الرئيسية
المنتديات
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
الغرف الصوتية
غرفة ٠٠٠٠
ما الجديد
المشاركات الجديدة
جديد مشاركات الحائط
آخر النشاطات
الأعضاء
الزوار الحاليين
مشاركات الحائط الجديدة
البحث عن مشاركات الملف الشخصي
تسجيل الدخول
تسجيل
ما الجديد
البحث
البحث
بحث بالعناوين فقط
بواسطة:
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
قائمة
تسجيل الدخول
تسجيل
تثبيت التطبيق
تثبيت
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية
تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة
.
الرد على الموضوع
الرسالة
<blockquote data-quote="ابن عامر الشامي" data-source="post: 40746" data-attributes="member: 329"><p>183 - ثالثاً : من فاته أداء الأيّام الثّلاثة في الحجّ يقضيها عند الثّلاثة ، ويرجع إلى الدّم عند الحنفيّة ، لا يجزيه غيره . وهو قول عند الحنابلة . ثمّ عند المالكيّة ، وهو قول عند الحنابلة : إن صام بعضها قبل يوم النّحر كمّلها أيّام التّشريق ، وإن أخّرها عن أيّام التّشريق صامها متى شاء ، وصلها بالسّبعة أو لا . ولم يجز الشّافعيّة والحنابلة في القول الآخر عندهم صيامها أيّام النّحر والتّشريق ، بل يؤخّرها إلى ما بعد .</p><p>184 - ويجب عند الشّافعيّة في الأظهر في قضاء الأيّام الثّلاثة : « أن يفرّق في قضائها بينها وبين السّبعة بقدر أربعة أيّام ، يوم النّحر وأيّام التّشريق ، ومدّة إمكان السّير إلى أهله ، على العادة الغالبة ، كما في الأداء ، فلو صام عشرة أيّام متتاليةً حصلت الثّلاثة ، ولا يعتدّ بالبقيّة لعدم التّفريق » .</p><p>المطلب الرّابع في القضاء</p><p>185 - وهو من واجب إفساد النّسك بالجماع . ومن أحكامه ما يلي : أوّلاً : يراعى في قضاء النّسك أحكام الأداء العامّة ، مع تعيين القضاء في نيّة الإحرام به . ثانياً : قال الحنفيّة وهو قول عند الشّافعيّة : عليه القضاء من قابل أي من سنة آتية ، ولم يجعلوه على الفور . ومذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة أنّ القضاء واجب على الفور ولو كان النّسك الفاسد تطوّعاً ، فيأتي بالعمرة عقب التّحلّل من العمرة الفاسدة ، ويحجّ في العام القادم . ثالثاً : قرّر المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة أنّ المفسد عندما يقضي نسكه الفاسد يحرم في القضاء حيث أحرم في النّسك المفسد ، فإن أحرم من الجحفة مثلاً أحرم في القضاء منها . وعند الشّافعيّة : إن سلك في القضاء طريقاً آخر أحرم من مثل مسافة الميقات الأوّل ما لم يجعله ذلك يجاوز الميقات بغير إحرام ، فإنّه يحرم من الميقات . وإن أحرم في العام الأوّل قبل المواقيت لزمه كذلك عند الشّافعيّة والحنابلة . وعند المالكيّة لا يجب الإحرام بالقضاء إلاّ من المواقيت . أمّا إن جاوز في العام الأوّل الميقات غير محرم فإنّه في القضاء يحرم من الميقات ولا يجوز أن يجاوزه غير محرم . وقال المالكيّة : إن تعدّى الميقات في عام الفساد لعذر مشروع " كأن يجاوز الميقات حلالاً لعدم إرادته دخول مكّة ، ثمّ بعد ذلك أراد الدّخول ، وأحرم بالحجّ ، ثمّ أفسده ، فإنّه في عام القضاء يحرم ممّا أحرم منه أوّلاً » .</p><p>إحصار</p><p>التّعريف</p><p>1 - من معاني الإحصار في اللّغة المنع من بلوغ المناسك بمرض أو نحوه ، وهو المعنى الشّرعيّ أيضاً على خلاف عند الفقهاء فيما يتحقّق به الإحصار .</p><p>2 - واستعمل الفقهاء مادّة ( حصر ) بالمعنى اللّغويّ في كتبهم استعمالاً كثيراً . ومن أمثلة ذلك : قول صاحب تنوير الأبصار وشارحه في الدّرّ المختار : « والمحصور فاقد الماء والتّراب الطّهورين ، بأن حبس في مكان نجس ، ولا يمكنه إخراج مطهّر ، وكذا العاجز عنهما لمرض يؤخّر الصّلاة عند أبي حنيفة ، وقالا يتشبّه بالمصلّين وجوباً ، فيركع ويسجد إن وجد مكاناً يابساً ، وإلاّ يومئ قائماً ثمّ يعيد » . ومنه أيضاً قول صاحب تنوير الأبصار : « وكذا يجوز له أن يستخلف إذا حصر عن قراءة قدر المفروض » . وقال أبو إسحاق الشّيرازيّ : « ويجوز أن يصلّي بتيمّم واحد ما شاء من النّوافل ؛ لأنّها غير محصورة ، فخفّ أمرها » . وتفصيله في مصطلح ( صلاة ) . إلاّ أنّهم غلّبوا استعمال هذه المادّة ( حصر ) ومشتقّاتها في باب الحجّ والعمرة للدّلالة على منع المحرم من أركان النّسك ، وذلك اتّباعاً للقرآن الكريم ، وتوافقت على ذلك عباراتهم حتّى أصبح ( الإحصار ) اصطلاحاً فقهيّاً معروفاً ومشهوراً .</p><p>2 - ويعرّف الحنفيّة الإحصار بأنّه : هو المنع من الوقوف بعرفة والطّواف جميعهما بعد الإحرام بالحجّ الفرض ، والنّفل ، وفي العمرة عن الطّواف ، وهذا التّعريف لم يعترض عليه . ويعرّفه المالكيّة بأنّه المنع من الوقوف والطّواف معاً أو المنع من أحدهما . وبمثل مذهب الشّافعيّة هذا التّعريف الّذي أورده الرّمليّ الشّافعيّ في نهاية المحتاج ، ونصّه : « هو المنع من إتمام أركان الحجّ أو العمرة » . وينطبق هذا التّعريف للشّافعيّة على مذهب الحنابلة في الإحصار ؛ لأنّهم يقولون بالإحصار عن أيّ من أركان الحجّ أو العمرة ، على تفصيل يسير في كيفيّة التّحلّل لمن أحصر عن الوقوف دون الطّواف . الأصل التّشريعيّ في موجب الإحصار :</p><p>3 - موجب الإحصار - إجمالاً - التّحلّل بكيفيّة سيأتي تفصيلها . والأصل في هذا المبحث حادثة الحديبية المعروفة ، وفي ذلك نزل قوله تبارك وتعالى : { وأتمّوا الحجّ والعمرة للّه فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رءوسكم حتّى يبلغ الهدي محلّه } . وقال ابن عمر رضي الله عنهما « : خرجنا مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فحال كفّار قريش دون البيت ، فنحر النّبيّ صلى الله عليه وسلم هديه وحلق رأسه » . أخرجه البخاريّ .</p><p>ما يتحقّق به الإحصار</p><p>4 - يتحقّق الإحصار بوجود ركنه ، وهو المنع من المضيّ في النّسك ، حجّاً كان أو عمرةً ، إذا توافرت فيه شروط بعضها متّفق عليه وبعضها مختلف فيه . ركن الإحصار :</p><p>5 - اختلف الفقهاء في المنع الّذي يتحقّق به الإحصار هل يشمل المنع بالعدوّ والمنع بالمرض ونحوه من العلل ، أم يختصّ بالحصر بالعدوّ ؟ فقال الحنفيّة : « الإحصار يتحقّق بالعدوّ ، وغيره ، كالمرض ، وهلاك النّفقة ، وموت محرم المرأة ، أو زوجها ، في الطّريق " ويتحقّق الإحصار بكلّ حابس يحبسه ، يعني المحرم ، عن المضيّ في موجب الإحرام . وهو رواية عن الإمام أحمد . وهو قول ابن مسعود ، وابن الزّبير ، وعلقمة ، وسعيد بن المسيّب ، وعروة بن الزّبير ، ومجاهد ، والنّخعيّ ، وعطاء ، ومقاتل بن حيّان ، وسفيان الثّوريّ ، وأبي ثور . ومذهب المالكيّة : أنّ الحصر يتحقّق بالعدوّ ، والفتنة ، والحبس ظلماً . كذلك هو مذهب الشّافعيّة والمشهور عند الحنابلة ، مع أسباب أخرى من الحصر بما يقهر الإنسان ، ممّا سيأتي ذكره ، كمنع الزّوج زوجته عن المتابعة . واتّفقت المذاهب الثّلاثة على أنّ من يتعذّر عليه الوصول إلى البيت بحاصر آخر غير العدوّ ، كالحصر بالمرض أو بالعرج أو بذهاب نفقة ونحوه ، أنّه لا يجوز له التّحلّل بذلك . لكن من اشترط التّحلّل إذا حبسه حابس له حكم خاصّ عند الشّافعيّة والحنابلة يأتي بيانه إن شاء اللّه تعالى . وهذا القول ينفي تحقّق الإحصار بالمرض ونحوه من علّة وهو قول ابن عبّاس وابن عمر وطاوس والزّهريّ وزيد بن أسلم ومروان بن الحكم .</p><p>6 - استدلّ الحنفيّة ومن معهم بالأدلّة من الكتاب والسّنّة والمعقول : أمّا الكتاب فقوله تعالى : { فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي } . ووجه دلالة الآية قول أهل اللّغة إنّ الإحصار ما كان بمرض أو علّة ، وقد عبّرت الآية بأحصرتم ، فدلّ على تحقّق الإحصار شرعاً بالنّسبة للمرض وبالعدوّ . وقال الجصّاص : « لمّا ثبت بما قدّمته من قول أهل اللّغة أنّ اسم الإحصار يختصّ بالمرض ، وقال اللّه { فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي } وجب أن يكون اللّفظ مستعملاً فيما هو حقيقة فيه ، وهو المرض ، ويكون العدوّ داخلاً فيه بالمعنى » . وأمّا السّنّة : فقد أخرج أصحاب السّنن الأربعة بأسانيد صحيحة ، كما قال النّوويّ ، عن عكرمة ، قال : سمعت الحجّاج بن عمرو الأنصاريّ قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : « من كسر أو عرج فقد حلّ ، وعليه الحجّ من قابل » . قال عكرمة سألت ابن عبّاس وأبا هريرة عن ذلك فقالا : صدق . وفي رواية عند أبي داود وابن ماجه : « من كسر أو عرج أو مرض . . . » . وأمّا العقل : فهو قياس المرض ونحوه على العدوّ بجامع الحبس عن أركان النّسك في كلّ ، وهو قياس جليّ ، حتّى جعله بعض الحنفيّة أولويّاً .</p><p>7 - واستدلّ الجمهور بالكتاب والآثار والعقل : أمّا الكتاب فآية : { فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي } قال الشّافعيّ : « فلم أسمع مخالفاً ممّن حفظت عنه ممّن لقيت من أهل العلم بالتّفسير في أنّها نزلت بالحديبية . وذلك إحصار عدوّ ، فكان في الحصر إذن اللّه تعالى لصاحبه فيه بما استيسر من الهدي . ثمّ بيّن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنّ الّذي يحلّ منه المحرم الإحصار بالعدوّ ، فرأيت أنّ الآية بأمر اللّه تعالى بإتمام الحجّ والعمرة للّه عامّة على كلّ حاجّ ومعتمر ، إلاّ من استثنى اللّه ، ثمّ سنّ فيه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم من الحصر بالعدوّ . وكان المريض عندي ممّن عليه عموم الآية » . يعني { وأتمّوا الحجّ والعمرة للّه } . وأمّا الآثار : فقد ثبت من طرق عن ابن عبّاس أنّه قال : لا حصر إلاّ حصر العدوّ ، فأمّا من أصابه مرض ، أو وجع ، أو ضلال ، فليس عليه شيء ، إنّما قال اللّه تعالى : { فإذا أمنتم } وروي عن ابن عمرو والزّهريّ وطاوس وزيد بن أسلم نحو ذلك . وروى الشّافعيّ في الأمّ عن مالك - وهو عنده في الموطّأ - عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار أنّ عبد اللّه بن عمر ، ومروان بن الحكم ، وابن الزّبير أفتوا ابن حزابة المخزوميّ ، وأنّه صرع ببعض طريق مكّة وهو محرم ، أن يتداوى بما لا بدّ له منه ، ويفتدي ، فإذا صحّ اعتمر فحلّ من إحرامه ، وكان عليه أن يحجّ عاماً قابلاً ويهدي . وهذا إسناد صحيح . وأمّا الدّليل من المعقول : فقال فيه الشّيرازيّ : « إن أحرم وأحصره المرض لم يجز له أن يتحلّل ؛ لأنّه لا يتخلّص بالتّحلّل من الأذى الّذي هو فيه ، فهو كمن ضلّ الطّريق » .</p><p>شروط تحقّق الإحصار :</p><p>8 - لم ينصّ الفقهاء صراحةً على شروط تحقّق الإحصار أنّها كذا وكذا ، ولكن يمكن استخلاصها ، وهي : الشّرط الأوّل : سبق الإحرام بالنّسك ، بحجّ أو عمرة ، أو بهما معاً ؛ لأنّه إذا عرض ما يمنع من أداء النّسك ، ولم يكن أحرم ، لا يلزمه شيء . ويتحقّق الإحصار عن الإحرام الفاسد كالصّحيح ، ويستتبع أحكامه أيضاً . الشّرط الثّاني : ألاّ يكون قد وقف بعرفة قبل حدوث المانع من المتابعة ، إذا كان محرماً بالحجّ . وهذا عند الحنفيّة والمالكيّة ، أمّا عند الشّافعيّة والحنابلة فيتحقّق الإحصار عن الطّواف بالبيت ، كما سيتّضح في أنواع الإحصار . أمّا في العمرة فالإحصار يتحقّق بمنعه عن أكثر الطّواف بالإجماع . الشّرط الثّالث : أن ييأس من زوال المانع ، بأن يتيقّن أو يغلب على ظنّه عدم زوال المانع قبل فوات الحجّ ، " بحيث لم يبق بينه وبين ليلة النّحر زمان يمكنه فيه السّير لو زال العذر » . وهذا نصّ عليه المالكيّة والشّافعيّة ، وقدّر الرّمليّ الشّافعيّ المدّة في العمرة إلى ثلاثة أيّام . فإذا وقع مانع يتوقّع زواله عن قريب فليس بإحصار . ويشير إلى أصل هذا الشّرط تعليل الحنفيّة إباحة التّحلّل بالإحصار بأنّه معلّل بمشقّة امتداد الإحرام . الشّرط الرّابع : نصّ عليه المالكيّة وتفرّدوا به ، وهو ألاّ يعلم حين إحرامه بالمانع من إتمام الحجّ أو العمرة . فإن علم فليس له التّحلّل ، ويبقى على إحرامه حتّى يحجّ في العام القابل ، إلاّ أن يظنّ أنّه لا يمنعه فمنعه ، فله أن يتحلّل حينئذ ، كما وقع للنّبيّ صلى الله عليه وسلم : « أنّه أحرم بالعمرة عام الحديبية عالماً بالعدوّ ، ظانّاً أنّه لا يمنعه ، فمنعه العدوّ ، فلمّا منعه تحلّل » .</p><p>أنواع الإحصار</p><p>بحسب الرّكن المحصر عنه يتنوّع الإحصار بحسب الرّكن الّذي أحصر عنه المحرم ثلاثة أنواع :</p><p>الأوّل : الإحصار عن الوقوف بعرفة وعن طواف الإفاضة :</p><p>9 - هذا الإحصار يتحقّق به الإحصار الشّرعيّ ، بما يتربّب عليه من أحكام ستأتي ( ف 26 ) وذلك باتّفاق الأئمّة ، مع اختلافهم في بعض أسباب الإحصار .</p><p>الثّاني : الإحصار عن الوقوف بعرفة دون الطّواف :</p><p>10 - من أحصر عن الوقوف بعرفة ، دون الطّواف بالبيت ، فليس بمحصر عند الحنفيّة ، وهو رواية عن أحمد . ووجه ذلك عندهم أنّه يستطيع أن يتحلّل بمناسك العمرة ، فيجب عليه أن يؤدّي مناسك العمرة بالإحرام السّابق نفسه . ويتحلّل بتلك العمرة . قال في المسلك المتقسّط : « وإن منع عن الوقوف فقط يكون في معنى فائت الحجّ ، فيتحلّل بعد فوت الوقوف عن إحرامه بأفعال العمرة ، ولا دم عليه ، ولا عمرة في القضاء » . وهذا يفيد بظاهره أنّه ينتظر حتّى يفوت الوقوف ، فيتحلّل بعمرة ، أي بأعمال عمرة بإحرامه السّابق ، كما صرّح بذلك في المبسوط بقوله : « إن لم يكن ممنوعاً من الطّواف يمكنه أن يصبر حتّى يفوته الحجّ ، فيتحلّل بالطّواف والسّعي " ومذهب المالكيّة والشّافعيّة أنّه يعتبر من أحصر عن الوقوف فقط محصراً ، ويتحلّل بأعمال العمرة . لكنّه وإن تشابهت الصّورة عند هؤلاء الأئمّة إلاّ أنّ النّتيجة تختلف فيما بينهم . فالحنفيّة يعتبرونه تحلّل فائت حجّ ، فلا يوجبون عليه دماً ، ويعتبره المالكيّة والشّافعيّة تحلّل إحصار ، فعليه دم أمّا الحنابلة فقالوا : له أن يفسخ نيّة الحجّ ، ويجعله عمرةً ، ولا هدي عليه ، لإباحة ذلك له من غير إحصار ، ففيه أولى ، فإن كان طاف وسعى للقدوم ثمّ أحصر أو مرض ، حتّى فاته الحجّ ، تحلّل بطواف وسعي آخر ، لأنّ الأوّل لم يقصد به طواف العمرة ولا سعيها ، وليس عليه أن يجدّد إحراماً .</p><p>الثّالث : الإحصار عن طواف الرّكن :</p><p>11 - مذهب الحنفيّة والمالكيّة أنّ من وقف بعرفة ثمّ أحصر لا يكون محصراً ، لوقوع الأمن عن الفوات ، كما قال الحنفيّة . ويفعل ما سوى ذلك من أعمال الحجّ ، ويظلّ محرماً في حقّ النّساء حتّى يطوف طواف الإفاضة . وقال الشّافعيّة : إن منع المحرم من مكّة دون عرفة وقف وتحلّل ، ولا قضاء عليه في الأظهر . وأمّا الحنابلة ففرّقوا بين أمرين فقالوا : إن أحصر عن البيت بعد الوقوف بعرفة قبل رمي الجمرة فله التّحلّل . وإن أحصر عن طواف الإفاضة بعد رمي الجمرة فليس له أن يتحلّل . واستدلّوا على التّحلّل في الصّورة الأولى في الإحصار قبل الرّمي بأنّ " الحصر يفيده التّحلّل من جميعه ، فأفاد التّحلّل من بعضه » . وهو دليل لمذهب الشّافعيّة أيضاً . واستدلّوا لعدم التّحلّل بعد رمي جمرة العقبة إذا أحصر عن البيت : بأنّ إحرامه أي بعد الرّمي عندهم إنّما هو عن النّساء ، والشّرع إنّما ورد بالتّحلّل الإحرام التّامّ الّذي يحرم جميع محظوراته ، فلا يثبت - التّحلّل - بما ليس مثله . ومتى زال الحصر أتى بالطّواف ، وقد تمّ حجّه .</p><p>أنواع الإحصار من حيث سببه</p><p>الإحصار بسبب فيه قهر ( أو سلطة ) :</p><p>12 - ذكروا من صوره ما يلي : الحصر بالعدوّ - الفتنة بين المسلمين - الحبس - منع السّلطان عن المتابعة - السّبع - منع الدّائن مدينه عن المتابعة - منع الزّوج زوجته عن المتابعة - موت المحرم أو الزّوج أو فقدهما - العدّة الطّارئة - منع الوليّ الصّبيّ والسّفيه عن المتابعة - منع السّيّد عبده عن المتابعة . وقبل الدّخول في تفصيل البحث لا بدّ من إجمال مهمّ ، هو : أنّ المالكيّة قصروا الحصر الّذي يبيح التّحلّل للمحصر بثلاثة أسباب ، أحصوها بالعدد ، وهي : الحصر بالعدوّ ، والحصر بالفتنة ، والحبس ظلماً . وبالتّالي فإنّ هذه الأسباب متّفق عليها بين المذاهب . وأمّا الشّافعيّة والحنابلة فاتّفقوا مع الحنفيّة على جميع الصّور الّتي صدر بها الموضوع ما عدا ثلاثة أسباب هي : منع السّلطان عن المتابعة ، والحصر بالسّبع ، والعدّة الطّارئة . فهذه الثّلاثة تفرّد بها الحنفيّة . هذا مع مراعاة تفصيل في بعض الأسباب الّتي ذكر اتّفاق الحنفيّة مع الشّافعيّة والحنابلة عليها ويأتي تفصيله إن شاء اللّه تعالى . أ - الحصر بالعدوّ الكافر :</p><p>13 - وهو أن يتسلّط العدوّ على بقعة تقع في طريق الحجّاج ، فيقطع على المحرمين السّبل ، ويصدّهم عن المتابعة لأداء مناسكهم . وتحقّق الحصر الشّرعيّ بهذه الصّورة محلّ إجماع العلماء ، وفيها نزل القرآن الكريم . كما سبق . وقد قرّر الحنفيّة والمالكيّة أنّه لو أحصر العدوّ طريقاً إلى مكّة أو عرفة ، ووجد المحصر طريقاً آخر ، ينظر فيه : فإن أضرّ به سلوكها لطوله ، أو صعوبة طريقه ، ضرراً معتبراً ، فهو محصر شرعاً . وإن لم يتضرّر به فلا يكون محصراً شرعاً . أمّا الشّافعيّة فقد ألزموا المحصر بالطّريق الآخر ولو كان أطول أو فيه مشقّة ، ما دامت النّفقة تكفيهم لذلك الطّريق . أمّا الحنابلة فعباراتهم مطلقة عن التّقييد بأيّ من هذين الأمرين ، ممّا يشير إلى أنّهم يلزمونه بالطّريق الآخر ولو كان أطول أو أشقّ ، ولو كانت النّفقة لا تكفيهم . وهذا يشير إلى ترجيح وجوب القضاء عند الحنابلة لفوات الحجّ بسبب الطّريق الثّاني ، ولعلّه لذلك ذكره ابن قدامة أوّلاً . فإذا سلك الطّريق الأطول ففاته الحجّ بطول الطّريق أو خشونته أو غيرهما ، فما يحصل الفوات بسببه فقولان مشهوران في المذهبين الشّافعيّ والحنبليّ أصحّهما عند الشّافعيّة : لا يلزمه القضاء ، بل يتحلّل تحلّل المحصر ؛ لأنّه محصر ، ولعدم تقصيره . والثّاني : يلزمه القضاء ، كما لو سلكته ابتداءً ، ففاته بضلال في الطّريق ونحوه ، ولو استوى الطّريقان من كلّ وجه وجب القضاء بلا خلاف ؛ لأنّه فوات محض .</p><p>ب - الإحصار بالفتنة :</p><p>14 - بأن تحصل حرب بين المسلمين عياذاً باللّه تعالى ، ويحصر المحرم بسبب ذلك ، مثل الفتنة الّتي ثارت بحرب الحجّاج وعبد اللّه بن الزّبير سنة 73 هـ . وهذا يتحقّق به الإحصار شرعاً أيضاً باتّفاق الأئمّة كالإحصار بالعدوّ سواءً بسواء .</p><p>ج - الحبس :</p><p>15 - بأن يسجن المحرم بعدما تلبّس بالإحرام . وقد فرّق المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة بين الحبس بحقّ أو بغير حقّ . فإن حبس بغير حقّ ، بأن اعتقل ظلماً ، أو كان مديناً ثبت إعساره فإنّه يكون محصراً . وإن حبس بحقّ عليه يمكنه الخروج منه فلا يجوز له التّحلّل ولا يكون محصراً ، ويكون حكمه حكم المرض . أمّا الحنفيّة فقد أطلقوا الحبس سبباً للإحصار .</p><p>د - منع الدّائن مدينه عن المتابعة :</p><p>16 - عدّ الشّافعيّة والحنابلة الدّين مانعاً من موانع النّسك في باب الإحصار . وأمّا المالكيّة فقد صرّحوا بأنّه إن حبس ظلماً كان محصراً ، وإلاّ فلا ، فآلت المسألة عندهم إلى الحبس ، كالحنفيّة .</p><p>هـ - منع الزّوج زوجته عن المتابعة :</p><p>17 - منع الزّوج زوجته عن المتابعة يتحقّق به إحصارها باتّفاق المذاهب الأربعة ( الحنفيّة المالكيّة ، على الأصحّ عندهم ، والشّافعيّة والحنابلة ) ، وذلك في حجّ النّفل ، أو عمرة النّفل ، عند الجميع ، وعمرة الإسلام ، عند الحنفيّة والمالكيّة لقولهم بعدم فرضيّتها . وإن أذن لها الزّوج ابتداءً بحجّ النّفل أو عمرة النّفل ولها محرم فإنّه ليس له منعها بعد الإحرام ؛ لأنّه تغرير ، ولا تصير محصرةً بمنعه . وحجّة الإسلام ، أو الحجّ الواجب ، كالنّذر ، إذا أحرمت الزّوجة بهما بغير إذن الزّوج ، ولها محرم ، فلا تكون محصرةً عند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ، لأنّهم لا يشترطون إذن الزّوج لوجوب الحجّ عليها ، وليس له أن يمنعها من حجّ الفرض ، ولا يجوز له أن يحلّلها بمحظور من محظورات الإحرام ، ولو تحلّلت هي لم يصحّ تحلّلها . وأمّا الشّافعيّة فيقولون باشتراط إذن الزّوج لفرضيّة الحجّ ، فإذا لم يأذن لها قبل إحرامها ، وأحرمت ، كان له منعها ، فصارت كالصّورة الأولى على الأصحّ عندهم . وإن أحرمت بحجّة الفرض وكان لها زوج وليس معها محرم ، فمنعها الزّوج ، فهي محصرة في ظاهر الرّواية عند الحنفيّة ، وكذا عند الشّافعيّة والحنابلة . وأمّا عند المالكيّة فلا تكون محصرةً إذا سافرت مع الرّفقة المأمونة ، وكانت هي مأمونةً أيضاً ، لأنّهم يكتفون بهذا لسفر المرأة في الحجّ الفرض ، ولا يشترطون إذن الزّوج للسّفر في الحجّ الفرض .</p><p>و - منع الأب ابنه عن المتابعة :</p><p>18 - مذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة أنّ للأبوين أو أحدهما منع ابنه عن حجّ التّطوّع لا الفرض . وفي رواية عند المالكيّة والفرض أيضاً ، لكن لا يصير عند المالكيّة والحنابلة محصراً بمنعهما ، لما عرف من حصر المالكيّة أسباب الإحصار بما لا يدخل هذا فيه . ومذهب الحنفيّة : يكره الخروج إلى الحجّ إذا كره أحد أبويه وكان الوالد محتاجاً إلى خدمة الولد ، وإن كان مستغنياً عن خدمته فلا بأس . وذكر في السّير الكبير إذا كان لا يخاف عليه الضّيعة فلا بأس بالخروج . وحجّ الفرض أولى من طاعة الوالدين ، وطاعتهما أولى من حجّ النّفل .</p><p>ز - العدّة الطّارئة :</p><p>19 - والمراد طروء عدّة الطّلاق بعد الإحرام : فإذا أهلّت المرأة بحجّة الإسلام أو حجّة نذر أو نفل ، فطلّقها زوجها ، فوجبت عليها العدّة ، صارت محصرةً ، وإن كان لها محرم ، عند الحنفيّة دون أن تتقيّد بمسافة السّفر . وأمّا المالكيّة فأجروا على عدّة الطّلاق حكم وفاة الزّوج . وقال الشّافعيّة : لو أحرمت بحجّ أو قران بإذنه أو بغيره ، ثمّ طلّقها أو مات ، وخافت فوته لضيق الوقت ، خرجت وجوباً وهي معتدّة ؛ لتقدّم الإحرام . وإن أمنت الفوات لسعة الوقت جاز لها الخروج لذلك ، لما في تعيّن التّأخير من مشقّة مصابرة الإحرام . وأمّا الحنابلة ففرّقوا بين علّة الطّلاق المبتوت والرّجعيّ ، فلها أن تخرج إليه - يعني الحجّ - في عدّة الطّلاق المبتوت ، وأمّا عدّة الرّجعيّة فالمرأة في الإحصار كالزّوجة .</p><p>المنع بعلّة تمنع المتابعة</p><p>20 - ومن صوره : الكسر أو العرج - المرض - هلاك النّفقة - هلاك الرّاحلة - العجز عن المشي - الضّلالة عن الطّريق . وتحقّق الإحصار بسبب من هذه الأسباب هو مذهب الحنفيّة . أمّا الجمهور فيقولون إنّها لا تجعل صاحبها محصراً شرعاً ، فإذا حبس بشيء منها لا يتحلّل حتّى يبلغ البيت ، فإن أدرك الحجّ فيها ، وإلاّ تحلّل بأعمال العمرة ، ويكون حكمه حكم ( الفوات ) . انظر مصطلح ( فوات ) الكسر أو العرج :</p><p>21 - والمراد بالعرج المانع من الذّهاب والأصل في هذا السّبب ما سبق في الحديث : « من كسر أو عرج فقد حلّ » . المرض :</p><p>22 - والمعتبر هنا المرض الّذي لا يزيد بالذّهاب ، بناءً على غلبة الظّنّ ، أو بإخبار طبيب حاذق متديّن . والأصل في الإحصار بالمرض من السّنّة الحديث الّذي سبق فقد ورد في بعض رواياته : « أو مرض » . هلاك النّفقة أو الرّاحلة :</p><p>23 - إن سرقت نفقة المحرم في الطّريق بعد أن أحرم ، أو ضاعت ، أو نهبت ، أو نفدت ، إن قدر على المشي فليس بمحصر ، وإن لم يقدر على المشي فهو محصر ، على ما في التّجنيس . العجز عن المشي :</p><p>24 - إن أحرم وهو عاجز عن المشي ابتداءً من أوّل إحرامه ، وله قدرة على النّفقة دون الرّاحلة ، فهو محصر حينئذ . والضّلالة عن الطّريق :</p><p>25 - أي طريق مكّة أو عرفة . فمن ضلّ الطّريق فهو محصر .</p><p>أحكام الإحصار</p><p>تندرج أحكام الإحصار في أمرين : التّحلّل ، وما يجب على المحصر بعد التّحلّل .</p><p>التّحلّل</p><p>تعريف التّحلّل :</p><p>26 - التّحلّل لغةً : أن يفعل الإنسان ما يخرج به من الحرمة . واصطلاحاً : هو فسخ الإحرام ، والخروج منه بالطّريق الموضوع له شرعاً .</p><p>جواز التّحلّل للمحصر :</p><p>27 - إذا تحقّق للمحرم وصف الإحصار فإنّه يجوز له التّحلّل . وهذا الحكم متّفق عليه بين العلماء ، كلّ حسب الأسباب الّتي يعتبرها موجبةً لتحقّق الإحصار الشّرعيّ . والأصل في الإحرام وجوب المضيّ على المحرم في النّسك الّذي أحرم به ، وألاّ يخرج من إحرامه إلاّ بتمام موجب هذا الإحرام ، لقوله تعالى : { وأتمّوا الحجّ والعمرة للّه } . لكن جاز التّحلّل للمحصر قبل إتمام موجب إحرامه استثناءً من هذا الأصل ، لما دلّ عليه الدّليل الشّرعيّ . والدّليل على جواز التّحلّل قوله تعالى : { فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي } . وجه الاستدلال بالآية : أنّ الكلام على تقدير مضمر ، ومعناه واللّه أعلم ، فإن أحصرتم عن إتمام الحجّ أو العمرة ، وأردتم أن تحلّوا فاذبحوا ما تيسّر من الهدي . والدّليل على هذا التّقدير أنّ الإحصار نفسه لا يوجب الهدي ، ألا ترى أنّ له أن لا يتحلّل ويبقى محرماً كما كان ، إلى أن يزول المانع ، فيمضي في موجب الإحرام . ومن السّنّة : « فعله صلى الله عليه وسلم فقد تحلّل وأمر أصحابه بالتّحلّل عام الحديبية حين صدّهم المشركون عن الاعتمار بالبيت العتيق » ، كما وردت الأحاديث الصّحيحة السّابقة .</p><p>المفاضلة بين التّحلّل ومصابرة الإحرام :</p><p>28 - أطلق الحنفيّة الحكم على المحصر أنّه " جاز له التّحلّل " وأنّه رخصة في حقّه ، حتّى لا يمتدّ إحصاره ، فيشقّ عليه ، وأنّ له أن يبقى محرماً . يرجع إلى أهله بغير تحلّل ويعتبر محرماً حتّى يزول الخوف . وقال المالكيّة إن منعه بعض ما ذكر من أسباب الإحصار الثّلاثة المعتبرة عندهم ، عند إتمام حجّ ، بأن أحصر عن الوقوف والبيت معاً ، أو عن إكمال عمرة ، بأن أحصر عن البيت أو السّعي ، فله التّحلّل بالنّيّة ، ممّا هو محرم به ، في أيّ محلّ كان ، قارب مكّة أو لا ، دخلها أو لا . وله البقاء لقابل أيضاً ، إلاّ أنّ تحلّله أفضل . أمّا من منع عن إتمام نسكه بغير الأسباب الثّلاثة ( العدوّ والفتنة والحبس ) كالمرض ، فإن قارب مكّة كره له إبقاء إحرامه بالحجّ لقابل ، ويتحلّل بفعل عمرة . أمّا الشّافعيّة ففرّقوا بين حالي اتّساع الوقت وضيقه : فإن كان الوقت واسعاً فالأفضل أن لا يعجّل التّحلّل ، فربّما زال المنع فأتمّ الحجّ ، ومثله العمرة ، وإن كان الوقت ضيّقاً فالأفضل تعجيل التّحلّل ؛ لئلاّ يفوت الحجّ . وذلك ما لم يغلب على ظنّ المحرم المحصر إدراكه بعد الحصر ، أو إدراك العمرة في ثلاثة أيّام فيجب الصّبر كما سبق . وأطلق الحنابلة فقالوا " المستحبّ له الإقامة مع إحرامه رجاء زوال الحصر ، فمتى زال قبل تحلّله فعليه المضيّ لإتمام نسكه . والحاصل أنّ جواز التّحلّل متّفق عليه ، إنّما اختلفوا في المفاضلة بينه وبين البقاء على الإحرام ، فإن اختار المحصر التّحلّل تحلّل متى شاء ، إذا صنع ما يلزمه للتّحلّل ، ممّا سيأتي ذكره في موضعه . وهذا الحكم سواء فيه المحصر عن الحجّ ، أو عن العمرة ، أو عنهما معاً ، عند عامّة العلماء .</p><p>التّحلّل من الإحرام الفاسد :</p><p>29 - يجوز للمحرم الّذي فسد إحرامه - إذا أحصر - أن يتحلّل من إحرامه الفاسد ، فإذا جامع المحرم بالحجّ جماعاً مفسداً ثمّ أحصر تحلّل ، ويلزمه دم للإفساد ، ودم للإحصار ، ويلزمه القضاء بسبب الإفساد اتّفاقاً هنا ؛ لأنّ الخلاف في القضاء هو في الإحصار بعد الإحرام الصّحيح . فلو لم يتحلّل حتّى فاته الوقوف ، ولم يمكنه الطّواف بالكعبة ، تحلّل في موضعه تحلّل المحصر ، ويلزمه ثلاثة دماء : دم للإفساد ، ودم للفوات ، ودم للإحصار . فدم الإفساد بدنة ، والآخران شاتان ، ويلزمه قضاء واحد . لكن عند المالكيّة يكفيه في الصّورة الأولى هدي واحد هو هدي الإفساد : بدنة ؛ لأنّه لا هدي على المحصر عند المالكيّة . وعليه في الصّورة الثّانية هديان عند الحنفيّة والمالكيّة : هدي الإفساد وهدي الإحصار عند الحنفيّة ؛ لأنّه لا دم عندهم للفوات ، وهدي الإفساد . وهدي الفوات عند المالكيّة .</p><p>البقاء على الإحرام :</p><p>30 - إن اختار المحصر البقاء على الإحرام ومصابرته حتّى يزول المانع فله بالنّسبة للحجّ حالان : الحالة الأولى : أن يتمكّن من إدراك الحجّ بإدراك الوقوف بعرفة ، فبها ونعمت . الحالة الثّانية : أن لا يتمكّن من إدراك الحجّ ، بأن يفوته الحجّ لفوات الوقوف بعرفة . فاتّفق الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة على أنّه يتحلّل تحلّل فوات الحجّ ، بأن يؤدّي أعمال العمرة . ثمّ اختلفوا : فقال : الحنفيّة لا دم عليه لأنّ ذلك هو حكم الفوات وعليه القضاء . وأمّا الشّافعيّة والحنابلة فقالوا : عليه دم الفوات دون دم الإحصار . والأصحّ أنّه لا قضاء عليه عند الشّافعيّة وعليه القضاء عند الحنابلة ، كما هي القاعدة عندهم : « إنّ من لم يتحلّل حتّى فاته الحجّ لزمه القضاء » . وأمّا المالكيّة فقالوا : لو استمرّ المحصر على إحرامه حتّى دخل وقت الإحرام من العام القابل ، وزال المانع فلا يجوز له أن يتحلّل بالعمرة ليسر ما بقي . فقد أجاز المالكيّة البقاء على الإحرام بعد الفوات ، ولم يلزموه بالتّحلّل بعمرة ، وعندهم يجزئه الإحرام السّابق للحجّ في العام القابل .</p><p>31 - وأمّا إذا بقي الإحصار قائماً وفات الحجّ : فعند المالكيّة والشّافعيّة له أن يحلّ تحلّل المحصر ، ولا قضاء عليه . وعليه دم عند الشّافعيّة . وفي قول عليه القضاء . أمّا الحنابلة فأوجبوا عليه القضاء ، فيما يظهر من كلامهم . وأمّا الحنفيّة فحكمه عندهم حكم الفوات ، ولا أثر للحصر .</p><p>حكمة مشروعيّة التّحلّل :</p><p>32 - المحصر كما قال الكاسانيّ محتاج إلى التّحلّل ؛ لأنّه منع عن المضيّ في موجب الإحرام ، على وجه لا يمكنه الدّفع ، فلو لم يجز له التّحلّل لبقي محرماً لا يحلّ له ما حظره الإحرام إلى أن يزول المانع فيمضي في موجب الإحرام ، وفيه من الضّرر والحرج ما لا يخفى ، فمسّت الحاجة إلى التّحلّل والخروج من الإحرام ، دفعاً للضّرر والحرج . وسواء كان الإحصار عن الحجّ ، أو عن العمرة ، أو عنهما عند عامّة العلماء .</p><p>ما يتحلّل به المحصر</p><p>33 - الإحصار بحسب إطلاق الإحرام الّذي وقع فيه أو تقييده بالشّرط نوعان : النّوع الأوّل : الإحصار في الإحرام المطلق ، وهو الّذي لم يشترط فيه المحرم لنفسه حقّ التّحلّل إذا طرأ له مانع . النّوع الثّاني : الإحصار في الإحرام الّذي اشترط فيه المحرم التّحلّل . التّحلّل بالإحصار في الإحرام المطلق 34 - ينقسم هذا الإحصار إلى قسمين ، حسبما يستخلص من الفقه الحنفيّ : القسم الأوّل : الإحصار بمانع حقيقيّ ، أو شرعيّ لحقّ اللّه تعالى ، لا دخل لحقّ العبد فيه . القسم الثّاني : الإحصار بمانع شرعيّ لحقّ العبد لا لحقّ اللّه تعالى . وقد وجدت نتيجة التّقسيم من حيث الحكم مطابقةً لغير الحنفيّة إجمالاً ، فيما اتّفقوا مع الحنفيّة على كونه إحصاراً .</p><p>كيفيّة تحلّل المحصر أوّلاً : نيّة التّحلّل :</p><p>35 - إنّ مبدأ نيّة التّحلّل بالمعنى الواسع متّفق عليه كشرط لتحلّل المحصر من إحرامه ، ثمّ وقع الخلاف فيما وراء ذلك : أمّا الشّافعيّة والحنابلة فقد شرطوا نيّة التّحلّل عند ذبح الهدي ، بأن ينوي التّحلّل بذبحه ؛ لأنّ الهدي قد يكون للتّحلّل وقد يكون لغيره فوجب أن ينوي ليميّز بينهما ثمّ يحلق ؛ ولأنّ من أتى بأفعال النّسك فقد أتى بما عليه فيحلّ منها بإكمالها ، فلم يحتج إلى نيّة ، بخلاف المحصور ، فإنّه يريد الخروج من العبادة قبل إكمالها ، فافتقر إلى قصده . كذلك تشترط نيّة التّحلّل عند الحلق ، بناءً على الأصحّ عند الشّافعيّة أنّ الحلق نسك ، وأنّه شرط لحصول التّحلّل ، كما سيأتي ( ف . . . . ) وذلك من الدّليل على شرطيّة النّيّة عند ذبح الهدي . وأمّا المالكيّة فقالوا : نيّة التّحلّل وحدها هي ركن التّحلّل فقط ، بالنّسبة لتحلّل المحصر بالعدوّ ، أو الفتنة ، أو الحبس بغير حقّ . هؤلاء يتحلّلون عند المالكيّة بالنّيّة فحسب ، ولا يغني عنها غيرها ، حتّى لو نحر الهدي وحلق ولم ينو التّحلّل لم يتحلّل . وأمّا الحنفيّة فقالوا : « إذا أحصر المحرم بحجّة أو عمرة ، وكذا إذا كان محرماً بهما ، وأراد التّحلّل - بخلاف من أراد الاستمرار على حاله ، منتظراً زوال إحصاره - يجب عليه أن يبعث الهدي . . . إلخ " فقد علّقوا التّحلّل ببعث الهدي وذبحه على إرادة التّحلّل ، واحترزوا عمّن أراد الاستمرار على حاله . فلو بعث هدياً ، وهو مريد الانتظار لا يحلّ بذبح الهدي إلاّ إذا قصد به التّحلّل .</p></blockquote><p></p>
[QUOTE="ابن عامر الشامي, post: 40746, member: 329"] 183 - ثالثاً : من فاته أداء الأيّام الثّلاثة في الحجّ يقضيها عند الثّلاثة ، ويرجع إلى الدّم عند الحنفيّة ، لا يجزيه غيره . وهو قول عند الحنابلة . ثمّ عند المالكيّة ، وهو قول عند الحنابلة : إن صام بعضها قبل يوم النّحر كمّلها أيّام التّشريق ، وإن أخّرها عن أيّام التّشريق صامها متى شاء ، وصلها بالسّبعة أو لا . ولم يجز الشّافعيّة والحنابلة في القول الآخر عندهم صيامها أيّام النّحر والتّشريق ، بل يؤخّرها إلى ما بعد . 184 - ويجب عند الشّافعيّة في الأظهر في قضاء الأيّام الثّلاثة : « أن يفرّق في قضائها بينها وبين السّبعة بقدر أربعة أيّام ، يوم النّحر وأيّام التّشريق ، ومدّة إمكان السّير إلى أهله ، على العادة الغالبة ، كما في الأداء ، فلو صام عشرة أيّام متتاليةً حصلت الثّلاثة ، ولا يعتدّ بالبقيّة لعدم التّفريق » . المطلب الرّابع في القضاء 185 - وهو من واجب إفساد النّسك بالجماع . ومن أحكامه ما يلي : أوّلاً : يراعى في قضاء النّسك أحكام الأداء العامّة ، مع تعيين القضاء في نيّة الإحرام به . ثانياً : قال الحنفيّة وهو قول عند الشّافعيّة : عليه القضاء من قابل أي من سنة آتية ، ولم يجعلوه على الفور . ومذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة أنّ القضاء واجب على الفور ولو كان النّسك الفاسد تطوّعاً ، فيأتي بالعمرة عقب التّحلّل من العمرة الفاسدة ، ويحجّ في العام القادم . ثالثاً : قرّر المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة أنّ المفسد عندما يقضي نسكه الفاسد يحرم في القضاء حيث أحرم في النّسك المفسد ، فإن أحرم من الجحفة مثلاً أحرم في القضاء منها . وعند الشّافعيّة : إن سلك في القضاء طريقاً آخر أحرم من مثل مسافة الميقات الأوّل ما لم يجعله ذلك يجاوز الميقات بغير إحرام ، فإنّه يحرم من الميقات . وإن أحرم في العام الأوّل قبل المواقيت لزمه كذلك عند الشّافعيّة والحنابلة . وعند المالكيّة لا يجب الإحرام بالقضاء إلاّ من المواقيت . أمّا إن جاوز في العام الأوّل الميقات غير محرم فإنّه في القضاء يحرم من الميقات ولا يجوز أن يجاوزه غير محرم . وقال المالكيّة : إن تعدّى الميقات في عام الفساد لعذر مشروع " كأن يجاوز الميقات حلالاً لعدم إرادته دخول مكّة ، ثمّ بعد ذلك أراد الدّخول ، وأحرم بالحجّ ، ثمّ أفسده ، فإنّه في عام القضاء يحرم ممّا أحرم منه أوّلاً » . إحصار التّعريف 1 - من معاني الإحصار في اللّغة المنع من بلوغ المناسك بمرض أو نحوه ، وهو المعنى الشّرعيّ أيضاً على خلاف عند الفقهاء فيما يتحقّق به الإحصار . 2 - واستعمل الفقهاء مادّة ( حصر ) بالمعنى اللّغويّ في كتبهم استعمالاً كثيراً . ومن أمثلة ذلك : قول صاحب تنوير الأبصار وشارحه في الدّرّ المختار : « والمحصور فاقد الماء والتّراب الطّهورين ، بأن حبس في مكان نجس ، ولا يمكنه إخراج مطهّر ، وكذا العاجز عنهما لمرض يؤخّر الصّلاة عند أبي حنيفة ، وقالا يتشبّه بالمصلّين وجوباً ، فيركع ويسجد إن وجد مكاناً يابساً ، وإلاّ يومئ قائماً ثمّ يعيد » . ومنه أيضاً قول صاحب تنوير الأبصار : « وكذا يجوز له أن يستخلف إذا حصر عن قراءة قدر المفروض » . وقال أبو إسحاق الشّيرازيّ : « ويجوز أن يصلّي بتيمّم واحد ما شاء من النّوافل ؛ لأنّها غير محصورة ، فخفّ أمرها » . وتفصيله في مصطلح ( صلاة ) . إلاّ أنّهم غلّبوا استعمال هذه المادّة ( حصر ) ومشتقّاتها في باب الحجّ والعمرة للدّلالة على منع المحرم من أركان النّسك ، وذلك اتّباعاً للقرآن الكريم ، وتوافقت على ذلك عباراتهم حتّى أصبح ( الإحصار ) اصطلاحاً فقهيّاً معروفاً ومشهوراً . 2 - ويعرّف الحنفيّة الإحصار بأنّه : هو المنع من الوقوف بعرفة والطّواف جميعهما بعد الإحرام بالحجّ الفرض ، والنّفل ، وفي العمرة عن الطّواف ، وهذا التّعريف لم يعترض عليه . ويعرّفه المالكيّة بأنّه المنع من الوقوف والطّواف معاً أو المنع من أحدهما . وبمثل مذهب الشّافعيّة هذا التّعريف الّذي أورده الرّمليّ الشّافعيّ في نهاية المحتاج ، ونصّه : « هو المنع من إتمام أركان الحجّ أو العمرة » . وينطبق هذا التّعريف للشّافعيّة على مذهب الحنابلة في الإحصار ؛ لأنّهم يقولون بالإحصار عن أيّ من أركان الحجّ أو العمرة ، على تفصيل يسير في كيفيّة التّحلّل لمن أحصر عن الوقوف دون الطّواف . الأصل التّشريعيّ في موجب الإحصار : 3 - موجب الإحصار - إجمالاً - التّحلّل بكيفيّة سيأتي تفصيلها . والأصل في هذا المبحث حادثة الحديبية المعروفة ، وفي ذلك نزل قوله تبارك وتعالى : { وأتمّوا الحجّ والعمرة للّه فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رءوسكم حتّى يبلغ الهدي محلّه } . وقال ابن عمر رضي الله عنهما « : خرجنا مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فحال كفّار قريش دون البيت ، فنحر النّبيّ صلى الله عليه وسلم هديه وحلق رأسه » . أخرجه البخاريّ . ما يتحقّق به الإحصار 4 - يتحقّق الإحصار بوجود ركنه ، وهو المنع من المضيّ في النّسك ، حجّاً كان أو عمرةً ، إذا توافرت فيه شروط بعضها متّفق عليه وبعضها مختلف فيه . ركن الإحصار : 5 - اختلف الفقهاء في المنع الّذي يتحقّق به الإحصار هل يشمل المنع بالعدوّ والمنع بالمرض ونحوه من العلل ، أم يختصّ بالحصر بالعدوّ ؟ فقال الحنفيّة : « الإحصار يتحقّق بالعدوّ ، وغيره ، كالمرض ، وهلاك النّفقة ، وموت محرم المرأة ، أو زوجها ، في الطّريق " ويتحقّق الإحصار بكلّ حابس يحبسه ، يعني المحرم ، عن المضيّ في موجب الإحرام . وهو رواية عن الإمام أحمد . وهو قول ابن مسعود ، وابن الزّبير ، وعلقمة ، وسعيد بن المسيّب ، وعروة بن الزّبير ، ومجاهد ، والنّخعيّ ، وعطاء ، ومقاتل بن حيّان ، وسفيان الثّوريّ ، وأبي ثور . ومذهب المالكيّة : أنّ الحصر يتحقّق بالعدوّ ، والفتنة ، والحبس ظلماً . كذلك هو مذهب الشّافعيّة والمشهور عند الحنابلة ، مع أسباب أخرى من الحصر بما يقهر الإنسان ، ممّا سيأتي ذكره ، كمنع الزّوج زوجته عن المتابعة . واتّفقت المذاهب الثّلاثة على أنّ من يتعذّر عليه الوصول إلى البيت بحاصر آخر غير العدوّ ، كالحصر بالمرض أو بالعرج أو بذهاب نفقة ونحوه ، أنّه لا يجوز له التّحلّل بذلك . لكن من اشترط التّحلّل إذا حبسه حابس له حكم خاصّ عند الشّافعيّة والحنابلة يأتي بيانه إن شاء اللّه تعالى . وهذا القول ينفي تحقّق الإحصار بالمرض ونحوه من علّة وهو قول ابن عبّاس وابن عمر وطاوس والزّهريّ وزيد بن أسلم ومروان بن الحكم . 6 - استدلّ الحنفيّة ومن معهم بالأدلّة من الكتاب والسّنّة والمعقول : أمّا الكتاب فقوله تعالى : { فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي } . ووجه دلالة الآية قول أهل اللّغة إنّ الإحصار ما كان بمرض أو علّة ، وقد عبّرت الآية بأحصرتم ، فدلّ على تحقّق الإحصار شرعاً بالنّسبة للمرض وبالعدوّ . وقال الجصّاص : « لمّا ثبت بما قدّمته من قول أهل اللّغة أنّ اسم الإحصار يختصّ بالمرض ، وقال اللّه { فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي } وجب أن يكون اللّفظ مستعملاً فيما هو حقيقة فيه ، وهو المرض ، ويكون العدوّ داخلاً فيه بالمعنى » . وأمّا السّنّة : فقد أخرج أصحاب السّنن الأربعة بأسانيد صحيحة ، كما قال النّوويّ ، عن عكرمة ، قال : سمعت الحجّاج بن عمرو الأنصاريّ قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : « من كسر أو عرج فقد حلّ ، وعليه الحجّ من قابل » . قال عكرمة سألت ابن عبّاس وأبا هريرة عن ذلك فقالا : صدق . وفي رواية عند أبي داود وابن ماجه : « من كسر أو عرج أو مرض . . . » . وأمّا العقل : فهو قياس المرض ونحوه على العدوّ بجامع الحبس عن أركان النّسك في كلّ ، وهو قياس جليّ ، حتّى جعله بعض الحنفيّة أولويّاً . 7 - واستدلّ الجمهور بالكتاب والآثار والعقل : أمّا الكتاب فآية : { فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي } قال الشّافعيّ : « فلم أسمع مخالفاً ممّن حفظت عنه ممّن لقيت من أهل العلم بالتّفسير في أنّها نزلت بالحديبية . وذلك إحصار عدوّ ، فكان في الحصر إذن اللّه تعالى لصاحبه فيه بما استيسر من الهدي . ثمّ بيّن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنّ الّذي يحلّ منه المحرم الإحصار بالعدوّ ، فرأيت أنّ الآية بأمر اللّه تعالى بإتمام الحجّ والعمرة للّه عامّة على كلّ حاجّ ومعتمر ، إلاّ من استثنى اللّه ، ثمّ سنّ فيه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم من الحصر بالعدوّ . وكان المريض عندي ممّن عليه عموم الآية » . يعني { وأتمّوا الحجّ والعمرة للّه } . وأمّا الآثار : فقد ثبت من طرق عن ابن عبّاس أنّه قال : لا حصر إلاّ حصر العدوّ ، فأمّا من أصابه مرض ، أو وجع ، أو ضلال ، فليس عليه شيء ، إنّما قال اللّه تعالى : { فإذا أمنتم } وروي عن ابن عمرو والزّهريّ وطاوس وزيد بن أسلم نحو ذلك . وروى الشّافعيّ في الأمّ عن مالك - وهو عنده في الموطّأ - عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار أنّ عبد اللّه بن عمر ، ومروان بن الحكم ، وابن الزّبير أفتوا ابن حزابة المخزوميّ ، وأنّه صرع ببعض طريق مكّة وهو محرم ، أن يتداوى بما لا بدّ له منه ، ويفتدي ، فإذا صحّ اعتمر فحلّ من إحرامه ، وكان عليه أن يحجّ عاماً قابلاً ويهدي . وهذا إسناد صحيح . وأمّا الدّليل من المعقول : فقال فيه الشّيرازيّ : « إن أحرم وأحصره المرض لم يجز له أن يتحلّل ؛ لأنّه لا يتخلّص بالتّحلّل من الأذى الّذي هو فيه ، فهو كمن ضلّ الطّريق » . شروط تحقّق الإحصار : 8 - لم ينصّ الفقهاء صراحةً على شروط تحقّق الإحصار أنّها كذا وكذا ، ولكن يمكن استخلاصها ، وهي : الشّرط الأوّل : سبق الإحرام بالنّسك ، بحجّ أو عمرة ، أو بهما معاً ؛ لأنّه إذا عرض ما يمنع من أداء النّسك ، ولم يكن أحرم ، لا يلزمه شيء . ويتحقّق الإحصار عن الإحرام الفاسد كالصّحيح ، ويستتبع أحكامه أيضاً . الشّرط الثّاني : ألاّ يكون قد وقف بعرفة قبل حدوث المانع من المتابعة ، إذا كان محرماً بالحجّ . وهذا عند الحنفيّة والمالكيّة ، أمّا عند الشّافعيّة والحنابلة فيتحقّق الإحصار عن الطّواف بالبيت ، كما سيتّضح في أنواع الإحصار . أمّا في العمرة فالإحصار يتحقّق بمنعه عن أكثر الطّواف بالإجماع . الشّرط الثّالث : أن ييأس من زوال المانع ، بأن يتيقّن أو يغلب على ظنّه عدم زوال المانع قبل فوات الحجّ ، " بحيث لم يبق بينه وبين ليلة النّحر زمان يمكنه فيه السّير لو زال العذر » . وهذا نصّ عليه المالكيّة والشّافعيّة ، وقدّر الرّمليّ الشّافعيّ المدّة في العمرة إلى ثلاثة أيّام . فإذا وقع مانع يتوقّع زواله عن قريب فليس بإحصار . ويشير إلى أصل هذا الشّرط تعليل الحنفيّة إباحة التّحلّل بالإحصار بأنّه معلّل بمشقّة امتداد الإحرام . الشّرط الرّابع : نصّ عليه المالكيّة وتفرّدوا به ، وهو ألاّ يعلم حين إحرامه بالمانع من إتمام الحجّ أو العمرة . فإن علم فليس له التّحلّل ، ويبقى على إحرامه حتّى يحجّ في العام القابل ، إلاّ أن يظنّ أنّه لا يمنعه فمنعه ، فله أن يتحلّل حينئذ ، كما وقع للنّبيّ صلى الله عليه وسلم : « أنّه أحرم بالعمرة عام الحديبية عالماً بالعدوّ ، ظانّاً أنّه لا يمنعه ، فمنعه العدوّ ، فلمّا منعه تحلّل » . أنواع الإحصار بحسب الرّكن المحصر عنه يتنوّع الإحصار بحسب الرّكن الّذي أحصر عنه المحرم ثلاثة أنواع : الأوّل : الإحصار عن الوقوف بعرفة وعن طواف الإفاضة : 9 - هذا الإحصار يتحقّق به الإحصار الشّرعيّ ، بما يتربّب عليه من أحكام ستأتي ( ف 26 ) وذلك باتّفاق الأئمّة ، مع اختلافهم في بعض أسباب الإحصار . الثّاني : الإحصار عن الوقوف بعرفة دون الطّواف : 10 - من أحصر عن الوقوف بعرفة ، دون الطّواف بالبيت ، فليس بمحصر عند الحنفيّة ، وهو رواية عن أحمد . ووجه ذلك عندهم أنّه يستطيع أن يتحلّل بمناسك العمرة ، فيجب عليه أن يؤدّي مناسك العمرة بالإحرام السّابق نفسه . ويتحلّل بتلك العمرة . قال في المسلك المتقسّط : « وإن منع عن الوقوف فقط يكون في معنى فائت الحجّ ، فيتحلّل بعد فوت الوقوف عن إحرامه بأفعال العمرة ، ولا دم عليه ، ولا عمرة في القضاء » . وهذا يفيد بظاهره أنّه ينتظر حتّى يفوت الوقوف ، فيتحلّل بعمرة ، أي بأعمال عمرة بإحرامه السّابق ، كما صرّح بذلك في المبسوط بقوله : « إن لم يكن ممنوعاً من الطّواف يمكنه أن يصبر حتّى يفوته الحجّ ، فيتحلّل بالطّواف والسّعي " ومذهب المالكيّة والشّافعيّة أنّه يعتبر من أحصر عن الوقوف فقط محصراً ، ويتحلّل بأعمال العمرة . لكنّه وإن تشابهت الصّورة عند هؤلاء الأئمّة إلاّ أنّ النّتيجة تختلف فيما بينهم . فالحنفيّة يعتبرونه تحلّل فائت حجّ ، فلا يوجبون عليه دماً ، ويعتبره المالكيّة والشّافعيّة تحلّل إحصار ، فعليه دم أمّا الحنابلة فقالوا : له أن يفسخ نيّة الحجّ ، ويجعله عمرةً ، ولا هدي عليه ، لإباحة ذلك له من غير إحصار ، ففيه أولى ، فإن كان طاف وسعى للقدوم ثمّ أحصر أو مرض ، حتّى فاته الحجّ ، تحلّل بطواف وسعي آخر ، لأنّ الأوّل لم يقصد به طواف العمرة ولا سعيها ، وليس عليه أن يجدّد إحراماً . الثّالث : الإحصار عن طواف الرّكن : 11 - مذهب الحنفيّة والمالكيّة أنّ من وقف بعرفة ثمّ أحصر لا يكون محصراً ، لوقوع الأمن عن الفوات ، كما قال الحنفيّة . ويفعل ما سوى ذلك من أعمال الحجّ ، ويظلّ محرماً في حقّ النّساء حتّى يطوف طواف الإفاضة . وقال الشّافعيّة : إن منع المحرم من مكّة دون عرفة وقف وتحلّل ، ولا قضاء عليه في الأظهر . وأمّا الحنابلة ففرّقوا بين أمرين فقالوا : إن أحصر عن البيت بعد الوقوف بعرفة قبل رمي الجمرة فله التّحلّل . وإن أحصر عن طواف الإفاضة بعد رمي الجمرة فليس له أن يتحلّل . واستدلّوا على التّحلّل في الصّورة الأولى في الإحصار قبل الرّمي بأنّ " الحصر يفيده التّحلّل من جميعه ، فأفاد التّحلّل من بعضه » . وهو دليل لمذهب الشّافعيّة أيضاً . واستدلّوا لعدم التّحلّل بعد رمي جمرة العقبة إذا أحصر عن البيت : بأنّ إحرامه أي بعد الرّمي عندهم إنّما هو عن النّساء ، والشّرع إنّما ورد بالتّحلّل الإحرام التّامّ الّذي يحرم جميع محظوراته ، فلا يثبت - التّحلّل - بما ليس مثله . ومتى زال الحصر أتى بالطّواف ، وقد تمّ حجّه . أنواع الإحصار من حيث سببه الإحصار بسبب فيه قهر ( أو سلطة ) : 12 - ذكروا من صوره ما يلي : الحصر بالعدوّ - الفتنة بين المسلمين - الحبس - منع السّلطان عن المتابعة - السّبع - منع الدّائن مدينه عن المتابعة - منع الزّوج زوجته عن المتابعة - موت المحرم أو الزّوج أو فقدهما - العدّة الطّارئة - منع الوليّ الصّبيّ والسّفيه عن المتابعة - منع السّيّد عبده عن المتابعة . وقبل الدّخول في تفصيل البحث لا بدّ من إجمال مهمّ ، هو : أنّ المالكيّة قصروا الحصر الّذي يبيح التّحلّل للمحصر بثلاثة أسباب ، أحصوها بالعدد ، وهي : الحصر بالعدوّ ، والحصر بالفتنة ، والحبس ظلماً . وبالتّالي فإنّ هذه الأسباب متّفق عليها بين المذاهب . وأمّا الشّافعيّة والحنابلة فاتّفقوا مع الحنفيّة على جميع الصّور الّتي صدر بها الموضوع ما عدا ثلاثة أسباب هي : منع السّلطان عن المتابعة ، والحصر بالسّبع ، والعدّة الطّارئة . فهذه الثّلاثة تفرّد بها الحنفيّة . هذا مع مراعاة تفصيل في بعض الأسباب الّتي ذكر اتّفاق الحنفيّة مع الشّافعيّة والحنابلة عليها ويأتي تفصيله إن شاء اللّه تعالى . أ - الحصر بالعدوّ الكافر : 13 - وهو أن يتسلّط العدوّ على بقعة تقع في طريق الحجّاج ، فيقطع على المحرمين السّبل ، ويصدّهم عن المتابعة لأداء مناسكهم . وتحقّق الحصر الشّرعيّ بهذه الصّورة محلّ إجماع العلماء ، وفيها نزل القرآن الكريم . كما سبق . وقد قرّر الحنفيّة والمالكيّة أنّه لو أحصر العدوّ طريقاً إلى مكّة أو عرفة ، ووجد المحصر طريقاً آخر ، ينظر فيه : فإن أضرّ به سلوكها لطوله ، أو صعوبة طريقه ، ضرراً معتبراً ، فهو محصر شرعاً . وإن لم يتضرّر به فلا يكون محصراً شرعاً . أمّا الشّافعيّة فقد ألزموا المحصر بالطّريق الآخر ولو كان أطول أو فيه مشقّة ، ما دامت النّفقة تكفيهم لذلك الطّريق . أمّا الحنابلة فعباراتهم مطلقة عن التّقييد بأيّ من هذين الأمرين ، ممّا يشير إلى أنّهم يلزمونه بالطّريق الآخر ولو كان أطول أو أشقّ ، ولو كانت النّفقة لا تكفيهم . وهذا يشير إلى ترجيح وجوب القضاء عند الحنابلة لفوات الحجّ بسبب الطّريق الثّاني ، ولعلّه لذلك ذكره ابن قدامة أوّلاً . فإذا سلك الطّريق الأطول ففاته الحجّ بطول الطّريق أو خشونته أو غيرهما ، فما يحصل الفوات بسببه فقولان مشهوران في المذهبين الشّافعيّ والحنبليّ أصحّهما عند الشّافعيّة : لا يلزمه القضاء ، بل يتحلّل تحلّل المحصر ؛ لأنّه محصر ، ولعدم تقصيره . والثّاني : يلزمه القضاء ، كما لو سلكته ابتداءً ، ففاته بضلال في الطّريق ونحوه ، ولو استوى الطّريقان من كلّ وجه وجب القضاء بلا خلاف ؛ لأنّه فوات محض . ب - الإحصار بالفتنة : 14 - بأن تحصل حرب بين المسلمين عياذاً باللّه تعالى ، ويحصر المحرم بسبب ذلك ، مثل الفتنة الّتي ثارت بحرب الحجّاج وعبد اللّه بن الزّبير سنة 73 هـ . وهذا يتحقّق به الإحصار شرعاً أيضاً باتّفاق الأئمّة كالإحصار بالعدوّ سواءً بسواء . ج - الحبس : 15 - بأن يسجن المحرم بعدما تلبّس بالإحرام . وقد فرّق المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة بين الحبس بحقّ أو بغير حقّ . فإن حبس بغير حقّ ، بأن اعتقل ظلماً ، أو كان مديناً ثبت إعساره فإنّه يكون محصراً . وإن حبس بحقّ عليه يمكنه الخروج منه فلا يجوز له التّحلّل ولا يكون محصراً ، ويكون حكمه حكم المرض . أمّا الحنفيّة فقد أطلقوا الحبس سبباً للإحصار . د - منع الدّائن مدينه عن المتابعة : 16 - عدّ الشّافعيّة والحنابلة الدّين مانعاً من موانع النّسك في باب الإحصار . وأمّا المالكيّة فقد صرّحوا بأنّه إن حبس ظلماً كان محصراً ، وإلاّ فلا ، فآلت المسألة عندهم إلى الحبس ، كالحنفيّة . هـ - منع الزّوج زوجته عن المتابعة : 17 - منع الزّوج زوجته عن المتابعة يتحقّق به إحصارها باتّفاق المذاهب الأربعة ( الحنفيّة المالكيّة ، على الأصحّ عندهم ، والشّافعيّة والحنابلة ) ، وذلك في حجّ النّفل ، أو عمرة النّفل ، عند الجميع ، وعمرة الإسلام ، عند الحنفيّة والمالكيّة لقولهم بعدم فرضيّتها . وإن أذن لها الزّوج ابتداءً بحجّ النّفل أو عمرة النّفل ولها محرم فإنّه ليس له منعها بعد الإحرام ؛ لأنّه تغرير ، ولا تصير محصرةً بمنعه . وحجّة الإسلام ، أو الحجّ الواجب ، كالنّذر ، إذا أحرمت الزّوجة بهما بغير إذن الزّوج ، ولها محرم ، فلا تكون محصرةً عند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ، لأنّهم لا يشترطون إذن الزّوج لوجوب الحجّ عليها ، وليس له أن يمنعها من حجّ الفرض ، ولا يجوز له أن يحلّلها بمحظور من محظورات الإحرام ، ولو تحلّلت هي لم يصحّ تحلّلها . وأمّا الشّافعيّة فيقولون باشتراط إذن الزّوج لفرضيّة الحجّ ، فإذا لم يأذن لها قبل إحرامها ، وأحرمت ، كان له منعها ، فصارت كالصّورة الأولى على الأصحّ عندهم . وإن أحرمت بحجّة الفرض وكان لها زوج وليس معها محرم ، فمنعها الزّوج ، فهي محصرة في ظاهر الرّواية عند الحنفيّة ، وكذا عند الشّافعيّة والحنابلة . وأمّا عند المالكيّة فلا تكون محصرةً إذا سافرت مع الرّفقة المأمونة ، وكانت هي مأمونةً أيضاً ، لأنّهم يكتفون بهذا لسفر المرأة في الحجّ الفرض ، ولا يشترطون إذن الزّوج للسّفر في الحجّ الفرض . و - منع الأب ابنه عن المتابعة : 18 - مذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة أنّ للأبوين أو أحدهما منع ابنه عن حجّ التّطوّع لا الفرض . وفي رواية عند المالكيّة والفرض أيضاً ، لكن لا يصير عند المالكيّة والحنابلة محصراً بمنعهما ، لما عرف من حصر المالكيّة أسباب الإحصار بما لا يدخل هذا فيه . ومذهب الحنفيّة : يكره الخروج إلى الحجّ إذا كره أحد أبويه وكان الوالد محتاجاً إلى خدمة الولد ، وإن كان مستغنياً عن خدمته فلا بأس . وذكر في السّير الكبير إذا كان لا يخاف عليه الضّيعة فلا بأس بالخروج . وحجّ الفرض أولى من طاعة الوالدين ، وطاعتهما أولى من حجّ النّفل . ز - العدّة الطّارئة : 19 - والمراد طروء عدّة الطّلاق بعد الإحرام : فإذا أهلّت المرأة بحجّة الإسلام أو حجّة نذر أو نفل ، فطلّقها زوجها ، فوجبت عليها العدّة ، صارت محصرةً ، وإن كان لها محرم ، عند الحنفيّة دون أن تتقيّد بمسافة السّفر . وأمّا المالكيّة فأجروا على عدّة الطّلاق حكم وفاة الزّوج . وقال الشّافعيّة : لو أحرمت بحجّ أو قران بإذنه أو بغيره ، ثمّ طلّقها أو مات ، وخافت فوته لضيق الوقت ، خرجت وجوباً وهي معتدّة ؛ لتقدّم الإحرام . وإن أمنت الفوات لسعة الوقت جاز لها الخروج لذلك ، لما في تعيّن التّأخير من مشقّة مصابرة الإحرام . وأمّا الحنابلة ففرّقوا بين علّة الطّلاق المبتوت والرّجعيّ ، فلها أن تخرج إليه - يعني الحجّ - في عدّة الطّلاق المبتوت ، وأمّا عدّة الرّجعيّة فالمرأة في الإحصار كالزّوجة . المنع بعلّة تمنع المتابعة 20 - ومن صوره : الكسر أو العرج - المرض - هلاك النّفقة - هلاك الرّاحلة - العجز عن المشي - الضّلالة عن الطّريق . وتحقّق الإحصار بسبب من هذه الأسباب هو مذهب الحنفيّة . أمّا الجمهور فيقولون إنّها لا تجعل صاحبها محصراً شرعاً ، فإذا حبس بشيء منها لا يتحلّل حتّى يبلغ البيت ، فإن أدرك الحجّ فيها ، وإلاّ تحلّل بأعمال العمرة ، ويكون حكمه حكم ( الفوات ) . انظر مصطلح ( فوات ) الكسر أو العرج : 21 - والمراد بالعرج المانع من الذّهاب والأصل في هذا السّبب ما سبق في الحديث : « من كسر أو عرج فقد حلّ » . المرض : 22 - والمعتبر هنا المرض الّذي لا يزيد بالذّهاب ، بناءً على غلبة الظّنّ ، أو بإخبار طبيب حاذق متديّن . والأصل في الإحصار بالمرض من السّنّة الحديث الّذي سبق فقد ورد في بعض رواياته : « أو مرض » . هلاك النّفقة أو الرّاحلة : 23 - إن سرقت نفقة المحرم في الطّريق بعد أن أحرم ، أو ضاعت ، أو نهبت ، أو نفدت ، إن قدر على المشي فليس بمحصر ، وإن لم يقدر على المشي فهو محصر ، على ما في التّجنيس . العجز عن المشي : 24 - إن أحرم وهو عاجز عن المشي ابتداءً من أوّل إحرامه ، وله قدرة على النّفقة دون الرّاحلة ، فهو محصر حينئذ . والضّلالة عن الطّريق : 25 - أي طريق مكّة أو عرفة . فمن ضلّ الطّريق فهو محصر . أحكام الإحصار تندرج أحكام الإحصار في أمرين : التّحلّل ، وما يجب على المحصر بعد التّحلّل . التّحلّل تعريف التّحلّل : 26 - التّحلّل لغةً : أن يفعل الإنسان ما يخرج به من الحرمة . واصطلاحاً : هو فسخ الإحرام ، والخروج منه بالطّريق الموضوع له شرعاً . جواز التّحلّل للمحصر : 27 - إذا تحقّق للمحرم وصف الإحصار فإنّه يجوز له التّحلّل . وهذا الحكم متّفق عليه بين العلماء ، كلّ حسب الأسباب الّتي يعتبرها موجبةً لتحقّق الإحصار الشّرعيّ . والأصل في الإحرام وجوب المضيّ على المحرم في النّسك الّذي أحرم به ، وألاّ يخرج من إحرامه إلاّ بتمام موجب هذا الإحرام ، لقوله تعالى : { وأتمّوا الحجّ والعمرة للّه } . لكن جاز التّحلّل للمحصر قبل إتمام موجب إحرامه استثناءً من هذا الأصل ، لما دلّ عليه الدّليل الشّرعيّ . والدّليل على جواز التّحلّل قوله تعالى : { فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي } . وجه الاستدلال بالآية : أنّ الكلام على تقدير مضمر ، ومعناه واللّه أعلم ، فإن أحصرتم عن إتمام الحجّ أو العمرة ، وأردتم أن تحلّوا فاذبحوا ما تيسّر من الهدي . والدّليل على هذا التّقدير أنّ الإحصار نفسه لا يوجب الهدي ، ألا ترى أنّ له أن لا يتحلّل ويبقى محرماً كما كان ، إلى أن يزول المانع ، فيمضي في موجب الإحرام . ومن السّنّة : « فعله صلى الله عليه وسلم فقد تحلّل وأمر أصحابه بالتّحلّل عام الحديبية حين صدّهم المشركون عن الاعتمار بالبيت العتيق » ، كما وردت الأحاديث الصّحيحة السّابقة . المفاضلة بين التّحلّل ومصابرة الإحرام : 28 - أطلق الحنفيّة الحكم على المحصر أنّه " جاز له التّحلّل " وأنّه رخصة في حقّه ، حتّى لا يمتدّ إحصاره ، فيشقّ عليه ، وأنّ له أن يبقى محرماً . يرجع إلى أهله بغير تحلّل ويعتبر محرماً حتّى يزول الخوف . وقال المالكيّة إن منعه بعض ما ذكر من أسباب الإحصار الثّلاثة المعتبرة عندهم ، عند إتمام حجّ ، بأن أحصر عن الوقوف والبيت معاً ، أو عن إكمال عمرة ، بأن أحصر عن البيت أو السّعي ، فله التّحلّل بالنّيّة ، ممّا هو محرم به ، في أيّ محلّ كان ، قارب مكّة أو لا ، دخلها أو لا . وله البقاء لقابل أيضاً ، إلاّ أنّ تحلّله أفضل . أمّا من منع عن إتمام نسكه بغير الأسباب الثّلاثة ( العدوّ والفتنة والحبس ) كالمرض ، فإن قارب مكّة كره له إبقاء إحرامه بالحجّ لقابل ، ويتحلّل بفعل عمرة . أمّا الشّافعيّة ففرّقوا بين حالي اتّساع الوقت وضيقه : فإن كان الوقت واسعاً فالأفضل أن لا يعجّل التّحلّل ، فربّما زال المنع فأتمّ الحجّ ، ومثله العمرة ، وإن كان الوقت ضيّقاً فالأفضل تعجيل التّحلّل ؛ لئلاّ يفوت الحجّ . وذلك ما لم يغلب على ظنّ المحرم المحصر إدراكه بعد الحصر ، أو إدراك العمرة في ثلاثة أيّام فيجب الصّبر كما سبق . وأطلق الحنابلة فقالوا " المستحبّ له الإقامة مع إحرامه رجاء زوال الحصر ، فمتى زال قبل تحلّله فعليه المضيّ لإتمام نسكه . والحاصل أنّ جواز التّحلّل متّفق عليه ، إنّما اختلفوا في المفاضلة بينه وبين البقاء على الإحرام ، فإن اختار المحصر التّحلّل تحلّل متى شاء ، إذا صنع ما يلزمه للتّحلّل ، ممّا سيأتي ذكره في موضعه . وهذا الحكم سواء فيه المحصر عن الحجّ ، أو عن العمرة ، أو عنهما معاً ، عند عامّة العلماء . التّحلّل من الإحرام الفاسد : 29 - يجوز للمحرم الّذي فسد إحرامه - إذا أحصر - أن يتحلّل من إحرامه الفاسد ، فإذا جامع المحرم بالحجّ جماعاً مفسداً ثمّ أحصر تحلّل ، ويلزمه دم للإفساد ، ودم للإحصار ، ويلزمه القضاء بسبب الإفساد اتّفاقاً هنا ؛ لأنّ الخلاف في القضاء هو في الإحصار بعد الإحرام الصّحيح . فلو لم يتحلّل حتّى فاته الوقوف ، ولم يمكنه الطّواف بالكعبة ، تحلّل في موضعه تحلّل المحصر ، ويلزمه ثلاثة دماء : دم للإفساد ، ودم للفوات ، ودم للإحصار . فدم الإفساد بدنة ، والآخران شاتان ، ويلزمه قضاء واحد . لكن عند المالكيّة يكفيه في الصّورة الأولى هدي واحد هو هدي الإفساد : بدنة ؛ لأنّه لا هدي على المحصر عند المالكيّة . وعليه في الصّورة الثّانية هديان عند الحنفيّة والمالكيّة : هدي الإفساد وهدي الإحصار عند الحنفيّة ؛ لأنّه لا دم عندهم للفوات ، وهدي الإفساد . وهدي الفوات عند المالكيّة . البقاء على الإحرام : 30 - إن اختار المحصر البقاء على الإحرام ومصابرته حتّى يزول المانع فله بالنّسبة للحجّ حالان : الحالة الأولى : أن يتمكّن من إدراك الحجّ بإدراك الوقوف بعرفة ، فبها ونعمت . الحالة الثّانية : أن لا يتمكّن من إدراك الحجّ ، بأن يفوته الحجّ لفوات الوقوف بعرفة . فاتّفق الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة على أنّه يتحلّل تحلّل فوات الحجّ ، بأن يؤدّي أعمال العمرة . ثمّ اختلفوا : فقال : الحنفيّة لا دم عليه لأنّ ذلك هو حكم الفوات وعليه القضاء . وأمّا الشّافعيّة والحنابلة فقالوا : عليه دم الفوات دون دم الإحصار . والأصحّ أنّه لا قضاء عليه عند الشّافعيّة وعليه القضاء عند الحنابلة ، كما هي القاعدة عندهم : « إنّ من لم يتحلّل حتّى فاته الحجّ لزمه القضاء » . وأمّا المالكيّة فقالوا : لو استمرّ المحصر على إحرامه حتّى دخل وقت الإحرام من العام القابل ، وزال المانع فلا يجوز له أن يتحلّل بالعمرة ليسر ما بقي . فقد أجاز المالكيّة البقاء على الإحرام بعد الفوات ، ولم يلزموه بالتّحلّل بعمرة ، وعندهم يجزئه الإحرام السّابق للحجّ في العام القابل . 31 - وأمّا إذا بقي الإحصار قائماً وفات الحجّ : فعند المالكيّة والشّافعيّة له أن يحلّ تحلّل المحصر ، ولا قضاء عليه . وعليه دم عند الشّافعيّة . وفي قول عليه القضاء . أمّا الحنابلة فأوجبوا عليه القضاء ، فيما يظهر من كلامهم . وأمّا الحنفيّة فحكمه عندهم حكم الفوات ، ولا أثر للحصر . حكمة مشروعيّة التّحلّل : 32 - المحصر كما قال الكاسانيّ محتاج إلى التّحلّل ؛ لأنّه منع عن المضيّ في موجب الإحرام ، على وجه لا يمكنه الدّفع ، فلو لم يجز له التّحلّل لبقي محرماً لا يحلّ له ما حظره الإحرام إلى أن يزول المانع فيمضي في موجب الإحرام ، وفيه من الضّرر والحرج ما لا يخفى ، فمسّت الحاجة إلى التّحلّل والخروج من الإحرام ، دفعاً للضّرر والحرج . وسواء كان الإحصار عن الحجّ ، أو عن العمرة ، أو عنهما عند عامّة العلماء . ما يتحلّل به المحصر 33 - الإحصار بحسب إطلاق الإحرام الّذي وقع فيه أو تقييده بالشّرط نوعان : النّوع الأوّل : الإحصار في الإحرام المطلق ، وهو الّذي لم يشترط فيه المحرم لنفسه حقّ التّحلّل إذا طرأ له مانع . النّوع الثّاني : الإحصار في الإحرام الّذي اشترط فيه المحرم التّحلّل . التّحلّل بالإحصار في الإحرام المطلق 34 - ينقسم هذا الإحصار إلى قسمين ، حسبما يستخلص من الفقه الحنفيّ : القسم الأوّل : الإحصار بمانع حقيقيّ ، أو شرعيّ لحقّ اللّه تعالى ، لا دخل لحقّ العبد فيه . القسم الثّاني : الإحصار بمانع شرعيّ لحقّ العبد لا لحقّ اللّه تعالى . وقد وجدت نتيجة التّقسيم من حيث الحكم مطابقةً لغير الحنفيّة إجمالاً ، فيما اتّفقوا مع الحنفيّة على كونه إحصاراً . كيفيّة تحلّل المحصر أوّلاً : نيّة التّحلّل : 35 - إنّ مبدأ نيّة التّحلّل بالمعنى الواسع متّفق عليه كشرط لتحلّل المحصر من إحرامه ، ثمّ وقع الخلاف فيما وراء ذلك : أمّا الشّافعيّة والحنابلة فقد شرطوا نيّة التّحلّل عند ذبح الهدي ، بأن ينوي التّحلّل بذبحه ؛ لأنّ الهدي قد يكون للتّحلّل وقد يكون لغيره فوجب أن ينوي ليميّز بينهما ثمّ يحلق ؛ ولأنّ من أتى بأفعال النّسك فقد أتى بما عليه فيحلّ منها بإكمالها ، فلم يحتج إلى نيّة ، بخلاف المحصور ، فإنّه يريد الخروج من العبادة قبل إكمالها ، فافتقر إلى قصده . كذلك تشترط نيّة التّحلّل عند الحلق ، بناءً على الأصحّ عند الشّافعيّة أنّ الحلق نسك ، وأنّه شرط لحصول التّحلّل ، كما سيأتي ( ف . . . . ) وذلك من الدّليل على شرطيّة النّيّة عند ذبح الهدي . وأمّا المالكيّة فقالوا : نيّة التّحلّل وحدها هي ركن التّحلّل فقط ، بالنّسبة لتحلّل المحصر بالعدوّ ، أو الفتنة ، أو الحبس بغير حقّ . هؤلاء يتحلّلون عند المالكيّة بالنّيّة فحسب ، ولا يغني عنها غيرها ، حتّى لو نحر الهدي وحلق ولم ينو التّحلّل لم يتحلّل . وأمّا الحنفيّة فقالوا : « إذا أحصر المحرم بحجّة أو عمرة ، وكذا إذا كان محرماً بهما ، وأراد التّحلّل - بخلاف من أراد الاستمرار على حاله ، منتظراً زوال إحصاره - يجب عليه أن يبعث الهدي . . . إلخ " فقد علّقوا التّحلّل ببعث الهدي وذبحه على إرادة التّحلّل ، واحترزوا عمّن أراد الاستمرار على حاله . فلو بعث هدياً ، وهو مريد الانتظار لا يحلّ بذبح الهدي إلاّ إذا قصد به التّحلّل . [/QUOTE]
الإسم
التحقق
اكتب معهد الماهر
رد
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية