ب - في بلاد الكفّار :
23 - مذهب الحنفيّة والحنابلة والباجيّ من المالكيّة أنّ موات أهل الحرب يملكه المسلمون بالإحياء ، سواء أفتحت بلادهم فيما بعد عنوةً ( وهي الّتي غلب عليها قهراً ) أم صلحاً . وقال سحنون : ما كان من أرض العنوة من موات لم يعمل فيها ولا جرى فيها ملك لأحد فهي لمن أحياها . ومذهب الشّافعيّة أنّه يجوز للمسلم وللذّمّيّ إحياء موات بلاد الكفر ، لكنّهم قيّدوا جواز إحياء المسلم بعدم منعه من ذلك ، فإن منعه الكفّار فليس له الإحياء . وقد صرّح ابن قدامة من الحنابلة أنّ المسلم إذا أحيا مواتاً في دار الحرب قبل فتحها عنوةً تبقى على ملكه ؛ لأنّ دار الحرب على أصل الإباحة . وكذلك إن كان الإحياء قبل فتحها صلحاً على أن تبقى الأرض لهم ، وللمسلمين الخراج ، ففي هذه الصّورة يحتمل عدم إفادة الإحياء الملك ؛ لأنّها بهذا الصّلح حرّمت على المسلمين ، ويحتمل أن يملكها من أحياها ؛ لعموم الخبر ؛ ولأنّها من مباحات دارهم ، فجاز أن يملكها من وجد منه سبب تملّكها .
ما يكون به الإحياء :
24 - يكاد يتّفق الحنفيّة والمالكيّة فيما يكون به الإحياء ، فقد نصّ الحنفيّة على أنّ الإحياء يكون بالبناء على الأرض الموات ، أو الغرس فيها ، أو كريها ( حرثها ) ، أو سقيها . ونصّ مالك على أنّ إحياء الأرض أن يحفر فيها بئراً أو يجري عيناً أو يغرس شجراً أو يبني أو يحرث ، ما فعل من ذلك فهو إحياء . وقاله ابن القاسم وأشهب . وقال عياض : اتّفق على أحد سبعة أمور : تفجير الماء ، وإخراجه عن غامرها به ، والبناء والغرس والحرث ، ومثله تحريك الأرض بالحفر ، وقطع شجرها ، وسابعها كسر حجرها وتسوية حفرها وتعديل أرضها . أمّا الشّافعيّة فقد نصّوا على أنّ ما يكون به الإحياء يختلف بحسب المقصود منه ، فإن أراد مسكناً اشترط لحصوله تحويط البقعة بآجر أو لبن أو محض الطّين أو ألواح الخشب والقصب بحسب العادة ، وسقف بعضها لتتهيّأ للسّكنى ، ونصب باب لأنّه المعتاد في ذلك . وقيل لا يشترط ؛ لأنّ السّكنى تتحقّق بدونه . وإن كان المقصود زريبةً للدّوابّ فيشترط التّحويط ، ولا يكفي نصب سعف أو أحجار من غير بناء ، ولا يشترط السّقف ؛ لأنّ العادة في الزّريبة عدمه ، والخلاف في الباب كالخلاف فيه بالنّسبة للمسكن . والإحياء في المزرعة يكون بجمع التّراب حولها ، لينفصل المحيا عن غيره . وفي معنى التّراب قصب وحجر وشوك ، ولا حاجة إلى تحويط وتسوية الأرض بطمّ المنخفض وكسح المستعلي . فإن لم يتيسّر ذلك إلاّ بما يساق إليها فلا بدّ منه لتتهيّأ للزّراعة . ولا تشترط الزّراعة بالفعل على أحد قولين ؛ لأنّها استيفاء منفعة ، وهو خارج عن الإحياء . والقول الثّاني : لا بدّ منها ؛ لأنّ الدّار لا تصير محياةً إلاّ إذا حصل فيها عين مال المحيي ، فكذا الأرض . وللحنابلة فيما يكون به الإحياء روايتان ، إحداهما ، وهي ظاهر كلام الخرقيّ ورواية عن القاضي : أنّ تحويط الأرض إحياء لها سواء أرادها للبناء أو الزّرع أو حظيرةً للغنم أو الخشب أو غير ذلك ونصّ عليه أحمد في رواية عليّ بن سعيد ، فقال : الإحياء أن يحوّط عليها حائطاً ، أو يحفر فيها بئراً أو نهراً . ولا يعتبر في ذلك تسقيف ، وذلك لما روى الحسن عن سمرة أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : قال « من أحاط حائطاً على أرض فهي له » . رواه أبو داود والإمام أحمد في مسنده ، ويروى عن جابر عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم مثله ؛ ولأنّ الحائط حاجز منيع ، فكان إحياءً ، أشبه ما لو جعلها حظيرةً للغنم . ويبيّن من هذا أنّ القصد لا اعتبار له . ولا بدّ أن يكون الحائط منيعاً يمنع ما وراءه ، ويكون ممّا جرت به العادة بمثله . ويختلف باختلاف البلدان . ورواية القاضي الثّانية : « أنّ الإحياء ما تعارفه النّاس إحياءً ، لأنّ الشّرع ورد بتعليق الملك على الإحياء ، ولم يبيّنه ولا ذكر كيفيّته ، فيجب الرّجوع فيه إلى ما كان إحياءً في العرف ، ولا يعتبر في إحياء الأرض حرثها ولا زرعها ؛ لأنّ ذلك ممّا يتكرّر كلّما أراد الانتفاع بها فلم يعتبر في الإحياء كسقيها » .
إهمال المحيا :
25 - من أحيا أرضاً ميّتةً ، ثمّ تركها ، وزرعها غيره ، فهل يملكها الثّاني ، أو تبقى على ملك الأوّل ؟ مذهب الشّافعيّة والحنابلة وأصحّ القولين عند الحنفيّة وأحد أقوال ثلاثة عند المالكيّة : أنّها تبقى على ملك الأوّل ، ولا يملكها الثّاني بالإحياء ، مستدلّين بقوله صلى الله عليه وسلم : « من أحيا أرضاً ميّتةً ليست لأحد فهي له » ، وقوله : « في غير حقّ مسلم » ؛ ولأنّ هذه أرض يعرف مالكها ، فلم تملك بالإحياء ، كالّتي ملكت بشراء أو عطيّة . وفي قول للمالكيّة ، وهو قول عند الحنفيّة : أنّ الثّاني يملكها ، قياساً على الصّيد إذا أفلت ولحق بالوحش وطال زمانه ، فهو للثّاني . والقول الثّالث عند المالكيّة : الفرق بين أن يكون الأوّل أحياه ، أو اختطّه أو اشتراه ، فإن كان الأوّل أحياه كان الثّاني أحقّ به . وإن كان الأوّل اختطّه أو اشتراه كان أحقّ به .
التّوكيل في الإحياء :
26 - اتّفق الفقهاء على أنّه يجوز للشّخص أن يوكّل غيره في إحياء الأرض الموات ، ويقع الملك للموكّل ؛ لأنّ ذلك ممّا يقبل التّوكيل فيه .
توفّر القصد في الإحياء :
27 - لا بدّ من القصد العامّ للإحياء اتّفاقاً . واختلفوا هل يشترط في الإحياء أن يقصد المحيي منفعةً خاصّةً في المحيا ، أو يكفي أن يهيّئ الأرض تهيئةً عامّةً بحيث تصير صالحةً لأيّ انتفاع من زراعة أو بناء أو حظيرة للغنم ونحو ذلك . فذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة إلى أنّه لا يشترط في الإحياء توفّر القصد الخاصّ ، بل يكفي القصد العامّ ، وهو الانتفاع على أيّ وجه . وقال الشّافعيّة : إنّ الإحياء يختلف باختلاف المقصود منه ، ممّا يدلّ على أنّهم يعتبرون القصد الخاصّ ، في الإحياء ، لكنّهم قالوا : لو شرع في الإحياء لنوع ، فأحياه لنوع آخر ، كأن قصد إحياءه للزّراعة بعد أن قصده للسّكنى ، ملكه اعتباراً بالقصد الطّارئ ، بخلاف ما إذا قصد نوعاً ، وأحياه بما لا يقصد به نوع آخر ، كأن حوّط البقعة بحيث تصلح زريبةً ، بقصد السّكنى لم يملكها ، خلافاً للإمام .
الوظيفة على الأرض المحياة :
28 - المراد بالوظيفة : ما يجب في الأرض المحياة للدّومة من عشر أو خراج . ذهب الحنفيّة إلى أنّ الأرض المحياة إن كانت في أرض العشر أدّى عنها العشر ، وإن كانت في أرض الخراج أدّى عنها الخراج ، وإن احتفر فيها بئراً ، أو استنبط لها قناةً ، كانت أرض عشر ، وإن أحياها ذمّيّ فهي خراجيّة كيفما كانت . وذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ الأرض المحياة فيها الخراج مطلقاً فتحت عنوةً أو صولح أهلها .
المعادن في أرض الموات :
29 - المعادن الّتي توجد في الأرض المحياة قسمان : ظاهرة وباطنة . فالظّاهرة هي الّتي يتوصّل إليها بعمل يسير ، كحفر مقدار أصبع لأنبوب ، ونحو ذلك كالنّفط والكبريت والقار والكحل والياقوت وأشباه ذلك . والحكم فيها عند الحنفيّة والحنابلة أنّها لا تملك بالإحياء ، ولا يجوز إقطاعها لأحد من النّاس ، ولا احتجارها دون المسلمين ؛ لأنّ في ذلك ضرراً بهم وتضييقاً عليهم ، ولأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أقطع أبيض بن حمّال معدن الملح ، فلمّا قيل له إنّه بمنزلة الماء العدّ ردّه . وعند الشّافعيّة يملكها المحيي بشرط عدم علمه بوجودها قبل الإحياء ، فأمّا إن علمها فلا يملكها ، وعلّلوا ملكها أنّها من أجزاء الأرض ، وقد ملكها بالإحياء ، فيملك المعادن تبعاً . وعند المالكيّة أنّها إلى الإمام ، يعطيها لمن شاء من المسلمين ، سواء أكانت بأرض غير مملوكة ، كالفيافي أو ما جلا عنها أهلها ولو مسلمين ، أم مملوكةً لغير معيّن ، أم لمعيّن . أمّا المعادن الباطنة ، وهي الّتي لا تخرج إلاّ بعمل ومئونة ، كالذّهب والفضّة والحديد والنّحاس والرّصاص ، فهي ملك لمن استخرجها عند الحنفيّة والشّافعيّة ، وهو احتمال عند الحنابلة ؛ لأنّها مستخرجة من موات لا ينتفع به إلاّ بالعمل والمئونة ، فيملك بالإحياء ، كالأرض ؛ ولأنّه بإظهار المعادن أمكن الانتفاع بالموات من غير حاجة إلى تكرار ذلك العمل ، فأشبه الأرض إذا جاءها بماء أو حائط . ووجه عدم الملك عند الحنابلة أنّ الإحياء الّذي يملك به هو العمارة الّتي تهيّأ بها المحيا للانتفاع من غير تكرار عمل ، وإخراج المعادن حفر وتخريب يحتاج إلى تكرار عند كلّ انتفاع . وعند المالكيّة أنّ المعادن الباطنة كالظّاهرة أمرها إلى الإمام . ومواطن التّفصيل في المصطلحات الخاصّة .
أخ
التّعريف
1 - الأخ لغةً من ولده أبوك وأمّك ، أو أحدهما . فإن كانت الولادة لأبوين فهو الشّقيق ، ويقال للأشقّاء الإخوة الأعيان . وإن كانت الولادة من الأب فهو الأخ لأب ، ويقال للإخوة والأخوات لأب أولاد علاّت . وإن كانت الولادة من الأمّ فهو الأخ لأمّ ، ويقال للإخوة والأخوات لأمّ : الأخياف . والأخ من الرّضاع هو من أرضعتك أمّه ، أو أرضعته أمّك ، أو أرضعتك وإيّاه امرأة واحدة ، أو أرضعت أنت وهو من لبن رجل واحد ، كرجل له امرأتان لهما منه لبن ، أرضعتك إحداهما وأرضعته الأخرى .
( الحكم الإجماليّ )
2 - المذاهب الأربعة على أنّه يجوز دفع الزّكاة إلى الأخ بأنواعه ، غير أنّ الحنابلة جعلوا ذلك في حالة عدم إرثه . فإن كان وارثاً فلا يجزئ دفعها إليه . وفي الميراث يحجب الأخ بأنواعه بالأب وبالفرع الوارث الذّكر باتّفاق ، وكذلك يحجب الأخ لأمّ بالجدّ والفرع الوارث ولو أنثى . أمّا الأخ الشّقيق أو لأب فإنّ كلّاً منهما يرث مع الجدّ عند أغلب الفقهاء ، وكذلك مع الفرع الوارث المؤنّث والأخ لأب مع الجدّ والأخ الشّقيق يحسب على الجدّ أي يعدّ ليقلّ نصيب الجدّ ، ونصيبه للأخ الشّقيق ولا يشارك الأخ غير شقيقه من الإخوة إلاّ في المسألة الحجريّة . ( ر : الحجريّة ) . وجهه الأخوّة تتفاوت من حيث قوّة القرابة ، فالشّقيق يقدّم على غيره ، لكن يسوّي بين الأخ لأب والأخ لأمّ في الوصيّة لأقرب الأقارب عند الشّافعيّة والحنابلة . ويقدّم الّذي لأب على الأخ لأمّ عند المالكيّة ، وهو ما يفهم من قواعد الحنفيّة ، إذ قاسوا الوصيّة على الإرث . وفي ولاية النّكاح وفي الحضانة يقدّم الجدّ على الأخ الشّقيق أو لأب عند غير المالكيّة ويقدّم الأخ فيهما عند المالكيّة . وتختلف آراء الفقهاء في تقديم الأخ على الجدّ في الوصيّة لأقرب الأقارب ، وفي وجوب نفقة الأخ على أخيه ، وعتقه عليه ، وفي قبول شهادته ، وفي القضاء له .
( مواطن البحث )
3 - بالإضافة إلى ما تقدّم يتكلّم الفقهاء عن الأخ ضمن الأقارب في الوقف .
أخ لأمّ
انظر : أخ .
إخالة
التّعريف
1 - الإخالة مصدر أخال الأمر أي اشتبه . ويقال : هذا الأمر لا يخيل على أحد ، أي لا يشكل . ويستعمل الأصوليّون لفظ الإخالة في باب القياس وباب المصلحة المرسلة . والإخالة كون الوصف بحيث تتعيّن علّيّته للحكم بمجرّد إبداء مناسبة بينه وبين الحكم ، لا بنصّ ولا غيره . وإنّما قيل له مخيّل لأنّه يوقع في النّفس خيال العلّة .
( الحكم الإجماليّ ، ومواطن البحث ) :
2 - يكون الوصف مناسباً فيما لو عرض على العقول فتلقّته بالقبول ، وهو الوصف الّذي يفضي إلى ما يجلب للإنسان نفعاً أو يدفع عنه ضرراً ، كقتل مسلم تترّس به الكفّار في حربهم مع المسلمين ، فإنّ في قتله مصلحة قهر العدوّ ، ومنع قتلهم للمسلمين . والوصف الطّرديّ ليس مخيّلاً ، كلون الخمر وقوامها ، فلا يقع في القلب علّيّته للتّحريم ، لعدم تضمّنه ضرراً يستدعي تحريمها . وأمّا الإسكار في الخمر ، فإنّه مع تضمّنه مفسدة تغطية العقل ، ليس وصفاً مخيّلاً كذلك ، لورود النّصّ بالتّعليل به . والنّصّ هو قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « كلّ مسكر حرام » . ولو افترض عدم ورود هذا النّصّ وأمثاله لكان وصف الإسكار مخيّلاً . ومن هذا يتبيّن أنّ المناسب أعمّ من المخيّل . وفي جواز تعليل حكم الأصل بالوصف المخيّل لأجل القياس ، خلاف . وكذلك في إثبات الحكم به على أنّه مصلحة مرسلة . راجع " الملحق الأصوليّ : القياس ، والمصلحة المرسلة » .
إخبار
التّعريف
1 - الإخبار في اللّغة مصدر ، أخبره بكذا أي نبّأه . والاسم منه الخبر ، وهو ما يحتمل الصّدق والكذب لذاته ، مثل : العلم نور . ويقابله الإنشاء ، وهو الكلام الّذي لا يحتمل الصّدق والكذب لذاته ، كاتّق اللّه . والإخبار له أسماء مختلفة باعتبارات متعدّدة : فإن كان إخباراً عن حقّ للمخبر على الغير أمام القضاء فيسمّى : « دعوى » . وإن كان إخباراً بحقّ للغير على المخبر نفسه فهو " إقرار » . وإن كان إخباراً بحقّ للغير على الغير أمام القضاء فهو " شهادة » . وإن كان إخباراً بثبوت حقّ للغير على الغير من القاضي على سبيل الإلزام فهو " قضاء » . وإن كان إخباراً عن قول أو فعل أو صفة أو تقرير منسوب إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فهو " رواية " أو " حديث " أو " أثر " أو " سنّة » . وإن كان إخباراً عن مساوئ الشّخص فهو " غيبة » . وإن كان إخباراً عن كلام الصّديق لصديقه الآخر على وجه الإفساد بينهما فهو " نميمة » . وإن كان إخباراً عن سرّ فهو " إفشاء » . وإن كان إخباراً عمّا يضرّ بالمسلمين فهو " خيانة " وهكذا .
( الحكم الإجماليّ )
2 - إذا أخبر العدل بخبر وجب قبول خبره . وقد يكتفى بالعدل الواحد ، كما في الإخبار بالنّجاسة ، وقد يشترط التّعدّد كما في الشّهادة . أمّا الفاسق إذا أخبر بخبر فلا يقبل خبره في الدّيانات ، فإن كان إخباره في الطّهارات والمعاملات ونحوها لم يقبل خبره أيضاً إلاّ إن وقع في القلب صدقه .
( مواطن البحث )
3 - يفصل الأصوليّون أحكام الإخبار وأحواله في باب مستقلّ هو باب الإخبار ، أو في بحث السّنّة . ويتعرّضون لحكم رواية الكافر والفاسق وخبر الآحاد إلى غير ذلك . أمّا الفقهاء فيتعرّضون لأحكام الإخبار في الطّهارات بمناسبة ما إذا أخبر الشّخص بنجاسة الماء أو الإناء وفي استقبال القبلة إذا أخبر بها ، وفي الشّفعة حين الكلام على تأخير طلبها إذا أخبره بالبيع فاسق ، وفي الذّبائح إذا أخبر الفاسق عمّن قام بالذّبح ، وفي النّكاح فيما إذا أخبر الفاسق برضا المرأة بالزّواج ، وفي الحظر والإباحة فيما إذا أخبر الصّبيّ عن الهديّة أنّها هديّة ، أو أخبر عن إذن صاحب البيت . وبما أنّ الإخبار تتنوّع أحكامه بحسب ما يضاف إليه فيرجع في كلّ بحث إلى موضعه الخاصّ به .
أخت
التّعريف
1 - الأخت هي : من ولدها أبوك وأمّك أو أحدهما . وقد يطلق أيضاً على الأخت من الرّضاع بقرينة قوليّة أو حاليّة . ولا يخرج الاستعمال الشّرعيّ عن الاستعمال اللّغويّ . والأخت من الرّضاع عند الفقهاء هي : من أرضعتك أمّها ، أو أرضعتها أمّك ، أو أرضعتك وإيّاها امرأة واحدة ، أو أرضعت أنت وهي من لبن رجل واحد ، كرجل له امرأتان لهما منه لبن ، أرضعتك إحداهما وأرضعتها الأخرى . والأخت إن كانت من الأب والأمّ يقال لها : الأخت الشّقيقة ، وإن كانت من الأب فقط يقال لها : الأخت لأب ، وإن كانت من الأمّ فقط يقال لها : الأخت لأمّ . وأختك لأمّ من الرّضاعة هي : من أرضعتها أمّك بلبن من زوج غير أبيك ، أو رضعت أنت من أمّها بلبن غير أبيها ، أو رضعت أنت وهي من امرأة أجنبيّة عنكما لكن بلبن من زوجين مختلفين . ويعبّر الفقهاء عن الإخوة والأخوات الشّقيقات بأولاد الأبوين ، والإخوة الأعيان ، وعن الإخوة والأخوات لأب بأولاد الأب وأولاد العلاّت ، وعن الإخوة والأخوات لأمّ بأولاد الأمّ ، والإخوة الأخياف . الحكم الإجماليّ :
2 - الأخت من ذوي الرّحم المحرم . وتأخذ حكم ذي الرّحم المحرم في وجوب الصّلة ، وفي جواز النّظر وما في حكمه ، وفي حرمة النّكاح ، والجمع بين المحارم بنكاح أو ملك يمين ، وفي النّفقة ، وفي تغليظ الدّية ، واستحقاق العتق إذا ملكها أخوها أو أختها . غير أنّها قد تختصّ ببعض الأحكام دون بعض الأقارب ، فالزّكاة يجزئ دفعها للأخت باتّفاق - غير أنّ البعض اشترط لذلك عدم إرثها بالفعل - وقد لا يجزئ دفعها لبعض المحارم كالبنت .
3 - وفي الإرث تحجب الأخت بما يحجب الأخ ، فهي بأنواعها تحجب بالأب وبالفرع الوارث الذّكر ، وكذلك تحجب الأخت لأمّ بالجدّ . والأخت لأبوين أو لأب ترث بالفرض ، أو بالتّعصيب ، بخلاف الأخت لأمّ فإنّها لا ترث إلاّ الفرض . ولا تكون الأخت عصبةً بنفسها ، بل بالغير أو مع الغير ، ولا تحجب غيرها ممّن هو أضعف منها إن كانت ذات فرض . وتفصيل ذلك في مصطلح : ( إرث ) . وفي الحضانة تقدّم الأخت على الأخ ، وتؤخّر عن الأمّ باتّفاق ، وتؤخّر كذلك عن الأب عند غير الحنفيّة . والأخت لأمّ كسائر الأخوات النّسبيّة في الأحكام ، إلاّ في الميراث ، فهي لا ترث إلاّ بالفرض ، ولا ترث بالتّعصيب ، وهي مع أخيها الذّكر من ولد الأمّ - على التّساوي ، تأخذ مثله . وتحجب بالفرع الوارث مطلقاً والأصل الوارث المذكّر كالأب والجدّ ( ر : إرث ) .
أخت رضاعيّة
انظر : أخت .
أخت لأب
انظر : أخت .
أختان
انظر : أخت .
اختصاء
انظر : خصاء .
اختصاص
التّعريف
1 - الاختصاص في اللّغة : الانفراد بالشّيء دون الغير ، أو إفراد الشّخص دون غيره بشيء ما . وهو عند الفقهاء كذلك ، فهم يقولون : هذا ممّا اختصّ به الرّسول صلى الله عليه وسلم أو ممّا اختصّه اللّه به ، ويقولون فيمن وضع سلعته في مقعد من مقاعد السّوق المباحة : إنّه اختصّ بها دون غيره ، فليس لأحد مزاحمته حتّى يدع .
من له حقّ الاختصاص
2 - الاختصاص إمّا للمشرّع أو لأحد من العباد بما له من ولاية أو ملك . الاختصاص من المشرّع .
3 - الاختصاص من المشرّع لا تشترط له شروط ؛ لأنّه هو واضع الشّروط والأحكام ، وهو واجب الطّاعة ، كاختصاصه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بإباحة الزّواج بأكثر من أربع نساء ، واختصاصه الكعبة بوجوب التّوجّه إليها في الصّلاة . ومحلّ الاختصاص - في هذا البحث - قد يكون شخصاً ، أو زماناً ، أو مكاناً .
اختصاصات الرّسول صلى الله عليه وسلم
4 - الحكم التّكليفيّ في بحث اختصاصات الرّسول : اختلف الفقهاء في جواز البحث في خصائص الرّسول صلى الله عليه وسلم ، فأجازه الجمهور ورجّحه النّوويّ ، وقال : الصّواب الجزم بجواز ذلك ، بل باستحبابه ، بل لو قيل بوجوبه لم يكن بعيداً ؛ لأنّ في البحث في الخصائص زيادة العلم ؛ ولأنّه ربّما رأى جاهل بعض الخصائص ثابتةً في الحديث الصّحيح ، فعمل به أخذاً بأصل التّأسّي بالرّسول عليه الصلاة والسلام ، فوجب بيانها لتعرف فلا يعمل بها . وأمّا ما يقع في ضمن الخصائص ممّا لا فائدة فيه اليوم فقليل ، لا تخلو أبواب الفقه عن مثله للتّدرّب ، ومعرفة الأدلّة وتحقيق الشّيء على ما هو عليه . ومنعه بعضهم كإمام الحرمين الجوينيّ . وحجّة هؤلاء أنّه لا يتعلّق بهذه الخصائص حكم ناجز تمسّ الحاجة إليه .
أنواع اختصاصات الرّسول صلى الله عليه وسلم :
5 - أ - الأحكام التّكليفيّة الّتي لا تتعدّاه إلى أمّته ككونه لا يورث ، وغير ذلك .
ب - المزايا الأخرويّة ، كإعطائه الشّفاعة ، وكونه أوّل من يدخل الجنّة وغير ذلك .
ج - الفضائل الدّنيويّة ، ككونه أصدق النّاس حديثاً .
د - المعجزات كانشقاق القمر ، وغيره .
هـ - الأمور الخلقيّة ، ككونه يرى من خلفه ونحو ذلك . وسيقتصر البحث على النّوع الأوّل من هذه الاختصاصات - اختصاصه صلى الله عليه وسلم ببعض الأحكام التّكليفيّة . أمّا موطن الاطّلاع على الخصائص الأخرى فهو كتب العقائد ، وكتب السّيرة النّبويّة ، والكتب المؤلّفة في خصائصه صلى الله عليه وسلم وفضائله . ما اختصّ به صلى الله عليه وسلم من الأحكام التّكليفيّة :
6 - هذه الاختصاصات لا تخرج عن كونها واجبةً أو محرّمةً أو مباحةً . الاختصاصات الواجبة :
7 - فرض اللّه على رسوله صلى الله عليه وسلم بعض ما هو مباح أو مندوب على أمّته ، إعلاءً لمقامه عنده وإجزالاً لثوابه ؛ لأنّ ثواب الفرض أكبر من ثواب النّفل ، وفي الحديث : « ما تقرّب إليّ عبدي بشيء أحبّ إليّ ممّا افترضته عليه » ومن ذلك :
أ - قيام اللّيل :
8 - اختلف العلماء في قيام اللّيل ، هل كان فرضاً عليه صلوات اللّه وسلامه عليه أو لم يكن فرضاً ، مع اتّفاقهم على عدم فرضيّته على الأمّة . فذهب عبد اللّه بن عبّاس إلى أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قد اختصّ بافتراض قيام اللّيل عليه ، وتابع ابن عبّاس على ذلك كثير من أهل العلم ، منهم الشّافعيّ في أحد قوليه ، وكثير من المالكيّة ، ورجّحه الطّبريّ في تفسيره . واستدلّ على ذلك بقوله تعالى في سورة الإسراء : { ومن اللّيل فتهجّد به نافلةً لك } أي نفلاً لك ، أي فضلاً : ( زيادةً ) عن فرائضك الّتي فرضتها عليك ، كما يدلّ على ذلك قوله تعالى : { قم اللّيل إلاّ قليلاً ، نصفه أو انقص منه قليلاً ، أو زد عليه } . قال الطّبريّ : « خيّره اللّه تعالى حين فرض عليه قيام اللّيل بين هذه المنازل » . ويعضّد هذا ويؤيّده ما رواه الطّبرانيّ في معجمه الأوسط والبيهقيّ في سننه عن عائشة رضي الله عنها أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال : « ثلاث هنّ عليّ فرائض ولكم سنّة ، الوتر والسّواك وقيام اللّيل » . وذهب مجاهد بن جبر إلى أنّ قيام اللّيل ليس بفرض على ، رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بل هو نافلة ، وإنّما قال اللّه تعالى : { نافلةً لك } من أجل أنّه صلى الله عليه وسلم قد غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر ، فما عمل من عمل سوى المكتوبة فهو نافلة ؛ لأنّه لا يعمل ذلك في كفّارة الذّنوب ، فهي نافلة وزيادة ، والنّاس يعملون ما سوى المكتوبة لتكفير ذنوبهم فليس للنّاس - في الحقيقة - نوافل . وتبع مجاهداً جماعة من العلماء ، منهم الشّافعيّ في قوله الآخر ، فقد نصّ على أنّ وجوب قيام اللّيل قد نسخ في حقّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كما نسخ في حقّ غيره . واستدلّوا على ذلك بعموم قوله صلى الله عليه وسلم : « خمس صلوات فرضهنّ اللّه على العباد » ، خاصّةً أنّ الآية محتملة ، والحديث الّذي استدلّ به من قال بفرضيّة قيام اللّيل على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حديث ضعيف .
ب - صلاة الوتر :
9 - اختلف الفقهاء في اختصاص رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بافتراض صلاة الوتر عليه ، مع اتّفاقهم على أنّ الوتر ليس بفرض على أمّته . فذهب الشّافعيّة إلى أنّ الوتر كان واجباً على رسول اللّه وقال الحليميّ والعزّ بن عبد السّلام والغزاليّ من الشّافعيّة وكذلك المالكيّة : إنّ هذا الوجوب خاصّ بالحضر دون السّفر ، لما روى البخاريّ ومسلم عن ابن عمر « أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان يصلّي الوتر على راحلته ولا يصلّي عليها المكتوبة » . وقال النّوويّ : المذهب أنّ صلاة الوتر واجبة على رسول اللّه ، ولكن جواز صلاتها على الرّاحلة خاصّ به عليه الصلاة والسلام . ويرى العينيّ الحنفيّ في عمدة القاريّ والحنفيّة يقولون بوجوب الوتر - إنّ صلاة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم الوتر على الرّاحلة كان قبل أن يفترض عليه الوتر .
ج - صلاة الضّحى :
10 - اختلف العلماء في وجوب صلاة الضّحى على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ، مع اتّفاقهم على عدم وجوبها على المسلمين . فذهب جماعة ، منهم الشّافعيّة وبعض المالكيّة إلى أنّ صلاة الضّحى مفروضة على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم . واستدلّوا على ذلك بحديث رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : « ثلاث هنّ عليّ فرائض ، ولكم تطوّع : النّحر والوتر وركعتا الضّحى » . وأقلّ الواجب منها عليه ركعتان لحديث : « أمرت بركعتي الضّحى ولم تؤمروا بها » . وذهب الجمهور إلى أنّ صلاة الضّحى ليست مفروضةً على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لقوله صلى الله عليه وسلم : « أمرت بالوتر والأضحى ولم يعزم عليّ » .
د - سنّة الفجر :
11 - اختلف العلماء في فرضيّة سنّة الفجر على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مع اتّفاقهم على عدم وجوبها على غيره . فنصّ الحنابلة وبعض السّلف على فرضيّتها عليه صلى الله عليه وسلم واستدلّوا على ذلك بحديث ابن عبّاس : « ثلاث كتبت عليّ وهنّ لكم تطوّع : الوتر والنّحر وركعتا الفجر » .
هـ - السّواك :
12 - الجمهور على أنّ السّواك لكلّ صلاة مفترض على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لحديث عبد اللّه بن حنظلة « أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أمر بالوضوء لكلّ صلاة ، طاهراً وغير طاهر ، فلمّا شقّ عليه ذلك أمر بالسّواك لكلّ صلاة » . وفي لفظ : « وضع عنه الوضوء إلاّ من حدث » .
و - الأضحيّة :
13 - الأضحيّة فرض على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم دون أمّته لحديث ابن عبّاس المتقدّم : « ثلاث هنّ عليّ فرائض ولكم تطوّع : النّحر والوتر وركعتا الضّحى » .
ز - المشاورة :
14 - اختلف العلماء في فرضيّة المشاورة على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ، مع اتّفاقهم على سنّيّتها على غيره . فقال بعضهم بفرضيّتها عليه ، واستدلّوا على ذلك بقوله تعالى : { وشاورهم في الأمر } . وقال هؤلاء : إنّما وجب ذلك على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم تطييباً للقلوب ، وتعليماً للنّاس ليستنّوا به عليه الصلاة والسلام . وقال بعضهم : إنّ المشاورة لم تكن فرضاً عليه صلوات اللّه وسلامه عليه لفقدان دليل يصلح لإثبات الفرضيّة . وحملوا الأمر في الآية السّابقة على النّدب أو الإرشاد . ثمّ اختلفوا فيما يشاور فيه : بعد اتّفاقهم على أنّه لا يشاور فيما نزل عليه فيه وحي . فقال فريق من العلماء : يشاور في أمور الدّنيا ، كالحروب ومكايدة العدوّ ؛ لأنّ استقراء ما شاور فيه الرّسول ( ص ) أصحابه يدلّ على ذلك . وقال فريق آخر : يشاور في أمور الدّين والدّنيا . أمّا في أمور الدّنيا فظاهر ، وأمّا في أمور الدّين فإنّ استشارته لهم تكون تنبيهاً لهم على علل الأحكام وطريق الاجتهاد .