الرد على الموضوع

د - زوال الملك بالبيع :

22 - إذا أراد السّيّد بيع الأمة فلا يخلو حاله من أمرين : إمّا أن يكون قد وطئها قبل ذلك أو لا . أمّا الأمة الّتي لم يطأها فيجوز له أن يبيعها بدون استبراءٍ . واستحبّ الإمام أحمد استبراءها . وأمّا الأمة الّتي كان يستمتع بها سيّدها ويطؤها ، فمذهب مالكٍ أنّ استبراءها واجبٌ على السّيّد قبل البيع . ويفصّل أحمد بين اليائسة وغيرها . ودليله : أنّ عمر بن الخطّاب أنكر على عبد الرّحمن بن عوفٍ بيع جاريةٍ كان يطؤها قبل استبرائها . وذهب الشّافعيّة إلى أنّ الاستبراء في هذه الحالة سنّةٌ ، وذلك قبل بيعه لها ؛ ليكون على بصيرةٍ منها . وقال الحنفيّة : إنّه مستحبٌّ .

هـ - الاستبراء بسوء الظّنّ :

23 - قال المازريّ : وكلّ من جاز حملها ففي استبرائها قولان . ومثّل له بأمثلةٍ منها : استبراء الأمة خوف أن تكون زنت ، وهو المعبّر عنه بالاستبراء لسوء الظّنّ .

مدّة الاستبراء :

المستبرأة لها أحوالٌ منها : الحرّة ، والأمة الّتي بلغت المحيض وهي تحيض فعلاً ، والحامل ، والّتي لا تحيض لصغرٍ أو كبرٍ .

استبراء الحرّة :

24 - استبراء الحرّة كعدّتها ، إلاّ في ثلاث مسائل يكتفى فيها بحيضةٍ واحدةٍ ، وهي استبراؤها لإقامة الحدّ عليها في الزّنا أو الرّدّة ؛ ليتبيّن عدم حملها ؛ لأنّ ذلك مانعٌ من إقامة الحدّ ، أو في الملاعنة لنفي حملها . والاكتفاء في المزنيّ بها بحيضةٍ واحدةٍ هو مذهب الحنفيّة ، وروايةٌ عن كلٍّ من الشّافعيّة والحنابلة . ولهما روايةٌ أخرى أنّها تستبرأ بثلاثٍ . استبراء الأمة الحائض :

25 - ذهب مالكٌ ، والشّافعيّ ، وأحمد في روايةٍ ، وعثمان ، وعائشة ، والحسن ، والشّعبيّ ، والقاسم بن محمّدٍ ، وأبو قلابة ، ومكحولٌ ، وأبو ثورٍ ، وأبو عبيدٍ ، إلى أنّ الأمة إذا كانت ممّن تحيض كعادة النّساء كلّ شهرٍ أو نحوه ، فاستبراؤها يقع بحيضةٍ كاملةٍ ، سواءٌ في ذلك استبراء البيع والعتق والوفاة ، أمّ ولدٍ كانت أو لا . وفرّق الحنفيّة بين أمّ الولد وغيرها ، فإذا كانت المستبرأة غير أمّ ولدٍ ، فاستبراؤها بحيضةٍ كاملةٍ ، أمّا أمّ الولد ، إذا أعتقت بإعتاق المولى أو بموته ، فإنّها تعتدّ بثلاثة قروءٍ ؛ لما روي عن عمر وغيره أنّهم قالوا : عدّة أمّ الولد ثلاث حيضٍ .

استبراء الحامل :

26 - ذهب المالكيّة ، والحنفيّة ، والحنابلة ، إلى أنّ المستبرأة إذا كانت حاملاً فاستبراؤها يكون بوضع حملها كلّه ، ولو وضعته بعد لحظةٍ من وجوبه . ومذهب الشّافعيّة أنّ الأمة المسبيّة ، أو الّتي زال عنها فراش السّيّد يحصل استبراؤها بوضع حملها ، وإن كانت مشتراةً - وهي حاملٌ من زوجٍ أو وطءٍ بشبهةٍ - فلا استبراء في الحال ، ويجب بعد زوال العدّة أو النّكاح ، لأنّ حدوث حلّ الاستمتاع إنّما وجد بعد ذلك ، وإن تقدّم عليه الملك ؛ لأنّه ملكٌ مشغولٌ بحقّ الغير . والحامل من زناً إذا كانت لا تحيض في أثناء مدّة الحمل تستبرأ بوضع الحمل ، وإن كانت تحيض فكذلك على الأصحّ ، وفي قولٍ يحصل استبراؤها بحيضةٍ على الحمل .

استبراء الأمة الّتي لا تحيض لصغرٍ أو كبرٍ :

27 - مذهب مالكٍ أنّ الأمة الّتي لا تحيض لصغرٍ أو كبرٍ : أنّها تتربّص ثلاثة أشهرٍ ، ونقل ابن رشدٍ في المقدّمات أنّه قد جرى اختلافٌ في مذهب مالكٍ ، فقيل : استبراؤها شهرٌ ، وقيل شهرٌ ونصفٌ ، وقيل شهران ، وقيل ثلاثة أشهرٍ ، وهو المشهور في المذهب الحنبليّ ، وهو قول الحسن ، وابن سيرين ، والنّخعيّ ، وأبي قلابة ، وهو قولٌ ثانٍ في المذهب الشّافعيّ . ومذهب أبي حنيفة ، والرّاجح عن الشّافعيّ ، أنّها تستبرأ بشهرٍ فقط ، وعلّل ذلك بأنّ الشّهر يتحقّق فيه في غيرها طهرٌ وحيضٌ ، ولأنّ الشّهر قائمٌ مقام الطّهر والحيض شرعاً .

الاستمتاع بالأمة المستبرأة :

28 - مذهب أبي حنيفة ، ومالكٍ ، والشّافعيّ في روايةٍ أنّ المستبرأة لا يقبّلها ، ولا يباشرها ، ولا ينظر منها إلى عورةٍ ، حتّى ينتهي أمد الاستبراء ، وذلك لأنّه من الجائز أنّها حملت من البائع ، وأنّ البيع باطلٌ . وهذه التّصرّفات لا تحلّ إلاّ في الملك . ووافقهم أحمد ، وله روايةٌ بالتّفصيل بين المطيقة وغيرها .

أثر العقد والوطء زمن الاستبراء :

29 - العقد على المستبرأة حرامٌ في جميع المذاهب ، وكذلك الوطء بالأولى ، وتفصيل أثره من حيث نشر الحرمة في كتب الفقه .

إحداد المستبرأة :

30 - اتّفق الفقهاء على أنّ المستبرأة لا يجب عليها الإحداد ولا يستحبّ لها ؛ لأنّ الإحداد شرع لزوال نعمة الزّواج .



*استبضاعٌ

التّعريف

1 - أ - الاستبضاع في اللّغة : من البضع ، بمعنى القطع والشّقّ ، ويستعمل استعمالاً مجازيّاً في النّكاح والمجامعة . والبضع - بالضّمّ - الجماع ، والفرج نفسه ، وعلى هذا فالاستبضاع هو : طلب الجماع ، ومنه نكاح الاستبضاع ، الّذي عرّفه ابن حجرٍ بقوله : وهو قول الرّجل لزوجته في الجاهليّة : « أرسلي إلى فلانٍ ، فاستبضعي منه » أي اطلبي منه المباضعة ، وهو الجماع . وهذا كان في الجاهليّة ، وقد أبطله الإسلام .

ب - ويأتي الاستبضاع في اللّغة بمعنًى آخر ، وهو : استبضاع الشّيء ، أي جعله بضاعةً ؛ لأنّ البضاعة هي طائفةٌ من مال الرّجل يبعثها للتّجارة .

الحكم الإجماليّ لنكاح الاستبضاع :

2 - طالما أنّ نكاح الاستبضاع هو زنًى محضٌ ، فإنّ الآثار المترتّبة عليه هي نفس الآثار المترتّبة على الزّنى ، من حيث العقوبة ، وضمان العقر ، ووجوب الاستبراء ، وعدم إلحاق نسب المولود من ذلك بالزّاني ، بل يلحق بصاحب الفراش ، إلاّ أن ينفيه بشروطه ، وغير ذلك . ( ر : زنًى ) .

الاستبضاع في التّجارات :

3 - يطلق بعض الفقهاء كلمة استبضاعٍ أيضاً على : دفع الرّجل مالاً لآخر ليعمل فيه ، على أن يكون الرّبح كلّه لربّ المال ، ولا شيء للعامل . فيقال لصاحب المال مستبضعٌ ، ومبضعٌ ، ( بالكسر ) ، ويقال للعامل مستبضعٌ ، ومبضعٌ معه ( بالفتح ) ، وهذه المعاملة هي استبضاعٌ وإبضاعٌ . ولمعرفة أحكامه ( ر : إبضاعٌ ) .



*استتابةٌ

التّعريف

1 - الاستتابة في اللّغة : طلب التّوبة ، يقال استتبت فلاناً : عرضت عليه التّوبة ممّا اقترف . والتّوبة هي : الرّجوع والنّدم على ما فرّط منه ، واستتابه : سأله أن يتوب . ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ .

صفتها : الحكم التّكليفيّ  :

2 - استتابة المرتدّ واجبةٌ عند المالكيّة ، وهو المعتمد عند كلٍّ من الشّافعيّة ، والحنابلة ؛ لاحتمال أن تكون عنده شبهةٌ فتزال . وذهب الحنفيّة وهو قولٌ آخر للشّافعيّة ، والحنابلة إلى أنّها : مستحبّةٌ ؛ لأنّ الدّعوة قد بلغته .

استتابة الزّنادقة والباطنيّة :

3 - في استتابة الزّنادقة وفرق الباطنيّة رأيان .

الأوّل : للمالكيّة ، وفي الظّاهر عند الحنفيّة ، رأيٌ للشّافعيّة ، والحنابلة ، لا يستتابون ولا يقبل منهم ، ويقتلون لقول اللّه تعالى : { إلاّ الّذين تابوا وأصلحوا وبيّنوا } ، والزّنديق لا تظهر منه علامةٌ تبيّن رجوعه وتوبته ؛ لأنّه كان مظهراً للإسلام ، مسرّاً للكفر ، فإذا وقف على ذلك ، فأظهر التّوبة ، لم يزد على ما كان منه قبلها ، وهو إظهار الإسلام ؛ ولأنّهم يعتقدون في الباطن خلاف ما يظهرون .

الثّاني : وهو للحنفيّة في غير الظّاهر ، ورأيٌ للشّافعيّة والحنابلة ، يستتاب ؛ لأنّه كالمرتدّ ، فتجري عليه أحكامه . ( ر : زندقةٌ ) .

استتابة السّاحر :

4 - استتابة السّاحر فيها روايتان .

الأولى : للحنفيّة وهو ظاهر المذهب ، وهو رأيٌ للمالكيّة ، ورأيٌ للحنابلة ، أنّه لا يستتاب وهو ظاهر ما نقل عن الصّحابة . فإنّه لم ينقل عن أحدٍ منهم أنّه استتاب ساحراً ، لخبر عائشة : إنّ السّاحرة سألت أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم وهم متوافرون : هل لها من توبةٍ ؟ فما أفتاها أحدٌ ولأنّ السّحر معنًى في نفسه ، ولسعيه بالفساد .

الثّانية : للشّافعيّة ورأيٌ للمالكيّة والحنابلة ، أنّه يستتاب . فإن تاب قبلت توبته ؛ لأنّه ليس بأعظم من الشّرك ، ولأنّ اللّه قبل توبة سحرة فرعون ؛ ولأنّ السّاحر لو كان كافراً فأسلم صحّ إسلامه وتوبته ، فإذا صحّت التّوبة منهما ( أي السّاحر والكافر ) صحّت من أحدهما ( السّاحر المسلم ) ، ( ر : سحرٌ ) ويأخذ حكم المرتدّ ، فيحبس حتّى يتوب .

استتابة تارك الفرض :

5 - اتّفقت المذاهب على استتابة تارك الفرض من غير جحودٍ أو استخفافٍ ، حيث تقبل توبته . فإن أبى أن يتوب ، قال الحنفيّة في المذهب ، والحنابلة في رأيٍ عندهم : يحبس حتّى يتوب أو يموت . وقال المالكيّة ، والشّافعيّة وهو رأيٌ للحنابلة : إن أبى يقتل ، وهو اختيار الجمهور .



*استتارٌ

التّعريف

1 - الاستتار في اللّغة : التّغطّي والاختفاء . يقال : استتر وتستّر أي تغطّى ، وجاريةٌ مستترةٌ أي مخدّرةٌ . وقد استعمله الفقهاء بهذا المعنى ، كما استعملوه بمعنى اتّخاذ السّترة في الصّلاة . والسّترة ( بالضّمّ ) هي في الأصل : ما يستتر به مطلقاً ، ثمّ غلب في الاستعمال الفقهيّ على : ما ينصب أمام المصلّي ، من عصاً أو تسنيم ترابٍ أي تكويمه ونحوه ، لمنع المرور أمامه . ويسمّى ستر الصّدقة إخفاؤها .

صفته : الحكم التّكليفيّ :

2 - يختلف حكم الاستتار تبعاً للأحوال والأفعال الّتي يكون فيها ، على ما سيأتي : الاستتار ( بمعنى اتّخاذ المصلّي سترةً ) 3 - اتّخاذ السّترة للمصلّي مشروعٌ اتّفاقاً ؛ لحديث : « ليستتر أحدكم ولو بسهمٍ » . ثمّ اختلف الفقهاء في حكمه بين الوجوب والسّنّة أو الاستحباب ، على تفصيلٍ موطنه مصطلح : ( سترة المصلّي ) .

الاستتار حين الجماع :

4 - يشمل الاستتار هنا أمرين : الأوّل : الاستتار عن أعين النّاس حين الوطء . الثّاني : عدم التّجرّد حين الوطء .

أمّا الأوّل : فإمّا أن يكون الوطء في حالة انكشاف العورة ، أو في حالة عدم انكشافها . ففي حالة انكشاف العورة انعقد الإجماع على فرضيّة الاستتار ، أمّا في حالة عدم ظهور شيءٍ من العورة فقد اتّفق الفقهاء على أنّ الاستتار سنّةٌ . وأنّ من يتهاون فيه فقد خالف السّنّة ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : « إذا أتى أحدكم أهله فليستتر » . وحملوا الأمر على النّدب ولما في ذلك من الدّناءة والإخلال بالمروءة .

وأمّا الثّاني : ( عدم التّجرّد حين الجماع ) وإن لم يكن معهما أحدٌ يطّلع عليهما ، فقد اختلف الفقهاء فيه ، فذهب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة إلى أنّه يجوز للرّجل أن يجرّد زوجته للجماع ، وقيّده الحنفيّة بكون البيت صغيراً ، ويستدلّ لذلك بحديث بهز بن حكيمٍ عن أبيه عن جدّه قال : « قلت : يا رسول اللّه عوراتنا ما نأتي منها وما نذر ؟ قال احفظ عورتك إلاّ من زوجتك ، أو ما ملكت يمينك ، قلت : يا رسول اللّه ، أرأيت إن كان القوم بعضهم من بعضٍ ؟ قال : إن استطعت ألاّ تريها أحداً فلا ترينّها . قلت يا رسول اللّه ، فإن كان أحدنا خالياً ، قال : فاللّه أحقّ أن يستحيا منه من النّاس » وبحديث عبد اللّه بن عمر قال : « قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : إيّاكم والتّعرّي ، فإنّ معكم من لا يفارقكم إلاّ عند الغائط ، وحين يفضي الرّجل إلى أهله ، فاستحيوهم وأكرموهم » . وذهب الحنابلة إلى أنّه يكره ، لحديث عتبة بن عبدٍ السّلميّ ، قال : « قال رسول اللّه : إذا أتى أحدكم أهله فليستتر ، ولا يتجرّدا تجرّد العيرين » .

ما يخلّ بالاستتار :

5 -أ - يخلّ بالاستتار وجود شخصٍ مميّزٍ مستيقظٍ معهما في البيت ، سواءٌ أكان زوجةً ، أم سرّيّةً ، أم غيرهما ، يرى أو يسمع الحسّ ، وبه قال الجمهور ، وقد سئل الحسن البصريّ عن الرّجل يكون له امرأتان في بيتٍ ، قال : كانوا يكرهون أن يطأ إحداهما والأخرى ترى أو تسمع .

ب - ويخلّ بالاستتار وجود نائمٍ ، نصّ على ذلك المالكيّة ، فقال الرّهونيّ في حاشيته على شرح الزّرقانيّ لمتن خليلٍ : لا يجوز للرّجل أن يصيب زوجته أو أمته ومعه في البيت أحدٌ يقظان أو نائمٌ ، لأنّ النّائم قد يستيقظ فيراهما على تلك الحال .

ج - ويخلّ بالاستتار عند جمهور المالكيّة وجود صغيرٍ غير مميّزٍ ، اتّباعاً لابن عمر الّذي كان يخرج الصّبيّ في المهد عندما يريد الجماع . وذهب الجمهور - ومنهم بعض المالكيّة - إلى أنّ وجود غير المميّز لا يخلّ بالاستتار ؛ لما فيه من مشقّةٍ وحرجٍ .

الآثار المرتّبة على ترك الاستتار في الجماع :

6 - من حقّ المرأة الامتناع عن إجابة طلب زوجها إلى فراشه ، إن كان ممّن لا يستتر عن النّاس حين الجماع ، ولا تصير ناشزاً بهذا الامتناع ؛ لأنّه امتناعٌ بحقٍّ ؛ ولأنّ الحياء والمروءة يأبيان ذلك ، نصّ على ذلك الحنفيّة ، والشّافعيّة ، وقواعد المالكيّة والحنابلة لا تأباه .

الاستتار عند قضاء الحاجة :

7 - يشمل هذا أمرين : الاستتار عن النّاس ، والاستتار عن القبلة إن كان خارج البنيان . أمّا الأوّل ، فالأصل وجوب ستر العورة عند قضاء الحاجة ، بحضور من لا يحلّ له النّظر إليها ، وتفصيله في مصطلح ( عورةٌ ) ، كما أنّه يسنّ عند بعض الفقهاء استتار شخص الإنسان عند إرادة الغائط .

وأمّا الاستتار عن القبلة بساترٍ فإنّ بعض الفقهاء يرى جواز استقبال القبلة واستدبارها عند قضاء الحاجة ، إن استتر عن القبلة بساترٍ . ويرى بعضهم تحريم استقبال القبلة واستدبارها مطلقاً ، وتفصيل ما يتّصل بالاستتار عن القبلة في مصطلح : ( قضاء الحاجة ) .

الاستتار حين الاغتسال :

أ - وجوب الاستتار عمّن لا يحلّ له النّظر إليه :

8 - الأمر الّذي لا خلاف فيه هو : افتراض الاستتار حين الاغتسال ، بحضرة من لا يجوز له النّظر إلى عورة المغتسل ، لقوله صلى الله عليه وسلم : « احفظ عورتك إلاّ من زوجتك ، أو ما ملكت يمينك » . وعن أمّ هانئٍ قالت : « ذهبت إلى رسول اللّه عام الفتح فوجدته يغتسل ، وفاطمة تستره فقال : من هذه ؟ فقلت : أنا أمّ هانئٍ » . ( ر : عورةٌ ) فإذا لم يمكنه الاغتسال إلاّ بكشف عورته أمام واحدٍ من هؤلاء ، فقد صرّح الحنفيّة بأنّ كشف العورة حينئذٍ لا يسقط وجوب الغسل عليه – إن كان رجلاً بين رجالٍ ، أو امرأةً بين نساءٍ – لأمرين . الأوّل : نظر الجنس إلى الجنس أخفّ من النّظر إلى الجنس الآخر .

والثّاني : أنّ الغسل فرضٌ فلا يترك لكشف العورة . أمّا إن كانت امرأةٌ بين رجالٍ ، أو رجلٌ بين نساءٍ ، أو خنثى بين رجالٍ أو نساءٍ ، أو هما معاً ، فلا يجوز لهؤلاء الكشف عن عوراتهم للغسل ، بل يتيمّمون ، لكن شارح منية المصلّي لم يسلّم بهذا التّفصيل ؛ لأنّ ترك المنهيّ عنه مقدّمٌ على فعل المأمور ، وللغسل خلفٌ وهو التّيمّم . وعموم كلام الحنابلة ، في تحريم كشف العورة عند الاغتسال بحضور من يحرم نظره إليها ، يشعر بأنّهم يخالفون الحنفيّة . والّذي يؤخذ من كلام المالكيّة ، والشّافعيّة أنّه لو ترتّب على القيام بالطّهارة المائيّة كشف العورة ، فإنّه يصار إلى التّيمّم ؛ لأنّ ستر العورة لا بدل له ؛ ولأنّه واجبٌ للصّلاة والصّيانة عن العيون ، ويباح فعل المحظور من أجله ، كاستتار الرّجل بالحرير إذا تعيّن . أمّا الطّهارة المائيّة فلها بدلٌ ، ولا يباح فعل المحظور من أجلها ومن هنا كان السّلف والأئمّة الأربعة يتشدّدون في المنع من دخول الحمّام إلاّ بمئزرٍ . وروى ابن أبي شيبة في ذلك آثاراً عن عليّ بن أبي طالبٍ ومحمّد بن سيرين وأبي جعفرٍ محمّد بن عليٍّ وسعيد بن جبيرٍ ، حتّى بلغ الأمر بعمر بن الخطّاب أنّه كتب : لا يدخلنّ أحدٌ الحمّام إلاّ بمئزرٍ ، وبعمر بن عبد العزيز أن كتب إلى عامله بالبصرة أمّا بعد : فمر من قبلك ألاّ يدخلوا الحمّام إلاّ بمئزرٍ ، وأخذ يفرض العقوبات الرّادعة على من دخل الحمّام بغير مئزرٍ ، وعلى صاحب الحمّام الّذي أدخله . وعن عبادة قال : رأيت عمر بن عبد العزيز يضرب صاحب الحمّام ومن دخله بغير إزارٍ .

ب - استتار المغتسل بحضور الزّوجة :

9 - ممّا لا خلاف فيه أيضاً : أنّ لكلّ واحدٍ من الزّوجين أن يغتسل بحضور الآخر ، وهو بادي العورة . للحديث المتقدّم : « احفظ عورتك إلاّ من زوجتك ، أو ما ملكت يمينك » . ولحديث عائشة رضي الله عنها قالت : « كنت أغتسل أنا والنّبيّ صلى الله عليه وسلم من إناءٍ واحدٍ من قدحٍ ، يقال له : الفرق » ، متّفقٌ عليه .

استتار المغتسل منفرداً :

10 - ذهب الحنفيّة ، والمالكيّة ، والشّافعيّة ، والحنابلة إلى أنّه يجوز للمنفرد أن يغتسل عرياناً . واستدلّوا على ذلك بما رواه البخاريّ عن أبي هريرة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم « قال : كانت بنو إسرائيل يغتسلون عراةً ، ينظر بعضهم إلى بعضٍ ، وكان موسى يغتسل وحده ، فقالوا : واللّه ما يمنع موسى أن يغتسل معنا إلاّ أنّه آدرّ - منفوخ الخصية - فذهب مرّةً يغتسل ، فوضع ثوبه على حجرٍ ، ففرّ الحجر بثوبه ، فخرج موسى في إثره يقول : ثوبي يا حجر ، حتّى نظر بنو إسرائيل إلى موسى فقالوا : واللّه ما بموسى من بأسٍ ، وأخذ ثوبه ، فطفق بالحجر ضرباً » . وعن أبي هريرة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم « قال : بينا أيّوب يغتسل عرياناً فخرّ عليه جرادٌ من ذهبٍ ، فجعل أيّوب يحتشي في ثوبه ، فناداه ربّه : يا أيّوب ألم أكن أغنيتك عمّا ترى ؟ قال : بلى وعزّتك ، ولكن لا غنى بي عن بركتك » . فقد قصّ علينا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ذلك دون نكيرٍ ، فهو دليلٌ على الجواز ؛ لأنّ شرع من قبلنا شرعٌ لنا إذا لم يرد في شرعنا ما يخالفه . وسئل الإمام مالكٌ عن الغسل في الفضاء ، فقال : لا بأس به ، فقيل : يا أبا عبد اللّه إنّ فيه حديثاً ، فأنكر ذلك ، وقال تعجّباً : لا يغتسل الرّجل في الفضاء ؟ ، وجه إجازة مالكٍ للرّجل أن يغتسل في الفضاء إذا أمن أن يمرّ به أحدٌ ، وأنّ الشّرع إنّما قرّر وجوب ستر العورة عن المخلوقين من بني آدم دون سواهم من الملائكة ، إذ لا يفارقه الحفظة الموكّلون به في حالٍ من الأحوال ، قال تعالى : { ما يلفظ من قولٍ إلاّ لديه رقيبٌ عتيدٌ } . وقال تعالى : { وإنّ عليكم لحافظين كراماً كاتبين يعلمون ما تفعلون } : ولهذا قال مالكٌ تعجّباً : لا يغتسل الرّجل في الفضاء ، إذ لا فرق في حقّ الملائكة بين الفضاء وغيره . ولكن هذا جوازٌ مقرونٌ بالكراهة التّنزيهيّة ، ولذلك يندب له الاستتار . لما رواه البخاريّ تعليقاً ، ووصله غيره ، عن معاوية بن حيدة ، عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنّه قال : « احفظ عورتك إلاّ من زوجتك أو ما ملكت يمينك . قلت : يا رسول اللّه فإن كان أحدنا خالياً ؟ قال : فاللّه أحقّ أن يستحيا منه من النّاس » . وذهب عبد الرّحمن بن أبي ليلى إلى وجوب الاستتار حين الغسل ، ولو كان في خلوةٍ . مستدلاًّ بالحديث الّذي أخرجه أبو داود والنّسائيّ « أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يغتسل بالبراز - أي بالخلاء - فصعد المنبر فحمد اللّه وأثنى عليه وقال : إنّ اللّه عزّ وجلّ حليمٌ حييٌّ ستّيرٌ ، يحبّ الحياء والسّتر فإذا اغتسل أحدكم فليستتر » .

استتار المرأة المتزيّنة :

11 - يجب على المرأة الاستتار عن غير الزّوج والمحارم ، بستر عورتها وعدم إبداء زينتها ، لقوله تعالى : « يا أيّها النّبيّ قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهنّ من جلابيبهنّ » . وفيما يجب ستره عن المحارم وغيرهم ، وفي ستر الوجه والكفّين والقدمين خلافٌ وتفصيلٌ موطنه مصطلح : ( تزيّنٌ ) ( وعورةٌ ) .

الاستتار من عمل الفاحشة :

12 - من ابتلي بمعصيةٍ ، كشرب الخمر والزّنا ، فعليه أن يستتر بذلك ، ولا يجاهر بفعله السّيّئ ، كما ينبغي لمن علم بفاحشته أن يستر عليه وينصحه ، ويمنعه عن المنكر بالوسيلة الّتي يستطيعها .

13 - وقد اتّفق الفقهاء على أنّ المرء إذا وقع منه ما يعاب عليه يندب له السّتر على نفسه ، فلا يعلم أحداً ، حتّى القاضي ، بفاحشته لإقامة الحدّ أو التّعزير عليه ، لما رواه البخاريّ وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول : « كلّ أمّتي معافًى إلاّ المجاهرين ، وإنّ من المجاهرة أن يعمل الرّجل باللّيل عملاً ، ثمّ يصبح وقد ستره اللّه تعالى ، فيقول : يا فلان عملت البارحة كذا وكذا ، وقد بات يستره ربّه ويصبح يكشف ستر اللّه عنه » . وقوله صلى الله عليه وسلم « من أصاب من هذه القاذورات شيئاً فليستتر بستر اللّه ، فإنّه من يبدي لنا من صفحته نقم عليه كتاب اللّه » . وقال أبو بكرٍ الصّدّيق : لو أخذت شارباً لأحببت أن يستره اللّه ، ولو أخذت سارقاً لأحببت أن يستره اللّه ، وأنّ الصّحابة أبا بكرٍ وعمر وعليّاً وعمّار بن ياسرٍ وأبا هريرة وأبا الدّرداء والحسن بن عليٍّ وغيرهم ، قد أثر عنهم السّتر على معترفٍ بالمعصية ، أو تلقينه الرّجوع من إقراره بها ، ستراً عليه ، وستر معترف المعصية على نفسه أولى من ستر غيره عليه . والجهر بالمعصية عن جهلٍ ، ليس كالجهر بالمعصية تبجّحاً . قال ابن حجرٍ : فإنّ من قصد إظهار المعصية والمجاهرة بها أغضب ربّه . وقال الخطيب الشّربينيّ : وأمّا التّحدّث بها تفكّهاً فحرامٌ قطعاً .

أثر الاستتار بالمعصية :

14 - يترتّب على الاستتار بالمعصية :

أ - عدم إقامة العقوبة الدّنيويّة ؛ لأنّ العقوبات لا تجب إلاّ بعد إثباتها . ( ر : إثباتٌ ) فإذا استتر بها ولم يعلنها ولم يقرّ بها ولم ينله أيّ طريقٍ من طرق الإثبات ، فلا عقوبة .

ب - عدم شيوع الفاحشة ، قال اللّه تعالى : { إنّ الّذين يحبّون أن تشيع الفاحشة في الّذين آمنوا لهم عذابٌ أليمٌ في الدّنيا والآخرة واللّه يعلم وأنتم لا تعلمون } .

ج - من ارتكب معصيةً فاستتر بها فهو أقرب إلى أن يتوب منها ، فإن تاب سقطت عنه المؤاخذة ، فإن كانت المعصية تتعلّق بحقّ اللّه تعالى فإنّ التّوبة تسقط المؤاخذة ؛ لأنّ اللّه أكرم الأكرمين ، ورحمته سبقت غضبه ، فلذلك إذا ستره في الدّنيا لم يفضحه في الآخرة . وإن كانت تتعلّق بحقٍّ من حقوق العباد ، كقتلٍ وقذفٍ ونحو ذلك ، فإنّ من شروط التّوبة فيها أداء هذه الحقوق لأصحابها ، أو عفو أصحابها عنها ، ولذلك وجب على من استتر بالمعصية المتعلّقة بحقّ آدميٍّ أن يؤدّي هذا الحقّ لصاحبه . ( ر : التّوبة ) .



*استثمارٌ

التّعريف

1 - الاستثمار في اللّغة : من ( ثمر ) ، وثمر الشّيء : إذا تولّد منه شيءٌ آخر ، وثمّر الرّجل ماله : أحسن القيام عليه ونمّاه ، وثمر الشّيء : هو ما يتولّد منه ، وعلى هذا فإنّ الاستثمار هو : طلب الحصول على الثّمرة . والفقهاء يستعملون هذا اللّفظ بهذا المعنى أيضاً .

 الألفاظ ذات الصّلة :

أ - الانتفاع :

2 - الانتفاع هو الحصول على المنفعة ، فالفرق بينه وبين الاستثمار ، أنّ الانتفاع أعمّ من الاستثمار ؛ لأنّ الانتفاع قد يكون بالاستثمار ، وقد لا يكون .

ب - الاستغلال :

3 - الاستغلال طلب الغلّة ، والغلّة هي : كلّ عينٍ حاصلةٍ من ريع الملك ، وهذا هو عين الاستثمار ، فما تخرجه الأرض هو ثمرةٌ ، وهو غلّةٌ ، وهو ريعٌ . وللحنفيّة تفرقةٌ خاصّةٌ بين الثّمرة والغلّة في باب الوصيّة ، فإذا أوصى بثمرة بستانه انصرف إلى الموجود خاصّةً ، وإذا أوصى بغلّته شمل الموجود وما هو بعرض الوجود .

صفته  الحكم التّكليفيّ  :

4 - الأصل استحباب استثمار الأموال القابلة لذلك ؛ لما فيه من وجوه النّفع .

أركان الاستثمار :

كلّ استثمارٍ لا يخلو من ركنين اثنين : المستثمر ( بكسر الميم ) ، والمستثمر ( بفتح الميم ) .

أوّلاً : المستثمر ( بكسر الميم ) :

5 - الأصل أن يتمّ استثمار المال من قبل مالكه ، ولكن قد يحدث ما يجعل الغير يقوم بهذا الاستثمار عن المالك ، وهذا على صورتين :

أ - الاستثمار بالإنابة : والإنابة قد تكون من المالك كالوكالة ، أو من الشّارع كالقيّم .

ب - الاستثمار بالتّعدّي : وقد يقدم على استثمار المال أجنبيٌّ بغير إذن صاحب المال ، وبغير إعطاء الشّرع هذا الحقّ له ، وعندئذٍ يعتبر غاصباً ( ر : غصبٌ ) .

ثانياً : المال المستثمر :

6 - لكي يكون الاستثمار حلالاً يشترط في المال المستثمر أن يكون مملوكاً ، ملكاً مشروعاً للمستثمر ( بكسر الميم ) ، أو لمن كان المستثمر نائباً عنه نيابةً شرعيّةً أو تعاقديّةً ، فإن لم يكن كذلك لم يحلّ استثماره ، كالمال المغصوب أو المسروق . وكذلك لا يحلّ استثمار الوديعة ؛ لأنّ يد الوديع يد حفظٍ .

ملك الثّمرة :

7 - إذا كان الاستثمار مشروعاً ، كانت الثّمرة ملكاً للمالك ، أمّا إذا كان الاستثمار غير مشروعٍ ، كمن غصب أرضاً واستغلّها ، فإنّ الثّمرة عند الحنفيّة يملكها الغاصب ملكاً خبيثاً ، ويؤمر بالتّصدّق بها . وذهب المالكيّة ، والشّافعيّة ، والحنابلة إلى : أنّ الغلّة للمالك ، وفي روايةٍ عن أحمد : أنّه يتصدّق بها .

طرق الاستثمار :

8 - يجوز استثمار الأموال بأيّ طريقٍ مشروعٍ .



*استثناءٌ

التّعريف

1 - الاستثناء لغةً : مصدر استثنى ، تقول : استثنيت الشّيء من الشّيء إذا أخرجته ، ويقال : حلف فلانٌ يميناً ليس فيها ثنيا ، ولا مثنويّةً ، ولا استثناء ، كلّه واحدٌ . وذكر الشّهاب الخفاجيّ أنّ الاستثناء في اللّغة والاستعمال يطلق على : التّقييد بالشّرط ، ومنه قوله تعالى { ولا يستثنون } أي لا يقولون : « إن شاء اللّه » . والاستثناء في اصطلاح الفقهاء والأصوليّين إمّا أن يكون لفظيّاً أو معنويّاً أو حكميّاً ، فالاستثناء اللّفظيّ هو : الإخراج من متعدّدٍ بإلاّ ، أو إحدى أخواتها ، ويلحق به في الحكم الإخراج بأستثني وأخرج ونحوهما على لفظ المضارع ، وعرّفه السّبكيّ بأنّه : الإخراج بإلاّ أو إحدى أخواتها من متكلّمٍ واحدٍ . وعرّفه صدر الشّريعة الحنفيّ بأنّه : المنع من دخول بعض ما تناوله صدر الكلام في حكمه بإلاّ أو إحدى أخواتها ، فعرّفه بالمنع ، ولم يعرّفه بالإخراج ؛ لأنّ الاستثناء عند الحنفيّة لا إخراج به ، إذ لم يدخل المستثنى في المستثنى منه أصلاً حتّى يكون مخرجاً . فالاستثناء لمنعه من الدّخول ، والفقهاء يستعملون الاستثناء أيضاً بمعنى قول : « إن شاء اللّه » في كلامٍ إنشائيٍّ أو خبريٍّ . وهذا النّوع ليس استثناءً حقيقيّاً بل هو من متعارف النّاس . فإن كان بإلاّ ونحوها فهو استثناءٌ حقيقيٌّ ، أو « استثناءٌ وضعيٌّ » ، كأن يقول : لا أفعل كذا إلاّ أن يشاء اللّه ، أو : لأفعلنّ كذا إلاّ أن يشاء اللّه ، ومن العرفيّ قول النّاس : إن يسّر اللّه ، أو إن أعان اللّه ، أو ما شاء اللّه . وإنّما سمّي هذا التّعليق - ولو كان بغير إلاّ - استثناءً لشبهه بالاستثناء المتّصل في صرفه الكلام السّابق له عن ظاهره . والاستثناء المعنويّ هو : الإخراج من الجملة بغير أداة استثناءٍ ، كقول المقرّ : « له الدّار ، وهذا البيت منها لي » . وإنّما أعطوه حكم الاستثناء ؛ لأنّه في قوّة قوله : « له جميع الدّار إلاّ هذا البيت » . والاستثناء الحكميّ يقصد به أن يرد التّصرّف مثلاً على عينٍ فيها حقٌّ للغير ، كبيع الدّار المؤجّرة ، فإنّ الإجارة لا تنقطع بذلك ، والبيع صحيحٌ ، فكأنّ البيع ورد على العين باستثناء منفعتها مدّة الإجارة . وهذا الإطلاق قليلٌ في متعارف الفقهاء والأصوليّين ، وقد ورد في الأشباه والنّظائر للسّيوطيّ والقواعد لابن رجبٍ ، إلاّ أنّ هذا النّوع لا يدخل في مفهوم الاستثناء المصطلح عليه ، ولذا فلا تنطبق عليه أحكام الاستثناء فيما يلي من هذا البحث .


اكتب معهد الماهر
أعلى