الرئيسية
المنتديات
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
الغرف الصوتية
غرفة ٠٠٠٠
ما الجديد
المشاركات الجديدة
جديد مشاركات الحائط
آخر النشاطات
الأعضاء
الزوار الحاليين
مشاركات الحائط الجديدة
البحث عن مشاركات الملف الشخصي
تسجيل الدخول
تسجيل
ما الجديد
البحث
البحث
بحث بالعناوين فقط
بواسطة:
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
قائمة
تسجيل الدخول
تسجيل
تثبيت التطبيق
تثبيت
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية
تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة
.
الرد على الموضوع
الرسالة
<blockquote data-quote="ابن عامر الشامي" data-source="post: 40754" data-attributes="member: 329"><p>أسباب الخلاف الرّاجع إلى القواعد الأصوليّة :</p><p>19 - من العسر بمكان حصر الأسباب الّتي من هذا النّوع ، فكلّ قاعدة أصوليّة مختلف فيها ينشأ عنها اختلاف في الفروع المبنيّة عليها .</p><p>الإنكار والمراعاة في المسائل الخلافيّة :</p><p>أوّلاً : الإنكار في المسائل الخلافيّة :</p><p>20 - ذكر السّيوطيّ في الأشباه والنّظائر قاعدة : « لا ينكر المختلف فيه ولكن ينكر المجتمع عليه » . وقال إنّه يستثنى منها صور ينكر فيها المختلف فيه : إحداها : أن يكون ذلك المذهب بعيد المأخذ . ومن ثمّ وجب الحدّ على المرتهن بوطء الأمة المرهونة ولم ينظر للخلاف الشّاذّ في ذلك . الثّانية : أن يترافع فيه لحاكم ، فيحكم بعقيدته . إذ لا يجوز للحاكم أن يحكم بخلاف معتقده . الثّالثة : أن يكون للمنكر فيه حقّ ، كالزّوج المسلم يمنع زوجته الذّمّيّة من شرب الخمر بالرّغم من وجود خلاف في حقّه بمنعها وعدمه . وذكر ابن تيميّة أنّ للمجتهد أن يعتقد في الأمور المختلف فيها بين الحلّ والتّحريم أنّ مخالفه قد ارتكب ( الحرام ) في نحو ( لعن اللّه المحلّل والمحلّل له ) ولكن لا يلحقه الوعيد واللّعن إن كان قد اجتهد الاجتهاد المأذون فيه . بل هو معذور مثاب على اجتهاده . وكذلك من قلّده التّقليد السّائغ .</p><p>ثانياً : مراعاة الخلاف :</p><p>21 - يراد بمراعاة الخلاف أنّ من يعتقد جواز الشّيء يترك فعله إن كان غيره يعتقده حراماً . كذلك في جانب الوجوب يستحبّ لمن رأى إباحة الشّيء أن يفعله إن كان من الأئمّة من يرى وجوبه . كمن يعتقد عدم وجوب الوتر يستحبّ له المحافظة على عدم تركه ، خروجاً من خلاف من أوجبه . ولا يتأتّى ممّن اعتقد الوجوب مراعاة قول من يرى التّحريم ، ولا ممّن اعتقد التّحريم مراعاة قول من يرى الوجوب . حكم مراعاة الخلاف :</p><p>22 - ذكر السّيوطيّ من الشّافعيّة أنّ الخروج من الخلاف مستحبّ .</p><p>شروط الخروج من الخلاف :</p><p>23 - قال السّيوطيّ : لمراعاة الخلاف شروط : أحدها : أن لا توقع مراعاته في خلاف آخر . الثّاني : أن لا يخالف سنّةً ثابتةً ومن ثمّ سنّ رفع اليدين في الصّلاة . ولم يبال بقول من قال بإبطاله الصّلاة من الحنفيّة ؛ لأنّه ثابت عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم من رواية خمسين صحابيّاً . الثّالث : أن يقوى مدركه - أي دليله - بحيث لا يعدّ هفوةً . ومن ثمّ كان الصّوم في السّفر أفضل لمن قوي عليه ، ولم يبال بقول داود : إنّه لا يصحّ . وقال ابن حجر في هذا الشّرط الثّالث : أن يقوى مدركه بأن يقف الذّهن عنده ، لا بأن تنهض حجّته .</p><p>أمثلة على الخروج من الخلاف :</p><p>24 - جمع السّيوطيّ لذلك أمثلةً من فقه الشّافعيّة منها :</p><p>1 - أمثلة على الخروج من خلاف من يقول بالوجوب : استحباب الدّلك في الطّهارة ، واستيعاب الرّأس بالمسح ، والتّرتيب في قضاء الفوائت ، وترك الأداء خلف من يصلّي القضاء ، وترك القصر فيما دون ثلاث مراحل ، وترك الجمع ، وقطع المتيمّم الصّلاة إذا رأى الماء .</p><p>2 - أمثلة على الخروج من خلاف من يقول بالتّحريم : كراهة الحيل في باب الرّبا ، وكراهة نكاح المحلّل ، وكراهة مفارقة الإمام بلا عذر ، وكراهة صلاة المنفرد خلف الصّفّ . وذكر ابن عابدين من الحنفيّة أمثلةً منها : ندب الوضوء للخروج من خلاف العلماء ، كما في مسّ الذّكر أو المرأة . وذكر صاحب المغني من الحنابلة : استحباب السّجود على الأنف خروجاً من خلاف من أوجبه . وذكر الشّيخ عليش من المالكيّة : أنّه لا تكره البسملة في الفرض إذا قصد بها الخروج من خلاف من أوجبها .</p><p>مراعاة الخلاف فيما بعد وقوع المختلف فيه :</p><p>25 - ذكر الشّاطبيّ نوعاً آخر من مراعاة الخلاف . وذلك فيما لو ارتكب المكلّف فعلاً مختلفاً في تحريمه وجوازه ، فقد ينظر المجتهد الّذي يرى تحريم هذا الفعل ، فيجيز ما وقع من الفساد " على وجه يليق بالعدل ، نظراً إلى أنّ ذلك الفعل وافق فيه المكلّف دليلاً على الجملة ، وإن كان مرجوحاً ، فهو راجح بالنّسبة إلى إبقاء الحالة على ما وقعت عليه ؛ لأنّ ذلك أولى من إزالتها ، مع دخول ضرر على الفاعل أشدّ من مقتضى النّهي » . وضرب مثلاً لذلك بالنّكاح بلا وليّ . ففي الحديث : « أيّما امرأة نكحت بغير إذن وليّها فنكاحها باطل باطل باطل » . فلو تزوّج رجل امرأةً بلا وليّ ، فإنّ هذا النّكاح يثبت به الميراث ، ويثبت به نسب الأولاد ، ولا يعامل معاملة الزّنا لثبوت الخلاف فيه ، وثبوت الميراث والنّسب تصحيح للمنهيّ عنه من وجه ، " وإجراؤهم النّكاح الفاسد مجرى الصّحيح في هذه الأحكام ، وفي حرمة المصاهرة ، وغير ذلك دليل على الحكم بصحّته على الجملة ، وإلاّ لكان في حكم الزّنا . وليس في حكمه بالاتّفاق » . وقد وجّهه بأنّ " العامل بالجهل مخطئاً له نظران : نظر من جهة مخالفته للأمر والنّهي . وهذا يقتضي الإبطال ، ونظر من جهة قصده الموافقة في الجملة ؛ لأنّه داخل مداخل أهل الإسلام ، ومحكوم له بأحكامهم ، وخطؤه أو جهله لا يجني عليه أن يخرج به عن حكم أهل الإسلام ، بل يتلافى له حكم يصحّح ما أفسده بجهله أو خطئه . . . إلاّ أن يترجّح جانب الإبطال بالأمر الواضح » .</p><p>العمل في المسائل الخلافيّة المقلّد بين التّخيّر والتّحرّي :</p><p>26 - ذهب بعض الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ العامّيّ إذا اختلف عليه فتوى علماء عصره فهو مخيّر يأخذ بأيّها شاء قال الشّوكانيّ : واستدلّوا بإجماع الصّحابة على عدم إنكار العمل بقول المفضول مع وجود الأفضل . وقيل : ليس هو على التّخيير ، بل لا بدّ من مرجّح . وبه قال الحنفيّة والمالكيّة وأكثر الشّافعيّة وأحمد في رواية وكثير من الفقهاء . ثمّ قد قيل : يأخذ بالأغلظ ، وقيل : بالأخفّ ، وقيل : بقول الأعلم . وقال الغزاليّ : يأخذ بقول أفضلهم عنده وأغلبهم صواباً في قلبه . وقد أيّد الشّاطبيّ القول الثّاني من أنّ المقلّد ليس على التّخيير . قال : ليس للمقلّد أن يتخيّر في الخلاف ؛ لأنّ كلّ واحد من المفتين متّبع لدليل عنده يقتضي ضدّ ما يقتضيه دليل صاحبه . فهما صاحبا دليلين متضادّين . فاتّباع أحدهما بالهوى اتّباع للهوى . فليس إلاّ التّرجيح بالأعلميّة ونحوها . فكما يجب على المجتهد التّرجيح ، أو التّوقّف ، فكذلك المقلّد . وأيضاً فإنّ ذلك يؤدّي إلى تتبّع رخص المذاهب من غير استناد إلى دليل شرعيّ .</p><p>ما يصنع القاضي والمفتي في المسائل الخلافيّة :</p><p>27 - يجب عند الشّافعيّة والحنابلة وهو قول للمالكيّة أن يكون القاضي مجتهداً . وقد صرّح صاحب المغني من الحنابلة أنّ القاضي لا يحكم بتقليد غيره مطلقاً سواء أظهر له الحقّ فخالفه فيه غيره ، أم لم يظهر له شيء ، وسواء أضاق الوقت أم لم يضق . وكذلك ليس للمفتي الفتيا بالتّقليد . وعند الشّافعيّة إن تعذّر هذا الشّرط فولّى سلطان أو من له شوكة مقلّداً نفذ قضاؤه للضّرورة . والمعتمد عند المالكيّة جواز كون القاضي مقلّداً . والاجتهاد عند الحنفيّة شرط أولويّة فقط . فعلى قول من اشترط الاجتهاد ، فإنّ القاضي في المسائل المختلف فيها ممّا ليس فيه نصّ ولا إجماع لا يحكم إلاّ بما ترجّح عنده حسب أصول الاجتهاد . وعلى قول من يجيز كون القاضي مقلّداً ، ذهب المالكيّة إلى أنّه يحكم المقلّد بقول مقلّده أي بالرّاجح من مذهبه سواء أكان قوله - يعني إمام المذهب - أم قول أصحابه ، لا بالضّعيف ، ولا بقول غيره من المذاهب ، وإلاّ نقض حكمه ، إلاّ أن يكون للضّعيف مدرك ترجّح عنده وكان من أهل التّرجيح ، وكذلك المفتي . ويجوز للإنسان أن يعمل بالضّعيف لأمر اقتضى ذلك عنده . وقيل : بل يقلّد قول الغير إذا كان راجحاً في مذهب ذلك الغير ، قال الصّاويّ : وهو المعتمد لجواز التّقليد ولو لم تكن ضرورة . أمّا الحنفيّة فلهم في المسائل الخلافيّة تفصيل : ففي الفتاوى الهنديّة : يحكم القاضي بما في كتاب اللّه ، فإن لم يجد فبسنّة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فإن لم يجد فبما ورد عن الصّحابة ، فإن اختلفت أقوالهم يجتهد في ذلك . فيرجّح قول بعضهم على بعض باجتهاده إن كان من أهل الاجتهاد ، وليس له أن يخالفهم جميعاً . وإن اجتمعوا على قول واحد ، وخالفهم واحد من التّابعين لا يعتبر خلافه إلاّ إن كان ممّن أدرك عهدهم وزاحمهم في الفتيا كشريح والشّعبيّ . فإن لم يأت عن الصّحابة شيء فبإجماع التّابعين . فإن كان بينهم خلاف رجح قول بعضهم على بعض فقضى به . فإن لم يجئ عنهم شيء اجتهد إن كان من أهل الاجتهاد . وإذا اختلف أبو حنيفة وأصحابه ، قال ابن المبارك : يأخذ بقول أبي حنيفة لأنّه كان من التّابعين . ولو اختلف المتأخّرون فيه يختار واحداً من ذلك . ولو أنّ قاضياً استفتي في حادثة وأفتى ، ورأيه بخلاف رأي المفتي ، فإنّه يعمل برأي نفسه إن كان من أهل الرّأي . فإن ترك رأيه وقضى برأي المفتي لم يجز عند أبي يوسف ومحمّد . أمّا عند أبي حنيفة فإنّه ينفذ لمصادفته فصلاً مجتهداً فيه . أمّا إن لم يكن القاضي من أهل الاجتهاد فإن عرف أقاويل الأصحاب ، وحفظها على الإحكام والإتقان ، عمل بقول من يعتقد قوله حقّاً على التّقليد .</p><p>ارتفاع الخلاف بحكم الحاكم :</p><p>28 - إذا حكم القاضي في واقعة من الوقائع بحكم مختلف فيه ممّا يسوغ فيه الخلاف لعدم مخالفته لنصّ أو إجماع ، فإنّ النّزاع يرتفع بالحكم فيما يختصّ بتلك الواقعة ، ويعود الحكم في تلك الواقعة كالمجمع عليه ، فليس لأحد نقضه حتّى ولا القاضي الّذي قضى به نفسه . كما لو حكم بلزوم الوقف . أمّا في غير تلك الواقعة فإنّ الخلاف لا يرتفع بالقضاء ، وهذه إحدى القواعد الفقهيّة المشهورة ، وتعنون عادةً بعنوان ( الاجتهاد لا ينقض بمثله ) وعلّتها أنّه يؤدّي إلى أن لا يستقرّ حكم ، وفيه مشقّة شديدة ، فلو نقض لنقض النّقض أيضاً . ولأنّه ليس الثّاني بأقوى من الأوّل . وقد ترجّح الأوّل باتّصال القضاء به ، فلا ينقض بما هو دونه . وهذه المسألة إجماعيّة . وقد حكم أبو بكر رضي الله عنه في مسائل ، وخالفه فيها بعده عمر رضي الله عنه ولم ينقض حكمه ، وحكم عمر في المشركة بعدم المشاركة ، ثمّ حكم في واقعة أخرى بالمشاركة ، وقال : تلك على ما قضينا ، وهذه على ما نقضي . ومن هذه القضيّة يتبيّن أنّ القاضي لا ينقض الماضي ، وأمّا في المستقبل فيجوز أن يحكم فيه بما يخالف ما مضى . ومن شرط نفاذ الحكم في المسائل الخلافيّة أن يكون في حادثة ودعوى صحيحة وإلاّ كان فتوى لا حكماً .</p><p>ارتفاع الخلاف بتصرّف الإمام أو نائبه :</p><p>29 - إذا تصرّف الإمام أو نائبه بما تختلف فيه الاجتهادات طبقاً لأحد الأقوال المعتبرة ، فلا ينقض ما فعله كذلك ، ويصير كالمتّفق عليه ( أي بالنّسبة لما مضى . وأمّا في المستقبل فله أن يتصرّف تصرّفاً مغايراً إذا تغيّر وجه المصلحة في رأيه ) . وقد قرّر أبو بكر رضي الله عنه العطاء بالسّويّة ، ولمّا جاء عمر رضي الله عنه فاضل بين النّاس بحسب سابقتهم وقربهم من النّبيّ صلى الله عليه وسلم . وذكر الفقهاء أنّ للإمام أن ينقض حمى من قبله من الأئمّة ؛ لأنّه يتبع المصلحة ، والمصلحة قد تتغيّر . قال ابن نجيم : « إذا رأى الإمام شيئاً ثمّ مات أو عزل فللثّاني تغييره حيث كان من الأمور العامّة . ويستثنى هذا من قاعدة عدم نقض الاجتهاد بالاجتهاد ، لأنّ هذا حكم يدور مع المصلحة ، فإذا رآها الثّاني وجب اتّباعها » . وقال ابن تيميّة : إذا كانت المسألة من مسائل الاجتهاد الّتي شاع فيها النّزاع لم يكن لأحد أن ينكر على الإمام ولا على نائبه من حاكم أو غيره ، ولا ينقض ما فعله الإمام ونوّابه من ذلك . ومع هذا يذكر ابن تيميّة أنّ الواحد من العلماء والأمراء ليس معصوماً ، ولهذا يسوغ لنا أن نبيّن الحقّ الّذي يجب اتّباعه ، وإن كان فيه بيان خطأ من أخطأ من العلماء والأمراء .</p><p>الصّلاة خلف المخالف في أحكامها :</p><p>30 - ورد عن الأئمّة ما يدلّ على أنّ المصلّي يأتمّ بمن يخالف اجتهاده في أحكام الصّلاة ، ولو كان يرى أنّ مثل ذلك مفسد للصّلاة ، أو غيره أولى منه . لأنّه لمّا كان الإمام مجتهداً اجتهاداً سائغاً ، أو مقلّداً تقليداً سائغاً ، فإنّ الانفراد عنه نوع من الفرقة ، واختلاف الظّواهر تؤدّي إلى اختلاف البواطن . وممّا ورد من ذلك : أ - كان أبو حنيفة وأصحابه يرون الوضوء من خروج الدّم . ورأى أبو يوسف هارون الرّشيد احتجم ولم يتوضّأ - أفتاه مالك بذلك - فصلّى أبو يوسف خلفه ولم يعد الصّلاة .</p><p>ب - الشّافعيّ رضي الله عنه ترك القنوت في الصّبح لمّا صلّى مع جماعة من الحنفيّة في مسجدهم بضواحي بغداد . فقال الحنفيّة : فعل ذلك أدباً مع الإمام ، وقال الشّافعيّة بل تغيّر اجتهاده في ذلك الوقت .</p><p>ج - كان الإمام أحمد يرى الوضوء من الحجامة والفصد . فسئل عمّن رأى الإمام قد احتجم ثمّ قام إلى الصّلاة ولم يتوضّأ أيصلّي خلفه ؟ فقال : كيف لا أصلّي خلف مالك وسعيد بن المسيّب ؟ إلاّ أنّ بعض المتأخّرين الفقهاء مالوا إلى التّشدّد في ذلك .</p><p>مراعاة الإمام للمصلّين خلفه إن كانوا يخالفونه في أحكام الصّلاة :</p><p>31 - تقدّم ذكر مراعاة الخلاف وشروطها ، وأنّها مستحبّة . ومراعاة إمام الصّلاة أن يأتي بما يعتقده المأموم شرطاً أو ركناً أو واجباً ، ولو لم يعتقده الإمام كذلك . وكذلك فيما يعتقده المأموم من سنّة الصّلاة . ولا تتأتّى المراعاة ، على ما صرّح به بعض الحنفيّة ، فيما هو سنّة عند المأموم ومكروه عند الإمام ، كرفع اليدين في الانتقالات ، وجهر البسملة . فهذا وأمثاله لا يمكن الخروج فيه من عهدة الخلاف " فكلّهم يتبع مذهبه " ولكن قال ابن تيميّة : « إن كان الخلاف في الأفضل فقد استحبّ الأئمّة أحمد وغيره أن يدع الإمام ما هو عنده أفضل إذا كان فيه تأليف للمأمومين . فإذا لم يمكنه نقلهم إلى الأفضل كانت المصلحة الحاصلة بموافقتهم أرجح » .</p><p>الاختلاف بين المتعاقدين :</p><p>32 - قد يتنازع شخصان في إثبات حقّ من الحقوق للّه تعالى ، أو لأحدهما قبل الآخر ، ناشئ عن عقد من العقود ، كالبيع أو الإجارة أو النّكاح ، أو في فسخ من الفسوخ ، كالإقالة والطّلاق ، أو غير ذلك من التّصرّفات . والطّريق إلى رفع ذلك الاختلاف الادّعاء به لدى القضاء ليفصل في شأنه ، ويحكم بأداء الحقّ لصاحبه ، بالطّريقة الصّحيحة شرعاً . وكلّ نوع من أنواع التّصرّفات تقع فيه اختلافات تخصّه . ويذكر الفقهاء هذه الاختلافات ، وطريق الحكم في كلّ منها ، في أثناء عرضهم للعقد أو الفسخ . وتذكر القاعدة العامّة لذلك في باب ( الدّعوى ) .</p><p>اختلاف الشّهود :</p><p>33 - إذا اختلف شاهدا البيع أو شهود الزّنا أو نحو ذلك فإنّ اختلافهم يمنع من كمال الشّهادة ، والحكم بموجبها ، في بعض الأحوال . وفي ذلك اختلاف وتفصيل يرجع إليه تحت عنوان ( شهادة ) .</p><p>اختلاف الحديث وسائر الأدلّة :</p><p>34 - إذا اختلفت الأدلّة وجب الجمع بينها إن أمكن ، وإلاّ يرجّح بينها ، فإن لم يمكن التّرجيح يعتبر المتأخّر منهما ناسخاً للمتقدّم ، وينظر ذلك في باب التّرجيح بين الأدلّة من الملحق الأصوليّ .</p><p>اختلاف الدّار</p><p>التّعريف</p><p>1 - الدّار لغةً : المحلّ . وتجمع العرصة والبناء ، وتطلق أيضاً على البلدة . واختلاف الدّارين عند الفقهاء بمعنى اختلاف الدّولتين اللّتين ينتسب إليهما الشّخصان . فإن كان اختلاف الدّارين بين مسلمين لم يؤثّر ذلك شيئاً ؛ لأنّ ديار الإسلام كلّها دار واحدة . قال السّرخسيّ : « أهل العدل مع أهل العدل يتوارثون فيما بينهم ؛ لأنّ دار الإسلام دار أحكام ، فباختلاف المنعة والملك لا تتباين الدّار فيما بين المسلمين ؛ لأنّ حكم الإسلام يجمعهم » . وهذا الّذي قاله السّرخسيّ في حقّ المسلمين لم ينقل فيه خلاف ، إلاّ ما قال العتّابيّ : إنّ من أسلم ولم يهاجر إلينا لا يرث من المسلم الأصليّ سواء كان في دارنا ، أو كان مستأمناً بدار الحرب . قال ابن عابدين : وقول العتّابيّ مدفوع بأنّ هذا كان في ابتداء الإسلام حين كانت الهجرة فريضةً . فقد نفى اللّه تعالى الولاية بين من هاجر ومن لم يهاجر فقال : { والّذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتّى يهاجروا } ، فلمّا كانت الولاية بينهما منتفيةً كان الميراث منتفياً ؛ لأنّ الميراث على الولاية . فأمّا اليوم فإنّ حكم الهجرة قد نسخ . قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « لا هجرة بعد الفتح » . قال السّرخسيّ : « فأمّا دار الحرب فليست بدار أحكام ، ولكن دار قهر . فباختلاف المنعة والملك تختلف الدّار فيما بينهم ، وبتباين الدّار ينقطع التّوارث . وكذلك إذا خرجوا إلينا بأمان ، لأنّهم من دار الحرب وإن كانوا مستأمنين فينا ، فيجعل كلّ واحد في الحكم كأنّه في منعة ملكه الّذي خرج منه بأمان » . أمّا أهل الذّمّة فإنّهم من أهل دار الإسلام ، ولذا فهم مخالفون في الدّار لأهل الحرب . أمّا الحربيّون فيما بينهم فإنّ دورهم قد تتّفق وقد تختلف . قال ابن عابدين شارحاً معنى اختلاف الدّارين : « اختلافهما باختلاف المنعة أي العسكر ، واختلاف الملك ، كأن يكون أحد الملكين في الهند ، وله دار ومنعة ، والآخر في التّرك ، وله دار ومنعة أخرى ، وانقطعت العصمة بينهم حتّى يستحلّ كلّ منهم قتال الآخر . فهاتان الدّاران مختلفتان ، فتنقطع باختلافهما الوراثة ؛ لأنّها تنبني على العصمة والولاية . أمّا إن كان بينهما تناصر وتعاون على أعدائهما كانت الدّار والوراثة ثابتةً » : ( وانظر : دار الإسلام ودار الكفر ) . ودار الإسلام مخالف لدار الحرب ولو كان بينهما تناصر وتعاون .</p><p>أنواع اختلاف الدّارين :</p><p>2 - عند الحنفيّة : قد تختلف الدّاران حقيقةً فقط ، أو حكماً فقط ، أو حقيقةً وحكماً : فاختلافهما حقيقةً فقط ، كمستأمن في دارنا وحربيّ في دارهم ، فإنّ الدّار وإن اختلفت حقيقةً لكن المستأمن من أهل الحرب حكماً . فهما متّحدان حكماً . وأمّا اختلافهما حكماً فكمستأمن وذمّيّ في دارنا ، فإنّهما وإن كانا في دار واحدة حقيقةً إلاّ أنّهما في دارين حكماً ؛ لأنّ المستأمن من أهل الحرب حكماً ، لتمكّنه من الرّجوع إلى دار الحرب . وأمّا اختلافهما حقيقةً وحكماً فكالحربيّ في دارهم والذّمّيّ في دارنا . وكالحربيّين في دارين مختلفتين . هذا وإنّ اختلاف الدّارين بين كافر وكافر يستتبع في الفقه الإسلاميّ أحكاماً مختلفةً نعرض جملةً منها فيما يلي : التّوارث :</p><p>3 - اختلاف الدّارين حكماً فقط ، أو حكماً وحقيقةً ، أحد موانع التّوارث عند الحنفيّة ، فلا يرث الذّمّيّ حربيّاً ولا مستأمناً ، ولا الحربيّ والمستأمن ذمّيّاً ولو اتّفق دينهما ، ولا يرث الحربيّ حربيّاً إن اختلفت داراهما . ويثبت التّوارث بين مستأمنين في دارنا إن كانا من دار واحدة ، كما يثبت بين مستأمن في دارنا وحربيّ في دارهم لاتّحاد الدّار بينهما حكماً . ومذهب الشّافعيّة قريب من مذهب الحنفيّة ، فلا توارث عندهم بين ذمّيّ وحربيّ ، أمّا المستأمن والمعاهد فهما على الأصحّ عند الشّافعيّ في حكم أهل الذّمّة ، للقرب بينهم ولعصمتهم بالعهد والأمان ، كالذّمّيّ ، فيرثان الذّمّيّ ويرثهما ، ولا توارث بين أحدهما وبين الحربيّين . وفي قول آخر : المستأمن والمعاهد كالحربيّ . أمّا مذهب الحنابلة ، ومثله مذهب المالكيّة - فيما نقله صاحب العذب الفائض ولم نجدهم صرّحوا به فيما اطّلعت عليه من كلامهم - فلا يمنع اختلاف الدّارين التّوارث ما دامت الملل متّفقةً . وعند الحنابلة قول آخر هو للقاضي أبي يعلى : إنّ الحربيّ لا يرث ذمّيّاً ، ولا الذّمّيّ حربيّاً ، فأمّا المستأمن فيرثه أهل دار الحرب وأهل دار الإسلام ، ويرث أهل الحرب بعضهم بعضاً سواء اتّفقت ديارهم أو اختلفت .</p><p>دين الولد :</p><p>4 - بيان من يتبعه الولد في دينه يذكر في موضع آخر ( ر : اختلاف الدّين ) ، وقد اشترط الحنفيّة في تبعيّة الولد لخير والديه في الدّين أن تتّحد الدّار بين التّابع والمتبوع ، وإلاّ فلا تبعيّة . فلو كان الولد في دار الحرب ، ووالده في دار الإسلام ، فأسلم الوالد ، لا يتبعه الولد ، ولا يكون مسلماً ؛ لأنّه لا يمكن جعل الوالد من أهل دار الحرب ، بخلاف ما إذا كان الوالد في دار الحرب فأسلم ، وولده في دار الإسلام ، فإنّه يتبعه ؛ لأنّ الوالد المسلم من أهل دار الإسلام حكماً .</p><p>الفرقة بين الزّوجين :</p><p>5 - يرى المالكيّة والشّافعيّ والحنابلة أنّ الفرقة لا تقع بين الزّوجين لمجرّد اختلافهما داراً . ويرى الحنفيّة أنّ اختلاف داري الزّوجين حقيقةً وحكماً موجب للفرقة بينهما . فلو تزوّج حربيّ حربيّةً ثمّ دخل أحدهما دار الإسلام فأسلم أو عقد الذّمّة ، وترك زوجه الآخر في دار الحرب ، انفسخ نكاحه لاختلاف الدّارين حقيقةً وحكماً . بخلاف ما لو دخل أحدهما مستأمناً فإنّ نكاحه لا ينفسخ . ولو تزوّج مسلم حربيّةً في دار الحرب ثمّ خرج عنها وحده بانت . ويقتضي مذهب أبي حنيفة - كما قال ابن قدامة - أنّ أحد الزّوجين الذّمّيّين إذا دخل دار الحرب ناقضاً للعهد ، وترك زوجه الآخر في دار الإسلام ، ينفسخ نكاحهما ؛ لأنّ الدّارين اختلفتا بهما فعلاً وحكماً ، فوجب أن تقع الفرقة بينهما ، كما لو أسلمت في دار الإسلام قبل الدّخول . واحتجّ الحنفيّة بأنّه مع تباين الدّارين حقيقةً وحكماً لا تنتظم المصالح ، والنّكاح شرع لمصالحه لا لعينه ، فلا يبقى عند عدمها ، كالمحرميّة إذا اعترضت عليه . وهذا لأنّ أهل الحرب كالموتى - أي بالنّسبة إلى أهل دار الإسلام - فلا يشرع النّكاح بين الحيّ والميّت . واحتجّ الجمهور بأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم ردّ ابنته زينب على زوجها بالنّكاح الأوّل ، وكانت قد أسلمت قبله بسنتين ، وقيل بستّ سنين ، وهاجرت وبقي هو بمكّة . وأسلمت امرأة صفوان وامرأة عكرمة عام الفتح ، وفرّا هما وغيرهما دون أن يسلموا ، ثمّ أسلموا فأقرّوا على أنكحتهم .</p><p>النّفقة :</p><p>6 - لا يمنع اختلاف الدّار وجوب نفقة الزّوجة عند أحد ممّن أثبت النّكاح مع اختلاف الدّارين . أمّا نفقة الأقارب فعند الحنفيّة يمنع اختلاف الدّارين وجوب نفقة القرابة على الأصول والفروع والحواشي . قال الزّيلعيّ : لا يجب على المسلم نفقة أبويه الحربيّين ، ولا يجبر الحربيّ على نفقة أبيه المسلم أو الذّمّيّ ؛ لأنّ الاستحقاق بطريق الصّلة ، ولا تستحقّ الصّلة للحربيّ أو الذّمّيّ للنّهي عن برّهم . وفي الفتاوى الهنديّة : لا يجبر أحدهما على النّفقة ولو كان الحربيّ مستأمناً بدار الإسلام . وصرّح بعضهم بأن لا نفقة بين الحربيّ الّذي أسلم بدار الحرب ولم يهاجر ، وبين قريبه المسلم بدار الإسلام ؛ لاختلاف الدّارين . وهذا الّذي نقلناه من مذهب الحنفيّة خالف في بعضه صاحب البدائع ، فرأى أنّ نفقة الأصول والفروع خاصّةً لا يمنع وجوبها اختلاف الدّارين . قال : لأنّ وجوب نفقة غير الأصول والفروع بطريق الصّلة ، ولا تجب الصّلة مع اختلاف الدّارين ، وتجب في قرابة الولادة ؛ ولأنّ وجوب النّفقة هناك بحقّ الوراثة ، ولا وراثة - أي عندهم - مع اختلاف الدّارين ، والوجوب في قرابة الولادة بحقّ الولادة ، وهو لا يختلف . والظّاهر أنّ مذهب الشّافعيّة وجوب النّفقة بين الذّمّيّ والمستأمن في قرابة الأصول والفروع ، وكذا بين المسلم والمستأمن . أمّا الحربيّ غير المستأمن فلا تجب النّفقة بينه وبين قريبه المسلم أو الذّمّيّ لعدم عصمته . وأمّا قرابة ما عدا الأصول والفروع فلا يجب بها نفقة عند الشّافعيّة أصلاً . وظاهر مذهب الحنابلة أنّ اختلاف الدّار لا يمنع وجوب نفقة الأقارب إذا تحقّقت شروطها . ولم يتّضح لنا قول المالكيّة في هذه المسألة .</p></blockquote><p></p>
[QUOTE="ابن عامر الشامي, post: 40754, member: 329"] أسباب الخلاف الرّاجع إلى القواعد الأصوليّة : 19 - من العسر بمكان حصر الأسباب الّتي من هذا النّوع ، فكلّ قاعدة أصوليّة مختلف فيها ينشأ عنها اختلاف في الفروع المبنيّة عليها . الإنكار والمراعاة في المسائل الخلافيّة : أوّلاً : الإنكار في المسائل الخلافيّة : 20 - ذكر السّيوطيّ في الأشباه والنّظائر قاعدة : « لا ينكر المختلف فيه ولكن ينكر المجتمع عليه » . وقال إنّه يستثنى منها صور ينكر فيها المختلف فيه : إحداها : أن يكون ذلك المذهب بعيد المأخذ . ومن ثمّ وجب الحدّ على المرتهن بوطء الأمة المرهونة ولم ينظر للخلاف الشّاذّ في ذلك . الثّانية : أن يترافع فيه لحاكم ، فيحكم بعقيدته . إذ لا يجوز للحاكم أن يحكم بخلاف معتقده . الثّالثة : أن يكون للمنكر فيه حقّ ، كالزّوج المسلم يمنع زوجته الذّمّيّة من شرب الخمر بالرّغم من وجود خلاف في حقّه بمنعها وعدمه . وذكر ابن تيميّة أنّ للمجتهد أن يعتقد في الأمور المختلف فيها بين الحلّ والتّحريم أنّ مخالفه قد ارتكب ( الحرام ) في نحو ( لعن اللّه المحلّل والمحلّل له ) ولكن لا يلحقه الوعيد واللّعن إن كان قد اجتهد الاجتهاد المأذون فيه . بل هو معذور مثاب على اجتهاده . وكذلك من قلّده التّقليد السّائغ . ثانياً : مراعاة الخلاف : 21 - يراد بمراعاة الخلاف أنّ من يعتقد جواز الشّيء يترك فعله إن كان غيره يعتقده حراماً . كذلك في جانب الوجوب يستحبّ لمن رأى إباحة الشّيء أن يفعله إن كان من الأئمّة من يرى وجوبه . كمن يعتقد عدم وجوب الوتر يستحبّ له المحافظة على عدم تركه ، خروجاً من خلاف من أوجبه . ولا يتأتّى ممّن اعتقد الوجوب مراعاة قول من يرى التّحريم ، ولا ممّن اعتقد التّحريم مراعاة قول من يرى الوجوب . حكم مراعاة الخلاف : 22 - ذكر السّيوطيّ من الشّافعيّة أنّ الخروج من الخلاف مستحبّ . شروط الخروج من الخلاف : 23 - قال السّيوطيّ : لمراعاة الخلاف شروط : أحدها : أن لا توقع مراعاته في خلاف آخر . الثّاني : أن لا يخالف سنّةً ثابتةً ومن ثمّ سنّ رفع اليدين في الصّلاة . ولم يبال بقول من قال بإبطاله الصّلاة من الحنفيّة ؛ لأنّه ثابت عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم من رواية خمسين صحابيّاً . الثّالث : أن يقوى مدركه - أي دليله - بحيث لا يعدّ هفوةً . ومن ثمّ كان الصّوم في السّفر أفضل لمن قوي عليه ، ولم يبال بقول داود : إنّه لا يصحّ . وقال ابن حجر في هذا الشّرط الثّالث : أن يقوى مدركه بأن يقف الذّهن عنده ، لا بأن تنهض حجّته . أمثلة على الخروج من الخلاف : 24 - جمع السّيوطيّ لذلك أمثلةً من فقه الشّافعيّة منها : 1 - أمثلة على الخروج من خلاف من يقول بالوجوب : استحباب الدّلك في الطّهارة ، واستيعاب الرّأس بالمسح ، والتّرتيب في قضاء الفوائت ، وترك الأداء خلف من يصلّي القضاء ، وترك القصر فيما دون ثلاث مراحل ، وترك الجمع ، وقطع المتيمّم الصّلاة إذا رأى الماء . 2 - أمثلة على الخروج من خلاف من يقول بالتّحريم : كراهة الحيل في باب الرّبا ، وكراهة نكاح المحلّل ، وكراهة مفارقة الإمام بلا عذر ، وكراهة صلاة المنفرد خلف الصّفّ . وذكر ابن عابدين من الحنفيّة أمثلةً منها : ندب الوضوء للخروج من خلاف العلماء ، كما في مسّ الذّكر أو المرأة . وذكر صاحب المغني من الحنابلة : استحباب السّجود على الأنف خروجاً من خلاف من أوجبه . وذكر الشّيخ عليش من المالكيّة : أنّه لا تكره البسملة في الفرض إذا قصد بها الخروج من خلاف من أوجبها . مراعاة الخلاف فيما بعد وقوع المختلف فيه : 25 - ذكر الشّاطبيّ نوعاً آخر من مراعاة الخلاف . وذلك فيما لو ارتكب المكلّف فعلاً مختلفاً في تحريمه وجوازه ، فقد ينظر المجتهد الّذي يرى تحريم هذا الفعل ، فيجيز ما وقع من الفساد " على وجه يليق بالعدل ، نظراً إلى أنّ ذلك الفعل وافق فيه المكلّف دليلاً على الجملة ، وإن كان مرجوحاً ، فهو راجح بالنّسبة إلى إبقاء الحالة على ما وقعت عليه ؛ لأنّ ذلك أولى من إزالتها ، مع دخول ضرر على الفاعل أشدّ من مقتضى النّهي » . وضرب مثلاً لذلك بالنّكاح بلا وليّ . ففي الحديث : « أيّما امرأة نكحت بغير إذن وليّها فنكاحها باطل باطل باطل » . فلو تزوّج رجل امرأةً بلا وليّ ، فإنّ هذا النّكاح يثبت به الميراث ، ويثبت به نسب الأولاد ، ولا يعامل معاملة الزّنا لثبوت الخلاف فيه ، وثبوت الميراث والنّسب تصحيح للمنهيّ عنه من وجه ، " وإجراؤهم النّكاح الفاسد مجرى الصّحيح في هذه الأحكام ، وفي حرمة المصاهرة ، وغير ذلك دليل على الحكم بصحّته على الجملة ، وإلاّ لكان في حكم الزّنا . وليس في حكمه بالاتّفاق » . وقد وجّهه بأنّ " العامل بالجهل مخطئاً له نظران : نظر من جهة مخالفته للأمر والنّهي . وهذا يقتضي الإبطال ، ونظر من جهة قصده الموافقة في الجملة ؛ لأنّه داخل مداخل أهل الإسلام ، ومحكوم له بأحكامهم ، وخطؤه أو جهله لا يجني عليه أن يخرج به عن حكم أهل الإسلام ، بل يتلافى له حكم يصحّح ما أفسده بجهله أو خطئه . . . إلاّ أن يترجّح جانب الإبطال بالأمر الواضح » . العمل في المسائل الخلافيّة المقلّد بين التّخيّر والتّحرّي : 26 - ذهب بعض الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ العامّيّ إذا اختلف عليه فتوى علماء عصره فهو مخيّر يأخذ بأيّها شاء قال الشّوكانيّ : واستدلّوا بإجماع الصّحابة على عدم إنكار العمل بقول المفضول مع وجود الأفضل . وقيل : ليس هو على التّخيير ، بل لا بدّ من مرجّح . وبه قال الحنفيّة والمالكيّة وأكثر الشّافعيّة وأحمد في رواية وكثير من الفقهاء . ثمّ قد قيل : يأخذ بالأغلظ ، وقيل : بالأخفّ ، وقيل : بقول الأعلم . وقال الغزاليّ : يأخذ بقول أفضلهم عنده وأغلبهم صواباً في قلبه . وقد أيّد الشّاطبيّ القول الثّاني من أنّ المقلّد ليس على التّخيير . قال : ليس للمقلّد أن يتخيّر في الخلاف ؛ لأنّ كلّ واحد من المفتين متّبع لدليل عنده يقتضي ضدّ ما يقتضيه دليل صاحبه . فهما صاحبا دليلين متضادّين . فاتّباع أحدهما بالهوى اتّباع للهوى . فليس إلاّ التّرجيح بالأعلميّة ونحوها . فكما يجب على المجتهد التّرجيح ، أو التّوقّف ، فكذلك المقلّد . وأيضاً فإنّ ذلك يؤدّي إلى تتبّع رخص المذاهب من غير استناد إلى دليل شرعيّ . ما يصنع القاضي والمفتي في المسائل الخلافيّة : 27 - يجب عند الشّافعيّة والحنابلة وهو قول للمالكيّة أن يكون القاضي مجتهداً . وقد صرّح صاحب المغني من الحنابلة أنّ القاضي لا يحكم بتقليد غيره مطلقاً سواء أظهر له الحقّ فخالفه فيه غيره ، أم لم يظهر له شيء ، وسواء أضاق الوقت أم لم يضق . وكذلك ليس للمفتي الفتيا بالتّقليد . وعند الشّافعيّة إن تعذّر هذا الشّرط فولّى سلطان أو من له شوكة مقلّداً نفذ قضاؤه للضّرورة . والمعتمد عند المالكيّة جواز كون القاضي مقلّداً . والاجتهاد عند الحنفيّة شرط أولويّة فقط . فعلى قول من اشترط الاجتهاد ، فإنّ القاضي في المسائل المختلف فيها ممّا ليس فيه نصّ ولا إجماع لا يحكم إلاّ بما ترجّح عنده حسب أصول الاجتهاد . وعلى قول من يجيز كون القاضي مقلّداً ، ذهب المالكيّة إلى أنّه يحكم المقلّد بقول مقلّده أي بالرّاجح من مذهبه سواء أكان قوله - يعني إمام المذهب - أم قول أصحابه ، لا بالضّعيف ، ولا بقول غيره من المذاهب ، وإلاّ نقض حكمه ، إلاّ أن يكون للضّعيف مدرك ترجّح عنده وكان من أهل التّرجيح ، وكذلك المفتي . ويجوز للإنسان أن يعمل بالضّعيف لأمر اقتضى ذلك عنده . وقيل : بل يقلّد قول الغير إذا كان راجحاً في مذهب ذلك الغير ، قال الصّاويّ : وهو المعتمد لجواز التّقليد ولو لم تكن ضرورة . أمّا الحنفيّة فلهم في المسائل الخلافيّة تفصيل : ففي الفتاوى الهنديّة : يحكم القاضي بما في كتاب اللّه ، فإن لم يجد فبسنّة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فإن لم يجد فبما ورد عن الصّحابة ، فإن اختلفت أقوالهم يجتهد في ذلك . فيرجّح قول بعضهم على بعض باجتهاده إن كان من أهل الاجتهاد ، وليس له أن يخالفهم جميعاً . وإن اجتمعوا على قول واحد ، وخالفهم واحد من التّابعين لا يعتبر خلافه إلاّ إن كان ممّن أدرك عهدهم وزاحمهم في الفتيا كشريح والشّعبيّ . فإن لم يأت عن الصّحابة شيء فبإجماع التّابعين . فإن كان بينهم خلاف رجح قول بعضهم على بعض فقضى به . فإن لم يجئ عنهم شيء اجتهد إن كان من أهل الاجتهاد . وإذا اختلف أبو حنيفة وأصحابه ، قال ابن المبارك : يأخذ بقول أبي حنيفة لأنّه كان من التّابعين . ولو اختلف المتأخّرون فيه يختار واحداً من ذلك . ولو أنّ قاضياً استفتي في حادثة وأفتى ، ورأيه بخلاف رأي المفتي ، فإنّه يعمل برأي نفسه إن كان من أهل الرّأي . فإن ترك رأيه وقضى برأي المفتي لم يجز عند أبي يوسف ومحمّد . أمّا عند أبي حنيفة فإنّه ينفذ لمصادفته فصلاً مجتهداً فيه . أمّا إن لم يكن القاضي من أهل الاجتهاد فإن عرف أقاويل الأصحاب ، وحفظها على الإحكام والإتقان ، عمل بقول من يعتقد قوله حقّاً على التّقليد . ارتفاع الخلاف بحكم الحاكم : 28 - إذا حكم القاضي في واقعة من الوقائع بحكم مختلف فيه ممّا يسوغ فيه الخلاف لعدم مخالفته لنصّ أو إجماع ، فإنّ النّزاع يرتفع بالحكم فيما يختصّ بتلك الواقعة ، ويعود الحكم في تلك الواقعة كالمجمع عليه ، فليس لأحد نقضه حتّى ولا القاضي الّذي قضى به نفسه . كما لو حكم بلزوم الوقف . أمّا في غير تلك الواقعة فإنّ الخلاف لا يرتفع بالقضاء ، وهذه إحدى القواعد الفقهيّة المشهورة ، وتعنون عادةً بعنوان ( الاجتهاد لا ينقض بمثله ) وعلّتها أنّه يؤدّي إلى أن لا يستقرّ حكم ، وفيه مشقّة شديدة ، فلو نقض لنقض النّقض أيضاً . ولأنّه ليس الثّاني بأقوى من الأوّل . وقد ترجّح الأوّل باتّصال القضاء به ، فلا ينقض بما هو دونه . وهذه المسألة إجماعيّة . وقد حكم أبو بكر رضي الله عنه في مسائل ، وخالفه فيها بعده عمر رضي الله عنه ولم ينقض حكمه ، وحكم عمر في المشركة بعدم المشاركة ، ثمّ حكم في واقعة أخرى بالمشاركة ، وقال : تلك على ما قضينا ، وهذه على ما نقضي . ومن هذه القضيّة يتبيّن أنّ القاضي لا ينقض الماضي ، وأمّا في المستقبل فيجوز أن يحكم فيه بما يخالف ما مضى . ومن شرط نفاذ الحكم في المسائل الخلافيّة أن يكون في حادثة ودعوى صحيحة وإلاّ كان فتوى لا حكماً . ارتفاع الخلاف بتصرّف الإمام أو نائبه : 29 - إذا تصرّف الإمام أو نائبه بما تختلف فيه الاجتهادات طبقاً لأحد الأقوال المعتبرة ، فلا ينقض ما فعله كذلك ، ويصير كالمتّفق عليه ( أي بالنّسبة لما مضى . وأمّا في المستقبل فله أن يتصرّف تصرّفاً مغايراً إذا تغيّر وجه المصلحة في رأيه ) . وقد قرّر أبو بكر رضي الله عنه العطاء بالسّويّة ، ولمّا جاء عمر رضي الله عنه فاضل بين النّاس بحسب سابقتهم وقربهم من النّبيّ صلى الله عليه وسلم . وذكر الفقهاء أنّ للإمام أن ينقض حمى من قبله من الأئمّة ؛ لأنّه يتبع المصلحة ، والمصلحة قد تتغيّر . قال ابن نجيم : « إذا رأى الإمام شيئاً ثمّ مات أو عزل فللثّاني تغييره حيث كان من الأمور العامّة . ويستثنى هذا من قاعدة عدم نقض الاجتهاد بالاجتهاد ، لأنّ هذا حكم يدور مع المصلحة ، فإذا رآها الثّاني وجب اتّباعها » . وقال ابن تيميّة : إذا كانت المسألة من مسائل الاجتهاد الّتي شاع فيها النّزاع لم يكن لأحد أن ينكر على الإمام ولا على نائبه من حاكم أو غيره ، ولا ينقض ما فعله الإمام ونوّابه من ذلك . ومع هذا يذكر ابن تيميّة أنّ الواحد من العلماء والأمراء ليس معصوماً ، ولهذا يسوغ لنا أن نبيّن الحقّ الّذي يجب اتّباعه ، وإن كان فيه بيان خطأ من أخطأ من العلماء والأمراء . الصّلاة خلف المخالف في أحكامها : 30 - ورد عن الأئمّة ما يدلّ على أنّ المصلّي يأتمّ بمن يخالف اجتهاده في أحكام الصّلاة ، ولو كان يرى أنّ مثل ذلك مفسد للصّلاة ، أو غيره أولى منه . لأنّه لمّا كان الإمام مجتهداً اجتهاداً سائغاً ، أو مقلّداً تقليداً سائغاً ، فإنّ الانفراد عنه نوع من الفرقة ، واختلاف الظّواهر تؤدّي إلى اختلاف البواطن . وممّا ورد من ذلك : أ - كان أبو حنيفة وأصحابه يرون الوضوء من خروج الدّم . ورأى أبو يوسف هارون الرّشيد احتجم ولم يتوضّأ - أفتاه مالك بذلك - فصلّى أبو يوسف خلفه ولم يعد الصّلاة . ب - الشّافعيّ رضي الله عنه ترك القنوت في الصّبح لمّا صلّى مع جماعة من الحنفيّة في مسجدهم بضواحي بغداد . فقال الحنفيّة : فعل ذلك أدباً مع الإمام ، وقال الشّافعيّة بل تغيّر اجتهاده في ذلك الوقت . ج - كان الإمام أحمد يرى الوضوء من الحجامة والفصد . فسئل عمّن رأى الإمام قد احتجم ثمّ قام إلى الصّلاة ولم يتوضّأ أيصلّي خلفه ؟ فقال : كيف لا أصلّي خلف مالك وسعيد بن المسيّب ؟ إلاّ أنّ بعض المتأخّرين الفقهاء مالوا إلى التّشدّد في ذلك . مراعاة الإمام للمصلّين خلفه إن كانوا يخالفونه في أحكام الصّلاة : 31 - تقدّم ذكر مراعاة الخلاف وشروطها ، وأنّها مستحبّة . ومراعاة إمام الصّلاة أن يأتي بما يعتقده المأموم شرطاً أو ركناً أو واجباً ، ولو لم يعتقده الإمام كذلك . وكذلك فيما يعتقده المأموم من سنّة الصّلاة . ولا تتأتّى المراعاة ، على ما صرّح به بعض الحنفيّة ، فيما هو سنّة عند المأموم ومكروه عند الإمام ، كرفع اليدين في الانتقالات ، وجهر البسملة . فهذا وأمثاله لا يمكن الخروج فيه من عهدة الخلاف " فكلّهم يتبع مذهبه " ولكن قال ابن تيميّة : « إن كان الخلاف في الأفضل فقد استحبّ الأئمّة أحمد وغيره أن يدع الإمام ما هو عنده أفضل إذا كان فيه تأليف للمأمومين . فإذا لم يمكنه نقلهم إلى الأفضل كانت المصلحة الحاصلة بموافقتهم أرجح » . الاختلاف بين المتعاقدين : 32 - قد يتنازع شخصان في إثبات حقّ من الحقوق للّه تعالى ، أو لأحدهما قبل الآخر ، ناشئ عن عقد من العقود ، كالبيع أو الإجارة أو النّكاح ، أو في فسخ من الفسوخ ، كالإقالة والطّلاق ، أو غير ذلك من التّصرّفات . والطّريق إلى رفع ذلك الاختلاف الادّعاء به لدى القضاء ليفصل في شأنه ، ويحكم بأداء الحقّ لصاحبه ، بالطّريقة الصّحيحة شرعاً . وكلّ نوع من أنواع التّصرّفات تقع فيه اختلافات تخصّه . ويذكر الفقهاء هذه الاختلافات ، وطريق الحكم في كلّ منها ، في أثناء عرضهم للعقد أو الفسخ . وتذكر القاعدة العامّة لذلك في باب ( الدّعوى ) . اختلاف الشّهود : 33 - إذا اختلف شاهدا البيع أو شهود الزّنا أو نحو ذلك فإنّ اختلافهم يمنع من كمال الشّهادة ، والحكم بموجبها ، في بعض الأحوال . وفي ذلك اختلاف وتفصيل يرجع إليه تحت عنوان ( شهادة ) . اختلاف الحديث وسائر الأدلّة : 34 - إذا اختلفت الأدلّة وجب الجمع بينها إن أمكن ، وإلاّ يرجّح بينها ، فإن لم يمكن التّرجيح يعتبر المتأخّر منهما ناسخاً للمتقدّم ، وينظر ذلك في باب التّرجيح بين الأدلّة من الملحق الأصوليّ . اختلاف الدّار التّعريف 1 - الدّار لغةً : المحلّ . وتجمع العرصة والبناء ، وتطلق أيضاً على البلدة . واختلاف الدّارين عند الفقهاء بمعنى اختلاف الدّولتين اللّتين ينتسب إليهما الشّخصان . فإن كان اختلاف الدّارين بين مسلمين لم يؤثّر ذلك شيئاً ؛ لأنّ ديار الإسلام كلّها دار واحدة . قال السّرخسيّ : « أهل العدل مع أهل العدل يتوارثون فيما بينهم ؛ لأنّ دار الإسلام دار أحكام ، فباختلاف المنعة والملك لا تتباين الدّار فيما بين المسلمين ؛ لأنّ حكم الإسلام يجمعهم » . وهذا الّذي قاله السّرخسيّ في حقّ المسلمين لم ينقل فيه خلاف ، إلاّ ما قال العتّابيّ : إنّ من أسلم ولم يهاجر إلينا لا يرث من المسلم الأصليّ سواء كان في دارنا ، أو كان مستأمناً بدار الحرب . قال ابن عابدين : وقول العتّابيّ مدفوع بأنّ هذا كان في ابتداء الإسلام حين كانت الهجرة فريضةً . فقد نفى اللّه تعالى الولاية بين من هاجر ومن لم يهاجر فقال : { والّذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتّى يهاجروا } ، فلمّا كانت الولاية بينهما منتفيةً كان الميراث منتفياً ؛ لأنّ الميراث على الولاية . فأمّا اليوم فإنّ حكم الهجرة قد نسخ . قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « لا هجرة بعد الفتح » . قال السّرخسيّ : « فأمّا دار الحرب فليست بدار أحكام ، ولكن دار قهر . فباختلاف المنعة والملك تختلف الدّار فيما بينهم ، وبتباين الدّار ينقطع التّوارث . وكذلك إذا خرجوا إلينا بأمان ، لأنّهم من دار الحرب وإن كانوا مستأمنين فينا ، فيجعل كلّ واحد في الحكم كأنّه في منعة ملكه الّذي خرج منه بأمان » . أمّا أهل الذّمّة فإنّهم من أهل دار الإسلام ، ولذا فهم مخالفون في الدّار لأهل الحرب . أمّا الحربيّون فيما بينهم فإنّ دورهم قد تتّفق وقد تختلف . قال ابن عابدين شارحاً معنى اختلاف الدّارين : « اختلافهما باختلاف المنعة أي العسكر ، واختلاف الملك ، كأن يكون أحد الملكين في الهند ، وله دار ومنعة ، والآخر في التّرك ، وله دار ومنعة أخرى ، وانقطعت العصمة بينهم حتّى يستحلّ كلّ منهم قتال الآخر . فهاتان الدّاران مختلفتان ، فتنقطع باختلافهما الوراثة ؛ لأنّها تنبني على العصمة والولاية . أمّا إن كان بينهما تناصر وتعاون على أعدائهما كانت الدّار والوراثة ثابتةً » : ( وانظر : دار الإسلام ودار الكفر ) . ودار الإسلام مخالف لدار الحرب ولو كان بينهما تناصر وتعاون . أنواع اختلاف الدّارين : 2 - عند الحنفيّة : قد تختلف الدّاران حقيقةً فقط ، أو حكماً فقط ، أو حقيقةً وحكماً : فاختلافهما حقيقةً فقط ، كمستأمن في دارنا وحربيّ في دارهم ، فإنّ الدّار وإن اختلفت حقيقةً لكن المستأمن من أهل الحرب حكماً . فهما متّحدان حكماً . وأمّا اختلافهما حكماً فكمستأمن وذمّيّ في دارنا ، فإنّهما وإن كانا في دار واحدة حقيقةً إلاّ أنّهما في دارين حكماً ؛ لأنّ المستأمن من أهل الحرب حكماً ، لتمكّنه من الرّجوع إلى دار الحرب . وأمّا اختلافهما حقيقةً وحكماً فكالحربيّ في دارهم والذّمّيّ في دارنا . وكالحربيّين في دارين مختلفتين . هذا وإنّ اختلاف الدّارين بين كافر وكافر يستتبع في الفقه الإسلاميّ أحكاماً مختلفةً نعرض جملةً منها فيما يلي : التّوارث : 3 - اختلاف الدّارين حكماً فقط ، أو حكماً وحقيقةً ، أحد موانع التّوارث عند الحنفيّة ، فلا يرث الذّمّيّ حربيّاً ولا مستأمناً ، ولا الحربيّ والمستأمن ذمّيّاً ولو اتّفق دينهما ، ولا يرث الحربيّ حربيّاً إن اختلفت داراهما . ويثبت التّوارث بين مستأمنين في دارنا إن كانا من دار واحدة ، كما يثبت بين مستأمن في دارنا وحربيّ في دارهم لاتّحاد الدّار بينهما حكماً . ومذهب الشّافعيّة قريب من مذهب الحنفيّة ، فلا توارث عندهم بين ذمّيّ وحربيّ ، أمّا المستأمن والمعاهد فهما على الأصحّ عند الشّافعيّ في حكم أهل الذّمّة ، للقرب بينهم ولعصمتهم بالعهد والأمان ، كالذّمّيّ ، فيرثان الذّمّيّ ويرثهما ، ولا توارث بين أحدهما وبين الحربيّين . وفي قول آخر : المستأمن والمعاهد كالحربيّ . أمّا مذهب الحنابلة ، ومثله مذهب المالكيّة - فيما نقله صاحب العذب الفائض ولم نجدهم صرّحوا به فيما اطّلعت عليه من كلامهم - فلا يمنع اختلاف الدّارين التّوارث ما دامت الملل متّفقةً . وعند الحنابلة قول آخر هو للقاضي أبي يعلى : إنّ الحربيّ لا يرث ذمّيّاً ، ولا الذّمّيّ حربيّاً ، فأمّا المستأمن فيرثه أهل دار الحرب وأهل دار الإسلام ، ويرث أهل الحرب بعضهم بعضاً سواء اتّفقت ديارهم أو اختلفت . دين الولد : 4 - بيان من يتبعه الولد في دينه يذكر في موضع آخر ( ر : اختلاف الدّين ) ، وقد اشترط الحنفيّة في تبعيّة الولد لخير والديه في الدّين أن تتّحد الدّار بين التّابع والمتبوع ، وإلاّ فلا تبعيّة . فلو كان الولد في دار الحرب ، ووالده في دار الإسلام ، فأسلم الوالد ، لا يتبعه الولد ، ولا يكون مسلماً ؛ لأنّه لا يمكن جعل الوالد من أهل دار الحرب ، بخلاف ما إذا كان الوالد في دار الحرب فأسلم ، وولده في دار الإسلام ، فإنّه يتبعه ؛ لأنّ الوالد المسلم من أهل دار الإسلام حكماً . الفرقة بين الزّوجين : 5 - يرى المالكيّة والشّافعيّ والحنابلة أنّ الفرقة لا تقع بين الزّوجين لمجرّد اختلافهما داراً . ويرى الحنفيّة أنّ اختلاف داري الزّوجين حقيقةً وحكماً موجب للفرقة بينهما . فلو تزوّج حربيّ حربيّةً ثمّ دخل أحدهما دار الإسلام فأسلم أو عقد الذّمّة ، وترك زوجه الآخر في دار الحرب ، انفسخ نكاحه لاختلاف الدّارين حقيقةً وحكماً . بخلاف ما لو دخل أحدهما مستأمناً فإنّ نكاحه لا ينفسخ . ولو تزوّج مسلم حربيّةً في دار الحرب ثمّ خرج عنها وحده بانت . ويقتضي مذهب أبي حنيفة - كما قال ابن قدامة - أنّ أحد الزّوجين الذّمّيّين إذا دخل دار الحرب ناقضاً للعهد ، وترك زوجه الآخر في دار الإسلام ، ينفسخ نكاحهما ؛ لأنّ الدّارين اختلفتا بهما فعلاً وحكماً ، فوجب أن تقع الفرقة بينهما ، كما لو أسلمت في دار الإسلام قبل الدّخول . واحتجّ الحنفيّة بأنّه مع تباين الدّارين حقيقةً وحكماً لا تنتظم المصالح ، والنّكاح شرع لمصالحه لا لعينه ، فلا يبقى عند عدمها ، كالمحرميّة إذا اعترضت عليه . وهذا لأنّ أهل الحرب كالموتى - أي بالنّسبة إلى أهل دار الإسلام - فلا يشرع النّكاح بين الحيّ والميّت . واحتجّ الجمهور بأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم ردّ ابنته زينب على زوجها بالنّكاح الأوّل ، وكانت قد أسلمت قبله بسنتين ، وقيل بستّ سنين ، وهاجرت وبقي هو بمكّة . وأسلمت امرأة صفوان وامرأة عكرمة عام الفتح ، وفرّا هما وغيرهما دون أن يسلموا ، ثمّ أسلموا فأقرّوا على أنكحتهم . النّفقة : 6 - لا يمنع اختلاف الدّار وجوب نفقة الزّوجة عند أحد ممّن أثبت النّكاح مع اختلاف الدّارين . أمّا نفقة الأقارب فعند الحنفيّة يمنع اختلاف الدّارين وجوب نفقة القرابة على الأصول والفروع والحواشي . قال الزّيلعيّ : لا يجب على المسلم نفقة أبويه الحربيّين ، ولا يجبر الحربيّ على نفقة أبيه المسلم أو الذّمّيّ ؛ لأنّ الاستحقاق بطريق الصّلة ، ولا تستحقّ الصّلة للحربيّ أو الذّمّيّ للنّهي عن برّهم . وفي الفتاوى الهنديّة : لا يجبر أحدهما على النّفقة ولو كان الحربيّ مستأمناً بدار الإسلام . وصرّح بعضهم بأن لا نفقة بين الحربيّ الّذي أسلم بدار الحرب ولم يهاجر ، وبين قريبه المسلم بدار الإسلام ؛ لاختلاف الدّارين . وهذا الّذي نقلناه من مذهب الحنفيّة خالف في بعضه صاحب البدائع ، فرأى أنّ نفقة الأصول والفروع خاصّةً لا يمنع وجوبها اختلاف الدّارين . قال : لأنّ وجوب نفقة غير الأصول والفروع بطريق الصّلة ، ولا تجب الصّلة مع اختلاف الدّارين ، وتجب في قرابة الولادة ؛ ولأنّ وجوب النّفقة هناك بحقّ الوراثة ، ولا وراثة - أي عندهم - مع اختلاف الدّارين ، والوجوب في قرابة الولادة بحقّ الولادة ، وهو لا يختلف . والظّاهر أنّ مذهب الشّافعيّة وجوب النّفقة بين الذّمّيّ والمستأمن في قرابة الأصول والفروع ، وكذا بين المسلم والمستأمن . أمّا الحربيّ غير المستأمن فلا تجب النّفقة بينه وبين قريبه المسلم أو الذّمّيّ لعدم عصمته . وأمّا قرابة ما عدا الأصول والفروع فلا يجب بها نفقة عند الشّافعيّة أصلاً . وظاهر مذهب الحنابلة أنّ اختلاف الدّار لا يمنع وجوب نفقة الأقارب إذا تحقّقت شروطها . ولم يتّضح لنا قول المالكيّة في هذه المسألة . [/QUOTE]
الإسم
التحقق
اكتب معهد الماهر
رد
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية