الرد على الموضوع

أداء

التّعريف

1 - الأداء : الإيصال يقال : أدّى الشّيء أوصله ، وأدّى دينه تأديةً أي قضاه . والاسم : الأداء . كذلك الأداء والقضاء يطلقان في اللّغة على الإتيان بالمؤقّتات ، كأداء صلاة الفريضة وقضائها ، وبغير المؤقّتات ، كأداء الزّكاة والأمانة ، وقضاء الحقوق ونحو ذلك . وفي اصطلاح الجمهور من الأصوليّين والفقهاء : الأداء فعل بعض ( وقيل كلّ ) ما دخل وقته قبل خروجه واجباً كان أو مندوباً ، أمّا ما لم يقدّر له زمان في الشّرع ، كالنّفل والنّذر المطلق والزّكاة ، فلا يسمّى فعله أداءً ولا قضاءً . وعند الحنفيّة : الأداء تسليم عين ما ثبت بالأمر . ولم يعتبر في التّعريف التّقييد بالوقت ليشمل أداء الزّكاة والأمانات والمنذورات والكفّارات ، كما أنّه يعمّ فعل الواجب والنّفل . وقد يطلق كلّ من الأداء والقضاء على الآخر مجازاً شرعيّاً ، كقوله تعالى : { فإذا قضيتم مناسككم } أي أدّيتم ، وكقولك : نويت أداء ظهر الأمس .

2 - والأداء إمّا محض ، سواء أكان كاملاً كصلاة المكتوبة في جماعة ، أم قاصراً كصلاة المنفرد ؛ وإمّا غير محض ، وهو الشّبيه بالقضاء ، كفعل اللاّحق الّذي أدرك أوّل الصّلاة بالجماعة ، وفاته الباقي فأتمّ صلاته بعد فراغ الإمام ، ففعله أداء باعتبار كونه في الوقت ، قضاء باعتبار فوات ما التزمه من الأداء مع الإمام ، فهو يقضي ما انعقد له إحرام الإمام ، من المتابعة والمشاركة معه بمثله .

( الألفاظ ذات الصّلة ) : أ - القضاء :

3 - القضاء لغةً : معناه الأداء . واستعمله الفقهاء بالمعنى الاصطلاحيّ الآتي ، خلافاً للوضع اللّغويّ للتّمييز بينه وبين الأداء . واصطلاحاً : ما فعل بعد خروج وقت أدائه استدراكاً لما سبق لفعله مقتض ، أو تسليم مثل ما وجب بالأمر ، كما يقول الحنفيّة . فالفرق بينه وبين الأداء عند الجمهور مراعاة قيد الوقت في الأداء دون القضاء ، وعند الحنفيّة مراعاة العين في الأداء والمثل في القضاء ، إذ الأداء كما سبق هو فعل المأمور به في وقته بالنّسبة لما له وقت ، عند الجمهور ، وفي أيّ وقت بالنّسبة لما ليس له وقت محدّد ، عند الحنفيّة .

ب - الإعادة :

4 - الإعادة لغةً : ردّ الشّيء ثانياً ، واصطلاحاً : ما فعل في وقت الأداء ثانياً لخلل في الأوّل وقيل لعذر . فالصّلاة بالجماعة بعد الصّلاة منفرداً تكون إعادةً باعتبار أنّ طلب الفضيلة عذر ، فالفرق بينها وبين الأداء السّبق وعدمه .

الأداء في العبادات :

5 - العبادات الّتي لم تحدّد بوقت لا توصف بالأداء بالمعنى الاصطلاحيّ ، أي الّذي يقابل القضاء ، وذلك عند غير الحنفيّة ، إلاّ أنّهم يطلقون عليها لفظ الأداء إطلاقاً لغويّاً بمعنى الإتيان بالمأمور به الأعمّ من الأداء الّذي يقابل القضاء . ولذلك يقول الشبراملسي عند الكلام على أداء الزّكاة - أي دفعها : ليس المراد بالأداء المعنى المصطلح عليه ؛ لأنّ الزّكاة لا وقت لها محدّداً حتّى تصير قضاءً بخروجه . أمّا الحنفيّة فغير الوقت عندهم يسمّى أداءً شرعاً وعرفاً ، والقضاء يختصّ بالواجب الموقّت .

أقسام العبادات باعتبار وقت الأداء :

6 - العبادات باعتبار وقت الأداء نوعان : مطلقة ومؤقّتة . فالمطلقة : هي الّتي لم يقيّد أداؤها بوقت محدّد له طرفان ؛ لأنّ جميع العمر فيها بمنزلة الوقت فيما هو موقّت ، وسواء أكانت العبادة واجبةً كالزّكاة والكفّارات ، أم مندوبةً كالنّفل المطلق . وأمّا العبادات الموقّتة : فهي ما حدّد الشّارع وقتاً معيّناً لأدائها ، لا يجب الأداء قبله ، ويأثم بالتّأخير بعد أن كان المطلوب واجباً ، وذلك كالصّلوات الخمس وصوم رمضان . ووقت الأداء إمّا موسّع وأمّا مضيّق . فالمضيّق : هو ما كان الوقت فيه يسع الفعل وحده ، ولا يسع غيره معه ، وذلك كرمضان فإنّ وقته لا يتّسع لأداء صوم آخر فيه ، ويسمّى معياراً أو مساوياً . والموسّع : هو ما كان الوقت فيه يفضل عن أدائه ، أي أنّه يتّسع لأداء الفعل وأداء غيره من جنسه ، وذلك كوقت الظّهر مثلاً ، فإنّه يسع أداء صلاة الظّهر وأداء صلوات أخرى ، ولذلك يسمّى ظرفاً . والحجّ من العبادات الّتي يشتبه وقت أدائه بالموسّع والمضيّق ؛ لأنّ المكلّف لا يستطيع أن يؤدّي حجّتين في عام واحد ، فهو بهذا يشبه المضيّق ، ولكن أعمال الحجّ لا تستوعب وقته ، فهو بهذا يشبه الموسّع ، هذا على اعتباره من الوقت ، وقيل إنّه من المطلق باعتبار أنّ العمر وقت للأداء كالزّكاة .

صفة الأداء ( حكمه التّكليفيّ ) :

7 - العبادات إمّا فرض أو مندوب ، فإن كانت فرضاً كالصّلاة والصّيام والزّكاة والحجّ والجهاد والنّذور والكفّارات فإنّه يجب على المكلّف الأهل أداؤها على الوجه المشروع ، إذا تحقّق سببها ، وتوفّرت شروطها . فإن كانت العبادة محدّدةً بوقت له طرفان ، سواء أكان الوقت موسّعاً ، كوقت الصّلاة ، أم كان مضيّقاً كرمضان فإنّه يجب أداؤها في الوقت المحدّد ، ولا يجوز أن تتقدّم عليه ولا أن تتأخّر عنه إلاّ لعذر ؛ لأنّها تفوت بفوات الوقت المحدّد دون أداءً ، وتتعلّق بالذّمّة إلى أن تقتضي . ولا خلاف بين الفقهاء في تحديد الوقت الّذي يجب فيه الأداء فيما كان وقته مضيّقاً ؛ لأنّ الوقت كلّه مشغول بالعبادة ، وليس فيه زمن فارغ منها ، إلاّ أنّهم يختلفون في تعيين النّيّة لصحّة الأداء فعند الحنفيّة يكفي مطلق النّيّة ؛ لأنّ الوقت لمّا كان معياراً فلا يصلح لعمل آخر من جنسه ، وعند الجمهور لا بدّ من التّعيين ، فإن لم يعيّن لم يجزه . أمّا ما كان وقته موسّعاً فقد اختلف الفقهاء في تحديد الجزء الّذي يتعلّق به وجوب الأداء ، فعند الجمهور هو الكلّ لا جزء منه ؛ لأنّ الأمر يقتضي إيقاع الفعل في أيّ جزء من أجزاء الوقت ، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « الوقت ما بين هذين » ، وهو يتناول جميع أجزائه ، وليس تعيين بعض الأجزاء لوجوب الأداء بأولى من تعيين البعض الآخر ، إلاّ أنّ الأداء يجب في أوّل الوقت مع الإمكان ، وقيل يستحبّ ؛ لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « أوّل الوقت رضوان اللّه ، وآخره عفو اللّه » . ويجوز التّأخير إلى آخر الوقت المختار ؛ لأنّ عدم جواز التّأخير فيه ضيق على النّاس ، فسمح لهم بالتّأخير ، وعند الحنابلة وبعض الشّافعيّة يجوز التّأخير لكن مع العزم على الفعل ، فإن لم يعزم أثم . وإن ظنّ المكلّف أنّه لا يعيش إلى آخر الوقت ، الموسّع تضيّق عليه الوقت وحرم عليه التّأخير اعتباراً بظنّه ، فإن أخّره ومات عصى اتّفاقاً ، فإن لم يمت بل عاش وفعل في آخر الوقت فهو قضاء عند القاضي أبي بكر الباقلاّنيّ أداء عند الجمهور ، لصدق تعريف الأداء عليه ، ولا عبرة بالظّنّ البيّن خطؤه . وعند المحقّقين من الحنفيّة وقت الأداء هو الجزء الّذي يقع فيه الفعل ، وأنّ الصّلاة لا تجب في أوّل الوقت على التّعيين ، وإنّما تجب في جزء من الوقت غير معيّن ، وإنّما التّعيين إلى المصلّي من حيث الفعل حتّى إنّه إذا شرع في أوّل الوقت يجب في ذلك الوقت ، وكذا إذا شرع في وسطه أو آخره ، ومتى لم يعيّن حتّى بقي من الوقت مقدار ما يصلّي فيه أربعاً - وهو مقيم - يجب عليه تعيين ذلك الوقت للأداء فعلاً ويأثم بترك التّعيين . وقال بعض الحنفيّة العراقيّين : إنّ وجوب الأداء يتعلّق بآخر الوقت ، فعلى هذا ، فإن قدّمه ثمّ زالت أهليّته قبل آخر الوقت فالمؤدّى نفل . وقال بعض أصحاب الشّافعيّ : إنّ الوجوب يتعلّق بأوّل الوقت فإن أخّره فهو قضاء . وكلا الفريقين ممّن ينكرون التّوسّع في الوجوب .

بم يتحقّق الأداء إذا تضيّق الوقت ؟

8 - اختلف الفقهاء فيما يمكن به إدراك الفرض إذا تضيّق الوقت ، فعند الجمهور يمكن إدراكه بركعة بسجدتيها في الوقت ، فمن صلّى ركعةً في الوقت ثمّ خرج الوقت يكون مؤدّياً للجميع ، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم . قال : « من أدرك ركعةً من الصّبح قبل أن تطلع الشّمس فقد أدرك الصّبح ، ومن أدرك ركعةً من العصر قبل أن تغرب الشّمس فقد أدرك العصر » ، وذهب أشهب إلى أنّها تدرك بالرّكوع وحده وعند الحنفيّة وبعض الحنابلة يمكن إدراك الصّلاة بتكبيرة الإحرام ، لما روى أبو هريرة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال : « إذا أدرك أحدكم أوّل سجدة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشّمس فليتمّ صلاته ، وإذا أدرك أوّل سجدة من صلاة الصّبح قبل أن تطلع الشّمس فليتمّ صلاته » وفي رواية « : فقد أدرك » ؛ ولأنّ الإدراك إذا تعلّق به حكم في الصّلاة استوى فيه الرّكعة وما دونها . وقال بعض الحنفيّة والشّافعيّة : إنّه يكون مؤدّياً لما صلّى في الوقت قاضياً لما صلّى بعد خروج الوقت ، اعتباراً لكلّ جزء بزمانه ، واستثنى الحنفيّة من ذلك صلاة الصّبح وحدها ، فإنّها لا تدرك إلاّ بأدائها كلّها قبل طلوع الشّمس ، وعلّلوا ذلك بطروء الوقت النّاقص على الوقت الكامل ، ولذا عدّوا ذلك من مبطلات الصّلاة وأمّا ما كان وقته مطلقاً كالزّكاة والكفّارات والنّذور المطلقة فقد اختلف الفقهاء في وقت وجوب الأداء بناءً على اختلافهم في الأمر به ، هل هو على الفور أو على التّراخي ؟ والكلام فيه على مثال ما قيل فيما كان وقته موسّعاً في أنّه يجب تعجيل الأداء في أوّل أوقات الإمكان ، ويأثم بالتّأخير بدون عزم على الفعل ، أو أنّه على التّراخي ولا يجب التّعجيل ولا يأثم بالتّأخير عن أوّل أوقات الإمكان ، لكن الجميع متّفقون على أنّ وجوب الأداء يتضيّق في آخر عمره في زمان يتمكّن فيه من الأداء قبل موته بغالب ظنّه ، وأنّه إن لم يؤدّ حتّى مات أثم بتركه . هذا بالنّسبة للعبادات الواجبة سواء أكانت موقّتةً أم مطلقةً .

9 - أمّا المندوب من العبادات فمن المقرّر أنّ المندوب حكمه الثّواب على الفعل وعدم اللّوم على التّرك ، لكن فعله أولى من تركه . ومن المندوب ما هو موقّت كالرّكعتين قبل الظّهر والرّكعتين بعده ، وما بعد المغرب والعشاء ، وركعتي الفجر ، ومنه ما هو مسبّب كصلاة الخسوف والكسوف ، ومنه ما هو مطلق كالتّهجّد . ومثل ذلك في الصّوم أيضاً ، فمنه ما هو موقّت ، كصيام يوم عرفة لغير الحاجّ ، وصيام يوم عاشوراء ، ومنه ما يتطوّع به الإنسان في أيّ يوم . وقد وردت آثار كثيرة في فضل ما زاد على الفرض من العبادات من صلاة وصوم وحجّ وزكاة ، ومن ذلك قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « أفضل الصّلاة بعد الفريضة صلاة اللّيل » . وقوله : « صوم يوم عاشوراء كفّارة سنة » . وكذلك روي عن عائشة رضي الله عنها عن رسول اللّه أنّه قال : « من ثابر على اثنتي عشرة ركعةً في اليوم واللّيلة بنى اللّه له بيتاً في الجنّة » . وهذه العبادات المندوبة يطلب أداؤها طلباً للثّواب ولا يجب الأداء إلاّ ما شرع فيه ، فيجب إتمامه ، وإذا فسد قضاه ، وهذا عند الحنفيّة والمالكيّة . أمّا عند الشّافعيّة والحنابلة فيستحبّ الإتمام إلاّ في تطوّع الحجّ والعمرة ، فإنّه إذا شرع فيهما فيجب إتمامهما باتّفاق الجميع .

أداء أصحاب الأعذار :

10 - يشترط لأداء العبادة أهليّة الأداء مع الإمكان والقدرة . وقد اختلف الفقهاء في وجوب الأداء بالنّسبة لمن كان أهلاً للأداء في أوّل الوقت ، ثمّ طرأ عليه عذر في آخره ، كمن كان أهلاً للصّلاة في أوّل الوقت ، فلم يصلّ حتّى طرأ عليه آخر الوقت عذر يمنع من الأداء ، كما إذا حاضت الطّاهرة في آخر الوقت أو نفست أو جنّ العاقل أو أغمي عليه ، أو ارتدّ المسلم والعياذ باللّه وقد بقي من الوقت ما يسع الفرض . فعند الجمهور يلزمهم الفرض ؛ لأنّ الوجوب والأهليّة ثابتة في أوّل الوقت فيلزمهم القضاء . أمّا عند الحنفيّة فلا يلزمهم الفرض ؛ لأنّ الوجوب يتعيّن في آخر الوقت إذا لم يوجد الأداء قبله ، فيستدعي الأهليّة فيه ؛ لاستحالة الإيجاب على غير الأهل ، ولم يوجد ، فلم يكن عليه قضاء . وهو أيضاً رأي الإمام مالك وابن الحاجب وابن عرفة ، خلافاً لبعض أهل المدينة وابن عبد البرّ حيث القضاء عندهم أحوط . أمّا من لم يكن أهلاً في أوّل الوقت ، ثمّ زال العذر في آخر الوقت ، كما إذا طهرت الحائض في آخر الوقت وأسلم الكافر وبلغ الصّبيّ وأفاق المجنون والمغمى عليه وأقام المسافر أو سافر المقيم فللحنفيّة قولان : أحدهما وهو قول زفر أنّه لا يجب الفرض ولا يتغيّر الأداء إلاّ إذا بقي من الوقت مقدار ما يمكن فيه أداء الفرض . والقول الثّاني للكرخيّ وأكثر المحقّقين : أنّه يجب الفرض ويتغيّر الأداء إذا بقي من الوقت مقدار ما يسع التّحريمة فقط ، وهو قول الحنابلة وبعض الشّافعيّة . وعند المالكيّة يجب الفرض إذا بقي من الوقت مقدار ركعة مع زمن يسع الطّهر ، وهو قول لبعض الشّافعيّة ، وفي قول آخر للشّافعيّة إذا بقي مقدار ركعة فقط . هذا مثال لاعتبار أهليّة الأداء في بعض العبادات البدنيّة . ولمعرفة التّفاصيل ( ر : أهليّة . حجّ . صلاة . صوم ) .

11 - أمّا بالنّسبة للقدرة على الأداء فإنّ المطلوب أداء العبادة على الصّفة الّتي ورد بها الشّرع ، ففي الصّلاة مثلاً يجب أن يكون أداؤها على الصّفة الّتي وردت عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم وذلك لما جاء في قوله : « صلّوا كما رأيتموني أصلّي » ، فمن عجز عن أداء الصّلاة على الصّفة المشروعة جاز له أن يصلّي بالصّفة الّتي يستطيع بها أداء الصّلاة ، فمن عجز عن القيام صلّى جالساً ، ومن لم يستطع فعلى جنب . وهذا باتّفاق « لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين : صلّ قائماً ، فإن لم تستطع فقاعداً ، فإن لم تستطع فعلى جنب » ، وهكذا ، وكذلك العاجز عن الصّوم لشيخوخة أو مرض لا يرجى برؤه لا يجب عليه الصّوم ؛ لقول اللّه تعالى : { وما جعل عليكم في الدّين من حرج } مع الاختلاف في وجوب الفدية وعدمها ، فقيل : تجب عن كلّ يوم مدّ من طعام ، وقيل : لا تجب . والحجّ أيضاً لا يجب أداؤه إلاّ على المستطيع بالمال والبدن والمحرم أو الرّفقة المأمونة بالنّسبة للمرأة . فمن عجز عن ذلك فلا يجب عليه الحجّ ؛ لقول اللّه تعالى : { وللّه على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً } .

12 - وأمّا بالنّسبة للعبادات الماليّة كالزّكاة فنظراً للأهليّة اختلف الفقهاء في وجوب الزّكاة على الصّبيّ والمجنون ، فعند الجمهور تجب الزّكاة في مال الصّبيّ والمجنون ، لأنّه حقّ يتعلّق بالمال ، ويؤدّي عنهما وليّهما ، وتعتبر نيّة الوليّ في الإخراج . وعند الحنفيّة لا يجب عليهما الزّكاة ؛ لأنّ الزّكاة عبادة ، وهما ليسا من أهلها . وكذلك من عجز عن أداء ما وجب عليه من الكفّارة وقت الوجوب ، ثمّ تغيّر حاله ، فقد اختلف الفقهاء في ذلك . فعند الحنفيّة والمالكيّة : العبرة بوقت الأداء لا بوقت الوجوب ، وهو أحد الأقوال عند الشّافعيّة ، فلو كان موسراً وقت الوجوب جاز له الصّوم . وعند الحنابلة وفي قول عند الشّافعيّ أنّ العبرة بوقت الوجوب لا بوقت الأداء . وفي قول آخر للشّافعيّة والحنابلة أنّه يعتبر أغلظ الأحوال من حين الوجوب إلى حين التّكفير .

تعجيل الأداء عن وقت الوجوب أو سببه :

13 - العبادات الموقّتة بوقت ، والّتي يعتبر الوقت سبباً لوجوبها ، كالصّلاة والصّيام فإنّ الوقت فيهما سبب الوجوب ؛ لقول اللّه تعالى : { أقم الصّلاة لدلوك الشّمس } ، وقوله تعالى : { فمن شهد منكم الشّهر فليصمه } . هذه العبادات لا يجوز تعجيل الأداء فيها عن وقت الوجوب ، وهذا باتّفاق . أمّا العبادات الّتي لا يعتبر الوقت سبباً لوجوبها ، وإن كان شرطاً فيها ، كالزّكاة ، أو المطلقة الوقت كالكفّارات ، فإنّ الفقهاء يختلفون في جواز تعجيل الأداء عن وقت وجوبها أو عن أسبابها : ففي الزّكاة مثلاً يجوز تعجيل الأداء قبل الحول متى تمّ النّصاب ، وذلك عند جمهور الفقهاء ، لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم تسلّف من العبّاس رضي الله عنه زكاة عامين ؛ ولأنّه حقّ مال أجّل للرّفق ، فجاز تعجيله قبل محلّه ، كالدّين المؤجّل . أمّا المالكيّة فإنّه لا يجوز عندهم إخراج الواجب قبل تمام الحول إلاّ بالزّمن اليسير كالشّهر . وصدقة الفطر يجوز تعجيلها عن وقتها عند الحنفيّة والشّافعيّة ، أمّا عند المالكيّة والحنابلة فلا يجوز إخراجها قبل وقتها إلاّ بالزّمن اليسير ، كاليوم واليومين . وكفّارة اليمين يجوز تعجيلها قبل الحنث عند الجمهور ، مع تخصيص الشّافعيّة التّقديم إذا كان بغير الصّوم ، ولا يجوز التّقديم على الحنث عند الحنفيّة . وفي الموضوع تفصيلات كثيرة تنظر في مواضعها .

النّيابة في أداء العبادات :

14 - العبادات الماليّة المحضة كالزّكاة والصّدقات والكفّارات تجوز فيها النّيابة ، سواء كان من هي عليه قادراً على الأداء بنفسه أم لا ؛ لأنّ الواجب فيها إخراج المال ، وهو يحصل بفعل النّائب .

15 - أمّا العبادات البدنيّة المحضة كالصّلاة والصّوم فلا تجوز فيها النّيابة حال الحياة باتّفاق ؛ لقول اللّه تعالى : { وأن ليس للإنسان إلاّ ما سعى } ، وقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « لا يصوم أحد عن أحد ، ولا يصلّي أحد عن أحد » ، أي في حقّ الخروج عن العهدة ، لا في حقّ الثّواب . أمّا بعد الممات فكذلك الحكم عند الحنفيّة والمالكيّة ، إلاّ ما قاله ابن عبد الحكم من المالكيّة من أنّه يجوز أن يستأجر عن الميّت من يصلّي عنه ما فاته من الصّلوات . وعند الشّافعيّة لا تجوز النّيابة عن الميّت في الصّلاة . أمّا بالنّسبة للصّوم فعندهم أنّ من فاته شيء من رمضان ، ومات قبل إمكان القضاء ، فلا شيء عليه ، أي لا يفدى عنه ولا إثم عليه ، أمّا إذا تمكّن من القضاء ، ولم يصم حتّى مات ، ففيه قولان : أحدهما أنّه لا يصحّ الصّوم عنه ، لأنّه عبادة بدنيّة ، فلا تدخلها النّيابة في حال الحياة فكذلك بعد الموت . والقول الثّاني : أنّه يجوز أن يصوم وليّه عنه ، بل يندب ، لخبر الصّحيحين أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : « من مات وعليه صوم صام عنه وليّه » وهذا الرّأي هو الأظهر . قال السّبكيّ : ويتعيّن أن يكون هو المختار والمفتى به ، والقولان يجريان في الصّيام المنذور إذا لم يؤدّ . وعند الحنابلة لا تجوز النّيابة عن الميّت في الصّلاة أو الصّيام الواجب بأصل الشّرع - أي الصّلاة المفروضة وصوم رمضان - لأنّ هذه العبادات لا تدخلها النّيابة حال الحياة ، فبعد الموت كذلك . أمّا ما أوجبه الإنسان على نفسه بالنّذر ، من صلاة أو صوم ، فإن كان لم يتمكّن من فعل المنذور ، كمن نذر صوم شهر معيّن ومات قبل حلوله ، فلا شيء عليه ، فإن تمكّن من الأداء ولم يفعل حتّى مات سنّ لوليّه فعل النّذر عنه ؛ لحديث ابن عبّاس : « جاءت امرأة إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول اللّه إنّ أمّي ماتت وعليها صوم نذر أفأصوم عنها ؟ قال : أرأيت لو كان على أمّك دين فقضيتيه أكان يؤدّي ذلك عنها ؟ قالت : نعم ، قال : فصومي عن أمّك » . ولأنّ النّيابة تدخل في العبادة بحسب خفّتها ، والنّذر أخفّ حكماً ؛ لأنّه لم يجب بأصل الشّرع . ويجوز لغير الوليّ فعل ما على الميّت من نذر بإذنه وبدون إذنه .

16 - وقد اختلف الفقهاء بالنّسبة للحجّ باعتبار ما فيه من جانب ماليّ وجانب بدنيّ . والمالكيّة - في المشهور عندهم - هم الّذين يقولون بعدم جواز النّيابة في الحجّ . أمّا بقيّة الفقهاء فتصحّ عندهم النّيابة في الحجّ ، لكنّهم يقيّدون ذلك بالعذر ، وهو العجز عن الحجّ بنفسه ؛ لما رواه ابن عبّاس « أنّ امرأةً من خثعم قالت : يا رسول اللّه إنّ فريضة اللّه على عباده في الحجّ أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يثبت على الرّاحلة أفأحجّ عنه ؟ قال : نعم » . وفي حديث آخر قال لرجل : « أرأيتك لو كان على أبيك دين ، فقضيته عنه قبل منك ؟ قال : نعم ، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم : فاللّه أرحم . حجّ عن أبيك » . وضابط العذر الّذي تصحّ معه النّيابة هو العجز الدّائم إلى الموت ، وذلك كالشّيخ الفاني والزّمن والمريض الّذي لا يرجى برؤه . فهؤلاء إذا وجدوا مالاً يلزمهم الاستنابة في الحجّ عنهم . ومن أحجّ عن نفسه للعذر الدّائم ، ثمّ زال العذر قبل الموت ، فعند الحنفيّة لم يجز حجّ غيره عنه ، وعليه الحجّ ؛ لأنّ جواز الحجّ عن الغير ثبت بخلاف القياس ، لضرورة العجز الّذي لا يرجى زواله ، فيتقيّد الجواز به . وعند الحنابلة يجزئ حجّ الغير ، ويسقط عنه الفرض ؛ لأنّه أتى بما أمر به فخرج من العهدة ، كما لو لم يبرأ . لكن ذلك مقيّد بما إذا عوفي بعد فراغ النّائب من الحجّ ، فإذا عوفي قبل فراغ النّائب فينبغي أن لا يجزئه الحجّ ؛ لأنّه قدر على الأصل قبل تمام البدل ، ويحتمل أن يجزئه ، وإن برأ قبل إحرام النّائب لم يجزئه بحال . وللشّافعيّة قولان بالإجزاء وعدمه والمريض الّذي يرجى زوال مرضه والمحبوس ونحوه إذا أحجّ عنه فعند الحنفيّة هذا الحجّ موقوف . إن مات المحجوج عنه وهو مريض أو محبوس جاز الحجّ ، وإن زال المرض أو الحبس قبل الموت لم يجز . وعند الحنابلة وفي قول للشّافعيّة : ليس له أن يستنيب أصلاً ؛ لأنّه لم ييأس من الحجّ بنفسه ، فلا تجوز فيه النّيابة كالصّحيح ، فإن خالف وأحجّ عن نفسه ، لم يجزئه ولو لم يبرأ ؛ لأنّه يرجو القدرة على الحجّ بنفسه فلم يكن به الاستنابة ، وعليه أن يحجّ عن نفسه مرّةً أخرى ، وفي القول الثّاني للشّافعيّة أنّه يجزئه إذا مات ؛ لأنّه لمّا مات تبيّنّا أنّه كان مأيوساً منه . والمشهور عند المالكيّة أنّه لا تجوز النّيابة في الحجّ مطلقاً . وقيل تصحّ النّيابة في الحجّ لغير المستطيع ، قال الباجيّ : تجوز النّيابة للمعضوب كالزّمن والهرم . وقال أشهب : إن آجر صحيح من يحجّ عنه لزمه للخلاف . وسواء فيما مرّ في المذاهب حجّ الفريضة وحجّ النّذر . والعمرة في ذلك كالحجّ .

17 - أمّا بالنّسبة لحجّ التّطوّع فعند الحنفيّة تجوز فيه الاستنابة بعذر وبدون عذر ، وعند الحنابلة إن كان لعذر جاز وإن كان لغير عذر ففيه روايتان : إحداهما يجوز ؛ لأنّها حجّة لا تلزمه بنفسه ، فجاز أن يستنيب فيها كالمعضوب . والرّواية الثّانية لا يجوز ، لأنّه قادر على الحجّ بنفسه ، فلم يجز أن يستنيب فيه كالفرض ، وللشّافعيّة قولان فيما إذا كان بعذر : أحدهما لا يجوز ؛ لأنّه غير مضطرّ إلى الاستنابة فيه ، فلم تجز الاستنابة فيه كالصّحيح ، والثّاني يجوز ، وهو الصّحيح ؛ لأنّ كلّ عبادة جازت النّيابة في فرضها جازت النّيابة في نفلها . وتكره الاستنابة في التّطوّع عن المالكيّة .

18 - وما مرّ إنّما هو بالنّسبة للحيّ . أمّا الميّت فعند الحنابلة والشّافعيّة : من مات قبل أن يتمكّن من أداء الحجّ سقط فرضه ، ولا يجب القضاء عنه ، وإن مات بعد التّمكّن من الأداء ولم يؤدّ لم يسقط الفرض ، ويجب القضاء من تركته ، لما روى بريدة قال : « أتت النّبيّ صلى الله عليه وسلم امرأة فقالت : يا رسول اللّه إنّ أمّي ماتت ، ولم تحجّ فقال لها النّبيّ صلى الله عليه وسلم : حجّي عن أمّك » ، ولأنّه حقّ تدخله النّيابة حال الحياة ، فلم يسقط بالموت ، كدين الآدميّ ، ومثل ذلك الحجّ المنذور ؛ لما روى ابن عبّاس قال : « أتى رجل النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال له : إنّ أختي نذرت أن تحجّ ، وإنّها ماتت ، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم : لو كان عليها دين أكنت قاضيه ؟ قال : نعم . قال : فاقض اللّه فهو أحقّ بالقضاء » . وعند الحنفيّة والمالكيّة : من مات ولم يحجّ فلا يجب الحجّ عنه ، إلاّ أن يوصي بذلك ، فإذا أوصى حجّ من تركته . وإذا لم يوص بالحجّ عنه ، فتبرّع الوارث بالحجّ بنفسه ، أو بالإحجاج عنه رجلاً جاز ، ولكن مع الكراهة عند المالكيّة .

تأخير الأداء عن وقت الوجوب :

19 - تأخير أداء العبادات عن وقت الوجوب دون عذر يوجب الإثم ، فإن كان من العبادات المؤقّتة بوقت محدّد ، كالصّلاة والصّيام وجب قضاؤها ، وكذلك النّذر المعيّن إذا لم يؤدّ . وإن كانت العبادات وقتها العمر ، كالزّكاة والحجّ فإنّه متى توفّرت شروط الأداء ، كحولان الحول وكمال النّصاب في الزّكاة مع إمكان الأداء ، ولم يتمّ الأداء ترتّب المال في الذّمّة ، وكذلك الحجّ إذا وجدت الاستطاعة الماليّة والبدنيّة ، ولم يؤدّ الحجّ فهو باق في ذمّته . ومثل ذلك الواجبات المطلقة كالنّذور والكفّارات مع اختلاف الفقهاء فيمن مات ، ولم يؤدّ الزّكاة أو الحجّ أو النّذر أو الكفّارة ، وكلّ ما كان واجباً ماليّاً ، وأمكن أداؤه ، ولم يؤدّ حتّى مات المكلّف ، فعند الحنفيّة والمالكيّة لا تؤدّى من تركته ، إلاّ إذا أوصى بها ، فإذا لم يوص فقد سقطت بالنّسبة لأحكام الدّنيا ، وعند الحنابلة والشّافعيّة تؤدّى من تركته وإن لم يوص . وهذا في الجملة وللتّفصيل ( ر : قضاء . حجّ . زكاة . نذر ) . هذا بالنّسبة للعبادات الواجبة سواء كانت مؤقّتةً أو غير مؤقّتة .

20 - أمّا النّفل - سواء منه المطلق أو المترتّب بسبب أو وقت - فقد اختلف الفقهاء في قضائه إذا فات : فعند الحنفيّة والمالكيّة لا يقضى شيء من السّنن سوى سنّة الفجر . واستدلّ الحنفيّة على ذلك بما روت أمّ سلمة « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم دخل حجرتي بعد العصر ، فصلّى ركعتين ، فقلت : يا رسول اللّه : ما هاتان الرّكعتان اللّتان لم تكن تصلّيهما من قبل ؟ فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : ركعتان كنت أصلّيهما بعد الظّهر » ، وفي رواية : « ركعتا الظّهر شغلني عنهما الوفد ، فكرهت أن أصلّيهما بحضرة النّاس ، فيروني . فقلت : أفأقضيهما إذا فاتتا ؟ قال : لا . » وهذا نصّ على أنّ القضاء غير واجب على الأمّة ، وإنّما هو شيء اختصّ به رسول اللّه صلى الله عليه وسلم . وقياس هذا الحديث أنّه لا يجب قضاء ركعتي الفجر أصلاً ، إلاّ أنّا استحسنّا القضاء إذا فاتتا مع الفرض ؛ لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم فعلهما مع الفرض ليلة التّعريس ، فنحن نفعل ذلك لنكون على طريقته ، وهذا بخلاف الوتر ؛ لأنّه واجب عند أبي حنيفة ، والواجب ملحق بالفرض في حقّ العمل . وعند الحنابلة قال الإمام أحمد : لم يبلغنا أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قضى شيئاً من التّطوّع إلاّ ركعتي الفجر والرّكعتين بعد العصر ، وقال القاضي وبعض الأصحاب : لا يقضى إلاّ ركعتا الفجر وركعتا الظّهر . وقال ابن حامد : تقضى جميع السّنن الرّواتب ، لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قضى بعضها وقسنا الباقي عليه . وفي شرح منتهى الإرادات : يسنّ قضاء الرّواتب إلاّ ما فات مع فرضه وكثر فالأولى تركه ، إلاّ سنّة فجر ، فيقضيها مطلقاً لتأكّدها . وللشّافعيّة قولان : أحدهما أنّ السّنن الرّاتبة لا تقضى ؛ لأنّها صلاة نفل ، فلم تقض ، كصلاة الكسوف والاستسقاء ، والثّاني تقضى لقوله صلى الله عليه وسلم : « من نام عن صلاة أو سها فليصلّها إذا ذكرها . » 21 - وأمّا قضاء سنّة الفجر إذا فاتت فعند الحنفيّة لا تقضى إلاّ إذا فاتت مع الفجر ، وإذا فاتت وحدها فلا تقضى . وعند جمهور الفقهاء تقضى سواء فاتت وحدها أو مع الفجر . واختلف في الوقت الّذي يمتدّ إليه القضاء ، فعند الحنفيّة والمالكيّة : تقضى إلى الزّوال ، وعند الحنابلة إلى الضّحى ، وعند الشّافعيّة تقضى أبداً . وهذا في الجملة . وينظر تفصيل ذلك في مكان آخر ( ر : نفل . قضاء ) .

22 - وما شرع فيه من النّفل المطلق فإنّه يجب إتمامه ، وإذا فسد يقضى . وهذا عند الحنفيّة والمالكيّة . وعند الحنابلة والشّافعيّة يستحبّ الإتمام ولا يجب ، كما أنّه يستحبّ القضاء إلاّ في تطوّع الحجّ والعمرة فيجب إتمامهما إذا شرع فيهما .

الامتناع عن الأداء :

23 - العبادات الواجبة وجوباً عينيّاً أو كفائيّاً كالصّلاة والصّيام والزّكاة والحجّ والجهاد وصلاة الجنازة تعتبر من فرائض الإسلام ومعلومة من الدّين بالضّرورة ، وقد ورد الأمر بها في كثير من آيات القرآن الكريم ، ومن ذلك قوله تعالى : { وأقيموا الصّلاة وآتوا الزّكاة } وقوله تعالى : { كتب عليكم القتال } وقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّ محمّداً رسول اللّه ، وإقام الصّلاة وإيتاء الزّكاة ، والحجّ ، وصوم رمضان » . وهذه العبادات يجب على كلّ مكلّف أداؤها على الصّفة الّتي ورد بها الشّرع . ومن امتنع عن أدائها فإن كان جاحداً لها فإنّه يعتبر كافراً يقتل كفراً بعد أن يستتاب . وإن امتنع عن أدائها كسلاً ففي العبادات البدنيّة ، كالصّلاة يؤدّب ويعزّر ، ويترك إلى أن يتضيّق الوقت ، فإن ظلّ على امتناعه قتل حدّاً لا كفراً ، وهذا عند الجمهور . وعند الحنفيّة يحبس أبداً حتّى يصلّي . وفي العبادات الماليّة كالزّكاة إن امتنع عن أدائها بخلاً فإنّها تؤخذ منه كرهاً ، ويقاتل عليها كما فعل أبو بكر رضي الله عنه بمانعي الزّكاة ، أمّا تارك الحجّ كسلاً فسواء أكان على الفور أم على التّراخي فإنّه يترك ، ولكن يؤمر به ويديّن لأنّ شرطه الاستطاعة ، وقد يكون له عذر باطنيّ لم يعرف .

24 - أمّا غير الواجبات من العبادات وهو ما يسمّى مندوباً أو سنّةً أو نافلةً فهو ما يثاب فاعله ولا يذمّ تاركه ، وهذا على الجملة ؛ لأنّ من السّنّة ما يعتبر إظهاراً للدّين ، وتركها يوجب إساءةً وكراهيةً ، وذلك كالجماعة والأذان والإقامة وصلاة العيدين ؛ لأنّها من شعائر الإسلام ، وفي تركها تهاون بالشّرع ، ولذلك لو اتّفق أهل بلدة على تركها وجب قتالهم بخلاف سائر المندوبات ؛ لأنّها تفعل فرادى .


اكتب معهد الماهر
أعلى