الرئيسية
المنتديات
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
الغرف الصوتية
غرفة ٠٠٠٠
ما الجديد
المشاركات الجديدة
جديد مشاركات الحائط
آخر النشاطات
الأعضاء
الزوار الحاليين
مشاركات الحائط الجديدة
البحث عن مشاركات الملف الشخصي
تسجيل الدخول
تسجيل
ما الجديد
البحث
البحث
بحث بالعناوين فقط
بواسطة:
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
قائمة
تسجيل الدخول
تسجيل
تثبيت التطبيق
تثبيت
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية
تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة
.
الرد على الموضوع
الرسالة
<blockquote data-quote="ابن عامر الشامي" data-source="post: 40743" data-attributes="member: 329"><p>57 - أوّلاً : لو وضع القباء ونحوه عليه من غير لبس أكمامه فهو محظور كاللّبس ، عند المالكيّة والشّافعيّة ، وهو المعتمد عند الحنابلة ، لنهيه عليه الصلاة والسلام عن لبسه للمحرم . رواه ابن المنذر ، ورواه النّجاد عن عليّ ، ولأنّه عادة لبسه كالقميص . وفصّل الحنفيّة فقالوا : لو ألقى القباء أو العباء ونحوهما على منكبيه من غير إدخال يديه أو إحداهما في كمّيه ولم يزرّه جاز مع الكراهة ، ولا فداء عليه ، وهو قول الخرقيّ من الحنابلة فإن زرّه أو أدخل يديه أو إحداهما في كمّيه فهو محظور ، حكمه حكم اللّبس في الجزاء . ووجهه : أنّ القباء لا يحيط بالبدن ، فلم تلزمه الفدية بوضعه على كتفيه ، إذا لم يدخل يديه كمّيه ، كالقميص يتّشح به . 58 - ثانياً : من لم يجد الإزار يجوز له أن يلبس السّراويل إلى أن يجد ما يتّزر به ، ولا فدية عليه عند الشّافعيّة والحنابلة . وفصّل الحنفيّة : فأجازوا لبس السّراويل إذا كان غير قابل لأن يشقّ ويؤتزر به ، وإلاّ يفتق ما حول السّراويل ما خلا موضع التّكّة ويتّزر به . ولو لبسه كما هو فعليه دم ، إلاّ إذا كان ضيّقاً غير قابل لذلك فيكون عليه فدية يتخيّر فيها . وعند المالكيّة قولان : قول بجواز لبس السّراويل إذا عدم الإزار ، ويفتدي ، وقول : لا يجوز ولو عدم الإزار ، وهو المعتمد .</p><p>لبس الخفّين ونحوهما :</p><p>59 - ثالثاً : من لم يجد النّعلين يقطع الخفّين أسفل من الكعبين ويلبسهما ، كما نصّ الحديث . وهو قول المذاهب الثّلاثة الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة ، وهو رواية عن أحمد ، وقول عروة بن الزّبير والثّوريّ وإسحاق بن راهويه وابن المنذر ، وهو مرويّ عن عمر بن الخطّاب ، وعبد اللّه بن عمر ، والنّخعيّ . وقال الإمام أحمد : وهو المعتمد في المذهب : لا يقطع الخفّين ، ويلبسهما كما هما . وهو قول عطاء وعكرمة وسعيد بن سالم القدّاح ، بل قال الحنابلة : « حرم قطعهما " على المحرم . استدلّ الجمهور بحديث ابن عمر السّابق في محظورات الإحرام . واستدلّ الحنابلة بحديث ابن عبّاس ، وقالوا : « إنّ زيادة القطع - أي في حديث ابن عمر - اختلف فيها ، فإن صحّت فهي بالمدينة ، لرواية أحمد عنه : « سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول على هذا المنبر " فذكره ، وخبر ابن عبّاس بعرفات ، فلو كان القطع واجباً لبيّنه للجمع العظيم الّذي لم يحضر أكثرهم ذلك بالمدينة . وقد فسّر الجمهور الكعب الّذي يقطع الخفّ أسفل منه بأنّهما العظمان النّاتئان عند مفصل السّاق والقدم . وفسّره الحنفيّة بالمفصل الّذي في وسط القدم عند معقد الشّراك . ووجهه أنّه : « لمّا كان الكعب يطلق عليه وعلى النّاتئ حمل عليه احتياطاً » . 60 - رابعاً : ألحق المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة بالخفّين كلّ ما ستر شيئاً من القدمين ستر إحاطة ، فلم يجيزوا لبس الخفّين المقطوعين أسفل من الكعبين إلاّ عند فقد النّعلين . ولو وجد النّعلين لم يجز له لبسهما ، ووجب عليه خلعهما إن كان قد لبسهما . وإن لبسهما لعذر كالمرض لم يأثم وعليه الفداء . وأمّا الحنفيّة فإنّهم قالوا : كلّ ما كان غير ساتر للكعبين ، اللّذين في ظاهر القدمين فهو جائز للمحرم .</p><p>تقلّد السّلاح :</p><p>61 - خامساً : حظر المالكيّة والحنابلة على المحرم تقلّد السّيف بدون حاجة ، ومثله الأسلحة المعاصرة . وأوجب عليه المالكيّة الفداء إذا تقلّده لغير حاجة ، وقالوا : هذا إذا كانت علاقته غير عريضة ، ولا متعدّدةً ، وإلاّ فالفدية لازمة على كلّ حال ، لكن لا يأثم في حال العذر . وأجاز الحنفيّة والشّافعيّة تقلّد السّيف مطلقاً ، لم يقيّدوه بالحاجة ، وكأنّهم لاحظوا أنّه ليس من اللّبس المعتاد المحظور على المحرم .</p><p>ستر الرّأس والاستظلال :</p><p>62 - سادساً : اتّفق العلماء على تحريم ستر المحرم رأسه أو بعضه ، أخذاً من تحريم لبس العمائم والبرانس ثمّ اختلفوا في ضابط هذا السّتر . فعند الحنفيّة والحنابلة يحرم ستره بما يقصد به التّغطية عادةً . وعند المالكيّة يحرم ستر المحرم رأسه بكلّ ما يعدّ ساتراً مطلقاً . وقريب منهم مذهب الشّافعيّة ، غير أنّهم قالوا : يحرم ما يعدّ ساتراً عرفاً ، فإن لم يكن ساتراً عرفاً فيحرم إن قصد به السّتر . يحرم ستر بعض الرّأس كذلك بما يعدّ ساتراً ، أو يقصد به السّتر ، على الخلاف الّذي ذكرناه . فلا يجوز له أن يعصب رأسه بعصابة ، ولا سير ، ولا يجعل عليه شيئاً يلصق به . وقد ضبطه المالكيّة بما يبلغ مساحة درهم فأكثر . وجعل الحنفيّة فيما كان أقلّ من ربع الرّأس الكراهة وصدقةً بشرط الدّوام الّذي سيأتي . واتّفقوا على جواز نحو خيط ، ويحرم عند المالكيّة وضع اليد على الرّأس ، لأنّها ساتر مطلقاً ، وكذا عند الشّافعيّة إن قصد بها ستر الرّأس ، وإلاّ فلا . ولا يحرم عند الحنفيّة والحنابلة . 63 - وأمّا وضع حمل على الرّأس : فيحرم عند الحنفيّة والحنابلة إن كان ممّا يقصد به التّغطية بحسب العادة ، كما لو حمل على رأسه ثياباً ، فإنّه يكون تغطيةً ، وإن كان ممّا لا يقصد به تغطية الرّأس عادةً لا يحرم ، كحمل طبق أو قفّة ، أو طاسة قصد بها السّتر ؛ لأنّها ليست ممّا يقصد به السّتر غالباً ، فصار كوضع اليد . وهذا متّفق مع الشّافعيّة ، لكن عند الشّافعيّة إذا حمل ما لا يعتبر ساتراً كالقفّة وقصد به السّتر حرم ولزمه الفداء . وأمّا المالكيّة فقالوا : يجوز للمحرم أن يحمل على رأسه ما لا بدّ منه من خرجه وجرابه ، وغيره ، والحال أنّه لا يجد من يحمل خرجه مثلاً لا بأجرة ولا بغيرها . فإن حمل لغيره أو للتّجارة ، فالفدية ، وقال أشهب : إلاّ أن يكون عيشه ذلك . أي إلاّ أن يكون ما ذكر من الحمل للغير أو التّجارة لعيشه . وهو معتمد في المذهب المالكيّ . 64 - والتّظلّل بما لا يلامس الرّأس ، وهو ثابت في أصل تابع له ، جائز اتّفاقاً ، كسقف الخيمة ، والبيت ، من داخلهما ، أو التّظلّل بظلّهما من الخارج ، ومثل مظلّة المحمل إذا كانت ثابتةً عليه من الأصل . وعلى ذلك يجوز ركوب السّيّارات المسقفة اتّفاقاً ؛ لأنّ سقوفها من أصل صناعتها ، فصارت كالبيت والخيمة . وإن لم يكن المظلّ ثابتاً في أصل يتبعه فجائز كذلك مطلقاً عند الحنفيّة والشّافعيّة وقول عند الحنابلة . وقال المالكيّة : لا يجوز التّظلّل بما لا يثبت في المحمل . ونحو هذا قول عند الحنابلة ، واختاره الخرقيّ ، وضبطه عندهم في هذا القول : « أنّه ستر رأسه بما يستدام ويلازمه غالباً ، فأشبه ما لو ستره بشيء يلاقيه " وفي التّظلّل بنحو ثوب يجعل على عصاً أو على أعواد ( مظلّة أو بشيء يرفعه على رأسه من الشّمس أو الرّيح ) ، أقوال ثلاثة أقربها الجواز ، للحديث الآتي في دليل الجمهور . ويجوز الاتّقاء بذلك من المطر . وأمّا البناء والخباء ونحوهما فيجوز الاتّقاء به من الحرّ والبرد والمطر . وأجاز التّظلّل بذلك الحنابلة ، وكذا الحنفيّة والشّافعيّة ، لما عرفت من أصل مذهبهم . واستدلّوا بحديث أمّ الحصين قالت : « حججت مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حجّة الوداع ، فرأيت أسامة وبلالاً ، وأحدهما آخذ بخطام ناقة النّبيّ صلى الله عليه وسلم والآخر رافع ثوبه يستره من الحرّ ، حتّى رمى جمرة العقبة » . أخرجه مسلم . ولأنّ ما حلّ للحلال - كما في المغني - حلّ للمحرم إلاّ ما قام على تحريمه دليل .</p><p>ستر الوجه</p><p>65 - سابعاً : يحظر على المحرم ستر وجهه عند الحنفيّة والمالكيّة وليس بمحظور عند الشّافعيّة والحنابلة وعزاه النّوويّ في المجموع إلى الجمهور . استدلّ الحنفيّة والمالكيّة بحديث ابن عبّاس رضي الله عنهما « أنّ رجلاً وقصته راحلته وهو محرم فمات ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : اغسلوه بماء وسدر ، وكفّنوه في ثوبيه ، ولا تخمّروا رأسه ولا وجهه ، فإنّه يبعث يوم القيامة ملبّياً » أخرجه مسلم . وجه الاستدلال أنّه : « أفاد أنّ للإحرام أثراً في عدم تغطية الوجه » . واستدلّوا أيضاً من المعقول بأنّ المرأة لا تغطّي وجهها ، مع أنّ في الكشف فتنةً ، فالرّجل بطريق الأولى . واستدلّ الشّافعيّة والحنابلة بما ورد من الآثار عن بعض الصّحابة بإباحة تغطية المحرم وجهه ، من فعلهم أو قولهم . روي ذلك عن عثمان بن عفّان ، وعبد الرّحمن بن عوف ، وزيد بن ثابت ، وابن الزّبير ، وسعد بن أبي وقّاص ، وجابر . وروى القاسم وطاوس والثّوريّ من غير الصّحابة . لبس القفّازين :</p><p>66 - ثامناً : يحرم على الرّجل لبس القفّازين ، باتّفاق العلماء ، كما نصّ على ذلك النّوويّ ، وهو كذلك في مصادر المذاهب .</p><p>ب - محظورات الإحرام من الملبس في حقّ النّساء :</p><p>ينحصر محظور الإحرام من الملبس في حقّ النّساء في أمرين فقط ، هما الوجه واليدان ، نفصّل بحثهما فيما يلي : ستر الوجه :</p><p>67 - اتّفق العلماء على أنّه يحرم على المرأة في الإحرام ستر وجهها ، لا خلاف بينهم في ذلك . والدّليل عليه من النّقل ما سبق في الحديث : « ولا تنتقب المرأة المحرمة ، ولا تلبس القفّازين » . وضابط السّاتر هنا عند المذاهب هو كما مرّ في ستر الرّأس للرّجل . وإذا أرادت أن تحتجب بستر وجهها عن الرّجال جاز لها ذلك اتّفاقاً بين العلماء ، إلاّ إذا خشيت الفتنة أو ظنّت فإنّه يكون واجباً . والدّليل على هذا الاستثناء حديث عائشة رضي الله عنها قالت : « كان الرّكبان يمرّون بنا ونحن مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم محرمات ، فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها ، فإذا جاوزونا كشفناه » أخرجه أبو داود . وعن فاطمة بنت المنذر قالت : كنّا نخمّر وجوهنا ونحن محرمات ، ونحن مع أسماء بنت أبي بكر الصّدّيق . أخرجه مالك والحاكم . ومرادها من هذا ستر الوجه بغير النّقاب على معنى التّستّر . وقد اشترط الحنفيّة والشّافعيّة - وهو قول عند الحنابلة - ألاّ يلامس السّاتر الوجه ، كأن تضع على رأسها تحت السّاتر خشبةً أو شيئاً يبعد السّاتر عن ملامسة وجهها " لأنّه بمنزلة الاستظلال بالمحمل " كما في الهداية . وأجاز لها المالكيّة أن تستر وجهها إذا قصدت السّتر عن أعين النّاس ، بثوب تسدله من فوق رأسها دون ربط ، ولا غرز بإبرة أو نحوها ممّا يغرز به . ومثل ذلك عند الحنابلة ، لكن عبّروا بقولهم : « إن احتاجت إلى ستره " ؛ لأنّ العلّة في السّتر المحرّم أنّه ممّا يربط ، وهذا لا يربط ، كما تشير عبارة المالكيّة .</p><p>لبس القفّازين :</p><p>68 - يحظر على المرأة المحرمة لبس القفّازين عند المالكيّة والحنابلة ، وهو المعتمد عند الشّافعيّة . وذهب الحنفيّة ، وهو رواية عند الشّافعيّة ، إلى أنّه يجوز لها اللّبس بكفّيها ، كالقفّاز وغيره ، ويقتصر إحرامها على وجهها فقط . استدلّ الجمهور بحديث ابن عمر بزيادة : « ولا تنتقب المرأة المحرمة ، ولا تلبس القفّازين » . واستدلّ الحنفيّة بحديث ابن عمر قال : « إحرام المرأة في وجهها » ، وبما ورد من آثار عن الصّحابة . وكان سعد بن أبي وقّاص يلبس بناته القفّازين وهنّ محرمات . ورخّص فيه عليّ وعائشة . وهو قول عطاء وسفيان والثّوريّ . يجوز للمحرمة تغطية يدها فقط من غير شدّ ، وأن تدخل يديها في أكمامها وفي قميصها .</p><p>المحرّمات المتعلّقة ببدن المحرم</p><p>69 - ضابط هذه المحظورات كلّ شيء يرجع إلى تطييب الجسم ، أو إزالة الشّعث ، أو قضاء التّفث . والدّليل على تحريمها قوله تعالى : { ولا تحلقوا رءوسكم حتّى يبلغ الهدي محلّه فمن كان منكم مريضاً أو به أذًى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك } . ومن السّنّة قوله صلى الله عليه وسلم : « ولا تلبسوا شيئاً من الثّياب مسّه الزّعفران ولا الورس » . أخرجه السّتّة .</p><p>فتحرم الأشياء الآتية :</p><p>أ - حلق الرّأس .</p><p>ب - إزالة الشّعر من أيّ موضع من الجسم .</p><p>ج - قصّ الظّفر .</p><p>د - الأدهان .</p><p>هـ - التّطيّب .</p><p>تفصيل أحكام هذه المحظورات</p><p>حلق الرّأس :</p><p>70 - يحظر على المحرم حلق رأسه أو رأس محرم غيره . وكذا لو حلق له غيره حلالاً أو محرماً يحظر عليه تمكينه من ذلك . والتّقصير كالحلق في ذلك كلّه . وقليل الشّعر كذلك يحظر حلقه أو قطعه . وكذلك إزالة الشّعر عن الرّأس بأيّ شيء كالنّتف ، والحرق ، أو استعمال النّورة لإزالته . ومثلها أيّ علاج مزيل للشّعر . وذلك كلّه ما لم يفرغ الحالق والمحلوق له من أداء نسكهما . فإذا فرغا لا يدخلان في الحظر . ويسوغ لهما أن يحلق أحدهما للآخر ، باتّفاق المذاهب على ذلك كلّه . والدّليل هو ما سبق من نصّ الآية ، وهي وإن ذكرت الحلق فإنّ غيره ممّا ذكرنا مثله في التّرفّه ، فيقاس عليه ، ويأخذ حكمه . واختلفوا في حلق المحرم للحلال . فحظره الحنفيّة . وهو قول للمالكيّة . وأجازه المالكيّة في قول آخر والشّافعيّة والحنابلة . استدلّ الثّلاثة بأنّ المحرم حلق شعراً لا حرمة له من حيث الإحرام ، فلا يمنع ، ولا جزاء عليه . واستدلّ الحنفيّة : بأنّ المحرم كما هو ممنوع من حلق رأس نفسه ممنوع من حلق رأس غيره ، لقوله عزّ وجلّ : { ولا تحلقوا رءوسكم حتّى يبلغ الهدي محلّه } . والإنسان لا يحلق رأس نفسه عادةً ، إلاّ أنّه لمّا حرم عليه حلق رأس غيره يحرم عليه حلق رأس نفسه من طريق الأولى . وسواء كان المحلوق حلالاً أو حراماً ، لما قلنا . إزالة الشّعر من أيّ موضع من الجسم :</p><p>71 - يحظر إزالة الشّعر وذلك قياساً على شعر الرّأس ، بجامع التّرفّه في كلّ منهما .</p><p>الادّهان :</p><p>73 - الدّهن مادّة دسمة من أصل حيوانيّ أو نباتيّ . وقد اختلفوا في الدّهن غير المطيّب : فالجمهور - عدا الإمام أحمد - على تفصيل بينهم - ذهبوا إلى حظر استعمال الدّهن ولو كان غير مطيّب ، كالزّيت ، لما فيه من التّرفّه والتّزيين ، وتحسين الشّعر ، وذلك ينافي الشّأن الّذي يجب أن يكون عليه المحرم من الشّعث والغبار افتقاراً وتذلّلاً للّه تعالى . وقد أوردوا في الدّهن وأشباهه الاستدلال بحديث ابن عمر ، قال : « قام رجل إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : من الحاجّ يا رسول اللّه ؟ قال : الشّعث التّفل » . أخرجه التّرمذيّ وابن ماجه .</p><p>والشّعث : بكسر العين الوصف ، وبفتحها المصدر ، ومعناه انتشار الشّعر وتغبّره لقلّة التّعهّد . والتّفل : من التّفل ، وهو ترك الطّيب حتّى يوجد منه رائحة كريهة . فشمل بذلك ترك الدّهن . فقال الحنفيّة والمالكيّة يحظر على المحرم استعمال الدّهن في رأسه ولحيته وعامّة بدنه لما ذكرنا من عموم الاستدلال فيما سبق . وقال الشّافعيّة يحظر دهن شعر الرّأس للرّجل والمرأة واللّحية وما ألحق بهما كالشّارب والعنفقة فقط ، حتّى لو كان أصلع جاز دهن رأسه ، أمّا إذا كانا محلوقين فيحظر دهنهما ؛ لأنّه يزيّنهما إذا نبتا . ويباح له دهن ما عدا الرّأس واللّحية وما ألحق بهما ، ولا يحظر ، ظاهراً كان أو باطناً ، ويباح سائر شعور بدنه ، ويباح له أكل الدّهن من غير أن يصيب اللّحية أو الشّارب أو العنفقة . واستدلّوا بأنّه ليس في الدّهن طيب ولا تزيين ، فلا يحرم إلاّ فيما ذكرنا ؛ لأنّه به يحصل التّزيين . وإنّ الّذي جاء به الشّرع استعمال الطّيب ، وهذا ليس منه ، فلا يثبت تحريمه . وقال الحنابلة - على المعتمد عندهم من إباحته في كلّ البدن : « إنّ وجوب الفدية يحتاج إلى دليل ، ولا دليل فيه من نصّ ولا إجماع . ولا يصحّ قياسه على الطّيب ، فإنّ الطّيب يوجب الفدية وإن لم يزل شيئاً ، ويستوي فيه الرّأس وغيره ، والدّهن بخلافه » .</p><p>هـ - التّطيّب :</p><p>74 - الطّيب عند الحنفيّة : ما له رائحة مستلذّة ويتّخذ منه الطّيب . وعند الشّافعيّة : ما يقصد منه رائحته غالباً ، ولو مع غيره . ويشترط في الطّيب الّذي يحكم بتحريمه أن يكون معظم الغرض منه الطّيب ، واتّخاذ الطّيب منه ، أو يظهر فيه هذا الغرض . وعند الحنابلة : ما تطيب رائحته ويتّخذ للشّمّ . وقسّمه المالكيّة إلى قسمين : مذكّر ومؤنّث . فالمذكّر : هو ما يخفى أثره أي تعلّقه بما مسّه من ثوب أو جسد ويظهر ريحه . والمراد به أنواع الرّياحين : كالرّيحان ، والورد ، والياسمين . وأمّا المياه الّتي تعتصر ممّا ذكر فليس من قبيل المؤنّث . والمؤنّث : هو ما يظهر لونه وأثره ، أي تعلّقه بما مسّه مسّاً شديداً ، كالمسك ، والكافور ، والزّعفران . فالمؤنّث يكره شمّه ، واستصحابه ، ومكث في المكان الّذي هو فيه ، ويحرم منه . والمذكّر يكره شمّه ، وأمّا مسّه من غير شمّ واستصحابه ومكث بمكان هو فيه فهو جائز . تفصيل أحكام التّطيّب للمحرم : تطييب الثّوب :</p><p>75 - وهو أصل في الباب ، للتّنصيص عليه في الحديث السّابق ، ومن هنا قالوا : المحرم ممنوع من استعمال الطّيب في إزاره ، أو ردائه ، وجميع ثيابه ، وفراشه ، ونعله حتّى لو علق بنعله طيب وجب أن يبادر لنزعه ، ولا يضع عليه ثوباً مسّه الورس أو الزّعفران ، أو نحوهما من صبغ له طيب . كذلك لا يجوز له حمل طيب تفوح رائحته ، أو شدّه بطرف ثوبه ، كالمسك ، بخلاف شدّ عود أو صندل . أمّا الثّوب الّذي فيه طيب قبل الإحرام فلا يجوز عند الحنفيّة والمالكيّة لبسه . ويجوز عند الشّافعيّة والحنابلة تطييب ثوب الإحرام عند إرادة الإحرام . ولا يضرّ بقاء الرّائحة في الثّوب بعد الإحرام ، كما لا يضرّ بقاء الرّائحة الطّيّبة في البدن اتّفاقاً ، قياساً للثّوب على البدن ، لكن نصّوا على أنّه لو نزع ثوب الإحرام أو سقط عنه فلا يجوز له أن يعود إلى لبسه ما دامت الرّائحة فيه ، بل يزيل منه الرّائحة ثمّ يلبسه .</p><p>تطييب البدن :</p><p>76 - يحظر على المحرم استعمال الطّيب في بدنه ، وعليه الفدية ، ولو للتّداوي . ولا يخضّب رأسه أو لحيته أو شيئاً من جسمه ، ولا يغسله بما فيه طيب ، ومنه عند الحنفيّة الخطميّ والحنّاء ، على ما مرّ من الخلاف فيهما . 77 - وأكل الطّيب الخالص أو شربه لا يحلّ للمحرم اتّفاقاً بين الأئمّة . أمّا إذا خلط الطّيب بطعام قبل الطّبخ ، وطبخه معه ، فلا شيء عليه ، قليلاً كان أو كثيراً ، عند الحنفيّة والمالكيّة . وكذا عند الحنفيّة لو خلطه بطعام مطبوخ بعد طبخه فإنّه يجوز للمحرم أكله . أمّا إذا خلطه بطعام غير مطبوخ : فإن كان الطّعام أكثر فلا شيء ، ولا فدية إن لم توجد الرّائحة ، وإن وجدت معه الرّائحة الطّيّبة يكره أكله عند الحنفيّة . وإن كان الطّيب أكثر وجب في أكله الدّم سواء ظهرت رائحته أو لم تظهر . وأمّا عند المالكيّة فكلّ طعام خلط بطيب من غير أن يطبخ الطّيب معه فهو محظور في كلّ الصّور ، وفيه الفداء . أمّا إن خلط الطّيب بمشروب ، كماء الورد وغيره ، وجب فيه الجزاء ، قليلاً كان الطّيب أو كثيراً ، عند الحنفيّة والمالكيّة . وقال الشّافعيّة والحنابلة : إذا خلط الطّيب بغيره من طعام أو شراب ، ولم يظهر له ريح ولا طعم ، فلا حرمة ولا فدية ، وإلاّ فهو حرام وفيه الفدية .</p><p>شمّ الطّيب :</p><p>78 - شمّ الطّيب دون مسّ يكره عند الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة ، ولا جزاء فيه عندهم . أمّا الحنابلة فقالوا : يحرم تعمّد شمّ الطّيب ، ويجب فيه الفداء ، كالمسك والكافور ، ونحوهما ممّا يتطيّب بشمّه .</p><p>الصّيد وما يتعلّق به</p><p>79 - تعريف الصّيد لغةً : الصّيد لغةً : مصدر بمعنى ، الاصطياد ، والقنص ، وبمعنى المصيد ، وكلّ من المعنيين داخل فيما يحظر بالإحرام . تعريف الصّيد اصطلاحاً :</p><p>80 - الصّيد عند الحنفيّة هو الحيوان البرّيّ الممتنع عن أخذه بقوائمه ، أو جناحيه ، المتوحّش في أصل الخلقة . وعند المالكيّة هو الحيوان البرّيّ المتوحّش في أصل الخلقة . وعند الشّافعيّة والحنابلة هو الحيوان البرّيّ المتوحّش المأكول اللّحم .</p><p>أدلّة تحريم الصّيد :</p><p>81 - وقد ثبت تحريم الصّيد على المحرم بالكتاب والسّنّة والإجماع : أمّا الكتاب : فقوله تعالى : { يا أيّها الّذين آمنوا لا تقتلوا الصّيد وأنتم حرم } . وقال عزّ من قائل : { وحرّم عليكم صيد البرّ ما دمتم حرماً } . وكلّ منهما نصّ قاطع في الموضوع . وأمّا السّنّة فمنها حديث أبي قتادة « حين أحرم أصحابه ولم يحرم ، ورأى حمار وحش . وفي الحديث فأسرجت فرسي ، وأخذت رمحي ، ثمّ ركبت ، فسقط منّي سوطي ، فقلت لأصحابي - وكانوا محرمين - ناولوني السّوط . فقالوا : واللّه لا نعينك عليه بشيء ، فنزلت ، فتناولته ثمّ ركبت . وفي رواية أخرى : فنزلوا ، فأكلوا من لحمها ، وقالوا : أنأكل لحم صيد ونحن محرمون ؟ فحملنا ما بقي من لحم الأتان ، فلمّا أتوا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قالوا : يا رسول اللّه إنّا كنّا أحرمنا ، وقد كان أبو قتادة لم يحرم ، فرأينا حمر وحش ، فحمل عليها أبو قتادة فعقر منها أتاناً ، فنزلنا ، فأكلنا من لحمها ، ثمّ قلنا : أنأكل لحم صيد ونحن محرمون ، ؟ فحملنا ما بقي من لحمها . قال : أمنكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها ؟ قالوا : لا قال : فكلوا ما بقي من لحمها » متّفق عليه . وأمّا الإجماع فقد حكاه النّوويّ وابن قدامة كما ذكر ابن قدامة إجماع أهل العلم على وجوب الجزاء بقتله .</p><p>إباحة صيد البحر :</p><p>82 - وأمّا صيد البحر : فحلال للحلال وللمحرم بالنّصّ ، والإجماع : أمّا النّصّ فقوله تعالى : { أحلّ لكم صيد البحر وطعامه متاعاً لكم وللسّيّارة وحرّم عليكم صيد البرّ ما دمتم حرماً } . والإجماع حكاه النّوويّ وأبو بكر الجصّاص .</p><p>أحكام تحريم الصّيد على المحرم :</p><p>83 - يشمل تحريم الصّيد على المحرم أموراً نصنّفها فيما يلي : تحريم قتل الصّيد ، لصريح النّصوص الواردة في ذلك . وتحريم إيذاء الصّيد ، أو الاستيلاء عليه . ومن ذلك : كسر قوائم الصّيد ، أو كسر جناحه ، أو شيّ بيضه أو كسره ، أو نتف ريشه ، أو جزّ شعره ، أو تنفير الصّيد ، أو أخذه ، أو دوام إمساكه ، أو التّسبّب في ذلك كلّه أو في شيء منه بدليل الآية : { وحرّم عليكم صيد البرّ ما دمتم حرماً } . والآية تفيد تحريم سائر أفعالنا في الصّيد في حال الإحرام » . والدّليل من القياس : « أنّ ما منع من إتلافه لحقّ الغير منع من إتلاف أجزائه ، كالآدميّ ، فإن أتلف جزءاً منه ضمنه بالجزاء . . . » . وللقياس على حظر تنفير صيد الحرم ، لقوله صلى الله عليه وسلم في مكّة : « إنّ هذا البلد حرّمه اللّه ، لا يعضد شوكه ، ولا ينفّر صيده ، ولا تلتقط لقطته إلاّ من عرّفها » فإذا حرم تنفير صيد الحرم وجب أن يحرم في الإحرام .</p><p>84 - وتحرم المساعدة على الصّيد بأيّ وجه من الوجوه : مثل الدّلالة عليه ، أو الإشارة ، أو إعارة سكّين ، أو مناولة سوط . وكذا يحرم الأمر بقتل الصّيد اتّفاقاً في ذلك . والدّليل عليه حديث أبي قتادة السّابق .</p><p>تحريم تملّك الصّيد</p><p>85 - يحرم تملّك الصّيد ابتداءً ، بأيّ طريق من طرق التّملّك ، فلا يجوز بيعه ، أو شراؤه ، أو قبوله هبةً ، أو وصيّةً ، أو صدقةً ، أو إقالةً . والدّليل على تحريم ذلك الآية : { وحرّم عليكم صيد البرّ ما دمتم حرماً } . قال في فتح القدير : « أضاف التّحريم إلى العين ، فيكون ساقط التّقوّم في حقّه ، كالخمر . وأنت علمت أنّ إضافة التّحريم إلى العين تفيد منع سائر الانتفاعات » . ويستدلّ أيضاً من السّنّة بحديث الصّعب بن جثّامة « أنّه أهدى إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حمار وحش ، فردّه عليه ، فلمّا رأى ما في وجهه قال : إنّا لم نردّه عليك إلاّ أنّا حرم » . متّفق عليه . ويستدلّ بإجماع العلماء .</p><p>تحريم الانتفاع بشيء من الصّيد</p><p>86 - يحرم على المحرم أكل لحمه ، وحلبه ، وأكل بيضه ، وشيّه . وذلك لعموم الأدلّة الّتي سبقت في تحريم تملّك الصّيد ؛ ولأنّ الانتفاع فرع من الملك ، فإذا حرّم الملك لم يبق محلّ لأثره . 87 - إذا صاد الحلال صيداً فهل يحلّ للمحرم أكله ؟ في المسألة مذاهب : المذهب الأوّل : لا يحلّ للمحرم الصّيد أصلاً ، سواء أمر به أم لا ، وسواء أعان على صيده أم لا ، وسواء أصاده الحلال له أم لم يصده له . وهذا قول طائفة من أهل العلم ، منهم من الصّحابة : عليّ وابن عمر وابن عبّاس رضي الله عنهم . وكره ذلك طاوس وجابر بن زيد وسفيان الثّوريّ . المذهب الثّاني : ما صاده الحلال للمحرم ومن أجله فلا يجوز للمحرم أكله ، فأمّا ما لم يصده من أجل المحرم بل صاده لنفسه أو لحلال آخر فلا يحرم على المحرم أكله . وهذا مذهب الجمهور ، المالكيّة والشّافعيّة الحنابلة . وهو قول إسحاق بن راهويه ، وأبي ثور . وقال ابن عبد البرّ : وهو الصّحيح عن عثمان في هذا الباب . إلاّ أنّ المالكيّة قالوا : ما صيد للمحرم هو ميتة على كلّ أحد ، المحرم المذبوح له وغيره ، وعلى المحرم الجزاء إن علم أنّه صيد لمحرم ولو غيره ، وأكل . وإن لم يعلم وأكل منه فلا جزاء عليه . ووافقهم الحنابلة في لزوم الجزاء ، وفصّلوا فأوجبوه كاملاً إن أكله كلّه ، وقسطه إن أكل بعضه ، لكنّهم لم يجعلوه حراماً إلاّ على من ذبح له . وقال الشّافعيّة - على ما هو الأصحّ الجديد في المذهب - لا جزاء في الأكل . ولم يعمّموا الحرمة على غير من صيد له الصّيد . المذهب الثّالث : يحلّ للمحرم أكل ما صاده الحلال من الصّيد ، ما لم يأمر به ، أو تكون منه إعانة عليه أو إشارة أو دلالة ، وهو مذهب الحنفيّة . وقال ابن المنذر : « كان عمر بن الخطّاب وأبو هريرة ومجاهد وسعيد بن جبير يقولون : للمحرم أكل ما صاده الحلال ، وروي ذلك عن الزّبير بن العوّام ، وبه قال أصحاب الرّأي » . استدلّ أصحاب المذهب الأوّل القائلون بتحريم أكل لحم الصّيد على المحرم مطلقاً بإطلاق الكتاب والسّنّة فيما سبق . واستدلّ الجمهور أصحاب المذهب الثّاني بأنّ ما صاده الحلال يحلّ أكله للمحرم بشرط ألاّ يكون صيد لأجله بأدلّة من السّنّة منها : حديث أبي قتادة السّابق فقد أحلّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم للمحرمين أكل ما صاده الحلال . واستدلّ الجمهور أيضاً بحديث جابر رضي الله عنه قال : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول : « صيد البرّ لكم حلال ، ما لم تصيدوه أو يصد لكم » . أخرجه أبو داود والتّرمذيّ والنّسائيّ وصحّحه الحاكم . وقد تكلّم في سنده ، لكن رجّح النّوويّ صحّته . واستدلّ أصحاب المذهب الثّالث الحنفيّة ومن معهم - القائلون : يحلّ للمحرم أن يأكل من صيد صاده الحلال ، وذبحه ، ما لم يكن من المحرم دلالة ولا أمر للحلال به ، وإن صاده الحلال لأجل المحرم - بأدلّة كثيرة من السّنّة والآثار . منها حديث أبي قتادة السّابق ، في صيده حمار وحش وهو حلال وأكل منه الصّحابة وأقرّهم النّبيّ صلى الله عليه وسلم منه . وجه دلالة الحديث : « أنّهم لمّا سألوه عليه الصلاة والسلام لم يجب بحلّه لهم حتّى سألهم عن موانع الحلّ ، أكانت موجودةً أم لا ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : أمنكم أحد أمره أن يحمل عليها ، أو أشار إليها ؟ قالوا : لا . قال : فكلوا إذن » . فلو كان من الموانع أن يصاد لهم لنظمه في سلك ما يسأل عنه منها في التّفحّص عن الموانع ، ليجيب بالحكم عند خلوّه منها . وهذا المعنى كالصّريح في نفي كون الاصطياد للمحرم مانعاً ، فيعارض حديث جابر ، ويقدّم عليه ، لقوّة ثبوته .</p><p>صيد الحرم :</p><p>88 - المراد بالحرم هنا مكّة والمنطقة المحرّمة المحيطة بها . وللحرم أحكام خاصّة ، منها تحريم صيده على الحلال كما يحرم على المحرم أيضاً ، وذلك باتّفاق العلماء ، لقوله صلى الله عليه وسلم : « إنّ هذا البلد حرّمه اللّه ، لا يعضد شوكه ، ولا ينفّر صيده ، ولا تلتقط لقطته إلاّ من عرّفها » . متّفق عليه . فقرّر العلماء من تحريم الصّيد على الحلال في الحرم أحكاماً نحو تحريم الصّيد على المحرم ، وتفرّعت لذلك فروع في المذاهب لا نطيل ببسطها ( ر : حرم . )</p><p>ما يستثنى من تحريم قتل الصّيد :</p><p>89 - أ - اتّفق على جواز قتل الحيوانات التّالية في الحلّ والحرم ، للمحرم وغيره ، سواء ابتدأت بأذًى أو لا ، ولا جزاء على من قتلها - وهي : الغراب ، والحدأة ، والذّئب ، والحيّة ، والعقرب ، والفأرة ، والكلب العقور ، لما ورد من الأحاديث في إباحة قتلها : روى مالك عن نافع عن ابن عمر أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال : « خمس من الدّوابّ ليس على المحرم في قتلهنّ جناح : الغراب ، والحدأة ، والعقرب ، والفأرة ، والكلب العقور » . متّفق عليه . وقد ورد ذكر الغراب في الحديث مطلقاً ، ومقيّداً ، ففسّروه بالغراب الأبقع الّذي يأكل الجيف . قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري : « اتّفق العلماء على إخراج الغراب الصّغير الّذي يأكل الحبّ من ذلك ، ويقال له : غراب الزّرع » . ا هـ . يعني أنّه لا يدخل في إباحة قتل الصّيد ، بل يحرم صيده . إلاّ أنّ المالكيّة فصلّوا فقالوا : يجوز قتل الفأرة والحيّة والعقرب مطلقاً ، صغيرةً أو كبيرةً ، بدأت بالأذيّة أم لا . وأمّا الغراب والحدأة ففي قتل صغيرهما - وهو ما لم يصل لحدّ الإيذاء - خلاف عند المالكيّة : قول بالجواز نظراً للفظ « غراب " الواقع في الحديث ، فإنّه مطلق يصدق على الكبير والصّغير : وقول بالمنع نظراً للعلّة في جواز القتل ، وهي الإيذاء ، وذلك منتف في الصّغير . وعلى القول بالمنع ، فلا جزاء فيه ، مراعاةً للقول الآخر . ثمّ قرّر المالكيّة شرطاً لجواز قتل ما يقبل التّذكية ، كالغراب ، والحدأة ، والفأرة ، والذّئب ، وهو أن يكون قتلها بغير نيّة الذّكاة ، بل لدفع شرّها ، فإن قتل بقصد الذّكاة ، فلا يجوز ، وفيه الجزاء . 90 - ب - يجوز قتل كلّ مؤذ بطبعه ممّا لم تنصّ عليه الأحاديث ، مثل الأسد ، والنّمر ، والفهد ، وسائر السّباع . بل صرّح الشّافعيّة والحنابلة أنّه مستحبّ بإطلاق دون اشتراط شيء . وكذا الحكم عندهم فيما سبق استحباب قتل تلك المؤذيات . وأمّا المالكيّة فعندهم التّفصيل السّابق بالنّسبة للكبار والصّغار ، واشتراط عدم قصد الذّكاة بقتلها . واشترطوا في الطّير الّذي لم ينصّ عليه أن يخاف منه على نفس أو مال ، ولا يندفع إلاّ بقتله . وأمّا الحنفيّة فقالوا : السّباع ونحوها كالبازي والصّقر ، معلّماً وغير معلّم ، صيود لا يحلّ قتلها . إلاّ إذا صالت على المحرم ، فإن صالت جاز له قتلها ولا جزاء عليه . وفي رواية عندهم جواز قتلها مطلقاً . استدلّ الجمهور على تعميم الحكم في كلّ مؤذ بأدلّة : منها : حديث أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : « يقتل المحرم السّبع العادي ، والكلب العقور ، والفأرة ، والعقرب ، والحدأة والغراب . » . أخرجه أبو داود والتّرمذيّ وابن ماجه . وقال التّرمذيّ : هذا حديث حسن ، والعمل على هذا عند أهل العلم ، قالوا : « المحرم يقتل السّبع العادي » . واستدلّوا بما ورد في الأحاديث المتّفق عليها من الأمر بقتل " الكلب العقور » . قال الإمام مالك : « إنّ كلّ ما عقر النّاس وعدا عليهم وأخافهم مثل الأسد ، والنّمر ، والفهد ، والذّئب ، فهو الكلب العقور » .</p><p>91 - ج - ألحق الشّافعيّة والحنابلة بما يقتل في الحرم والإحرام كلّ ما لا يؤكل لحمه .</p></blockquote><p></p>
[QUOTE="ابن عامر الشامي, post: 40743, member: 329"] 57 - أوّلاً : لو وضع القباء ونحوه عليه من غير لبس أكمامه فهو محظور كاللّبس ، عند المالكيّة والشّافعيّة ، وهو المعتمد عند الحنابلة ، لنهيه عليه الصلاة والسلام عن لبسه للمحرم . رواه ابن المنذر ، ورواه النّجاد عن عليّ ، ولأنّه عادة لبسه كالقميص . وفصّل الحنفيّة فقالوا : لو ألقى القباء أو العباء ونحوهما على منكبيه من غير إدخال يديه أو إحداهما في كمّيه ولم يزرّه جاز مع الكراهة ، ولا فداء عليه ، وهو قول الخرقيّ من الحنابلة فإن زرّه أو أدخل يديه أو إحداهما في كمّيه فهو محظور ، حكمه حكم اللّبس في الجزاء . ووجهه : أنّ القباء لا يحيط بالبدن ، فلم تلزمه الفدية بوضعه على كتفيه ، إذا لم يدخل يديه كمّيه ، كالقميص يتّشح به . 58 - ثانياً : من لم يجد الإزار يجوز له أن يلبس السّراويل إلى أن يجد ما يتّزر به ، ولا فدية عليه عند الشّافعيّة والحنابلة . وفصّل الحنفيّة : فأجازوا لبس السّراويل إذا كان غير قابل لأن يشقّ ويؤتزر به ، وإلاّ يفتق ما حول السّراويل ما خلا موضع التّكّة ويتّزر به . ولو لبسه كما هو فعليه دم ، إلاّ إذا كان ضيّقاً غير قابل لذلك فيكون عليه فدية يتخيّر فيها . وعند المالكيّة قولان : قول بجواز لبس السّراويل إذا عدم الإزار ، ويفتدي ، وقول : لا يجوز ولو عدم الإزار ، وهو المعتمد . لبس الخفّين ونحوهما : 59 - ثالثاً : من لم يجد النّعلين يقطع الخفّين أسفل من الكعبين ويلبسهما ، كما نصّ الحديث . وهو قول المذاهب الثّلاثة الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة ، وهو رواية عن أحمد ، وقول عروة بن الزّبير والثّوريّ وإسحاق بن راهويه وابن المنذر ، وهو مرويّ عن عمر بن الخطّاب ، وعبد اللّه بن عمر ، والنّخعيّ . وقال الإمام أحمد : وهو المعتمد في المذهب : لا يقطع الخفّين ، ويلبسهما كما هما . وهو قول عطاء وعكرمة وسعيد بن سالم القدّاح ، بل قال الحنابلة : « حرم قطعهما " على المحرم . استدلّ الجمهور بحديث ابن عمر السّابق في محظورات الإحرام . واستدلّ الحنابلة بحديث ابن عبّاس ، وقالوا : « إنّ زيادة القطع - أي في حديث ابن عمر - اختلف فيها ، فإن صحّت فهي بالمدينة ، لرواية أحمد عنه : « سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول على هذا المنبر " فذكره ، وخبر ابن عبّاس بعرفات ، فلو كان القطع واجباً لبيّنه للجمع العظيم الّذي لم يحضر أكثرهم ذلك بالمدينة . وقد فسّر الجمهور الكعب الّذي يقطع الخفّ أسفل منه بأنّهما العظمان النّاتئان عند مفصل السّاق والقدم . وفسّره الحنفيّة بالمفصل الّذي في وسط القدم عند معقد الشّراك . ووجهه أنّه : « لمّا كان الكعب يطلق عليه وعلى النّاتئ حمل عليه احتياطاً » . 60 - رابعاً : ألحق المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة بالخفّين كلّ ما ستر شيئاً من القدمين ستر إحاطة ، فلم يجيزوا لبس الخفّين المقطوعين أسفل من الكعبين إلاّ عند فقد النّعلين . ولو وجد النّعلين لم يجز له لبسهما ، ووجب عليه خلعهما إن كان قد لبسهما . وإن لبسهما لعذر كالمرض لم يأثم وعليه الفداء . وأمّا الحنفيّة فإنّهم قالوا : كلّ ما كان غير ساتر للكعبين ، اللّذين في ظاهر القدمين فهو جائز للمحرم . تقلّد السّلاح : 61 - خامساً : حظر المالكيّة والحنابلة على المحرم تقلّد السّيف بدون حاجة ، ومثله الأسلحة المعاصرة . وأوجب عليه المالكيّة الفداء إذا تقلّده لغير حاجة ، وقالوا : هذا إذا كانت علاقته غير عريضة ، ولا متعدّدةً ، وإلاّ فالفدية لازمة على كلّ حال ، لكن لا يأثم في حال العذر . وأجاز الحنفيّة والشّافعيّة تقلّد السّيف مطلقاً ، لم يقيّدوه بالحاجة ، وكأنّهم لاحظوا أنّه ليس من اللّبس المعتاد المحظور على المحرم . ستر الرّأس والاستظلال : 62 - سادساً : اتّفق العلماء على تحريم ستر المحرم رأسه أو بعضه ، أخذاً من تحريم لبس العمائم والبرانس ثمّ اختلفوا في ضابط هذا السّتر . فعند الحنفيّة والحنابلة يحرم ستره بما يقصد به التّغطية عادةً . وعند المالكيّة يحرم ستر المحرم رأسه بكلّ ما يعدّ ساتراً مطلقاً . وقريب منهم مذهب الشّافعيّة ، غير أنّهم قالوا : يحرم ما يعدّ ساتراً عرفاً ، فإن لم يكن ساتراً عرفاً فيحرم إن قصد به السّتر . يحرم ستر بعض الرّأس كذلك بما يعدّ ساتراً ، أو يقصد به السّتر ، على الخلاف الّذي ذكرناه . فلا يجوز له أن يعصب رأسه بعصابة ، ولا سير ، ولا يجعل عليه شيئاً يلصق به . وقد ضبطه المالكيّة بما يبلغ مساحة درهم فأكثر . وجعل الحنفيّة فيما كان أقلّ من ربع الرّأس الكراهة وصدقةً بشرط الدّوام الّذي سيأتي . واتّفقوا على جواز نحو خيط ، ويحرم عند المالكيّة وضع اليد على الرّأس ، لأنّها ساتر مطلقاً ، وكذا عند الشّافعيّة إن قصد بها ستر الرّأس ، وإلاّ فلا . ولا يحرم عند الحنفيّة والحنابلة . 63 - وأمّا وضع حمل على الرّأس : فيحرم عند الحنفيّة والحنابلة إن كان ممّا يقصد به التّغطية بحسب العادة ، كما لو حمل على رأسه ثياباً ، فإنّه يكون تغطيةً ، وإن كان ممّا لا يقصد به تغطية الرّأس عادةً لا يحرم ، كحمل طبق أو قفّة ، أو طاسة قصد بها السّتر ؛ لأنّها ليست ممّا يقصد به السّتر غالباً ، فصار كوضع اليد . وهذا متّفق مع الشّافعيّة ، لكن عند الشّافعيّة إذا حمل ما لا يعتبر ساتراً كالقفّة وقصد به السّتر حرم ولزمه الفداء . وأمّا المالكيّة فقالوا : يجوز للمحرم أن يحمل على رأسه ما لا بدّ منه من خرجه وجرابه ، وغيره ، والحال أنّه لا يجد من يحمل خرجه مثلاً لا بأجرة ولا بغيرها . فإن حمل لغيره أو للتّجارة ، فالفدية ، وقال أشهب : إلاّ أن يكون عيشه ذلك . أي إلاّ أن يكون ما ذكر من الحمل للغير أو التّجارة لعيشه . وهو معتمد في المذهب المالكيّ . 64 - والتّظلّل بما لا يلامس الرّأس ، وهو ثابت في أصل تابع له ، جائز اتّفاقاً ، كسقف الخيمة ، والبيت ، من داخلهما ، أو التّظلّل بظلّهما من الخارج ، ومثل مظلّة المحمل إذا كانت ثابتةً عليه من الأصل . وعلى ذلك يجوز ركوب السّيّارات المسقفة اتّفاقاً ؛ لأنّ سقوفها من أصل صناعتها ، فصارت كالبيت والخيمة . وإن لم يكن المظلّ ثابتاً في أصل يتبعه فجائز كذلك مطلقاً عند الحنفيّة والشّافعيّة وقول عند الحنابلة . وقال المالكيّة : لا يجوز التّظلّل بما لا يثبت في المحمل . ونحو هذا قول عند الحنابلة ، واختاره الخرقيّ ، وضبطه عندهم في هذا القول : « أنّه ستر رأسه بما يستدام ويلازمه غالباً ، فأشبه ما لو ستره بشيء يلاقيه " وفي التّظلّل بنحو ثوب يجعل على عصاً أو على أعواد ( مظلّة أو بشيء يرفعه على رأسه من الشّمس أو الرّيح ) ، أقوال ثلاثة أقربها الجواز ، للحديث الآتي في دليل الجمهور . ويجوز الاتّقاء بذلك من المطر . وأمّا البناء والخباء ونحوهما فيجوز الاتّقاء به من الحرّ والبرد والمطر . وأجاز التّظلّل بذلك الحنابلة ، وكذا الحنفيّة والشّافعيّة ، لما عرفت من أصل مذهبهم . واستدلّوا بحديث أمّ الحصين قالت : « حججت مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حجّة الوداع ، فرأيت أسامة وبلالاً ، وأحدهما آخذ بخطام ناقة النّبيّ صلى الله عليه وسلم والآخر رافع ثوبه يستره من الحرّ ، حتّى رمى جمرة العقبة » . أخرجه مسلم . ولأنّ ما حلّ للحلال - كما في المغني - حلّ للمحرم إلاّ ما قام على تحريمه دليل . ستر الوجه 65 - سابعاً : يحظر على المحرم ستر وجهه عند الحنفيّة والمالكيّة وليس بمحظور عند الشّافعيّة والحنابلة وعزاه النّوويّ في المجموع إلى الجمهور . استدلّ الحنفيّة والمالكيّة بحديث ابن عبّاس رضي الله عنهما « أنّ رجلاً وقصته راحلته وهو محرم فمات ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : اغسلوه بماء وسدر ، وكفّنوه في ثوبيه ، ولا تخمّروا رأسه ولا وجهه ، فإنّه يبعث يوم القيامة ملبّياً » أخرجه مسلم . وجه الاستدلال أنّه : « أفاد أنّ للإحرام أثراً في عدم تغطية الوجه » . واستدلّوا أيضاً من المعقول بأنّ المرأة لا تغطّي وجهها ، مع أنّ في الكشف فتنةً ، فالرّجل بطريق الأولى . واستدلّ الشّافعيّة والحنابلة بما ورد من الآثار عن بعض الصّحابة بإباحة تغطية المحرم وجهه ، من فعلهم أو قولهم . روي ذلك عن عثمان بن عفّان ، وعبد الرّحمن بن عوف ، وزيد بن ثابت ، وابن الزّبير ، وسعد بن أبي وقّاص ، وجابر . وروى القاسم وطاوس والثّوريّ من غير الصّحابة . لبس القفّازين : 66 - ثامناً : يحرم على الرّجل لبس القفّازين ، باتّفاق العلماء ، كما نصّ على ذلك النّوويّ ، وهو كذلك في مصادر المذاهب . ب - محظورات الإحرام من الملبس في حقّ النّساء : ينحصر محظور الإحرام من الملبس في حقّ النّساء في أمرين فقط ، هما الوجه واليدان ، نفصّل بحثهما فيما يلي : ستر الوجه : 67 - اتّفق العلماء على أنّه يحرم على المرأة في الإحرام ستر وجهها ، لا خلاف بينهم في ذلك . والدّليل عليه من النّقل ما سبق في الحديث : « ولا تنتقب المرأة المحرمة ، ولا تلبس القفّازين » . وضابط السّاتر هنا عند المذاهب هو كما مرّ في ستر الرّأس للرّجل . وإذا أرادت أن تحتجب بستر وجهها عن الرّجال جاز لها ذلك اتّفاقاً بين العلماء ، إلاّ إذا خشيت الفتنة أو ظنّت فإنّه يكون واجباً . والدّليل على هذا الاستثناء حديث عائشة رضي الله عنها قالت : « كان الرّكبان يمرّون بنا ونحن مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم محرمات ، فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها ، فإذا جاوزونا كشفناه » أخرجه أبو داود . وعن فاطمة بنت المنذر قالت : كنّا نخمّر وجوهنا ونحن محرمات ، ونحن مع أسماء بنت أبي بكر الصّدّيق . أخرجه مالك والحاكم . ومرادها من هذا ستر الوجه بغير النّقاب على معنى التّستّر . وقد اشترط الحنفيّة والشّافعيّة - وهو قول عند الحنابلة - ألاّ يلامس السّاتر الوجه ، كأن تضع على رأسها تحت السّاتر خشبةً أو شيئاً يبعد السّاتر عن ملامسة وجهها " لأنّه بمنزلة الاستظلال بالمحمل " كما في الهداية . وأجاز لها المالكيّة أن تستر وجهها إذا قصدت السّتر عن أعين النّاس ، بثوب تسدله من فوق رأسها دون ربط ، ولا غرز بإبرة أو نحوها ممّا يغرز به . ومثل ذلك عند الحنابلة ، لكن عبّروا بقولهم : « إن احتاجت إلى ستره " ؛ لأنّ العلّة في السّتر المحرّم أنّه ممّا يربط ، وهذا لا يربط ، كما تشير عبارة المالكيّة . لبس القفّازين : 68 - يحظر على المرأة المحرمة لبس القفّازين عند المالكيّة والحنابلة ، وهو المعتمد عند الشّافعيّة . وذهب الحنفيّة ، وهو رواية عند الشّافعيّة ، إلى أنّه يجوز لها اللّبس بكفّيها ، كالقفّاز وغيره ، ويقتصر إحرامها على وجهها فقط . استدلّ الجمهور بحديث ابن عمر بزيادة : « ولا تنتقب المرأة المحرمة ، ولا تلبس القفّازين » . واستدلّ الحنفيّة بحديث ابن عمر قال : « إحرام المرأة في وجهها » ، وبما ورد من آثار عن الصّحابة . وكان سعد بن أبي وقّاص يلبس بناته القفّازين وهنّ محرمات . ورخّص فيه عليّ وعائشة . وهو قول عطاء وسفيان والثّوريّ . يجوز للمحرمة تغطية يدها فقط من غير شدّ ، وأن تدخل يديها في أكمامها وفي قميصها . المحرّمات المتعلّقة ببدن المحرم 69 - ضابط هذه المحظورات كلّ شيء يرجع إلى تطييب الجسم ، أو إزالة الشّعث ، أو قضاء التّفث . والدّليل على تحريمها قوله تعالى : { ولا تحلقوا رءوسكم حتّى يبلغ الهدي محلّه فمن كان منكم مريضاً أو به أذًى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك } . ومن السّنّة قوله صلى الله عليه وسلم : « ولا تلبسوا شيئاً من الثّياب مسّه الزّعفران ولا الورس » . أخرجه السّتّة . فتحرم الأشياء الآتية : أ - حلق الرّأس . ب - إزالة الشّعر من أيّ موضع من الجسم . ج - قصّ الظّفر . د - الأدهان . هـ - التّطيّب . تفصيل أحكام هذه المحظورات حلق الرّأس : 70 - يحظر على المحرم حلق رأسه أو رأس محرم غيره . وكذا لو حلق له غيره حلالاً أو محرماً يحظر عليه تمكينه من ذلك . والتّقصير كالحلق في ذلك كلّه . وقليل الشّعر كذلك يحظر حلقه أو قطعه . وكذلك إزالة الشّعر عن الرّأس بأيّ شيء كالنّتف ، والحرق ، أو استعمال النّورة لإزالته . ومثلها أيّ علاج مزيل للشّعر . وذلك كلّه ما لم يفرغ الحالق والمحلوق له من أداء نسكهما . فإذا فرغا لا يدخلان في الحظر . ويسوغ لهما أن يحلق أحدهما للآخر ، باتّفاق المذاهب على ذلك كلّه . والدّليل هو ما سبق من نصّ الآية ، وهي وإن ذكرت الحلق فإنّ غيره ممّا ذكرنا مثله في التّرفّه ، فيقاس عليه ، ويأخذ حكمه . واختلفوا في حلق المحرم للحلال . فحظره الحنفيّة . وهو قول للمالكيّة . وأجازه المالكيّة في قول آخر والشّافعيّة والحنابلة . استدلّ الثّلاثة بأنّ المحرم حلق شعراً لا حرمة له من حيث الإحرام ، فلا يمنع ، ولا جزاء عليه . واستدلّ الحنفيّة : بأنّ المحرم كما هو ممنوع من حلق رأس نفسه ممنوع من حلق رأس غيره ، لقوله عزّ وجلّ : { ولا تحلقوا رءوسكم حتّى يبلغ الهدي محلّه } . والإنسان لا يحلق رأس نفسه عادةً ، إلاّ أنّه لمّا حرم عليه حلق رأس غيره يحرم عليه حلق رأس نفسه من طريق الأولى . وسواء كان المحلوق حلالاً أو حراماً ، لما قلنا . إزالة الشّعر من أيّ موضع من الجسم : 71 - يحظر إزالة الشّعر وذلك قياساً على شعر الرّأس ، بجامع التّرفّه في كلّ منهما . الادّهان : 73 - الدّهن مادّة دسمة من أصل حيوانيّ أو نباتيّ . وقد اختلفوا في الدّهن غير المطيّب : فالجمهور - عدا الإمام أحمد - على تفصيل بينهم - ذهبوا إلى حظر استعمال الدّهن ولو كان غير مطيّب ، كالزّيت ، لما فيه من التّرفّه والتّزيين ، وتحسين الشّعر ، وذلك ينافي الشّأن الّذي يجب أن يكون عليه المحرم من الشّعث والغبار افتقاراً وتذلّلاً للّه تعالى . وقد أوردوا في الدّهن وأشباهه الاستدلال بحديث ابن عمر ، قال : « قام رجل إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : من الحاجّ يا رسول اللّه ؟ قال : الشّعث التّفل » . أخرجه التّرمذيّ وابن ماجه . والشّعث : بكسر العين الوصف ، وبفتحها المصدر ، ومعناه انتشار الشّعر وتغبّره لقلّة التّعهّد . والتّفل : من التّفل ، وهو ترك الطّيب حتّى يوجد منه رائحة كريهة . فشمل بذلك ترك الدّهن . فقال الحنفيّة والمالكيّة يحظر على المحرم استعمال الدّهن في رأسه ولحيته وعامّة بدنه لما ذكرنا من عموم الاستدلال فيما سبق . وقال الشّافعيّة يحظر دهن شعر الرّأس للرّجل والمرأة واللّحية وما ألحق بهما كالشّارب والعنفقة فقط ، حتّى لو كان أصلع جاز دهن رأسه ، أمّا إذا كانا محلوقين فيحظر دهنهما ؛ لأنّه يزيّنهما إذا نبتا . ويباح له دهن ما عدا الرّأس واللّحية وما ألحق بهما ، ولا يحظر ، ظاهراً كان أو باطناً ، ويباح سائر شعور بدنه ، ويباح له أكل الدّهن من غير أن يصيب اللّحية أو الشّارب أو العنفقة . واستدلّوا بأنّه ليس في الدّهن طيب ولا تزيين ، فلا يحرم إلاّ فيما ذكرنا ؛ لأنّه به يحصل التّزيين . وإنّ الّذي جاء به الشّرع استعمال الطّيب ، وهذا ليس منه ، فلا يثبت تحريمه . وقال الحنابلة - على المعتمد عندهم من إباحته في كلّ البدن : « إنّ وجوب الفدية يحتاج إلى دليل ، ولا دليل فيه من نصّ ولا إجماع . ولا يصحّ قياسه على الطّيب ، فإنّ الطّيب يوجب الفدية وإن لم يزل شيئاً ، ويستوي فيه الرّأس وغيره ، والدّهن بخلافه » . هـ - التّطيّب : 74 - الطّيب عند الحنفيّة : ما له رائحة مستلذّة ويتّخذ منه الطّيب . وعند الشّافعيّة : ما يقصد منه رائحته غالباً ، ولو مع غيره . ويشترط في الطّيب الّذي يحكم بتحريمه أن يكون معظم الغرض منه الطّيب ، واتّخاذ الطّيب منه ، أو يظهر فيه هذا الغرض . وعند الحنابلة : ما تطيب رائحته ويتّخذ للشّمّ . وقسّمه المالكيّة إلى قسمين : مذكّر ومؤنّث . فالمذكّر : هو ما يخفى أثره أي تعلّقه بما مسّه من ثوب أو جسد ويظهر ريحه . والمراد به أنواع الرّياحين : كالرّيحان ، والورد ، والياسمين . وأمّا المياه الّتي تعتصر ممّا ذكر فليس من قبيل المؤنّث . والمؤنّث : هو ما يظهر لونه وأثره ، أي تعلّقه بما مسّه مسّاً شديداً ، كالمسك ، والكافور ، والزّعفران . فالمؤنّث يكره شمّه ، واستصحابه ، ومكث في المكان الّذي هو فيه ، ويحرم منه . والمذكّر يكره شمّه ، وأمّا مسّه من غير شمّ واستصحابه ومكث بمكان هو فيه فهو جائز . تفصيل أحكام التّطيّب للمحرم : تطييب الثّوب : 75 - وهو أصل في الباب ، للتّنصيص عليه في الحديث السّابق ، ومن هنا قالوا : المحرم ممنوع من استعمال الطّيب في إزاره ، أو ردائه ، وجميع ثيابه ، وفراشه ، ونعله حتّى لو علق بنعله طيب وجب أن يبادر لنزعه ، ولا يضع عليه ثوباً مسّه الورس أو الزّعفران ، أو نحوهما من صبغ له طيب . كذلك لا يجوز له حمل طيب تفوح رائحته ، أو شدّه بطرف ثوبه ، كالمسك ، بخلاف شدّ عود أو صندل . أمّا الثّوب الّذي فيه طيب قبل الإحرام فلا يجوز عند الحنفيّة والمالكيّة لبسه . ويجوز عند الشّافعيّة والحنابلة تطييب ثوب الإحرام عند إرادة الإحرام . ولا يضرّ بقاء الرّائحة في الثّوب بعد الإحرام ، كما لا يضرّ بقاء الرّائحة الطّيّبة في البدن اتّفاقاً ، قياساً للثّوب على البدن ، لكن نصّوا على أنّه لو نزع ثوب الإحرام أو سقط عنه فلا يجوز له أن يعود إلى لبسه ما دامت الرّائحة فيه ، بل يزيل منه الرّائحة ثمّ يلبسه . تطييب البدن : 76 - يحظر على المحرم استعمال الطّيب في بدنه ، وعليه الفدية ، ولو للتّداوي . ولا يخضّب رأسه أو لحيته أو شيئاً من جسمه ، ولا يغسله بما فيه طيب ، ومنه عند الحنفيّة الخطميّ والحنّاء ، على ما مرّ من الخلاف فيهما . 77 - وأكل الطّيب الخالص أو شربه لا يحلّ للمحرم اتّفاقاً بين الأئمّة . أمّا إذا خلط الطّيب بطعام قبل الطّبخ ، وطبخه معه ، فلا شيء عليه ، قليلاً كان أو كثيراً ، عند الحنفيّة والمالكيّة . وكذا عند الحنفيّة لو خلطه بطعام مطبوخ بعد طبخه فإنّه يجوز للمحرم أكله . أمّا إذا خلطه بطعام غير مطبوخ : فإن كان الطّعام أكثر فلا شيء ، ولا فدية إن لم توجد الرّائحة ، وإن وجدت معه الرّائحة الطّيّبة يكره أكله عند الحنفيّة . وإن كان الطّيب أكثر وجب في أكله الدّم سواء ظهرت رائحته أو لم تظهر . وأمّا عند المالكيّة فكلّ طعام خلط بطيب من غير أن يطبخ الطّيب معه فهو محظور في كلّ الصّور ، وفيه الفداء . أمّا إن خلط الطّيب بمشروب ، كماء الورد وغيره ، وجب فيه الجزاء ، قليلاً كان الطّيب أو كثيراً ، عند الحنفيّة والمالكيّة . وقال الشّافعيّة والحنابلة : إذا خلط الطّيب بغيره من طعام أو شراب ، ولم يظهر له ريح ولا طعم ، فلا حرمة ولا فدية ، وإلاّ فهو حرام وفيه الفدية . شمّ الطّيب : 78 - شمّ الطّيب دون مسّ يكره عند الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة ، ولا جزاء فيه عندهم . أمّا الحنابلة فقالوا : يحرم تعمّد شمّ الطّيب ، ويجب فيه الفداء ، كالمسك والكافور ، ونحوهما ممّا يتطيّب بشمّه . الصّيد وما يتعلّق به 79 - تعريف الصّيد لغةً : الصّيد لغةً : مصدر بمعنى ، الاصطياد ، والقنص ، وبمعنى المصيد ، وكلّ من المعنيين داخل فيما يحظر بالإحرام . تعريف الصّيد اصطلاحاً : 80 - الصّيد عند الحنفيّة هو الحيوان البرّيّ الممتنع عن أخذه بقوائمه ، أو جناحيه ، المتوحّش في أصل الخلقة . وعند المالكيّة هو الحيوان البرّيّ المتوحّش في أصل الخلقة . وعند الشّافعيّة والحنابلة هو الحيوان البرّيّ المتوحّش المأكول اللّحم . أدلّة تحريم الصّيد : 81 - وقد ثبت تحريم الصّيد على المحرم بالكتاب والسّنّة والإجماع : أمّا الكتاب : فقوله تعالى : { يا أيّها الّذين آمنوا لا تقتلوا الصّيد وأنتم حرم } . وقال عزّ من قائل : { وحرّم عليكم صيد البرّ ما دمتم حرماً } . وكلّ منهما نصّ قاطع في الموضوع . وأمّا السّنّة فمنها حديث أبي قتادة « حين أحرم أصحابه ولم يحرم ، ورأى حمار وحش . وفي الحديث فأسرجت فرسي ، وأخذت رمحي ، ثمّ ركبت ، فسقط منّي سوطي ، فقلت لأصحابي - وكانوا محرمين - ناولوني السّوط . فقالوا : واللّه لا نعينك عليه بشيء ، فنزلت ، فتناولته ثمّ ركبت . وفي رواية أخرى : فنزلوا ، فأكلوا من لحمها ، وقالوا : أنأكل لحم صيد ونحن محرمون ؟ فحملنا ما بقي من لحم الأتان ، فلمّا أتوا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قالوا : يا رسول اللّه إنّا كنّا أحرمنا ، وقد كان أبو قتادة لم يحرم ، فرأينا حمر وحش ، فحمل عليها أبو قتادة فعقر منها أتاناً ، فنزلنا ، فأكلنا من لحمها ، ثمّ قلنا : أنأكل لحم صيد ونحن محرمون ، ؟ فحملنا ما بقي من لحمها . قال : أمنكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها ؟ قالوا : لا قال : فكلوا ما بقي من لحمها » متّفق عليه . وأمّا الإجماع فقد حكاه النّوويّ وابن قدامة كما ذكر ابن قدامة إجماع أهل العلم على وجوب الجزاء بقتله . إباحة صيد البحر : 82 - وأمّا صيد البحر : فحلال للحلال وللمحرم بالنّصّ ، والإجماع : أمّا النّصّ فقوله تعالى : { أحلّ لكم صيد البحر وطعامه متاعاً لكم وللسّيّارة وحرّم عليكم صيد البرّ ما دمتم حرماً } . والإجماع حكاه النّوويّ وأبو بكر الجصّاص . أحكام تحريم الصّيد على المحرم : 83 - يشمل تحريم الصّيد على المحرم أموراً نصنّفها فيما يلي : تحريم قتل الصّيد ، لصريح النّصوص الواردة في ذلك . وتحريم إيذاء الصّيد ، أو الاستيلاء عليه . ومن ذلك : كسر قوائم الصّيد ، أو كسر جناحه ، أو شيّ بيضه أو كسره ، أو نتف ريشه ، أو جزّ شعره ، أو تنفير الصّيد ، أو أخذه ، أو دوام إمساكه ، أو التّسبّب في ذلك كلّه أو في شيء منه بدليل الآية : { وحرّم عليكم صيد البرّ ما دمتم حرماً } . والآية تفيد تحريم سائر أفعالنا في الصّيد في حال الإحرام » . والدّليل من القياس : « أنّ ما منع من إتلافه لحقّ الغير منع من إتلاف أجزائه ، كالآدميّ ، فإن أتلف جزءاً منه ضمنه بالجزاء . . . » . وللقياس على حظر تنفير صيد الحرم ، لقوله صلى الله عليه وسلم في مكّة : « إنّ هذا البلد حرّمه اللّه ، لا يعضد شوكه ، ولا ينفّر صيده ، ولا تلتقط لقطته إلاّ من عرّفها » فإذا حرم تنفير صيد الحرم وجب أن يحرم في الإحرام . 84 - وتحرم المساعدة على الصّيد بأيّ وجه من الوجوه : مثل الدّلالة عليه ، أو الإشارة ، أو إعارة سكّين ، أو مناولة سوط . وكذا يحرم الأمر بقتل الصّيد اتّفاقاً في ذلك . والدّليل عليه حديث أبي قتادة السّابق . تحريم تملّك الصّيد 85 - يحرم تملّك الصّيد ابتداءً ، بأيّ طريق من طرق التّملّك ، فلا يجوز بيعه ، أو شراؤه ، أو قبوله هبةً ، أو وصيّةً ، أو صدقةً ، أو إقالةً . والدّليل على تحريم ذلك الآية : { وحرّم عليكم صيد البرّ ما دمتم حرماً } . قال في فتح القدير : « أضاف التّحريم إلى العين ، فيكون ساقط التّقوّم في حقّه ، كالخمر . وأنت علمت أنّ إضافة التّحريم إلى العين تفيد منع سائر الانتفاعات » . ويستدلّ أيضاً من السّنّة بحديث الصّعب بن جثّامة « أنّه أهدى إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حمار وحش ، فردّه عليه ، فلمّا رأى ما في وجهه قال : إنّا لم نردّه عليك إلاّ أنّا حرم » . متّفق عليه . ويستدلّ بإجماع العلماء . تحريم الانتفاع بشيء من الصّيد 86 - يحرم على المحرم أكل لحمه ، وحلبه ، وأكل بيضه ، وشيّه . وذلك لعموم الأدلّة الّتي سبقت في تحريم تملّك الصّيد ؛ ولأنّ الانتفاع فرع من الملك ، فإذا حرّم الملك لم يبق محلّ لأثره . 87 - إذا صاد الحلال صيداً فهل يحلّ للمحرم أكله ؟ في المسألة مذاهب : المذهب الأوّل : لا يحلّ للمحرم الصّيد أصلاً ، سواء أمر به أم لا ، وسواء أعان على صيده أم لا ، وسواء أصاده الحلال له أم لم يصده له . وهذا قول طائفة من أهل العلم ، منهم من الصّحابة : عليّ وابن عمر وابن عبّاس رضي الله عنهم . وكره ذلك طاوس وجابر بن زيد وسفيان الثّوريّ . المذهب الثّاني : ما صاده الحلال للمحرم ومن أجله فلا يجوز للمحرم أكله ، فأمّا ما لم يصده من أجل المحرم بل صاده لنفسه أو لحلال آخر فلا يحرم على المحرم أكله . وهذا مذهب الجمهور ، المالكيّة والشّافعيّة الحنابلة . وهو قول إسحاق بن راهويه ، وأبي ثور . وقال ابن عبد البرّ : وهو الصّحيح عن عثمان في هذا الباب . إلاّ أنّ المالكيّة قالوا : ما صيد للمحرم هو ميتة على كلّ أحد ، المحرم المذبوح له وغيره ، وعلى المحرم الجزاء إن علم أنّه صيد لمحرم ولو غيره ، وأكل . وإن لم يعلم وأكل منه فلا جزاء عليه . ووافقهم الحنابلة في لزوم الجزاء ، وفصّلوا فأوجبوه كاملاً إن أكله كلّه ، وقسطه إن أكل بعضه ، لكنّهم لم يجعلوه حراماً إلاّ على من ذبح له . وقال الشّافعيّة - على ما هو الأصحّ الجديد في المذهب - لا جزاء في الأكل . ولم يعمّموا الحرمة على غير من صيد له الصّيد . المذهب الثّالث : يحلّ للمحرم أكل ما صاده الحلال من الصّيد ، ما لم يأمر به ، أو تكون منه إعانة عليه أو إشارة أو دلالة ، وهو مذهب الحنفيّة . وقال ابن المنذر : « كان عمر بن الخطّاب وأبو هريرة ومجاهد وسعيد بن جبير يقولون : للمحرم أكل ما صاده الحلال ، وروي ذلك عن الزّبير بن العوّام ، وبه قال أصحاب الرّأي » . استدلّ أصحاب المذهب الأوّل القائلون بتحريم أكل لحم الصّيد على المحرم مطلقاً بإطلاق الكتاب والسّنّة فيما سبق . واستدلّ الجمهور أصحاب المذهب الثّاني بأنّ ما صاده الحلال يحلّ أكله للمحرم بشرط ألاّ يكون صيد لأجله بأدلّة من السّنّة منها : حديث أبي قتادة السّابق فقد أحلّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم للمحرمين أكل ما صاده الحلال . واستدلّ الجمهور أيضاً بحديث جابر رضي الله عنه قال : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول : « صيد البرّ لكم حلال ، ما لم تصيدوه أو يصد لكم » . أخرجه أبو داود والتّرمذيّ والنّسائيّ وصحّحه الحاكم . وقد تكلّم في سنده ، لكن رجّح النّوويّ صحّته . واستدلّ أصحاب المذهب الثّالث الحنفيّة ومن معهم - القائلون : يحلّ للمحرم أن يأكل من صيد صاده الحلال ، وذبحه ، ما لم يكن من المحرم دلالة ولا أمر للحلال به ، وإن صاده الحلال لأجل المحرم - بأدلّة كثيرة من السّنّة والآثار . منها حديث أبي قتادة السّابق ، في صيده حمار وحش وهو حلال وأكل منه الصّحابة وأقرّهم النّبيّ صلى الله عليه وسلم منه . وجه دلالة الحديث : « أنّهم لمّا سألوه عليه الصلاة والسلام لم يجب بحلّه لهم حتّى سألهم عن موانع الحلّ ، أكانت موجودةً أم لا ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : أمنكم أحد أمره أن يحمل عليها ، أو أشار إليها ؟ قالوا : لا . قال : فكلوا إذن » . فلو كان من الموانع أن يصاد لهم لنظمه في سلك ما يسأل عنه منها في التّفحّص عن الموانع ، ليجيب بالحكم عند خلوّه منها . وهذا المعنى كالصّريح في نفي كون الاصطياد للمحرم مانعاً ، فيعارض حديث جابر ، ويقدّم عليه ، لقوّة ثبوته . صيد الحرم : 88 - المراد بالحرم هنا مكّة والمنطقة المحرّمة المحيطة بها . وللحرم أحكام خاصّة ، منها تحريم صيده على الحلال كما يحرم على المحرم أيضاً ، وذلك باتّفاق العلماء ، لقوله صلى الله عليه وسلم : « إنّ هذا البلد حرّمه اللّه ، لا يعضد شوكه ، ولا ينفّر صيده ، ولا تلتقط لقطته إلاّ من عرّفها » . متّفق عليه . فقرّر العلماء من تحريم الصّيد على الحلال في الحرم أحكاماً نحو تحريم الصّيد على المحرم ، وتفرّعت لذلك فروع في المذاهب لا نطيل ببسطها ( ر : حرم . ) ما يستثنى من تحريم قتل الصّيد : 89 - أ - اتّفق على جواز قتل الحيوانات التّالية في الحلّ والحرم ، للمحرم وغيره ، سواء ابتدأت بأذًى أو لا ، ولا جزاء على من قتلها - وهي : الغراب ، والحدأة ، والذّئب ، والحيّة ، والعقرب ، والفأرة ، والكلب العقور ، لما ورد من الأحاديث في إباحة قتلها : روى مالك عن نافع عن ابن عمر أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال : « خمس من الدّوابّ ليس على المحرم في قتلهنّ جناح : الغراب ، والحدأة ، والعقرب ، والفأرة ، والكلب العقور » . متّفق عليه . وقد ورد ذكر الغراب في الحديث مطلقاً ، ومقيّداً ، ففسّروه بالغراب الأبقع الّذي يأكل الجيف . قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري : « اتّفق العلماء على إخراج الغراب الصّغير الّذي يأكل الحبّ من ذلك ، ويقال له : غراب الزّرع » . ا هـ . يعني أنّه لا يدخل في إباحة قتل الصّيد ، بل يحرم صيده . إلاّ أنّ المالكيّة فصلّوا فقالوا : يجوز قتل الفأرة والحيّة والعقرب مطلقاً ، صغيرةً أو كبيرةً ، بدأت بالأذيّة أم لا . وأمّا الغراب والحدأة ففي قتل صغيرهما - وهو ما لم يصل لحدّ الإيذاء - خلاف عند المالكيّة : قول بالجواز نظراً للفظ « غراب " الواقع في الحديث ، فإنّه مطلق يصدق على الكبير والصّغير : وقول بالمنع نظراً للعلّة في جواز القتل ، وهي الإيذاء ، وذلك منتف في الصّغير . وعلى القول بالمنع ، فلا جزاء فيه ، مراعاةً للقول الآخر . ثمّ قرّر المالكيّة شرطاً لجواز قتل ما يقبل التّذكية ، كالغراب ، والحدأة ، والفأرة ، والذّئب ، وهو أن يكون قتلها بغير نيّة الذّكاة ، بل لدفع شرّها ، فإن قتل بقصد الذّكاة ، فلا يجوز ، وفيه الجزاء . 90 - ب - يجوز قتل كلّ مؤذ بطبعه ممّا لم تنصّ عليه الأحاديث ، مثل الأسد ، والنّمر ، والفهد ، وسائر السّباع . بل صرّح الشّافعيّة والحنابلة أنّه مستحبّ بإطلاق دون اشتراط شيء . وكذا الحكم عندهم فيما سبق استحباب قتل تلك المؤذيات . وأمّا المالكيّة فعندهم التّفصيل السّابق بالنّسبة للكبار والصّغار ، واشتراط عدم قصد الذّكاة بقتلها . واشترطوا في الطّير الّذي لم ينصّ عليه أن يخاف منه على نفس أو مال ، ولا يندفع إلاّ بقتله . وأمّا الحنفيّة فقالوا : السّباع ونحوها كالبازي والصّقر ، معلّماً وغير معلّم ، صيود لا يحلّ قتلها . إلاّ إذا صالت على المحرم ، فإن صالت جاز له قتلها ولا جزاء عليه . وفي رواية عندهم جواز قتلها مطلقاً . استدلّ الجمهور على تعميم الحكم في كلّ مؤذ بأدلّة : منها : حديث أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : « يقتل المحرم السّبع العادي ، والكلب العقور ، والفأرة ، والعقرب ، والحدأة والغراب . » . أخرجه أبو داود والتّرمذيّ وابن ماجه . وقال التّرمذيّ : هذا حديث حسن ، والعمل على هذا عند أهل العلم ، قالوا : « المحرم يقتل السّبع العادي » . واستدلّوا بما ورد في الأحاديث المتّفق عليها من الأمر بقتل " الكلب العقور » . قال الإمام مالك : « إنّ كلّ ما عقر النّاس وعدا عليهم وأخافهم مثل الأسد ، والنّمر ، والفهد ، والذّئب ، فهو الكلب العقور » . 91 - ج - ألحق الشّافعيّة والحنابلة بما يقتل في الحرم والإحرام كلّ ما لا يؤكل لحمه . [/QUOTE]
الإسم
التحقق
اكتب معهد الماهر
رد
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية