الاستياك في الطّهارة : الوضوء :
5 - اتّفقت المذاهب الأربعة على أنّ السّواك سنّةٌ عند الوضوء ،
واختلفوا هل هو من سنن الوضوء أم لا ؟ على رأيين :
الأوّل : قال الحنفيّة ، والمالكيّة ، وهو رأيٌ للشّافعيّة : الاستياك سنّةٌ من سنن الوضوء ، لما رواه أبو هريرة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال : « لولا أن أشقّ على أمّتي لأمرتهم بالسّواك مع كلّ وضوءٍ » وفي روايةٍ « لفرضت عليهم السّواك مع كلّ وضوءٍ » . الثّاني : قال الحنابلة ، وهو الرّأي الأوجه عند الشّافعيّة : السّواك سنّةٌ خارجةٌ عن الوضوء متقدّمةٌ عليه وليست منه . ومدار الحكم عندهم على محلّه ، فمن قال إنّه قبل التّسمية قال ، إنّه خارجٌ عن الوضوء ، ومن قال بعد التّسمية ، قال بسنّيّته للوضوء .
التّيمّم والغسل :
6 - يستحبّ الاستياك عند التّيمّم والغسل ، ويكون محلّه في التّيمّم عند ابتداء الضّرب ، وفي الغسل عند البدء فيه .
الاستياك للصّلاة :
7 - في الاستياك للصّلاة ثلاثة اتّجاهاتٍ :
الأوّل ، وهو قولٌ للشّافعيّة : يتأكّد الاستياك عند كلّ صلاةٍ فرضها ونفلها ، وإن سلّم من كلّ ركعتين وقرب الفصل ، ولو نسيه سنّ له قياساً تداركه بفعلٍ قليلٍ ، لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصّحيح « لولا أن أشقّ على أمّتي لأمرتهم بالسّواك عند كلّ صلاةٍ ، أو مع كلّ صلاةٍ » .
الثّاني : لا يسنّ الاستياك للصّلاة ، بل للوضوء ، وهو رأيٌ للحنفيّة ، فلو أتى به عند الوضوء لا يسنّ له أن يأتي به عند الصّلاة ، لقوله صلى الله عليه وسلم « لأمرتهم بالسّواك مع كلّ وضوءٍ »
الثّالث : يندب الاستياك لصلاة فرضٍ أو نفلٍ بعدت من الاستياك للعرف ، فلا يندب أن يستاك لكلّ صلاةٍ ما لم يبعد ما بينهما عن الاستياك ، وهو قول المالكيّة ، وروايةٌ عند الحنفيّة .
الاستياك للصّائم :
8 - اتّفق الفقهاء على أنّه لا بأس بالاستياك للصّائم أوّل النّهار ، واختلفوا في الاستياك للصّائم بعد الزّوال على ما تقدّم .
السّواك عند قراءة القرآن والذّكر :
9 - ينبغي لقارئ القرآن إذا أراد القراءة أن ينظّف فمه بالسّواك . ويستحبّ كذلك عند قراءة حديثٍ أو علمٍ .
كما يستحبّ الاستياك عند سجدة التّلاوة ، ومحلّه بعد فراغ القراءة لآية السّجدة وقبل الهويّ للسّجود . وهذا إذا كان خارج الصّلاة ، أمّا إذا كان في الصّلاة فلا ، لانسحاب سواك الصّلاة عليها ، وكذلك القراءة .
ويستحبّ إزالة الأوساخ وقلح الفم بالسّواك عند ذكر اللّه تعالى ، لأنّ الملائكة تحضر مجالس الذّكر ، وتتأذّى ممّا يتأذّى منه بنو آدم ، ولذلك استحبّ الفقهاء استياك المحتضر عند الموت ، وقالوا : إنّه يسهّل خروج الرّوح ، لنفس العلّة .
ويستحبّ كذلك الاستياك عند قيام اللّيل ، لما روى حذيفة قال : « كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم إذا قام من اللّيل يشوص فاه بالسّواك » . ولما رواه مسلمٌ عن ابن عبّاسٍ وعائشة من الأحاديث في هذا الباب .
مواضع أخرى لاستحباب الاستياك :
10 - يستحبّ الاستياك لإذهاب رائحة الفم وترطيبه ، وإزالة صفرة الأسنان قبل الاجتماع بالنّاس لمنع التّأذّي ، وهذا من تمام هيئة المسلم ، وكذلك يستحبّ في مواطن أخرى ، مثل دخول المسجد ، لأنّ هذا من تمام الزّينة الّتي أمر اللّه سبحانه وتعالى بها عند كلّ مسجدٍ ، ولما فيه من حضور الملائكة واجتماع النّاس ، وكذلك عند دخول المنزل للالتقاء بالأهل والاجتماع بهم ، لما روى مسلمٌ عن « عائشة رضي الله عنها حينما سئلت بأيّ شيءٍ يبدأ الرّسول صلى الله عليه وسلم : إذا دخل بيته قالت : كان إذا دخل بيته بدأ بالسّواك » . ويستحبّ كذلك عند النّوم ، والجماع ، وأكل ما له رائحةٌ كريهةٌ ، وتغيّر الفم بعطشٍ أو جوعٍ ، أو غيرهما ، أو قيامٍ من نومٍ ، أو اصفرار سنٍّ ، وكذلك لإرادة أكلٍ أو فراغٍ منه . على أنّ السّواك مستحبٌّ في جميع الأوقات من ليلٍ أو نهارٍ ، لأنّه مطهرةٌ للفم مرضاةٌ للرّبّ كما ورد في الحديث .
ما يستاك به :
11 - يستاك بكلّ عودٍ لا يضرّ ، وقد قسّمه الفقهاء بحسب أفضليّته إلى أربعة أقسامٍ :
الأوّل : اتّفق فقهاء المذاهب الأربعة على أنّ أفضله جميعاً : الأراك ، لما فيه من طيبٍ وريحٍ وتشعيرٍ يخرج وينقّي ما بين الأسنان . ولحديث « أبي خيرة الصّباحيّ رضي الله عنه قال : كنت في الوفد ، يعني وفد عبد القيس الّذين وفدوا على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فأمر لنا بأراكٍ فقال : استاكوا بهذا » ولأنّه آخر سواكٍ استاك به رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وللاتّباع سواءٌ كان العود طيّباً أم لا . كما اقتضاه كلام الشّيخين النّوويّ والرّافعيّ . الثّاني : قال به المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ، يأتي بعد الأراك في الأفضليّة : جريد النّخل ، لما روي« أنّه آخر سواكٍ استاك به رسول اللّه صلى الله عليه وسلم »وقيل وقع الاستياك آخراً بالنّوعين ، فكلٌّ من الصّحابيّين روى ما رأى . ولم يتكلّم الحنفيّة على النّخل .
الثّالث : الزّيتون . وقد استحبّه فقهاء المذاهب الأربعة ، لحديث « نعم السّواك الزّيتون من شجرةٍ مباركةٍ ، تطيّب الفم وتذهب الحفر وهو سواكي وسواك الأنبياء قبلي » .
الرّابع : ثمّ بما له رائحةٌ ذكيّةٌ ولا يضرّ . قال الحنفيّة والشّافعيّة والمالكيّة : يستاك بقضبان الأشجار النّاعمة الّتي لا تضرّ ، ولها رائحةٌ طيّبةٌ تزيل القلح كالقتادة والسّعد . وقال الحنابلة : يكره بكلّ ذي رائحةٍ ذكيّةٍ ، ولم يقيّدوه بالضّرر . ومثّلوا له بالرّيحان والرّمّان .
ما يحظر الاستياك به أو يكره :
12 - يكره الاستياك بكلّ عودٍ يدمي مثل الطّرفاء والآس ، أو يحدث ضرراً أو مرضاً مثل الرّيحان والرّمّان ، لما روى الحارث في مسنده عن ضمير بن حبيبٍ قال « نهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن السّواك بعود الرّيحان وقال : إنّه يحرّك عرق الجذام » ويعرف ذلك أهل الطّبّ ، نصّوا على ذلك فقالوا : يكره كلّ ما يقول الأطبّاء إنّ فيه فساداً . ويحرم الاستياك بالأعواد السّامّة لإهلاكها أو شدّة ضررها . وهذا لا يعلم فيه خلافٌ بين العلماء . وفي حصول السّنّة بالاستياك بالمحظور قولان للشّافعيّة :
الأوّل : إنّه محصّلٌ للسّنّة ، لأنّ الكراهة والحرمة لأمرٍ خارجٍ ، وحملوا الطّهارة على الطّهارة اللّغويّة ( أي النّظافة ) .
الثّاني ، وهو المعتمد عندهم : لا تحصل به السّنّة ، لقوله صلى الله عليه وسلم : « السّواك مطهرةٌ للفم » . وهذا منجّسٌ بجرحه اللّثة وخروج الدّم ، لخشونته .
صفات السّواك :
13 - يسحب أن يكون الاستياك بعودٍ متوسّطٍ في غلظ الخنصر ، خالٍ من العقد ، لا رطباً يلتوي ، لأنّه لا يزيل القلح ( وسخ الأسنان ) ولا يابساً يجرح اللّثة ، ولا يتفتّت في الفم ، والمراد أن يكون ليّناً ، لا غاية في النّعومة ، ولا في الخشونة .
السّواك بغير عودٍ :
14 - أجاز بعض الفقهاء الاستياك بغير عودٍ ، مثل الغاسول والأصبع ، واعتبروه محصّلاً للسّنّة ، ونفاه آخرون ولم يعتبروه . والمسألة في الغاسول ( الأشنان ) على رأيين : فالحنفيّة ، والشّافعيّة : أجازوا استعمال الغاسول في الاستياك ، وقالوا : إنّه محصّلٍ للمقصود ومزيلٌ للقلح ، ويتأدّى به أصل السّنّة ، وأجاز الحنفيّة العلك للمرأة بدل السّواك . أمّا المالكيّة ، والحنابلة فقالوا : لو استعمل الغاسول عوضاً عن العيدان لم يأت بالسّنّة .
أمّا الاستياك بالأصبع ففيه ثلاثة أقوالٍ :
الأوّل : تجزئ الأصبع في الاستياك مطلقاً ، في رأيٍ لكلٍّ من المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ، لما روي عن « عليّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه أنّه توضّأ فأدخل بعض أصابعه في فيه ... وقال : هكذا كان وضوء نبيّ اللّه صلى الله عليه وسلم » .
الثّاني : تجزئ الأصبع عند عدم وجود غيرها ، وهو مذهب الحنفيّة ، وهو رأيٌ آخر لكلٍّ من المالكيّة والشّافعيّة ، لما رواه أنس بن مالكٍ رضي الله عنه « أنّ رجلاً من بني عمرو بن عوفٍ قال : يا رسول اللّه إنّك رغّبتنا في السّواك ، فهل دون ذلك من شيءٍ قال : أصبعيك سواكٌ عند وضوئك ، أمرّهما على أسنانك » .
الثّالث : لا تجزئ الأصبع في الاستياك . وهو رأيٌ ثالثٌ للشّافعيّة ، والرّأي الآخر للحنابلة ، وعلّلوا ذلك بأنّ الشّرع لم يرد به ولا يحصل الإنقاء به حصوله بالعود .
كيفيّة الاستياك :
15 - يندب إمساك السّواك باليمنى ، لأنّه المنقول عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم فيما اتّفق عليه من حديث عائشة رضوان اللّه عليها قالت : « كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يعجبه التّيامن في تنعّله وترجّله وطهوره ، وفي شأنه كلّه » وفي روايةٍ « وسواكه » ،« ثمّ يجعل الخنصر أسفل السّواك والأصابع فوقه ، كما رواه ابن مسعودٍ عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ». ويبدأ من الجانب الأيمن ويمرّ به عرضاً أي عرض الأسنان ، لأنّ استعماله طولاً قد يجرح اللّثة ، لما روي عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنّه قال : « استاكوا عرضاً وادّهنوا غبّاً » أي يوماً بعد يومٍ « واكتحلوا وتراً » . ثمّ يمرّ به على أطراف الأسنان العليا والسّفلى ظهراً وبطناً ، ثمّ على كراسيّ الأضراس ، ثمّ على اللّثة واللّسان وسقف الحلق بلطفٍ . ومن لا أسنان له يستاك على اللّثة واللّسان وسقف الحلق ، لأنّ السّواك وإن كان معقول المعنى إلاّ أنّه ما عرى عن معنى التّعبّد ، وليحصل له ثواب السّنّة .
وهذه الكيفيّة لا يعلم فيها خلافٌ .
آداب السّواك :
16 - ذكر الفقهاء آداباً للمستاك يستحبّ اتّباعها ، منها :
أ - يستحبّ ألاّ يستاك بحضرة الجماعة ، لأنّه ينافي المروءة ، ويتجنّب الاستياك في المسجد ، وفي المجالس الحافلة خلافاً لابن دقيق العيد .
ب - ويستحبّ أن يغسل سواكه بعد الاستياك لتخليصه ممّا علق به ، لحديث عائشة « كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يستاك ، فيعطيني السّواك لأغسله ، فأبدأ به فأستاك ، ثمّ أغسله وأدفعه إليه » كما يسنّ غسله للاستياك به مرّةً أخرى .
ج - ويستحبّ حفظ السّواك بعيداً عمّا يستقذر .
تكرار الاستياك ، وبيان أكثره وأقلّه :
17 - اتّفق الفقهاء على تكرار الاستياك حتّى يزول القلح ، ويطمئنّ على زوال الرّائحة إذا لم يزل إلاّ بالتّكرار ، لما روي عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنّه قال : « إنّي لأستاك حتّى لقد خشيت أن أحفي مقادم فمي » . واختلفوا في أقلّه على ثلاثة آراءٍ :
1 - أن يمرّ السّواك على أسنانه ثلاث مرّاتٍ . وهو المستحبّ عند الحنفيّة ، والأكمل عند الشّافعيّة للسّنّة في التّثليث ، وليطمئنّ القلب بزوال الرّائحة واصفرار السّنّ .
2 - يكفي مرّةً واحدةً إذا حصل بها الإنقاء ، وهو رأيٌ للشّافعيّة ، وتحصل السّنّة الكاملة بالنّيّة .
3 - لا حدّ لأقلّه ، والمراد هو زوال الرّائحة ، فما زالت به الرّائحة حصلت به السّنّة ، وهو روايةٌ للحنفيّة وقول المالكيّة ، والحنابلة .
إدماء السّواك للفم :
18 - إذا عرف أنّ من عادته إدماء السّواك لفمه استاك بلطفٍ ، فإن أدمى بعد ذلك ، كان الحكم على حالتين :
الأولى : إن لم يجد ماءً وضاق الوقت عن الصّلاة حرم الاستياك خشية تنجيس فمه .
الثّانية : إن وجد الماء واتّسع الوقت قبل الصّلاة لم يندب ، بل يجوز لما فيه من المشقّة والحرج .
استيامٌ *
انظر : سومٌ .
استيداعٌ *
انظر : وديعةٌ .
استيطانٌ *
انظر : وطنٌ .
استيعابٌ *
التعريف :
1 - الاستيعاب في اللّغة : الشّمول والاستقصاء والاستئصال في كلّ شيءٍ . يقال في الأنف أوعب جدعه : إذا قطعه كلّه ولم يبق منه شيئاً .
والفقهاء يستعملون الاستيعاب بهذا المعنى . فيقولون : استيعاب العضو بالمسح أو الغسل ، ويعنون به شمول المسح أو الغسل كلّ ، جزءٍ من أجزاء العضو .
الألفاظ ذات الصّلة :
أ - الإسباغ :
2 - الإسباغ هو : الإتمام والإكمال . يقال : أسبغ الوضوء إذا عمّ بالماء جميع الأعضاء بحيث يجري عليها ، فالإسباغ والاستيعاب متقاربان .
ب - الاستغراق :
3 - الاستغراق هو : الشّمول لجميع الأفراد دفعةً واحدةً ، فالفرق بينه وبين الاستيعاب أنّ الاستغراق لا يستعمل إلاّ فيما له أفرادٌ بخلاف الاستيعاب .
الحكم الإجماليّ ومواطن البحث :
يختلف الحكم التّكليفيّ للاستيعاب حسب مواطنه المختلفة في العبادات وغيرها .
أ - الاستيعاب الواجب :
4 - حيثما كان غسل اليدين أو الأعضاء في الطّهارة واجباً كان الاستيعاب واجباً فيه أيضاً ، بخلاف ما وجب مسحه كالرّأس فلا يجب استيعابه على خلافٍ في ذلك .
ومن الواجب استيعاب الأوقات الّتي لا تسع من الأعمال غير ما عيّن لها كالصّوم يستوعب جميع الشّهر وجميع النّهار ، وكمن نذر الاشتغال بالقرآن وعيّن كلّ ما بين المغرب والعشاء ، يجب عليه استيعاب ذلك الوقت . واستيعاب النّيّة للعبادة ، فلا يصحّ إخلاء جزءٍ منها من النّيّة ، لذلك وجب أن يقترن أوّل العبادة بالنّيّة ، ثمّ لا تنقطع إلى آخر العمل ، فإن انقطعت فسدت العبادة على خلافٍ وتفصيلٍ بين الفقهاء يرجع إليه في مصطلح ( نيّةٌ ) .
ويستثنى من ذلك الحجّ والعمرة حيث لا يفسدهما انقطاع النّيّة .
واستيعاب النّصاب كلّ الحول مختلفٌ فيه ، فبعضهم يرى اشتراطه لوجوب الزّكاة وبعضهم يكتفى في ذلك بتمامه في طرفي الحول . انظر ( زكاةٌ ) .
ب - الاستيعاب المندوب :
5 - منه استيعاب الرّأس بالمسح ، فهو مندوبٌ عند الحنفيّة ، والشّافعيّة ، وهو روايةٌ عن أحمد ، وواجبٌ عند المالكيّة ، وروايةٌ أخرى عن أحمد . وتفصيل ذلك في ( وضوءٌ ) . ومنه استيعاب المزكّي الأصناف الثّمانية في مصارف الزّكاة ، والّذين قالوا باستحبابه قالوه خروجاً من خلاف الشّافعيّة ، والقائلين بوجوبه .
6 - ومن خطاب الوضع إذا استوعب الإغماء أو الجنون يوماً كاملاً تسقط الصّلاة على خلافٍ موطن بيانه في مصطلحات ( صلاةٌ ) ، ( إغماءٌ ) ، ( جنونٌ ) .
ج - الاستيعاب المكروه :
7 - يكره للإنسان استيعاب جميع ماله بالتّبرّع أو الصّدقات ، وقد فصّل الفقهاء ذلك في كتاب الصّدقات .
استيفاءٌ *
التعريف :
1 - الاستيفاء : مصدر استوفى ، وهو أخذ صاحب الحقّ حقّه كاملاً ، دون أن يترك منه شيئاً . ولا يخرج استعمال الفقهاء عن هذا المعنى .
الألفاظ ذات الصّلة :
القبض :
2 - قبض الدّين أخذه ، وهو كما يكون في الدّيون يكون كذلك في الأعيان ، فالقبض أعمّ من الاستيفاء .
علاقة الاستيفاء بالإبراء والحوالة :
3 - من تقسيمات الإبراء عند الحنفيّة أنّه : إمّا إبراء إسقاطٍ ، أو إبراء استيفاءٍ ، ففي الكفالة لو قال الدّائن للكفيل : برئت إليّ من المال ، كان إبراء استيفاء لكلٍّ من الكفيل والدّائن ، أمّا لو قال : أبرأتك ، فإنّه يكون إبراء إسقاطٍ ، يبرّأ به الكفيل فقط .
وتفصيله في مصطلح ( إبراءٌ ) .
وقد اختلف الفقهاء في ترجيح حقيقة الحوالة ، هل هي بيعٌ أو استيفاءٌ ؟ قال النّوويّ : والتّرجيح مختلفٌ في الفروع بحسب المسائل ، لقوّة الدّليل وضعفه ، ومن أمثلة ذلك : لو خرج المحال عليه مفلساً ، وقد شرط يساره ، فالأصحّ لا رجوع للمحال ، بناءً على أنّها استيفاءٌ ، ومقابله : له الرّجوع بناءً على أنّها بيعٌ .
من له حقّ الاستيفاء :
4 - يختلف من له حقّ الاستيفاء باختلاف الحقّ المراد استيفاؤه ، إذ هو إمّا حقٌّ خالصٌ للّه سبحانه وتعالى ، أو حقٌّ خالصٌ للعبد ، كالدّيون ، أو حقٌّ مشتركٌ . وبعض الفقهاء يقسّم هذا الحقّ المشترك إلى قسمين : ما غلب فيه حقّ اللّه كحدّ السّرقة ، وما غلب فيه حقّ العبد كالقصاص . والمراد بحقّ العبد المحض : ما يملك إسقاطه ، على معنى أنّه لو أسقطه لسقط ، وإلاّ فما من حقٍّ للعبد إلاّ وفيه حقٌّ للّه تعالى ، وهو أمره بإيصال ذلك الحقّ إلى مستحقّه ، فيوجد حقٌّ للّه تعالى دون حقٍّ للعبد ، ولا يوجد حقٌّ لعبدٍ إلاّ وفيه حقٌّ للّه تعالى .
استيفاء حقوق اللّه تعالى
أوّلاً : استيفاء الحدود :
5 - يجب على وليّ الأمر إنفاذ الحدود ، ولا يملك وليّ الأمر ولا غيره إسقاطها بعد ثبوتها لديه ، والّذي يتولّى استيفاءها هو وليّ الأمر أو من ينيبه ، فإن استوفاها غيره دون إذنه يعزّر لافتياته عليه .
أ - كيفيّة استيفاء حدّ الزّنا :
6 - حدّ الزّنا إمّا الرّجم ، وإمّا الجلد : وعلى كلٍّ فإمّا أن يكون الزّنا قد ثبت بالبيّنة أو بالإقرار ، فإن كان قد ثبت بالبيّنة ، فالحنفيّة يشترطون أن يحضر الشّهود ، وأن يبدءوا بالرّجم ، فإن امتنعوا سقط الحدّ . وغير الحنفيّة لا يشترطون حضور الشّهود ، إلاّ أنّ الشّافعيّة والحنابلة يرون حضورهم مستحبّاً ، أمّا المالكيّة فلا يرون حضورهم واجباً ولا مستحبّاً . والكلّ مجمعٌ في هذه الحالة على أنّه إن حاول الهرب لا يمكّن من ذلك ، بل قال بعضهم بأنّه إن خيف هربه يقيّد أو يحفر له . وإن كانت امرأةً يحفر لها ، أو تربط عليها ثيابها حتّى لا تتكشّف . وأمّا إن كان قد ثبت بالإقرار ، فهم مجمعون على أنّه إن حاول الهرب لم يتّبع ، ويوقف التّنفيذ ، جلداً كان أو رجماً ، ويعتبر ذلك رجوعاً عن إقراره . وهناك تفصيلاتٌ وخلافٌ في بعض هذه الأحكام يرجع إليها في مصطلح ( حدّ الزّنا ) .
وإذا كان الحدّ جلداً فالكلّ مجمعٌ على نزع ما يلبسه من حشوٍ أو فروٍ .
فإن كان رجلاً ينزع عنه ثيابه إلاّ ما يستر عورته ، ثمّ إن كان المحدود بالجلد مريضاً مرضاً يرجى شفاؤه أرجئ التّنفيذ إلى أن يبرأ ، وإن كان امرأةً حاملاً أرجئ الحدّ مطلقاً - رجماً أو جلداً - إلى أن تضع حملها ، ويستغني ولدها عن الرّضاع منها .
ب - كيفيّة استيفاء حدّ القذف وحدّ شرب الخمر :
7 - سبق ما يتّصل بالجلد وحدّ الزّنا ، على أنّه ينبغي في الجلد في حدّ الزّنا أن يكون أشدّ منه في حدّ القذف ، وأن يكون في حدّ القذف أشدّ منه في حدّ شرب الخمر .
ويرجع في تفصيل ذلك إلى ( حدّ القذف ) ( وحدّ الخمر ) .
هذا ، وللفقهاء تفصيلاتٌ في آلة الاستيفاء في الجلد وملابساته ، ترجع إلى تحقيق عدم تعريض المستوفى منه الحدّ إلى التّلف جزئيّاً أو كلّيّاً ، وتفصيلات ذلك في الحدود . وانظر أيضاً مصطلح ( جلدٌ ) ومصطلح ( رجمٌ ) . هذا ، وقد صرّح الفقهاء بأنّ مبنى إقامة الحدود على العلانية ، وذلك لقوله تعالى : { وليشهد عذابهما طائفةٌ من المؤمنين } ولكي يحصل الرّدع والزّجر ، فيأمر الإمام قوماً غير من يقيمون الحدّ بالحضور .
ج - كيفيّة استيفاء حدّ السّرقة :
8 - حدّ السّرقة من الحقوق المشتركة كحدّ القذف ، ولا خلاف بين الفقهاء في أنّ الّذي يقيم حدّ القذف وحدّ السّرقة هو الإمام .
والتّفصيل في شروط ثبوت الحدود ، وحالات سقوطها يذكر في أبواب الحدود .
أمّا كيفيّة الاستيفاء في حدّ السّرقة ، فالفقهاء صرّحوا بأنّه إذا وجب القطع في حدّ السّرقة بشروطه المبيّنة في بابه ، فإنّه يستوفى بقطع اليد اليمنى من مفصل الكفّ ، بطريقة تؤمن معها السّراية ، كالحسم بالزّيت أو غيره من الوسائل . لحديث : « اقطعوه ثمّ احسموه » .
د - مكان استيفاء الحدود :
9 - لا يستوفى حدٌّ ولا قصاصٌ في المسجد ، حتّى لو وقعت الجناية فيه ، لئلاّ يؤدّي ذلك إلى تلويثه ، أمّا إذا وقعت الجناية في الحرم دون المسجد فالإجماع على أنّه يقتصّ منه فيه . أمّا إذا وقعت في الحلّ ولجأ الجاني إلى الحرم ، فقد اختلف فيه : فذهب الحنابلة ومحمّدٌ إلى أنّه لا يخرج ، بل يضطرّ للخروج بمنع الطّعام والشّراب عنه . واستدلّوا بعموم قوله تعالى : { ومن دخله كان آمناً } . وقال أبو يوسف : يباح إخراجه .
وقال المالكيّة : لا يؤخّر بل يقام عليه الحدّ أو القصاص خارج المسجد .
قال في نهاية المحتاج : لخبر الصّحيحين « إنّ الحرم لا يعيذ فارّاً بدمٍ » .
ثانياً : استيفاء التّعزيرات :
10 - التّعزيرات الّتي ترجع إلى حقّ اللّه تعالى ، اختلف الفقهاء فيها ، فقال مالكٌ : وجب التّعزير لحقّ اللّه كالحدود ، إلاّ أن يغلب على ظنّ الإمام أنّ غير الضّرب مصلحةٌ من الملامة والكلام . وذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أنّه إذا كان منصوصاً من الشّارع على التّعزير وجب ، وإلاّ فللإمام إقامته أو العفو عنه ، حسب المصلحة وحصول الانزجار به أو بدونه ،
وقال الشّافعيّة : هو غير واجبٍ على الإمام ، إن شاء أقامه وإن شاء تركه . وينظر تفصيل هذا وأدلّته في مصطلح ( تعزيرٌ ) .
ثالثاً : استيفاء حقوق اللّه الماليّة :
أ - استيفاء الزّكوات :
11 - مال الزّكاة نوعان : ظاهرٌ ، وهو المواشي والزّروع والمال الّذي يمرّ به التّاجر على العاشر ، وباطنٌ : وهو الذّهب والفضّة ، وأموال التّجارة في مواضعها .
وولاية أخذ الزّكاة في الأموال الظّاهرة للإمام في مذاهب : الحنفيّة ، والمالكيّة ، وأحد قولي الشّافعيّة . ودليل ذلك قول اللّه تعالى : { خذ من أموالهم صدقةً } والّذي عليه عامّة أهل التّأويل أنّ المراد بالصّدقة الزّكاة ، وكذلك قوله تعالى : { إنّما الصّدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها } فقد جعل اللّه تعالى للعاملين عليها حقّاً ولو لم يكن للإمام أن يطالب أرباب الأموال بصدقات الأنعام والزّروع في أماكنها ، وكان أداؤها إلى أرباب الأموال ، لم يكن لذكر العاملين وجهٌ . وكان الرّسول عليه الصلاة والسلام والأئمّة بعده يبعثون المصدّقين إلى أحياء العرب والبلدان والآفاق ، لأخذ الصّدقات من الأنعام والمواشي في أماكنها .
وقال الحنفيّة : إنّه يلحق بالأموال الظّاهرة المال الباطن إذا مرّ به التّاجر على العاشر ، فله أن يأخذ منه الزّكاة في الجملة ، لأنّه لمّا سافر به وأخرجه من العمران صار ظاهراً والتحق بالسّوائم ، وهذا لأنّ الإمام إنّما كان له المطالبة بزكاة المواشي في أماكنها لمكان الحماية ، لأنّ المواشي في البراريّ لا تصير محفوظةً إلاّ بحفظ السّلطان وحمايته ، وهذا المعنى موجودٌ في مالٍ يمرّ به التّاجر على العاشر فكان كالسّوائم . وعليه إجماع الصّحابة رضي الله عنهم . وهذا الحكم ( دفع زكاة الأموال الظّاهرة إلى الأئمّة ) إذا كان الأئمّة عدولاً في أخذها وصرفها . وإن كانوا غير عدولٍ في غير ذلك ، وذلك مذهب المالكيّة ، فإن طلبها الإمام العدل فادّعى المزكّي إخراجها لم يصدّق ، والّذي في كتب الحنفيّة أنّ السّلاطين الّذين لا يضعون الزّكاة مواضعها إذا أخذوا الزّكاة أجزأت عن المزكّين ، لأنّ ولاية الأخذ لهم ، فلا تعاد . وقال بعضهم : يسقط الخراج ولا تسقط الزّكوات . ومؤدّى هذا أنّه إذا كان الإمام غير عادلٍ فللمزكّي إخراج زكاته .
والمنصوص عليه في مذهب الشّافعيّة . أنّه إذا كان الإمام عدلاً ففيها قولان : أحدهما أنّه محمولٌ على الإيجاب ، وليس لهم التّفرّد بإخراجها ، ولا تجزّئهم إن أخرجوها .
ومذهب الحنابلة لا يختلف عن الجمهور في الأموال الظّاهرة ، أمّا في الأموال الباطنة فقد صرّح أبو يعلى بأنّه ليس لوالي الصّدقات نظرٌ في زكاتها ، وأربابها أحقّ منه بإخراجها إلاّ أن يبذل ربّ المال زكاتها طوعاً ، والمذهب أنّ للإمام طلب زكاة الأموال الباطنة أيضاً . وإذا تأكّد الإمام أنّ أرباب الأموال لا يؤدّون زكاتها أجبرهم على إيتائها ولو بالقتال ، كما فعل أبو بكرٍ رضي الله عنه بما يفي الزّكاة ، وهذا إن كان الإمام يضعها موضعها ، وإلاّ فلا يقاتلهم .
ب - استيفاء الكفّارات والنّذور :
12 - ليس للإمام ولاية استيفاء الكفّارات والنّذور ، وإنّما يؤدّيها من وجبت عليه .
وعند الحنابلة يجوز للإمام طلب النّذر والكفّارة على الصّحيح من المذهب ، وهذا هو مذهب الشّافعيّة في الكفّارة .
استيفاء حقوق العباد :
أوّلاً : استيفاء القصاص :
13 - استيفاء القصاص لا بدّ له من إذن الإمام ، فإن استوفاه صاحب الحقّ بدون إذنه وقع موقعه ، وعزّر لافتياته على الإمام . ثمّ إنّ الّذي يستوفي القصاص فيما دون النّفس هو الإمام ، وليس للأولياء ذلك ، لأنّه لا يؤمن منهم التّجاوز أو التّعذيب .
أمّا إن كان القصاص في النّفس ، فالجمهور على أنّ الوليّ هو الّذي يتولاّه ، لقوله تعالى : { ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليّه سلطاناً } . وللحديث الّذي فيه : « أنّ الرّسول صلى الله عليه وسلم دفع القاتل إلى أخ المقتول وقال له : دونك صاحبك » . رواه مسلمٌ . وله أن يوكّل فيه ، وإن كانوا أكثر من واحدٍ وكّلوا أحدهم . وذهب الشّافعيّة إلى أنّ الأصل تولّي الإمام أو من ينيبه ذلك ، فإن طلب المستحقّ استيفاء القصاص بنفسه ، ورآه الإمام أهلاً أجابه إلى ذلك ، وإلاّ لم يجبه . وتفصيل الكلام في هذه المسائل في مصطلح : ( قصاصٌ ) . هذا ، وقد صرّح الحنابلة بوجوب حضور الإمام أو نائبه ، ليؤمن التّجاوز أو التّعذيب ، وحضور القاضي الّذي حكم بالقصاص مسنونٌ عند الشّافعيّة . وصرّح الحنفيّة بوجوب حضور صاحب الحقّ رجاء أن يعفو .