الرئيسية
المنتديات
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
الغرف الصوتية
غرفة ٠٠٠٠
ما الجديد
المشاركات الجديدة
جديد مشاركات الحائط
آخر النشاطات
الأعضاء
الزوار الحاليين
مشاركات الحائط الجديدة
البحث عن مشاركات الملف الشخصي
تسجيل الدخول
تسجيل
ما الجديد
البحث
البحث
بحث بالعناوين فقط
بواسطة:
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
قائمة
تسجيل الدخول
تسجيل
تثبيت التطبيق
تثبيت
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية
تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة
.
الرد على الموضوع
الرسالة
<blockquote data-quote="ابن عامر الشامي" data-source="post: 40744" data-attributes="member: 329"><p>الهوامّ والحشرات</p><p>92 - د - لا تدخل الهوامّ والحشرات في تحريم الصّيد عند أصحاب المذاهب الثّلاثة : الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة . أمّا عند الحنفيّة : فلأنّها ليست ممتنعةً ، وقد ذكروا في تعريف الصّيد أنّه الممتنع . وعلى ذلك فلا جزاء في قتلها عند الحنفيّة ، لكن لا يحلّ عندهم قتل ما لا يؤذي ، وإن لم يجب فيه الجزاء . وأمّا عند الشّافعيّة والحنابلة فلا تدخل في الصّيد ، لكونهم اشترطوا فيه أن يكون مأكولاً . وهذه غير مأكولة ، وقد عرفت تفصيل حكمها عندهم في المسألة السّابقة . وأمّا المالكيّة فقالوا : يحظر قتل ما لا يؤذي من الحشرات بالإحرام والحرم ، وفيه الجزاء عندهم . لكن قالوا في الوزغ : لا يجوز للمحرم قتله ، ويجوز للحلال قتله في الحرم ، " إذ لو تركها الحلال بالحرم لكثرت في البيوت وحصل منها الضّرر » .</p><p>الجماع ودواعيه :</p><p>93 - يحرم على المحرم باتّفاق العلماء وإجماع الأمّة الجماع ودواعيه الفعليّة أو القوليّة وقضاء الشّهوة بأيّ طريق . والجماع أشدّ المحظورات حظراً ؛ لأنّه يؤدّي إلى فساد النّسك . والدّليل على تحريم ذلك النّصّ القرآنيّ : { فمن فرض فيهنّ الحجّ فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحجّ } . فسّر الرّفث بأنّه ما قيل عند النّساء من ذكر الجماع وقول الفحش . وثبت ذلك عن ابن عبّاس فتكون الآية دليلاً على تحريم الجماع على المحرم بطريق دلالة النّصّ ، أي من باب الأولى ؛ لأنّه إذا حرم ما دون الجماع ، كان تحريمه معلوماً بطريق الأولى . وفسّر الرّفث أيضاً بذكر إتيان النّساء ، الرّجال والنّساء إذا ذكروا ذلك بأفواههم . ونقل ذلك عن ابن عمر وبعض التّابعين . فتدلّ الآية على حرمة الجماع لدخوله في عمومها . كما فسّر بالجماع أيضاً ، ونسب ذلك إلى جماعة من السّلف منهم ابن عبّاس وابن عمر ، فتكون الآية نصّاً فيه .</p><p>الفسوق والجدال :</p><p>94 - الفسوق : هو الخروج عن الطّاعة . وهو حرام في كلّ حال ، وفي حال الإحرام آكد وأغلظ ، لذلك نصّ عليه في الكتاب الكريم : { ولا فسوق ولا جدال في الحجّ } . وقد اختار جمهور المفسّرين والمحقّقون أنّ المراد به في الآية إتيان معاصي اللّه تعالى . وهذا هو المراد والصّواب ، لما هو معلوم من استعمال القرآن والسّنّة والشّرع لكلمة الفسق بمعنى الخروج عن الطّاعة . والجدال : المخاصمة . وقد قال جمهور المفسّرين المتقدّمين : أن تماري صاحبك حتّى تغضبه . وهذا يقتضي النّهي عن كلّ مساوئ الأخلاق والمعاملات . لكن ما يحتاج إليه من الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر لا يدخل في حظر الجدال .</p><p>الفصل السّادس مكروهات الإحرام</p><p>95 - وهي أمور يكون فاعلها مسيئاً ، لكن لا يلزمه جزاء لو فعلها . وفي بيانها تنبيه هامّ ، وإزاحة لما قد يقع من اشتباه .</p><p>96 - فمنها غسل الرّأس والجسد واللّحية بالسّدر ونحوه ، عند الحنفيّة ؛ لأنّه يقتل الهوامّ ويليّن الشّعر .</p><p>97 - ومشط الرّأس بقوّة ، وحكّه ، وكذا حكّ الجسد حكّاً شديداً ، وذلك لأنّه يؤدّي إلى قطع الشّعر أو نتفه . أمّا لو فعل ذلك برفق فإنّه مباح ، لذلك قالوا : يحكّ ببطون أنامله . قال النّوويّ : « وأمّا حكّ المحرم رأسه فلا أعلم خلافاً في إباحته بل هو جائز » . 98 - والتّزيّن ، صرّح بكراهته الحنفيّة وعبارات غيرهم تدلّ عليه . قال الحنفيّة في الاكتحال بكحل غير مطيّب لقصد الزّينة إنّه مكروه ، فإن اكتحل لا لقصد الزّينة بكحل غير مطيّب بل للتّداوي أو لتقوية الباصرة فمباح . أمّا المالكيّة فالاكتحال بغير مطيّب محظور عندهم ، وفيه الفداء ، إلاّ لضرورة فلا فداء فيه . ومذهب الشّافعيّة والحنابلة الاكتحال بما لا طيب فيه ، إن لم يكن فيه زينة ، غير مكروه ، كالكحل الأبيض ، وإن كان فيه زينة كالإثمد فإنّه يكره ، لكن لا يلزم فيه فدية . فإن اكتحل بما فيه زينة لحاجة كالرّمد فلا كراهة . أمّا الاكتحال بكحل مطيّب فإنّه محظور اتّفاقاً على الرّجال والنّساء .</p><p>ما يباح في الإحرام</p><p>99 - الأمور الّتي تباح في الإحرام كلّ ما ليس محظوراً ولا مكروهاً ، لأنّ الأصل في الأشياء الإباحة . ونذكر منها ما يلي :</p><p>100 - الاغتسال بالماء القراح ، وماء الصّابون ونحوه .</p><p>101 - ولبس الخاتم جائز عند الحنفيّة أو الشّافعيّة والحنابلة للرّجال والنّساء . ولا يجوز عند المالكيّة للرّجل المحرم لبس الخاتم ، وفيه الفداء . وأمّا المرأة : فيجوز لها لبس المحيط لسائر أعضائها ، ما عدا الوجه والكفّين عند الثّلاثة ، وما عدا الوجه فقط عند الحنفيّة . وشدّ الهميان والمنطقة جائز عند الحنفيّة بإطلاق وكذا الشّافعيّة . وقيّد المالكيّة والحنابلة إباحة شدّهما بالحاجة لنفقته .</p><p>102 - والنّظر في المرآة مباح عند الحنفيّة والشّافعيّة مطلقاً . وعند الحنابلة جائز لحاجة لا لزينة ، وأمّا المالكيّة فيكره عندهم النّظر في المرآة ، خيفة أن يرى شعثاً فيزيله .</p><p>103 - والسّواك نصّ على إباحته الحنفيّة وليس هو محلّ خلاف .</p><p>104 - ونزع الظّفر المكسور مباح باتّفاق الأئمّة ، وصرّح الشّافعيّة بألاّ يجاوز القسم المكسور ، وهذا لا يختلف فيه .</p><p>105 - والفصد والحجامة بلا نزع شعر جائزة عند فقهاء المذاهب الأربعة . ومثلهما الختان . لكن تحفّظ المالكيّة بالنّسبة للفصد ، فقالوا : يجوز الفصد لحاجة إن لم يعصب العضو المفصود ، وإن لم يكن له حاجة للفصد فهو مكروه ، وإن عصبه ففيه الفدية .</p><p>106 - والارتداء والاتّزار بمخيط أو محيط أي أن يجعل الثّوب المخيط أو المحيط رداءً أو إزاراً ، دون لبس . وكذا إلقاؤه على جسمه كلّ ذلك مباح عندهم جميعاً .</p><p>107 - وذبح الإبل والبقر والحيوانات الأهليّة مباح وذلك لأنّها لا تدخل في تحريم الصّيد ولا محرّمات الإحرام باتّفاقهم .</p><p>الفصل السّابع</p><p>في سنن الإحرام</p><p>وهي أمور يثاب فاعلها ، ويكون تاركها مسيئاً ولا يلزمه بالتّرك شيء .</p><p>وجملة ذلك أربعة : </p><p>أوّلاً : الاغتسال :</p><p>108 - وهو سنّة عند الأئمّة الأربعة لما ورد فيه من الأحاديث ، كحديث زيد بن ثابت : « أنّه رأى النّبيّ صلى الله عليه وسلم تجرّد لإهلاله واغتسل » . أخرجه التّرمذيّ وحسّنه . وقد اتّفقوا على أنّ هذا الغسل سنّة لكلّ محرم صغير أو كبير ، ذكر أو أنثى ، ويطلب أيضاً من المرأة الحائض والنّفساء في حال الحيض والنّفاس . فعن ابن عبّاس مرفوعاً إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : « إنّ النّفساء والحائض تغتسل وتحرم وتقضي المناسك كلّها ، غير أن لا تطوف بالبيت حتّى تطهر » أخرجه أبو داود والتّرمذيّ وحسّنه واللّفظ للتّرمذيّ . ووقت هذا الاغتسال موسّع عند الحنفيّة في الأظهر من مذهبهم . وهو مذهب الحنابلة والشّافعيّة . وثمرة الخلاف أنّه لو اغتسل ثمّ أحدث ثمّ توضّأ ينال فضيلة السّنّة ، ولا يضرّه ذلك . وألحق الشّافعيّة هذا الغسل بغسل الجمعة ، فدلّ على أنّه موسّع ، كما هو حكم غسل الجمعة . أمّا المالكيّة فقيّدوا سنّيّة الغسل بأن يكون متّصلاً بالإحرام .</p><p>ثانياً : التّطيّب</p><p>109 - وهو من محظورات الإحرام ، لكنّه سنّ استعداداً للإحرام ، عند الجمهور ، وكرهه مالك . التّطيّب في البدن :</p><p>110 - ودليل سنّيّته ما روت عائشة رضي الله عنها قالت : « كنت أطيّب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم ، ولحلّه قبل أن يطوف بالبيت » . متّفق عليه . وعنها رضي الله عنها أيضاً قالت : « كأنّي أنظر إلى وبيص الطّيب في مفارق رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وهو محرم » . متّفق عليه . والصّحيح عندهم جواز التّطيّب بما يبقى جرمه بعد الإحرام ، لتصريح حديث عائشة الثّاني . وأمّا المالكيّة فحظروا بقاء جرم الطّيب ولم يجوّزوا بقاء رائحته . التّطيّب في ثوب الإحرام :</p><p>111 - أمّا تطييب الثّوب قبل الإحرام فمنعه الجمهور وأجازه الشّافعيّ في القول المعتمد . فلا يضرّ بقاء الرّائحة الطّيّبة في الثّوب بعد الإحرام ، كما لا يضرّ بقاء الرّائحة الطّيّبة في البدن اتّفاقاً ، قياساً للثّوب على البدن . لكن نصّوا على أنّه لو نزع ثوب الإحرام . أو سقط عنه . فلا يجوز له أن يعود إلى لبسه ما دامت الرّائحة فيه ، بل يزيل منه الرّائحة ثمّ يلبسه . وذهب الحنفيّة إلى عدم جواز التّطيّب في الثّوب للإحرام ، ولا يجوز أن يلبس ثوب إحرام مطيّباً لأنّه بذلك يكون مستعملاً للطّيب في إحرامه باستعمال الثّوب ، وهو محظور على المحرم . وذهب المالكيّة إلى أنّه إن تطيّب قبل الإحرام يجب إزالته ، سواء في ذلك بدنه أو ثوبه ، فإن بقي في البدن أو الثّوب بعد الإحرام شيء من جرم الطّيب الّذي تطيّب به قبل الإحرام فإنّ الفدية تكون واجبةً ، وأمّا إن كان الباقي في الثّوب رائحته ، فلا يجب نزع الثّوب لكن يكره استدامته ، ولا فدية . وأمّا اللّون ففيه قولان عند المالكيّة . وهذا كلّه في الأثر اليسير ، وأمّا الأثر الكثير ففيه الفدية . استدلّ المالكيّة بحديث يعلى بن أميّة قال : « أتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم رجل متضمّخ بطيب وعليه جبّة ، فقال : يا رسول اللّه : كيف ترى في رجل أحرم بعمرة في جبّة بعدما تضمّخ بطيب ؟ فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم : أمّا الطّيب الّذي بك فاغسله ثلاث مرّات ، وأمّا الجبّة فانزعها ، ثمّ اصنع في عمرتك ما تصنع في حجّك » . متّفق عليه . فاستدلالهم بهذا الحديث لحظر الطّيب في الإحرام في البدن والثّوب .</p><p>ثالثاً : صلاة الإحرام</p><p>112 - يسنّ للمحرم أن يصلّي ركعتين قبل الإحرام باتّفاق الأئمّة لحديث ابن عمر رضي الله عنهما : « كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يركع بذي الحليفة ركعتين » . أخرجه مسلم . ولا يصلّيهما في الوقت المكروه ، اتّفاقاً بين الأئمّة ، إلاّ من أحرم بالحرم عند الشّافعيّة ، فإنّه يصلّيهما ولو في الوقت المكروه عندهم . وتجزئ الصّلاة المكتوبة عن سنّة الإحرام اتّفاقاً كذلك ، كما في تحيّة المسجد .</p><p>رابعاً : التّلبية :</p><p>113 - التّلبية سنّة في الإحرام متّفق على سنّيّتها إجمالاً ، فيما عدا الخلاف في حكم قرنها بالنّيّة هل هي فرض في الإحرام مع النّيّة ، أو واجب أو سنّة ؟ ( ف . . . ) فاتّفقوا فيما عدا ذلك على سنّيّتها للمحرم ، وعلى استحباب الإكثار منها ، وسنّيّة رفع الصّوت بها . 114 - والأفضل أن يلبّي عقب صلاة الإحرام ناوياً الحجّ أو العمرة ، على ما قاله الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة . وهو قول عند الشّافعيّة ، وفي قول - وهو الأصحّ - يلبّي إذا ركب . ولا خلاف في جواز ذلك كلّه لورود الرّواية به . عن ابن عمر رضي الله عنهما « أنّه صلى الله عليه وسلم أهلّ حين استوت به راحلته قائمةً » متّفق عليه . 115 - وأمّا انتهاء التّلبية : فهو للحاجّ ابتداء رمي جمرة العقبة يوم النّحر عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ، ويقطعها عند الطّواف والسّعي للاشتغال بالأذكار والأدعية الواردة فيها . وأمّا المالكيّة فعندهم قولان : الأوّل : يستمرّ في التّلبية حتّى يبلغ مكّة ، فيقطع التّلبية حتّى يطوف ويسعى ، ثمّ يعاودها حتّى تزول الشّمس من يوم عرفة ويروح إلى مصلاّها . الثّاني : يستمرّ في التّلبية حتّى الابتداء بالطّواف والشّروع فيه .</p><p>116 - وأمّا تلبية إحرام العمرة فالجمهور أنّها تنتهي ببدء الطّواف باستلام الرّكن . وقال المالكيّة : المعتمر الآفاقيّ يلبّي حتّى الحرم ، لا إلى رؤية بيوت مكّة ، والمعتمر من الجعرانة والتّنعيم يلبّي إلى دخول بيوت مكّة ، لقرب المسافة . يدلّ للجمهور حديث ابن عبّاس عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : « يلبّي المعتمر حتّى يستلم الحجر » . أخرجه أبو داود والتّرمذيّ وصحّحه . واستدلّ مالك بما رواه عن نافع عن ابن عمر من فعله في المناسك قال : وكان يترك التّلبية في العمرة إذا دخل الحرم .</p><p>كيفيّة الإحرام المستحبّة :</p><p>117 - من أراد أن يحرم بحجّ أو عمرة أو بهما معاً يستحبّ له إزالة التّفث عن جسمه ، وأن يتزيّن على الصّورة المألوفة الّتي لا تتنافى مع الشّريعة وآدابها ، وأن يغتسل بنيّة الإحرام ، وإذا كان جنباً فيكفيه غسل واحد بنيّة إزالة الجنابة والإحرام ، وأن يتطيّب . والأولى أن يتطيّب بطيب لا يبقى جرمه ، على التّفصيل والخلاف السّابق ، ثمّ يلبس ثوبين نظيفين جديدين أو غسيلين ، على ألاّ يكونا مصبوغين بصبغ له رائحة . وأمّا المرأة فتلبس ما يستر عورتها إلاّ وجهها وكفّيها . ثمّ يصلّي ركعتين بنيّة الإحرام . فإذا أتمّهما نوى بقلبه وقال بلسانه : اللّهمّ إنّي أريد الحجّ فيسّره لي ، وتقبّله منّي . ثمّ يلبّي . وإذا كان يريد العمرة فيقول : اللّهمّ إنّي أريد العمرة ، فيسّرها لي ، وتقبّلها منّي . ثمّ يلبّي . وإذا كان قارناً فيستحبّ أن يقدّم ذكر العمرة على ذكر الحجّ حتّى لا يشتبه أنّه أدخل العمرة على الحجّ . ويقول : اللّهمّ إنّي أريد الحجّ والعمرة . . . إلخ ، ويلبّي . فيصير بذلك محرماً ، وتجري عليه . أحكام الإحرام الّتي تقدّم بيانها . وإذا كان يؤدّي الحجّ والعمرة عن غيره فلا بدّ أن يعيّن ذلك بقلبه ولسانه . ويسنّ له الإكثار من التّلبية . وأفضل صيغها الصّيغة المأثورة : « لبّيك اللّهمّ لبّيك ، لبّيك لا شريك لك لبّيك ، إنّ الحمد والنّعمة لك والملك ، لا شريك لك » . ويستحبّ ألاّ ينقص منها . قال الطّحاويّ والقرطبيّ : « أجمع العلماء على هذه التّلبية » . وأمّا الزّيادة على التّلبية ، فإن كانت من المأثور فمستحبّ . وما ليس مرويّاً فجائز أو حسن ، على تفصيل يذكر في موضع آخر ( ر : تلبية )</p><p>موجب الإحرام :</p><p>118 - إذا أحرم شخص بنسك وجب عليه إتمامه ولو كان نفلاً في الأصل . ويلزمه جميع ما يجب على المحرم فعله . ولا يتحلّل من إحرامه إلاّ بعد أداء هذا النّسك ، على التّفصيل المتقدّم . ويتّصل بهذا بيان أحكام ما يبطل الحجّ وما يفسده وما يمنع المضيّ فيه . 119 - أمّا ما يبطله فهو الرّدّة ، فإذا ارتدّ بطل نسكه ولا يمضي فيه . 120 - أمّا ما يفسد النّسك فهو الجماع ، وعليه أن يمضي في نسكه ثمّ القضاء من قابل إن كان حجّاً على ما يأتي بيانه . وإن كان عمرةً فعليه أن يمضي أيضاً فيها ثمّ يقضيها ولو في عامه على التّفصيل . 121 - أمّا ما يمنع الاستمرار في النّسك ، وهو الإحصار والفوات ، فإنّ أحكام ذلك ترد في موضع آخر ( ر : إحصار . فوات ) .</p><p>الفصل الثّامن</p><p>التّحلّل من الإحرام</p><p>المراد بالتّحلّل هنا الخروج من الإحرام وحلّ ما كان محظوراً عليه وهو محرم .</p><p>وهو قسمان : تحلّل أصغر ، وتحلّل أكبر .</p><p>التّحلّل الأصغر</p><p>122 - يكون التّحلّل الأصغر بفعل أمرين من ثلاثة : رمي جمرة العقبة ، والنّحر ، والحلق أو التّقصير . ويحلّ بهذا التّحلّل لبس الثّياب وكلّ شيء ما عدا النّساء بالإجماع ، والطّيب عند البعض ، والصّيد عند المالكيّة . والأصل في هذا الخلاف ما ورد عن السّيّدة « عائشة رضي الله عنها أنّها ضمّخت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بالمسك قبل أن يطوف طواف الإفاضة » . وقد جاء في بعض الأحاديث : أنّه « إذا رمى جمرة العقبة فقد حلّ له كلّ شيء إلاّ النّساء والطّيب » ، لما أخرجه مالك في الموطّأ عن عمر رضي الله عنه أنّه خطب النّاس بعرفة ، وعلّمهم أمر الحجّ ، وقال لهم فيما قال : إذا جئتم فمن رمى الجمرة فقد حلّ له ما حرّم على الحاجّ إلاّ النّساء والطّيب . وأمّا ما ذهب إليه مالك من تحريم الصّيد كذلك فإنّه أخذ بعموم قوله تعالى : { لا تقتلوا الصّيد وأنتم حرم } ووجه الاستدلال بالآية أنّ الحاجّ يعتبر محرماً ما لم يطف طواف الإفاضة .</p><p>التّحلّل الأكبر :</p><p>123 - هو التّحلّل الّذي تحلّ به جميع محظورات الإحرام دون استثناء . ويبدأ الوقت الّذي تصحّ أفعال التّحلّل الأكبر فيه عند الحنفيّة والمالكيّة من طلوع فجر يوم النّحر ، وعند الشّافعيّة والحنابلة من منتصف ليلة النّحر ، وذلك تابع لاختلافهم فيما يحصل به التّحلّل الأكبر . أمّا نهاية وقته فبحسب ما يتحلّل به ، فهو لا ينتهي إلاّ بفعل ما يتحلّل به عند الحنفيّة والمالكيّة ؛ لأنّه لا يفوت ، كما ستعلم ، وهو الطّواف . وأمّا عند الشّافعيّة والحنابلة فكذلك إن توقّف التّحلّل الأكبر على الطّواف أو الحلق ، أو السّعي . أمّا الرّمي فإنّه مؤقّت بغروب شمس آخر أيّام التّشريق ، فإذا توقّف عليه التّحلّل ، ولم يرم حتّى آخر أيّام التّشريق ، فات وقت الرّمي بالكلّيّة ، فيحلّ عند الحنابلة بمجرّد فوات الوقت ، وإن بقي عليه الفداء مقابل ذلك . وهذا قول عند الشّافعيّة ، لكن الأصحّ عندهم أنّه بفوات وقت الرّمي ينتقل التّحلّل إلى كفّارته ، فلا يحلّ حتّى يؤدّيها .</p><p>ما يحصل به التّحلّل الأكبر :</p><p>124 - يحصل التّحلّل الأكبر عند الحنفيّة والمالكيّة بطواف الإفاضة ، بشرط الحلق هنا باتّفاق الطّرفين . فلو أفاض ولم يحلق لم يتحلّل حتّى يحلق عند المذهبين . زاد المالكيّة : أن يكون الطّواف مسبوقاً بالسّعي ، وإلاّ لا يحلّ به حتّى يسعى ، لأنّ السّعي ركن عند المالكيّة . وقال الحنفيّة : لا مدخل للسّعي في التّحلّل ؛ لأنّه واجب مستقلّ . وعند الشّافعيّة والحنابلة يحصل التّحلّل الأكبر باستكمال أفعال التّحلّل الّتي ذكرناها : ثلاثة على القول بأنّ الحلق نسك ، واثنان على القول الآخر غير المشهور أنّه ليس بنسك . وحصول التّحلّل الأكبر باستكمال الأفعال الثّلاثة : رمي جمرة العقبة ، والحلق ، وطواف الإفاضة المسبوق بالسّعي ، محلّ اتّفاق العلماء ، وبه تحلّ جميع محظورات الإحرام بالإجماع . 125 - ثمّ إذا حصل التّحلّل الأكبر في اليوم الأوّل لجوازه مثلاً فلا يعني انتهاء كلّ أعمال الحجّ ، بل يجب عليه الإتيان بها ، وإن كان حلالاً ، وقد ضربوا لهذا مثلاً لطيفاً يبيّن حسن موقع هذه الأعمال بعد التّحلّلين ، نحو قول الرّمليّ : « ويجب عليه الإتيان بما بقي من أعمال الحجّ ، وهو الرّمي والمبيت ، مع أنّه غير محرم ، كما يخرج بالتّسليمة الأولى من صلاته ، ويطلب منه الثّانية . "</p><p>التّحلّل من إحرام العمرة :</p><p>126 - اتّفقوا على أنّ للعمرة تحلّلاً واحداً يحلّ به للمحرم جميع محظورات الإحرام . ويحصل هذا التّحلّل بالحلق أو التّقصير باتّفاق المذاهب على اختلافهم في حكمه في مناسك العمرة .</p><p>ما يرفع الإحرام</p><p>127 - يرفع الإحرام ، بتحويله عمّا نواه المحرم ، أمران :</p><p>1 - فسخ الإحرام .</p><p>2 - رفض الإحرام .</p><p>ذهب الحنابلة خلافاً للجمهور إلى أنّ من كان مفرداً أو قارناً ( إذا لم يكن قد ساق الهدي ) يستحبّ له إذا طاف وسعى أن يفسخ نيّته بالحجّ ، وينوي عمرةً مفردةً ، ثمّ يهلّ بالحجّ . وهذا مبنيّ عندهم على أفضليّة التّمتّع . واستدلّ الحنابلة بما روى ابن عمر « أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لمّا قدم مكّة قال للنّاس : من كان منكم أهدى فإنّه لا يحلّ من شيء حرم منه حتّى يقضي حجّه ، ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت وبالصّفا والمروة ، وليقصّر ، وليحلل ، ثمّ ليهلّ بالحجّ ، وليهد » . أخرجه البخاريّ ومسلم . واستدلّ الجمهور على منع فسخ الحجّ بأدلّة منها قوله تعالى : { وأتمّوا الحجّ والعمرة للّه } فقد أمر اللّه تعالى بإكمال أفعال الحجّ وأفعال العمرة لمن شرع في أيّ منهما ، والفسخ ضدّ الإتمام ، فلا يكون مشروعاً ، ومنها الأحاديث الّتي شرع بها الإفراد والقران ، وقد سبق ذكرها .</p><p>رفض الإحرام</p><p>128 - رفض الإحرام : هو ترك المضيّ في النّسك بزعم التّحلّل منه قبل إتمامه . ورفض الإحرام لغو باتّفاق العلماء ، ولا يبطل به الإحرام ، ولا يخرج به عن أحكامه .</p><p>ما يبطل الإحرام :</p><p>129 - يبطل الإحرام بأمر واحد فقط ، متّفق عليه بين الجميع : هو الرّدّة عن الإسلام ، عياذاً باللّه تعالى وذلك لأنّهم اتّفقوا على كون الإسلام شرطاً لصحّة النّسك . ويتفرّع على بطلان الإحرام أنّه لا يمضي في متابعة أعمال ما أحرم به ، خلافاً للفاسد . وأمّا إذا أسلم وتاب عن ردّته فلا يمضي أيضاً ؛ لبطلان إحرامه . الفصل التّاسع</p><p>أحكام خاصّة في الإحرام</p><p>130 - وهي أحكام مستثناة من عموم أحكام الإحرام العامّة ، بسبب وضع خاصّ لبعض الأشخاص ، أو بسبب طروء بعض الطّوارئ ، كما في السّرد التّالي : أ - إحرام المرأة .</p><p>ب - إحرام الصّبيّ .</p><p>ج - إحرام العبد والأمة .</p><p>د - إحرام المغمى عليه .</p><p>هـ - نسيان ما أحرم به . وقد تقدّم بعض ذلك ، وندرس ما بقي منها ، كلّاً منها وحده . إحرام الصّبيّ مشروعيّة حجّ الصّبيّ وصحّة إحرامه :</p><p>131 - اتّفق العلماء على صحّة حجّ الصّبيّ ، وعمرته ، وأنّ ما يؤدّيه من عبادة أو من حجّ أو من عمرة يكون تطوّعاً ، فإذا بلغ وجب عليه حجّة فرض الإسلام . وإذا كان أداء الصّبيّ للنّسك صحيحاً كان إحرامه صحيحاً قطعاً . صفة إحرام الصّبيّ :</p><p>132 - ينقسم الصّبيّ بالنّسبة إلى مرحلة صباه إلى قسمين : صبيّ مميّز ، وصبيّ غير مميّز . وضابط المميّز : هو الّذي يفهم الخطاب ويردّ الجواب ، دون اعتبار للسّنّ . 133 - أمّا الصّبيّ المميّز : فعند الحنفيّة والمالكيّة ينعقد إحرامه بنفسه ، ولا تصحّ النّيابة عنه في الإحرام ، لعدم جواز النّيابة عند عدم الضّرورة . ولا تتوقّف صحّة إحرامه على إذن الوليّ ، بل يصحّ إحرامه بإذن الوليّ ، وبغير إذن الوليّ ، لكن إذا أحرم بغير إذن الوليّ فقد صرّح المالكيّة أنّ للوليّ تحليله ، وله إجازة فعله وإبقاؤه على إحرامه بحسب ما يرى من المصلحة . فإن كان يرتجي بلوغه فالأولى تحليله ليحرم بالفرض بعد بلوغه . فإن أحرم بإذنه لم يكن له تحليله ، أمّا إذا أراد الوليّ الرّجوع عن الإذن قبل الإحرام فقال الحطّاب : « الظّاهر أنّ له الرّجوع ، لا سيّما إذا كان لمصلحته » . ولم يصرّح بذلك الحنفيّة . ولعلّه يدخل في الإحصار بمنع السّلطان عندهم . وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه لا ينعقد إحرامه إلاّ بإذن وليّه ، بل قال الشّافعيّة : يصحّ إحرام وليّه عنه ، على الأصحّ عندهم في المسألتين . أمّا عند الحنابلة فلا يحرم عنه وليّه لعدم الدّليل . ويفعل الصّبيّ الصّغير المميّز كلّ ما يستطيع أن يفعله بنفسه ، فإن قدر على الطّواف علّمه فطاف ، وإلاّ طيف به ، وكذلك السّعي وسائر المناسك . ولا تجوز النّيابة عنه فيما قدر عليه بنفسه ، وكلّ ما لا يقدر الصّبيّ على أدائه ينوب عنه وليّه في أدائه . 134 - وأمّا الصّبيّ غير المميّز - ومثله المجنون جنوناً مطبقاً - فيحرم عنه وليّه ، بأن يقول : نويت إدخال هذا الصّبيّ في حرمات الحجّ ، مثلاً . وليس المراد أنّ الوليّ يحرم في نفسه ويقصد النّيابة عن الصّبيّ . ولا ينعقد إحرام الصّبيّ غير المميّز بنفسه اتّفاقاً . 135 - ويؤدّي الوليّ بالصّبيّ غير المميّز المناسك ، فيجرّده من المخيط والمحيط إن كان ذكراً ، ويكشف وجه الأنثى وكفّيها كالكبيرة على ما سبق فيه ويطوف به ويسعى ، ويقف به بعرفة والمزدلفة ، ويرمي عنه ، ويجنّبه محظورات الإحرام ، وهكذا . لكن لا يصلّي عنه ركعتي الإحرام أو الطّواف ، بل تسقطان عنه عند الحنفيّة والمالكيّة ، أمّا عند الشّافعيّة فيصلّيهما الوليّ عنه ، وهو ظاهر كلام الحنابلة . إلاّ أنّ المالكيّة خفّفوا في الإحرام والتّجرّد من الثّياب ، فقالوا : « يحرم الوليّ بالصّغير غير المميّز ، ويجرّده من ثيابه قرب مكّة ، لخوف المشقّة وحصول الضّرر . فإن كانت المشقّة أو الضّرر يتحقّق بتجريده قرب مكّة أحرم بغير تجريده ، كما هو الظّاهر من كلامهم - ويفدي » .</p><p>بلوغ الصّبيّ في أثناء النّسك :</p><p>136 - إن بلغ الصّبيّ الحلم بعدما أحرم ، فمضى في نسكه على إحرامه الأوّل ، لم يجزه حجّه عن فرض الإسلام عند الحنفيّة والمالكيّة . وقال الحنفيّة : لو جدّد الصّبيّ الإحرام قبل الوقوف بعرفة ، ونوى حجّة الإسلام ، جاز عن حجّة الإسلام ؛ لأنّ إحرام الصّبيّ غير لازم لعدم أهليّته للّزوم عليه . وقال المالكيّة لا يرتفض إحرامه السّابق ، ولا يجزيه إرداف إحرام عليه ، ولا ينقلب إحرامه عن الفرض ، لأنّه اختلّ شرط الوقوع فرضاً ، وهو ثبوت الحرّيّة والتّكليف ، وقت الإحرام . وهذا لم يكن مكلّفاً وقت الإحرام ، فلا يقع نسكه هذا إلاّ نفلاً . أمّا الشّافعيّة والحنابلة فقالوا : إن بلغ الصّبيّ في أثناء الحجّ ينظر إلى حاله من الوقوف فينقسم إلى قسمين : الأوّل : أن يبلغ بعد خروج وقت الوقوف ، أو قبل خروجه وبعد مفارقة عرفات لكن لم يعد إليها بعد البلوغ ، فهذا لا يجزيه حجّه عن حجّة الإسلام . الثّاني : أن يبلغ في حال الوقوف ، أو يبلغ بعد وقوفه بعرفة ، فيعود ويقف بها في وقت الوقوف ، أي قبل طلوع فجر يوم النّحر ، فهذا يجزيه حجّه عن حجّة الإسلام . لكن يجب عليه إعادة السّعي إن كان سعى عقب طواف القدوم قبل البلوغ ، ولا دم عليه . أمّا في العمرة : فالطّواف في العمرة كالوقوف بعرفة في الحجّ ، إذا بلغ قبل طواف العمرة أجزأه عن عمرة الإسلام ، عند من يقول بوجوبها .</p><p>إحرام المغمى عليه</p><p>137 - للمغمى عليه حالان : أن يغمى عليه قبل الإحرام ، أو يغمى عليه بعد الإحرام .</p><p>أوّلاً : من أغمي عليه قبل الإحرام :</p><p>138 - في المذاهب الثّلاثة المالكيّ والشّافعيّ والحنبليّ : لا إحرام له ، ولا يحرم عنه أحد من رفقته ولا غيرهم ، سواء أمرهم بذلك قبل أن يغمى عليه أو لم يأمرهم ، ولو خيف فوات الحجّ عليه ؛ لأنّ الإغماء مظنّة عدم الطّول ، ويرجى زواله عن قرب غالباً . وذهب الحنفيّة إلى جواز الإحرام عن المغمى عليه ، على تفصيل بين الإمام وصاحبيه :</p><p>أ - من توجّه إلى البيت الحرام يريد الحجّ فأغمي عليه قبل الإحرام ، أو نام وهو مريض فنوى عنه ولبّى أحد رفقته ، وكذا من غير رفقته وكان قد أمرهم بالإحرام عنه قبل الإغماء ، صحّ الإحرام عنه ، ويصير المغمى عليه محرماً بنيّة رفيقه وتلبيته عنه اتّفاقاً بين أئمّة الحنفيّة . ويجزيه عن حجّة الإسلام .</p><p>ب - إن أحرم عنه بعض رفقته أو غيرهم بلا أمر سابق على الإغماء صحّ كذلك عند الإمام أبي حنيفة ، ولم يصحّ عند صاحبيه أبي يوسف ومحمّد .</p><p>فروع</p><p>139 - أ - إن أفاق المغمى عليه بعدما أحرم عنه غيره ، فهو عند الحنفيّة محرم يتابع النّسك . وعند غيرهم لا عبرة بإحرام غيره عنه ، فإن كان بحيث يدرك الوقوف بعرفة أحرم بالحجّ ، وأدّى المناسك ، وإلاّ فإنّه يحرم بعمرة . ولا ينطبق عليه حكم الفوات عند الثّلاثة ؛ لأنّه لم يكن محرماً .</p><p>140 - ب - لا يجب على من أحرم عن المغمى عليه تجريده من المخيط وإلباسه غير المخيط لصحّة الإحرام ؛ لأنّ ذلك ليس هو الإحرام ، بل كفّ عن بعض محظورات الإحرام . حتّى إذا أفاق وجب عليه أفعال النّسك ، والكفّ عن المحظورات .</p><p>141 - ج - لو ارتكب المغمى عليه الّذي أحرم عنه غيره محظوراً من محرّمات الإحرام لزمه موجبه ، أي كفّارته ، وإن كان غير قاصد للمحظور . ولا يلزم الرّفيق الّذي أحرم عنه ؛ لأنّ هذا الرّفيق أحرم عن نفسه بطريق الأصالة ، وعن المغمى عليه بطريق النّيابة ، كالوليّ يحرم عن الصّغير . فينتقل إحرامه إليه ، فيصير محرماً كما لو نوى هو ولبّى ، ولذا لو ارتكب هو أيضاً - أي الوليّ - محظوراً لزمه جزاء واحد لإحرام نفسه ، ولا شيء عليه من جهة إهلاله عن غيره عند الحنفيّة كما سبق .</p><p>142 - د - إذا لم يفق المغمى عليه فهل يشهد به رفقته المشاهد ، على أساس الإحرام عنه الّذي قال به الحنفيّة ؟ هناك قولان عند الحنفيّة : قيل : لا يجب على الرّفقاء أن يشهدوا به المشاهد ، كالطّواف والوقوف والرّمي والوقوف بمزدلفة ، بل مباشرتهم عنه تجزيه ، لكن إحضاره أولى ، على ما صرّح به بعض أصحاب هذا القول . وهذا الأصحّ على ما أفاد في ردّ المحتار المعتمد في الفتوى في مذهب الحنفيّة ، لكن لا بدّ للإجزاء عنه من نيّة الوقوف عنه ، والطّواف عنه بعد طواف النّائب عن نفسه ، وهكذا .</p><p>ثانياً : من أغمي عليه بعد إحرامه بنفسه :</p><p>143 - الإغماء بعد الإحرام لا يؤثّر في صحّته ، باتّفاق الأئمّة . وعلى ذلك فهذا حمله متعيّن على رفقائه ، ولا سيّما للوقوف بعرفة ، فإنّه يصحّ ولو كان نائماً أو مغمًى عليه ، على تفصيل في أداء المناسك له يطلب في موضعه من مصطلح « حجّ " ومصطلح « عمرة » .</p><p>نسيان ما أحرم به</p><p>144 - من أحرم بشيء معيّن ، مثل حجّ ، أو عمرة ، أو قران ، ثمّ نسي ما أحرم به ، لزمه حجّ وعمرة . ويعمل عمل القران في المذاهب الثّلاثة : الحنفيّ والمالكيّ والشّافعيّ . وذهب الحنابلة إلى أنّه يصرف إحرامه إلى أيّ نسك شاء ، ويندب صرفه إلى العمرة خاصّةً .</p><p>الفصل العاشر</p><p>في كفّارات محظورات الإحرام</p><p>تعريفها :</p><p>145 - المراد بالكفّارة هنا : الجزاء الّذي يجب على من ارتكب شيئاً من محظورات الإحرام . وهذه الأجزية أنواع :</p><p>1 - الفدية : حيث أطلقت فالمراد الفدية المخيّرة الّتي نصّ عليها القرآن في قوله تعالى : { ففدية من صيام أو صدقة أو نسك } .</p><p>2 - الهدي : وربّما عبّر عنه بالدّم . وكلّ موضع أطلق فيه الدّم أو الهدي تجزئ فيه الشّاة ، إلاّ من جامع بعد الوقوف بعرفة فعليه بدنة ( أي من الإبل ) اتّفاقاً . أمّا من جامع قبل الوقوف فإنّه يفسد حجّه اتّفاقاً وعليه بدنة عند الثّلاثة ، وقال الحنفيّة : عليه شاة ، ويمضي في حجّه ، ويقضيه .</p><p>3 - الصّدقة : حيث أطلق وجوب " صدقة " عند الحنفيّة من غير بيان مقدارها فإنّه يجب نصف صاع من برّ ( قمح ) أو صاع من شعير أو تمر .</p><p>4 - الصّيام : يجب الصّيام على التّخيير في الفدية ، وهو ثلاثة أيّام . ويجب في مقابلة الإطعام .</p><p>5 - الضّمان بالمثل : في جزاء الصّيد ، على ما سيأتي .</p><p>146 - يستوي إحرام العمرة مع إحرام الحجّ في عقوبة الجناية عليه . إلاّ من جامع في العمرة قبل أداء ركنها ، فتفسد اتّفاقاً كما ذكرنا ، وعليه شاة عند الحنفيّة والحنابلة ، وقال الشّافعيّة والمالكيّة : عليه بدنة . المبحث الأوّل في كفّارة محظورات التّرفّه .</p><p>147 - يتناول هذا البحث كفّارة محظورات اللّبس ، وتغطية الرّأس ، والادّهان ، والتّطيّب ، وحلق الشّعر أو إزالته أو قطعة من الرّأس أو غيره ، وقلم الظّفر . أصل كفّارة محظورات التّرفّه .</p><p>148 - اتّفقوا على أنّ من فعل من المحظورات شيئاً لعذر مرض أو دفع أذًى فإنّ عليه الفدية ، يتخيّر فيها : إمّا أن يذبح هدياً ، أو يتصدّق بإطعام ستّة مساكين ، أو يصوم ثلاثة أيّام ، لقوله تعالى : { ولا تحلقوا رءوسكم حتّى يبلغ الهدي محلّه فمن كان منكم مريضاً أو به أذًى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك } . ولما ورد عن كعب بن عجرة رضي الله عنه أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال له حين رأى هوامّ رأسه : « أيؤذيك هوامّ رأسك ؟ قال : قلت : نعم . قال : فاحلق ، وصم ثلاثة أيّام ، أو أطعم ستّة مساكين ، أو انسك نسيكةً » متّفق عليه . 149 - وأمّا العامد الّذي لا عذر له فقد اختلفوا فيه : فذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه يتخيّر ، كالمعذور ، وعليه إثم ما فعله . واستدلّوا بالآية . وذهب الحنفيّة إلى أنّ العامد لا يتخيّر ، بل يجب عليه الدّم عيناً أو الصّدقة عيناً ، حسب جنايته . واستدلّوا على ذلك بالأدلّة السّابقة . وجه الاستدلال : أنّ التّخيير شرع فيها عند العذر من مرض أو أذًى ، وغير المعذور جنايته أغلظ ، فتتغلّظ عقوبته ، وذلك بنفي التّخيير في حقّه . 150 - وأمّا المعذور بغير الأذى والمرض : كالنّاسي والجاهل بالحكم والمكره والنّائم والمغمى عليه ، فحكمه عند الحنفيّة المالكيّة حكم العامد ، على ما سبق . ووجه حكمه هذا : أنّ الارتفاق حصل له ، وعدم الاختيار أسقط الإثم عنه ، كما وجّهه الحنفيّة . وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى التّمييز بين جناية فيها إتلاف ، وهي هنا الحلق أو قصّ الشّعر أو قلم الظّفر ، وجناية ليس فيها إتلاف ، وهي : اللّبس وتغطية الرّأس ، والادّهان والتّطيّب . فأوجبوا الفدية في الإتلاف ؛ لأنّه يستوي عمده وسهوه ، ولم يوجبوا فديةً في غير الإتلاف ، بل أسقطوا الكفّارة عن صاحب أيّ عذر من هذه الأعذار .</p></blockquote><p></p>
[QUOTE="ابن عامر الشامي, post: 40744, member: 329"] الهوامّ والحشرات 92 - د - لا تدخل الهوامّ والحشرات في تحريم الصّيد عند أصحاب المذاهب الثّلاثة : الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة . أمّا عند الحنفيّة : فلأنّها ليست ممتنعةً ، وقد ذكروا في تعريف الصّيد أنّه الممتنع . وعلى ذلك فلا جزاء في قتلها عند الحنفيّة ، لكن لا يحلّ عندهم قتل ما لا يؤذي ، وإن لم يجب فيه الجزاء . وأمّا عند الشّافعيّة والحنابلة فلا تدخل في الصّيد ، لكونهم اشترطوا فيه أن يكون مأكولاً . وهذه غير مأكولة ، وقد عرفت تفصيل حكمها عندهم في المسألة السّابقة . وأمّا المالكيّة فقالوا : يحظر قتل ما لا يؤذي من الحشرات بالإحرام والحرم ، وفيه الجزاء عندهم . لكن قالوا في الوزغ : لا يجوز للمحرم قتله ، ويجوز للحلال قتله في الحرم ، " إذ لو تركها الحلال بالحرم لكثرت في البيوت وحصل منها الضّرر » . الجماع ودواعيه : 93 - يحرم على المحرم باتّفاق العلماء وإجماع الأمّة الجماع ودواعيه الفعليّة أو القوليّة وقضاء الشّهوة بأيّ طريق . والجماع أشدّ المحظورات حظراً ؛ لأنّه يؤدّي إلى فساد النّسك . والدّليل على تحريم ذلك النّصّ القرآنيّ : { فمن فرض فيهنّ الحجّ فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحجّ } . فسّر الرّفث بأنّه ما قيل عند النّساء من ذكر الجماع وقول الفحش . وثبت ذلك عن ابن عبّاس فتكون الآية دليلاً على تحريم الجماع على المحرم بطريق دلالة النّصّ ، أي من باب الأولى ؛ لأنّه إذا حرم ما دون الجماع ، كان تحريمه معلوماً بطريق الأولى . وفسّر الرّفث أيضاً بذكر إتيان النّساء ، الرّجال والنّساء إذا ذكروا ذلك بأفواههم . ونقل ذلك عن ابن عمر وبعض التّابعين . فتدلّ الآية على حرمة الجماع لدخوله في عمومها . كما فسّر بالجماع أيضاً ، ونسب ذلك إلى جماعة من السّلف منهم ابن عبّاس وابن عمر ، فتكون الآية نصّاً فيه . الفسوق والجدال : 94 - الفسوق : هو الخروج عن الطّاعة . وهو حرام في كلّ حال ، وفي حال الإحرام آكد وأغلظ ، لذلك نصّ عليه في الكتاب الكريم : { ولا فسوق ولا جدال في الحجّ } . وقد اختار جمهور المفسّرين والمحقّقون أنّ المراد به في الآية إتيان معاصي اللّه تعالى . وهذا هو المراد والصّواب ، لما هو معلوم من استعمال القرآن والسّنّة والشّرع لكلمة الفسق بمعنى الخروج عن الطّاعة . والجدال : المخاصمة . وقد قال جمهور المفسّرين المتقدّمين : أن تماري صاحبك حتّى تغضبه . وهذا يقتضي النّهي عن كلّ مساوئ الأخلاق والمعاملات . لكن ما يحتاج إليه من الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر لا يدخل في حظر الجدال . الفصل السّادس مكروهات الإحرام 95 - وهي أمور يكون فاعلها مسيئاً ، لكن لا يلزمه جزاء لو فعلها . وفي بيانها تنبيه هامّ ، وإزاحة لما قد يقع من اشتباه . 96 - فمنها غسل الرّأس والجسد واللّحية بالسّدر ونحوه ، عند الحنفيّة ؛ لأنّه يقتل الهوامّ ويليّن الشّعر . 97 - ومشط الرّأس بقوّة ، وحكّه ، وكذا حكّ الجسد حكّاً شديداً ، وذلك لأنّه يؤدّي إلى قطع الشّعر أو نتفه . أمّا لو فعل ذلك برفق فإنّه مباح ، لذلك قالوا : يحكّ ببطون أنامله . قال النّوويّ : « وأمّا حكّ المحرم رأسه فلا أعلم خلافاً في إباحته بل هو جائز » . 98 - والتّزيّن ، صرّح بكراهته الحنفيّة وعبارات غيرهم تدلّ عليه . قال الحنفيّة في الاكتحال بكحل غير مطيّب لقصد الزّينة إنّه مكروه ، فإن اكتحل لا لقصد الزّينة بكحل غير مطيّب بل للتّداوي أو لتقوية الباصرة فمباح . أمّا المالكيّة فالاكتحال بغير مطيّب محظور عندهم ، وفيه الفداء ، إلاّ لضرورة فلا فداء فيه . ومذهب الشّافعيّة والحنابلة الاكتحال بما لا طيب فيه ، إن لم يكن فيه زينة ، غير مكروه ، كالكحل الأبيض ، وإن كان فيه زينة كالإثمد فإنّه يكره ، لكن لا يلزم فيه فدية . فإن اكتحل بما فيه زينة لحاجة كالرّمد فلا كراهة . أمّا الاكتحال بكحل مطيّب فإنّه محظور اتّفاقاً على الرّجال والنّساء . ما يباح في الإحرام 99 - الأمور الّتي تباح في الإحرام كلّ ما ليس محظوراً ولا مكروهاً ، لأنّ الأصل في الأشياء الإباحة . ونذكر منها ما يلي : 100 - الاغتسال بالماء القراح ، وماء الصّابون ونحوه . 101 - ولبس الخاتم جائز عند الحنفيّة أو الشّافعيّة والحنابلة للرّجال والنّساء . ولا يجوز عند المالكيّة للرّجل المحرم لبس الخاتم ، وفيه الفداء . وأمّا المرأة : فيجوز لها لبس المحيط لسائر أعضائها ، ما عدا الوجه والكفّين عند الثّلاثة ، وما عدا الوجه فقط عند الحنفيّة . وشدّ الهميان والمنطقة جائز عند الحنفيّة بإطلاق وكذا الشّافعيّة . وقيّد المالكيّة والحنابلة إباحة شدّهما بالحاجة لنفقته . 102 - والنّظر في المرآة مباح عند الحنفيّة والشّافعيّة مطلقاً . وعند الحنابلة جائز لحاجة لا لزينة ، وأمّا المالكيّة فيكره عندهم النّظر في المرآة ، خيفة أن يرى شعثاً فيزيله . 103 - والسّواك نصّ على إباحته الحنفيّة وليس هو محلّ خلاف . 104 - ونزع الظّفر المكسور مباح باتّفاق الأئمّة ، وصرّح الشّافعيّة بألاّ يجاوز القسم المكسور ، وهذا لا يختلف فيه . 105 - والفصد والحجامة بلا نزع شعر جائزة عند فقهاء المذاهب الأربعة . ومثلهما الختان . لكن تحفّظ المالكيّة بالنّسبة للفصد ، فقالوا : يجوز الفصد لحاجة إن لم يعصب العضو المفصود ، وإن لم يكن له حاجة للفصد فهو مكروه ، وإن عصبه ففيه الفدية . 106 - والارتداء والاتّزار بمخيط أو محيط أي أن يجعل الثّوب المخيط أو المحيط رداءً أو إزاراً ، دون لبس . وكذا إلقاؤه على جسمه كلّ ذلك مباح عندهم جميعاً . 107 - وذبح الإبل والبقر والحيوانات الأهليّة مباح وذلك لأنّها لا تدخل في تحريم الصّيد ولا محرّمات الإحرام باتّفاقهم . الفصل السّابع في سنن الإحرام وهي أمور يثاب فاعلها ، ويكون تاركها مسيئاً ولا يلزمه بالتّرك شيء . وجملة ذلك أربعة : أوّلاً : الاغتسال : 108 - وهو سنّة عند الأئمّة الأربعة لما ورد فيه من الأحاديث ، كحديث زيد بن ثابت : « أنّه رأى النّبيّ صلى الله عليه وسلم تجرّد لإهلاله واغتسل » . أخرجه التّرمذيّ وحسّنه . وقد اتّفقوا على أنّ هذا الغسل سنّة لكلّ محرم صغير أو كبير ، ذكر أو أنثى ، ويطلب أيضاً من المرأة الحائض والنّفساء في حال الحيض والنّفاس . فعن ابن عبّاس مرفوعاً إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : « إنّ النّفساء والحائض تغتسل وتحرم وتقضي المناسك كلّها ، غير أن لا تطوف بالبيت حتّى تطهر » أخرجه أبو داود والتّرمذيّ وحسّنه واللّفظ للتّرمذيّ . ووقت هذا الاغتسال موسّع عند الحنفيّة في الأظهر من مذهبهم . وهو مذهب الحنابلة والشّافعيّة . وثمرة الخلاف أنّه لو اغتسل ثمّ أحدث ثمّ توضّأ ينال فضيلة السّنّة ، ولا يضرّه ذلك . وألحق الشّافعيّة هذا الغسل بغسل الجمعة ، فدلّ على أنّه موسّع ، كما هو حكم غسل الجمعة . أمّا المالكيّة فقيّدوا سنّيّة الغسل بأن يكون متّصلاً بالإحرام . ثانياً : التّطيّب 109 - وهو من محظورات الإحرام ، لكنّه سنّ استعداداً للإحرام ، عند الجمهور ، وكرهه مالك . التّطيّب في البدن : 110 - ودليل سنّيّته ما روت عائشة رضي الله عنها قالت : « كنت أطيّب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم ، ولحلّه قبل أن يطوف بالبيت » . متّفق عليه . وعنها رضي الله عنها أيضاً قالت : « كأنّي أنظر إلى وبيص الطّيب في مفارق رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وهو محرم » . متّفق عليه . والصّحيح عندهم جواز التّطيّب بما يبقى جرمه بعد الإحرام ، لتصريح حديث عائشة الثّاني . وأمّا المالكيّة فحظروا بقاء جرم الطّيب ولم يجوّزوا بقاء رائحته . التّطيّب في ثوب الإحرام : 111 - أمّا تطييب الثّوب قبل الإحرام فمنعه الجمهور وأجازه الشّافعيّ في القول المعتمد . فلا يضرّ بقاء الرّائحة الطّيّبة في الثّوب بعد الإحرام ، كما لا يضرّ بقاء الرّائحة الطّيّبة في البدن اتّفاقاً ، قياساً للثّوب على البدن . لكن نصّوا على أنّه لو نزع ثوب الإحرام . أو سقط عنه . فلا يجوز له أن يعود إلى لبسه ما دامت الرّائحة فيه ، بل يزيل منه الرّائحة ثمّ يلبسه . وذهب الحنفيّة إلى عدم جواز التّطيّب في الثّوب للإحرام ، ولا يجوز أن يلبس ثوب إحرام مطيّباً لأنّه بذلك يكون مستعملاً للطّيب في إحرامه باستعمال الثّوب ، وهو محظور على المحرم . وذهب المالكيّة إلى أنّه إن تطيّب قبل الإحرام يجب إزالته ، سواء في ذلك بدنه أو ثوبه ، فإن بقي في البدن أو الثّوب بعد الإحرام شيء من جرم الطّيب الّذي تطيّب به قبل الإحرام فإنّ الفدية تكون واجبةً ، وأمّا إن كان الباقي في الثّوب رائحته ، فلا يجب نزع الثّوب لكن يكره استدامته ، ولا فدية . وأمّا اللّون ففيه قولان عند المالكيّة . وهذا كلّه في الأثر اليسير ، وأمّا الأثر الكثير ففيه الفدية . استدلّ المالكيّة بحديث يعلى بن أميّة قال : « أتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم رجل متضمّخ بطيب وعليه جبّة ، فقال : يا رسول اللّه : كيف ترى في رجل أحرم بعمرة في جبّة بعدما تضمّخ بطيب ؟ فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم : أمّا الطّيب الّذي بك فاغسله ثلاث مرّات ، وأمّا الجبّة فانزعها ، ثمّ اصنع في عمرتك ما تصنع في حجّك » . متّفق عليه . فاستدلالهم بهذا الحديث لحظر الطّيب في الإحرام في البدن والثّوب . ثالثاً : صلاة الإحرام 112 - يسنّ للمحرم أن يصلّي ركعتين قبل الإحرام باتّفاق الأئمّة لحديث ابن عمر رضي الله عنهما : « كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يركع بذي الحليفة ركعتين » . أخرجه مسلم . ولا يصلّيهما في الوقت المكروه ، اتّفاقاً بين الأئمّة ، إلاّ من أحرم بالحرم عند الشّافعيّة ، فإنّه يصلّيهما ولو في الوقت المكروه عندهم . وتجزئ الصّلاة المكتوبة عن سنّة الإحرام اتّفاقاً كذلك ، كما في تحيّة المسجد . رابعاً : التّلبية : 113 - التّلبية سنّة في الإحرام متّفق على سنّيّتها إجمالاً ، فيما عدا الخلاف في حكم قرنها بالنّيّة هل هي فرض في الإحرام مع النّيّة ، أو واجب أو سنّة ؟ ( ف . . . ) فاتّفقوا فيما عدا ذلك على سنّيّتها للمحرم ، وعلى استحباب الإكثار منها ، وسنّيّة رفع الصّوت بها . 114 - والأفضل أن يلبّي عقب صلاة الإحرام ناوياً الحجّ أو العمرة ، على ما قاله الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة . وهو قول عند الشّافعيّة ، وفي قول - وهو الأصحّ - يلبّي إذا ركب . ولا خلاف في جواز ذلك كلّه لورود الرّواية به . عن ابن عمر رضي الله عنهما « أنّه صلى الله عليه وسلم أهلّ حين استوت به راحلته قائمةً » متّفق عليه . 115 - وأمّا انتهاء التّلبية : فهو للحاجّ ابتداء رمي جمرة العقبة يوم النّحر عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ، ويقطعها عند الطّواف والسّعي للاشتغال بالأذكار والأدعية الواردة فيها . وأمّا المالكيّة فعندهم قولان : الأوّل : يستمرّ في التّلبية حتّى يبلغ مكّة ، فيقطع التّلبية حتّى يطوف ويسعى ، ثمّ يعاودها حتّى تزول الشّمس من يوم عرفة ويروح إلى مصلاّها . الثّاني : يستمرّ في التّلبية حتّى الابتداء بالطّواف والشّروع فيه . 116 - وأمّا تلبية إحرام العمرة فالجمهور أنّها تنتهي ببدء الطّواف باستلام الرّكن . وقال المالكيّة : المعتمر الآفاقيّ يلبّي حتّى الحرم ، لا إلى رؤية بيوت مكّة ، والمعتمر من الجعرانة والتّنعيم يلبّي إلى دخول بيوت مكّة ، لقرب المسافة . يدلّ للجمهور حديث ابن عبّاس عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : « يلبّي المعتمر حتّى يستلم الحجر » . أخرجه أبو داود والتّرمذيّ وصحّحه . واستدلّ مالك بما رواه عن نافع عن ابن عمر من فعله في المناسك قال : وكان يترك التّلبية في العمرة إذا دخل الحرم . كيفيّة الإحرام المستحبّة : 117 - من أراد أن يحرم بحجّ أو عمرة أو بهما معاً يستحبّ له إزالة التّفث عن جسمه ، وأن يتزيّن على الصّورة المألوفة الّتي لا تتنافى مع الشّريعة وآدابها ، وأن يغتسل بنيّة الإحرام ، وإذا كان جنباً فيكفيه غسل واحد بنيّة إزالة الجنابة والإحرام ، وأن يتطيّب . والأولى أن يتطيّب بطيب لا يبقى جرمه ، على التّفصيل والخلاف السّابق ، ثمّ يلبس ثوبين نظيفين جديدين أو غسيلين ، على ألاّ يكونا مصبوغين بصبغ له رائحة . وأمّا المرأة فتلبس ما يستر عورتها إلاّ وجهها وكفّيها . ثمّ يصلّي ركعتين بنيّة الإحرام . فإذا أتمّهما نوى بقلبه وقال بلسانه : اللّهمّ إنّي أريد الحجّ فيسّره لي ، وتقبّله منّي . ثمّ يلبّي . وإذا كان يريد العمرة فيقول : اللّهمّ إنّي أريد العمرة ، فيسّرها لي ، وتقبّلها منّي . ثمّ يلبّي . وإذا كان قارناً فيستحبّ أن يقدّم ذكر العمرة على ذكر الحجّ حتّى لا يشتبه أنّه أدخل العمرة على الحجّ . ويقول : اللّهمّ إنّي أريد الحجّ والعمرة . . . إلخ ، ويلبّي . فيصير بذلك محرماً ، وتجري عليه . أحكام الإحرام الّتي تقدّم بيانها . وإذا كان يؤدّي الحجّ والعمرة عن غيره فلا بدّ أن يعيّن ذلك بقلبه ولسانه . ويسنّ له الإكثار من التّلبية . وأفضل صيغها الصّيغة المأثورة : « لبّيك اللّهمّ لبّيك ، لبّيك لا شريك لك لبّيك ، إنّ الحمد والنّعمة لك والملك ، لا شريك لك » . ويستحبّ ألاّ ينقص منها . قال الطّحاويّ والقرطبيّ : « أجمع العلماء على هذه التّلبية » . وأمّا الزّيادة على التّلبية ، فإن كانت من المأثور فمستحبّ . وما ليس مرويّاً فجائز أو حسن ، على تفصيل يذكر في موضع آخر ( ر : تلبية ) موجب الإحرام : 118 - إذا أحرم شخص بنسك وجب عليه إتمامه ولو كان نفلاً في الأصل . ويلزمه جميع ما يجب على المحرم فعله . ولا يتحلّل من إحرامه إلاّ بعد أداء هذا النّسك ، على التّفصيل المتقدّم . ويتّصل بهذا بيان أحكام ما يبطل الحجّ وما يفسده وما يمنع المضيّ فيه . 119 - أمّا ما يبطله فهو الرّدّة ، فإذا ارتدّ بطل نسكه ولا يمضي فيه . 120 - أمّا ما يفسد النّسك فهو الجماع ، وعليه أن يمضي في نسكه ثمّ القضاء من قابل إن كان حجّاً على ما يأتي بيانه . وإن كان عمرةً فعليه أن يمضي أيضاً فيها ثمّ يقضيها ولو في عامه على التّفصيل . 121 - أمّا ما يمنع الاستمرار في النّسك ، وهو الإحصار والفوات ، فإنّ أحكام ذلك ترد في موضع آخر ( ر : إحصار . فوات ) . الفصل الثّامن التّحلّل من الإحرام المراد بالتّحلّل هنا الخروج من الإحرام وحلّ ما كان محظوراً عليه وهو محرم . وهو قسمان : تحلّل أصغر ، وتحلّل أكبر . التّحلّل الأصغر 122 - يكون التّحلّل الأصغر بفعل أمرين من ثلاثة : رمي جمرة العقبة ، والنّحر ، والحلق أو التّقصير . ويحلّ بهذا التّحلّل لبس الثّياب وكلّ شيء ما عدا النّساء بالإجماع ، والطّيب عند البعض ، والصّيد عند المالكيّة . والأصل في هذا الخلاف ما ورد عن السّيّدة « عائشة رضي الله عنها أنّها ضمّخت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بالمسك قبل أن يطوف طواف الإفاضة » . وقد جاء في بعض الأحاديث : أنّه « إذا رمى جمرة العقبة فقد حلّ له كلّ شيء إلاّ النّساء والطّيب » ، لما أخرجه مالك في الموطّأ عن عمر رضي الله عنه أنّه خطب النّاس بعرفة ، وعلّمهم أمر الحجّ ، وقال لهم فيما قال : إذا جئتم فمن رمى الجمرة فقد حلّ له ما حرّم على الحاجّ إلاّ النّساء والطّيب . وأمّا ما ذهب إليه مالك من تحريم الصّيد كذلك فإنّه أخذ بعموم قوله تعالى : { لا تقتلوا الصّيد وأنتم حرم } ووجه الاستدلال بالآية أنّ الحاجّ يعتبر محرماً ما لم يطف طواف الإفاضة . التّحلّل الأكبر : 123 - هو التّحلّل الّذي تحلّ به جميع محظورات الإحرام دون استثناء . ويبدأ الوقت الّذي تصحّ أفعال التّحلّل الأكبر فيه عند الحنفيّة والمالكيّة من طلوع فجر يوم النّحر ، وعند الشّافعيّة والحنابلة من منتصف ليلة النّحر ، وذلك تابع لاختلافهم فيما يحصل به التّحلّل الأكبر . أمّا نهاية وقته فبحسب ما يتحلّل به ، فهو لا ينتهي إلاّ بفعل ما يتحلّل به عند الحنفيّة والمالكيّة ؛ لأنّه لا يفوت ، كما ستعلم ، وهو الطّواف . وأمّا عند الشّافعيّة والحنابلة فكذلك إن توقّف التّحلّل الأكبر على الطّواف أو الحلق ، أو السّعي . أمّا الرّمي فإنّه مؤقّت بغروب شمس آخر أيّام التّشريق ، فإذا توقّف عليه التّحلّل ، ولم يرم حتّى آخر أيّام التّشريق ، فات وقت الرّمي بالكلّيّة ، فيحلّ عند الحنابلة بمجرّد فوات الوقت ، وإن بقي عليه الفداء مقابل ذلك . وهذا قول عند الشّافعيّة ، لكن الأصحّ عندهم أنّه بفوات وقت الرّمي ينتقل التّحلّل إلى كفّارته ، فلا يحلّ حتّى يؤدّيها . ما يحصل به التّحلّل الأكبر : 124 - يحصل التّحلّل الأكبر عند الحنفيّة والمالكيّة بطواف الإفاضة ، بشرط الحلق هنا باتّفاق الطّرفين . فلو أفاض ولم يحلق لم يتحلّل حتّى يحلق عند المذهبين . زاد المالكيّة : أن يكون الطّواف مسبوقاً بالسّعي ، وإلاّ لا يحلّ به حتّى يسعى ، لأنّ السّعي ركن عند المالكيّة . وقال الحنفيّة : لا مدخل للسّعي في التّحلّل ؛ لأنّه واجب مستقلّ . وعند الشّافعيّة والحنابلة يحصل التّحلّل الأكبر باستكمال أفعال التّحلّل الّتي ذكرناها : ثلاثة على القول بأنّ الحلق نسك ، واثنان على القول الآخر غير المشهور أنّه ليس بنسك . وحصول التّحلّل الأكبر باستكمال الأفعال الثّلاثة : رمي جمرة العقبة ، والحلق ، وطواف الإفاضة المسبوق بالسّعي ، محلّ اتّفاق العلماء ، وبه تحلّ جميع محظورات الإحرام بالإجماع . 125 - ثمّ إذا حصل التّحلّل الأكبر في اليوم الأوّل لجوازه مثلاً فلا يعني انتهاء كلّ أعمال الحجّ ، بل يجب عليه الإتيان بها ، وإن كان حلالاً ، وقد ضربوا لهذا مثلاً لطيفاً يبيّن حسن موقع هذه الأعمال بعد التّحلّلين ، نحو قول الرّمليّ : « ويجب عليه الإتيان بما بقي من أعمال الحجّ ، وهو الرّمي والمبيت ، مع أنّه غير محرم ، كما يخرج بالتّسليمة الأولى من صلاته ، ويطلب منه الثّانية . " التّحلّل من إحرام العمرة : 126 - اتّفقوا على أنّ للعمرة تحلّلاً واحداً يحلّ به للمحرم جميع محظورات الإحرام . ويحصل هذا التّحلّل بالحلق أو التّقصير باتّفاق المذاهب على اختلافهم في حكمه في مناسك العمرة . ما يرفع الإحرام 127 - يرفع الإحرام ، بتحويله عمّا نواه المحرم ، أمران : 1 - فسخ الإحرام . 2 - رفض الإحرام . ذهب الحنابلة خلافاً للجمهور إلى أنّ من كان مفرداً أو قارناً ( إذا لم يكن قد ساق الهدي ) يستحبّ له إذا طاف وسعى أن يفسخ نيّته بالحجّ ، وينوي عمرةً مفردةً ، ثمّ يهلّ بالحجّ . وهذا مبنيّ عندهم على أفضليّة التّمتّع . واستدلّ الحنابلة بما روى ابن عمر « أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لمّا قدم مكّة قال للنّاس : من كان منكم أهدى فإنّه لا يحلّ من شيء حرم منه حتّى يقضي حجّه ، ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت وبالصّفا والمروة ، وليقصّر ، وليحلل ، ثمّ ليهلّ بالحجّ ، وليهد » . أخرجه البخاريّ ومسلم . واستدلّ الجمهور على منع فسخ الحجّ بأدلّة منها قوله تعالى : { وأتمّوا الحجّ والعمرة للّه } فقد أمر اللّه تعالى بإكمال أفعال الحجّ وأفعال العمرة لمن شرع في أيّ منهما ، والفسخ ضدّ الإتمام ، فلا يكون مشروعاً ، ومنها الأحاديث الّتي شرع بها الإفراد والقران ، وقد سبق ذكرها . رفض الإحرام 128 - رفض الإحرام : هو ترك المضيّ في النّسك بزعم التّحلّل منه قبل إتمامه . ورفض الإحرام لغو باتّفاق العلماء ، ولا يبطل به الإحرام ، ولا يخرج به عن أحكامه . ما يبطل الإحرام : 129 - يبطل الإحرام بأمر واحد فقط ، متّفق عليه بين الجميع : هو الرّدّة عن الإسلام ، عياذاً باللّه تعالى وذلك لأنّهم اتّفقوا على كون الإسلام شرطاً لصحّة النّسك . ويتفرّع على بطلان الإحرام أنّه لا يمضي في متابعة أعمال ما أحرم به ، خلافاً للفاسد . وأمّا إذا أسلم وتاب عن ردّته فلا يمضي أيضاً ؛ لبطلان إحرامه . الفصل التّاسع أحكام خاصّة في الإحرام 130 - وهي أحكام مستثناة من عموم أحكام الإحرام العامّة ، بسبب وضع خاصّ لبعض الأشخاص ، أو بسبب طروء بعض الطّوارئ ، كما في السّرد التّالي : أ - إحرام المرأة . ب - إحرام الصّبيّ . ج - إحرام العبد والأمة . د - إحرام المغمى عليه . هـ - نسيان ما أحرم به . وقد تقدّم بعض ذلك ، وندرس ما بقي منها ، كلّاً منها وحده . إحرام الصّبيّ مشروعيّة حجّ الصّبيّ وصحّة إحرامه : 131 - اتّفق العلماء على صحّة حجّ الصّبيّ ، وعمرته ، وأنّ ما يؤدّيه من عبادة أو من حجّ أو من عمرة يكون تطوّعاً ، فإذا بلغ وجب عليه حجّة فرض الإسلام . وإذا كان أداء الصّبيّ للنّسك صحيحاً كان إحرامه صحيحاً قطعاً . صفة إحرام الصّبيّ : 132 - ينقسم الصّبيّ بالنّسبة إلى مرحلة صباه إلى قسمين : صبيّ مميّز ، وصبيّ غير مميّز . وضابط المميّز : هو الّذي يفهم الخطاب ويردّ الجواب ، دون اعتبار للسّنّ . 133 - أمّا الصّبيّ المميّز : فعند الحنفيّة والمالكيّة ينعقد إحرامه بنفسه ، ولا تصحّ النّيابة عنه في الإحرام ، لعدم جواز النّيابة عند عدم الضّرورة . ولا تتوقّف صحّة إحرامه على إذن الوليّ ، بل يصحّ إحرامه بإذن الوليّ ، وبغير إذن الوليّ ، لكن إذا أحرم بغير إذن الوليّ فقد صرّح المالكيّة أنّ للوليّ تحليله ، وله إجازة فعله وإبقاؤه على إحرامه بحسب ما يرى من المصلحة . فإن كان يرتجي بلوغه فالأولى تحليله ليحرم بالفرض بعد بلوغه . فإن أحرم بإذنه لم يكن له تحليله ، أمّا إذا أراد الوليّ الرّجوع عن الإذن قبل الإحرام فقال الحطّاب : « الظّاهر أنّ له الرّجوع ، لا سيّما إذا كان لمصلحته » . ولم يصرّح بذلك الحنفيّة . ولعلّه يدخل في الإحصار بمنع السّلطان عندهم . وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه لا ينعقد إحرامه إلاّ بإذن وليّه ، بل قال الشّافعيّة : يصحّ إحرام وليّه عنه ، على الأصحّ عندهم في المسألتين . أمّا عند الحنابلة فلا يحرم عنه وليّه لعدم الدّليل . ويفعل الصّبيّ الصّغير المميّز كلّ ما يستطيع أن يفعله بنفسه ، فإن قدر على الطّواف علّمه فطاف ، وإلاّ طيف به ، وكذلك السّعي وسائر المناسك . ولا تجوز النّيابة عنه فيما قدر عليه بنفسه ، وكلّ ما لا يقدر الصّبيّ على أدائه ينوب عنه وليّه في أدائه . 134 - وأمّا الصّبيّ غير المميّز - ومثله المجنون جنوناً مطبقاً - فيحرم عنه وليّه ، بأن يقول : نويت إدخال هذا الصّبيّ في حرمات الحجّ ، مثلاً . وليس المراد أنّ الوليّ يحرم في نفسه ويقصد النّيابة عن الصّبيّ . ولا ينعقد إحرام الصّبيّ غير المميّز بنفسه اتّفاقاً . 135 - ويؤدّي الوليّ بالصّبيّ غير المميّز المناسك ، فيجرّده من المخيط والمحيط إن كان ذكراً ، ويكشف وجه الأنثى وكفّيها كالكبيرة على ما سبق فيه ويطوف به ويسعى ، ويقف به بعرفة والمزدلفة ، ويرمي عنه ، ويجنّبه محظورات الإحرام ، وهكذا . لكن لا يصلّي عنه ركعتي الإحرام أو الطّواف ، بل تسقطان عنه عند الحنفيّة والمالكيّة ، أمّا عند الشّافعيّة فيصلّيهما الوليّ عنه ، وهو ظاهر كلام الحنابلة . إلاّ أنّ المالكيّة خفّفوا في الإحرام والتّجرّد من الثّياب ، فقالوا : « يحرم الوليّ بالصّغير غير المميّز ، ويجرّده من ثيابه قرب مكّة ، لخوف المشقّة وحصول الضّرر . فإن كانت المشقّة أو الضّرر يتحقّق بتجريده قرب مكّة أحرم بغير تجريده ، كما هو الظّاهر من كلامهم - ويفدي » . بلوغ الصّبيّ في أثناء النّسك : 136 - إن بلغ الصّبيّ الحلم بعدما أحرم ، فمضى في نسكه على إحرامه الأوّل ، لم يجزه حجّه عن فرض الإسلام عند الحنفيّة والمالكيّة . وقال الحنفيّة : لو جدّد الصّبيّ الإحرام قبل الوقوف بعرفة ، ونوى حجّة الإسلام ، جاز عن حجّة الإسلام ؛ لأنّ إحرام الصّبيّ غير لازم لعدم أهليّته للّزوم عليه . وقال المالكيّة لا يرتفض إحرامه السّابق ، ولا يجزيه إرداف إحرام عليه ، ولا ينقلب إحرامه عن الفرض ، لأنّه اختلّ شرط الوقوع فرضاً ، وهو ثبوت الحرّيّة والتّكليف ، وقت الإحرام . وهذا لم يكن مكلّفاً وقت الإحرام ، فلا يقع نسكه هذا إلاّ نفلاً . أمّا الشّافعيّة والحنابلة فقالوا : إن بلغ الصّبيّ في أثناء الحجّ ينظر إلى حاله من الوقوف فينقسم إلى قسمين : الأوّل : أن يبلغ بعد خروج وقت الوقوف ، أو قبل خروجه وبعد مفارقة عرفات لكن لم يعد إليها بعد البلوغ ، فهذا لا يجزيه حجّه عن حجّة الإسلام . الثّاني : أن يبلغ في حال الوقوف ، أو يبلغ بعد وقوفه بعرفة ، فيعود ويقف بها في وقت الوقوف ، أي قبل طلوع فجر يوم النّحر ، فهذا يجزيه حجّه عن حجّة الإسلام . لكن يجب عليه إعادة السّعي إن كان سعى عقب طواف القدوم قبل البلوغ ، ولا دم عليه . أمّا في العمرة : فالطّواف في العمرة كالوقوف بعرفة في الحجّ ، إذا بلغ قبل طواف العمرة أجزأه عن عمرة الإسلام ، عند من يقول بوجوبها . إحرام المغمى عليه 137 - للمغمى عليه حالان : أن يغمى عليه قبل الإحرام ، أو يغمى عليه بعد الإحرام . أوّلاً : من أغمي عليه قبل الإحرام : 138 - في المذاهب الثّلاثة المالكيّ والشّافعيّ والحنبليّ : لا إحرام له ، ولا يحرم عنه أحد من رفقته ولا غيرهم ، سواء أمرهم بذلك قبل أن يغمى عليه أو لم يأمرهم ، ولو خيف فوات الحجّ عليه ؛ لأنّ الإغماء مظنّة عدم الطّول ، ويرجى زواله عن قرب غالباً . وذهب الحنفيّة إلى جواز الإحرام عن المغمى عليه ، على تفصيل بين الإمام وصاحبيه : أ - من توجّه إلى البيت الحرام يريد الحجّ فأغمي عليه قبل الإحرام ، أو نام وهو مريض فنوى عنه ولبّى أحد رفقته ، وكذا من غير رفقته وكان قد أمرهم بالإحرام عنه قبل الإغماء ، صحّ الإحرام عنه ، ويصير المغمى عليه محرماً بنيّة رفيقه وتلبيته عنه اتّفاقاً بين أئمّة الحنفيّة . ويجزيه عن حجّة الإسلام . ب - إن أحرم عنه بعض رفقته أو غيرهم بلا أمر سابق على الإغماء صحّ كذلك عند الإمام أبي حنيفة ، ولم يصحّ عند صاحبيه أبي يوسف ومحمّد . فروع 139 - أ - إن أفاق المغمى عليه بعدما أحرم عنه غيره ، فهو عند الحنفيّة محرم يتابع النّسك . وعند غيرهم لا عبرة بإحرام غيره عنه ، فإن كان بحيث يدرك الوقوف بعرفة أحرم بالحجّ ، وأدّى المناسك ، وإلاّ فإنّه يحرم بعمرة . ولا ينطبق عليه حكم الفوات عند الثّلاثة ؛ لأنّه لم يكن محرماً . 140 - ب - لا يجب على من أحرم عن المغمى عليه تجريده من المخيط وإلباسه غير المخيط لصحّة الإحرام ؛ لأنّ ذلك ليس هو الإحرام ، بل كفّ عن بعض محظورات الإحرام . حتّى إذا أفاق وجب عليه أفعال النّسك ، والكفّ عن المحظورات . 141 - ج - لو ارتكب المغمى عليه الّذي أحرم عنه غيره محظوراً من محرّمات الإحرام لزمه موجبه ، أي كفّارته ، وإن كان غير قاصد للمحظور . ولا يلزم الرّفيق الّذي أحرم عنه ؛ لأنّ هذا الرّفيق أحرم عن نفسه بطريق الأصالة ، وعن المغمى عليه بطريق النّيابة ، كالوليّ يحرم عن الصّغير . فينتقل إحرامه إليه ، فيصير محرماً كما لو نوى هو ولبّى ، ولذا لو ارتكب هو أيضاً - أي الوليّ - محظوراً لزمه جزاء واحد لإحرام نفسه ، ولا شيء عليه من جهة إهلاله عن غيره عند الحنفيّة كما سبق . 142 - د - إذا لم يفق المغمى عليه فهل يشهد به رفقته المشاهد ، على أساس الإحرام عنه الّذي قال به الحنفيّة ؟ هناك قولان عند الحنفيّة : قيل : لا يجب على الرّفقاء أن يشهدوا به المشاهد ، كالطّواف والوقوف والرّمي والوقوف بمزدلفة ، بل مباشرتهم عنه تجزيه ، لكن إحضاره أولى ، على ما صرّح به بعض أصحاب هذا القول . وهذا الأصحّ على ما أفاد في ردّ المحتار المعتمد في الفتوى في مذهب الحنفيّة ، لكن لا بدّ للإجزاء عنه من نيّة الوقوف عنه ، والطّواف عنه بعد طواف النّائب عن نفسه ، وهكذا . ثانياً : من أغمي عليه بعد إحرامه بنفسه : 143 - الإغماء بعد الإحرام لا يؤثّر في صحّته ، باتّفاق الأئمّة . وعلى ذلك فهذا حمله متعيّن على رفقائه ، ولا سيّما للوقوف بعرفة ، فإنّه يصحّ ولو كان نائماً أو مغمًى عليه ، على تفصيل في أداء المناسك له يطلب في موضعه من مصطلح « حجّ " ومصطلح « عمرة » . نسيان ما أحرم به 144 - من أحرم بشيء معيّن ، مثل حجّ ، أو عمرة ، أو قران ، ثمّ نسي ما أحرم به ، لزمه حجّ وعمرة . ويعمل عمل القران في المذاهب الثّلاثة : الحنفيّ والمالكيّ والشّافعيّ . وذهب الحنابلة إلى أنّه يصرف إحرامه إلى أيّ نسك شاء ، ويندب صرفه إلى العمرة خاصّةً . الفصل العاشر في كفّارات محظورات الإحرام تعريفها : 145 - المراد بالكفّارة هنا : الجزاء الّذي يجب على من ارتكب شيئاً من محظورات الإحرام . وهذه الأجزية أنواع : 1 - الفدية : حيث أطلقت فالمراد الفدية المخيّرة الّتي نصّ عليها القرآن في قوله تعالى : { ففدية من صيام أو صدقة أو نسك } . 2 - الهدي : وربّما عبّر عنه بالدّم . وكلّ موضع أطلق فيه الدّم أو الهدي تجزئ فيه الشّاة ، إلاّ من جامع بعد الوقوف بعرفة فعليه بدنة ( أي من الإبل ) اتّفاقاً . أمّا من جامع قبل الوقوف فإنّه يفسد حجّه اتّفاقاً وعليه بدنة عند الثّلاثة ، وقال الحنفيّة : عليه شاة ، ويمضي في حجّه ، ويقضيه . 3 - الصّدقة : حيث أطلق وجوب " صدقة " عند الحنفيّة من غير بيان مقدارها فإنّه يجب نصف صاع من برّ ( قمح ) أو صاع من شعير أو تمر . 4 - الصّيام : يجب الصّيام على التّخيير في الفدية ، وهو ثلاثة أيّام . ويجب في مقابلة الإطعام . 5 - الضّمان بالمثل : في جزاء الصّيد ، على ما سيأتي . 146 - يستوي إحرام العمرة مع إحرام الحجّ في عقوبة الجناية عليه . إلاّ من جامع في العمرة قبل أداء ركنها ، فتفسد اتّفاقاً كما ذكرنا ، وعليه شاة عند الحنفيّة والحنابلة ، وقال الشّافعيّة والمالكيّة : عليه بدنة . المبحث الأوّل في كفّارة محظورات التّرفّه . 147 - يتناول هذا البحث كفّارة محظورات اللّبس ، وتغطية الرّأس ، والادّهان ، والتّطيّب ، وحلق الشّعر أو إزالته أو قطعة من الرّأس أو غيره ، وقلم الظّفر . أصل كفّارة محظورات التّرفّه . 148 - اتّفقوا على أنّ من فعل من المحظورات شيئاً لعذر مرض أو دفع أذًى فإنّ عليه الفدية ، يتخيّر فيها : إمّا أن يذبح هدياً ، أو يتصدّق بإطعام ستّة مساكين ، أو يصوم ثلاثة أيّام ، لقوله تعالى : { ولا تحلقوا رءوسكم حتّى يبلغ الهدي محلّه فمن كان منكم مريضاً أو به أذًى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك } . ولما ورد عن كعب بن عجرة رضي الله عنه أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال له حين رأى هوامّ رأسه : « أيؤذيك هوامّ رأسك ؟ قال : قلت : نعم . قال : فاحلق ، وصم ثلاثة أيّام ، أو أطعم ستّة مساكين ، أو انسك نسيكةً » متّفق عليه . 149 - وأمّا العامد الّذي لا عذر له فقد اختلفوا فيه : فذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه يتخيّر ، كالمعذور ، وعليه إثم ما فعله . واستدلّوا بالآية . وذهب الحنفيّة إلى أنّ العامد لا يتخيّر ، بل يجب عليه الدّم عيناً أو الصّدقة عيناً ، حسب جنايته . واستدلّوا على ذلك بالأدلّة السّابقة . وجه الاستدلال : أنّ التّخيير شرع فيها عند العذر من مرض أو أذًى ، وغير المعذور جنايته أغلظ ، فتتغلّظ عقوبته ، وذلك بنفي التّخيير في حقّه . 150 - وأمّا المعذور بغير الأذى والمرض : كالنّاسي والجاهل بالحكم والمكره والنّائم والمغمى عليه ، فحكمه عند الحنفيّة المالكيّة حكم العامد ، على ما سبق . ووجه حكمه هذا : أنّ الارتفاق حصل له ، وعدم الاختيار أسقط الإثم عنه ، كما وجّهه الحنفيّة . وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى التّمييز بين جناية فيها إتلاف ، وهي هنا الحلق أو قصّ الشّعر أو قلم الظّفر ، وجناية ليس فيها إتلاف ، وهي : اللّبس وتغطية الرّأس ، والادّهان والتّطيّب . فأوجبوا الفدية في الإتلاف ؛ لأنّه يستوي عمده وسهوه ، ولم يوجبوا فديةً في غير الإتلاف ، بل أسقطوا الكفّارة عن صاحب أيّ عذر من هذه الأعذار . [/QUOTE]
الإسم
التحقق
اكتب معهد الماهر
رد
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية