الرد على الموضوع

40 - ويستحبّ أن يؤذّن محتسباً ، ولا يأخذ على الأذان أجراً ؛ لأنّه استئجار على الطّاعة ، وقد ورد في الخبر : « من أذّن سبع سنين محتسباً كتبت له براءة من النّار » ، وإذا لم يوجد متطوّع رزق الإمام من بيت المال من يقوم به ؛ لحاجة المسلمين إليه . 41 - وبالنّسبة للإجارة على الأذان فقد أجازه متأخّرو الحنفيّة ، للحاجة إليه ، وأجازه كذلك الإمام مالك وبعض الشّافعيّة ، وهو رواية عن الإمام أحمد ( ر : إجارة ) .

ما يشرع له الأذان من الصّلوات :

42 - الأصل أنّ الأذان شرع للصّلوات المفروضة في حال الحضر والسّفر والجماعة والانفراد ، أداءً وقضاءً ، وهذا باتّفاق ، إلاّ ما قاله المالكيّة من أنّه يكره الأذان للفائتة ، وما قاله بعضهم من أنّه لا أذان في الحضر للمنفرد ، وللجماعة غير المسافرة المجتمعين بموضع ولا يريدون دعاء غيرهم ؛ لأنّ الأذان إنّما جعل ليدعى به الغائب ، ولا غائب حتّى يدعى . ويندب لهم الأذان في السّفر ويتفرّع على هذا الأصل بعض الفروع الّتي اختلف فيها الفقهاء وهي : الأذان للفوائت :

43 - سبق أنّ مذهب المالكيّة كراهة الأذان للفوائت ، وأمّا غيرهم فإنّ الفائتة الواحدة يؤذّن لها عند الحنفيّة والحنابلة ، وهو المعتمد عند الشّافعيّة ؛ لما روى أبو قتادة الأنصاريّ رضي الله عنه وفيه قال : « فمال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن الطّريق ، فوضع رأسه ، ثمّ قال : احفظوا علينا صلاتنا ، فكان أوّل من استيقظ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم والشّمس في ظهره . قال : فقمنا فزعين . ثمّ قال : اركبوا فركبنا ، فسرنا ، حتّى إذا ارتفعت الشّمس نزل . ثمّ دعا بميضأة كانت معي فيها شيء من ماء . قال فتوضّأ منها وضوءاً دون وضوء . قال : وبقي فيها شيء من ماء . ثمّ قال لأبي قتادة : احفظ علينا ميضأتك ، فسيكون لها نبأ ثمّ أذّن بلال بالصّلاة ، فصلّى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ركعتين ، ثمّ صلّى الغداة ، فصنع كما كان يصنع كلّ يوم » .

44 - أمّا إذا تعدّدت الفوائت فعند الحنفيّة : الأولى أن يؤذّن ويقيم لكلّ صلاة ، وعند الحنابلة وهو المعتمد عند الشّافعيّة يستحبّ أن يؤذّن للأولى فقط ويقيم لما بعدها ، وذلك جائز عند الحنفيّة أيضاً . وقد اختلفت الرّوايات في قضاء رسول اللّه صلى الله عليه وسلم الصّلوات الّتي فاتته يوم الخندق ، ففي بعضها أنّه أمر بلالاً ، فأذّن وأقام لكلّ صلاة ، وفي بعضها أنّه أذّن وأقام للأولى ، ثمّ أقام لكلّ صلاة بعدها ، وفي بعضها أنّه اقتصر على الإقامة لكلّ صلاة . وبهذه الرّواية الأخيرة أخذ الشّافعيّ على ما جاء في الأمّ ، ولكن المعتمد في المذهب خلاف ذلك ، وورد عن الشّافعيّ في الإملاء أنّه إن أمل اجتماع النّاس أذّن وأقام ، وإن لم يؤمّل أقام ؛ لأنّ الأذان يراد لجمع النّاس ، فإذا لم يؤمل الجمع لم يكن للأذان وجه .

الأذان للصّلاتين المجموعتين :

45 - إذا جمعت صلاتان في وقت إحداهما ، كجمع العصر مع الظّهر في وقت الظّهر بعرفة ، وكجمع المغرب مع العشاء بمزدلفة ، فإنّه يؤذّن للأولى فقط ؛ لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « صلّى المغرب والعشاء بمزدلفة بأذان وإقامتين » . وهذا عند الحنفيّة والحنابلة ، وهو المعتمد عند الشّافعيّة ، وهو قول بعض المالكيّة ، ولكن الأشهر عندهم أنّه يؤذّن لكلّ صلاة منهما .

الأذان في مسجد صلّيت فيه الجماعة

46 - لو أقيمت جماعة في مسجد فحضر قوم لم يصلّوا فالصّحيح عند الشّافعيّة أنّه يسنّ لهم الأذان دون رفع الصّوت لخوف اللّبس - سواء أكان المسجد مطروقاً أم غير مطروق ، وعند الحنابلة يستوي الأمر ، إن أرادوا أذّنوا وأقاموا ، وإلاّ صلّوا بغير أذان ، وقد روي عن أنس أنّه دخل مسجداً قد صلّوا فيه فأمر رجلاً فأذّن وأقام فصلّى بهم في جماعة . ويفصّل الحنفيّة فيقولون : إن كان المسجد له أهل معلومون وصلّى فيه غير أهله بأذان وإقامة لا يكره لأهله أن يعيدوا الأذان والإقامة إذا صلّوا ، وإن صلّى فيه أهله بأذان وإقامة أو بعض أهله يكره لغير أهله وللباقين من أهله أن يعيدوا الأذان والإقامة إذا صلّوا ، وإن كان المسجد ليس له أهل معلومون بأن كان على الطّريق لا يكره تكرار الأذان والإقامة فيه . ويقول المالكيّة : من أتى بعد صلاة الجماعة صلّى بغير أذان .

تعدّد المؤذّنين :

47 - يجوز أن يتعدّد المؤذّن في المسجد الواحد ، ولا يستحبّ الزّيادة على اثنين ؛ لأنّ الّذي حفظ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه كان له مؤذّنان بلال وابن أمّ مكتوم ، إلاّ أن تدعو الحاجة إلى الزّيادة عليهما فيجوز ، فقد روي عن عثمان أنّه كان له أربعة مؤذّنين ، وإن دعت الحاجة إلى أكثر من ذلك كان مشروعاً . وكيفيّة أذانهم أنّه إذا كان الواحد يسمع النّاس فالمستحبّ أن يؤذّن واحد بعد واحد ، لأنّ مؤذّني النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان أحدهما يؤذّن بعد الآخر ، وإذا كان الإعلام لا يحصل بواحد أذّنوا بحسب ما يحتاج إليه ، إمّا أن يؤذّن كلّ واحد في منارة أو ناحية أو أذّنوا دفعةً واحدةً في موضع واحد ، وإن خافوا من تأذين واحد بعد الآخر فوات أوّل الوقت أذّنوا جميعاً دفعةً واحدةً .

ما يعلن به عن الصّلوات الّتي لم يشرع لها الأذان :

48 - اتّفق الفقهاء على أنّ الأذان إنّما شرع للصّلوات المفروضة ، ولا يؤذّن لصلاة غيرها كالجنازة والوتر والعيدين وغير ذلك ؛ لأنّ الأذان للإعلام بدخول وقت الصّلاة ، والمكتوبات هي المخصّصة بأوقات معيّنة ، والنّوافل تابعة للفرائض ، فجعل أذان الأصل أذاناً للتّبع تقديراً ، أمّا صلاة الجنازة فليست بصلاة على الحقيقة ، إذ لا قراءة فيها ولا ركوع ولا سجود . وممّا ورد في ذلك ما في مسلم عن جابر بن سمرة قال : « صلّيت مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم العيد غير مرّة ولا مرّتين بغير أذان ولا إقامة » .

49 - أمّا كيفيّة النّداء لهذه الصّلوات الّتي لا أذان لها فقد ذكر الشّافعيّة أنّه بالنّسبة للعيدين والكسوف والاستسقاء والتّراويح إذا صلّيت جماعةً - وفي وجه للشّافعيّة بالنّسبة لصلاة الجنازة - فإنّه ينادى لها : الصّلاة جامعة ، وهو رأي الحنابلة بالنّسبة للعيد والكسوف والاستسقاء ، وهو مذهب الحنفيّة والمالكيّة بالنّسبة لصلاة الكسوف ، وعند بعض المالكيّة بالنّسبة لصلاة العيدين ، واستحسن عياض ما استحسنه الشّافعيّ ، وهو أن ينادى لكلّ صلاة لا يؤذّن لها : الصّلاة جامعة . وممّا استدلّ به الفقهاء حديث عائشة قالت : « خسفت الشّمس على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فبعث منادياً ينادي الصّلاة جامعة » .

إجابة المؤذّن والدّعاء بعد الإجابة

50 - يسنّ لمن سمع الأذان متابعته بمثله ، وهو أن يقول مثل ما يقول ، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « إذا سمعتم المؤذّن فقولوا مثل ما يقول المؤذّن » ويسنّ أن يقول عند الحيعلة : لا حول ولا قوّة إلاّ باللّه . فقد روى عمر بن الخطّاب ، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : « إذا قال المؤذّن : اللّه أكبر اللّه أكبر فقال أحدكم : اللّه أكبر اللّه أكبر . ثمّ قال : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه قال : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه . ثمّ قال : أشهد أنّ محمّداً رسول اللّه . قال : أشهد أنّ محمّداً رسول اللّه . ثمّ قال : حيّ على الصّلاة . قال : لا حول ولا قوّة إلاّ باللّه . ثمّ قال : حيّ على الفلاح . قال : لا حول ولا قوّة إلاّ باللّه . ثمّ قال : اللّه أكبر اللّه أكبر . قال : اللّه أكبر اللّه أكبر . ثمّ قال : لا إله إلاّ اللّه . قال : لا إله إلاّ اللّه ، من قلبه - دخل الجنّة » . ولأنّ حيّ على الصّلاة ، حيّ على الفلاح خطاب فإعادته عبث . وفي التّثويب وهو قول : « الصّلاة خير من النّوم " في أذان الفجر يقول : صدقت وبررت - بكسر الرّاء الأولى - ثمّ يصلّي على النّبيّ صلى الله عليه وسلم ثمّ يقول : اللّهمّ ربّ هذه الدّعوة التّامّة والصّلاة القائمة آت محمّداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الّذي وعدته . والأصل في ذلك حديث ابن عمر مرفوعاً : « إذا سمعتم المؤذّن فقولوا مثل ما يقول ، ثمّ صلّوا عليّ فإنّه من صلّى عليّ صلاةً صلّى اللّه عليه بها عشراً ، ثمّ سلوا اللّه لي الوسيلة ، فإنّها منزلة في الجنّة لا ينبغي أن تكون إلاّ لعبد من عباد اللّه ، وأرجو أن أكون أنا هو ، فمن سأل اللّه لي الوسيلة حلّت عليه الشّفاعة » ، ثمّ يدعو بعد الأذان بما شاء ، لحديث أنس مرفوعاً : « الدّعاء لا يردّ بين الأذان والإقامة » " ، ويقول عند أذان المغرب : اللّهمّ هذا إقبال ليلك وإدبار نهارك وأصوات دعاتك فاغفر لي . ولو سمع مؤذّناً ثانياً أو ثالثاً استحبّ له المتابعة أيضاً . وما سبق هو باتّفاق إلاّ أنّ المشهور عند المالكيّة أن يحكي السّامع لآخر الشّهادتين فقط ، ولا يحكي التّرجيع ، ولا يحكي الصّلاة خير من النّوم ولا يبدّلها بصدقت وبررت ، ومقابل المشهور أنّه يحكي لآخر الأذان .

الأذان لغير الصّلاة :

51 - شرع الأذان أصلاً للإعلام بالصّلاة إلاّ أنّه قد يسنّ الأذان لغير الصّلاة تبرّكاً واستئناساً أو إزالةً لهمّ طارئ والّذين توسّعوا في ذكر ذلك هم فقهاء الشّافعيّة فقالوا : يسنّ الأذان في أذن المولود حين يولد ، وفي أذن المهموم فإنّه يزيل الهمّ ، وخلف المسافر ، ووقت الحريق ، وعند مزدحم الجيش ، وعند تغوّل الغيلان وعند الضّلال في السّفر ، وللمصروع ، والغضبان ، ومن ساء خلقه من إنسان أو بهيمة ، وعند إنزال الميّت القبر قياساً على أوّل خروجه إلى الدّنيا . وقد رويت في ذلك بعض الأحاديث منها ما روى أبو رافع : « رأيت النّبيّ صلى الله عليه وسلم أذّن في أذن الحسن حين ولدته فاطمة » ، كذلك روي أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : « من ولد له مولود فأذّن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى لم تضرّه أمّ الصّبيان » . وروى أبو هريرة أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : « إنّ الشّيطان إذا نودي بالصّلاة أدبر » ... إلخ . وقد ذكر الحنابلة مسألة الأذان في أذن المولود فقط ونقل الحنفيّة ما ذكره الشّافعيّ ولم يستبعدوه ، قال ابن عابدين : لأنّ ما صحّ فيه الخبر بلا معارض مذهب للمجتهد وإن لم ينصّ عليه ، وكره الإمام مالك هذه الأمور واعتبرها بدعةً ، إلاّ أنّ بعض المالكيّة نقل ما قاله الشّافعيّة ثمّ قالوا : لا بأس بالعمل به .

إذخر

التّعريف

1 - الإذخر نبات طيّب الرّائحة . الحكم الإجماليّ :

2 - لا يحلّ قطع شيء من شجر حرم مكّة الّذي نبت دون تدخّل الإنسان ، ويستثنى من ذلك الإذخر ، فإنّه يجوز قطعه ، لاستثناء رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إيّاه للحاجة إليه فيما رواه البخاريّ ومسلم عن ابن عبّاس رضي الله عنهما عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال « : حرّم اللّه مكّة فلم تحلّ لأحد قبلي ولا لأحد بعدي ، أحلّت لي ساعة من نهار ، لا يختلى خلاها ولا يعضد شجرها ، ولا ينفّر صيدها ولا تلتقط لقطتها إلاّ لمعرّف ، قال العبّاس : إلاّ الإذخر لصاغتنا وقبورنا ، فقال : إلاّ الإذخر » ، وفي رواية « لقبورنا وبيوتنا » . وإذا جاز قطعه واستعماله فإنّ هذا الاستعمال يشترط ألاّ يكون في التّطيّب . وقد ذكر ذلك الفقهاء في الحجّ في باب ما يحظر في الحرم من الصّيد وقطع الشّجر ونحو ذلك .

!إذكار

انظر : ذكر .

أذن

التّعريف

1 - الأذن : بضمّ الذّال وسكونها ، عضو السّمع ، وهو معنًى متّفق عليه بين الفقهاء وأهل اللّغة . وإذا كانت الأذن عضو السّمع ، فإنّ السّمع هو إدراك الأصوات المسموعة وشتّان ما بينهما . الحكم الإجماليّ ، ومواطن البحث :

2 - الأذن عضو السّمع ، وفي الجسد منه اثنتان في العادة . ويترتّب على ذلك أحكام هي : أ - يطلب الأذان في أذن المولود اليمنى ، والإقامة في أذنه اليسرى ، ليكون الأذان بما فيه من التّوحيد الخالص أوّل ما يقرع سمعه ، وقد ورد الحديث الشّريف بذلك ، ويذكر الفقهاء هذا غالباً في الأذان عند كلامهم على المواطن الّتي يسنّ فيها الأذان ، وذكره بعضهم في الأضحيّة عند كلامهم على العقيقة .

ب - يرى الفقهاء عدم إباحة سماع المنكر ، ويرون وجوب كفّ السّمع عن سماعه ، حتّى إذا مرّ المرء بمكان لا مناص له من المرور فيه ، وفيه شيء من هذه المنكرات ، وضع أصابعه في آذانه لئلاّ يسمع شيئاً منها . كما فعل ابن عمر رضي الله عنه ، فقد روى نافع قال : إنّ ابن عمر سمع صوت مزمار راع فوضع أصبعيه في أذنيه وعدل راحلته عن الطّريق وهو يقول : يا نافع أتسمع ؟ فأقول : نعم ، فيمضي ، حتّى قلت : لا ، فرفع يده وعدل راحلته إلى الطّريق وقال : « رأيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم سمع زمّارة راع فصنع مثل هذا » .

ج - وإذا كانت الأذن غير السّمع وهي آلته ، فإنّ الجناية على الأذن الواحدة توجب القصاص في العمد ، ونصف الدّية في الخطأ حتّى ولو بقي السّمع سليماً . فإن ذهب السّمع أيضاً مع الأذن بجناية واحدة لم يجب أكثر من نصف الدّية . وقد فصّل الفقهاء ذلك في كتاب الجنايات ، وفي الدّيات .

هل الأذنان من الرّأس ؟

3 - في اعتبار الأذنين من الرّأس أو من الوجه خلاف بين الفقهاء ويترتّب على ذلك الاختلاف في حكم مسح الأذنين ، هل هو واجب أم غير واجب ؟ وهل يجزئ مسحهما بماء الرّأس أم لا يجزئ ؟ وفصّل الفقهاء القول في ذلك في كيفيّة المسح في باب الوضوء .

داخل الأذنين :

4 - اختلف الفقهاء في اعتبار داخل الأذن من الجوف . وبناءً على ذلك اختلفوا في إفطار الصّائم بإدخال شيء إلى باطن الأذن إذا لم يصل إلى حلقه . وفصّلوا الكلام في ذلك في كتاب الصّيام في باب ما يفطر الصّائم .

هل يعبّر بالأذن عن الجسد كلّه ؟

5 - اتّفق الفقهاء على أنّ الأذن عضو من البدن لا يعبّر به عن الكلّ ، وفرّعوا على ذلك أنّ المرء إذا أضاف الظّهار أو الطّلاق أو العتق ونحوها إلى الأذن لا يقع ما قصد إليه . كما يؤخذ ذلك من كلامهم في الأبواب المذكورة .

هل الأذن من العورة ؟

6 - اتّفق الفقهاء على أنّ الأذن في المرأة من العورة ، ولا يجوز إظهارها للأجنبيّ . وما اتّصل بها من الزّينة - كالقرط - هو من الزّينة الباطنة الّتي لا يجوز إظهارها أيضاً إلاّ ما حكاه القرطبيّ عن ابن عبّاس والمسور بن مخرمة وقتادة من اعتبار القرط من الزّينة الظّاهرة الّتي يجوز إظهارها . واتّفقوا كذلك على أنّ الأذن موضع للزّينة في المرأة دون الرّجل ، ولذلك أباحوا ثقب أذن الجارية لإلباسها القرط . وليس لذلك مكان محدّد في كتب الفقه ، وقد ذكره الحنفيّة في كتاب الحظر والإباحة ، وذكره القليوبيّ في كتاب الصّيال ، وذكره بعضهم فيما يحقّ للوليّ فعله في الصّغير المولى عليه .

7 - واتّفق الفقهاء على عدم إجزاء مقطوعة الأذن في الأضحيّة والهدي ، واختلفوا فيما لو تعيّبت أذنها عيباً فاحشاً ، فأجازها البعض ولم يجزها البعض الآخر . ومحلّ تفصيل ذلك في كتاب الأضاحيّ من كتب الفقه .

8 - يستحبّ للمؤذّن أن يضع يديه في أذنيه أثناء الأذان . وقد نصّ الفقهاء على ذلك في كتاب الأذان عند كلامهم على ما يستحبّ للمؤذّن .

9 - ويسنّ للرّجل رفع يديه إلى حذاء أذنيه ، عند البعض ، في تكبيرة الإحرام وتكبيرات الانتقال في الصّلاة . وقد ذكر الفقهاء ذلك في كتاب الصّلاة .

10 - ذكر الفقهاء أنّ وسم الحيوانات لغاية مشروعة - كعدم اختلاطها بغيرها - مباح ، ويرى الشّافعيّة أنّ أفضل مكان لوسم الغنم هو آذانها ، لقلّة الشّعر فيها . وقد ذكروا هذه المسألة في باب قسم الصّدقات .

11 - وما يسيل من الأذن في حالة المرض نجس ، وفي انتقاض الوضوء به خلاف بين الفقهاء مبنيّ على خلافهم في انتقاض الوضوء بكلّ خارج نجس من البدن ، وقد تكلّموا على ذلك في باب الوضوء عند كلامهم على نواقض الوضوء .

إذن

التّعريف

1 - من معاني الإذن في اللّغة : إطلاق الفعل والإباحة . ولم يخرج الفقهاء في استعمالهم للإذن عن المعنى اللّغويّ . الألفاظ ذات الصّلة : أ - الإباحة :

2 - الإباحة هي التّخيير بين الفعل والتّرك دون ترتّب ثواب أو عقاب . ويذكرها الأصوليّون عند الكلام على الحكم وأقسامه باعتبارها من أقسام الحكم الشّرعيّ عند جمهور الأصوليّين . ولهم في ذلك تفصيلات كثيرة من حيث تقسيم الإباحة ، وتقسيم متعلّقها وهو المباح ( انظر : الملحق الأصوليّ ) . والفقهاء كذلك يفسّرون الإباحة بالمعنى السّابق الّذي ذكره الأصوليّون . وأيضاً يستعمل الفقهاء الإذن والإباحة بمعنًى واحد ، وهو ما يفيد إطلاق التّصرّف فقد قال الجرجانيّ : الإباحة هي الإذن بالإتيان بالفعل كيف شاء الفاعل . وقال ابن قدامة : من نثر على النّاس نثاراً كان إذناً في التقاطه وأبيح أخذه ، وفسّر الشّيخ عليش : المباح بالمأذون فيه . وإذا كان الإذن يستعمل بمعنى الإباحة فلأنّ الإباحة مرجعها الإذن . فالإذن هو أصل الإباحة . ولولا صدور ما يدلّ على الإذن لما كان الفعل جائز الوقوع ، فالإباحة الشّرعيّة حكم شرعيّ عند جمهور الأصوليّين ، ويتوقّف وجوده على الشّرع . وبذلك يتبيّن أنّ الإباحة تكون بمقتضى الإذن سواء أكان صريحاً أم ضمناً ، وسواء أكان من الشّارع أم من العباد بعضهم لبعض .

ب - الإجازة :

3 - الإجازة معناها الإمضاء يقال : أجاز أمره إذا أمضاه وجعله جائزاً ، وأجزت العقد جعلته جائزاً ونافذاً . والإذن هو إجازة الإتيان بالفعل . فالإجازة والإذن كلاهما يدلّ على الموافقة على الفعل إلاّ أنّ الإذن يكون قبل الفعل ، والإجازة تكون بعد وقوعه .

ج - الأمر :

4 - الأمر من معانيه لغةً : الطّلب ، واصطلاحاً : طلب الفعل على سبيل الاستعلاء . فكلّ أمر يتضمّن إذناً بالأولويّة .

أقسام الإذن

الإذن قد يكون عامّاً وقد يكون خاصّاً ، والعموم والخصوص قد يكون بالنّسبة للمأذون له ، وقد يكون بالنّسبة للموضوع أو الوقت أو الزّمان .

أ - الإذن بالنّسبة للمأذون له :

5 - الإذن قد يكون عامّاً بالنّسبة للشّخص المأذون له ، وذلك كمن ألقى شيئاً وقال : من أخذه فهو له فلمن سمعه أو بلغه ذلك القول أن يأخذه ، وكمن وضع الماء على بابه ، فإنّه يباح الشّرب منه لمن مرّ به من غنيّ أو فقير ، وكذا من غرس شجرةً في موضع لا ملك فيه لأحد ، ولم يقصد الإحياء ، فقد أباح للنّاس ثمارها . وكأن يجعل الإمام للمسلمين موضعاً لوقوف الدّوابّ فيه ، فلكلّ مسلم حقّ الوقوف فيه ؛ لأنّه مأذون من السّلطان . ومن ذلك الدّعوة العامّة للوليمة . وقد يكون الإذن خاصّاً بشخص ، كمن يقول : هذا الشّيء صدقة لفلان ، أو كالوقف على أهل مذهب معيّن لصرف غلّة الوقف عليهم ، أو تخصيص أحد الضّيفان بطعام خاصّ ، أو اقتصار الدّعوة على بعض النّاس .

ب - الإذن بالنّسبة للتّصرّف والوقت والمكان :

6 - قد يكون الإذن عامّاً بالنّسبة للتّصرّف والوقت والمكان ، وقد يكون خاصّاً ، فإذن السّيّد لعبده في التّجارة يعتبر عند الحنفيّة والمعتمد عند المالكيّة إذناً عامّاً يجيز للعبد المأذون له التّصرّف في سائر التّجارات ما عدا التّبرّعات ، حتّى لو أذن له في نوع من أنواع التّجارات فهو مأذون في جميعها ، خلافاً لزفر ؛ لأنّ الإذن عند الحنفيّة إسقاط الحقّ ، والإسقاطات لا تتوقّت بوقت ، ولا تتخصّص بنوع دون نوع ، ولا بمكان دون مكان ، فلو أذن له يوماً صار مأذوناً مطلقاً حتّى يحجر عليه ، وكذلك لو قال له : أذنت لك في التّجارة في البرّ دون البحر ، إلاّ أنّه إذا أمره بشراء شيء خاصّ كأن يقول له : اشتر بدرهم لحماً لنفسك أو اشتر كسوةً ففي الاستحسان يقتصر على ما أذن له فيه ؛ لأنّ هذا من باب الاستخدام ، يقول ابن عابدين : اعلم أنّ الإذن بالتّصرّف إذن بالتّجارة وبالشّخص استخدام . وعند الشّافعيّة والحنابلة وبعض المالكيّة وزفر من الحنفيّة يتقيّد الإذن بالنّسبة للعبد ، فلا يصير العبد مأذوناً إلاّ فيما أذن له فيه سيّده ؛ لأنّ تصرّفه مستفاد من الإذن ، فاقتصر على المأذون فيه ، فإذا أذن له في التّجارة في نوع ، كالثّياب ، أو في وقت كشهر كذا أو في بلد فلا يجوز له أن يتجاوزه ، كالوكيل وعامل القراض ؛ لأنّه متصرّف بالإذن من جهة الآدميّ ، فوجب أن يختصّ بما أذن له فيه ، فإن لم ينصّ على شيء وتصرّف حسب المصلحة عند الشّافعيّة فيتصرّف في كلّ الأنواع والأزمنة والبلدان . وأمثلة الإذن الخاصّ والعامّ كثيرة كما في الوكالة والقراض والشّركة والإعارة والإجارة وغيرها ، وتنظر في أبوابها .


اكتب معهد الماهر
أعلى