الرد على الموضوع

بدء مشروعيّة الأذان :

6 - شرع الأذان بالمدينة في السّنة الأولى من الهجرة على الأصحّ ؛ للأحاديث الصّحيحة الواردة في ذلك ، ومنها ما رواه مسلم عن عبد اللّه بن عمر أنّه قال : « كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحيّنون الصّلاة وليس ينادي بها أحد فتكلّموا يوماً في ذلك ، فقال بعضهم : اتّخذوا ناقوساً مثل ناقوس النّصارى ، وقال بعضهم : قرناً مثل قرن اليهود ، فقال عمر رضي الله عنه : أولا تبعثون رجلاً ينادي بالصّلاة ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : يا بلال قم فناد بالصّلاة » ، « ثمّ جاءت رؤيا عبد اللّه بن زيد قال : لمّا أمر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بالنّاقوس ليعمل حتّى يضرب به ليجتمع النّاس للصّلاة طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوساً ، فقلت له : يا عبد اللّه أتبيع النّاقوس ؟ فقال : ما تصنع به ؟ قلت : ندعو به للصّلاة ، فقال : ألا أدلّك على ما هو خير من ذلك ؟ ، قلت : بلى ، قال : تقول : اللّه أكبر اللّه أكبر ، فذكر الأذان والإقامة ، فلمّا أصبحت أتيت النّبيّ صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما رأيت ، فقال : إنّها لرؤيا حقّ إن شاء اللّه ، فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت فليؤذّن به » . وقيل : إنّ الأذان شرع في السّنة الثّانية من الهجرة . وقيل : إنّه شرع بمكّة قبل الهجرة ، وهو بعيد لمعارضته الأحاديث الصّحيحة . وقد اتّفقت الأمّة الإسلاميّة على مشروعيّة الأذان ، والعمل به جار منذ عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا بلا خلاف .

حكمة مشروعيّة الأذان :

7 - شرع الأذان للإعلام بدخول وقت الصّلاة ، وإعلاء اسم اللّه بالتّكبير ، وإظهار شرعه ورفعة رسوله ، ونداء النّاس إلى الفلاح والنّجاح . فضل الأذان :

8 - الأذان من خير الأعمال الّتي تقرّب إلى اللّه تعالى ، وفيه فضل كثير وأجر عظيم ، وقد وردت في فضله أحاديث كثيرة ، منها ما رواه أبو هريرة عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنّه قال : « لو يعلم النّاس ما في النّداء والصّفّ الأوّل ثمّ لم يجدوا إلاّ أن يستهموا عليه لاستهموا » . وقوله صلى الله عليه وسلم : « المؤذّنون أطول النّاس أعناقاً يوم القيامة » . وقد فضّله بعض فقهاء الحنابلة والمالكيّة والشّافعيّة على الإمامة للأخبار الّتي وردت فيه قالوا : ولم يتولّه النّبيّ صلى الله عليه وسلم ولا خلفاؤه لضيق وقتهم ، ولهذا قال عمر بن الخطّاب : لولا الخلافة لأذّنت .

9 - ونظراً لما فيه من فضل ودعوة الرّسول صلى الله عليه وسلم إلى الإقبال عليه فقد ذكر الفقهاء أنّه إذا تشاحّ أكثر من واحد على الأذان قدّم من توافرت فيه شرائط الأذان ، فإن تساووا أقرع بينهم ، كما ورد في الحديث السّابق . وقد تشاحّ النّاس في الأذان يوم القادسيّة فأقرع بينهم سعد .

ألفاظ الأذان :

10 - ألفاظ الأذان الّتي وردت في حديث عبد اللّه بن زيد في رؤياه الّتي قصّها على النّبيّ صلى الله عليه وسلم هي الّتي أخذ بها الحنفيّة والحنابلة وهي : اللّه أكبر اللّه أكبر ، اللّه أكبر اللّه أكبر ، أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، أشهد أنّ محمّداً رسول اللّه ، أشهد أنّ محمّداً رسول اللّه ، حيّ على الصّلاة ، حيّ على الصّلاة ، حيّ على الفلاح ، حيّ على الفلاح اللّه أكبر اللّه أكبر ، لا إله إلاّ اللّه . هكذا حكى عبد اللّه بن زيد أذان ( الملك ) النّازل من السّماء ، ووافقه عمر وجماعة من الصّحابة ، فقال له رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت ، فليؤذّن به فإنّه أندى صوتاً منك " وأخذ الشّافعيّة بحديث أبي محذورة ، وهو بنفس الألفاظ الّتي وردت في حديث عبد اللّه بن زيد ، مع زيادة التّرجيع . وذهب المالكيّة وأبو يوسف ومحمّد بن الحسن من الحنفيّة إلى أنّ التّكبير في أوّل الأذان مرّتان فقط مثل آخره وليس أربعاً ؛ لأنّه عمل السّلف بالمدينة ، ولرواية أخرى عن عبد اللّه بن زيد فيها التّكبير في أوّل الأذان مرّتين فقط .

التّرجيع في الأذان :

11 - التّرجيع هو أن يخفض المؤذّن صوته بالشّهادتين مع إسماعه الحاضرين ، ثمّ يعود فيرفع صوته بهما . وهو مكروه تنزيهاً في الرّاجح عند الحنفيّة ؛ لأنّ بلالاً لم يكن يرجّع في أذانه ، ولأنّه ليس في أذان الملك النّازل من السّماء . وهو سنّة عند المالكيّة وفي الصّحيح عند الشّافعيّة ؛ لوروده في حديث أبي محذورة ، وهي الصّفة الّتي علّمها له النّبيّ صلى الله عليه وسلم ، وعليها السّلف والخلف . وقال الحنابلة : إنّه مباح ولا يكره الإتيان به لوروده في حديث أبي محذورة . وبهذا أيضاً قال بعض الحنفيّة والثّوريّ وإسحاق ، وقال القاضي حسين من الشّافعيّة : إنّه ركن في الأذان .

التّثويب :

12 - التّثويب هو أن يزيد المؤذّن عبارة ( الصّلاة خير من النّوم ) مرّتين بعد الحيعلتين في أذان الفجر ، أو بعد الأذان كما يقول بعض الحنفيّة ، وهو سنّة عند جميع الفقهاء ، « لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم لأبي محذورة : فإذا كان صلاة الصّبح قلت : الصّلاة خير من النّوم ، الصّلاة خير من النّوم » ، كذلك « لمّا أتى بلال رضي الله عنه النّبيّ صلى الله عليه وسلم يؤذنه بالصّبح فوجده راقداً فقال : الصّلاة خير من النّوم مرّتين ، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم : ما أحسن هذا يا بلال ، اجعله في أذانك » . وخصّ التّثويب بالصّبح لما يعرض للنّائم من التّكاسل بسبب النّوم . وأجاز بعض الحنفيّة وبعض الشّافعيّة التّثويب في الصّبح والعشاء ؛ لأنّ العشاء وقت غفلة ونوم كالفجر وأجازه بعض الشّافعيّة في جميع الأوقات ؛ لفرط الغفلة على النّاس في زماننا ، وهو مكروه في غير الفجر عند المالكيّة والحنابلة ، وهو المذهب عند الحنفيّة والشّافعيّة ، وذلك لما روي عن بلال أنّه قال : « أمرني رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن أثوّب في الفجر ونهاني أن أثوّب في العشاء » . ودخل ابن عمر مسجداً يصلّي فيه فسمع رجلاً يثوّب في أذان الظّهر فخرج ، فقيل له : أين ؟ فقال : أخرجتني البدعة . هذا هو التّثويب الوارد في السّنّة .

13 - وقد استحدث علماء الكوفة من الحنفيّة بعد عهد الصّحابة تثويباً آخر ، وهو زيادة الحيعلتين أي عبارة " حيّ على الصّلاة ، حيّ على الفلاح " مرّتين بين الأذان والإقامة في الفجر ، واستحسنه متقدّمو الحنفيّة في الفجر فقط ، وكره عندهم في غيره ، والمتأخّرون منهم استحسنوه في الصّلوات كلّها - إلاّ في المغرب لضيق الوقت - وذلك لظهور التّواني في الأمور الدّينيّة وقالوا : إنّ التّثويب بين الأذان والإقامة في الصّلوات يكون بحسب ما يتعارفه أهل كلّ بلد ، بالتّنحنح ، أو الصّلاة ، الصّلاة ، أو غير ذلك . كذلك استحدث أبو يوسف جواز التّثويب ؛ لتنبيه كلّ من يشتغل بأمور المسلمين ومصالحهم ، كالإمام والقاضي ونحوهما ، فيقول المؤذّن بعد الأذان : السّلام عليك أيّها الأمير ، حيّ على الصّلاة ، حيّ على الفلاح ، الصّلاة يرحمك اللّه وشارك أبا يوسف في هذا الشّافعيّة وبعض المالكيّة ، وكذلك الحنابلة إن لم يكن الإمام ونحوه قد سمع الأذان ، واستبعده محمّد بن الحسن ؛ لأنّ النّاس سواسية في أمر الجماعة وشاركه في ذلك بعض المالكيّة .

14 - وأمّا ما يقوم به بعض المؤذّنين من التّسبيح والدّعاء والذّكر في آخر اللّيل فقد اعتبره بعض فقهاء المالكيّة بدعةً حسنةً ، وقال عنه الحنابلة : إنّه من البدع المكروهة ، ولا يلزم فعله ولو شرطه الواقف لمخالفته السّنّة .

الصّلاة على النّبيّ صلى الله عليه وسلم بعد الأذان :

15 - يرى الشّافعيّة والحنابلة أنّ الصّلاة على النّبيّ صلى الله عليه وسلم من المؤذّن بعد الأذان سنّة ، وعندهم يسنّ للمؤذّن متابعة قوله سرّاً مثله كالمستمع ليجمع بين أداء الأذان والمتابعة ، وروي عن الإمام أحمد أنّه كان إذا أذّن فقال كلمةً من الأذان قال مثلها سرّاً ؛ ليكون ما يظهره أذاناً ودعاءً إلى الصّلاة ، وما يسرّه ذكراً للّه تعالى فيكون بمنزلة من سمع الأذان . بذلك يمكن أن يشمل المؤذّن الأمر الوارد في قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « إذا سمعتم المؤذّن فقولوا مثل ما يقول ، ثمّ صلّوا عليّ فإنّه من صلّى عليّ صلاةً صلّى اللّه عليه بها عشراً ، ثمّ سلوا اللّه لي الوسيلة فإنّها منزلة في الجنّة لا ينبغي أن تكون إلاّ لعبد من عباد اللّه وأرجو أن أكون أنا هو ، فمن سأل اللّه لي الوسيلة حلّت عليه الشّفاعة » . واعتبره الحنفيّة والمالكيّة بدعةً حسنةً وقد ذكر الشّيخ أحمد البشبيشيّ في رسالته المسمّاة بالتّحفة السّنّيّة في أجوبة الأسئلة المرضيّة أنّ أوّل ما زيدت الصّلاة والسّلام على النّبيّ صلى الله عليه وسلم بعد كلّ أذان على المنارة زمن السّلطان المنصور حاجي بن الأشرف شعبان وذلك في شعبان سنة 791 هـ وكان قد حدث قبل ذلك في أيّام السّلطان يوسف صلاح الدّين بن أيّوب أن يقال قبل أذان الفجر في كلّ ليلة بمصر والشّام : السّلام عليك يا رسول اللّه واستمرّ ذلك إلى سنة 777 هـ فزيد فيه بأمر المحتسب صلاح الدّين البرلّسيّ أن يقال : الصّلاة والسّلام عليك يا رسول اللّه ثمّ جعل ذلك عقب كلّ أذان سنة ( 791 ) هـ .

النّداء بالصّلاة في المنازل :

16 - يجوز للمؤذّن أن يقول عند شدّة المطر أو الرّيح أو البرد : ألا صلّوا في رحالكم ، ويكون ذلك بعد الأذان ، وقد روي أنّ ابن عمر أذّن بالصّلاة في ليلة ذات برد وريح ، ثمّ قال : ألا صلّوا في الرّحال ، ثمّ قال : « إنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان يأمر المؤذّن إذا كانت ليلة ذات برد ومطر أن يقول : ألا صلّوا في الرّحال » ، وروي أيضاً أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : « إذا ابتلّت النّعال فالصّلاة في الرّحال » .

شرائط الأذان

يشترط في الأذان للصّلاة ما يأتي : دخول وقت الصّلاة :

17 - دخول وقت الصّلاة المفروضة شرط للأذان ، فلا يصحّ الأذان قبل دخول الوقت - إلاّ في الأذان لصلاة الفجر على ما سيأتي - لأنّ الأذان شرع للإعلام بدخول الوقت ، فإذا قدّم على الوقت لم يكن له فائدة ، وإذا أذّن المؤذّن قبل الوقت أعاد الأذان بعد دخول الوقت ، إلاّ إذا صلّى النّاس في الوقت وكان الأذان قبله فلا يعاد . وقد روي « أنّ بلالاً أذّن قبل طلوع الفجر فأمره النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن يرجع فينادي : ألا إنّ العبد قد نام ، فرجع فنادى : ألا إنّ العبد قد نام » . والمستحبّ إذا دخل الوقت أن يؤذّن في أوّله ، ليعلم النّاس فيأخذوا أهبتهم للصّلاة ، وكان بلال لا يؤخّر الأذان عن أوّل الوقت أمّا بالنّسبة للفجر فذهب مالك والشّافعيّ وأحمد وأبو يوسف من الحنفيّة إلى أنّه يجوز الأذان للفجر قبل الوقت ، في النّصف الأخير من اللّيل عند الشّافعيّة والحنابلة وأبي يوسف ، وفي السّدس الأخير عند المالكيّة . ويسنّ الأذان ثانياً عند دخول الوقت لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « إنّ بلالاً يؤذّن بليل فكلوا واشربوا حتّى يؤذّن ابن أمّ مكتوم » . وعند الحنفيّة - غير أبي يوسف - لا يجوز الأذان لصلاة الفجر إلاّ عند دخول الوقت ، ولا فرق بينها وبين غيرها من الصّلوات ؛ لما روى شدّاد مولى عياض بن عامر أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال لبلال : « لا تؤذّن حتّى يستبين لك الفجر » .

18 - وأمّا الجمعة فمثل باقي الصّلوات لا يجوز الأذان لها قبل دخول الوقت ، وللجمعة أذانان ، أوّلهما عند دخول الوقت ، وهو الّذي يؤتى به من خارج المسجد - على المئذنة ونحوها - وقد أمر به سيّدنا عثمان رضي الله عنه حين كثر النّاس . والثّاني وهو الّذي يؤتى به إذا صعد الإمام على المنبر ، ويكون داخل المسجد بين يدي الخطيب ، وهذا هو الّذي كان في عهد النّبيّ صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر وعمر حتّى أحدث عثمان الأذان الثّاني . وكلا الأذانين مشروع إلاّ ما روي عن الشّافعيّ من أنّه استحبّ أن يكون للجمعة أذان واحد عند المنبر . هذا وقد اختلف الفقهاء فيما يتعلّق بأذاني الجمعة من أحكام وأيّهما المعتبر في تحريم البيع ( ر : بيع ، وصلاة الجمعة ) .

النّيّة في الأذان :

19 - نيّة الأذان شرط لصحّته عند المالكيّة والحنابلة لحديث : « إنّما الأعمال بالنّيّات » ، ولذلك لو أخذ شخص في ذكر اللّه بالتّكبير ثمّ بدا له عقب ما كبّر أن يؤذّن فإنّه يبتدئ الأذان من أوّله ، ولا يبني على ما قال . والنّيّة ليست شرطاً عند الشّافعيّة على الأرجح ولكنّها مندوبة ، إلاّ أنّه يشترط عندهم عدم الصّارف فلو قصد تعليم غيره لم يعتدّ به . أمّا الحنفيّة فلا تشترط عندهم النّيّة لصحّة الأذان وإن كانت شرطاً للثّواب عليه .

أداء الأذان باللّغة العربيّة :

20 - اشترط الحنفيّة والحنابلة كون الأذان باللّفظ العربيّ على الصّحيح ولا يصحّ الإتيان به بأيّ لغة أخرى ولو علم أنّه أذان . أمّا الشّافعيّة فعندهم إن كان يؤذّن لجماعة وفيهم من يحسن العربيّة لم يجز الأذان بغيرها ، ويجزئ إن لم يوجد من يحسنها ، وإن كان يؤذّن لنفسه فإن كان يحسن العربيّة لا يجزئه الأذان بغيرها وإن كان لا يحسنها أجزأه . ولم يظهر للمالكيّة نصّ في هذه المسألة .

خلوّ الأذان من اللّحن :

21 - اللّحن الّذي يغيّر المعنى في الأذان كمدّ همزة اللّه أكبر أو بائه يبطل الأذان ، فإن لم يغيّر المعنى فهو مكروه وهذا عند الجمهور ، وهو مكروه عند الحنفيّة قال ابن عابدين : اللّحن الّذي يغيّر الكلمات لا يحلّ فعله .

التّرتيب بين كلمات الأذان :

22 - يقصد بالتّرتيب أن يأتي المؤذّن بكلمات الأذان على نفس النّظم والتّرتيب الوارد في السّنّة دون تقديم أو تأخير لكلمة أو جملة على الأخرى ، ومذهب الجمهور أنّ التّرتيب عندهم واجب فإن فعل المؤذّن ذلك استأنف الأذان من أوّله ؛ لأنّ ترك التّرتيب يخلّ بالإعلام المقصود ، ولأنّه ذكر يعتدّ به فلا يجوز الإخلال بنظمه ، وقيل : إنّه يجوز أن يبني على المنتظم منه ، فلو قدّم الشّهادة بالرّسالة على الشّهادة بالتّوحيد أعاد الشّهادة بالرّسالة ، وإن كان الاستئناف أولى . أمّا الحنفيّة فعندهم التّرتيب سنّة ، فلو قدّم في الأذان جملةً على الأخرى أعاد ما قدّم فقط ولا يستأنفه من أوّله .

الموالاة بين ألفاظ الأذان :

23 - الموالاة في الأذان هي المتابعة بين ألفاظه بدون فصل بقول أو فعل ، ومن الفصل بين ألفاظه ما يحدث دون إرادة كالإغماء أو الرّعاف أو الجنون . والفصل بين كلمات الأذان بأيّ شيء كسكوت أو نوم أو كلام أو إغماء أو غيره ، إن كان يسيراً فلا يبطل الأذان ويبني على ما مضى ، وهذا عند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ، أمّا عند الشّافعيّة فيسنّ استئناف الأذان في غير السّكوت والكلام . هذا مع اتّفاق الفقهاء على كراهة الكلام اليسير إن كان لغير سبب أو ضرورة . أمّا إذا طال الفصل بين كلمات الأذان بكلام كثير ، ولو مضطرّاً إليه كإنقاذ أعمى ، أو نوم طويل أو إغماء أو جنون فيبطل الأذان ويجب استئنافه ، وهذا عند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة وهو طريقة الخراسانيّين من الشّافعيّة ، قال الرّافعيّ : والأشبه وجوب الاستئناف عند طول الفصل ، وقطع العراقيّون من الشّافعيّة بعدم البطلان مع استحباب الاستئناف . وألحق الحنابلة بحالات بطلان الأذان ووجوب استئنافه الفصل بالكلام اليسير الفاحش كالشّتم والقذف .

رفع الصّوت بالأذان :

24 - أوجب الشّافعيّة والحنابلة رفع الصّوت بالأذان ؛ ليحصل السّماع المقصود للأذان ، وهو كذلك رأي للحنفيّة ، وهذا إذا كان الغرض إعلام غير الحاضرين بصلاة الجماعة ، أمّا من يؤذّن لنفسه أو لحاضر معه فلا يشترط رفع الصّوت به إلاّ بقدر ما يسمع نفسه أو يسمعه الحاضر معه ، وقد قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم لأبي سعيد الخدريّ « إنّي أراك تحبّ الغنم والبادية ، فإذا كنت في غنمك وباديتك فأذّنت بالصّلاة فارفع صوتك بالنّداء ، فإنّه لا يسمع مدى صوت المؤذّن جنّ ولا إنس إلاّ شهد له يوم القيامة » وهو سنّة عند المالكيّة وهو الرّاجح عند الحنفيّة ، فإنّ « النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال لعبد اللّه بن زيد : علّمه بلالاً فإنّه أندى وأمدّ صوتاً منك » .

25 - هذا وقد اتّفق الفقهاء على أنّه لا ينبغي أن يجهد المؤذّن نفسه بما فوق طاقته مبالغةً في رفع صوته بالأذان خشية حدوث بعض الأمراض له .

26 - ولكي يكون الأذان مسموعاً ومحقّقاً للغرض منه استحبّ الفقهاء أن يكون الأذان من فوق مكان مرتفع يساعد على انتشار الصّوت بحيث يسمعه أكبر عدد ممكن من النّاس كالمئذنة ونحوها .

سنن الأذان استقبال القبلة :

27 - يسنّ استقبال القبلة حال الأذان ، وهو مذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ، وهو الرّاجح عند المالكيّة ، ولو ترك الاستقبال يجزئه ويكره ، لتركه السّنّة المتواترة ؛ لأنّ مؤذّني النّبيّ صلى الله عليه وسلم كانوا يؤذّنون مستقبلي القبلة ، وجاز عند بعض كلّ من المالكيّة والحنابلة الدّوران حال الأذان إذا كان ذلك أسمع لصوته ، لأنّ المقصود هو الإعلام ، وعند الحنفيّة وبعض المالكيّة إذا لم يتمّ الإعلام بتحويل وجهه عند الحيعلتين فقط مع ثبات قدميه فإنّه يستدير بجسمه في المئذنة . وعند الحيعلتين أي قوله ( حيّ على الصّلاة ، حيّ على الفلاح ) يسنّ أن يلتفت المؤذّن فيحوّل وجهه - فقط دون استدارة جسمه - يميناً ويقول : حيّ على الصّلاة مرّتين ، ثمّ يحوّل وجهه شمالاً وهو يقول : حيّ على الفلاح مرّتين ، هكذا كان أذان بلال وبهذا قال الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة وبعض المالكيّة .

التّرسّل أو التّرتيل :

28 - التّرسّل هو التّمهّل والتّأنّي ، ويكون بسكتة - تسع الإجابة - بين كلّ جملتين من جمل الأذان ، على أن يجمع بين كلّ تكبيرتين بصوت ويفرد باقي كلماته ؛ للأمر بذلك في قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « إذا أذّنت فترسّل » ، ولأنّ المقصود من الأذان هو إعلام الغائبين بدخول وقت الصّلاة ، والتّرسّل أبلغ في ذلك من الإسراع وقد لخصّ ابن عابدين ما في مسألة حركة راء التّكبيرات فقال " الحاصل أنّ التّكبيرة الثّانية في الأذان ساكنة الرّاء للوقف حقيقةً ورفعها خطأ ، وأمّا التّكبيرة الأولى من كلّ تكبيرتين منه وجميع تكبيرات الإقامة فقيل محرّكة الرّاء بالفتحة على نيّة الوقف ، وقيل بالضّمّة إعراباً ، وقيل ساكنة بلا حركة على ما هو ظاهر كلام الأمداد والزّيلعيّ والبدائع وجماعة من الشّافعيّة ، والّذي يظهر الإعراب لما ذكره عن الطّلبة ، ولما في الأحاديث المشتهرة للجراحيّ أنّه سئل السّيوطيّ عن هذا الحديث فقال هو غير ثابت كما قال الحافظ ابن حجر ، وإنّما هو من قول إبراهيم النّخعيّ ، ومعناه كما قال جماعة منهم الرّافعيّ وابن الأثير أنّه لا يمدّ . وإطلاق الجزم على حذف الحركة الإعرابيّة لم يكن معهوداً في الصّدر الأوّل ، وإنّما هو اصطلاح حادث فلا يصحّ الحمل عليه » .

صفات المؤذّن ما يشترط فيه من الصّفات : الإسلام :

29 - إسلام المؤذّن شرط لصحّته ، فلا يصحّ أذان الكافر ؛ لأنّه ليس من أهل العبادة ؛ ولأنّه لا يعتقد الصّلاة الّتي يعتبر الأذان دعاءً لها ، فإتيانه بالأذان ضرب من الاستهزاء ، وهذا باتّفاق ، ولا يعتدّ بأذانه ، وفي حكم إسلامه لو أذّن ينظر مصطلح : ( إسلام ) .

الذّكورة :

30 - من الشّروط الواجبة في المؤذّن أن يكون رجلاً ، فلا يصحّ أذان المرأة ؛ لأنّ رفع صوتها قد يوقع في الفتنة ، وهذا عند الجمهور في الجملة ، ولا يعتدّ بأذانها لو أذّنت . واعتبر الحنفيّة الذّكورة من السّنن ، وكرهوا أذان المرأة ، واستحبّ الإمام أبو حنيفة إعادة الأذان لو أذّنت ، وفي البدائع : لو أذّنت للقوم أجزأ ، ولا يعاد ، لحصول المقصود ، وأجاز بعض الشّافعيّة أذانها لجماعة النّساء دون رفع صوتها .

العقل :

31 - يشترط في المؤذّن أن يكون عاقلاً ، فلا يصحّ الأذان من مجنون وسكران لعدم تمييزهما ، ويجب إعادة الأذان لو وقع منهما ؛ لأنّ كلامهما لغو ، وليسا في الحال من أهل العبادة ، وهذا عند الجمهور ، وكره الحنفيّة أذان غير العاقل ، واستحبّ في ظاهر الرّواية إعادة أذانه .

البلوغ :

32 - الصّبيّ غير العاقل ( أي غير المميّز ) لا يجوز أذانه باتّفاق ؛ لأنّ ما يصدر منه لا يعتدّ به ، أمّا الصّبيّ المميّز فيجوز أذانه عند الحنفيّة ( مع كراهته عند أبي حنيفة ) والشّافعيّة ، وهو إحدى الرّوايتين عند الحنابلة ، وهو أيضاً مذهب المالكيّة إذا اعتمد على بالغ عدل في معرفة دخول الوقت .

ما يستحبّ أن يتّصف به المؤذّن :

33 - يستحبّ أن يكون المؤذّن طاهراً من الحدث الأصغر والأكبر ؛ لأنّ الأذان ذكر معظّم ، فالإتيان به مع الطّهارة أقرب إلى التّعظيم ، ولحديث أبي هريرة مرفوعاً : « لا يؤذّن إلاّ متوضّئ » ، ويجوز أذان المحدث مع الكراهة بالنّسبة للحدث الأكبر عند جميع الفقهاء ، وعند المالكيّة والشّافعيّة بالنّسبة للحدث الأصغر كذلك .

34 - ويستحبّ أن يكون عدلاً ؛ لأنّه أمين على المواقيت ، وليؤمّن نظره إلى العورات . ويصحّ أذان الفاسق مع الكراهة ، وفي وجه عند الحنابلة لا يعتدّ بأذان ظاهر الفسق ؛ لأنّه لا يقبل خبره ، وفي الوجه الآخر يعتدّ بأذانه ؛ لأنّه تصحّ صلاته بالنّاس ، فكذا أذانه .

35 - ويستحبّ أن يكون صيّتاً ، أي حسن الصّوت ، « لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم لعبد اللّه بن زيد : فقم مع بلال ، فألق عليه ما رأيت ، فإنّه أندى صوتاً منك » ؛ ولأنّه أبلغ في الإعلام ، هذا مع كراهة التّمطيط والتّطريب .

36 - ويستحبّ أن يجعل أصبعيه في أذنيه حال الأذان ؛ لما روي « أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أمر بلالاً بذلك وقال : إنّه أرفع لصوتك » .

37 - ويستحبّ أن يؤذّن قائماً ، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم لبلال : « قم فأذّن بالصّلاة » ، قال ابن المنذر : أجمع كلّ من نحفظ عنه أنّه من السّنّة ؛ لأنّه أبلغ في الإسماع . ولا يؤذّن قاعداً إلاّ لعذر ، أو كان الأذان لنفسه كما يقول الحنفيّة ، ويكره أن يؤذّن راكباً إلاّ في سفر ، وأجاز أبو يوسف والمالكيّة أذان الرّاكب في الحضر 38 - ويستحبّ أن يكون عالماً بأوقات الصّلاة ؛ ليتحرّاها فيؤذّن في أوّلها ، حتّى كان البصير أفضل من الضّرير ، لأنّ الضّرير لا علم له بدخول الوقت 39 - ويستحبّ أن يكون المؤذّن هو المقيم ؛ لما ورد في حديث « زياد بن الحارث الصّدائيّ ، حين أذّن فأراد بلال أن يقيم ، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم : إنّ أخا صداء قد أذّن ، ومن أذّن فهو يقيم » .


اكتب معهد الماهر
أعلى