الرد على الموضوع

1 - أن يكون شربه للتّقوّي ونحوه من غرضٍ صحيحٍ .

 2 - أن يشربه لا للّهو والطّرب ، فلو شربه للّهو أو الطّرب فقليله وكثيره حرامٌ .

 3 - ألاّ يشرب ما يغلب على ظنّه أنّه مسكرٌ ، فلو شرب حينئذٍ ، فيحرم القدح الأخير الّذي يحصل السّكر بشربه ، وهو الّذي يعلم يقيناً ، أو بغالب الرّأي ، أو بالعادة أنّه يسكره . وهذا كلّه عند أبي حنيفة وأبي يوسف ، كما تقدّم ، ومثلهما بقيّة فقهاء العراق : إبراهيم النّخعيّ من التّابعين ، وسفيان الثّوريّ ، وابن أبي ليلى ، وشريكٌ ، وابن شبرمة ، وسائر فقهاء الكوفيّين ، وأكثر علماء البصريّين ، فإنّهم قالوا : إنّ المحرّم من غير الخمر من سائر الأنبذة الّتي يسكر كثيرها هو السّكر نفسه ، لا العين ، وهذا إنّما هو في المطبوخ منها .

13 - ودليل أبي حنيفة ومن معه من السّنّة ما يأتي :

أ - عن عبد اللّه بن عمر رضي الله عنهما « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم : أتي بنبيذٍ فشمّه ، فقطّب وجهه لشدّته ، ثمّ دعا بماءٍ فصبّه عليه وشرب منه »

 ب - « إنّ النّبيّ قال : لا تنبذوا الزّهو والرّطب جميعاً ، ولا تنبذوا الرّطب والزّبيب جميعاً ، ولكن انتبذوا كلّ واحدٍ منها على حدته » ، وفي لفظ البخاريّ ذكر التّمر بدل الرّطب . قالوا : وهذا نصٌّ على أنّ المتّخذ من كلّ واحدٍ منها مباحٌ .

ج - عن أبي سعيدٍ رضي الله عنه « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم نهى عن التّمر والزّبيب أن يخلط بينهما ، يعني في الانتباذ » . وزيد في روايةٍ أنّه قال : « من شربه منكم فليشربه زبيباً فرداً ، وتمراً فرداً ، وبسراً فرداً » .

د - واستدلّوا على إباحة الخليطين بما روته عائشة رضي الله عنها قالت : « كنّا ننتبذ لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم في سقاءٍ ، فنأخذ قبضةً من تمرٍ ، وقبضةً من زبيبٍ ، فنطرحهما فيه ، ثمّ نصبّ عليه الماء فننتبذه غدوةً فيشربه عشيّةً ، وننتبذه عشيّةً فيشربه غدوةً »

 14 - وأدلّتهم من الآثار :

أ - ما روي عن عمر رضي الله عنه أنّه كتب إلى عمّار بن ياسرٍ رضي الله عنه : إنّي أتيت بشرابٍ من الشّام طبخ حتّى ذهب ثلثاه وبقي ثلثه ، فذهب منه شيطانه وريح جنونه ، وبقي طيبه وحلاله ، فمر المسلمين قبلك ، فليتوسّعوا به في أشربتهم . فقد نصّ على أنّ الزّائد على الثّلث حرامٌ ، وأشار إلى أنّه ما لم يذهب ثلثاه فالقوّة المسكرة فيه قائمةٌ ، ورخّص في الشّراب الّذي ذهب ثلثاه وبقي ثلثه .

ب - ما روي أيضاً عن عمر رضي الله عنه أنّه كان يشرب النّبيذ الشّديد ، وأنّه هو وعليٌّ وأبو عبيدة بن الجرّاح ومعاذ بن جبلٍ وأبو الدّرداء وأبو موسى الأشعريّ أحلّوا الطّلاء ، وكانوا يشربونه ، وهو : ما ذهب ثلثاه وبقي ثلثه ، وقال عمر : هذا الطّلاء مثل طلاء الإبل ، ثمّ أمر بشربه ، وكان عليٌّ يرزق النّاس طلاءً يقع فيه الذّباب ، فلا يستطيع الخروج منه ، أي لحلاوته . حكم الأشربة الأخرى :

15 - تقدّم أنّ مذهب جمهور العلماء تحريم كلّ شرابٍ مسكرٍ قليله وكثيره ، وعلى هذا فإنّ الأشربة المتّخذة من الحبوب والعسل واللّبن والتّين ونحوها يحرم شرب قليلها إذا أسكر كثيرها ، وبهذا قال محمّد بن الحسن من الحنفيّة وهو المفتى به عندهم . وذلك للأدلّة المتقدّمة من أنّ  كلّ شرابٍ مسكرٍ خمرٌ وكلّ خمرٍ حرامٌ " وغير ذلك . ورأي الجمهور مرويٌّ عن عمر ، وعليٍّ ، وابن مسعودٍ ، وابن عمر ، وأبي هريرة ، وسعد بن أبي وقّاصٍ ، وأبيّ بن كعبٍ ، وأنسٍ ، وعائشة ، وابن عبّاسٍ ، وجابر بن عبد اللّه ، والنّعمان بن بشيرٍ ، ومعاذ بن جبلٍ ، وغيرهم من فقهاء الصّحابة رضي الله عنهم . وبذلك قال ابن المسيّب ، وعطاءٌ ، وطاوسٌ ومجاهدٌ ، والقاسم ، وقتادة ، وعمر بن عبد العزيز ، وأبو ثورٍ ، وأبو عبيدٍ ، وإسحاق بن راهويه ، والأوزاعيّ ، وجمهور فقهاء الحجاز ، وجمهور المحدّثين عن فقهاء التّابعين ومن بعدهم . تفصيلاتٌ لبعض المذاهب في بعض الأشربة :

16 - اختلف المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة في حكم بعض الأشربة غير المسكرة في تقديرهم ، كالخليطين ، والنّبيذ ، والفقّاع .

أ - الخليطان : ذهب المالكيّة إلى تحريم الخليطين من الأشياء الّتي من شأنها أن تقبل الانتباذ ، كالبسر والرّطب ، والتّمر والزّبيب ولو لم يشتدّا ، لأنّ الرّسول صلى الله عليه وسلم « نهى أن ينبذ الرّطب والبسر جميعاً » . والنّهي يقتضي التّحريم ، إذا لم يكن هناك قرينةٌ تصرفه إلى غير ذلك كالكراهة . أي أخذاً بظاهر هذا الحديث وغيره يحرم الخليطان ، وإن لم يكن الشّراب منهما مسكراً سدّاً للذّرائع . وقال الشّافعيّة : يكره من غير المسكر : المنصّف ، وهو ما يعمل من تمرٍ ورطبٍ ، والخليط : وهو ما يعمل من بسرٍ ورطبٍ ، لأنّ الإسكار يسرع إلى ذلك بسبب الخلط قبل أن يتغيّر ، فيظنّ الشّارب أنّه ليس بمسكرٍ ، ويكون مسكراً ، فإن أمن سكره ولم تكن فيه شدّةٌ مطربةٌ فيحلّ . وقال الحنابلة : يكره الخليطان ، وهو أن ينبذ في الماء شيئان ، لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم نهى عن الخليطين وعن أحمد : الخليطان حرامٌ ، قال القاضي : يعني أحمد بقوله : ( هو حرامٌ ) . إذا اشتدّ وأسكر ، وهذا هو الصّحيح إن شاء اللّه ، وإنّما نهى النّبيّ صلى الله عليه وسلم لعلّة إسراعه إلى السّكر المحرّم ، فإذا لم يوجد لم يثبت التّحريم .

ب - النّبيذ غير المسكر :

17 - قال الحنابلة وغيرهم : لا يكره إذا كانت مدّة الانتباذ قريبةً أو يسيرةً ، وهي يومٌ وليلةٌ . أمّا إذا بقي النّبيذ مدّةً يحتمل فيها إفضاؤه إلى الإسكار ، فإنّه يكره ، ولا يثبت التّحريم عند المالكيّة والشّافعيّة إلاّ بالإسكار ، فلم يعتبروا المدّة أو الغليان . ولا يثبت التّحريم عند الحنابلة ما لم يغل العصير ، أو تمض عليه مدّة ثلاثة أيّامٍ بلياليها . وإن طبخ العصير أو النّبيذ قبل فورانه واشتداده ، أو قبل أن تمضي عليه ثلاثة أيّامٍ حتّى صار غير مسكرٍ كالدّبس ، ونحوه من المربّيات ، وشراب الخرّوب ، فهو مباحٌ ، لأنّ التّحريم إنّما ثبت في المسكر ، فبقي ما عداه على أصل الإباحة . واستدلّوا بحديث ابن عبّاسٍ « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان ينقع له الزّبيب ، فيشربه اليوم والغد وبعد الغد إلى مساء الثّالثة ، ثمّ يأمر به فيسقى أو يهراق » .

الانتباذ في الأوعية :

18 - الانتباذ : اتّخاذ النّبيذ المباح ، وقد اتّفق الفقهاء على أنّه يجوز الانتباذ في الأوعية المصنوعة من جلدٍ ، وهي الأسقية ، واختلفوا فيما سواها . فذهب الحنفيّة إلى جواز الانتباذ في كلّ شيءٍ من الأواني ، سواءٌ الدّبّاء والحنتم والمزفّت والنّقير ، وغيرها ، لأنّ الشّراب الحاصل بالانتباذ فيها ليست فيه شدّةٌ مطربةٌ ، فوجب أن يكون الانتباذ في هذه الأوعية وغيرها مباحاً . وما ورد من النّهي عن الانتباذ في هذه الأوعية منسوخٌ بقوله صلى الله عليه وسلم : « كنت نهيتكم عن الأشربة في ظروف الأدم ، فاشربوا في كلّ وعاءٍ ، غير ألا تشربوا مسكراً » وفي روايةٍ « نهيتكم عن الظّروف ، وإنّ ظرفاً لا يحلّ شيئاً ولا يحرّمه ، وكلّ مسكرٍ حرامٌ » فهذا إخبارٌ صريحٌ عن النّهي عنه فيما مضى ، فكان هذا الحديث ناسخاً للنّهي . ويدلّ عليه أيضاً ما روى أحمد عن أنسٍ ، قال : « نهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن النّبيذ في الدّبّاء والنّقير والحنتم والمزفّت » ، ثمّ قال بعد ذلك : « ألا كنت نهيتكم عن النّبيذ في الأوعية ، فاشربوا فيما شئتم ، ولا تشربوا مسكراً ، من شاء أوكى سقاءه على إثمٍ » والقول بنسخ الانتباذ في الأوعية المذكورة هو قول جمهور الفقهاء ، ومنهم الشّافعيّة والحنابلة في الصّحيح عندهم ، فلا يحرم ولا يكره الانتباذ في أيّ وعاءٍ . وقال جماعةٌ منهم ابن عمر وابن عبّاسٍ ومالكٌ وإسحاق : يكره الانتباذ في الدّبّاء والمزفّت ، وعليهما اقتصر مالكٌ ، فلا يكره الانتباذ في غير الدّبّاء والمزفّت .

 وكره أحمد في روايةٍ والثّوريّ الانتباذ في الدّبّاء والحنتم والنّقير والمزفّت ، لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم نهى عن الانتباذ فيها ، فالنّهي عند هؤلاء باقٍ ، سدّاً للذّرائع ، لأنّ هذه الأوعية تعجّل شدّة النّبيذ .

حالات الاضطرار :

19 - ما سبق من تحريم الخمر أو الأنبذة عند الإسكار إنّما هو في الأحوال العاديّة . أمّا عند الاضطرار فإنّ الحكم يختلف ، ويرخّص شرعاً تناول الخمر ، ولكن بمعياره الشّرعيّ الّذي تباح به المحرّمات ، كضرورة العطش ، أو الغصص ، أو الإكراه ، فيتناول المضطرّ بقدر ما تندفع به الضّرورة ، وهذا ليس مجمعاً على جميعه ، بل فيه خلافٌ بين الفقهاء على النّحو التّالي :

أ - الإكراه :

20 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى جواز شرب الخمر عند الإكراه ، لقوله عليه الصلاة والسلام : « إنّ اللّه تجاوز عن أمّتي الخطأ والنّسيان وما استكرهوا عليه » إلاّ أنّ الشّافعيّة مع قولهم بالجواز ألزموا شارب الخمر عند الإكراه - وكلّ آكل حرامٍ أو شاربه - أن يتقيّأه إن أطاقه ، لأنّه أبيح شربه للإكراه ، ولا يباح بقاؤه في البطن بعد زوال السّبب . ولزيادة التّفصيل راجع مصطلح : ( إكراهٌ ) .

ب - الغصص أو العطش :

21 - يجوز للمضطرّ شرب الخمر إن لم يجد غيرها ( ولو ماءً نجساً كما صرّح به المالكيّة والحنابلة ) لإساغة لقمةٍ غصّ بها ، باتّفاق فقهاء المذاهب الأربعة ، خلافاً لابن عرفة من المالكيّة الّذي يرى أنّ ضرورة الغصص تدرأ الحدّ ولا تمنع الحرمة . وإنّما حلّت عند غيره من الفقهاء لدفع الغصص إنقاذاً للنّفس من الهلاك ، والسّلامة بذلك قطعيّةٌ ، وهي من قبيل الرّخصة الواجبة عند الشّافعيّة . أمّا شرب الخمر لدفع العطش ، فذهب الحنفيّة - وهو قولٌ يقابل الأصحّ عند الشّافعيّة - إلى جواز شربها في حالة الضّرورة ، كما يباح للمضطرّ تناول الميتة والخنزير ، وقيّدها الحنفيّة بقولهم : إن كانت الخمر تردّ ذلك العطش ومفهومه أنّها إن لم تردّ العطش لا يجوز . وذهب المالكيّة - وهو الأصحّ عند الشّافعيّة - إلى تحريم شربها لدفع العطش ، قال المالكيّة : لأنّها لا تزيل العطش ، بل تزيده حرارةً لحرارتها ويبوستها . وقيّد الحنابلة حرمة شربها بكونها صرفاً ، أي غير ممزوجةٍ بما يروي من العطش ، فإن مزجت بما يروي من العطش جاز شربها لدفع الضّرورة . وأمّا ضرورة التّداوي فسيأتي بيانها في أواخر هذا البحث .

 الثّاني من أحكام الخمر : أنّه يكفر مستحلّها :

22 - لقد ثبتت حرمة الخمر بدليلٍ قطعيٍّ ، وهو القرآن الكريم والسّنّة والإجماع ، كما سبق . فمن استحلّها فهو كافرٌ مرتدٌّ حلال الدّم والمال . وللتّفصيل في ذلك انظر مصطلح : ( ردّةٌ ) . هذا ، وإنّ الخمر الّتي يكفر مستحلّها هي ما اتّخذ من عصير العنب ، أمّا ما أسكر من غير عصير العنب النّيء فلا يكفر مستحلّه ، وهذا محلّ اتّفاقٍ بين الفقهاء ، لأنّ حرمتها دون حرمة الخمر الثّابتة بدليلٍ قطعيٍّ ، وهذه ثبتت حرمتها بدليلٍ ظنّيٍّ غير مقطوعٍ به من أخبار الآحاد عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم وآثار الصّحابة .

 الثّالث عقوبة شاربها :

23 - ثبت حدّ شارب الخمر بالسّنّة ، فقد وردت أحاديث كثيرةٌ في حدّ شارب الخمر ، منها ما روي عن أنسٍ « أنّ النّبيّ أتي برجلٍ قد شرب الخمر ، فجلده بجريدتين نحو أربعين » . قال : وفعله أبو بكرٍ ، فلمّا كان عمر استشار النّاس ، فقال عبد الرّحمن : أخفّ الحدود ثمانون ، فأمر به عمر . وعن السّائب بن يزيد قال : « كنّا نؤتى بالشّارب في عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وإمرة أبي بكرٍ ، فصدراً من خلافة عمر ، فنقوم إليه بأيدينا ونعالنا وأرديتنا ، حتّى كان آخر إمرة عمر ، فجلد أربعين ، حتّى إذا عتوا وفسقوا جلد ثمانين » . وقد أجمع الصّحابة ومن بعدهم على جلد شارب الخمر ، ثمّ اختلفوا في مقداره ما بين أربعين أو ثمانين . والجمهور على القول بالثّمانين . وتفصيله في ( حدّ الشّرب ) . وعلى هذا يحدّ عند الجمهور شارب الخمر سواءٌ أسكر أم لم يسكر ، وكذا شارب كلّ مسكرٍ ، سواءٌ أشرب كثيراً أم قليلاً . والمفتى به عند الحنفيّة أنّه يحدّ من شرب الخمر قليلها أو كثيرها ، وكذا يحدّ من سكر من شرب غيرها .

                                   ضابط السّكر :

24 - ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وصاحبا أبي حنيفة وغيرهم إلى أنّ السّكران هو الّذي يكون غالب كلامه الهذيان ، واختلاط الكلام ، لأنّ هذا هو السّكران في عرف النّاس وعاداتهم ، فإنّ السّكران في متعارف النّاس اسمٌ لمن هذى ، وإليه أشار الإمام عليٌّ رضي الله عنه بقوله : إذا سكر هذى ، وإذا هذى افترى ، وحدّ المفتري ثمانون . فحدّ السّكر الّذي يمنع صحّة العبادات ، ويوجب الفسق على شارب النّبيذ ونحوه هو الّذي يجمع بين اضطراب الكلام فهماً وإفهاماً ، وبين اضطراب الحركة مشياً وقياماً ، فيتكلّم بلسانٍ منكسرٍ ، ومعنًى غير منتظمٍ ، ويتصرّف بحركة مختبطٍ ، ومشي متمايلٍ ، وما زاد على ذلك ممّا يذكره الإمام أبو حنيفة فهو زيادةٌ في حدّ السّكر أي مقداره . وذهب أبو حنيفة إلى أنّ السّكر الّذي يتعلّق به وجوب الحدّ هو الّذي يزيل العقل بحيث لا يفهم السّكران شيئاً ، ولا يعقل منطقاً ، ولا يفرّق بين الرّجل والمرأة ، والأرض والسّماء ، لأنّ الحدود يؤخذ في أسبابها بأقصاها ، درءاً للحدّ ، لقوله عليه الصلاة والسلام : « ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم » وقول الصّاحبين أبي يوسف ومحمّدٍ مال إليه أكثر المشايخ من الحنفيّة ، وهو المختار للفتوى عندهم . قال في الدّرّ : يختار للفتوى لضعف دليل الإمام .

طرق إثبات السّكر :

25 - إنّ إثبات الشّرب الموجب لعقوبة الحدّ لأجل إقامته على الشّارب بواسطة الشّهادة أو الإقرار أو القيء ونحوها تفصيله في حدّ شرب الخمر . وانظر مصطلح ( إثباتٌ ) .

حرمة تملّك وتمليك الخمر :

26 - يحرم على المسلم تملّك أو تمليك الخمر بأيّ سببٍ من أسباب الملك الاختياريّة أو الإراديّة ، كالبيع والشّراء والهبة ونحو ذلك ، لقوله عليه الصلاة والسلام : « إنّ الّذي حرّم شربها حرّم بيعها » . وعن جابرٍ قال : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول : « إنّ اللّه ورسوله حرّم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام » أمّا إذا كان التّملّك للخمر بسببٍ جبريٍّ كالإرث ، فإنّها تدخل في ملكه وتورث ، كما إذا كانت ملكاً لذمّيٍّ فأسلم ، أو تخمّر عند المسلم عصير العنب قبل تخلّله ، ثمّ مات والخمر في حوزته ، فإنّها تنتقل ملكيّتها إلى وارثه بسببٍ غير إراديٍّ ، فلا يكون ذلك من باب التّملّك والتّمليك الاختياريّ المنهيّ عنه . وينبني على ما تقدّم أنّ الخمر هل هي مالٌ أو لا ؟ اختلف العلماء في ذلك : فذهب الحنفيّة في الأصحّ عندهم ، والمالكيّة إلى أنّها مالٌ متقوّمٌ ، لكن يجوز إتلافها لغرضٍ صحيحٍ ، وتضمن إذا أتلفت لذمّيٍّ . في حين ذهب الحنفيّة - في مقابل الأصحّ - والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّها ليست بمالٍ ، وعلى هذا فيجوز إتلافها ، لمسلمٍ كانت أو ذمّيٍّ . أمّا غير الخمر من المسكر المائع ، فذهب الجمهور ومحمّدٌ من الحنفيّة إلى أنّه لا يجوز إتلافه خلافاً لأبي حنيفة وأبي يوسف وللتّفصيل انظر في ذلك مصطلحي ( بيعٌ ) ( وإتلافٌ ) .

ضمان إتلاف الخمر أو غصبها :

27 - اتّفق الفقهاء على أنّ الخمر إن كانت لمسلمٍ فلا يضمن متلفها ، واختلفوا في ضمان من أتلف خمر الذّمّيّ ، فذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى القول بالضّمان ، وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى القول بعدم الضّمان ، لانتفاء تقوّمها كسائر النّجاسات واتّفقوا أيضاً على أنّه لا تراق الخمرة المغصوبة من مسلمٍ إذا كانت محترمةً - وهي الّتي عصرت لا بقصد الخمريّة ، وإنّما بقصد التّخليل - وتردّ إلى المسلم ، لأنّ له إمساكها لتصير خلاًّ . والضّمان هنا إذا وجب على المسلم ، فإنّه يكون بالقيمة عند الحنفيّة والمالكيّة لا بالمثل ، لأنّ المسلم ممنوعٌ عن تمليكه وتملّكه إيّاها ، لما فيه من إعزازها . وإذا وجب لذمّيٍّ على ذمّيٍّ ، فقد صرّح الحنفيّة بأنّه يكون بالمثل . وينظر أيضاً مصطلح ( إتلافٌ ) ( وضمانٌ ) .


اكتب معهد الماهر
أعلى