*استجمارٌ
التّعريف
1 - الاستجمار لغةً : الاستنجاء بالحجارة ، مأخوذٌ من الجمرات والجمار ، وهي الأحجار الصّغيرة . واستجمر واستنجى واحدٌ .
صفته : الحكم التّكليفيّ :
2 - الاستنجاء بالحجر ونحوه وحده ، أو بالماء وحده واجبٌ عند الجمهور على التّخيير ، وسنّةٌ مؤكّدةٌ عند الحنفيّة ، والجمع بينهما أفضل . ولكن يتعيّن الاستنجاء بالماء في المنيّ ، والحيض ، والنّفاس ، وفي البول ، والغائط إذا انتشر انتشاراً كثيراً ، واختلف في بول المرأة . وتفصيل أحكام الاستجمار في مصطلح « استنجاءٌ » .
*استحاضةٌ
التعريف
1 - الاستحاضة لغةً : مصدر استحيضت المرأة فهي مستحاضةٌ . والمستحاضة من يسيل دمها ولا يرقأ ، في غير أيّامٍ معلومةٍ ، لا من عرق الحيض بل من عرقٍ يقال له : العاذل . وعرّف الحنفيّة الاستحاضة بأنّها : دم عرقٍ انفجر ليس من الرّحم . وعرّفها الشّافعيّة بأنّها : دم علّةٍ يسيل من عرقٍ من أدنى الرّحم يقال له العاذل ، قال الرّمليّ : الاستحاضة دمٌ تراه المرأة غير دم الحيض والنّفاس ، سواءٌ اتّصل بهما أم لا . وجعل من أمثلتها الدّم الّذي تراه الصّغيرة .
الألفاظ ذات الصّلة
أ - الحيض :
2 - الحيض دمٌ ينفضه رحم امرأةٍ بالغةٍ لا داء بها ولا حبل ، ولم تبلغ سنّ الإياس
ب - النّفاس :
3 - النّفاس دمٌ يخرج عقب الولادة ، وهذا القدر لا خلاف فيه ، وزاد المالكيّة في الأرجح : ومع الولادة ، وزاد الحنابلة : مع ولادةٍ وقبلها بيومين أو ثلاثةٍ .
4 - وتفترق الاستحاضة عن الحيض والنّفاس بأمورٍ منها :
أ - الحيض له وقتٌ ، وذلك حين تبلغ المرأة تسع سنين فصاعداً ، فلا يكون المرئيّ فيما دونه حيضاً ، وكذلك ما تراه بعد سنّ اليأس لا يكون حيضاً عند الأكثر ، أمّا الاستحاضة فليس لها وقتٌ معلومٌ .
ب - الحيض دمٌ يعتاد المرأة في أوقاتٍ معلومةٍ من كلّ شهرٍ ، أمّا الاستحاضة فهي دمٌ شاذٌّ يخرج من فرج المرأة في أوقاتٍ غير معتادةٍ .
ج - الحيض دمٌ طبيعيٌّ لا علاقة له بأيّ سببٍ مرضيٍّ ، في حين أنّ دم الاستحاضة دمٌ ناتجٌ عن فسادٍ أو مرضٍ أو اختلال الأجهزة أو نزف عرقٍ .
د - لون دم الحيض أسود ثخينٌ منتنٌ له رائحةٌ كريهةٌ غالباً ، بينما لون دم الاستحاضة أحمر رقيقٌ لا رائحة له .
هـ – دم النّفاس لا يكون إلاّ مع ولادةٍ . الاستمرار عند الحنفيّة :
5 – الاستحاضة غالباً ما تحصل بالاستمرار ، وهو : زيادة الدّم عن أكثر مدّة الحيض أو النّفاس ، وهذا عند الحنفيّة إذ لم يعتبر الاستمرار بهذا المعنى غيرهم ، والاستمرار إمّا أن يكون في المعتادة أو في المبتدأة .
الاستمرار في المعتادة :
6 - إذا استمرّ دم المعتادة وجاوز أكثر الحيض فطهرها وحيضها ما اعتادت ، وتردّ إلى عادتها في الحيض والطّهر في جميع الأحكام ، بشرط أن يكون طهرها المعتاد أقلّ من ستّة أشهرٍ ، أمّا إذا كان طهرها أكثر من ستّة أشهرٍ فلا تردّ إلى عادتها في الطّهر ، وقد بيّن ابن عابدين سبب ذلك فقال : لأنّ الطّهر بين الدّمين أقلّ من أدنى مدّة الحمل عادةً ، وأدنى مدّة الحمل كما هو معلومٌ ستّة أشهرٍ . وللعلماء عدّة أقوالٍ لتقدير طهر المرأة في مثل هذه الحالة أقواها قولان ، وهما :
أ - يقدّر طهرها بستّة أشهرٍ إلاّ ساعةً ؛ تحقيقاً للتّفاوت بين طهر الحمل وطهر الحيض .
ب - يقدّر طهرها بشهرين ، وهو ما اختاره الحاكم الشّهيد . قال ابن عابدين : إنّ أكثر العلماء يقولون بالأوّل ، ولكن الفتوى على الثّاني ؛ لأنّه أيسر على المفتي والنّساء .
الاستمرار في المبتدأة :
7 - ذكر البركويّ أربع حالاتٍ للمبتدأة ، وهذا عند الحنفيّة ، أمّا عند الأئمّة الثّلاثة : الشّافعيّ ، وأحمد ، ومالكٍ ، فسيأتي بيان أحوالها في الموضع التّالي . وثلاثٌ من حالات المبتدأة تتّصل بموضوع الاستمرار ، أمّا الحالة الرّابعة للمبتدأة عند الحنفيّة فستأتي ف 13 حالات الاستمرار في المبتدأة :
8 - الأولى : أن يستمرّ بها الدّم من أوّل ما بلغت ، فحينئذٍ يقدّر حيضها من أوّل الاستمرار عشرة أيّامٍ ، وطهرها عشرين ثمّ ذلك دأبها ، وإذا صارت نفساء فنفاسها يقدّر بأربعين يوماً ، ثمّ بعد النّفاس يقدّر بعشرين يوماً طهراً ، إذ لا يتوالى نفاسٌ وحيضٌ عند الحنفيّة ، بل لا بدّ من طهرٍ تامٍّ بينهما ، ولمّا كان تقديره بين الحيضتين عشرين ، فليكن كذلك بين النّفاس والحيض تقديراً مطّرداً .
الثّانية : أن ترى دماً وطهراً فاسدين ، والدّم الفاسد عند الحنفيّة ما زاد على عشرة أيّامٍ ، والطّهر الفاسد ما نقص عن خمسة عشر يوماً ، فلا يعتدّ بما رأت من حيث نصب العادة به ، بل يكون حيضها عشرةً ، ولو حكماً ، من حين استمرّ بها الدّم ، ويكون طهرها عشرين ، وذلك دأبها حتّى ترى دماً وطهراً صحيحين . بيان ذلك : مراهقةٌ ( أي مقاربةٌ للبلوغ ) رأت أحد عشر يوماً دماً وأربعة عشر طهراً ، ثمّ استمرّ بها الدّم ، فحيضها عشرةٌ وطهرها عشرون ، والطّهر النّاقص الفاصل بين الدّمين يعتبر كالدّم المستمرّ حكماً ، وعليه تكون هذه كالّتي استمرّ بها الدّم من أوّل ما بلغت ، فيكون حيضها عشرة أيّامٍ من أوّل أيّام الدّم الأحد عشر وطهرها عشرين . هذا إذا كان الطّهر فاسداً بأن كان أقلّ من خمسة عشر يوماً ، أمّا إذا كان خمسة عشر يوماً فأكثر وقد فسد بمخالطته دم الاستحاضة ، كمبتدأةٍ رأت أحد عشر دماً وخمسة عشر طهراً ثمّ استمرّ بها الدّم ، فالدّم الأوّل فاسدٌ لزيادته على العشرة ، والطّهر صحيحٌ ظاهراً لأنّه تامٌّ إذ هو خمسة عشر يوماً ، ولكنّه فاسدٌ في المعنى لأنّ أوّله دمٌ ، وهو اليوم الزّائد على العشرة ، وليس من الحيض عند الحنفيّة ؛ لأنّ أكثر الحيض عشرة أيّامٍ فقط عندهم فهو من الطّهر ، وبما أنّ الطّهر خالطه الدّم في أوّله فلا يصلح أن يكون عادةً . قال ابن عابدين في شرح رسالة الحيض : والحاصل أنّ فساد الدّم يفسد الطّهر المتخلّل فيجعله كالدّم المتوالي ، فتصير المرأة كأنّها ابتدئت بالاستمرار ، ويكون حيضها عشرةً وطهرها عشرين ، ولكن إن لم يزد الدّم والطّهر على ثلاثين يعتبر ذلك من أوّل ما رأت ، وإن زاد يعتبر من أوّل الاستمرار الحقيقيّ ، ويكون جميع ما بين دم الحيض الأوّل ودم الاستمرار طهراً .
الثّالثة : أن ترى دماً صحيحاً ، وطهراً فاسداً ، فإنّ الدّم الصّحيح يعتبر عادةً لها فقط ، فتردّ إليه في زمن الاستمرار ، ويكون طهرها أثناء الاستمرار بقيّة الشّهر . فلو رأت المبتدأة خمسةً دماً وأربعة عشر طهراً ثمّ استمرّ الدّم ، فحيضها خمسةٌ وطهرها بقيّة الشّهر خمسةٌ وعشرون ، فتصلّي من أوّل الاستمرار أحد عشر يوماً تكملة الطّهر ، ثمّ تترك الصّلاة خمسةً ، ثمّ تغتسل وتصلّي خمسةً وعشرين وهكذا ، وكذلك الحكم إذا كان الطّهر فاسداً في المعنى فقط ، كما لو رأت المبتدأة ثلاثةً دماً وخمسة عشر طهراً ، ثمّ يوماً دماً ثمّ خمسة عشر طهراً ثمّ استمرّ بها الدّم ، فإنّ اليوم الّذي رأت فيه الدّم - وقد توسّط بين الطّهرين - أفسدهما معاً لأنّه لا يعتبر حيضاً فهو من الطّهر ، وعليه : فالأيّام الثّلاثة الأولى حيضٌ ، وواحدٌ وثلاثون يوماً طهرٌ ، ثمّ تستأنف من أوّل الاستمرار فثلاثةٌ حيضٌ ، وسبعةٌ وعشرون طهرٌ ، وهكذا دأبها ، وبهذا تشترك هذه المسألة مع السّابقة في الحكم ، من حيث نصب العادة عند الاستمرار في كلّ شهرٍ . وإذا كان الطّهر الثّاني الّذي مرّ بها قبل الاستمرار طهراً فاسداً - لأنّه أقلّ من خمسة عشر يوماً - فالحكم يختلف عمّا تقرّر ؛ لأنّه أمكن اعتبار اليوم الّذي رأت فيه الدّم بعد الخمسة عشر الأولى من أيّام الحيض . فلو رأت المراهقة ثلاثة أيّامٍ دماً ، ثمّ خمسة عشر يوماً طهراً ، ثمّ يوماً دماً ، ثمّ أربعة عشر يوماً طهراً ، ثمّ استمرّ بها الدّم ، فالأيّام الثّلاثة الأول دمٌ صحيحٌ ، فهو حيضٌ ، والخمسة عشر بعدها طهرٌ صحيحٌ ، واليوم الّذي بعدها مع اثنين ممّا بعده حيضٌ ، ثمّ طهرها خمسة عشر ، اثنا عشر من أيّام الانقطاع الّتي سبقت الاستمرار ، وثلاثةٌ من أوّل الاستمرار ، ولهذا تصلّي من أوّل الاستمرار ثلاثةً ثمّ تعتبر حائضاً ثلاثةً فتترك فيها الصّلاة ، ثمّ تغتسل وتصلّي خمسة عشر يوماً ، وهكذا يقدّر حيضها بثلاثةٍ وطهرها بخمسة عشر .
أمّا الحالة الرّابعة فستبحث في الفقرة استحاضة المبتدأة بالحمل .
استحاضة المبتدأة بالحيض ، والمبتدأة بالحمل :
9 - المبتدأة بالحيض هي الّتي كانت في أوّل حيضٍ فابتدأت بالدّم ، واستمرّ بها . فعند الحنفيّة تقدّم تفصيل حكمها .
10 - وعند المالكيّة تعتبر المبتدأة بأترابها ، فإن تجاوزتهنّ فرواية ابن القاسم في المدوّنة : تتمادى إلى تمام خمسة عشر يوماً ، ثمّ هي مستحاضةٌ تغتسل وتصلّي وتصوم . وفي رواية ابن زيادٍ عن مالكٍ : أنّها تقتصر على عوائد أترابها أي في السّنّ ، فتأخذ بعوائدهنّ في الحيض من قلّة الدّم وكثرته ، يقال إنّها تقيم قدر أيّام لدّاتها ، ثمّ هي مستحاضةٌ بعد ذلك تصلّي وتصوم ، إلاّ أن ترى دماً تستكثره لا تشكّ فيه أنّه دم حيضةٍ . وقالوا أيضاً : إنّ المستحاضة إذا عرفت أنّ الدّم النّازل هو دم الحيض ، بأن ميّزته بريحٍ أو ثخنٍ أو لونٍ أو تألّمٍ ، فهو حيضٌ بشرط أن يتقدّمه أقلّ الطّهر ، وهو خمسة عشر يوماً ، فإن لم تميّز ، أو ميّزت قبل تمام أقلّ الطّهر فهي مستحاضةٌ أي باقيةٌ على أنّها طاهرةٌ ، ولو مكثت على ذلك طول حياتها .
11 - وأمّا المبتدأة بالحيض عند الشّافعيّة ، فقد قالوا : المبتدأة إمّا أن تكون مميّزةً لما تراه أو لا ، فإذا كانت المبتدأة مميّزةً لما تراه بأن ترى في بعض الأيّام دماً قويّاً وفي بعضها دماً ضعيفاً ، أو في بعضها دماً أسود وفي بعضها دماً أحمر ، وجاوز الدّم أكثر الحيض ، فالضّعيف أو الأحمر استحاضةٌ وإن طال ، والأسود أو القويّ حيضٌ إن لم ينقص الأسود أو القويّ عن أقلّ الحيض ، وهو يومٌ وليلةٌ عندهم ، ولا جاوز أكثر الحيض وهو خمسة عشر يوماً أيضاً ، حتّى لو رأت يوماً وليلةً أسود ثمّ اتّصل به الضّعيف ، وتمادى سنين كان طهراً ، وإن كانت ترى الدّم دائماً ؛ لأنّ أكثر الطّهر لا حدّ له ، فإن فقد شرطٌ من ذلك كأن رأت الأسود أقلّ من يومٍ وليلةٍ أو ستّة عشر ، أو رأت الضّعيف أربعة عشر ، أو رأت أبداً يوماً أسود ويومين أحمر فحكمها كحكم غير المميّزة لما تراه . والمبتدأة غير المميّزة عند الشّافعيّة ، بأن رأت الدّم بصفةٍ واحدةٍ أو بصفاتٍ مختلفةٍ لكن فقدت شرطاً من شروط التّمييز الّتي ذكرت ، فإن لم تعرف وقت ابتداء دمها فحكمها حكم المتحيّرة ، كما ذكره الرّافعيّ وسيأتي بيانه ، وإن عرفته فالأظهر أنّ حيضها يومٌ وليلةٌ من أوّل الدّم وإن كان ضعيفاً ؛ لأنّ ذلك هو المتيقّن ، وما زاد مشكوكٌ فيه ، فلا يحكم بأنّه حيضٌ ، وطهرها تسعةٌ وعشرون يوماً تتمّة الشّهر .
12 - وأمّا الحنابلة فقالوا : إنّ المبتدأة إمّا أن تكون مميّزةً لما تراه أو لا ، فإن كانت مميّزةً عملت بتمييزها إن صلح الأقوى أن يكون حيضاً ، بأن لم ينقص عن يومٍ وليلةٍ ، ولم يزد على خمسة عشر يوماً ، وإن كانت غير مميّزةٍ قدّر حيضها بيومٍ وليلةٍ ، وتغتسل بعد ذلك وتفعل ما تفعله الطّاهرات . وهذا في الشّهر الأوّل والثّاني والثّالث ، أمّا في الشّهر الرّابع فتنتقل إلى غالب الحيض ، وهو ستّة أيّامٍ أو سبعةٌ باجتهادها أو تحرّيها . وقال صاحب مطالب أولي النّهى في شرح غاية المنتهى : لو رأت يوماً وليلةً دماً أسود ، ثمّ رأت دماً أحمر ، وجاوز خمسة عشر يوماً ، فحيضها زمن الدّم الأسود ، وما عداه استحاضةٌ لأنّه لا يصلح حيضاً . أو رأت في الشّهر الأوّل خمسة عشر يوماً دماً أسود ، وفي الشّهر الثّاني أربعة عشر ، وفي الشّهر الثّالث ثلاثة عشر ، فحيضها زمن الأسود . وإن لم يكن دمها متميّزاً ، بأن كان كلّه أسود أو أحمر ونحوه ، أو كان متميّزاً ، ولم يصلح الأسود ونحوه أن يكون حيضاً بأن نقص عن يومٍ وليلةٍ ، أو زاد عن الخمسة عشر يوماً ، فتجلس أقلّ الحيض من كلّ شهرٍ لأنّه اليقين حتّى تتكرّر استحاضتها ثلاثاً ؛ لأنّ العادة لا تثبت بدونها ، ثمّ تجلس بعد التّكرار من مثل أوّل وقت ابتداءٍ بها إن علمته من كلّ شهرٍ ستّاً أو سبعاً بتحرٍّ ، أو تجلس من أوّل كلّ شهرٍ هلاليٍّ إن جهلته ، أي : وقت ابتدائها بالدّم ستّاً أو سبعاً من الأيّام بلياليها بتحرٍّ في حال الدّم وعادة أقاربها النّساء ، ونحوه ، لحديث « حمنة بنت جحشٍ قالت : يا رسول اللّه إنّي أستحاض حيضةً كبيرةً شديدةً ، قد منعتني الصّوم والصّلاة ، فقال : تحيضي في علم اللّه ستّاً أو سبعاً ثمّ اغتسلي » . ويتّجه احتمالٌ قويٌّ بوجوب قضاء من جهلت وقت ابتدائها بالدّم نحو صومٍ كطوافٍ واعتكافٍ واجبين فيما فعلته أي الصّوم ونحوه قبل التّحرّي ، كمن جهل القبلة وصلّى بلا تحرٍّ فيقضي ولو أصاب .
13 - وأمّا المبتدأة بالحمل : وهي الّتي حملت من زوجها قبل أن تحيض إذا ولدت فرأت الدّم زيادةً عن أربعين يوماً عند الحنفيّة ، والحنابلة فالزّيادة استحاضةٌ عند الحنفيّة ؛ لأنّ الأربعين للنّفاس كالعشرة للحيض ، فالزّيادة في كلٍّ منهما استحاضةٌ دون نظرٍ إلى تمييزٍ أو عدمه . أمّا عند الحنابلة فإن أمكن أن يكون حيضاً فحيضٌ ، وإلاّ فاستحاضةٌ ؛ لأنّه يتصوّر عندهم اقتران الحيض بالنّفاس . وعند المالكيّة ، والشّافعيّة الزّيادة على السّتّين استحاضةٌ ، وفرّقوا بين المميّزة لما ترى وغير المميّزة ، كما في الحيض . فإذا بلغت بالحمل وولدت واستمرّ بها الدّم ، ولم تر طهراً صحيحاً بعد ولادتها وانتهاء مدّة نفاسها - وهي أربعون يوماً عند الحنفيّة ، والحنابلة - فيقدّر طهرها بعد الأربعين بعشرين يوماً ، ثمّ بعده يكون حيضها عشرةً وطهرها عشرين ، وهذا شأنها ما دامت حالة الاستمرار قائمةً بها . وإذا ولدت فرأت أربعين يوماً دماً ، ثمّ خمسة عشر طهراً ، ثمّ استمرّ بها الدّم ، فحيضها عشرةٌ من أوّل الاستمرار ، وطهرها خمسة عشر ، أي تردّ إلى عادتها في الطّهر إذا كان طهراً صحيحاً خمسة عشر يوماً فأكثر ، وكذلك يكون هذا الرّدّ إذا رأت ستّة عشر يوماً طهراً فما فوقها إلى واحدٍ وعشرين ، فعندئذٍ يقدّر حيضها بتسعةٍ وطهرها بواحدٍ وعشرين ، ثمّ كلّما زاد الطّهر نقص من الحيض مثله إلى أن يكون حيضها ثلاثةً ، وطهرها سبعةً وعشرين ، فإذا زاد الطّهر على سبعةٍ وعشرين فحيضها عشرةٌ من أوّل الاستمرار ، وطهرها مثل ما رأيت قبل الاستمرار كائناً ما كان عدده . بخلاف ما إذا كان طهرها ناقصاً عن خمسة عشر يوماً فإنّه يقدّر بعد الأربعين - الّتي هي مدّة نفاسها - بعشرين وحيضها بعشرةٍ ، فهي بمنزلة الّذي وضعت واستمرّ بها الدّم ابتداءً ، وإذا كان طهرها الّذي رأته بعد الأربعين الّتي للنّفاس كاملاً خمسة عشر يوماً فأكثر ، وقد زاد دمها على أربعين في النّفاس بيومٍ مثلاً ، فسد هذا الطّهر في المعنى ؛ لأنّه خالطه دمٌ يوم تؤمر بالصّلاة فيه ، ولهذا لا يصلح لاعتباره عادةً لها ، فيقدّر حيضها وطهرها حسب التّفصيل التّالي : فإذا كان بين نهاية النّفاس - الأربعين - وأوّل الاستمرار عشرون يوماً فأكثر ، كأن زاد دمها على الأربعين بخمسةٍ أو ستّةٍ وطهرت بعده خمسة عشر ثمّ استمرّ بها الدّم ، فإنّه يقدّر حيضها من أوّل الاستمرار بعشرة أيّامٍ ، وطهرها بعشرين ، وهكذا دأبها . وإن كان بين النّفاس وأوّل الاستمرار أقلّ من عشرين كأن زاد دمها على الأربعين بيومٍ أو يومين فإنّه يكمل طهرها إلى العشرين ، ويؤخذ من أوّل الاستمرار ما يتمّ به تكميل هذه العشرين ، ثمّ يقدّر حيضها بعد ذلك بعشرةٍ وطهرها بعشرين وهكذا . والجدير بالذّكر أنّ المبتدأة بالحيض أو النّفاس إذا انقطع دمها لأقلّ من عشرة أيّامٍ في الحيض ، ولأقلّ من أربعين في النّفاس ، فإنّها تغتسل وتصلّي في آخر الوقت ، وتصوم احتياطاً ، ولا يحلّ لزوجها وطؤها حتّى يستمرّ الانقطاع إلى تمام العشرة في الحيض ، هذا إذا انقطع لتمام ثلاثة أيّامٍ ، أمّا إذا انقطع لأقلّ من ثلاثةٍ فهو استحاضةٌ وليس بحيضٍ ، فتتوضّأ وتصلّي في آخر الوقت . وهذا كلّه عند الحنفيّة .
14 - أمّا أحكام المبتدأة بالحمل عند الشّافعيّة والمالكيّة فقولهم هنا كأقوالهم في المبتدأة بالحيض . والمالكيّة قالوا : تعتبر المبتدأة بأترابها ، فإن تمادى بها الدّم فالمشهور أنّها تعتكف ستّين يوماً ، ثمّ هي مستحاضةٌ تغتسل ، وتصوم وتصلّي ، وتوطأ . فإذا عبر الدّم السّتّين عند الشّافعيّة فينزل منزلة عبوره أكثر الحيض ؛ لأنّ النّفاس كالحيض في غالب أحكامه ، فكذلك في الرّدّ إليه ، فيقاس بما ذكر في الحيض وفاقاً وخلافاً ، فينظر هنا أيضاً إذا كانت المرأة مبتدأةً في النّفاس أم معتادةً ، مميّزةً لما تراه أم غير مميّزةٍ ، ويقاس بما تقدّم في الحيض ، فتردّ المبتدأة المميّزة إلى التّمييز شرط ألاّ يزيد القويّ على ستّين عند الشّافعيّة والمالكيّة ، وغير المميّزة تردّ إلى لحظةٍ في الأظهر عند الشّافعيّة ، والمعتادة المميّزة تردّ إلى التّمييز لا العادة في الأصحّ ، وغير المميّزة الحافظة تردّ إلى العادة ، وتثبت العادة بمرّةٍ في الأصحّ عند الشّافعيّة ، وأمّا النّاسية لعادتها فتردّ إلى مردّ المبتدأة في قولٍ ، وتحتاط في القول الآخر . أمّا الحنابلة فيرون أنّ النّفساء إذا زاد دمها على الأربعين ، ووافق عادة حيضٍ فهو حيضٌ ، وما زاد فهو استحاضةٌ . وإن لم يوافق عادة حيضٍ فما زاد على الأربعين استحاضةٌ ، ولم يفرّقوا بين مبتدأةٍ بالحمل أو معتادةٍ له .
استحاضة ذات العادة :
أ - ذات العادة بالحيض :
15 - مذهب الحنفيّة في ذات العادة بالحيض - وهي الّتي تعرف شهرها ووقت حيضها وعدد أيّامها أنّه : إذا رأت المعتادة ما يوافق عادتها من حيث الزّمن والعدد ، فكلّ ما رأته حيضٌ . وإذا رأت ما يخالف عادتها من حيث الزّمن أو العدد أو كلاهما ، فحينئذٍ قد تنتقل العادة وقد لا تنتقل ، ويختلف حكم ما رأت ، فتتوقّف معرفة حال ما رأت من الحيض والاستحاضة على انتقال العادة . فإن لم تنتقل كما إذا زاد الدّم عن العشرة ردّت إلى عادتها ، فيجعل المرئيّ في العادة حيضاً ، والباقي الّذي جاوز العادة استحاضةً . وإن انتقلت العادة فكلّ ما رأته حيضٌ . وتفصيل قاعدة انتقال العادة وحالاتها وأمثلتها في مصطلح ( حيضٌ ) .
16 - وعند المالكيّة : أقوالٌ متعدّدةٌ أشار إليها ابن رشدٍ في المقدّمات أشهرها : أنّها تبقى أيّامها المعتادة ، وتستظهر ( أي تحتاط ) بثلاثة أيّامٍ ، ثمّ تكون مستحاضةً تغتسل وتصلّي وتصوم وتطوف ويأتيها زوجها ، ما لم تر دماً تنكره بعد مضيّ أقلّ مدّة الطّهر من يوم حكم باستحاضتها ، وهو ظاهر رواية ابن القاسم عن مالكٍ في المدوّنة . وعلى هذه الرّواية تغتسل عند تمام الخمسة عشر يوماً استحباباً لا إيجاباً . وهذا كلّه إذا لم تكن مميّزةً ، أمّا المميّزة فتعمل بتمييزها من رؤية أوصاف الدّم وأحواله من التّقطّع والزّيادة واللّون ، فتميّز به ما هو حيضٌ ، وما هو استحاضةٌ . وإذا أتاها الحيض في وقته ، وانقطع بعد يومٍ أو يومين أو ساعةٍ ، وأتاها بعد ذلك قبل طهرٍ تامٍّ ، فإنّها تلفّق أيّام الدّم بعضها إلى بعضٍ ، فإن كانت معتادةً فتلفّق عادتها واستظهارها ، وإن كانت مبتدأةً لفّقت نصف شهرٍ ، وإن كانت حاملاً في ثلاثة أشهرٍ فأكثر لفّقت نصف شهرٍ ونحوه ، أو بعد ستّة أشهرٍ لفّقت عشرين يوماً ونحوها . والأيّام الّتي استظهرت بها هي فيها حائضٌ ، وهي مضافةٌ إلى الحيض ، إن رأت الدّم فيها بعد ذلك وإن لم تره ، وأيّام الطّهر الّتي كانت تلغيها عند انقطاع الدّم في خلال ذلك ، وكانت لا ترى فيها دماً هي فيها طاهرةٌ ، تصلّي فيها ويأتيها زوجها وتصومها ، وليست تلك الأيّام بطهرٍ تعتدّ به في عدّةٍ من طلاقٍ ؛ لأنّ الّذي قبل تلك الأيّام من الدّم ، والّتي بعد تلك الأيّام قد أضيفت بعضها إلى بعضٍ وجعل حيضةً واحدةً ، وكلّ ما بين ذلك من الطّهر ملغًى ، ثمّ تغتسل بعد الاستظهار ، وتصلّي ، وتتوضّأ لكلّ صلاةٍ ، إن رأت الدّم في تلك الأيّام ، وتغتسل كلّ يومٍ إذا انقطع عنها الدّم من أيّام الطّهر .
17 - أمّا عند الشّافعيّة فالمعتادة بالحيض إمّا أن تكون غير مميّزةٍ لما ترى بأن كان الدّم بصفةٍ واحدةٍ ، أو كان بصفاتٍ متعدّدةٍ ، وفقدت شرط التّمييز ، ولكن سبق لها حيضٌ وطهرٌ ، وهي تعلم أيّام حيضها وطهرها قدراً ووقتاً فتردّ إليهما قدراً ووقتاً ، وتثبت العادة بمرّةٍ في الأصحّ . وأمّا المعتادة المميّزة فيحكم بالتّمييز لا بالعادة في الأصحّ ، كما لو كانت عادتها خمسةً من أوّل كلّ شهرٍ وباقيه طهرٌ ، فاستحيضت فرأت عشرةً سواداً من أوّل الشّهر وباقيه حمرةً ، فحيضتها العشرة السّواد وما يليه استحاضةٌ . والقول الثّاني يحكم بالعادة ، فيكون حيضها الخمسة الأولى . والأوّل أصحّ لأنّ التّمييز علامةٌ قائمةٌ في شهر الاستحاضة ، فكان اعتباره أولى من اعتبار عادةٍ انقضت .
18 - أمّا الحنابلة : فقالوا لا تخلو المستحاضة من أربعة أحوالٍ : مميّزةٍ لا عادة لها ، ومعتادةٍ لا تمييز لها ، ومن لها عادةٌ وتمييزٌ ، ومن لا عادة لها ولا تمييز . أمّا المميّزة : وهي الّتي لدمها إقبالٌ وإدبارٌ ، بعضه أسود ثخينٌ منتنٌ ، وبعضه أحمر مسرّقٌ أو أصفر أو لا رائحة له ، ويكون الدّم الأسود أو الثّخين لا يزيد عن أكثر الحيض ، ولا ينقص عن أقلّه ، فحكم هذه : أنّ حيضها زمان الدّم الأسود أو الثّخين أو المنتن ، فإن انقطع فهي مستحاضةٌ ، تغتسل للحيض ، وتتوضّأ بعد ذلك لكلّ صلاةٍ وتصلّي . أمّا المستحاضة الّتي لها عادةٌ ولا تمييز لها ؛ لكون دمها غير منفصلٍ أي على صفةٍ لا تختلف ، ولا يتميّز بعضه من بعضٍ ، أو كان منفصلاً ، إلاّ أنّ الدّم الّذي يصلح للحيض دون أقلّ الحيض ، أو فوق أكثره ؟ فهذه لا تمييز لها ، فإن كانت لها عادةٌ قبل أن تستحاض جلست أيّام عادتها ، واغتسلت عند انقضائها ، ثمّ تتوضّأ بعد ذلك لوقت كلّ صلاةٍ . والقسم الثّالث : من لها عادةٌ وتمييزٌ ، فاستحيضت ، ودمها متميّزٌ ، بعضه أسود وبعضه أحمر ، فإن كان الأسود في زمن العادة فقد اتّفقت العادة والتّمييز في الدّلالة فيعمل بهما ، وإن كان أكثر من العادة أو أقلّ - ويصلح أن يكون حيضاً - ففيه روايتان : الرّواية الأولى : اعتبار العادة لعموم قوله صلى الله عليه وسلم لأمّ حبيبة إذ سألته عن الدّم : « امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك ثمّ اغتسلي وصلّي » ولأنّ العادة أقوى . والثّانية : يقدّم التّمييز فيعمل به وتدع العادة . أمّا القسم الرّابع : وهي الّتي لا عادة لها ولا تمييز فسيأتي تفصيله في موضوع ( استحاضة من ليس لها عادةٌ ) .
ب - ذات العادة في النّفاس :
19 - إذا رأت ذات العادة بالنّفاس زيادةً عن عادتها ، فإن كانت عادتها أربعين فعند الحنفيّة الزّيادة استحاضةٌ ، وإن كانت عادتها دون الأربعين ، وكانت الزّيادة إلى الأربعين أو دونها ، فما زاد يكون نفاساً ، وإن زاد على الأربعين تردّ إلى عادتها فتكون عادتها نفاساً ، وما زاد على العادة يكون استحاضةً . أمّا عند المالكيّة والشّافعيّة فما ذكر في الحيض للمعتادة يذكر هنا أيضاً . حيث ذهب مالكٌ والشّافعيّ إلى أنّ أكثر النّفاس ستّون يوماً . فعند المالكيّة الزّائد عن السّتّين كلّه استحاضةٌ ولا تستظهر ، فإنّ الاستظهار خاصٌّ بالحيض ، وأمّا عند الشّافعيّة فما زاد على السّتّين فهو استحاضةٌ فإذا عبر دم النّفساء السّتّين ففيه طريقان : أصحّهما أنّه كالحيض إذا عبر الخمسة عشر في الرّدّ إلى التّمييز إن كانت مميّزةً لما ترى ، أو العادة إن كانت معتادةً غير مميّزةٍ ، والثّاني له ثلاثة أوجهٍ : الأوّل : أصحّهما كالطّريق الأوّل أي أنّه كالحيض . الثّاني : أنّ السّتّين كلّها نفاسٌ ، وما زاد على السّتّين استحاضةٌ ، اختاره المزنيّ . الثّالث : أنّ السّتّين نفاسٌ ، والّذي بعده حيضٌ فعلى هذا قال أبو الحسن بن المرزبانيّ : قال صاحبا التّتمّة والعدّة : إن زاد الدّم بعد السّتّين حكمنا بأنّها مستحاضةٌ في الحيض . وهذا الوجه ضعيفٌ جدّاً ، وهو أضعف من الّذي قبله . وقالت الحنابلة : إن زاد دم النّفساء على أربعين يوماً وأمكن جعله حيضاً فهو حيضٌ ، وإلاّ فهو استحاضةٌ . ولم نقف فيما بين أيدينا من مراجع الحنابلة أنّهم تحدّثوا عن عادة في النّفاس .
استحاضة من ليس لها عادةٌ معروفةٌ :
20 - من لم يكن لها عادةٌ معروفةٌ في الحيض - بأن كانت ترى شهراً ستّاً وشهراً سبعاً - فاستمرّ بها الدّم ، فإنّها تأخذ في حقّ الصّلاة والصّوم والرّجعة بالأقلّ ، وفي حقّ انقضاء العدّة والوطء بالأكثر ، فعليها أن تغتسل في اليوم السّابع لتمام اليوم السّادس وتصلّي فيه ، وتصوم إن كان دخل عليها شهر رمضان احتياطاً . وإذا كانت هذه تعتبر حيضةً ثالثةً يكون قد سقط حقّ الزّوج في مراجعتها . وأمّا في انقضاء العدّة للزّواج من آخر ، وحلّ استمتاع الزّوج بها فتأخذ بالأكثر ؛ لأنّ تركها التّزوّج مع جوازه أولى من أن تتزوّج بدون حقّ التّزوّج ، وكذا ترك الوطء مع احتمال الحلّ ، أولى من الوطء مع احتمال الحرمة ، فإذا جاء اليوم الثّامن فعليها أن تغتسل ثانياً ، وتقضي اليوم السّابع الّذي صامته ؛ لأنّ الأداء كان واجباً ، ووقع الشّكّ في السّقوط ، إن لم تكن حائضاً فيه صحّ صومها ولا قضاء عليها ، وإن كانت حائضاً فعليها القضاء ، فلا يسقط القضاء بالشّكّ . وليس عليها قضاء الصّلوات ؛ لأنّها إن كانت طاهرةً في هذا اليوم فقد صلّت ، وإن كانت حائضاً فيه فلا صلاة عليها ، وبالتّالي لا قضاء عليها . ولو كانت عادتها خمسةً فحاضت ستّةً ، ثمّ حاضت حيضةً أخرى سبعةً ، ثمّ حاضت حيضةً أخرى ستّةً ، فعادتها ستّةٌ بالإجماع حتّى ينبني الاستمرار عليها . أمّا عند أبي يوسف فلأنّ العادة تنتقل بالمرّة الواحدة ، وإنّما ينبني الاستمرار على المرّة الأخيرة لأنّ العادة انتقلت إليها ، وأمّا عند أبي حنيفة ومحمّدٍ فلأنّ العادة وإن كانت لا تنتقل إلاّ بالمرّتين فقد رأت السّتّة مرّتين . وكذلك الحكم في جميع ما ذكر لمن ليس لها عادةٌ معروفةٌ في النّفاس .
استحاضة المتحيّرة :
21 - المتحيّرة : هي الّتي نسيت عادتها بعد استمرار الدّم وتوصف بالمحيّرة بصيغة اسم الفاعل ، لأنّها تحيّر المفتي ، وبصيغة اسم المفعول لأنّها حيّرت بسبب نسيانها ، وتدعى أيضاً المضلّة ؛ لأنّها أضلّت عادتها . ومسائل المحيّرة من أصعب مسائل الحيض وأدقّها ، ولها صورٌ كثيرةٌ وفروعٌ دقيقةٌ ، ولهذا يجب على المرأة حفظ عادتها في الزّمان والعدد . وجميع الأحكام في هذه المسألة تبنى على الاحتياط ، وإن كان هناك تشديدٌ في بعض الصّور فليس القصد التّشديد لأنّها لم ترتكب محظوراً . وتفصيل أحكام المتحيّرة في مصطلحها .
ما تراه المرأة الحامل من الدّم أثناء حملها :
22 - إذا رأت المرأة الحامل الدّم حال الحبل وقبل المخاض ، فليس بحيضٍ وإن كان ممتدّاً بالغاً نصاب الحيض ، بل هو استحاضةٌ عند الحنفيّة والحنابلة . وكذلك ما تراه حالة المخاض وقبل خروج أكثر الولد عند الحنفيّة ، أمّا الحنابلة فقد نصّوا على أنّ الدّم الّذي تراه الحامل قبل الولادة بيومين أو ثلاثةٍ دم نفاسٍ وإن كان لا يعدّ من مدّة النّفاس . واستدلّ الحنفيّة : بقول عائشة الحامل لا تحيض ومثل هذا لا يعرف بالرّأي . وقال الشّافعيّ : هو حيضٌ في حقّ ترك الصّوم والصّلاة وحرمة القربان ، لا في حقّ أقراء العدّة ، واحتجّ بما يروى عنه صلى الله عليه وسلم « أنّه قال لفاطمة بنت أبي حبيشٍ : إذا أقبل قرؤك فدعي الصّلاة » من غير فصلٍ بين حالٍ وحالٍ . ولأنّ الحامل من ذوات الأقراء إلاّ أنّ حيضها لا يعتبر في حقّ أقراء العدّة ؛ لأنّ المقصود من أقراء العدّة فراغ الرّحم ، وحيضها لا يدلّ على ذلك . أمّا المالكيّة فإنّهم نصّوا على أنّ الحامل إذا رأت دماً في الشّهر الأوّل أو الثّاني يعتبر حيضاً ، وتعامل كأنّها حاملٌ ؛ لأنّ الحمل لا يستبين - عادةً - في هذه المدّة ، وأمّا إذا رأت دماً في الشّهر الثّالث أو الرّابع أو الخامس واستمرّ كان أثر حيضها عشرين يوماً ، وما زاد فهو استحاضةٌ . وإنّما فرّقوا في أكثر الحيض بين الحامل وغيرها ؛ لأنّ الحمل يحبس الدّم ، فإذا خرج كان زائداً ، وربّما استمرّ لطول المكث . وأمّا إن رأته في الشّهر السّابع أو الثّامن أو التّاسع واستمرّ نازلاً كان أكثر الحيض في حقّها ثلاثين يوماً . وأمّا إن رأته في الشّهر السّادس فظاهر المدوّنة أنّ حكمها حكم ما إذا حاضت في الشّهر الثّالث ، وخالف في ذلك شيوخ إفريقيّة فرأوا أنّ حكمه حكم ما بعده وهو المعتمد . وبعد هذه المدّة يعتبر استحاضةً .