الحاقن وخوف فوت الجماعة أو الجمعة :
8 - ذهب الحنفيّة إلى أنّه إن خاف فوت الجماعة أو الجمعة صلّى وهو حاقن ، وذهب الشّافعيّة إلى أنّ الأولى ترك الجماعة وإزالة العارض ، وذهب الحنابلة إلى أنّه يعتبر عذراً مبيحاً لترك الجماعة والجمعة ، لعموم لفظ الحديث ، وهو عامّ في كلّ صلاة . أمّا رأي المالكيّة في حقن البول فقد سبق .
قضاء القاضي الحاقن :
9 - لا يعلم خلاف بين أهل العلم في أنّ القاضي لا ينبغي له أن يحكم ، وهو حاقن ، ولكنّهم اختلفوا في حكم قضائه ونفاذ حكمه على رأيين : فذهب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة ، وهو رأي للحنابلة ، وقول شريح وعمر بن عبد العزيز ، إلى أنّه يكره أن يقضي القاضي وهو حاقن ؛ لأنّ ذلك يمنع حضور القلب واستيفاء الفكر الّذي يتوصّل به إلى إصابة الحقّ في الغالب ، فهو في معنى الغضب المنصوص عليه في الحديث المتّفق عليه عن أبي بكرة أنّه قال . سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول : « لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان . . » . فإذا قضى وهو حاقن ينفذ قضاؤه قياساً على قضاء الغضبان عند الجمهور . وذهب الحنابلة في رأي ثان لهم ، حكاه القاضي أبو يعلى ، إلى أنّه لا يجوز قضاء القاضي وهو حاقن . فإذا حكم وهو على تلك الحالة لا ينفذ قضاؤه ؛ لأنّه منهيّ عنه في الحديث المتقدّم ، والنّهي يقتضي فساد المنهيّ عنه . وقيل عند الحنابلة : إنّما يمنع الغضب الحاكم إذا كان قبل أن يتّضح له الحكم في المسألة . فأمّا إن اتّضح له الحكم ثمّ عرض الغضب لا يمنعه ؛ لأنّ الحقّ قد استبان قبل الغضب فلا يؤثّر الغضب فيه .
ثانياً - الاحتقان للتّداوي
10 - في نقض وضوء المحتقن في القبل أو الدّبر ثلاثة اتّجاهات : ذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى نقض الوضوء . وذكروا أنّه إذا أدخل رجل أو امرأة في القبل أو الدّبر شيئاً من حقنة أو نحوها ، ثمّ خرج ، انتقض الوضوء ، سواء اختلط به أذًى أم لا ، ولكنّهم اختلفوا في تعليل ذلك تبعاً لقواعدهم : فقال الحنفيّة : إنّ هذه الأشياء وإن كانت طاهرةً في نفسها لكنّها لا تخلو عن قليل النّجاسة يخرج معها ، والقليل من السّبيلين ناقض . وعلّل الشّافعيّة ذلك بقولهم : إنّ الدّاخل إذا خرج يعتبر خروجاً من السّبيلين ، فينتقض الوضوء ، سواء اختلط به أم لا ، وسواء أخرج كلّه أو قطعة منه ؛ ؛ لأنّه خارج من السّبيل وذهب المالكيّة : إلى أنّه لا ينقض الوضوء وذكروا أنّ إدخال الحقنة في الدّبر لا ينقض الوضوء مع احتمال أن يصحبها نجاسة عند خروجها ؛ وعلّلوا ذلك بقولهم : إنّه خارج غير معتاد فلا ينقض الوضوء ، مثل الدّود والحصى ولو صاحبه بلل . وذهب الحنابلة إلى التّفصيل : فاتّفقوا على أنّه إذا كان الدّاخل حقنةً أو قطناً أو غيره ، فإن خرج وعليه بلل نقض الوضوء . ؛ لأنّ البلل لو خرج منفرداً لنقض ؛ ؛ لأنّه خارج من السّبيلين ، فأشبه سائر ما يخرج منهما ، وإن خرج الدّاخل وليس عليه بلل ظاهر ففيه وجهان : الأوّل : ينقض الوضوء ؛ لأنّه خارج من السّبيلين ، فأشبه سائر ما يخرج منهما . والثّاني : لا ينقض ؛ لأنّه ليس بين المثانة والجوف منفذ فلا يكون خارجاً من الجوف .
احتقان الصّائم :
11 - احتقان الصّائم إمّا أن يكون في دبر أو في قبل أو في جراحة جائفة ( أي الّتي تصل إلى الجوف ) الاحتقان في الدّبر : في المسألة رأيان :
12 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة في المشهور ، وهو المذهب عند كلّ من الشّافعيّة والحنابلة ، إلى أنّ الاحتقان في الدّبر يفطر الصّائم ، وعليه القضاء ، لقول عائشة رضي الله عنها : « دخل عليّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال يا عائشة هل من كسرة ؟ فأتيته بقرص ، فوضعه في فيه ، فقال : يا عائشة هل دخل بطني منه شيء ؟ كذلك قبلة الصّائم ، إنّما الإفطار ممّا دخل وليس ممّا خرج » . وعن ابن عبّاس وعكرمة : الفطر ممّا دخل وليس ممّا خرج . ولأنّ هذا شيء وصل إلى جوفه باختياره ، فأشبه الأكل ، ولوجود معنى الفطر وهو وصول ما فيه صلاح البدن . غير أنّ المالكيّة اشترطوا أن يكون الدّاخل مائعاً . ولم يشترط ذلك غيرهم ، وذهب المالكيّة في غير المشهور عندهم ، وهو رأي القاضي حسين من الشّافعيّة - وصف بأنّه شاذّ - وهو اختيار ابن تيميّة ، إلى أنّه إذا احتقن الصّائم في الدّبر لا يفطر ، وليس عليه قضاء . وعلّلوا ذلك بأنّ الصّيام من دين المسلمين الّذي يحتاج إلى معرفته الخاصّ والعامّ ، فلو كانت هذه الأمور ممّا حرّمها اللّه سبحانه لكان واجباً على الرّسول صلى الله عليه وسلم بيانه ، ولو ذكر ذلك لعلمه الصّحابة ، وبلّغوه الأمّة ، كما بلّغوا سائر شرعه ، فلمّا لم ينقل أحد من أهل العلم عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم في ذلك حديثاً صحيحاً ولا ضعيفاً ولا مسنداً ولا مرسلاً علم أنّه لم يذكر شيئاً من ذلك .
( الاحتقان في القبل ) :
13 - الاحتقان في القبل إذا لم يصل إلى المثانة فلا شيء فيه ، ولا يؤدّي إلى فطر عند الجمهور . وذهب الشّافعيّة في أصحّ الوجوه عندهم إلى أنّه يفطر ، وفي وجه لهم : إن جاوز الحشفة أفطر وإلاّ فلا . أمّا إذا وصل المثانة فإنّ حكم الاحتقان بالنّسبة لقبل المرأة يأخذ حكم الاحتقان في الدّبر . وأمّا الاحتقان ؛ في قبل الرّجل ( الإحليل ) فإن وصل إلى المثانة ففيه رأيان : ذهب أبو حنيفة ومحمّد والمالكيّة ، وهو المذهب عند الحنابلة ورأي للشّافعيّة ، إلى أنّه لا يفطر وليس عليه شيء . وعلّلوا ذلك بأنّه لم يرد فيه نصّ ، ومن قاسه على غيره جانب الحقّ ؛ لأنّ هذا لا ينفذ إلى الجوف ولا يؤدّي إلى التّغذية الممنوعة . وذهب أبو يوسف والشّافعيّة في الأصحّ عندهم ، وهو قول للحنابلة ، إلى أنّه إذا قطّر في إحليله فسد صومه ؛ لأنّ هذا شيء وصل إلى جوفه باختياره فأشبه الأكل . الاحتقان في الجائفة :
14 - ذهب الحنفيّة والشّافعيّة وهو المذهب عند الحنابلة إلى أنّه إذا تداوى بما يصل إلى جوفه فسد صومه ؛ ؛ لأنّه يصل إلى الجوف ؛ ولأنّ غير المعتاد كالمعتاد ، ولأنّه أبلغ وأولى ، والنّبيّ صلى الله عليه وسلم وسلّم « أمر بالإثمد عند النّوم ، وقال ليتّقه الصّائم » ولأنّه وصل إلى جوفه باختياره ، فأشبه الأكل ، ولقوله صلى الله عليه وسلم : « الفطر ممّا دخل » . وذهب المالكيّة ، وهو رأي لكلّ من الشّافعيّة والحنابلة ، إلى أنّه لا يفسد الصّوم ، وعلّل ابن تيميّة ذلك بما سبق في الاحتقان مطلقاً .
الاحتقان بالمحرّم :
15 - أجاز العلماء استعمال الحقنة في الدّواء من مرض أو هزال بطاهر ، ولم يجز الحنفيّة استعمال الحقنة للتّقوّي على الجماع أو السّمن . أمّا بالنّسبة للاحتقان بالمحرّم فقد منعه العلماء من غير ضرورة لعموم النّهي عن المحرّم . أمّا إذا كان الاحتقان لضرورة ، ومتعيّناً ، فقد أجاز الحنفيّة والشّافعيّة الاحتقان لضرورة إذا كانت الضّرورة يخشى معها على نفسه ، وأخبره طبيب مسلم حاذق أنّ شفاءه يتعيّن التّداوي بالمحرّم ، على أن يستعمل قدر حاجته . وقالوا : إنّ حديث رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : « إنّ اللّه لم يجعل شفاءكم فيما حرّم عليكم » نفى الحرمة عند العلم بالشّفاء ، فصار معنى الحديث : إنّ اللّه تعالى أذن لكم بالتّداوي ، وجعل لكلّ داء دواءً ، فإذا كان في ذلك الدّواء شيء محرّم وعلمتم أنّ فيه الشّفاء فقد زالت حرمة استعماله ؛ لأنّ اللّه تعالى لم يجعل شفاءكم فيما حرّم عليكم . وأيّد هذا ابن حزم . أمّا إذا كان التّداوي بالمحرّم لتعجيل الشّفاء ففي المسألة رأيان للحنفيّة والشّافعيّة . فبعضهم منعه لعدم الضّرورة في ذلك ما دام هناك ما يحلّ محلّه . وبعضهم أجازه إذا أشار بذلك طبيب مسلم حاذق . ويرى المالكيّة وهو رأي للحنابلة : أنّه لا يجوز الطّلاء ولا الاحتقان والتّداوي بالخمر والنّجس ، ولو أدّى ذلك إلى الهلاك لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « إنّ اللّه لم يجعل شفاء أمّتي فيما حرّم عليها » ؛ ولأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم ذكر له النّبيذ يصنع للدّواء فقال : « إنّه ليس بدواء ولكنّه داء » .
حقن الصّغير باللّبن وأثره في تحريم النّكاح
16 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة في المرجوح عندهم ، وهو رأي لكلّ من الشّافعيّة والحنابلة واللّيث بن سعد ، إلى أنّه إذا حقن الصّغير في الشّرج باللّبن فلا يترتّب عليه حرمة النّكاح . وعلّلوا ذلك بأنّ الرّسول صلى الله عليه وسلم حرّم بالرّضاعة الّتي تقابل المجاعة ، ولم يحرّم بغيرها شيئاً ، فلا يقع تحريم ما لم تقابل به المجاعة ؛ ولأنّه لا ينبت اللّحم ، ولا ينشز العظم ، ولا يكتفي به الصّبيّ . وفي رأي لكلّ من الشّافعيّة والحنابلة يثبت التّحريم . وعلّلوا ذلك بأنّ ما في الحقنة يصل إلى الجوف فيكون غذاءً . وذهب المالكيّة إلى أنّه إذا كان حقن الصّغير باللّبن في مدّة الرّضاع للغذاء وقبل أن يستغني ، فالرّاجح ترتّب التّحريم .
نظر الحاقن إلى العورة :
17 - منع العلماء النّظر إلى العورة إلاّ في حالات الضّرورة الّتي تختلف باختلاف الأحوال . وعدّوا من هذه الضّرورة الاحتقان . فإذا انتفت الضّرورة حرم النّظر إلى العورة . وللتّفصيل : ( ر : تطبيب . ضرورة . عورة )
احتكار
التّعريف
1 - الاحتكار لغةً : حبس الطّعام إرادة الغلاء ، والاسم منه : الحكرة . أمّا في الشّرع فقد عرّفه الحنفيّة بأنّه : اشتراء طعام ونحوه وحبسه إلى الغلاء . وعرّفه المالكيّة بأنّه رصد الأسواق انتظاراً لارتفاع الأثمان ، وعرّفه الشّافعيّة بأنّه اشتراء القوت وقت الغلاء ، وإمساكه وبيعه بأكثر من ثمنه للتّضييق . وعرّفه الحنابلة . بأنّه اشتراء القوت وحبسه انتظاراً للغلاء . الألفاظ ذات الصّلة :
2 - الادّخار : ادّخار الشّيء تخبئته لوقت الحاجة . وعلى هذا فيفترق الادّخار عن الاحتكار في أنّ الاحتكار لا يكون إلاّ فيما يضرّ بالنّاس حبسه ، على التّفصيل السّابق ، أمّا الادّخار فإنّه يتحقّق فيما يضرّ وما لا يضرّ ، وفي الأموال النّقديّة وغيرها . كما أنّ الادّخار قد يكون مطلوباً في بعض صوره ، كادّخار الدّولة حاجيّات الشّعب . وتفصيل ذلك في مصطلح « ادّخار » . صفة الاحتكار ( حكمه التّكليفيّ ) :
3 - يتّفق الفقهاء على أنّ الاحتكار بالقيود الّتي اعتبرها كلّ منهم محظور ، لما فيه من الإضرار بالنّاس ، والتّضييق عليهم . وقد اختلفت عبارات الفقهاء في التّعبير عن هذا الحظر . فجمهور الفقهاء صرّحوا بالحرمة ، مستدلّين بقوله تعالى { ومن يرد فيه بإلحاد بظلم } فقد فهم منها صاحب الاختيار أنّها أصل في إفادة التّحريم وقد ذكر القرطبيّ عند تفسير هذه الآية أنّ أبا داود روى عن يعلى بن أميّة أنّ الرّسول صلى الله عليه وسلم قال : « احتكار الطّعام في الحرم إلحاد فيه . » وهو قول عمر بن الخطّاب . واستدلّ الكاسانيّ على ذلك بحديث : « المحتكر ملعون » وحديث : « من احتكر طعاماً أربعين ليلةً فقد برئ من اللّه ، وبرئ اللّه منه . » ثمّ قال الكاسانيّ : ومثل هذا الوعيد لا يلحق إلاّ بارتكاب الحرام ، ولأنّه ظلم ؛ لأنّ ما يباع في المصر فقد تعلّق به حقّ العامّة ، فإذا امتنع المشتري عن بيعه عند شدّة حاجتهم إليه فقد منعهم حقّهم ، ومنع الحقّ عن المستحقّ ظلم وحرام ، يستوي في ذلك قليل المدّة وكثيرها ، لتحقّق الظّلم .
4 - كما اعتبره ابن حجر الهيتميّ من الكبائر . ويقول : إنّ كونه كبيرةً هو ظاهر الأحاديث ، من الوعيد الشّديد ، كاللّعنة وبراءة ذمّة اللّه ورسوله منه والضّرب بالجذام والإفلاس . وبعض هذه دليل على الكبيرة وممّا استدلّ به الحنابلة على التّحريم ما روى الأثرم عن أبي أمامة ، قال : « نهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن يحتكر الطّعام » ، وما روي بإسناده عن سعيد بن المسيّب أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال : « من احتكر فهو خاطئ » ، وما روي : أنّ عمر بن الخطّاب خرج مع أصحابه ، فرأى طعاماً كثيراً قد ألقي على باب مكّة ، فقال : ما هذا الطّعام ؟ فقالوا : جلب إلينا . فقال : بارك اللّه فيه وفيمن جلبه . فقيل له : فإنّه قد احتكر . قال : من احتكره ؟ قالوا : فلان مولى عثمان ، وفلان مولاك ، فاستدعاهما ، وقال : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول : « من احتكر على المسلمين طعامهم لم يمت حتّى يضربه اللّه بالجذام أو الإفلاس » .
5 - لكن أكثر الفقهاء الحنفيّة وبعض الشّافعيّة عبّروا عنه بالكراهة إذا كان يضرّ بالنّاس . وتصريح الحنفيّة بالكراهة على سبيل الإطلاق ينصرف إلى الكراهة التّحريميّة . وفاعل المكروه تحريماً عندهم يستحقّ العقاب ، كفاعل الحرام ، كما أنّ كتب الشّافعيّة الّتي روت عن بعض الأصحاب القول بالكراهة قد قالوا عنه : ليس بشيء .
الحكمة في تحريم الاحتكار :
6 - يتّفق الفقهاء على أنّ الحكمة في تحريم الاحتكار رفع الضّرر عن عامّة النّاس . ولذا فقد أجمع العلماء على أنّه لو احتكر إنسان شيئاً ، واضطرّ النّاس إليه ، ولم يجدوا غيره ، أجبر على بيعه - على ما سيأتي بيانه - دفعاً للضّرر عن النّاس ، وتعاوناً على حصول العيش . وهذا ما يستفاد ممّا نقل عن مالك من أنّ رفع الضّرر عن النّاس هو القصد من التّحريم ، إذ قال : إن كان ذلك لا يضرّ بالسّوق فلا بأس وهو ما يفيده كلام الجميع .
ما يجري فيه الاحتكار :
7 - هناك ثلاث اتّجاهات : الأوّل : ما ذهب إليه أبو حنيفة ومحمّد والشّافعيّة والحنابلة أنّه لا احتكار إلاّ في القوت خاصّةً . الاتّجاه الثّاني : أنّ الاحتكار يجري في كلّ ما يحتاجه النّاس ، ويتضرّرون من حبسه ، من قوت وإدام ولباس وغير ذلك . وهذا ما ذهب إليه المالكيّة وأبو يوسف من الحنفيّة . الاتّجاه الثّالث : أنّه لا احتكار إلاّ في القوت والثّياب خاصّةً . وهذا قول لمحمّد بن الحسن . واستدلّ الجمهور - أصحاب الاتّجاه الأوّل - بأنّ الأحاديث الواردة في هذا الباب بعضها عامّ ، كالحديث الّذي رواه مسلم وأبو داود عن سعيد بن المسيّب عن معمر بن عبد اللّه ، أنّه قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : « من احتكر فهو خاطئ » ، وفي رواية أخرى رواها مسلم وأحمد : « لا يحتكر إلاّ خاطئ » ، وحديث أحمد عن أبي هريرة ، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : « من احتكر حكرةً يريد أن يغلّي بها على المسلمين فهو خاطئ » . وزاد الحاكم : « وقد برئت منه ذمّة اللّه » . فهذه نصوص عامّة في كلّ محتكر . وقد وردت نصوص أخرى خاصّة ، منها حديث ابن ماجه بسنده : « من احتكر على المسلمين طعامهم ضربه اللّه بالجذام والإفلاس » . وما رواه أحمد والحاكم وابن أبي شيبة والبزّار وأبو يعلى بلفظ : « من احتكر الطّعام أربعين ليلةً فقد برئ من اللّه وبرئ اللّه منه » . وزاد الحاكم . « وأيّما أهل عرصة أصبح فيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمّة اللّه » . وإذا اجتمعت نصوص عامّة وأخرى خاصّة في مسألة واحدة حمل العامّ على الخاصّ والمطلق على المقيّد ، واستدلّ المالكيّة وأبو يوسف بالأحاديث العامّة ، وقالوا : إنّ ما ورد من النّصوص الخاصّة فهي من قبيل اللّقب ، واللّقب لا مفهوم له . وأمّا ما ذهب إليه محمّد بن الحسن في قوله الثّاني فإنّه حمل الثّياب على القوت باعتبار أنّ كلّاً منهما من الحاجات الضّروريّة .
ما يتحقّق به الاحتكار :
8 - يتحقّق الاحتكار في صور بعضها متّفق على تحريمه وهي ما إذا اجتمع فيه كون الشّيء المحتكر طعاماً وأن يحوزه بطريق الشّراء وأن يقصد الإغلاء على النّاس وأن يترتّب على ذلك الإضرار والتّضييق عليهم ، وهناك صور مختلف في تحريمها بحسب الشّروط .
شروط الاحتكار :
9 - يشترط في الاحتكار ما يأتي :
1 - أن يكون تملّكه للسّلعة بطريق الشّراء . وهذا ما ذهب إليه الجمهور ، وذهب بعض المالكيّة ، وهو منقول عن أبي يوسف من الحنفيّة ، إلى أنّ العبرة إنّما هي باحتباس السّلع بحيث يضرّ بالعامّة ، سواء أكان تملّكها بطريق الشّراء ، أو الجلب ، أو كان ادّخاراً لأكثر من حاجته ومن يعول . وعلى ما ذهب إليه الجمهور لا احتكار فيما جلب مطلقاً ، وهو ما كان من سوق غير سوق المدينة ، أو من السّوق الّذي اعتادت المدينة أن تجلب طعامها منه . ويرى كلّ من صاحب الاختيار وصاحب البدائع أنّه إذا كان من سوق اعتادت المدينة أن تجلب طعامها منه ، فاشتراه قاصداً حبسه ، يكون محتكراً ويتفرّع على اشتراط الشّراء لتحقّق الاحتكار أنّ حبس غلّة الأرض المزروعة لا يكون احتكاراً . وهذا هو رأي الجمهور . وهناك من علماء المالكيّة من اعتبر حبس هذه الغلّة من قبيل الاحتكار . ومن علماء الحنفيّة من يرى - أيضاً - أنّ هذا رأي لأبي يوسف . وقد نقل الرّهونيّ عن الباجيّ أنّ ابن رشد قال : « إذا وقعت الشّدّة أمر أهل الطّعام بإخراجه مطلقاً ، ولو كان جالباً له ، أو كان من زراعته » . والمعتمد ما أفاده ابن رشد .
2 - أن يكون الشّراء وقت الغلاء للتّجارة انتظاراً لزيادة الغلاء . وهذا ما ذهب إليه الشّافعيّة . فلو اشترى في وقت الرّخص ، وحبسه لوقت الغلاء ، فلا يكون احتكاراً عندهم .
3 - واشترط الحنفيّة أن يكون الحبس لمدّة ، ولم نقف لفقهاء المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة على كلام في هذا ، وإنّما الّذي تعرّض لذكر المدّة فقهاء الحنفيّة ، فيقول الحصكفيّ نقلاً عن الشرنبلالي عن الكافي : إنّ الاحتكار شرعاً اشتراء الطّعام ونحوه وحبسه إلى مدّة اختلفوا في تقديرها ، فمن قائل إنّها أربعون يوماً ، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد والحاكم بسنده : « من احتكر الطّعام أربعين ليلةً فقد برئ من اللّه وبرئ اللّه منه » . لكن حكى ابن أبي حاتم عن أبيه أنّه منكر . ومن قائل إنّها شهر ؛ لأنّ ما دونه قليل عاجل والشّهر وما فوقه كثير آجل . ويقع التّفاوت في المأثم بين أن يتربّص قلّة الصّنف ، وبين أن يتربّص القحط . وقيل إنّ هذه المدد للمعاقبة في الدّنيا . أمّا الإثم الأخرويّ فيتحقّق وإن قلّت المدّة . وقد أورد الحصكفيّ هذا الخلاف ، وأضاف إليه أنّ من الفقهاء من قال بأكثر من المدّتين . وقد نقل ذلك ابن عابدين في حاشيته .
4 - أن يكون المحتكر قاصداً الإغلاء على النّاس وإخراجه لهم وقت الغلاء .
احتكار العمل :
10 - تعرّض بعض الفقهاء لمثل هذا لا على أنّه من قبيل الاحتكار الاصطلاحيّ ، ولكن فيه معنى الاحتكار ، لما فيه من ضرر العامّة ، فقد نقل ابن القيّم أنّ غير واحد من العلماء ، كأبي حنيفة وأصحابه ، منعوا القسّامين - الّذين يقسمون العقار وغيره بالأجرة - أن يشتركوا ، فإنّهم إذا اشتركوا والنّاس يحتاجون إليهم أغلوا عليهم الأجرة . وكذلك ينبغي لوالي الحسبة أن يمنع مغسّلي الموتى والحمّالين لهم من الاشتراك ، لما في ذلك من إغلاء الأجرة عليهم ، وكذلك اشتراك كلّ طائفة يحتاج النّاس إلى منافعهم .
احتكار الصّنف :
11 - وقد صوّره ابن القيّم بقوله : أن يلزم النّاس ألاّ يبيع الطّعام أو غيره من الأصناف إلاّ ناس معروفون ، فلا تباع تلك السّلع إلاّ لهم ، ثمّ يبيعونها هم بما يريدون . فهذا من البغي في الأرض والفساد بلا تردّد في ذلك عند أحد من العلماء . ويجب التّسعير عليهم ، وأن يبيعوا ويشتروا بقيمة المثل منعاً للظّلم . وكذلك إيجار الحانوت على الطّريق أو في القرية بأجرة معيّنة ، على ألاّ يبيع أحد غيره ، نوع من أخذ أموال النّاس قهراً وأكلها بالباطل ، وهو حرام على المؤجّر والمستأجر .
العقوبة الدّنيويّة للمحتكر :
12 - اتّفق فقهاء المذاهب على أنّ الحاكم يأمر المحتكر بإخراج ما احتكر إلى السّوق وبيعه للنّاس . فإن لم يمتثل فهل يجبر على البيع ؟ في هذه المسألة تفصيل وخلاف بين الفقهاء : أوّلاً : إذا خيف الضّرر على العامّة أجبر ، بل أخذ منه ما احتكره ، وباعه ، وأعطاه المثل عند وجوده ، أو قيمته . وهذا قدر متّفق عليه بين الأئمّة ، ولا يعلم خلاف في ذلك . ثانياً : إذا لم يكن هناك خوف على العامّة فالمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ومحمّد بن الحسن من الحنفيّة يرون أنّ للحاكم جبره إذا لم يمتثل الأمر بالبيع . وأمّا أبو حنيفة وأبو يوسف فيريان أنّه لا يجبر على البيع ، وإنّما إذا امتنع عن البيع عزّره الحاكم . وعند من يرى الجبر فمنهم من يرى الجبر بادئ ذي بدء . ومنهم من يرى الإنذار مرّةً ، قب وقيل اثنتين ، وقيل ثلاثاً . وتدلّ النّقول عن الفقهاء أنّ هذه المسألة مرجعها مراعاة المصلحة . وهو من قبيل السّياسة الشّرعيّة .
احتلام
التّعريف
1 - من معاني الاحتلام في اللّغة رؤيا المباشرة في المنام . ويطلق في اللّغة أيضاً على الإدراك والبلوغ . ومثله الحلم . وهو عند الفقهاء اسم لما يراه النّائم من المباشرة ، فيحدث معه إنزال المنيّ غالباً .
( الألفاظ ذات الصّلة ) :
2 - أ - الإمناء : يذكر الاحتلام ويراد به الإمناء ، إلاّ أنّ الإمناء أعمّ منه ، إذ لا يقال لمن أمنى في اليقظة محتلم .
ب - الجنابة : أعمّ من وجه من الاحتلام فقد تكون من الاحتلام ، وقد تكون من غيره كالتقاء الختانين كما أنّ الاحتلام قد يكون بلا إنزال فلا تحصل الجنابة .
ج - البلوغ : البلوغ يحصل بعلامات كثيرة منها الاحتلام ، فهو علامة البلوغ .
ممّن يكون الاحتلام ؟
3 - الاحتلام كما يكون من الرّجل يكون من المرأة ، فقد روى مسلم والبخاريّ أنّ « أمّ سليم حدّثت أنّها سألت النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقالت : هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت ؟ قال : نعم إذا رأت الماء . »
بم يتحقّق احتلام المرأة ؟
4 - للفقهاء في حصول الاحتلام من المرأة ثلاثة آراء :
أ - حصول الاحتلام بوصول المنيّ إلى ظاهر الفرج . وهو قول الحنابلة ، وظاهر الرّواية عند الحنفيّة ، وهو قول الشّافعيّة بالنّسبة للثّيّب . والمراد بظاهر الفرج : ما يظهر عند قضاء الحاجة ، أو عند الجلوس عند القدمين .
ب - حصول الاحتلام بوصول المنيّ خارج الفرج ، وهو قول المالكيّة مطلقاً ، وقول الشّافعيّة بالنّسبة للبكر ؛ لأنّ داخل فرجها كباطن الجسم . ح - حصول الاحتلام بمجرّد إنزال المرأة في رحمها وإن لم يخرج المنيّ إلى ظاهر الفرج ؛ لأنّ منيّ المرأة عادةً ينعكس داخل الرّحم ليتخلّق منه الولد ، وهو قول محمّد بن الحسن من الحنفيّة .
أثر الاحتلام في الغسل ؟
5 - إن كان المحتلم كافراً ثمّ أسلم فللعلماء في ذلك رأيان : الأوّل : وجوب الغسل من الجنابة ، وهو مذهب الشّافعيّة والحنابلة والأصحّ عند الحنفيّة ، وهو قول للمالكيّة ، لبقاء صفة الجنابة بعد الاحتلام ، ولا يجوز أداء الصّلاة ونحوها إلاّ بزوال الجنابة . الثّاني : ندب الغسل ، وهو قول ابن القاسم والقاضي إسماعيل من المالكيّة ، ومقابل الأصحّ عند الحنفيّة ؛ لأنّ الكافر وقت الاحتلام لم يكن مكلّفاً بفروع الشّريعة .
الاحتلام بلا إنزال :
6 - من احتلم ولم يجد منيّاً فلا غسل عليه . قال ابن المنذر : أجمع على هذا كلّ من أحفظ عنه من أهل العلم . ولو استيقظ ووجد المنيّ ولم يذكر احتلاماً فعليه الغسل ، لما روت عائشة رضي الله عنها « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم سئل عن الرّجل يجد البلل ولا يذكر الاحتلام ، قال : يغتسل ، وعن الرّجل يرى أنّه احتلم ولا يجد البلل قال : لا غسل عليه » . ولا يوجد من يقول غير ذلك ، إلاّ وجهاً شاذّاً للشّافعيّة ، وقولاً للمالكيّة .
7 - وإذا رأى المنيّ في فراش ينام فيه مع غيره ممّن يمكن أن يمني ، ونسبه كلّ منهما لصاحبه ، فالغسل مستحبّ لكلّ واحد منهما عند الشّافعيّة والحنابلة ، ولا يلزم ، ولا يجوز أن يصلّي أحدهما خلف الآخر قبل الاغتسال ، للشّكّ ، وهو لا يرتفع به اليقين . وقال الحنفيّة بوجوب الغسل على كلّ منهما . وفصّل المالكيّة فقالوا : إنّه إن كانا زوجين وجب على الزّوج وحده . ؛ لأنّ الغالب خروج المنيّ من الزّوج وحده ، ويعيد الصّلاة من آخر نومة ، ويجب عليهما معاً الغسل إن كانا غير زوجين . ولا فرق بين الزّوجين وغيرهما عند بقيّة المذاهب .
8 - والثّوب الّذي ينام فيه هو وغيره كالفراش عند الشّافعيّة والحنابلة ، ويعيد كلّ صلاة لا يحتمل خلوّها عن الإمناء قبلها عند الشّافعيّة ومن آخر نومة عند الحنابلة ما لم تظهر أمارة على أنّه حدث قبلها . وقال المالكيّة يستحبّ الغسل .
9 - ولو استيقظ فوجد شيئاً وشكّ في كونه منيّاً أو غيره ( والشّكّ : استواء الطّرفين دون ترجيح أحدهما على الآخر ) فللفقهاء في ذلك عدّة آراء : أ - وجوب الغسل ، وهو قول الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ، إلاّ أنّ الحنفيّة أوجبوا الغسل إن تذكّر الاحتلام وشكّ في كونه منيّاً أو مذياً ، أو منيّاً أو ودياً ، وكذا إن شكّ في كونه مذياً أو ودياً ؛ ؛ لأنّ المنيّ قد يرقّ لعارض كالهواء ، لوجود القرينة ، وهي تذكّر الاحتلام . فإن لم يتذكّر الاحتلام فالحكم كذلك عند أبي حنيفة ومحمّد ، أخذاً بالحديث « في جوابه صلى الله عليه وسلم عن الرّجل يجد البلل ولم يذكر احتلاماً قال : يغتسل » . للإطلاق في كلمة « البلل » . وقال أبو يوسف : لا يجب ، وهو القياس ؛ لأنّ اليقين لا يزول بالشّكّ ، وهذا كلّه مقيّد عند الحنفيّة والحنابلة بألاّ يسبقه انتشار قبل النّوم ، فإن سبقه انتشار ترجّح أنّه مذي . وزاد الحنابلة : أو كانت بها إبردة ؛ لاحتمال أن يكون مذياً ، وقد وجد سببه . ويجب منه حينئذ الوضوء ، وقصر المالكيّة وجوب الغسل على ما إذا كان الشّكّ بين أمرين أحدهما منيّ . فإن شكّ في كونه واحداً من ثلاثة فلا يجب الغسل ، لضعف الشّكّ بالنّسبة للمنيّ ، لتعدّد مقابله .
ب - عدم وجوب الغسل ، وهو وجه للشّافعيّة ، وقول مجاهد وقتادة ؛ ؛ لأنّ اليقين لا يزول بالشّكّ . والأولى الاغتسال لإزالة الشّكّ . وأوجبوا من ذلك الوضوء مرتّباً .
ج - التّخيير في اعتباره واحداً ممّا اشتبه فيه ، وهو مشهور مذهب الشّافعيّة ، وذلك لاشتغال ذمّته بطهارة غير معيّنة .
د - وللشّافعيّة وجه آخر وهو لزوم مقتضى الجميع . أي الغسل والوضوء ، للاحتياط .
أثر الاحتلام في الصّوم والحجّ :
10 - لا أثر للاحتلام في الصّوم ، ولا يبطل به باتّفاق ، لقوله عليه الصلاة والسلام : « ثلاث لا يفطرن الصّائم : الحجامة ، والقيء ، والاحتلام » ، ولأنّ فيه حرجاً ، لعدم إمكان التّحرّز عنه إلاّ بترك النّوم ، والنّوم مباح ، وتركه غير مستطاع . ولأنّه لم توجد صورة الجماع ، ولا معناه وهو الإنزال عن شهوة بمباشرة ولا أثر له كذلك في الحجّ باتّفاق .
أثر الاحتلام في الاعتكاف
11 - يتّفق الفقهاء على أنّ الاعتكاف لا يبطل بالاحتلام ، ولا يفسد إن خرج المعتكف للاغتسال خارج المسجد ، إلاّ في حالة واحدة ذكرها الحنفيّة وهي إن أمكنه الاغتسال في المسجد ، ولم يخش تلويثه فإن خيف تلويثه منع ؛ لأنّ تنظيف المسجد واجب . وبقيّة الفقهاء منهم من يجيز الخروج للاغتسال ولو مع أمن المسجد في التّلوّث ، ومنهم من يوجب الخروج ويحرّم الاغتسال في المسجد مطلقاً ، فإن تعذّر الخروج فعليه تيمّم . والخروج لا يقطع التّتابع باتّفاق ما لم يطل .
12 - وفي اعتبار زمن الجنابة من الاعتكاف خلاف بين الفقهاء . فالشّافعيّة لا يعدّون زمن الجنابة من الاعتكاف إن اتّفق المكث معها لعذر أو غيره ؛ لمنافاة ذلك للاحتلام ، وهو قول الحنفيّة والمالكيّة ، ويحسب عند الحنابلة ، فقد صرّحوا بعدم قضائه لكونه معتاداً ، ولا كفّارة فيه .
البلوغ بالاحتلام :
13 - يتّفق الفقهاء على أنّ البلوغ يحصل بالاحتلام مع الإنزال ، وينقطع به اليتم لما روي عن عليّ رضي الله عنه عن النّبيّ عليه الصلاة والسلام قال : « لا يتم بعد احتلام ولا صمات يوم إلى اللّيل » .