الرئيسية
المنتديات
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
الغرف الصوتية
غرفة ٠٠٠٠
ما الجديد
المشاركات الجديدة
جديد مشاركات الحائط
آخر النشاطات
الأعضاء
الزوار الحاليين
مشاركات الحائط الجديدة
البحث عن مشاركات الملف الشخصي
تسجيل الدخول
تسجيل
ما الجديد
البحث
البحث
بحث بالعناوين فقط
بواسطة:
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
قائمة
تسجيل الدخول
تسجيل
تثبيت التطبيق
تثبيت
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية
تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة
.
الرد على الموضوع
الرسالة
<blockquote data-quote="ابن عامر الشامي" data-source="post: 40749" data-attributes="member: 329"><p>أنواعه</p><p>5 - أ - إحياء ليال مخصوصة ورد نصّ بإحيائها كالعشر الأواخر من رمضان ، والعشر الأول من ذي الحجّة .</p><p>ب - إحياء ما بين المغرب والعشاء من كلّ ليلة ، وهذان النّوعان موضوع البحث .</p><p>الاجتماع لإحياء اللّيل :</p><p>6 - كره الحنفيّة والشّافعيّة الاجتماع لإحياء ليلة من اللّيالي في المساجد غير التّراويح ، ويرون أنّ من السّنّة إحياء النّاس اللّيل فرادى . وذهب الشّافعيّة إلى أنّه يكره ذلك ، ويصحّ مع الكراهة . وأجاز الحنابلة إحياء اللّيل بصلاة قيام اللّيل جماعةً ، كما أجازوا صلاته منفرداً ، لأنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فعل الأمرين ، ولكن كان أكثر تطوّعه منفرداً ، فصلّى بحذيفة مرّةً ، وبابن عبّاس مرّةً ، وبأنس وأمّه مرّةً . وفرّق المالكيّة في الاجتماع على إحياء اللّيل بقيامه بين الجماعة الكثيرة والجماعة القليلة ، وبين المكان المشتهر والمكان غير المشتهر ، فأجازوا - بلا كراهة - اجتماع العدد القليل عليه إن كان اجتماعهم في مكان غير مشتهر ، إلاّ أن تكون اللّيلة الّتي يجتمعون لإحيائها من اللّيالي الّتي صرّح ببدعة الجمع فيها ، كليلة النّصف من شعبان ، وليلة عاشوراء ، فيكره .</p><p>إحياء اللّيل كلّه :</p><p>7 - صرّح الشّافعيّة والحنابلة بكراهة قيام اللّيل كلّه لحديث عائشة : « ما رأيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قام ليلةً حتّى الصّباح » . رواه مسلم . واستثنوا إحياء ليال مخصوصة ، لحديث عائشة : « كان إذا دخل العشر الأواخر من رمضان أحيا اللّيل كلّه » . متّفق عليه .</p><p>كيفيّته</p><p>8 - يكون إحياء اللّيل بكلّ عبادة ، كالصّلاة ، وقراءة القرآن والأحاديث ، وسماعها ، وبالتّسبيح والثّناء والصّلاة والسّلام على النّبيّ صلى الله عليه وسلم . ويصلّي في إحياء اللّيل ولو ركعتين . والتّفصيل في عدد ما يصلّي وكونه مثنى أو رباع ، موطنه " قيام اللّيل » . وكما يجوز له أن يحيي اللّيل بالصّلاة يجوز له أن يحييه بالدّعاء والاستغفار ، فيستحبّ لمن أحيا اللّيل أن يكثر من الدّعاء والاستغفار في ساعات اللّيل كلّها . وآكده النّصف الأخير ، وأفضله عند الأسحار . وكان أنس بن مالك يقول : أمرنا أن نستغفر بالسّحر سبعين مرّةً . وقال نافع : كان ابن عمر يحيي اللّيل ، ثمّ يقول : يا نافع ، أسحرنا ؟ فأقول : لا ، فيعاود الصّلاة . ثمّ يسأل ، فإذا قلت : نعم ، قعد يستغفر . وعن إبراهيم بن حاطب عن أبيه قال : سمعت رجلاً في السّحر في ناحية المسجد يقول : يا ربّ أمرتني فأطعتك ، وهذا سحر ، فاغفر لي ، فنظرت فإذا هو ابن مسعود .</p><p>إحياء اللّيالي الفاضلة :</p><p>9 - اللّيالي الفاضلة الّتي وردت الآثار بفضلها هي : ليلة الجمعة ، وليلتا العيدين ، وليالي رمضان ، ويخصّ منها ليالي العشر الأواخر منه ، ويخصّ منها ليلة القدر ، وليالي العشر الأول من ذي الحجّة ، وليلة نصف شعبان ، واللّيلة الأولى من رجب . وحكم إحياء هذه اللّيالي فيما يلي : إحياء ليلة الجمعة :</p><p>10 - نصّ الشّافعيّة على كراهة تخصيص ليلة الجمعة بقيام بصلاة ، لما رواه مسلم في صحيحه من قول رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : « لا تخصّوا ليلة الجمعة بقيام من بين اللّيالي » . أمّا إحياؤها بغير صلاة فلا يكره ، لا سيّما الصّلاة على النّبيّ صلى الله عليه وسلم فإنّ ذلك مطلوب فيها . ولا يكره إحياؤها مضمومةً إلى ما قبلها ، أو إلى ما بعدها ، أو إليهما ، قياساً على ما ذكروه في الصّوم . وظاهر كلام بعض الحنفيّة ندب إحيائها بغير الصّلاة ؛ لأنّ صاحب مراقي الفلاح ساق حديث : « خمس ليال لا يردّ فيهنّ الدّعاء : ليلة الجمعة ، وأوّل ليلة من رجب ، وليلة النّصف من شعبان ، وليلتا العيد » . ولم يعلّق عليه .</p><p>إحياء ليلتي العيد</p><p>11 - يندب إحياء ليلتي العيدين ( الفطر ، والأضحى ) باتّفاق الفقهاء . لقوله عليه الصلاة والسلام : « من قام ليلتي العيد محتسباً لم يمت قلبه يوم تموت القلوب » . وذهب الحنفيّة اتّباعاً لابن عبّاس إلى أنّه يحصل له ثواب الإحياء بصلاة العشاء جماعةً ، والعزم على صلاة الصّبح جماعةً .</p><p>إحياء ليالي رمضان</p><p>12 - أجمع المسلمون على سنّيّة قيام ليالي رمضان عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم : « من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدّم من ذنبه » . ويخصّ منها العشر الأخير ، لأنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : « كان إذا كان العشر الأواخر طوى فراشه ، وأيقظ أهله ، وأحيا ليله » . وذلك طلباً لليلة القدر الّتي هي إحدى ليالي العشر الأخير من رمضان . قال صلى الله عليه وسلم : « اطلبوا ليلة القدر في العشر الأواخر » . وكلّ هذا لا خلاف فيه .</p><p>إحياء ليلة النّصف من شعبان</p><p>13 - ذهب جمهور الفقهاء إلى ندب إحياء ليلة النّصف من شعبان ، لقوله عليه الصلاة والسلام : « إذا كانت ليلة النّصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها ، فإنّ اللّه ينزل فيها لغروب الشّمس إلى السّماء الدّنيا ، فيقول : ألا من مستغفر فأغفر له ، ألا مسترزق فأرزقه ، ألا مبتلًى فأعافيه . . . كذا . . . كذا . . . حتّى يطلع الفجر » . وقوله صلى الله عليه وسلم : « إنّ اللّه يطّلع ليلة النّصف من شعبان ، فيغفر لجميع خلقه إلاّ لمشرك أو مشاحن » . وبيّن الغزاليّ في الإحياء كيفيّةً خاصّةً لإحيائها ، وقد أنكر الشّافعيّة تلك الكيفيّة واعتبروها بدعةً قبيحةً ، وقال الثّوريّ هذه الصّلاة بدعة موضوعة قبيحة منكرة .</p><p>الاجتماع لإحياء ليلة النّصف من شعبان :</p><p>14 - جمهور الفقهاء على كراهة الاجتماع لإحياء ليلة النّصف من شعبان ، نصّ على ذلك الحنفيّة والمالكيّة ، وصرّحوا بأنّ الاجتماع عليها بدعة وعلى الأئمّة المنع منه . وهو قول عطاء بن أبي رباح وابن أبي مليكة . وذهب الأوزاعيّ إلى كراهة الاجتماع لها في المساجد للصّلاة ؛ لأنّ الاجتماع على إحياء هذه اللّيلة لم ينقل عن الرّسول صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه . وذهب خالد بن معدان ولقمان بن عامر وإسحاق بن راهويه إلى استحباب إحيائها في جماعة .</p><p>إحياء ليالي العشر من ذي الحجّة :</p><p>15 - نصّ الحنفيّة والحنابلة على ندب إحياء اللّيالي العشر الأول من ذي الحجّة . لما رواه التّرمذيّ عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : « ما من أيّام أحبّ إلى اللّه أن يتعبّد له فيها من عشر ذي الحجّة ، يعدل صيام كلّ يوم منها بصيام سنة ، وقيام كلّ ليلة منها بقيام ليلة القدر » .</p><p>إحياء أوّل ليلة من رجب :</p><p>16 - ذكر بعض الحنفيّة وبعض الحنابلة من جملة اللّيالي الّتي يستحبّ إحياؤها أوّل ليلة من رجب ، وعلّل ذلك بأنّ هذه اللّيلة من اللّيالي الخمس الّتي لا يردّ فيها الدّعاء ، وهي : ليلة الجمعة ، وأوّل ليلة من رجب ، وليلة النّصف من شعبان ، وليلتا العيد .</p><p>إحياء ليلة النّصف من رجب :</p><p>17 - ذهب بعض الحنابلة إلى استحباب إحياء ليلة النّصف من رجب .</p><p>إحياء ليلة عاشوراء :</p><p>18 - ذهب بعض الحنابلة إلى استحباب إحياء ليلة عاشوراء .</p><p>إحياء ما بين المغرب والعشاء : مشروعيّته :</p><p>19 - الوقت الواقع بين المغرب والعشاء من الأوقات الفاضلة ، ولذلك شرع إحياؤه بالطّاعات ، من صلاة - وهي الأفضل - أو تلاوة قرآن ، أو ذكر للّه تعالى من تسبيح وتهليل ونحو ذلك . وقد كان يحييه عدد من الصّحابة والتّابعين وكثير من السّلف الصّالح . كما نقل إحياؤه عن الأئمّة الأربعة . وقد ورد في إحياء هذا الوقت طائفة من الأحاديث الشّريفة ، وإن كان كلّ حديث منها على حدة لا يخلو من مقال ، إلاّ أنّها بمجموعها تنهض دليلاً على مشروعيّتها ، منها :</p><p>1 - ما روته السّيّدة عائشة عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنّه قال : « من صلّى بعد المغرب عشرين ركعةً بنى اللّه له بيتاً في الجنّة » .</p><p>2 - وعن ابن عمر ، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : « من صلّى بعد المغرب ستّ ركعات كتب من الأوّابين » . حكمه :</p><p>20 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ إحياء ما بين المغرب والعشاء مستحبّ . وهو عند الشّافعيّة والمالكيّة مستحبّ استحباباً مؤكّداً . وكلام الحنابلة يفيده . عدد ركعاته :</p><p>21 - اختلف في عدد ركعات إحياء ما بين العشاءين تبعاً لما ورد من الأحاديث فيها . فذهب جماعة إلى أنّ إحياء ما بين العشاءين ، يكون بستّ ركعات ، وبه أخذ أبو حنيفة ، وهو الرّاجح من مذهب الحنابلة . واستدلّوا على ذلك بحديث ابن عمر السّابق . وفي رواية عند الحنابلة أنّها أربع ركعات ، وفي رواية ثالثة أنّها عشرون ركعةً . وذهب الشّافعيّة إلى أنّ أقلّها ركعتان وأكثرها عشرون ركعةً . وذلك جمعاً بين الأحاديث الواردة في عدد ركعاتها . وذهب المالكيّة إلى أنّه لا حدّ لأكثرها ولكن الأولى أن تكون ستّ ركعات . وتسمّى هذه الصّلاة بصلاة الأوّابين ، للحديث السّابق . وتسمّى صلاة الغفلة . وتسميتها بصلاة الأوّابين لا تعارض ما في الصّحيحين من قوله صلى الله عليه وسلم : صلاة الأوّابين إذا رمضت الفصال " ، لأنّه لا مانع أن تكون كلّ من الصّلاتين صلاة الأوّابين .</p><p>صلاة الرّغائب :</p><p>22 - ورد خبر بشأن فضل صلاة تسمّى صلاة الرّغائب في أوّل ليلة جمعة من رجب ، بين العشاءين . وممّن ذكره الغزاليّ في الإحياء . وقد قال عنه الحافظ العراقيّ : إنّه موضوع . وقد نبّه الحجّاويّ في الإقناع على أنّ تلك الصّلاة بدعة لا أصل لها .</p><p>إحياء الموات</p><p>1 - الإحياء في اللّغة جعل الشّيء حيّاً ، والموات : الأرض الّتي خلت من العمارة والسّكّان . وهي تسمية بالمصدر . وقيل : الموات الأرض الّتي لا مالك لها ، ولا ينتفع بها أحد . وإحياء الموات في الاصطلاح هو كما قال الأتقانيّ شارح الهداية : التّسبّب للحياة النّامية ببناء أو غرس أو كرب ( حراثة ) أو سقي . وعرّفه ابن عرفة بأنّه لقب لتعمير داثر الأرض بما يقتضي عدم انصراف المعمر عن انتفاعه بها . وعرّفه الشّافعيّة بأنّه عمارة الأرض الخربة الّتي لا مالك لها ، ولا ينتفع بها أحد . وعرّفه الحنابلة بأنّه عمارة ما لم يجر عليه ملك لأحد ، ولم يوجد فيه أثر عمارة .</p><p>( الألفاظ ذات الصّلة ) :</p><p>2 - من الألفاظ ذات الصّلة : التّحجير أو الاحتجار ، والحوز ، والارتفاق ، والاختصاص ، والإقطاع ، والحمى .</p><p>أ - التّحجير :</p><p>3 - التّحجير أو الاحتجار لغةً واصطلاحاً : منع الغير من الإحياء بوضع علامة ، كحجر أو غيره ، على الجوانب الأربعة وهو يفيد الاختصاص لا التّمليك .</p><p>ب - الحوز والحيازة :</p><p>4 - الحوز والحيازة لغةً الضّمّ والجمع . وكلّ من ضمّ إلى نفسه شيئاً فقد حازه . والمراد من الحيازة اصطلاحاً وضع اليد على الشّيء المحوز . وهي لا تفيد الملك عند الجمهور خلافاً لبعض المالكيّة . وتفصيله في مصطلح : « حيازة » .</p><p>ج - الارتفاق :</p><p>5 - الارتفاق بالشّيء لغةً الانتفاع به . وهو في الاصطلاح لا يخرج - في الجملة - عن المعنى اللّغويّ ، على خلاف فيما يرتفق به . وموضعه مصطلح : ( ارتفاق ) .</p><p>د - الاختصاص :</p><p>6 - الاختصاص بالشّيء في اللّغة : كونه لشخص دون غيره . وهو في الاصطلاح لا يخرج عن ذلك . والاختصاص أحد الطّرق المؤدّية إلى إحياء الموات .</p><p>هـ - الإقطاع :</p><p>7 - الإقطاع في اللّغة والاصطلاح : جعل الإمام غلّة أرض رزقاً للجند أو غيرهم . ونصّ الحنابلة وغيرهم على أنّ للإمام إقطاع الموات لمن يحييه ، فيكون أحقّ به كالمتحجّر الشّارع في الإحياء . وهو نوع من أنواع الاختصاص . وتفصيله في مصطلح ( إقطاع ) .</p><p>صفة الإحياء ( حكمه التّكليفيّ ) :</p><p>8 - حكمه الجواز ، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « من أحيا أرضاً ميّتةً فهي له » . على أنّ الشّافعيّة ذهبوا إلى أنّه مستحبّ ، للحديث الّذي رواه النّسائيّ : « من أحيا أرضاً ميّتةً فله فيها أجر » . وحكمة مشروعيّته أنّه سبب لزيادة الأقوات والخصب للأحياء .</p><p>أثر الإحياء</p><p>( حكمه الوضعيّ )</p><p>9 - ذهب الجمهور إلى أنّ المحيي يملك ما أحياه إذا توافرت الشّروط ، وذلك للحديث السّابق ، خلافاً لبعض الحنفيّة ، كالفقيه أبي القاسم أحمد البلخيّ ، إذ قالوا : إنّه يثبت ملك الاستغلال لا ملك الرّقبة ، قياساً على السّبق للانتفاع بالمرافق العامّة ، كالمجالس ، وخلافاً لبعض الحنابلة الّذين ذهبوا إلى أنّ الذّمّيّ لا يملك الإحياء في دار الإسلام ، إنّما يملك الانتفاع .</p><p>أقسام الموات :</p><p>10 - الموات قسمان : أصليّ وهو ما لم يعمر قطّ ، وطارئ : وهو ما خرب بعد عمارته . الأراضي الّتي كانت جزائر وأنهاراً :</p><p>11 - اتّفق الفقهاء على أنّ الأنهار والجزائر ونحوهما إذا انحسر عنها الماء فصارت أرضاً يابسةً ترجع إلى ما كانت عليه . فإن كانت مملوكةً لأحد أو وقفاً أو مسجداً عادت إلى المالك أو الوقف أو المسجد ، ولا يجوز إحياؤها ، لكن قيّد المالكيّة ذلك بما إذا كان المالك ملك الأرض بالشّراء ، فإن كان ملكها بالإحياء جاز للغير إحياؤها . واختلفوا فيما إذا لم تكن مملوكةً لأحد أو لم يعرف للأرض مالك : فذهب الحنفيّة إلى أنّ النّهر إذا كان بعيداً ، بحيث لا يعود إليه الماء ، تكون أرضه مواتاً يجوز إحياؤها . وكذلك الحكم إذا كان النّهر قريباً في ظاهر الرّواية ، وهو الصّحيح ؛ لأنّ الموات اسم لما لا ينتفع به ، فإذا لم يكن ملكاً لأحد ، ولا حقّاً خاصّاً له ، لم يكن منتفعاً به ، فكان مواتاً ، بعيداً عن البلد ، أو قريباً منها . وعلى رواية أبي يوسف رحمه الله تعالى - وهو قول الطّحاويّ الّذي اعتمده شمس الأئمّة - لا يكون مواتاً إذا كان قريباً ، وذلك لأنّ ما يكون قريباً من القرية لا ينقطع ارتفاق أهلها عنه ، فيدار الحكم عليه . وعند محمّد يعتبر حقيقة الانتفاع ، حتّى لا يجوز إحياء ما ينتفع به أهل القرية وإن كان بعيداً ، ويجوز إحياء ما لا ينتفعون به وإن كان قريباً من العامر .</p><p>12 - واختلفوا في حدّ القرب والبعد . وأصحّ ما قيل فيه أن يقوم الرّجل على طرف عمران القرية ، فينادي بأعلى صوته ، فأيّ موضع ينتهي إليه صوته يكون من فناء العمران ؛ لأنّ أهل القرية يحتاجون إلى ذلك الموضع لرعي المواشي أو غيره ، وما وراء ذلك يكون من الموات . ورأى سحنون من المالكيّة ومن وافقه كمطرّف وأصبغ مثل ظاهر الرّواية في مذهب الحنفيّة ، غير أنّه لم يقيّد بجواز عود المياه ، لأنّ الأنهار الّتي لم ينشئها النّاس ليست ملكاً لأحد ، وإنّما هي طريق للمسلمين لا يستحقّها من كان يلي النّهر من جهتيه . وعند غيرهم أنّ باطن النّهر إذا يبس يكون ملكاً لصاحبي الأرض الّتي بجنب النّهر ، لكلّ واحد منهما ما يجاور أرضه مناصفةً . والحكم كذلك إذا مال النّهر عن مجراه إلى الأرض المجاورة له . ويستخلص من نصوص المالكيّة أنّهم لا يفرّقون في الحكم بين النّهر القريب والبعيد . وعند الشّافعيّة والحنابلة أنّ ما نضب عنه الماء من الأنهار والجزائر لا يجوز إحياؤه برغم أنّه لم يكن مملوكاً من قبل . وصرّح الشّافعيّة بأنّه ليس للسّلطان إعطاؤه لأحد . قالوا : « ولو ركب الأرض ماء أو رمل أو طين فهي على ما كانت عليه من ملك أو وقف . فإن لم يعرف مالك للأرض وانحسر ماء النّهر عن جانب منه لم يخرج عن كونه من حقوق المسلمين العامّة ، وليس للسّلطان إقطاعه - أي إعطاؤه - لأحد ، كالنّهر وحريمه . ولو زرعه أحد لزمه أجرته لصالح المسلمين ، ويسقط عنه قدر حصّته إن كانت له في مصالح المسلمين . نعم للإمام دفعه لمن يرتفق به بما لا يضرّ المسلمين . ومثله ما ينحسر عنه الماء من الجزائر في البحر . ويجوز زرعه ونحوه لمن لم يقصد إحياءه . ولا يجوز فيه البناء ولا الغراس ولا ما يضرّ المسلمين . وكلّ هذا إذا رجي عود مالك الأرض ، فإن لم يرج عوده كانت لبيت المال فللإمام إقطاعها رقبةً أو منفعةً إن لم يكن في تصرّفه جور ، لكن المقطع يستحقّ الانتفاع بها مدّة الإقطاع خاصّةً » .</p><p>13 - وفي المغني : وما نضب عنه الماء من الجزائر لم يملك بالإحياء . قال أحمد في رواية العبّاس بن موسى : إذا نضب الماء عن جزيرة إلى فناء رجل لم يبن فيها ، لأنّ فيه ضرراً ، وهو أنّ الماء يرجع . يعني أنّه يرجع إلى ذلك المكان . فإذا وجده مبنيّاً رجع إلى الجانب الآخر فأضرّ بأهله ؛ ولأنّ الجزائر منبت الكلأ والحطب فجرت مجرى المعادن الظّاهرة . وقد قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « لا حمى في الأراك » . وقال أحمد في رواية حرب : يروى عن عمر أنّه أباح الجزائر . يعني أباح ما ينبت في الجزائر من النّبات . وقال : « إذا نضب الفرات عن شيء ، ثمّ نبت عن نبات ، فجاء رجل يمنع النّاس منه فليس له ذلك ، فأمّا إن غلب الماء على ملك إنسان ثمّ عاد فنضب عنه فله أخذه ، فلا يزول ملكه بغلبة الماء عليه . وإن كان ما نضب عنه الماء لا ينتفع به أحد فعمره رجل عمارةً لا تردّ الماء ، مثل أن يجعله مزرعةً ، فهو أحقّ به من غيره ؛ لأنّه متحجّر لما ليس لمسلم فيه حقّ ، فأشبه التّحجّر في الموات » .</p><p>إذن الإمام في الإحياء :</p><p>14 - فقهاء المذاهب مختلفون في أرض الموات هل هي مباحة فيملك كلّ من يحقّ له الإحياء أن يحييها بلا إذن من الإمام ، أم هي ملك للمسلمين فيحتاج إحياؤها إلى إذن ؟ ذهب الشّافعيّة والحنابلة وأبو يوسف ومحمّد إلى أنّ الإحياء لا يشترط فيه إذن الإمام ، فمن أحيا أرضاً مواتاً بلا إذن من الإمام ملكها . وذهب الإمام أبو حنيفة إلى أنّه يشترط إذن الإمام ، سواء أكانت الأرض الموات قريبةً من العمران أم بعيدةً . واشترط المالكيّة إذن الإمام في القريب قولاً واحداً . ولهم في البعيد طريقان : طريق اللّخميّ وابن رشد أنّه لا يفتقر لإذن الإمام ، والطّريق الآخر أنّه يحتاج للإذن . والمفهوم من نصوص المالكيّة أنّ العبرة بما يحتاجه النّاس وما لا يحتاجونه ، فما احتاجوه فلا بدّ فيه من الإذن ، وما لا فلا . احتجّ الجمهور بعموم قوله صلى الله عليه وسلم : « من أحيا أرضاً فهي له » ؛ ولأنّ هذه عين مباحة فلا يفتقر ملكها إلى إذن الإمام كأخذ الحشيش ، والحطب . واحتجّ أبو حنيفة بقوله صلى الله عليه وسلم : « ليس للمرء إلاّ ما طابت به نفس إمامه » ، وبأنّ هذه الأراضي كانت في أيدي الكفرة ثمّ صارت في أيدي المسلمين ، فصارت فيئاً ، ولا يختصّ بالفيء أحد دون رأي الإمام ، كالغنائم ؛ ولأنّ إذن الإمام يقطع المشاحّة . والخلاف بين الإمام وصاحبيه في حكم استئذان الإمام في تركه من المحيي المسلم جهلاً . أمّا إن تركه متعمّداً تهاوناً بالإمام ، كان له أن يستردّ الأرض منه زجراً له . وكلّ هذا في المحيي المسلم في بلاد الإسلام .</p><p>15 - أمّا بالنّسبة لإحياء الذّمّيّ في بلاد الإسلام فقال الحنابلة : الذّمّيّ كالمسلم في الإحياء بالنّسبة لإذن الإمام . وقال المالكيّة : الذّمّيّ كالمسلم فيه إلاّ في الإحياء في جزيرة العرب فلا بدّ فيه من الإذن . واشترط الحنفيّة في إحياء الذّمّيّ إذن الإمام اتّفاقاً بين أبي حنيفة وصاحبيه حسبما ورد في شرح الدّرّ . ومنعوا الإحياء للمستأمن في جميع الأحوال . ولم يجوّز الشّافعيّة إحياء الذّمّيّ في بلاد الإسلام مطلقاً .</p><p>ما يجوز إحياؤه وما لا يجوز :</p><p>16 - أجمع فقهاء المذاهب على أنّ ما كان مملوكاً لأحد أو حقّاً خاصّاً له أو ما كان داخل البلد لا يكون مواتاً أصلاً فلا يجوز إحياؤه . ومثله ما كان خارج البلد من مرافقها محتطباً لأهلها أو مرعًى لمواشيهم ، حتّى لا يملك الإمام إقطاعها . وكذلك أرض الملح والقار ونحوهما ، ممّا لا يستغني المسلمون عنه ، ولا يجوز إحياء ما يضيق على وارد أو يضرّ بماء بئر . ونصّ الشّافعيّة في الأصحّ عندهم ، والحنابلة ، على أنّه لا يجوز إحياء في عرفة ولا المزدلفة ولا منًى ، لتعلّق حقّ الوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة ومنًى بالمسلمين ، ولما فيه من التّضييق في أداء المناسك ، واستواء النّاس في الانتفاع بهذه المحالّ . وقال الزّركشيّ من الشّافعيّة : وينبغي إلحاق المحصّب بذلك لأنّه يسنّ للحجيج المبيت به . وقال الوليّ العراقيّ : ليس المحصّب من مناسك الحجّ . فمن أحيا شيئاً منه ملكه .</p><p>17 - وأجمع الفقهاء أيضاً على أنّ الأرض المحجّرة لا يجوز إحياؤها ؛ لأنّ من حجّرها أولى بالانتفاع بها من غيره . فإن أهملها فلفقهاء المذاهب تفصيلات : فالحنفيّة وضعوا مدّةً قصوى للاختصاص الحاصل بالتّحجير هي ثلاث سنوات ، فإن لم يقم بإحيائها أخذها الإمام ودفعها إلى غيره . والتّقدير بذلك مرويّ عن عمر ، فإنّه قال : ليس لمتحجّر بعد ثلاث سنين حقّ . وذهب المالكيّة إلى أنّ من أهمل الأرض الّتي حجّرها بأن لم يعمل فيها ، مع قوّته على العمل من ذلك الحين إلى ثلاث سنوات ، فإنّها تؤخذ منه ، عملاً بالأثر السّابق ، ولم يعتبروا التّحجّر إحياءً إلاّ إذا جرى العرف باعتباره كذلك . وذهب الحنابلة في أحد وجهين عندهم إلى أنّ التّحجير بلا عمل لا يفيد ، وأنّ الحقّ لمن أحيا تلك الأرض ؛ لأنّ الإحياء أقوى من التّحجير . وذهب الشّافعيّة ، وهو الوجه الثّاني عند الحنابلة إلى أنّه إذا أهمل المتحجّر إحياء الأرض مدّةً غير طويلة عرفاً ، وجاء من يحييها ، فإنّ الحقّ للمتحجّر ؛ لأنّ مفهوم قوله عليه الصلاة والسلام : « من أحيا أرضاً ميّتةً ليست لأحد » - وقوله : « في غير حقّ مسلم فهي له » أنّها لا تكون له إذا كان فيها حقّ . وكذلك قوله : « من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحقّ به » . وروى سعيد بن منصور في سننه أنّ عمر رضي الله عنه قال : من كانت له أرض - يعني من تحجّر أرضاً - فعطّلها ثلاث سنين ، فجاء قوم فعمروها ، فهم أحقّ بها وهذا يدلّ على أنّ من عمّرها قبل ثلاث سنين لا يملكها ؛ لأنّ الثّاني أحيا في حقّ غيره ، فلم يملكه ، كما لو أحيا ما يتعلّق به مصالح ملك غيره ؛ ولأنّ حقّ المتحجّر أسبق ، فكان أولى ، كحقّ الشّفيع ، يقدّم على شراء المشتري . فإن مضت مدّة طويلة على الإهمال بحسب العرف بلا عذر أنذره الإمام ؛ لأنّه ضيّق على النّاس في حقّ مشترك بينهم ، فلم يمكّن من ذلك ، كما لو وقف في طريق ضيّق أو شرعة ماء أو معدن ، لا ينتفع ، ولا يدع غيره ينتفع . فإن استمهل بعذر أمهله الإمام والإمهال لعذر يكون الشّهر والشّهرين ونحو ذلك . فإن أحيا غيره في مدّة المهلة فللحنابلة فيه الوجهان السّابقان . وإن انقضت المدّة ولم يعمر فلغيره أن يعمره ويملكه ؛ لأنّ المدّة ضربت له لينقطع حقّه بمضيّها .</p><p>حريم العامر والآبار والأنهار وغيرها :</p><p>18 - اتّفق الفقهاء على أنّه لا يجوز إحياء حريم المعمور ، وأنّه لا يملك بالإحياء . وكذلك حريم البئر المحفورة في الموات وحريم النّهر . والمراد بحريم المعمور ما تمسّ الحاجة إليه لتمام الانتفاع به ، وهو ملك لمالك المعمور ، بمعنى أنّ له أن يمنع غيره من إحيائه بجعله داراً مثلاً ، وليس له منع المرور فيه ، ولا المنع من رعي كلأ فيه ، والاستقاء من ماء فيه ، ونحو ذلك . والدّار المحفوفة بدور لا حريم لها . وحريم البئر ما لو حفر فيه نقص ماؤها ، أو خيف انهيارها . ويختلف ذلك بصلابة الأرض ورخاوتها .</p><p>19 - واختلف الفقهاء في مقدار حريم البئر والعين والنّهر والشّجر . فقال الحنفيّة : إنّ حريم بئر العطن ( وهي الّتي يستقى منها للمواشي ) أربعون ذراعاً . قيل : الأربعون من الجوانب الأربع من كلّ جانب عشرة . والصّحيح أنّ المراد أربعون ذراعاً من كلّ جانب . وأمّا حريم البئر النّاضح ( وهي أن يحمل البعير الماء من نهر أو بئر لسقي الزّرع ) فهو ستّون ذراعاً في قول أبي يوسف ومحمّد . وقال أبو حنيفة : لا أعرف إلاّ أنّه أربعون ذراعاً . وبه يفتى . ومن أحيا نهراً في أرض موات فقال بعضهم : إنّ عند أبي حنيفة لا يستحقّ له حريماً ، وعندهما يستحقّ . والصّحيح أنّه يستحقّ له حريماً بالإجماع . وذكر في النّوازل : وحريم النّهر من كلّ جانب نصفه عند أبي يوسف . وقال محمّد من كلّ جانب بمقدار عرض النّهر . والفتوى على قول أبي يوسف . ومن أخرج قناةً في أرض موات استحقّ الحريم بالإجماع . وحريمها عند محمّد حريم البئر . إلاّ أنّ المشايخ زادوا على هذا فقالوا : القناة في الموضع الّذي يظهر فيه الماء على وجه الأرض منزلة العين الفوّارة ، حريمها خمسمائة ذراع بالإجماع . أمّا في الموضع الّذي لا يقع الماء على الأرض فحريمها مثل النّهر . وقالوا : إنّ حريم الشّجرة خمسة أذرع . المالكيّة والشّافعيّة متّفقون على أنّ البئر ليس لها حريم مقدّر ، فقد قال المالكيّة : « أمّا البئر فليس لها حريم محدود لاختلاف الأرض بالرّخاوة والصّلابة ، ولكن حريمها ما لا ضرر معه عليها . وهو مقدار ما لا يضرّ بمائها ، ولا يضيّق مناخ إبلها ولا مرابض مواشيها عند الورود . ولأهل البئر منع من أراد أن يحفر بئراً في ذلك الحريم . وقالوا : إنّ للنّخلة حريماً ، وهو قدر ما يرى أنّ فيه مصلحتها ، ويترك ما أضرّ بها ، ويسأل عن ذلك أهل العلم . وقد قالوا : من اثني عشر ذراعاً من نواحيها كلّها إلى عشرة أذرع ، وذلك حسن . ويسأل عن الكرم أيضاً وعن كلّ شجرة أهل العلم به ، فيكون لكلّ شجرة بقدر مصلحتها » . وقال الشّافعيّة : إنّ حريم البئر المحفورة في الموات ( هي ما كانت مطويّةً ، وينبع الماء منها ) : موقف النّازح منها ، والحوض الّذي يصبّ فيه النّازح الماء ، وموضع الدّولاب ( وهو ما يستقي به النّازح ، وما يستقي به بالدّابّة ) والموضع الّذي يجتمع فيه لسقي الماشية والزّرع من حوض ونحوه ، ومتردّد الدّابّة ، والموضع الّذي يطرح فيه ما يخرج من الحوض ونحوه ، كلّ ذلك غير محدّد ، وإنّما هو بحسب الحاجة . وحريم آبار القناة ( وهي المحفورة من غير طيّ ليجتمع الماء فيها ويؤخذ لنحو المزارع ) : ما لو حفر فيه نقص ماؤها ، أو خيف سقوطها . ويختلف ذلك بصلابة الأرض ورخاوتها . ومذهب الحنابلة كمذهب الجمهور في أنّه لا يجوز إحياء حريم البئر والنّهر والعين ، غير أنّهم انفردوا بأنّه بحفر بئر يملك حريمها . أمّا تقدير الحنابلة للحريم من كلّ جانب في بئر قديمة فهو خمسون ذراعاً وفي غيرها خمس وعشرون . وحريم عين وقناة خمسمائة ذراع ، ونهر من جانبيه : ما يحتاج إليه لطرح كرايته ( أي ما يلقى من النّهر طلباً لسرعة جريه ) ، وحريم شجرة : قدر مدّ أغصانها ، وحريم أرض تزرع : ما يحتاج إليه لسقيها وربط دوابّها وطرح سبخها ونحوه .</p><p>إحياء الموات المقطّع :</p><p>20 - يقال في اللّغة : أقطع الإمام الجند البلد إقطاعاً أي جعل لهم غلّتها رزقاً ، واصطلاحاً إعطاء موات الأرض لمن يحييها ، وذلك جائز لما روى وائل بن حجر « أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أقطعه أرضاً ، فأرسل معه معاوية : أن أعطها إيّاه ، أو أعلمها إيّاه » . ولا بدّ قبل بيان حكم هذا الإحياء من بيان حكم الإقطاع ؛ لأنّه إمّا أن يكون بصيغته إقطاع تمليك ، أو إقطاع إرفاق ( انتفاع ) . فإن كان إقطاع إرفاق فالكلّ مجمع على أنّه لا يفيد بذاته تمليكاً للرّقبة ، إن كان إقطاع تمليك فإنّه يمتنع به إقدام غير المقطع على إحيائه ؛ لأنّه ملك رقبته بالإقطاع نفسه ، خلافاً للحنابلة ، فإنّهم ذهبوا إلى أنّ إقطاع الموات مطلقاً لا يفيد تملّكاً ، لكنّه يصير أحقّ به من غيره . أمّا إذا كان الإقطاع مطلقاً ، أو مشكوكاً فيه ، فإنّه يحمل على إقطاع الإرفاق ؛ لأنّه المحقّق .</p><p>الحمى :</p><p>21 - الحمى لغةً : ما منع النّاس عنه ، واصطلاحاً : أن يمنع الإمام موضعاً لا يقع فيه التّضييق على النّاس للحاجة العامّة لذلك ، لماشية الصّدقة ، والخيل الّتي يحمل عليها . وقد كان للرّسول صلى الله عليه وسلم أن يحمي لنفسه وللمسلمين ، لقوله في الخبر : { لا حمى إلاّ للّه ولرسوله } ، لكنّه لم يحم لنفسه شيئاً ، وإنّما حمى للمسلمين ، فقد روى ابن عمر ، قال : « حمى النّبيّ صلى الله عليه وسلم النّقيع لخيل المسلمين » . وأمّا سائر أئمّة المسلمين فليس لهم أن يحموا لأنفسهم شيئاً ، ولكن لهم أن يحموا مواضع لترعى فيها خيل المجاهدين ، ونعم الجزية ، وإبل الصّدقة ، وضوالّ النّاس ، على وجه لا يتضرّر به من سواه من النّاس . وهذا مذهب الأئمّة أبي حنيفة ومالك وأحمد والشّافعيّ في صحيح قوليه . وقال في الآخر : ليس لغير النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن يحمي ، لقوله عليه الصلاة والسلام : « لا حمى إلاّ للّه ورسوله » . واستدلّ الجمهور بأنّ عمر وعثمان حميا ، واشتهر ذلك في الصّحابة ، فلم ينكر عليهما ، فكان إجماعاً . وما حماه النّبيّ صلى الله عليه وسلم فليس لأحد نقضه ولا تغييره مع بقاء الحاجة إليه ، ومن أحيا منه شيئاً لم يملكه . وإن زالت الحاجة إليه ، ودعت حاجة لنقضه ، فالأظهر عند الشّافعيّة جواز نقضه . وعند الحنابلة وجهان . واستظهر الحطّاب من المالكيّة جواز نقضه إن لم يقم الدّليل على إرادة الاستمرار . وما حماه غيره من الأئمّة فغيره هو أو غيره من الأئمّة جاز ، وإن أحياه إنسان ملكه في أحد الوجهين للحنابلة ؛ لأنّ حمى الأئمّة اجتهاد ، وملك الأرض بالإحياء نصّ ، والنّصّ يقدّم على الاجتهاد . والوجه الآخر للحنابلة : لا يملكه ؛ لأنّ اجتهاد الإمام لا يجوز نقضه ، كما لا يجوز نقض حكمه . ومذهب الشّافعيّ ، كذلك .</p><p>من يحقّ له الإحياء</p><p>أ - في بلاد الإسلام :</p><p>22 - والمراد بها كما بيّن القليوبيّ : ما بناه المسلمون ، كبغداد والبصرة ، أو أسلم أهله عليه ، كالمدينة واليمن ، أو فتح عنوةً ، كخيبر ومصر وسواد العراق ، أو صلحاً والأرض لنا وهم يدفعون الجزية . والحكم في هذه البلاد أنّ عمارتها فيء ، ومواتها متحجّر لأهل الفيء . وقد اتّفق الفقهاء على أنّ المسلم البالغ العاقل الحرّ له الحقّ في أن يحيي الأرض الموات الّتي في بلاد الإسلام على نحو ما سبق . واختلفوا فيما وراء ذلك ، فذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الذّمّيّ كالمسلم في حقّ الإحياء في بلاد الإسلام ، لكنّ مطرّفاً وابن الماجشون من المالكيّة منعا من إحيائه في جزيرة العرب ( مكّة والمدينة والحجاز كلّه والنّجود واليمن ) . وقال غيرهما : لو قيل إنّ حكم الذّمّيّين في ذلك حكم المسلمين لم يبعد ، كما كان لهم ذلك فيما بعد من العمران . وجاء في شرح الهداية : « أنّ الذّمّيّ يملك بالإحياء كما يملكه المسلم " من غير تقييد بإذن الإمام في ذلك عند الصّاحبين اللّذين لا يشترطان إذن الإمام للمسلم . وعلّل الشّارح ذلك بأنّ الإحياء سبب الملك ، فيستوي في ذلك المسلم والذّمّيّ كما في سائر أسباب الملك . والاستواء في السّبب يوجب الاستواء في الحكم ، لكن الّذي في شرح الدّرّ كما سبق أنّ الخلاف بين الإمام وصاحبيه في اشتراط إذن الإمام في الإحياء إنّما هو بالنّسبة للمسلم ، أمّا بالنّسبة للذّمّيّ فيشترط الإذن اتّفاقاً عند الحنفيّة . وذهب الشّافعيّة إلى عدم جواز إحياء الذّمّيّ في بلاد الإسلام ، فقد نصّوا على أنّ الأرض الّتي لم تعمّر قطّ إن كانت ببلاد الإسلام فللمسلم تملّكها بالإحياء ، أذن فيه الإمام أم لا ، وليس ذلك لذمّيّ وإن أذن الإمام ، فغير الذّمّيّ من الكفّار أولى بالمنع ، فلا عبرة بإحيائه ، وللمسلم أن يأخذه منه ويملكه ، فإن كان له عين فيه كزرع ردّه المسلم إليه ، فإن أعرض عنه فهو لبيت المال ، وليس لأحد التّصرّف فيه ، ولا أجرة عليه مدّة إحيائه لأنّه ليس ملكاً لأحد . وقد نصّ الشّافعيّة على أنّ الصّبيّ المسلم ، ولو غير مميّز يملك ما أحياه ، وأنّه يجوز للعبد أن يحيي ، لكن ما يحييه يملكه سيّده . ولم يذكروا شيئاً عن إحياء المجنون . وباقي المذاهب لم يستدلّ على أحكام إحياء المذكورين عندهم ، ولكن الحديث : « من أحيا أرضاً ميّتةً فهي له » يدلّ بعمومه على أنّ الصّغير والمجنون يملكان ما يحييانه .</p></blockquote><p></p>
[QUOTE="ابن عامر الشامي, post: 40749, member: 329"] أنواعه 5 - أ - إحياء ليال مخصوصة ورد نصّ بإحيائها كالعشر الأواخر من رمضان ، والعشر الأول من ذي الحجّة . ب - إحياء ما بين المغرب والعشاء من كلّ ليلة ، وهذان النّوعان موضوع البحث . الاجتماع لإحياء اللّيل : 6 - كره الحنفيّة والشّافعيّة الاجتماع لإحياء ليلة من اللّيالي في المساجد غير التّراويح ، ويرون أنّ من السّنّة إحياء النّاس اللّيل فرادى . وذهب الشّافعيّة إلى أنّه يكره ذلك ، ويصحّ مع الكراهة . وأجاز الحنابلة إحياء اللّيل بصلاة قيام اللّيل جماعةً ، كما أجازوا صلاته منفرداً ، لأنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فعل الأمرين ، ولكن كان أكثر تطوّعه منفرداً ، فصلّى بحذيفة مرّةً ، وبابن عبّاس مرّةً ، وبأنس وأمّه مرّةً . وفرّق المالكيّة في الاجتماع على إحياء اللّيل بقيامه بين الجماعة الكثيرة والجماعة القليلة ، وبين المكان المشتهر والمكان غير المشتهر ، فأجازوا - بلا كراهة - اجتماع العدد القليل عليه إن كان اجتماعهم في مكان غير مشتهر ، إلاّ أن تكون اللّيلة الّتي يجتمعون لإحيائها من اللّيالي الّتي صرّح ببدعة الجمع فيها ، كليلة النّصف من شعبان ، وليلة عاشوراء ، فيكره . إحياء اللّيل كلّه : 7 - صرّح الشّافعيّة والحنابلة بكراهة قيام اللّيل كلّه لحديث عائشة : « ما رأيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قام ليلةً حتّى الصّباح » . رواه مسلم . واستثنوا إحياء ليال مخصوصة ، لحديث عائشة : « كان إذا دخل العشر الأواخر من رمضان أحيا اللّيل كلّه » . متّفق عليه . كيفيّته 8 - يكون إحياء اللّيل بكلّ عبادة ، كالصّلاة ، وقراءة القرآن والأحاديث ، وسماعها ، وبالتّسبيح والثّناء والصّلاة والسّلام على النّبيّ صلى الله عليه وسلم . ويصلّي في إحياء اللّيل ولو ركعتين . والتّفصيل في عدد ما يصلّي وكونه مثنى أو رباع ، موطنه " قيام اللّيل » . وكما يجوز له أن يحيي اللّيل بالصّلاة يجوز له أن يحييه بالدّعاء والاستغفار ، فيستحبّ لمن أحيا اللّيل أن يكثر من الدّعاء والاستغفار في ساعات اللّيل كلّها . وآكده النّصف الأخير ، وأفضله عند الأسحار . وكان أنس بن مالك يقول : أمرنا أن نستغفر بالسّحر سبعين مرّةً . وقال نافع : كان ابن عمر يحيي اللّيل ، ثمّ يقول : يا نافع ، أسحرنا ؟ فأقول : لا ، فيعاود الصّلاة . ثمّ يسأل ، فإذا قلت : نعم ، قعد يستغفر . وعن إبراهيم بن حاطب عن أبيه قال : سمعت رجلاً في السّحر في ناحية المسجد يقول : يا ربّ أمرتني فأطعتك ، وهذا سحر ، فاغفر لي ، فنظرت فإذا هو ابن مسعود . إحياء اللّيالي الفاضلة : 9 - اللّيالي الفاضلة الّتي وردت الآثار بفضلها هي : ليلة الجمعة ، وليلتا العيدين ، وليالي رمضان ، ويخصّ منها ليالي العشر الأواخر منه ، ويخصّ منها ليلة القدر ، وليالي العشر الأول من ذي الحجّة ، وليلة نصف شعبان ، واللّيلة الأولى من رجب . وحكم إحياء هذه اللّيالي فيما يلي : إحياء ليلة الجمعة : 10 - نصّ الشّافعيّة على كراهة تخصيص ليلة الجمعة بقيام بصلاة ، لما رواه مسلم في صحيحه من قول رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : « لا تخصّوا ليلة الجمعة بقيام من بين اللّيالي » . أمّا إحياؤها بغير صلاة فلا يكره ، لا سيّما الصّلاة على النّبيّ صلى الله عليه وسلم فإنّ ذلك مطلوب فيها . ولا يكره إحياؤها مضمومةً إلى ما قبلها ، أو إلى ما بعدها ، أو إليهما ، قياساً على ما ذكروه في الصّوم . وظاهر كلام بعض الحنفيّة ندب إحيائها بغير الصّلاة ؛ لأنّ صاحب مراقي الفلاح ساق حديث : « خمس ليال لا يردّ فيهنّ الدّعاء : ليلة الجمعة ، وأوّل ليلة من رجب ، وليلة النّصف من شعبان ، وليلتا العيد » . ولم يعلّق عليه . إحياء ليلتي العيد 11 - يندب إحياء ليلتي العيدين ( الفطر ، والأضحى ) باتّفاق الفقهاء . لقوله عليه الصلاة والسلام : « من قام ليلتي العيد محتسباً لم يمت قلبه يوم تموت القلوب » . وذهب الحنفيّة اتّباعاً لابن عبّاس إلى أنّه يحصل له ثواب الإحياء بصلاة العشاء جماعةً ، والعزم على صلاة الصّبح جماعةً . إحياء ليالي رمضان 12 - أجمع المسلمون على سنّيّة قيام ليالي رمضان عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم : « من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدّم من ذنبه » . ويخصّ منها العشر الأخير ، لأنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : « كان إذا كان العشر الأواخر طوى فراشه ، وأيقظ أهله ، وأحيا ليله » . وذلك طلباً لليلة القدر الّتي هي إحدى ليالي العشر الأخير من رمضان . قال صلى الله عليه وسلم : « اطلبوا ليلة القدر في العشر الأواخر » . وكلّ هذا لا خلاف فيه . إحياء ليلة النّصف من شعبان 13 - ذهب جمهور الفقهاء إلى ندب إحياء ليلة النّصف من شعبان ، لقوله عليه الصلاة والسلام : « إذا كانت ليلة النّصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها ، فإنّ اللّه ينزل فيها لغروب الشّمس إلى السّماء الدّنيا ، فيقول : ألا من مستغفر فأغفر له ، ألا مسترزق فأرزقه ، ألا مبتلًى فأعافيه . . . كذا . . . كذا . . . حتّى يطلع الفجر » . وقوله صلى الله عليه وسلم : « إنّ اللّه يطّلع ليلة النّصف من شعبان ، فيغفر لجميع خلقه إلاّ لمشرك أو مشاحن » . وبيّن الغزاليّ في الإحياء كيفيّةً خاصّةً لإحيائها ، وقد أنكر الشّافعيّة تلك الكيفيّة واعتبروها بدعةً قبيحةً ، وقال الثّوريّ هذه الصّلاة بدعة موضوعة قبيحة منكرة . الاجتماع لإحياء ليلة النّصف من شعبان : 14 - جمهور الفقهاء على كراهة الاجتماع لإحياء ليلة النّصف من شعبان ، نصّ على ذلك الحنفيّة والمالكيّة ، وصرّحوا بأنّ الاجتماع عليها بدعة وعلى الأئمّة المنع منه . وهو قول عطاء بن أبي رباح وابن أبي مليكة . وذهب الأوزاعيّ إلى كراهة الاجتماع لها في المساجد للصّلاة ؛ لأنّ الاجتماع على إحياء هذه اللّيلة لم ينقل عن الرّسول صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه . وذهب خالد بن معدان ولقمان بن عامر وإسحاق بن راهويه إلى استحباب إحيائها في جماعة . إحياء ليالي العشر من ذي الحجّة : 15 - نصّ الحنفيّة والحنابلة على ندب إحياء اللّيالي العشر الأول من ذي الحجّة . لما رواه التّرمذيّ عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : « ما من أيّام أحبّ إلى اللّه أن يتعبّد له فيها من عشر ذي الحجّة ، يعدل صيام كلّ يوم منها بصيام سنة ، وقيام كلّ ليلة منها بقيام ليلة القدر » . إحياء أوّل ليلة من رجب : 16 - ذكر بعض الحنفيّة وبعض الحنابلة من جملة اللّيالي الّتي يستحبّ إحياؤها أوّل ليلة من رجب ، وعلّل ذلك بأنّ هذه اللّيلة من اللّيالي الخمس الّتي لا يردّ فيها الدّعاء ، وهي : ليلة الجمعة ، وأوّل ليلة من رجب ، وليلة النّصف من شعبان ، وليلتا العيد . إحياء ليلة النّصف من رجب : 17 - ذهب بعض الحنابلة إلى استحباب إحياء ليلة النّصف من رجب . إحياء ليلة عاشوراء : 18 - ذهب بعض الحنابلة إلى استحباب إحياء ليلة عاشوراء . إحياء ما بين المغرب والعشاء : مشروعيّته : 19 - الوقت الواقع بين المغرب والعشاء من الأوقات الفاضلة ، ولذلك شرع إحياؤه بالطّاعات ، من صلاة - وهي الأفضل - أو تلاوة قرآن ، أو ذكر للّه تعالى من تسبيح وتهليل ونحو ذلك . وقد كان يحييه عدد من الصّحابة والتّابعين وكثير من السّلف الصّالح . كما نقل إحياؤه عن الأئمّة الأربعة . وقد ورد في إحياء هذا الوقت طائفة من الأحاديث الشّريفة ، وإن كان كلّ حديث منها على حدة لا يخلو من مقال ، إلاّ أنّها بمجموعها تنهض دليلاً على مشروعيّتها ، منها : 1 - ما روته السّيّدة عائشة عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنّه قال : « من صلّى بعد المغرب عشرين ركعةً بنى اللّه له بيتاً في الجنّة » . 2 - وعن ابن عمر ، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : « من صلّى بعد المغرب ستّ ركعات كتب من الأوّابين » . حكمه : 20 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ إحياء ما بين المغرب والعشاء مستحبّ . وهو عند الشّافعيّة والمالكيّة مستحبّ استحباباً مؤكّداً . وكلام الحنابلة يفيده . عدد ركعاته : 21 - اختلف في عدد ركعات إحياء ما بين العشاءين تبعاً لما ورد من الأحاديث فيها . فذهب جماعة إلى أنّ إحياء ما بين العشاءين ، يكون بستّ ركعات ، وبه أخذ أبو حنيفة ، وهو الرّاجح من مذهب الحنابلة . واستدلّوا على ذلك بحديث ابن عمر السّابق . وفي رواية عند الحنابلة أنّها أربع ركعات ، وفي رواية ثالثة أنّها عشرون ركعةً . وذهب الشّافعيّة إلى أنّ أقلّها ركعتان وأكثرها عشرون ركعةً . وذلك جمعاً بين الأحاديث الواردة في عدد ركعاتها . وذهب المالكيّة إلى أنّه لا حدّ لأكثرها ولكن الأولى أن تكون ستّ ركعات . وتسمّى هذه الصّلاة بصلاة الأوّابين ، للحديث السّابق . وتسمّى صلاة الغفلة . وتسميتها بصلاة الأوّابين لا تعارض ما في الصّحيحين من قوله صلى الله عليه وسلم : صلاة الأوّابين إذا رمضت الفصال " ، لأنّه لا مانع أن تكون كلّ من الصّلاتين صلاة الأوّابين . صلاة الرّغائب : 22 - ورد خبر بشأن فضل صلاة تسمّى صلاة الرّغائب في أوّل ليلة جمعة من رجب ، بين العشاءين . وممّن ذكره الغزاليّ في الإحياء . وقد قال عنه الحافظ العراقيّ : إنّه موضوع . وقد نبّه الحجّاويّ في الإقناع على أنّ تلك الصّلاة بدعة لا أصل لها . إحياء الموات 1 - الإحياء في اللّغة جعل الشّيء حيّاً ، والموات : الأرض الّتي خلت من العمارة والسّكّان . وهي تسمية بالمصدر . وقيل : الموات الأرض الّتي لا مالك لها ، ولا ينتفع بها أحد . وإحياء الموات في الاصطلاح هو كما قال الأتقانيّ شارح الهداية : التّسبّب للحياة النّامية ببناء أو غرس أو كرب ( حراثة ) أو سقي . وعرّفه ابن عرفة بأنّه لقب لتعمير داثر الأرض بما يقتضي عدم انصراف المعمر عن انتفاعه بها . وعرّفه الشّافعيّة بأنّه عمارة الأرض الخربة الّتي لا مالك لها ، ولا ينتفع بها أحد . وعرّفه الحنابلة بأنّه عمارة ما لم يجر عليه ملك لأحد ، ولم يوجد فيه أثر عمارة . ( الألفاظ ذات الصّلة ) : 2 - من الألفاظ ذات الصّلة : التّحجير أو الاحتجار ، والحوز ، والارتفاق ، والاختصاص ، والإقطاع ، والحمى . أ - التّحجير : 3 - التّحجير أو الاحتجار لغةً واصطلاحاً : منع الغير من الإحياء بوضع علامة ، كحجر أو غيره ، على الجوانب الأربعة وهو يفيد الاختصاص لا التّمليك . ب - الحوز والحيازة : 4 - الحوز والحيازة لغةً الضّمّ والجمع . وكلّ من ضمّ إلى نفسه شيئاً فقد حازه . والمراد من الحيازة اصطلاحاً وضع اليد على الشّيء المحوز . وهي لا تفيد الملك عند الجمهور خلافاً لبعض المالكيّة . وتفصيله في مصطلح : « حيازة » . ج - الارتفاق : 5 - الارتفاق بالشّيء لغةً الانتفاع به . وهو في الاصطلاح لا يخرج - في الجملة - عن المعنى اللّغويّ ، على خلاف فيما يرتفق به . وموضعه مصطلح : ( ارتفاق ) . د - الاختصاص : 6 - الاختصاص بالشّيء في اللّغة : كونه لشخص دون غيره . وهو في الاصطلاح لا يخرج عن ذلك . والاختصاص أحد الطّرق المؤدّية إلى إحياء الموات . هـ - الإقطاع : 7 - الإقطاع في اللّغة والاصطلاح : جعل الإمام غلّة أرض رزقاً للجند أو غيرهم . ونصّ الحنابلة وغيرهم على أنّ للإمام إقطاع الموات لمن يحييه ، فيكون أحقّ به كالمتحجّر الشّارع في الإحياء . وهو نوع من أنواع الاختصاص . وتفصيله في مصطلح ( إقطاع ) . صفة الإحياء ( حكمه التّكليفيّ ) : 8 - حكمه الجواز ، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « من أحيا أرضاً ميّتةً فهي له » . على أنّ الشّافعيّة ذهبوا إلى أنّه مستحبّ ، للحديث الّذي رواه النّسائيّ : « من أحيا أرضاً ميّتةً فله فيها أجر » . وحكمة مشروعيّته أنّه سبب لزيادة الأقوات والخصب للأحياء . أثر الإحياء ( حكمه الوضعيّ ) 9 - ذهب الجمهور إلى أنّ المحيي يملك ما أحياه إذا توافرت الشّروط ، وذلك للحديث السّابق ، خلافاً لبعض الحنفيّة ، كالفقيه أبي القاسم أحمد البلخيّ ، إذ قالوا : إنّه يثبت ملك الاستغلال لا ملك الرّقبة ، قياساً على السّبق للانتفاع بالمرافق العامّة ، كالمجالس ، وخلافاً لبعض الحنابلة الّذين ذهبوا إلى أنّ الذّمّيّ لا يملك الإحياء في دار الإسلام ، إنّما يملك الانتفاع . أقسام الموات : 10 - الموات قسمان : أصليّ وهو ما لم يعمر قطّ ، وطارئ : وهو ما خرب بعد عمارته . الأراضي الّتي كانت جزائر وأنهاراً : 11 - اتّفق الفقهاء على أنّ الأنهار والجزائر ونحوهما إذا انحسر عنها الماء فصارت أرضاً يابسةً ترجع إلى ما كانت عليه . فإن كانت مملوكةً لأحد أو وقفاً أو مسجداً عادت إلى المالك أو الوقف أو المسجد ، ولا يجوز إحياؤها ، لكن قيّد المالكيّة ذلك بما إذا كان المالك ملك الأرض بالشّراء ، فإن كان ملكها بالإحياء جاز للغير إحياؤها . واختلفوا فيما إذا لم تكن مملوكةً لأحد أو لم يعرف للأرض مالك : فذهب الحنفيّة إلى أنّ النّهر إذا كان بعيداً ، بحيث لا يعود إليه الماء ، تكون أرضه مواتاً يجوز إحياؤها . وكذلك الحكم إذا كان النّهر قريباً في ظاهر الرّواية ، وهو الصّحيح ؛ لأنّ الموات اسم لما لا ينتفع به ، فإذا لم يكن ملكاً لأحد ، ولا حقّاً خاصّاً له ، لم يكن منتفعاً به ، فكان مواتاً ، بعيداً عن البلد ، أو قريباً منها . وعلى رواية أبي يوسف رحمه الله تعالى - وهو قول الطّحاويّ الّذي اعتمده شمس الأئمّة - لا يكون مواتاً إذا كان قريباً ، وذلك لأنّ ما يكون قريباً من القرية لا ينقطع ارتفاق أهلها عنه ، فيدار الحكم عليه . وعند محمّد يعتبر حقيقة الانتفاع ، حتّى لا يجوز إحياء ما ينتفع به أهل القرية وإن كان بعيداً ، ويجوز إحياء ما لا ينتفعون به وإن كان قريباً من العامر . 12 - واختلفوا في حدّ القرب والبعد . وأصحّ ما قيل فيه أن يقوم الرّجل على طرف عمران القرية ، فينادي بأعلى صوته ، فأيّ موضع ينتهي إليه صوته يكون من فناء العمران ؛ لأنّ أهل القرية يحتاجون إلى ذلك الموضع لرعي المواشي أو غيره ، وما وراء ذلك يكون من الموات . ورأى سحنون من المالكيّة ومن وافقه كمطرّف وأصبغ مثل ظاهر الرّواية في مذهب الحنفيّة ، غير أنّه لم يقيّد بجواز عود المياه ، لأنّ الأنهار الّتي لم ينشئها النّاس ليست ملكاً لأحد ، وإنّما هي طريق للمسلمين لا يستحقّها من كان يلي النّهر من جهتيه . وعند غيرهم أنّ باطن النّهر إذا يبس يكون ملكاً لصاحبي الأرض الّتي بجنب النّهر ، لكلّ واحد منهما ما يجاور أرضه مناصفةً . والحكم كذلك إذا مال النّهر عن مجراه إلى الأرض المجاورة له . ويستخلص من نصوص المالكيّة أنّهم لا يفرّقون في الحكم بين النّهر القريب والبعيد . وعند الشّافعيّة والحنابلة أنّ ما نضب عنه الماء من الأنهار والجزائر لا يجوز إحياؤه برغم أنّه لم يكن مملوكاً من قبل . وصرّح الشّافعيّة بأنّه ليس للسّلطان إعطاؤه لأحد . قالوا : « ولو ركب الأرض ماء أو رمل أو طين فهي على ما كانت عليه من ملك أو وقف . فإن لم يعرف مالك للأرض وانحسر ماء النّهر عن جانب منه لم يخرج عن كونه من حقوق المسلمين العامّة ، وليس للسّلطان إقطاعه - أي إعطاؤه - لأحد ، كالنّهر وحريمه . ولو زرعه أحد لزمه أجرته لصالح المسلمين ، ويسقط عنه قدر حصّته إن كانت له في مصالح المسلمين . نعم للإمام دفعه لمن يرتفق به بما لا يضرّ المسلمين . ومثله ما ينحسر عنه الماء من الجزائر في البحر . ويجوز زرعه ونحوه لمن لم يقصد إحياءه . ولا يجوز فيه البناء ولا الغراس ولا ما يضرّ المسلمين . وكلّ هذا إذا رجي عود مالك الأرض ، فإن لم يرج عوده كانت لبيت المال فللإمام إقطاعها رقبةً أو منفعةً إن لم يكن في تصرّفه جور ، لكن المقطع يستحقّ الانتفاع بها مدّة الإقطاع خاصّةً » . 13 - وفي المغني : وما نضب عنه الماء من الجزائر لم يملك بالإحياء . قال أحمد في رواية العبّاس بن موسى : إذا نضب الماء عن جزيرة إلى فناء رجل لم يبن فيها ، لأنّ فيه ضرراً ، وهو أنّ الماء يرجع . يعني أنّه يرجع إلى ذلك المكان . فإذا وجده مبنيّاً رجع إلى الجانب الآخر فأضرّ بأهله ؛ ولأنّ الجزائر منبت الكلأ والحطب فجرت مجرى المعادن الظّاهرة . وقد قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « لا حمى في الأراك » . وقال أحمد في رواية حرب : يروى عن عمر أنّه أباح الجزائر . يعني أباح ما ينبت في الجزائر من النّبات . وقال : « إذا نضب الفرات عن شيء ، ثمّ نبت عن نبات ، فجاء رجل يمنع النّاس منه فليس له ذلك ، فأمّا إن غلب الماء على ملك إنسان ثمّ عاد فنضب عنه فله أخذه ، فلا يزول ملكه بغلبة الماء عليه . وإن كان ما نضب عنه الماء لا ينتفع به أحد فعمره رجل عمارةً لا تردّ الماء ، مثل أن يجعله مزرعةً ، فهو أحقّ به من غيره ؛ لأنّه متحجّر لما ليس لمسلم فيه حقّ ، فأشبه التّحجّر في الموات » . إذن الإمام في الإحياء : 14 - فقهاء المذاهب مختلفون في أرض الموات هل هي مباحة فيملك كلّ من يحقّ له الإحياء أن يحييها بلا إذن من الإمام ، أم هي ملك للمسلمين فيحتاج إحياؤها إلى إذن ؟ ذهب الشّافعيّة والحنابلة وأبو يوسف ومحمّد إلى أنّ الإحياء لا يشترط فيه إذن الإمام ، فمن أحيا أرضاً مواتاً بلا إذن من الإمام ملكها . وذهب الإمام أبو حنيفة إلى أنّه يشترط إذن الإمام ، سواء أكانت الأرض الموات قريبةً من العمران أم بعيدةً . واشترط المالكيّة إذن الإمام في القريب قولاً واحداً . ولهم في البعيد طريقان : طريق اللّخميّ وابن رشد أنّه لا يفتقر لإذن الإمام ، والطّريق الآخر أنّه يحتاج للإذن . والمفهوم من نصوص المالكيّة أنّ العبرة بما يحتاجه النّاس وما لا يحتاجونه ، فما احتاجوه فلا بدّ فيه من الإذن ، وما لا فلا . احتجّ الجمهور بعموم قوله صلى الله عليه وسلم : « من أحيا أرضاً فهي له » ؛ ولأنّ هذه عين مباحة فلا يفتقر ملكها إلى إذن الإمام كأخذ الحشيش ، والحطب . واحتجّ أبو حنيفة بقوله صلى الله عليه وسلم : « ليس للمرء إلاّ ما طابت به نفس إمامه » ، وبأنّ هذه الأراضي كانت في أيدي الكفرة ثمّ صارت في أيدي المسلمين ، فصارت فيئاً ، ولا يختصّ بالفيء أحد دون رأي الإمام ، كالغنائم ؛ ولأنّ إذن الإمام يقطع المشاحّة . والخلاف بين الإمام وصاحبيه في حكم استئذان الإمام في تركه من المحيي المسلم جهلاً . أمّا إن تركه متعمّداً تهاوناً بالإمام ، كان له أن يستردّ الأرض منه زجراً له . وكلّ هذا في المحيي المسلم في بلاد الإسلام . 15 - أمّا بالنّسبة لإحياء الذّمّيّ في بلاد الإسلام فقال الحنابلة : الذّمّيّ كالمسلم في الإحياء بالنّسبة لإذن الإمام . وقال المالكيّة : الذّمّيّ كالمسلم فيه إلاّ في الإحياء في جزيرة العرب فلا بدّ فيه من الإذن . واشترط الحنفيّة في إحياء الذّمّيّ إذن الإمام اتّفاقاً بين أبي حنيفة وصاحبيه حسبما ورد في شرح الدّرّ . ومنعوا الإحياء للمستأمن في جميع الأحوال . ولم يجوّز الشّافعيّة إحياء الذّمّيّ في بلاد الإسلام مطلقاً . ما يجوز إحياؤه وما لا يجوز : 16 - أجمع فقهاء المذاهب على أنّ ما كان مملوكاً لأحد أو حقّاً خاصّاً له أو ما كان داخل البلد لا يكون مواتاً أصلاً فلا يجوز إحياؤه . ومثله ما كان خارج البلد من مرافقها محتطباً لأهلها أو مرعًى لمواشيهم ، حتّى لا يملك الإمام إقطاعها . وكذلك أرض الملح والقار ونحوهما ، ممّا لا يستغني المسلمون عنه ، ولا يجوز إحياء ما يضيق على وارد أو يضرّ بماء بئر . ونصّ الشّافعيّة في الأصحّ عندهم ، والحنابلة ، على أنّه لا يجوز إحياء في عرفة ولا المزدلفة ولا منًى ، لتعلّق حقّ الوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة ومنًى بالمسلمين ، ولما فيه من التّضييق في أداء المناسك ، واستواء النّاس في الانتفاع بهذه المحالّ . وقال الزّركشيّ من الشّافعيّة : وينبغي إلحاق المحصّب بذلك لأنّه يسنّ للحجيج المبيت به . وقال الوليّ العراقيّ : ليس المحصّب من مناسك الحجّ . فمن أحيا شيئاً منه ملكه . 17 - وأجمع الفقهاء أيضاً على أنّ الأرض المحجّرة لا يجوز إحياؤها ؛ لأنّ من حجّرها أولى بالانتفاع بها من غيره . فإن أهملها فلفقهاء المذاهب تفصيلات : فالحنفيّة وضعوا مدّةً قصوى للاختصاص الحاصل بالتّحجير هي ثلاث سنوات ، فإن لم يقم بإحيائها أخذها الإمام ودفعها إلى غيره . والتّقدير بذلك مرويّ عن عمر ، فإنّه قال : ليس لمتحجّر بعد ثلاث سنين حقّ . وذهب المالكيّة إلى أنّ من أهمل الأرض الّتي حجّرها بأن لم يعمل فيها ، مع قوّته على العمل من ذلك الحين إلى ثلاث سنوات ، فإنّها تؤخذ منه ، عملاً بالأثر السّابق ، ولم يعتبروا التّحجّر إحياءً إلاّ إذا جرى العرف باعتباره كذلك . وذهب الحنابلة في أحد وجهين عندهم إلى أنّ التّحجير بلا عمل لا يفيد ، وأنّ الحقّ لمن أحيا تلك الأرض ؛ لأنّ الإحياء أقوى من التّحجير . وذهب الشّافعيّة ، وهو الوجه الثّاني عند الحنابلة إلى أنّه إذا أهمل المتحجّر إحياء الأرض مدّةً غير طويلة عرفاً ، وجاء من يحييها ، فإنّ الحقّ للمتحجّر ؛ لأنّ مفهوم قوله عليه الصلاة والسلام : « من أحيا أرضاً ميّتةً ليست لأحد » - وقوله : « في غير حقّ مسلم فهي له » أنّها لا تكون له إذا كان فيها حقّ . وكذلك قوله : « من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحقّ به » . وروى سعيد بن منصور في سننه أنّ عمر رضي الله عنه قال : من كانت له أرض - يعني من تحجّر أرضاً - فعطّلها ثلاث سنين ، فجاء قوم فعمروها ، فهم أحقّ بها وهذا يدلّ على أنّ من عمّرها قبل ثلاث سنين لا يملكها ؛ لأنّ الثّاني أحيا في حقّ غيره ، فلم يملكه ، كما لو أحيا ما يتعلّق به مصالح ملك غيره ؛ ولأنّ حقّ المتحجّر أسبق ، فكان أولى ، كحقّ الشّفيع ، يقدّم على شراء المشتري . فإن مضت مدّة طويلة على الإهمال بحسب العرف بلا عذر أنذره الإمام ؛ لأنّه ضيّق على النّاس في حقّ مشترك بينهم ، فلم يمكّن من ذلك ، كما لو وقف في طريق ضيّق أو شرعة ماء أو معدن ، لا ينتفع ، ولا يدع غيره ينتفع . فإن استمهل بعذر أمهله الإمام والإمهال لعذر يكون الشّهر والشّهرين ونحو ذلك . فإن أحيا غيره في مدّة المهلة فللحنابلة فيه الوجهان السّابقان . وإن انقضت المدّة ولم يعمر فلغيره أن يعمره ويملكه ؛ لأنّ المدّة ضربت له لينقطع حقّه بمضيّها . حريم العامر والآبار والأنهار وغيرها : 18 - اتّفق الفقهاء على أنّه لا يجوز إحياء حريم المعمور ، وأنّه لا يملك بالإحياء . وكذلك حريم البئر المحفورة في الموات وحريم النّهر . والمراد بحريم المعمور ما تمسّ الحاجة إليه لتمام الانتفاع به ، وهو ملك لمالك المعمور ، بمعنى أنّ له أن يمنع غيره من إحيائه بجعله داراً مثلاً ، وليس له منع المرور فيه ، ولا المنع من رعي كلأ فيه ، والاستقاء من ماء فيه ، ونحو ذلك . والدّار المحفوفة بدور لا حريم لها . وحريم البئر ما لو حفر فيه نقص ماؤها ، أو خيف انهيارها . ويختلف ذلك بصلابة الأرض ورخاوتها . 19 - واختلف الفقهاء في مقدار حريم البئر والعين والنّهر والشّجر . فقال الحنفيّة : إنّ حريم بئر العطن ( وهي الّتي يستقى منها للمواشي ) أربعون ذراعاً . قيل : الأربعون من الجوانب الأربع من كلّ جانب عشرة . والصّحيح أنّ المراد أربعون ذراعاً من كلّ جانب . وأمّا حريم البئر النّاضح ( وهي أن يحمل البعير الماء من نهر أو بئر لسقي الزّرع ) فهو ستّون ذراعاً في قول أبي يوسف ومحمّد . وقال أبو حنيفة : لا أعرف إلاّ أنّه أربعون ذراعاً . وبه يفتى . ومن أحيا نهراً في أرض موات فقال بعضهم : إنّ عند أبي حنيفة لا يستحقّ له حريماً ، وعندهما يستحقّ . والصّحيح أنّه يستحقّ له حريماً بالإجماع . وذكر في النّوازل : وحريم النّهر من كلّ جانب نصفه عند أبي يوسف . وقال محمّد من كلّ جانب بمقدار عرض النّهر . والفتوى على قول أبي يوسف . ومن أخرج قناةً في أرض موات استحقّ الحريم بالإجماع . وحريمها عند محمّد حريم البئر . إلاّ أنّ المشايخ زادوا على هذا فقالوا : القناة في الموضع الّذي يظهر فيه الماء على وجه الأرض منزلة العين الفوّارة ، حريمها خمسمائة ذراع بالإجماع . أمّا في الموضع الّذي لا يقع الماء على الأرض فحريمها مثل النّهر . وقالوا : إنّ حريم الشّجرة خمسة أذرع . المالكيّة والشّافعيّة متّفقون على أنّ البئر ليس لها حريم مقدّر ، فقد قال المالكيّة : « أمّا البئر فليس لها حريم محدود لاختلاف الأرض بالرّخاوة والصّلابة ، ولكن حريمها ما لا ضرر معه عليها . وهو مقدار ما لا يضرّ بمائها ، ولا يضيّق مناخ إبلها ولا مرابض مواشيها عند الورود . ولأهل البئر منع من أراد أن يحفر بئراً في ذلك الحريم . وقالوا : إنّ للنّخلة حريماً ، وهو قدر ما يرى أنّ فيه مصلحتها ، ويترك ما أضرّ بها ، ويسأل عن ذلك أهل العلم . وقد قالوا : من اثني عشر ذراعاً من نواحيها كلّها إلى عشرة أذرع ، وذلك حسن . ويسأل عن الكرم أيضاً وعن كلّ شجرة أهل العلم به ، فيكون لكلّ شجرة بقدر مصلحتها » . وقال الشّافعيّة : إنّ حريم البئر المحفورة في الموات ( هي ما كانت مطويّةً ، وينبع الماء منها ) : موقف النّازح منها ، والحوض الّذي يصبّ فيه النّازح الماء ، وموضع الدّولاب ( وهو ما يستقي به النّازح ، وما يستقي به بالدّابّة ) والموضع الّذي يجتمع فيه لسقي الماشية والزّرع من حوض ونحوه ، ومتردّد الدّابّة ، والموضع الّذي يطرح فيه ما يخرج من الحوض ونحوه ، كلّ ذلك غير محدّد ، وإنّما هو بحسب الحاجة . وحريم آبار القناة ( وهي المحفورة من غير طيّ ليجتمع الماء فيها ويؤخذ لنحو المزارع ) : ما لو حفر فيه نقص ماؤها ، أو خيف سقوطها . ويختلف ذلك بصلابة الأرض ورخاوتها . ومذهب الحنابلة كمذهب الجمهور في أنّه لا يجوز إحياء حريم البئر والنّهر والعين ، غير أنّهم انفردوا بأنّه بحفر بئر يملك حريمها . أمّا تقدير الحنابلة للحريم من كلّ جانب في بئر قديمة فهو خمسون ذراعاً وفي غيرها خمس وعشرون . وحريم عين وقناة خمسمائة ذراع ، ونهر من جانبيه : ما يحتاج إليه لطرح كرايته ( أي ما يلقى من النّهر طلباً لسرعة جريه ) ، وحريم شجرة : قدر مدّ أغصانها ، وحريم أرض تزرع : ما يحتاج إليه لسقيها وربط دوابّها وطرح سبخها ونحوه . إحياء الموات المقطّع : 20 - يقال في اللّغة : أقطع الإمام الجند البلد إقطاعاً أي جعل لهم غلّتها رزقاً ، واصطلاحاً إعطاء موات الأرض لمن يحييها ، وذلك جائز لما روى وائل بن حجر « أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أقطعه أرضاً ، فأرسل معه معاوية : أن أعطها إيّاه ، أو أعلمها إيّاه » . ولا بدّ قبل بيان حكم هذا الإحياء من بيان حكم الإقطاع ؛ لأنّه إمّا أن يكون بصيغته إقطاع تمليك ، أو إقطاع إرفاق ( انتفاع ) . فإن كان إقطاع إرفاق فالكلّ مجمع على أنّه لا يفيد بذاته تمليكاً للرّقبة ، إن كان إقطاع تمليك فإنّه يمتنع به إقدام غير المقطع على إحيائه ؛ لأنّه ملك رقبته بالإقطاع نفسه ، خلافاً للحنابلة ، فإنّهم ذهبوا إلى أنّ إقطاع الموات مطلقاً لا يفيد تملّكاً ، لكنّه يصير أحقّ به من غيره . أمّا إذا كان الإقطاع مطلقاً ، أو مشكوكاً فيه ، فإنّه يحمل على إقطاع الإرفاق ؛ لأنّه المحقّق . الحمى : 21 - الحمى لغةً : ما منع النّاس عنه ، واصطلاحاً : أن يمنع الإمام موضعاً لا يقع فيه التّضييق على النّاس للحاجة العامّة لذلك ، لماشية الصّدقة ، والخيل الّتي يحمل عليها . وقد كان للرّسول صلى الله عليه وسلم أن يحمي لنفسه وللمسلمين ، لقوله في الخبر : { لا حمى إلاّ للّه ولرسوله } ، لكنّه لم يحم لنفسه شيئاً ، وإنّما حمى للمسلمين ، فقد روى ابن عمر ، قال : « حمى النّبيّ صلى الله عليه وسلم النّقيع لخيل المسلمين » . وأمّا سائر أئمّة المسلمين فليس لهم أن يحموا لأنفسهم شيئاً ، ولكن لهم أن يحموا مواضع لترعى فيها خيل المجاهدين ، ونعم الجزية ، وإبل الصّدقة ، وضوالّ النّاس ، على وجه لا يتضرّر به من سواه من النّاس . وهذا مذهب الأئمّة أبي حنيفة ومالك وأحمد والشّافعيّ في صحيح قوليه . وقال في الآخر : ليس لغير النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن يحمي ، لقوله عليه الصلاة والسلام : « لا حمى إلاّ للّه ورسوله » . واستدلّ الجمهور بأنّ عمر وعثمان حميا ، واشتهر ذلك في الصّحابة ، فلم ينكر عليهما ، فكان إجماعاً . وما حماه النّبيّ صلى الله عليه وسلم فليس لأحد نقضه ولا تغييره مع بقاء الحاجة إليه ، ومن أحيا منه شيئاً لم يملكه . وإن زالت الحاجة إليه ، ودعت حاجة لنقضه ، فالأظهر عند الشّافعيّة جواز نقضه . وعند الحنابلة وجهان . واستظهر الحطّاب من المالكيّة جواز نقضه إن لم يقم الدّليل على إرادة الاستمرار . وما حماه غيره من الأئمّة فغيره هو أو غيره من الأئمّة جاز ، وإن أحياه إنسان ملكه في أحد الوجهين للحنابلة ؛ لأنّ حمى الأئمّة اجتهاد ، وملك الأرض بالإحياء نصّ ، والنّصّ يقدّم على الاجتهاد . والوجه الآخر للحنابلة : لا يملكه ؛ لأنّ اجتهاد الإمام لا يجوز نقضه ، كما لا يجوز نقض حكمه . ومذهب الشّافعيّ ، كذلك . من يحقّ له الإحياء أ - في بلاد الإسلام : 22 - والمراد بها كما بيّن القليوبيّ : ما بناه المسلمون ، كبغداد والبصرة ، أو أسلم أهله عليه ، كالمدينة واليمن ، أو فتح عنوةً ، كخيبر ومصر وسواد العراق ، أو صلحاً والأرض لنا وهم يدفعون الجزية . والحكم في هذه البلاد أنّ عمارتها فيء ، ومواتها متحجّر لأهل الفيء . وقد اتّفق الفقهاء على أنّ المسلم البالغ العاقل الحرّ له الحقّ في أن يحيي الأرض الموات الّتي في بلاد الإسلام على نحو ما سبق . واختلفوا فيما وراء ذلك ، فذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الذّمّيّ كالمسلم في حقّ الإحياء في بلاد الإسلام ، لكنّ مطرّفاً وابن الماجشون من المالكيّة منعا من إحيائه في جزيرة العرب ( مكّة والمدينة والحجاز كلّه والنّجود واليمن ) . وقال غيرهما : لو قيل إنّ حكم الذّمّيّين في ذلك حكم المسلمين لم يبعد ، كما كان لهم ذلك فيما بعد من العمران . وجاء في شرح الهداية : « أنّ الذّمّيّ يملك بالإحياء كما يملكه المسلم " من غير تقييد بإذن الإمام في ذلك عند الصّاحبين اللّذين لا يشترطان إذن الإمام للمسلم . وعلّل الشّارح ذلك بأنّ الإحياء سبب الملك ، فيستوي في ذلك المسلم والذّمّيّ كما في سائر أسباب الملك . والاستواء في السّبب يوجب الاستواء في الحكم ، لكن الّذي في شرح الدّرّ كما سبق أنّ الخلاف بين الإمام وصاحبيه في اشتراط إذن الإمام في الإحياء إنّما هو بالنّسبة للمسلم ، أمّا بالنّسبة للذّمّيّ فيشترط الإذن اتّفاقاً عند الحنفيّة . وذهب الشّافعيّة إلى عدم جواز إحياء الذّمّيّ في بلاد الإسلام ، فقد نصّوا على أنّ الأرض الّتي لم تعمّر قطّ إن كانت ببلاد الإسلام فللمسلم تملّكها بالإحياء ، أذن فيه الإمام أم لا ، وليس ذلك لذمّيّ وإن أذن الإمام ، فغير الذّمّيّ من الكفّار أولى بالمنع ، فلا عبرة بإحيائه ، وللمسلم أن يأخذه منه ويملكه ، فإن كان له عين فيه كزرع ردّه المسلم إليه ، فإن أعرض عنه فهو لبيت المال ، وليس لأحد التّصرّف فيه ، ولا أجرة عليه مدّة إحيائه لأنّه ليس ملكاً لأحد . وقد نصّ الشّافعيّة على أنّ الصّبيّ المسلم ، ولو غير مميّز يملك ما أحياه ، وأنّه يجوز للعبد أن يحيي ، لكن ما يحييه يملكه سيّده . ولم يذكروا شيئاً عن إحياء المجنون . وباقي المذاهب لم يستدلّ على أحكام إحياء المذكورين عندهم ، ولكن الحديث : « من أحيا أرضاً ميّتةً فهي له » يدلّ بعمومه على أنّ الصّغير والمجنون يملكان ما يحييانه . [/QUOTE]
الإسم
التحقق
اكتب معهد الماهر
رد
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية