صفته ( حكمه التّكليفيّ ) :
10 - يختلف حكم الادّخار باختلاف الباعث عليه : فإن كان ادّخار ما يتضرّر النّاس بحبسه طلباً للرّبح ، فذلك ممّا يدخل في باب الاحتكار ( ر : احتكار ) . وإن كان لتأمين حاجات نفسه وعياله فهو الادّخار . واتّفق الفقهاء على جواز الادّخار في الجملة دون تقييد بمدّة عند الجمهور ، وهو الأوجه عند الشّافعيّة - ولهم وجه آخر أنّه يكره ادّخار ما فضل عن كفايته لمدّة سنة . ودليلهم في ذلك : ما رواه البخاريّ في كتاب النّفقات عن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه قال : « كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ينفق على أهله نفقة سنتهم من هذا المال ، ثمّ يأخذ ما بقي فيجعله مجعل مال اللّه ، فعمل بذلك رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حياته » . وبما رواه عمر بن الخطّاب رضي الله عنه « أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان يبيع نخل بني النّضير ويحبس ؛ لأهله قوت سنتهم » . على أنّ الحطّاب نقل عن النّوويّ إجماع العلماء على أنّه إن كان عند إنسان ( أي ما يحتاجه النّاس ) أو اضطرّ النّاس إليه ولم يجدوا غيره أجبر على بيعه دفعاً للضّرر عن النّاس . وهو ما يتّفق مع قاعدة : ( يتحمّل الضّرر الخاصّ لدفع ضرر عامّ ) .
ادّخار لحوم الأضاحيّ :
11 - يجوز ادّخار لحوم الأضاحيّ فوق ثلاث في قول عامّة أهل العلم . ولم يجزه عليّ ولا ابن عمر رضي الله عنهما ؛ لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم نهى عن ادّخار لحوم الأضاحيّ فوق ثلاث . وللجمهور أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : « كنت نهيتكم عن ادّخار لحوم الأضاحيّ فوق ثلاث فأمسكوا ما بدا لكم » رواه مسلم - وروت عائشة رضي الله عنها أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : « إنّما نهيتكم للدّافّة الّتي دفّت . فكلوا وتزوّدوا وتصدّقوا وادّخروا » . وقال أحمد فيه أسانيد صحاح . أمّا عليّ وابن عمر فلم يبلغهما ترخيص رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وقد كانوا سمعوا النّهي فرووا على ما سمعوا .
ادّخار الدّولة الضّروريّات لوقت الحاجة :
12 - إذا توقّعت الدّولة نزول نازلة بالمسلمين من جائحة أو قحط أو حرب أو نحو ذلك وجب عليها أن تدّخر لهم من الأقوات والضّروريّات ما ينهض بمصالحهم ، ويخفّف عنهم شدّة هذه النّازلة ، واستدلّ لذلك بقصّة يوسف عليه السلام مع ملك مصر . وقد قصّ اللّه تعالى علينا ذلك من غير نكير ، وليس في شرعنا ما يخالفه ، فقال جلّ شأنه : { يوسف أيّها الصّدّيق أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهنّ سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات لعلّي أرجع إلى النّاس لعلّهم يعلمون قال : تزرعون سبع سنين دأباً فما حصدتم فذروه في سنبله إلاّ قليلاً ممّا تأكلون ثمّ يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدّمتم لهنّ إلاّ قليلاً ممّا تحصنون } . قال القرطبيّ في تفسيره لهذه الآيات : « وهذا يدلّ على جواز احتكار الطّعام لوقت الحاجة » .
إخراج المدّخرات وقت الضّرورة :
13 - يتّفق الفقهاء على أنّ من ادّخر شيئاً من الأقوات الضّروريّة لنفسه أو لعياله واضطرّ إليه أحد غيره كان عليه بذله له إن لم يكن محتاجاً إليه حالاً ؛ لأنّ الضّرر لا يزال بالضّرر . ويأثم بإمساكه عنه مع استغنائه ، وإن كانوا قد اختلفوا هل يبذله له بالقيمة أو بدونها . ومحلّ تفصيل ذلك مصطلح : ( اضطرار ) . دليل وجوب الإخراج في هذه الحال من السّنّة ما رواه أبو سعيد الخدريّ رضي الله عنه أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال : « من كان عنده فضل زاد فليعد به على من لا زاد له » . وعن جابر بن عبد اللّه قال « : بعث رسول اللّه بعثاً قبل السّاحل فأمّر عليهم أبا عبيدة بن الجرّاح ، وهم ثلاثمائة وأنا فيهم ، فخرجنا حتّى إذا كنّا ببعض الطّريق فني الزّاد ، فأمر أبو عبيدة بأزواد ذلك الجيش ، فجمع ذلك كلّه ، فكان مزودي تمر ، فكان يقوتنا كلّ يوم قليلاً قليلاً حتّى فني ، فلم يكن يصيبنا إلاّ تمرة تمرة ، فقلت : وما تغني تمرة ، فقال : لقد وجدنا فقدها حين فنيت » - أخرجه البخاريّ في أوّل كتاب الشّركة . قال في عمدة القاريّ : قال القرطبيّ : جمع أبي عبيدة الأزواد وقسمها بالسّويّة إمّا أن يكون حكماً حكم به لمّا شاهد من الضّرورة ، وخوفه من تلف من لم يبق معه زاد ، فظهر أنّه وجب على من معه أن يواسي من ليس له زاد ، أو يكون عن رضاً منهم ، وقد فعل ذلك غير مرّة سيّدنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم .
ادّخار غير الأقوات :
14 - ادّخار غير الأقوات الضّروريّة جائز بالاتّفاق كالأمتعة والأواني ونحو ذلك . وعلى الدّولة أن تدّخر من غير الضّروريّة ما قد ينقلب ضروريّاً في وقت من الأوقات كالخيل مثلاً والكراع والسّلاح ونحو ذلك ، فإنّه غير ضروريّ في أوقات السّلم ، ولكنّه يصبح ضروريّاً أيّام الحرب ، وعلى الدّولة بذله للمحتاج حين اضطراره إليه .
ادّعاء
انظر : دعوى .
ادّهان
التّعريف
1 - الادّهان في اللّغة : الاطّلاء بالدّهن ، والدّهن ما يدهن به من زيت وغيره . والاطّلاء أعمّ من الادّهان ؛ لأنّه يكون بالدّهن وغيره ، كالاطّلاء بالنّورة . ولا يخرج استعمال الفقهاء له عن المعنى اللّغويّ . الحكم الإجماليّ :
2 - الادّهان بالطّيب أو بغيره ممّا لا نجاسة فيه مستحبّ في الجملة بالنّسبة للإنسان ، إذ هو من التّجمّل المطلوب لكلّ مسلم ، وهو من الزّينة الّتي يشملها قول اللّه تعالى : { قل من حرّم زينة اللّه الّتي أخرج لعباده } . وقد رويت في الحثّ على الادّهان أحاديث كثيرة ، منها قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « استاكوا عرضاً وادّهنوا غبّاً » وورد أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يكثر دهن رأسه ولحيته . ويستحبّ أن يكون الادّهان غبّاً ، وهو أن يدهن ، ثمّ يترك حتّى يجفّ الدّهن ، ثمّ يدهن ثانياً ، وقيل : يدهن يوماً ويوماً لا . ويتأكّد استحباب الادّهان لصلاة الجمعة ، والعيد ، ومجامع النّاس . وسواء في ذلك الرّجال والصّبيان والعبيد ، إلاّ النّساء ، فلا يجوز لمن أراد منهنّ حضور الجمعة . ويستثنى من الحكم بعض الحالات الّتي يحرم فيها الادّهان أو يكره ، كحالات الإحرام بالحجّ أو العمرة والاعتكاف ، والصّوم ، والإحداد بالنّسبة للمرأة .
3 - أمّا الادّهان بالنّسبة لغير الإنسان ، كدهن الحبل ، والعجلة ، والسّفينة ، والنّعل ، وغير ذلك ، فهو جائز بما لا نجاسة فيه ، أمّا المتنجّس ففيه خلاف على أساس جواز الانتفاع بالمتنجّس أو عدم الانتفاع به . مواطن البحث :
4 - للادّهان أحكام متعدّدة في كثير من المسائل الفقهيّة مفصّلة أحكامها في أبوابها ، ومن ذلك ادّهان المحرم في باب الحجّ ، والمعتكف في باب الاعتكاف ، والصّائم في باب الصّوم ، والمحدّة في باب العدّة . كذلك الادّهان بالمتنجّس في باب الطّهارة والنّجاسة .
إدراك
التّعريف
1 - يطلق الإدراك في اللّغة ويراد به اللّحوق والبلوغ في الحيوان ، والثّمر ، والرّؤية . واسم المصدر منه الدّرك بفتح الرّاء . والمدرك بضمّ الميم يكون مصدراً واسم زمان ومكان ، تقول : أدركته مدركاً ، أي إدراكاً ، وهذا مدركه ، أي موضع إدراكه أو زمانه . وقد استعمل الفقهاء الإدراك في هذه المعاني اللّغويّة ، ومن ذلك قولهم : أدركه الثّمن ، أي لزمه ، وهو لحوق معنويّ ، وأدرك الغلام : أي بلغ الحلم ، وأدركت الثّمار : أي نضجت . والدّرك بفتحتين ، وسكون الرّاء لغة فيه : اسم من أدركت الشّيء ، ومنه ضمان الدّرك . ويطلق بعض الفقهاء الإدراك ويريد به الجذاذ . وقد استعمل الأصوليّون والفقهاء ( مدارك الشّرع ) بمعنى مواضع طلب الأحكام ، وهي حيث يستدلّ بالنّصوص ، كالاجتهاد ، فإنّه مدرك من مدارك الشّرع .
( الألفاظ ذات الصّلة )
اللاّحق والمسبوق :
2 - يفرّق بعض الفقهاء بين المدرك للصّلاة مثلاً واللاّحق بها والمسبوق ، مع أنّ الإدراك واللّحاق في اللّغة مترادفان . فالمدرك للصّلاة من صلاّها كاملةً مع الإمام ، أي أدرك جميع ركعاتها معه ، سواء أدرك التّحريمة أو أدركه في جزء من ركوع الرّكعة الأولى . واللاّحق من فاتته الرّكعات كلّها أو بعضها بعذر بعد اقتدائه . أمّا المسبوق فهو من سبقه الإمام بكلّ الرّكعات أو بعضها .
( الحكم الإجماليّ )
3 - يختلف الحكم الإجماليّ للإدراك تبعاً للاستعمالات الفقهيّة أو الأصوليّة ، فاستعماله الأصوليّ سبقت الإشارة إليه عند الكلام عن مدارك الشّريعة ، وتفصيله في الملحق الأصوليّ . أمّا الاستعمال الفقهيّ فيصدق على أمور عدّة . فإدراك الفريضة : اللّحوق بها وأخذ أجرها كاملاً عند إتمامها على الوجه الأكمل ، مع الخلاف بأيّ شيء يكون الإدراك . وإدراك فضيلة صلاة الجماعة عند جمهور الفقهاء يكون باشتراك المأموم مع الإمام في جزء من صلاته ، ولو آخر القعدة الأخيرة قبل السّلام ، فلو كبّر قبل سلام إمامه فقد أدرك فضل الجماعة . أمّا المالكيّة فعندهم تدرك الصّلاة ويحصل فضلها بإدراك ركعة كاملة مع الإمام .
4 - وفي المعاملات نجد في الجملة القاعدة التّالية : وهي أنّ من أدرك عين ماله عند آخر فهو أحقّ به من كلّ أحد ، إذا ثبت أنّه ملكه بالبيّنة ، أو صدّقه من في يده العين . ويندرج تحت هذه القاعدة مسألة ( ضمان الدّرك ) وهو الرّجوع بالثّمن عند استحقاق المبيع . فعند جمهور الفقهاء يصحّ ضمان الدّرك ؛ لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « من وجد عين ماله عند رجل فهو أحقّ به ، ويتبع البيع من باعه » ، ولكون الحاجة تدعو إليه . مواطن البحث :
5 - يبحث الفقهاء مصطلح ( إدراك ) في كثير من المواطن . فمسألة إدراك الصّلاة بحثت في الصّلاة عند الحديث عن إدراك ركعة في آخر الوقت : ( إدراك الفريضة ، صلاة الجمعة ، صلاة الجماعة ، صلاة الخوف ) ، ومسألة إدراك الوقوف بعرفة في الحجّ عند الحديث عن الوقوف بعرفة ، ومسألة زكاة الثّمرة إذا أدركت في الزّكاة عند الحديث عن زكاة الثّمار ، وضمان الدّرك عند الشّافعيّة في الضّمان ، وعند المالكيّة في البيع ، وعند الحنفيّة في الكفالة ، أمّا الحنابلة ويسمّونه عهدة المبيع - فبحثوه في السّلم ، عند الحديث عن أخذ الضّمان على عهدة المبيع ، ومسألة إدراك الغلام والجارية في الحجر ، عند الحديث عن بلوغ الغلام ، ومسألة بيع الثّمر على الشّجر قبل الإدراك وبعده في المساقاة ، عند الحديث عن إدراك الثّمر ، ومسألة إدراك الصّيد حيّاً في الصّيد والذّبائح .
إدلاء
التّعريف
1 - في اللّغة : أدلى الدّلو أرسلها في البئر ليستقي بها ، وأدلى بحجّته أحضرها ، وأدلى إليه بماله دفعه ، وأدلى إلى الميّت بالبنوّة وصل بها ، والإدلاء إرسال الدّلو في البئر ، ثمّ استعير في إرسال كلّ شيء مجازاً . ولا يخرج استعمال الفقهاء للإدلاء عن المعنى اللّغويّ . الحكم الإجماليّ ومواطن البحث :
2 - أغلب استعمال الفقهاء للفظ : ( إدلاء ) في بابي الإرث والحضانة ، فيذكرون الإدلاء بالنّسب وهم يقصدون الصّلة الّتي تصل الإنسان بالميّت أو بالمحضون ، ويقدّمون من يدلي بنفسه على من يدلي بغيره ، ومن يدلي بجهتين على من يدلي بجهة واحدة .
إدمان
انظر : خمر - مخدّر .
أذًى
التّعريف
1 - الأذى في اللّغة يطلق على الشّيء تكرهه ولا تقرّه ، ومنه القذر . ويطلق أيضاً على الأثر الّذي يتركه ذلك الشّيء إذا كان أثراً يسيراً ، جاء في تاج العروس عن الخطّابيّ : الأذى : المكروه اليسير . والأذى يرد في استعمال الفقهاء بهذين المعنيين أيضاً ، فهم يطلقونه على الشّيء المؤذي ، وقد ورد في حديث رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : « وأدناها إماطة الأذى عن الطّريق » .
( الألفاظ ذات الصّلة ) : أ - الضّرر :
2 - الشّرّ عندما يكون يسيراً يسمّيه أهل اللّغة " أذًى " ، وعندما يكون جسيماً يسمّونه " ضرراً » . قال في تاج العروس : « الأذى : الشّرّ الخفيف ، فإن زاد فهو ضرر » . أمّا الفقهاء فإنّ استعمالهم العامّ لهاتين الكلمتين ( أذًى ، ضرر ) يدلّ على أنّهم يعتمدون هذا الفرق ويراعونه في كلامهم ، فهم يقولون : على الطّائف حول الكعبة ألاّ يؤذي في طوافه أحداً ، ويقولون : على المسلمين ألاّ يؤذوا أحداً من أهل الهدنة ما داموا في هدنتهم ، ونحو ذلك كثير في كتب الفقه . بينما هم يقولون : لا يجوز لمريض أن يفطر إن كان لا يتضرّر بالصّوم . ويقولون : ضمان الضّرر ، ولا يقولون : ضمان الأذى ، كما هو معروف في كتاب الضّمان من كتب الفقه . فنسبة الأذى للضّرر كنسبة الصّغائر إلى الكبائر . الحكم الإجماليّ ومواطن البحث : أ - الأذى بمعنى الضّرر البسيط :
3 - الأذى حرام ، وتركه واجب بالاتّفاق ما لم يعارض بما هو أشدّ ، فعندئذ يرتكب الأذى ، عملاً بالقاعدة المتّفق عليها : يرتكب أخفّ الضّررين لاتّقاء أشدّهما . وقد ذكر الفقهاء ذلك في مواطن كثيرة منها : كتاب الحجّ ، عند كلامهم على لمس الحجر الأسود ، وفي كتاب الرّقّ ، عند كلامهم على معاملة الرّقيق ، وفي كتاب الحظر والإباحة عند الحنفيّة الكثير من هذا القبيل .
ب - الأذى بمعنى الشّيء المؤذي :
4 - يندب إزالة الأشياء المؤذية للمسلمين أينما وجدت ، فقد اعتبر الرّسول صلى الله عليه وسلم إماطة الأذى عن الطّريق من الإيمان بقوله : « الإيمان بضع وسبعون شعبةً أفضلها لا إله إلاّ اللّه ، وأدناها إماطة الأذى عن الطّريق » . « وقال أبو برزة : يا رسول اللّه دلّني على عمل يدخلني الجنّة . قال : اعزل الأذى عن طريق المسلمين » . ومن أراد أن يمرّ بنبله في مكان يكثر فيه النّاس فعليه أن يمسك بنصله ؛ لئلاّ يؤذي أحداً من المسلمين . ومن رأى على أخيه أذًى فعليه أن يميطه عنه ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : « إنّ أحدكم مرآة أخيه ، فإن رأى به أذًى فليمطه عنه » . والمولود يحلق شعره في اليوم السّابع ويماط عنه الأذى . ويقتل الحيوان المؤذي ولو وجد في الحرم ، كفّاً لأذاه عن النّاس .
5 - الأشياء المؤذية إذا وجدت في بلاد الحرب فإنّها لا تزال إضعافاً للكفّار المحاربين ، فلا يقتل الحيوان المؤذي في بلادهم ، كما نصّ على ذلك الفقهاء في كتاب الجهاد .
أذان
التّعريف
1 - الأذان لغةً : الإعلام ، قال اللّه تعالى : { وأذّن في النّاس بالحجّ } أي أعلمهم به وشرعاً : الإعلام بوقت الصّلاة المفروضة ، بألفاظ معلومة مأثورة ، على صفة مخصوصة . أو الإعلام باقترابه بالنّسبة للفجر فقط عند بعض الفقهاء .
( الألفاظ ذات الصّلة ) : أ - الدّعوة - النّداء :
2 - كلا اللّفظين يتّفق مع الأذان في المعنى العامّ وهو النّداء والدّعاء وطلب الإقبال .
ب - الإقامة :
3 - للإقامة في اللّغة معان عدّة ، منها الاستقرار ، والإظهار ، والنّداء وإقامة القاعد . وهي في الشّرع : إعلام بالقيام إلى الصّلاة بألفاظ معلومة مأثورة على صفة مخصوصة .
ج - التّثويب :
4 - التّثويب في اللّغة : الرّجوع ، وهو في الأذان : العود إلى الإعلام بعد الإعلام ، وهو زيادة عبارة : ( الصّلاة خير من النّوم ) مرّتين بعد الحيعلتين في أذان الصّبح عند جميع الفقهاء ، أو زيادة عبارة ( حيّ على الصّلاة حيّ على الفلاح ) بين الأذان والإقامة ، كما يقول الحنفيّة . صفته ( حكمه التّكليفيّ ) :
5 - اتّفق الفقهاء على أنّ الأذان من خصائص الإسلام وشعائره الظّاهرة ، وأنّه لو اتّفق أهل بلد على تركه قوتلوا ، ولكنّهم اختلفوا في حكمه ، فقيل : إنّه فرض كفاية ، وهو الصّحيح عند كلّ من الحنابلة في الحضر والمالكيّة على أهل المصر ، واستظهره بعض المالكيّة في مساجد الجماعات ، وهو رأي للشّافعيّة ورواية عن الإمام أحمد . كذلك نقل عن بعض الحنفيّة أنّه واجب على الكفاية ، بناءً على اصطلاحهم في الواجب . واستدلّ القائلون بذلك بقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « إذا حضرت الصّلاة فليؤذّن لكم أحدكم وليؤمّكم أكبركم » ، والأمر هنا يقتضي الوجوب على الكفاية ؛ ولأنّه من شعائر الإسلام الظّاهرة ، فكان فرض كفاية كالجهاد وقيل : إنّه سنّة مؤكّدة وهو الرّاجح عند الحنفيّة ، والأصحّ عند الشّافعيّة وبه قال بعض المالكيّة للجماعة الّتي تنتظر آخرين ليشاركوهم في الصّلاة ، وفي السّفر على الصّحيح عند الحنابلة ، ومطلقاً في رواية عن الإمام أحمد ، وهي الّتي مشى عليها الخرقيّ . واستدلّ القائلون بذلك بقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم للأعرابيّ المسيء صلاته : افعل كذا وكذا ولم يذكر الأذان مع أنّه صلى الله عليه وسلم ذكر الوضوء واستقبال القبلة وأركان الصّلاة . وعلى كلا الرّأيين لو أنّ قوماً صلّوا بغير أذان صحّت صلاتهم وأثموا ، لمخالفتهم السّنّة وأمر النّبيّ صلى الله عليه وسلم . وقيل هو فرض كفاية في الجمعة دون غيرها وهو رأي للشّافعيّة والحنابلة ؛ لأنّه دعاء للجماعة ، والجماعة واجبة في الجمعة ، سنّة في غيرها عند الجمهور .