّها مندوبة وليست واجبةً ، لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم لم يقض إلاّ بالغرّة . كما أنّ الكفّارة فيها معنى العقوبة ؛ لأنّها شرعت زاجرةً ، وفيها معنى العبادة ؛ لأنّها تتأدّى بالصّوم . وقد عرف وجوبها في النّفوس المطلقة فلا يتعدّاها لأنّ العقوبة لا يجري فيها القياس ، والجنين يعتبر نفساً من وجه دون وجه لا مطلقاً . ولهذا لم يجب فيه كلّ البدل ، فكذا لا تجب فيه الكفّارة لأنّ الأعضاء لا كفّارة فيها . وإذا تقرّب بها إلى اللّه كان أفضل . وعلى هذا فإنّها غير واجبة . ويرى الشّافعيّة والحنابلة وجوب الكفّارة مع الغرّة . لأنّها إنّما تجب حقّاً للّه تعالى لا لحقّ الآدميّ ؛ ولأنّه نفس مضمونة بالدّية ، فوجبت فيه الكفّارة . وترك ذكر الكفّارة لا يمنع وجوبها . فقد ذكر الرّسول صلى الله عليه وسلم في موضع آخر الدّية ، ولم يذكر الكفّارة . وهذا الخلاف إنّما هو في الجنين المحكوم بإيمانه لإيمان أبويه أو أحدهما ، أو المحكوم له بالذّمّة . كما نصّ الشّافعيّة والحنابلة على أنّه إذا اشترك أكثر من واحد في جناية الإجهاض لزم كلّ شريك كفّارة ، وهذا لأنّ الغاية من الكفّارة الزّجر . أمّا الغرّة فواحدة لأنّها للبدليّة .

الإجهاض المعاقب عليه :

13 - يتّفق الفقهاء على وجوب الغرّة بموت الجنين بسبب الاعتداء ، كما يتّفقون على اشتراط انفصاله ميّتاً ، أو انفصال البعض الدّالّ على موته . إذ لا يثبت حكم المولود إلاّ بخروجه ؛ ولأنّ الحركة يجوز أن تكون لريح في البطن سكنت ، وبالإلقاء ظهر تلفه بسبب الضّرب أو الفزع ونحوهما ، غير أنّ الشّافعيّة قالوا : لو علم موت الجنين وإن لم ينفصل منه شيء فكالمنفصل . والحنفيّة يعتبرون انفصال الأكثر كانفصال الكلّ ، فإن نزل من قبل الرّأس فالأكثر خروج صدره ، وإن كان من قبل الرّجلين فالأكثر انفصال سرّته . والحنفيّة والمالكيّة على أنّه لا بدّ أن يكون ذلك قبل موت أمّه يقول ابن عابدين : وإن خرج جنين ميّت بعد موت الأمّ فلا شيء فيه ؛ لأنّ موت الأمّ سبب لموته ظاهراً ، إذ حياته بحياتها ،  فيتحقّق موته بموتها ، فلا يكون في معنى ما ورد به النّصّ ، إذ الاحتمال فيه أقلّ ، فلا يضمن بالشّكّ ؛ ولأنّه يجري مجرى أعضائها ، وبموتها سقط حكم أعضائها . وقال الحطّاب والموّاق : الغرّة واجبة في الجنين بموته قبل موت أمّه . وقال ابن رشد : ويشترط أن يخرج الجنين ميّتاً ولا تموت أمّه من الضّرب . أمّا الشّافعيّة والحنابلة فيوجبون الغرّة سواء أكان انفصال الجنين ميّتاً حدث في حياة الأمّ أو بعد موتها لأنّه كما يقول ابن قدامة : جنين تلف بجناية ، وعلم ذلك بخروجه ، فوجب ضمانه كما لو سقط في حياتها . ولأنّه لو سقط حيّاً ضمنه ، فكذلك إذا سقط ميّتاً كما لو أسقطته في حياتها . ويقول القاضي زكريّا الأنصاريّ : ضرب الأمّ ، فماتت ، ثمّ ألقت ميّتاً ، وجبت الغرّة ، كما لو انفصل في حياتها . يتّفق الفقهاء في أصل ترتّب العقوبة إذا استبان بعض خلق الجنين ، كظفر وشعر ، فإنّه يكون في حكم تامّ الخلق اتّفاقاً ولا يكون ذلك كما يقول ابن عابدين إلاّ بعد مائة وعشرين يوماً ، وتوسّع المالكيّة فأوجبوا الغرّة حتّى لو لم يستبن شيء من خلقه ، ولو ألقته علقةً أي دماً مجتمعاً ، ونقل ابن رشد عن الإمام مالك قوله : كلّ ما طرحت من مضغة أو علقة ممّا يعلم أنّه ولد ففيه غرّة والأجود أن يعتبر نفخ الرّوح فيه . والشّافعيّة يوجبون الغرّة أيضاً لو ألقته لحماً في صورة آدميّ ، وعند الحنابلة إذا ألقت مضغةً ، فشهد ثقات من القوابل أنّه مبتدأ خلق آدميّ ، وجهان : أصحّهما لا شيء فيه ، وهو مذهب الشّافعيّ فيما ليس فيه صورة آدميّ . أمّا عند الحنفيّة ففيه حكومة عدل ، إذ ينقل ابن عابدين عن الشّمنّيّ : أنّ المضغة غير المتبيّنة الّتي يشهد الثّقات من القوابل أنّها بدء خلق آدميّ فيها حكومة عدل .

تعدّد الأجنّة في الإجهاض :

14 - لا خلاف بين فقهاء المذاهب في أنّ الواجب الماليّ من غرّة أو دية يتعدّد بتعدّد الأجنّة . فإن ألقت المرأة بسبب الجناية جنينين أو أكثر تعدّد الواجب بتعدّدهم ؛ لأنّه ضمان آدميّ ، فتعدّد بتعدّده ، كالدّيات . والقائلون بوجوب الكفّارة مع الغرّة - وهم الشّافعيّة والحنابلة كما تقدّم - يرون أنّها تتعدّد بتعدّد الجنين أيضاً .

من تلزمه الغرّة :

15 - الغرّة تلزم العاقلة في سنة بالنّسبة للجنين الحرّ عند فقهاء الحنفيّة ، للخبر الّذي روي عن محمّد بن الحسن « أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قضى بالغرّة على العاقلة في سنة » ، ولا يرث الجاني وهذا هو الأصحّ عند الشّافعيّة ، فقد قالوا : الغرّة على عاقلة الجاني ولو الحامل نفسها ؛ لأنّ الجناية على الجنين لا عمد فيها حتّى يقصد بالجناية ، بل يجري فيها الخطأ وشبه العمد . سواء أكانت الجناية على أمّه خطأً أم عمداً أم شبه عمد . وللحنفيّة تفصيل : فلو ضرب الرّجل بطن امرأته ، فألقت جنيناً ميّتاً ، فعلى عاقلة الأب الغرّة ، ولا يرث فيها ، والمرأة إن أجهضت نفسها متعمّدةً دون إذن الزّوج ، فإنّ عاقلتها تضمن الغرّة ولا ترث فيها ، وأمّا إن أذن الزّوج ، أو لم تتعمّد ، فقيل . لا غرّة ؛ لعدم التّعدّي ، لأنّه هو الوارث والغرّة حقّه ، وقد أذن بإتلاف حقّه . والصّحيح أنّ الغرّة واجبة على عاقلتها أيضاً ؛ لأنّه بالنّظر إلى أنّ الغرّة حقّه لم يجب بضربه شيء ، ولكن لأنّ الآدميّ لا يملك أحد إهدار آدميّته وجبت على العاقلة ، فإن لم يكن لها عاقلة فقيل في مالها ، وفي ظاهر الرّواية : في بيت المال ، وقالوا : إنّ الزّوجة لو أمرت غيرها أن تجهضها ، ففعلت ، لا تضمن المأمورة ، إذا كان ذلك بإذن الزّوج . ويرى المالكيّة وجوب الغرّة في مال الجاني في العمد مطلقاً ، وكذا في الخطأ ، إلاّ أن يبلغ ثلث ديته فأكثر فعلى عاقلته ، كما لو ضرب مجوسيّ حرّةً حبلى ، فألقت جنيناً ، فإنّ الغرّة الواجبة هنا أكثر من ثلث دية الجاني . ويوافقهم الشّافعيّة في قول غير صحيح عندهم فيما إذا كانت الجناية عمداً ، إذ قالوا : وقيل : إن تعمّد الجناية فعليه الغرّة لا على عاقلته ، بناءً على تصوّر العمد فيه والأصحّ عدم تصوّره لتوقّفه على علم وجوده وحياته . أمّا الحنابلة فقد جعلوا الغرّة على العاقلة إذا مات الجنين مع أمّه وكانت الجناية عليها خطأً أو شبه عمد . أمّا إذا كان القتل عمداً ، أو مات الجنين وحده ، فتكون في مال الجاني ، وما تحمله العاقلة يجب مؤجّلاً في ثلاث سنين ، وقيل : من لزمته الكفّارة ففي ماله مطلقاً على الصّحيح من المذهب ، وقيل ما حمله بيت المال من خطأ الإمام والحاكم ففي بيت المال . والتّفصيل في مصطلحات ( عاقلة . غرّة . جنين . دية . كفّارة ) .

الآثار التّبعيّة للإجهاض :

16 - بالإجهاض ينفصل الجنين عن أمّه ميّتاً ، ويسمّى سقطاً . والسّقط هو الولد تضعه المرأة ميّتاً أو لغير تمام أشهره ولم يستهلّ . وقد تكلّم الفقهاء عن حكم تسميته وتغسيله وتكفينه والصّلاة عليه ودفنه . وموضع بيان ذلك وتفصيله مصطلح سقط . أثر الإجهاض في الطّهارة والعدّة والطّلاق :

17 - لا خلاف في أنّ الإجهاض بعد تمام الخلق تترتّب عليه الأحكام الّتي تترتّب على الولادة . من حيث الطّهارة ، وانقضاء العدّة ، ووقوع الطّلاق المعلّق على الولادة ، لتيقّن براءة الرّحم بذلك ، ولا خلاف في أنّ الإجهاض لا أثر له فيما يتوقّف فيه استحقاق الجنين على تحقّق الحياة وانفصاله عن أمّه حيّاً كالإرث والوصيّة والوقف . أمّا الإجهاض في مراحل الحمل الأولى قبل نفخ الرّوح ففيه الاتّجاهات الفقهيّة الآتية : فبالنّسبة لاعتبار أمّه نفساء ، وما يتطلّبه ذلك من تطهّر ، يرى المالكيّة في المعتمد عندهم ، والشّافعيّة ، اعتبارها نفساء ، ولو بإلقاء مضغة هي أصل آدميّ ، أو بإلقاء علقة . ويرى الحنفيّة والحنابلة أنّه إذا لم يظهر شيء من خلقه فإنّ المرأة لا تصير به نفساء . ويرى أبو يوسف ومحمّد في رواية عنه أنّه لا غسل عليها ، لكن يجب عليها الوضوء ، وهو الصّحيح . وبالنّسبة لانقضاء العدّة ووقوع الطّلاق المعلّق على الولادة فإنّ الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة يرون أنّ العلقة والمضغة الّتي ليس فيها أيّ صورة آدميّ لا تنقضي بها العدّة ، ولا يقع الطّلاق المعلّق على الولادة ؛ لأنّه لم يثبت أنّه ولد بالمشاهدة ولا بالبيّنة . أمّا المضغة المخلّقة والّتي بها صورة آدميّ ولو خفيّةً ، وشهدت الثّقات القوابل بأنّها لو بقيت لتصوّرت ، فإنّها تنقضي بها العدّة ويقع الطّلاق ؛ لأنّه علم به براءة الرّحم عند الحنفيّة والحنابلة . لكن الشّافعيّة لا يوقعون الطّلاق المعلّق على الولادة ؛ لأنّه لا يسمّى ولادةً ، أمّا المالكيّة فإنّهم ينصّون على أنّ العدّة تنقضي بانفصال الحمل كلّه ولو علقةً .

إجهاض جنين البهيمة :

18 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة ، وهو الصّحيح عند الحنابلة ، إلى أنّه يجب في جنين البهيمة إذا ألقته بجناية ميّتاً ما نقصت الأمّ ، أي حكومة عدل ، وهو أرش ما نقص من قيمتها . وإذا نزل حيّاً ثمّ مات من أثر الجناية فقيمته مع الحكومة ، وفي المسائل الملقوطة الّتي انفرد بها مالك أنّ عليه عشر قيمة أمّه ، وهو ما قال به أبو بكر من الحنابلة . ولم نقف للشّافعيّة على كلام في هذا أكثر من قولهم : لو صالت البهيمة وهي حامل على إنسان ، فدفعها ، فسقط جنينها ، فلا ضمان . وهذا يفيد أنّ الدّفع لو كان عدواناً لزمه الضّمان .

أجير

التّعريف

1 - الأجير هو المستأجر ، والجمع أجراء . ولا يخرج استعمال الفقهاء له عن هذا المعنى ، وهو على قسمين : أجير خاصّ : وهو الّذي يقع العقد عليه في مدّة معلومة يستحقّ المستأجر منفعته المعقود عليها في تلك المدّة ، ويسمّى بالأجير الوحد ؛ لأنّه لا يعمل لغير مستأجره ، كمن استؤجر شهراً للخدمة . وأجير مشترك : وهو من يعمل لعامّة النّاس كالنّجّار والطّبيب .

( الحكم الإجماليّ )

2 - استئجار الآدميّ جائز شرعاً لقول اللّه تعالى : { قال إنّي أريد أن أنكحك إحدى ابنتيّ هاتين على أن تأجرني ثماني حجج } وقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « أعطوا الأجير أجره قبل أن يجفّ عرقه » . ومتى كان الأجير جائز التّصرّف ، مستوفياً لشروط العقد من سلامة الأسباب والآلات ، قادراً على تسليم المنفعة المطلوبة منه حسّاً وشرعاً ، ولم يكن فيما يستأجر عليه معصية ، فإنّه يجب عليه الوفاء بما تمّ العقد عليه . فإن كان أجيراً خاصّاً وجب عليه تسليم نفسه لمستأجره ، وتمكينه من استيفاء منفعته المعقود عليها في هذه المدّة ، وامتناعه من العمل لغير مستأجره فيها ، إلاّ أداء الصّلاة المفروضة باتّفاق ، والسّنن على خلاف ، وإذا سلّم نفسه في المدّة فإنّه يستحقّ الأجرة المسمّاة ، وإن لم يعمل شيئاً ، وإن كان أجيراً مشتركاً وجب عليه الوفاء بالعمل المطلوب منه والتّسليم للمستأجر ، ويستحقّ الأجرة بالوفاء بذلك . وما مرّ محلّ اتّفاق بين الفقهاء .

( مواطن البحث )

3 - هذا ، وللأجير أحكام كثيرة باعتباره أحد طرفي عقد الإجارة ، وباعتبار المنفعة المطلوبة منه ، وبيان مدّتها ، أو نوعها ومحلّها ، والأجرة وتعجيلها ، أو تأجيلها ، ومن ناحية خياره وعدمه ، ومتى تنفسخ معه الإجارة ومتى لا تنفسخ ، وغير ذلك . وينظر في مصطلح ( إجارة ) .

إحالة

انظر : حوالة .

أحباس

انظر : وقف .

إحبال

انظر : حمل

احتباء

التّعريف

1 - الاحتباء في اللّغة القعود على مقعدته وضمّ فخذيه إلى بطنه واشتمالهما مع ظهره بثوب أو نحوه ، أو باليدين . وهو عند الفقهاء كذلك . الفرق بين الاحتباء والإقعاء :

2 - الإقعاء وضع الأليتين واليدين على الأرض مع نصب الرّكبتين وعلى هذا يكون الفرق بينهما أنّه يرافق الاحتباء ضمّ الفخذين إلى البطن ، والرّكبتين إلى الصّدر ، والتزامهما باليدين أو بثوب بينما لا يكون في الإقعاء ذلك الالتزام . الحكم العامّ ومواطن البحث :

3 - الاحتباء خارج الصّلاة مباح إن لم يرافقه محظور شرعيّ آخر ككشف العورة مثلاً . والأولى تركه وقت الخطبة وعند انتظار الصّلاة ؛ لأنّه يكون متهيّئاً للنّوم والوقوع وانتقاض الوضوء . هو مكروه في الصّلاة لما ورد من النّهي عنه ، وما فيه من مخالفة الوضع المسنون في الصّلاة .

4 - وقد فصّل الفقهاء حكم الاحتباء في كتاب الصّلاة ، عند كلامهم على مكروهات الصّلاة .

احتباس

التّعريف

1 - الحبس والاحتباس ، ضدّ التّخلية ، أو هو المنع من حرّيّة السّعي ، ولكن الاحتباس - كما يقول أهل اللّغة - يختصّ بما يحبسه الإنسان لنفسه ، قال في لسان العرب : احتبست الشّيء إذا اختصصته لنفسك خاصّةً . وكما أنّه يأتي متعدّياً فإنّه يأتي لازماً ، مثل ما في الحديث : « احتبس جبريل عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم » وقولهم : احتبس المطر أو اللّسان .

( الألفاظ ذات الصّلة )

أ - الحبس :

2 - الفرق بين الحبس والاحتباس ، أنّ الحبس لا يأتي إلاّ متعدّياً ، وليس كذلك الاحتباس فإنّه يأتي متعدّياً ولازماً .

ب - الحجر :

3 - والفرق بين الاحتباس والحجر ، أنّ الحجر منع شخص من التّصرّف في ماله رعايةً لمصلحته . وبذلك يكون الفرق بينهما أنّ الاحتباس هو منع لصالح المحتبس ( بكسر الباء ) ، والحجر منع لصالح المحجور عليه .

ج - الحصر :

4 - والفرق بين الاحتباس والحصر ، أنّ الحصر هو الحبس مع التّضييق ، والتّضييق لا يرد إلاّ على ذي روح ، والاحتباس يرد على ذي الرّوح وغيره ، كما لا يلزم أن يكون في الاحتباس تضييق .

د - الاعتقال :

5 - والفرق بين الاحتباس والاعتقال : أنّ الاعتقال هو الحبس عن حاجته ، أو هو الحبس عن أداء ما هو من وظيفته ، ومن هنا يقولون : اعتقل لسانه إذا حبس ومنع عن الكلام . وليس كذلك الاحتباس ، إذ لا يقصد منه المنع من أداء الوظيفة .

( الحكم الإجماليّ ومواطن البحث )

6 - يجوز الاحتباس في حالتين :

الحالة الأولى : عندما يكون حقّ المحتبس في المحبوس هو الغالب ، كحبس المرهون بالدّين - كما ذكر ذلك الفقهاء في كتاب الرّهن ، وحبس الأجير المشترك العين الّتي له فيها أثر حتّى يتسلّم الأجرة ، واحتباس البائع ما في يده من البيع حتّى يسلّم المشتري ما في يده من الثّمن إلاّ بشرط مخالف .

الحالة الثّانية : عندما تتطلّب المصلحة هذا الاحتباس ، كاحتباس المال عن مالكه السّفيه ، كما ذكر ذلك الفقهاء في كتاب الحجر ، واحتباس ما غنمه أهل العدل من أموال البغاة حتّى يتوبوا ، كما ذكر ذلك الفقهاء في كتاب البغاة ، واحتباس الأرض المفتوحة عنوةً للمسلمين ، وعدم توزيعها بين المحاربين ، ونحو ذلك .

7 - ويمتنع الاحتباس في أحوال :

الحال الأولى : عندما يكون حقّ الغير هو الغالب ، كحقّ المرتهن في العين المرهونة ففي هذه الحال يمتنع على المالك ( الرّاهن ) حقّه الأصليّ في الاحتباس .

الحال الثّانية : حالة الضّرورة ، كاحتباس الضّروريّات لإغلاء السّعر على النّاس ، وتفصيل الكلام على ذلك موطنه مصطلح « احتكار » . الحال الثّالثة : حال الحاجة ، ولذلك كره حبس الأشياء المعتاد إعارتها عن الغير إن احتاج إليه ذلك الغير .

من آثار الاحتباس :

8 - من احتبس إنساناً أو حيواناً وجبت عليه مؤنته ، ولذلك وجبت النّفقة للزّوجة ، والقاضي ، والمغصوب ، والحيوان المحتبس ، ووجبت الأجرة للأجير الخاصّ بمجرّد الاحتباس ، ونحو ذلك . وتكره الصّلاة مع احتباس الرّيح أو الغائط - مدافعة الأخبثين - وقد ذكر ذلك الفقهاء في كتاب الصّلاة عند كلامهم على مكروهات الصّلاة ، وتسنّ صلاة الاستسقاء عند احتباس المطر ، وتفصيل ذلك في كتاب الصّلاة ، فصل صلاة الاستسقاء من كتب الفقه . ويعامل محتبس الكلام - أي من اعتقل لسانه - معاملة الأخرس إذا طال احتباس الكلام عنه كما سنفصّل ذلك في كلمة « أخرس » .

احتجام

التّعريف

1 - ( الاحتجام طلب الحجامة ) . والحجم في لغة : المصّ ، يقال : حجم الصّبيّ ثدي أمّه ، أي ، مصّه ، ومن هنا سمّي الحجام بذلك ، لأنّه يمصّ الجرح ، وفعل المصّ واحترافه يسمّى الحجامة ، ولا يخرج استعمال الفقهاء لهذه الكلمة عن هذا المعنى . والفرق بين الحجامة والفصد : أنّ الفصد هو شقّ العرق لإخراج الدّم منه فهو غير الاحتجام .

( الحكم الإجماليّ )

2 - الاحتجام مباح للتّطبيب ، ويكره في الوقت الّذي يحتاج فيه المسلم للقوّة والنّشاط لأداء عبادة ونحوها ، لما يورثه من ضعف في البدن ، وكذلك للصّائم . كما نصّ الفقهاء على ذلك في كتاب الصّوم ، عند كلامهم على مكروهات الصّيام . وذهب الحنابلة إلى فساد الصّيام بالحجامة ، وقد ذكروا ذلك في كتاب الصّوم عند كلامهم على ما يفسد الصّوم ولا يوجب الكفّارة .

3 - والحجامة حرفة دنيئة لمخالطة محترفها النّجاسة ، ويترتّب عليها من الآثار ما يترتّب على الحرف الدّنيئة . وتفصيل ذلك في مصطلح احتراف " ويذكره الفقهاء في الكفاءة من باب النّكاح ، وفي باب الإجارة .

4 - الحجامة تطبيب ، فيترتّب عليها ما يترتّب على التّطبيب من آثار : كجواز نظر الحاجم إلى عورة المحجوم عند الضّرورة . وذكر الحنفيّة ذلك في كتاب الحظر والإباحة في باب النّظر ، ويذكره غيرهم غالباً في كتاب النّكاح استطراداً أو في كتاب الصّلاة عند كلامهم على ستر العورة ، وكضمان ما تلف بفعل الحجّام ، ذكر ذلك جمهور الفقهاء في كتاب الجنايات . وذكره المالكيّة في الإجارة ، وذكره ابن قدامة من الحنابلة في التّعزير .

5 - ودم الحجامة نجس كغيره ، ولكن يجزئ المسح في تطهير مكان الجرح منه للضّرورة ، ويجب أن ينزّه المسجد عن الحجامة فيه .

احتراف

التّعريف

1 - الاحتراف في اللّغة : الاكتساب ، أو طلب حرفة للكسب . والحرفة كلّ ما اشتغل به الإنسان واشتهر به ، فيقولون حرفة فلان كذا ، يريدون دأبه وديدنه . وهي بهذا ترادف كلمتي صنعة ، وعمل . أمّا الامتهان فإنّه لا فرق بينه وبين احتراف ؛ لأنّ معنى المهنة يرادف معنى الحرفة ، وكلّ منهما يراد به حذق العمل . ويوافق الفقهاء اللّغويّين في هذا ، فيطلقون الاحتراف على مزاولة الحرفة وعلى الاكتساب نفسه .

( الألفاظ ذات الصّلة ) : أ - الصّناعة :

2 - الاحتراف يفترق عن " الصّناعة " لأنّها عند أهل اللّغة ترتيب العمل على ما تقدّم علم به ، وبما يوصّل إلى المراد منه ، ولذا قيل للنّجّار صانع ولا يقال للتّاجر صانع . فلا يشترطون في الصّناعة أن يجعلها الشّخص دأبه وديدنه ، ويخصّ الفقهاء ، كلمة " صناعة " بالحرف الّتي تستعمل فيها الآلة ، فقالوا : الصّناعة ما كان بآلة .

ب - العمل .

3 - يفترق الاحتراف عن العمل ، بأنّ العمل يطلق على الفعل سواء حذقه الإنسان أو لم يحذقه ، اتّخذه ديدناً له أو لم يتّخذه ، ولذلك قالوا : العمل المهنة والفعل . وغالب استعمال الفقهاء إطلاق العمل على ما هو أعمّ من الاحتراف والصّنعة ، كما أنّ الاحتراف أعمّ من الصّنعة .

ج - الاكتساب أو الكسب :

4 - يفترق معنى الاحتراف عن معنى الاكتساب أو الكسب ، بأنّ كلّاً منهما أعمّ من الاحتراف ، لأنّهما عند أهل اللّغة ما يتحرّاه الإنسان ممّا فيه اجتلاب نفع وتحصيل حظّ ، فلا يشترط فيه أن يجعله الشّخص دأبه وديدنه كما هو الحال في الاحتراف ، ويطلق الفقهاء الاكتساب أو الكسب على تحصيل المال بما حلّ أو حرم من الأسباب سواء أكان باحتراف أو بغير احتراف ، كما يطلقون الكسب على الحاصل بالاكتساب . الحكم التّكليفيّ إجمالاً :

5 - الاحتراف فرض كفاية على العموم لاحتياج النّاس إليه وعدم استغنائهم عنه . وسيأتي تفصيل ذلك فيما بعد إن شاء اللّه .

تصنيف الحرف :

6 - تصنّف الحرف إلى صنفين : الصّنف الأوّل : حرف شريفة ، والصّنف الثّاني حرف دنيئة . والأصل في هذا التّصنيف ما رواه عمر بن الخطّاب ، قال : « سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول : إنّي وهبت لخالتي غلاماً ، وأنا أرجو أن يبارك لها فيه . فقلت لها : لا تسلّميه حجّاماً ، ولا صائغاً ، ولا قصّاباً » . قال ابن الأثير : الصّائغ ربّما كان من صنعه شيء للرّجال وهو حرام ، أو كان من آنية وهي حرام ، أمّا القصّاب فلأجل النّجاسة الغالبة على ثوبه وبدنه مع تعذّر الاحتراز . وروي أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : « العرب أكفاء بعضهم لبعض إلاّ حائكاً أو حجّاماً » . قيل للإمام أحمد : وكيف تأخذ بهذا الحديث وأنت تضعّفه ؟ قال : العمل عليه .

تفاوت الحرف الشّريفة فيما بينها :

7 - فاضل الفقهاء بين الحرف الشّريفة لاعتبارات ذكروها ، فاتّفقوا على أنّ أشرف الحرف العلم وما آل إليه ، كالقضاء والحكم ونحو ذلك ، ولذلك نصّ الحنفيّة على أنّ المدرّس كفء لبنت الأمير . وذكر ابن مفلح إجماع العلماء على أنّ أشرف الكسب الغنائم إذا سلم من الغلول . ثمّ اختلفوا فيما يتلوه في الفضل . هذا وإنّ للفقهاء في كتبهم كلاماً في المفاضلة بين الحرف الشّريفة ، من علم أو تجارة أو صناعة أو زراعة . . إلخ ولهم في اتّجاهاتهم المختلفة فيما هو أشرف استدلال بأحاديث ووجوه من المعقول ظنّيّة الورود أو الدّلالة ، ولعلّ في آرائهم تلك مراعاةً لبعض الأعراف والملابسات الّتي كانت سائدةً في زمانهم ، ونجتزئ بهذه الإشارة عن إيراد الاتّجاهات المختلفة في هذه المسألة .

الحرف الدّنيئة :

8 - لقد حرص الفقهاء على تحديد الحرف الدّنيئة ليبقى ما وراءها من الحرف شريفاً . فقالوا : الحرف الدّنيئة هي كلّ حرفة دلّت ملابستها على انحطاط المروءة وسقوط النّفس . وقد اتّفق الفقهاء على اعتبارهم الحرف المحرّمة ، كاحتراف الزّنا وبيع الخمر ونحو ذلك ، حرفاً دنيئةً كما سيأتي ، وقد سلك الفقهاء في تحديد الحرف الدّنيئة - فيما عدا المحرّمة منها - مسلكين : الأوّل : تحديدها بالضّابط ، ومنه ما نصّ عليه الشّافعيّة من أنّ كلّ حرفة فيها مباشرة نجاسة هي حرفة دنيئة . الثّاني : تحديدها بالعرف ، وهو مسلك جمهور الفقهاء ، ومنهم الشّافعيّة أيضاً ، واجتهدوا استناداً إلى الأعراف السّائدة في عصورهم في تحديد الحرف الدّنيئة . هذا ، وإنّ ما جاء في بعض الكتب الفقهيّة من وصف بعض أنواع من الحرف بالدّناءة - تبعاً لأوضاع زمنيّة - فإنّ القائلين بذلك صرّحوا بأنّه تزول كراهة الاحتراف بحرفة دنيئة إذا كان احترافها للقيام بفرض الكفاية ، إذ ينبغي أن يكون في كلّ بلد جميع الصّنائع المحتاج إليها .

التّحوّل من حرفة إلى حرفة :

9 - قال ابن مفلح في الآداب الشّرعيّة : قال القاضي أبو يعلى : يستحبّ إذا وجد الخير في نوع من التّجارة أن يلزمه ، وإن قصد إلى جهة من التّجارة فلم يقسم له فيها رزقه ، عدل إلى غيره ، لما روى ابن أبي الدّنيا عن موسى بن عقبة مرفوعاً : « إذا رزق أحدكم في الوجه من التّجارة فليلزمه . » وروى ابن أبي شيبة عن عمر بن الخطّاب قال : من اتّجر في شيء ثلاث مرّات ، فلم يصب فيه فليتحوّل إلى غيره . وقال عبد اللّه بن عمر : من اتّجر في شيء ثلاث مرّات فلم يصب فيه ، فليتحوّل إلى غيره . ولكن هل لهذا التّحوّل أثر في الكفاءة بين الزّوجين في الحرفة ؟ ( ر : كفاءة . نكاح )

الحكم التّكليفيّ للاحتراف تفصيلاً

10 - أ - يندب للمرء أن يختار حرفةً لكسب رزقه ، قال عمر بن الخطّاب : إنّي لأرى الرّجل فيعجبني ، فأقول : له حرفة ؟ فإن قالوا : لا ، سقط من عيني .

ب - ويجب - على الكفاية - أن يتوفّر في بلاد المسلمين أصول الحرف جميعها ، احتيج إليها أو لا . قال ابن تيميّة : قال غير واحد من أصحاب الشّافعيّ وأحمد وغيرهم كالغزاليّ ، وابن الجوزيّ ، وغيرهم : إنّ هذه الصّناعات فرض على الكفاية ، فإنّه لا تتمّ مصلحة النّاس إلاّ بها . وقد اختار ابن تيميّة أنّ احتراف بعض الحرف يصبح فرض كفاية إذا احتاج المسلمون إليها ، فإن استغنوا عنها بما يجلبونه أو يجلب إليهم فقد سقط وجوب احترافها . فإذا امتنع المحترفون عن القيام بهذا الفرض أجبرهم الإمام عليه بعوض المثل . قال ابن تيميّة : إنّ هذه الأعمال الّتي هي فرض على الكفاية متى لم يقم بها إلاّ إنسان بعينه صارت فرض عين عليه ، إن كان غيره عاجزاً عنها ، فإذا كان النّاس محتاجين إلى فلاحة قوم أو نساجتهم أو بنائهم صار هذا العمل واجباً يجبرهم وليّ الأمر عليه إذا امتنعوا عنه بعوض المثل ، ولا يمكّنهم من مطالبة النّاس بزيادة عن عوض المثل .

11 - ج - ولمّا كان إقامة الصّناعات فرض كفاية كان توفير المحترفين الّذين يعملون في هذه الصّناعات فرضاً ، لأنّ ما لا يتمّ الواجب إلاّ به فهو واجب ، وهو ما ذهب إليه الشّافعيّة ، قال القليوبيّ في حاشيته ما مفاده : يجب أن يسلّم الوليّ الصّغير لذي حرفة يتعلّم منه الحرفة . ورغم أنّ الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة لم ينصّوا على وجوب دفع الوليّ الصّغير إلى من يعلّمه الحرفة إلاّ أنّ كلامهم يقتضي ذلك .


اكتب معهد الماهر
أعلى