الرئيسية
المنتديات
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
الغرف الصوتية
غرفة ٠٠٠٠
ما الجديد
المشاركات الجديدة
جديد مشاركات الحائط
آخر النشاطات
الأعضاء
الزوار الحاليين
مشاركات الحائط الجديدة
البحث عن مشاركات الملف الشخصي
تسجيل الدخول
تسجيل
ما الجديد
البحث
البحث
بحث بالعناوين فقط
بواسطة:
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
قائمة
تسجيل الدخول
تسجيل
تثبيت التطبيق
تثبيت
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية
تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة
.
الرد على الموضوع
الرسالة
<blockquote data-quote="ابن عامر الشامي" data-source="post: 40948" data-attributes="member: 329"><p>أثر الإقرار :</p><p>8 - أثر الإقرار ظهور ما أقرّ به ، أي ثبوت الحقّ في الماضي ، لا إنشاء الحقّ ابتداءً ، فلو أقرّ لغيره بمالٍ والمقرّ له يعلم أنّ المقرّ كاذب في إقراره ، لا يحلّ له أخذ المال عن كرهٍ منه فيما بينه وبين اللّه تعالى ، إلاّ أن يسلّمه إيّاه بطيب نفسٍ منه فيكون تمليكاً مبتدأً على سبيل الهبة . وقال صاحب النّهاية ومن يحذو حذوه : حكمه لزوم ما أقرّ به على المقرّ . </p><p>حجّيّة الإقرار :</p><p>9 - الإقرار خبر ، فكان محتملاً للصّدق والكذب باعتبار ظاهره ، ولكنّه جعل حجّةً لظهور رجحان جانب الصّدق فيه ، إذ المقرّ غير متّهمٍ فيما يقرّ به على نفسه .</p><p> قال ابن القيّم : الحكم بالإقرار يلزم قبوله بلا خلافٍ .</p><p> والأصل أنّ الإقرار حجّة بنفسه ، ولا يحتاج لثبوت الحقّ به إلى القضاء ، فهو أقوى ما يحكم به ، وهو مقدّم على البيّنة . ولهذا يبدأ الحاكم بالسّؤال عنه قبل السّؤال عن الشّهادة . قال القاضي أبو الطّيّب : ولهذا لو شهد شاهدان للمدّعي ثمّ أقرّ المدّعى عليه حكم بالإقرار وبطلت الشّهادة . ولذا قيل : إنّه سيّد الحجج .</p><p> على أنّ حجّيّته قاصرة على المقرّ وحده لقصور ولاية المقرّ عن غيره فيقتصر عليه . فلا يصحّ إلزام أحدٍ بعقوبةٍ نتيجة إقرار آخر بأنّه شاركه في جريمته . وهذا ما جرى عليه القضاء في عهد الرّسول صلى الله عليه وسلم . فقد روي أنّ « رجلاً جاء إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : إنّه قد زنى بامرأةٍ - سمّاها - فأرسل النّبيّ صلى الله عليه وسلم إلى المرأة فدعاها فسألها عمّا قال ، فأنكرت فحدّه وتركها » .</p><p>غير أنّ هناك بعض حالاتٍ لا بدّ فيها للحكم بمقتضى الإقرار من إقامة البيّنة أيضاً . وهذا إذا ما طلب تعدّي الحكم إلى الغير . فلو ادّعى شخص على مدين الميّت أنّه وصيّه في التّركة ، وصدّقه المدين في دعوى الوصاية والدّين ، فإنّ الوصاية لا تثبت بهذا الإقرار بالنّسبة لمدينٍ آخر ينكر الوصاية وإنّما يحتاج إلى بيّنةٍ .</p><p> وفي الدّرّ المختار : أحد الورثة أقرّ بالدّين المدّعى به على مورثه ، وجحده الباقون ، يلزمه الدّين كلّه إن وفّت حصّته من الميراث به ، وقيل : لا يلزمه إلاّ حصّته من الدّين رفعاً للضّرر عنه ، لأنّه إنّما أقرّ بما يتعلّق بكلّ التّركة . وهو قول الشّعبيّ والبصريّ والثّوريّ ومالكٍ وابن أبي ليلى ، واختاره ابن عابدين ، ولو شهد هذا المقرّ مع آخر أنّ الدّين كان على الميّت قبلت شهادته ، ولا يؤخذ منه إلاّ ما يخصّه .</p><p> وبهذا علم أنّه لا يحلّ الدّين في نصيبه بمجرّد إقراره ، بل بقضاء القاضي عليه بإقراره . يقول ابن عابدين : ولو أقرّ من عنده العين أنّه وكيل بقبضها لا يكفي إقراره ، ويكلّف الوكيل إقامة البيّنة على إثبات الوكالة حتّى يكون له قبض ذلك . ثمّ الإقرار حجّة في النّسب ، ويثبت به النّسب إلاّ إذا كذّبه الواقع ، كأن يقرّ بنسب من لا يولد مثله لمثله .</p><p>سبب الإقرار :</p><p>10 - سبب الإقرار كما يقول الكمال بن الهمام : إرادة إسقاط الواجب عن ذمّته بإخباره وإعلامه ، لئلاّ يبقى في تبعة الواجب . </p><p> ركن الإقرار :</p><p>11 - أركان الإقرار عند غير الحنفيّة أربعة : مقرّ ، ومقرّ له ، ومقرّ به ، وصيغة ، وذلك لأنّ الرّكن عندهم هو ما لا يتمّ الشّيء إلاّ به ، سواء أكان جزءاً منه أم لازماً له . وزاد بعضهم كما يقول الرّمليّ : المقرّ عنده من حاكمٍ أو شاهدٍ ، وقال : وهذه الزّيادة محلّ نظرٍ ، إذ لو توقّف تحقّق الإقرار على ذلك لزم أنّه لو أقرّ خالياً بحيث لا يسمعه شاهد ، ولم يكن أمام قاضٍ ، ثمّ بعد مدّةٍ تبيّن أنّه أقرّ على هذا الوجه في يوم كذا ، لم يعتدّ بهذا الإقرار ، لعدم وجود هذا الرّكن الزّائد ، وهو ممنوع ، ولذا فإنّه لا يشترط .</p><p> وأمّا ركن الإقرار عند الحنفيّة فهو الصّيغة فقط ، صراحةً كانت أو دلالةً ، وذلك لأنّ الرّكن عندهم : ما يتوقّف عليه وجود الشّيء ، وهو جزء من ماهيّته . </p><p>المقرّ وما يشترط فيه :</p><p> المقرّ من صدر منه الإخبار عن ثبوت حقٍّ للغير على نفسه وتشترط فيه أمور : </p><p> الشّرط الأوّل : المعلوميّة :</p><p>12 - أوّل ما يشترط لاعتبار الإقرار والأخذ به أن يكون المقرّ معلوماً حتّى لو قال رجلان : لفلانٍ على واحدٍ منّا ألف درهمٍ لا يصحّ ، لأنّه إذا لم يكن معلوماً لا يتمكّن المقرّ له من المطالبة ، وكذلك إذا قال أحدهما : غصب واحد منّا ، أو زنى ، أو سرق ، أو شرب ، أو قذف ، لأنّ من عليه الحقّ غير معلومٍ ويجبران على البيان .</p><p>الشّرط الثّاني : العقل :</p><p>13 - ويشترط في المقرّ أن يكون عاقلاً . فلا يصحّ إقرار الصّبيّ غير المميّز والمجنون والمعتوه والنّائم والسّكران على تفصيلٍ يأتي بيانه . </p><p>إقرار المعتوه :</p><p>14 - لا يصحّ إقرار المعتوه ولو بعد البلوغ ، لأنّ حكمه حكم الصّبيّ المميّز ، فلا يلتزم بشيءٍ فيه ضرر إلاّ إذا كان مأذوناً له فيصحّ إقراره بالمال ، لكونه من ضرورات التّجارة : كالدّيون ، والودائع ، والعواريّ ، والمضاربات ، والغصوب ، فيصحّ إقراره . لالتحاقه في حقّها بالبالغ العامل . بخلاف ما ليس من باب التّجارة : كالمهر ، والجناية ، والكفالة ، حيث لا يصحّ إقراره بها لأنّها لا تدخل تحت الإذن . </p><p>إقرار النّائم والمغمى عليه :</p><p>15 - النّائم والمغمى عليه إقرارهما كإقرار المجنون ، لأنّهما حال النّوم والإغماء ليسا من أهل المعرفة والتّمييز ، وهما شرطان لصحّة الإقرار . </p><p>إقرار السّكران :</p><p>16 - السّكران من فقد عقله بشرب ما يسكر ، وإقرار السّكران جائز بالحقوق كلّها إلاّ الحدود الخالصة ، والرّدّة بمنزلة سائر التّصرّفات . وهذا عند الحنفيّة والمزنيّ من الشّافعيّة وأبي ثورٍ إذا كان سكره بطريقٍ محظورٍ ، لأنّه لا ينافي الخطاب ، إلاّ إذا أقرّ بما يقبل الرّجوع كالحدود الخالصة حقّاً للّه تعالى ، لأنّ السّكران يكاد لا يثبت على شيءٍ فأقيم السّكر مقامه فيما يحتمل الرّجوع فلا يلزمه شيء .</p><p> وإن سكر بطريقٍ غير محرّمٍ ، كمن شرب المسكر مكرهاً لا يلزمه شيء ، وكذا من شرب ما لا يعلم أنّه مسكر فسكر بذلك .</p><p> وقال المالكيّة : إنّ السّكران لا يؤاخذ بإقراره ، لأنّه وإن كان مكلّفاً إلاّ أنّه محجور عليه في المال ، وكما لا يلزمه إقراره . لا تلزمه العقود ، بخلاف جناياته فإنّها تلزمه .</p><p> وقال جمهور الشّافعيّة : إقرار السّكران صحيح ، ويؤاخذ به في كلّ ما أقرّ به ، سواء وقع الاعتداء فيها على حقّ اللّه سبحانه أو على حقّ العبد ، لأنّ المتعدّي بسكره يجب أن يتحمّل نتيجة عمله ، تغليظاً عليه وجزاءً لما أقدم عليه وهو يعلم أنّه سيذهب عقله .</p><p>17 - أمّا من تغيّب عقله بسببٍ يعذر فيه فلا يلزم بإقراره ، سواء أقرّ بما يجب فيه الحدّ حقّاً للّه خالصاً أو ما فيه حقّ العبد أيضاً .</p><p> وكذا فإنّه لا يصحّ إقرار السّكران في روايةٍ عند الحنابلة ، قال ابن منجّا : إنّها المذهب وجزم به في الوجيز وغيره . وجاء في أوّل كتاب الطّلاق عند الحنابلة أنّ في أقوال السّكران وأفعاله خمس رواياتٍ أو ستّة ، وأنّ الصّحيح في المذهب : أنّه مؤاخذ بعبارته . </p><p> إقرار السّفيه :</p><p>18 - السّفيه بعد الحجر عليه لا يصحّ إقراره بالمال ، لأنّه من التّصرّفات الضّارّة المحضة من حيث الظّاهر ، وإنّما قبل الإقرار من المأذون للضّرورة .</p><p> وإذا بلغ الصّبيّ سفيهاً أو ذا غفلةٍ وحجر عليه بسبب ذلك أو اعتبر محجوراً عليه فإنّه في تصرّفاته الماليّة الضّارّة يأخذ حكم الصّبيّ المميّز ، فإذا تزوّج وأقرّ بأنّ المهر الّذي قرّره لها أكثر من مهر المثل فالزّيادة باطلة ، وهكذا فإنّ القاضي يردّ كلّ تصرّفاته الماليّة الضّارّة . وعلى القول بأنّ الحجر عليه لا بدّ من الحكم به ولا يكون تلقائيّاً بسبب السّفه فإنّ السّفيه المهمل - أي الّذي لم يحجر عليه - يصحّ إقراره .</p><p> ونصّ الشّافعيّة على أنّه لا يصحّ إقراره بنكاحٍ ، ولا بدينٍ أسند وجوبه إلى ما قبل الحجر ، أو إلى ما بعده ، ولا يقبل إقراره بعينٍ في يده في حال الحجر ، وكذا بإتلاف مال الغير ، أو جناية توجب المال في الأظهر . وفي قولٍ عندهم يقبل ، لأنّه إذا باشر الإتلاف يضمن ، فإذا أقرّ به قبل إقراره ، ويصحّ إقراره بالحدّ والقصاص لعدم تعلّقهما بالمال ، وسائر العقوبات مثلهما لبعد التّهمة ، ولو كان الحدّ سرقةً قطع ، ولا يلزمه المال .</p><p> وذكر الأدميّ البغداديّ من الحنابلة : أنّ السّفيه إن أقرّ بحدٍّ أو قودٍ أو نسبٍ أو طلاقٍ لزم - ويتبع به في الحال - وإن أقرّ بمالٍ أخذ به بعد رفع الحجر عنه . والصّحيح من مذهب الحنابلة : صحّة إقرار السّفيه بالمال سواء لزمه باختياره أو لا ، ويتبع به بعد فكّ الحجر عنه ، وقيل : لا يصحّ مطلقاً ، وهو احتمال ذكره ابن قدامة في المقنع في باب الحجر ، واختاره هو والشّارح . </p><p> الشّرط الثّالث : البلوغ :</p><p>19 - أمّا البلوغ فإنّه ليس بشرطٍ لصحّة الإقرار فيصحّ إقرار الصّبيّ العاقل المأذون له بالدّين والعين ، لأنّ ذلك من ضرورات التّجارة ، ويصحّ إقراره في قدر ما أذن له فيه دون ما زاد ، ونصّ الحنابلة على أنّه المذهب وعليه جمهور الأصحاب ، وهو قول أبي حنيفة . وقال الشّافعيّ : لا يصحّ إقراره بحالٍ لعموم الخبر : « رفع القلم عن ثلاثةٍ ، عن الصّبيّ حتّى يبلغ ، وعن المجنون حتّى يفيق ، وعن النّائم حتّى يستيقظ » ولأنّه لا تقبل شهادته ، وفي قولٍ عند الحنابلة : إنّه لا يصحّ إقرار المأذون له إلاّ في الشّيء اليسير . إلاّ أنّه لا يصحّ إقرار المحجور عليه ، لأنّه من التّصرّفات الضّارّة المحضة من حيث الظّاهر . ويقبل إقرار الصّبيّ ببلوغه الاحتلام في وقت إمكانه ، إذ لا يمكن معرفة ذلك إلاّ من جهته ، وكذا ادّعاء الصّبيّة البلوغ برؤية الحيض . ولو ادّعى البلوغ بالسّنّ قبل ببيّنةٍ ، وقيل : يصدّق في سنٍّ يبلغ في مثلها ، وهي تسع سنين ، وقيل : عشر سنين ، وقيل : اثنتا عشرة سنةً ، ويلزمه بهذا البلوغ ما أقرّ به . وأفتى الشّيخ تقيّ الدّين : فيمن أسلم أبوه ، فادّعى أنّه بالغ ، بأنّه إذا كان لم يقرّ بالبلوغ إلى حين الإسلام فقد حكم بإسلامه قبل الإقرار بالبلوغ . وذلك بمنزلة ما إذا ادّعت انقضاء العدّة بعد أن ارتجعها ، وقال : هذا يجيء في كلّ من أقرّ بالبلوغ بعد حقٍّ ثبت في حقّ الصّبيّ ، مثل الإسلام ، وثبوت أحكام الذّمّة تبعاً لأبيه . </p><p></p><p> الشّرط الرّابع : فهم المقرّ لما يقرّ به .</p><p>20 - لا بدّ للزوم الإقرار واعتباره أن تكون الصّيغة مفهومةً للمقرّ فلو لقّن العامّيّ كلماتٍ عربيّةً لا يعرف معناها لم يؤاخذ بها ، لأنّه لمّا لم يعرف مدلولها يستحيل عليه قصدها ، لأنّ العامّيّ - غير المخالط للفقهاء - يقبل منه دعوى الجهل بمدلول كثيرٍ من ألفاظ الفقهاء ، بخلاف المخالط فلا يقبل منه فيما لا يخفى على مثله معناه . وبالأولى لو أقرّ العربيّ بالعجميّة أو العكس وقال : لم أدر ما قلت ، صدّق بيمينه ، لأنّه أدرى بنفسه والظّاهر معه .</p><p> الشّرط الخامس : الاختيار :</p><p> 21 - ويشترط في المقرّ الاختيار ، مدعاةً للصّدق ، فيؤاخذ به المكلّف بلا حجرٍ ، أي حال كونه غير محجورٍ عليه . فإذا أقرّ الحرّ البالغ العاقل طواعيةً بحقٍّ لزمه .</p><p>وقال الحنابلة : إنّه يصحّ من مكلّفٍ مختارٍ بما يتصوّر منه التزامه ، بشرط كونه بيده وولايته واختصاصه ، ولو على موكّله أو مورثه أو مولّيه .</p><p></p><p>الشّرط السّادس : عدم التّهمة :</p><p> 22 - ويشترط في المقرّ لصحّة إقراره أن يكون غير متّهمٍ في إقراره ، لأنّ التّهمة تخلّ برجحان الصّدق على جانب الكذب في إقراره ، لأنّ إقرار الإنسان على نفسه شهادة . قال اللّه تعالى : { يا أيّها الّذين آمنوا كونوا قوّامين بالقسط شهداء للّه ولو على أنفسكم } والشّهادة على نفسه إقرار . والشّهادة ترد بالتّهمة . ومن أمثلته : ما لو أقرّ لمن بينه وبينه صداقة أو مخالطة .</p><p> 23 - وممّن يتّهم في إقراره المدين المحجور عليه ، لإحاطة الدّين بماله الّذي حجر عليه فيه ، وهو ما يعبّر عنه بالمفلس .</p><p> بل صرّح المالكيّة أنّ هذا القيد - ألاّ يكون متّهماً - إنّما يعتبر في المريض ونحوه والصّحيح المحجور عليه ، لإحاطة الدّين بماله الّذي حجر عليه فيه . والصّحيح : أنّ المفلس بالنّسبة لما فلّس فيه متّهم في إقراره ، فلا يقبل إقراره لأحدٍ ، حيث كان الدّين الّذي فلّس فيه ثابتاً بالبيّنة ، لأنّه متّهم على ضياع مال الغرماء ، ولا يبطل الإقرار ، بل هو لازم يتبع به في ذمّته ، ويؤاخذ به المقرّ فيما يجدّ له من مالٍ فقط ، ولا يحاصّ المقرّ له الغرماء بالدّين الّذي أقرّ له به المفلس .</p><p> ونقل القاضي عن الإمام أحمد أنّ المفلس إذا أقرّ ، وعليه دين ببيّنةٍ ، يبدأ بالدّين الّذي بالبيّنة ، لأنّه أقرّ بعد تعلّق الحقّ بتركته ، فوجب ألاّ يشارك المقرّ له من ثبت دينه ببيّنةٍ ، كغريم المفلس الّذي أقرّ له بعد الحجر عليه ، وبهذا قال النّخعيّ والثّوريّ وأصحاب الرّأي . وفصّل الشّافعيّة ، فقالوا : لو أقرّ المفلس بعينٍ أو دينٍ وجب قبل الحجر ، فالأظهر قبوله في حقّ الغرماء لانتفاء التّهمة الظّاهرة ، وقيل : لا يقبل إقراره في حقّ الغرماء ، لئلاّ يضرّهم بالمزاحمة ، ولأنّه ربّما واطأ المقرّ له .</p><p> وإن أسند وجوبه إلى ما بعد الحجر لم يقبل في حقّهم ، بل يطالب بعد فكّ الحجر . ولو لم يسند وجوبه إلى ما قبل الحجر ولا لما بعده ، فقياس المذهب - على ما قاله الرّافعيّ - تنزيله على الأقلّ ، وهو جعله كالمسند إلى ما بعد الحجر . </p><p>إقرار المريض مرض الموت :</p><p>24 - وممّن يتّهم في إقراره : المريض مرض موتٍ في بعض الحالات على ما سنبيّنه في مصطلح ( مرض الموت ) وإن كان الأصل أنّ المرض ليس بمانعٍ من صحّة الإقرار في الجملة . إذ الصّحّة ليست شرطاً في المقرّ لصحّة إقراره ، لأنّ صحّة إقرار الصّحيح برجحان جانب الصّدق ، وحال المريض أدلّ على الصّدق ، فكان إقراره أولى بالقبول . غير أنّ المالكيّة نصّوا على أنّ من أقرّ بشيءٍ في صحّته : بشيءٍ من المال ، أو الدّين ، أو البراءات ، أو قبض أثمان المبيعات ، فإقراره عليه جائز ، لا تلحقه فيه تهمة ، ولا يظنّ فيه توليج ، والأجنبيّ والوارث في ذلك سواء ، وكذا القريب والبعيد والعدوّ والصّديق .</p><p> ويقول الحطّاب : من أقرّ بشيءٍ في صحّته لبعض ورثته ، قدّم المقرّ له بعد موت المقرّ ، ويقيم البيّنة على الإقرار . قال ابن رشدٍ : هذا هو المعلوم من قول ابن القاسم وروايته عن مالكٍ المشهور في المذهب . ووقع في المبسوط لابن كنانة والمخزوميّ وابن أبي حازمٍ ومحمّد بن مسلمة أنّه لا شيء له ، وإن أقرّ له في صحّته إذا لم يقم عليه بذلك بيّنةً حتّى هلك إلاّ أن يعرف سبب ذلك ، فإن عرف ذلك فبها وإلاّ فإذا لم يعرف له سبب فلا شيء له ، لأنّ الرّجل يتّهم أن يقرّ بدينٍ في صحّته لمن يثق به من ورثته على ألاّ يقوم به حتّى يموت . وقيل : إنّه نافذ ويحاصّ به الغرماء في الفلس ، وهو قول ابن القاسم في المدوّنة والعتبيّة ، وقال ابن رشدٍ : لا يحاصّ به على قول ابن القاسم إن ثبت ميله إليه إلاّ باليمين ، واختار ابن رشدٍ إبطال الإقرار بالدّين مراعاةً لقول المدنيّين .</p><p> وعلى هذا فإقرار المريض مرض موتٍ بالحدّ والقصاص مقبول اتّفاقاً ، وكذا إقراره بدينٍ لأجنبيٍّ فإنّه ينفذ من كلّ ماله ما لم يكن عليه ديون أقرّ بها في حال صحّته عند الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة ، وأصحّ الرّوايات عند الحنابلة ، وهو المذهب عندهم ، وجزم به في الوجيز ، لأنّه لم يتضمّن إبطال حقّ الغير وكان المقرّ له أولى من الورثة ، لقول عمر : إذا أقرّ المريض بدينٍ جاز ذلك عليه في جميع تركته ، ولأنّ قضاء الدّين من الحوائج الأصليّة ، وحقّ الورثة يتعلّق بالتّركة بشرط الفراغ . وفي رواية عند الحنابلة : أنّه لا يقبل ، وفي روايةٍ أخرى عندهم لا يصحّ بزيادةٍ على الثّلث .</p><p> قال ابن قدامة : أجمع كلّ من نحفظ عنه من أهل العلم على أنّ إقرار المريض في مرضه لغير وارثٍ جائز ، وحكى أصحابنا روايةً أخرى أنّه لا يقبل ، لأنّه إقرار في مرض الموت أشبه الإقرار لوارثٍ . وقال أبو الخطّاب في روايةٍ أخرى : إنّه لا يقبل إقراره بزيادةٍ على الثّلث ، لأنّه ممنوع من عطيّة ذلك الأجنبيّ ، كما هو ممنوع من عطيّة الوارث ، فلا يصحّ إقراره بما لا يملك عطيّته بخلاف الثّلث فما دون . والمقصود بالأجنبيّ هنا أن يكون غير وارثٍ في المقرّ فيشمل القريب غير الوارث . ويصرّح المالكيّة بذلك فيقولون : إن أقرّ لقريبٍ غير وارثٍ كالخال أو لصدّيقٍ ملاطفٍ أو مجهولٍ حاله - لا يدرى هل هو قريب أم لا - صحّ الإقرار إن كان لذلك المقرّ ولد وإلاّ فلا ، وقيل : يصحّ .</p><p> وأمّا لو أقرّ لأجنبيٍّ غير صديقٍ كان الإقرار لازماً كان له ولد أم لا . وقال الشّافعيّة : للوارث تحليف المقرّ له على الاستحقاق .</p><p> وأمّا إقرار المريض لوارثٍ فهو باطل إلاّ أن يصدّقه الورثة أو يثبت ببيّنةٍ عند الحنفيّة والمذهب عند الحنابلة ، وفي قولٍ للشّافعيّة . وعند المالكيّة : إن كان متّهماً في إقراره كأن يقرّ لوارثٍ قريبٍ مع وجود الأبعد أو المساوي ، كمن له بنت وابن عمٍّ فأقرّ لابنته لم يقبل وإن أقرّ لابن عمّه قبل ، لأنّه لا يتّهم في أنّه يزري ابنته ويوصّل المال إلى ابن عمّه . وعلّة منع الإقرار التّهمة ، فاختصّ المنع بموضعها .</p><p> وأطال المالكيّة في تصوير ذلك والتّفريع عليه . وقالوا : من مرض بعد الإشهاد في صحّته لبعض ولده فلا كلام لبقيّة أولاده إن كتب الموثّق أنّ الصّحيح قبض من ولده ثمن ما باعه له ، فإن لم يكتب فقيل : يحلف مطلقاً . وقيل : يحلف إن اتّهم الأب بالميل إليه .</p><p> قال الموّاق : لا يقبل إقرار المريض لمن يتّهم عليه . وسئل المازريّ عمّن أوصى بثلث ماله ، ثمّ اعترف بدنانير لمعيّنٍ : فأجاب إن اعترف في صحّته حلف المقرّ له يمين القضاء . واستدلّ القائلون ببطلان الإقرار بما روي أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال : « لا وصيّة لوارثٍ ، ولا إقرار له بالدّين » ، وبالأثر عن ابن عمر أنّه قال : " إذا أقرّ الرّجل في مرضه بدينٍ لرجلٍ غير وارثٍ فإنّه جائز وإن أحاط بماله ، وإن أقرّ لوارثٍ فهو باطل إلاّ أن يصدّقه الورثة " . وقول الواحد من فقهاء الصّحابة مقدّم على القياس . ولم يعرف لابن عمر في ذلك مخالف من الصّحابة فكان إجماعاً ، ولأنّه تعلّق حقّ الورثة بماله في مرضه ، ولهذا يمنع من التّبرّع على الوارث أصلاً ، ففي تخصيص البعض به إبطال حقّ الباقين .</p><p> وفي كتب الحنابلة : لو أقرّت المرأة بأنّها لا مهر لها على زوجها لم يصحّ ، إلاّ أن يقيم بيّنةً أنّها أخذته .</p><p>إقرار المريض بالإبراء :</p><p>25 - إذا أقرّ المريض أنّه أبرأ فلاناً من الدّين الّذي عليه في صحّته لا يجوز ، لأنّه لا يملك إنشاء الإبراء للحال ، فلا يملك الإقرار به ، بخلاف الإقرار باستيفاء الدّين ، لأنّه إقرار بقبض الدّين ، وأنّه يملك إنشاء القبض فيملك الإخبار عنه بالإقرار . وهذا مذهب الحنفيّة . ويقرب منهم الشّافعيّة إذ يقولون : إذا أبرأ المريض مرض الموت أحد مديونيه ، والتّركة مستغرقة بالدّيون ، لم ينفذ إبراؤه لتعلّق حقّ الغرماء . بينما يقول المالكيّة في باب الإقرار : وإن أبرأ إنسان شخصاً ممّا قبله أو أبرأه من كلّ حقٍّ له عليه ، أو أبرأه وأطلق بريء مطلقاً ممّا في الذّمّة وغيرها معلوماً أو مجهولاً . وهذه العبارة بإطلاقها شاملة للمريض وللصّحيح ، وشاملة للإبراء من دين الصّحّة وغيره . </p><p>الرّكن الثّاني : المقرّ له ، وما يشترط فيه :</p><p> المقرّ له من يثبت له الحقّ المقرّ به ، ويحقّ له المطالبة به أو العفو عنه واشترط الفقهاء فيه ما يأتي :</p><p> الشّرط الأوّل : ألاّ يكون المقرّ له مجهولاً :</p><p>26 - فلا بدّ أن يكون معيّناً ، بحيث يمكن أن يطالب به ، ولو كان حملاً . كأن يقول : عليّ ألف لفلانٍ ، أو عليّ ألف لحمل فلانة ، وسيأتي تفصيل الإقرار للحمل . أو يكون مجهولاً جهالةً غير فاحشةٍ ، كأن يقول : عليّ مال لأحد هؤلاء العشرة ، أو لأحد أهل البلد ، وكانوا محصورين عند الشّافعيّة ، والنّاطفيّ وخواهر زاده من الحنفيّة . </p><p>الإقرار مع جهالة المقرّ له :</p><p>27 - أجمع الفقهاء على أنّ الجهالة الفاحشة بالمقرّ له لا يصحّ معها الإقرار ، لأنّ المجهول لا يصلح مستحقّاً ، إذ لا يجبر المقرّ على البيان ، من غير تعيين المستحقّ ، فلا يفيد الإقرار شيئاً .</p><p> وأمّا إذا كانت الجهالة غير فاحشةٍ بأن قال : عليّ ألف لأحد هذين أو لأحد هؤلاء العشر : أو لأحد أهل البلد وكانوا محصورين ، فهناك اتّجاهان :</p><p>الأوّل : ما ذهب إليه الشّافعيّة ، وهو ما اختاره النّاطفيّ وخواهر زاده من الحنفيّة . أنّ هذا الإقرار صحيح ، لأنّه قد يفيد وصول الحقّ إلى المستحقّ بتحليف المقرّ لكلٍّ من حصرهم ، أو بتذكّره ، لأنّ المقرّ قد ينسى ، وهو ما يفهم من مغني ابن قدامة ، لأنّه مثّل بالجهالة اليسيرة . والثّاني : ما ذهب إليه جمهور الحنفيّة ، وهو ما اختاره السّرخسيّ : من أنّ أيّ جهالةٍ تبطل الإقرار ، لأنّ المجهول لا يصلح مستحقّاً ، ولا يجبر المقرّ على البيان ، من غير تعيين المدّعي .</p><p>الشّرط الثّاني : أن تكون للمقرّ له أهليّة استحقاق المقرّ به حسّاً وشرعاً :</p><p>28 - فلو أقرّ لبهيمةٍ أو دارٍ ، بأنّ لها عليه ألفاً وأطلق لم يصحّ الإقرار ، لأنّهما ليسا من أهل الاستحقاق . أمّا لو ذكر سبباً يمكن أن ينسب إليه ، كما لو قال : عليّ كذا لهذه الدّابّة بسبب الجناية عليها ، أو لهذه الدّار بسبب غصبها أو إجارتها ، فالجمهور على أنّ هذا الإقرار صحيح ، ويكون الإقرار في الحقيقة لصاحب الدّابّة أو الدّار وقت الإقرار وهو اختيار المرداويّ ، كما جزم به صاحب الرّعاية ، وابن مفلحٍ في الفروع من الحنابلة .</p><p> لكن جمهور الحنابلة على أنّ هذا الإقرار لا يصحّ ، لأنّ هذا الإقرار وقع للدّار وللدّابّة ، وهما ليستا من أهل الاستحقاق .</p><p>الإقرار للحمل :</p><p>29 - إن أقرّ لحمل امرأةٍ عيّنها بدينٍ أو عيّن فقال : عليّ كذا ، أو عندي كذا لهذا الحمل وبيّن السّبب فقال : بإرثٍ أو وصيّةٍ ، كان الإقرار معتبراً ولزمه ما أقرّ به لإمكانه . وكان الخصم في ذلك وليّ الحمل عند الوضع ، إلاّ إذا تمّ الوضع لأكثر من أربع سنين - من حين الاستحقاق مطلقاً - الّتي هي أقصى مدّة الحمل - كما يرى فريق من الفقهاء - أو لستّة أشهرٍ فأكثر - الّتي هي أقلّ مدّة الحمل - وهي فراش لم يستحقّ ، لاحتمال حدوث الحمل بعد الإقرار . ولا يصحّ الإقرار إلاّ لحملٍ يتيقّن وجوده عند الإقرار ، ويكون ذلك بما إذا وضعته لأقلّ من ستّة أشهرٍ ، أو لأكثر من ذلك إلى سنتين عند الحنفيّة ، وإلى أربعةٍ عند الشّافعيّة . وينصّ المالكيّة : ولزم الإقرار للحمل ، وإن كان الإقرار أصله وصيّةً فله الكلّ ، وإن كان بالإرث من الأب - وهو ذكر - فكذلك ، وإن كان أنثى فلها النّصف ، وإن ولدت ذكراً وأنثى فهو بينهما بالسّويّة إن أسنده إلى وصيّةٍ ، وأثلاثاً إن أسنده إلى إرثٍ ، إلاّ إذا كانت جهة التّوريث يستوي فيها الذّكر والأنثى كالإخوة لأمٍّ ، وإن أسند السّبب إلى جهةٍ لا تمكن في حقّه كقوله : باعني شيئاً فلغو للقطع بكذبه ، وعند الشّافعيّة قول بغير ذلك .</p><p> وإن أطلق الإقرار ولم يسنده إلى شيءٍ صحّ عند الحنابلة ، لإطلاقهم القول بصحّة الإقرار بحال حمل امرأةٍ ، لجواز أن يكون له وجه . وقال أبو الحسن التّميميّ : لا يصحّ إلاّ أن يسنده إلى سببٍ من إرثٍ أو وصيّةٍ ، وقيل : لا يصحّ مطلقاً . قال في النّكت : ولا أحسب هذا قولاً في المذهب .</p><p> وصحّ في الأظهر عند الشّافعيّة ، ويحمل على الممكن في حقّه ، صوناً لكلام المكلّف عن الإلغاء ما أمكن . وفي قولٍ عند الشّافعيّة : لا يصحّ ، إذ المال لا يجب إلاّ بمعاملةٍ أو جنايةٍ ، وهما منتفيان في حقّه ، فحمل الإطلاق على الوعد . وقال أبو يوسف من الحنفيّة : إن أجمل الإقرار لا يصحّ ، لأنّ الإقرار المبهم يحتمل الصّحّة والفساد ، لأنّه إن كان يصحّ بالحمل على الوصيّة والإرث فإنّه يفسد بالحمل على البيع والغصب والقرض ، كما أنّ الحمل في نفسه محتمل الوجود والعدم ، والشّكّ من وجهٍ واحدٍ يمنع صحّة الإقرار ، فمن وجهين أولى . وقال محمّد : يصحّ حملاً لإقرار العاقل على الصّحّة .</p><p> ولو انفصل الحمل ميّتاً فلا شيء على المقرّ للحمل أو ورثته ، للشّكّ في حياته وقت الإقرار . فيسأل القاضي المقرّ حسبةً عن جهة إقرارٍ من إرثٍ أو وصيّةٍ ليصل الحقّ لمستحقّه . وإن مات المقرّ قبل البيان بطل . وإن ألقت حيّاً وميّتاً جعل المال للحيّ . </p><p>الإقرار للميّت :</p><p>30 - لو قال : لهذا الميّت عليّ كذا فذلك إقرار صحيح ، وهو إقرار في الحقيقة للورثة يتقاسمونه قسمة الميراث ، لكن إن كان المقرّ له حملاً ثمّ سقط ميّتاً بطل الإقرار ، إن كان سبب الاستحقاق ميراثاً أو وصيّةً ، ويرجع المال إلى ورثة المورث ، أو ورثة الموصي . </p><p> الإقرار بالحمل :</p><p>31 - نصّ الحنفيّة : على أنّ من أقرّ لرجلٍ بحمل فرسٍ أو حمل شاةٍ فإنّ إقراره صحيح ولزمه ما أقرّ به ، لأنّ له وجهاً صحيحاً وهو الوصيّة بالحمل ، بأن تكون الفرس أو الشّاة لواحدٍ ، وأوصى بحملها لرجلٍ ، ومات والمقرّ وارثه ، وقد علم بوصيّةٍ مورثه . </p><p> الإقرار للجهة :</p><p>32 - الأصل أنّه يصحّ الإقرار لمن كان لديه أهليّة ماليّةٍ أو استحقاقٍ كالوقف والمسجد ، فيصحّ الإقرار لهما . على نفسه بمالٍ له ، ويصرف في إصلاحه وبقاء عينه ، كأن يقول ناظر على مسجدٍ أو وقفٍ : ترتّب في ذمّتي مثلاً للمسجد أو للوقف كذا . فإنّ الإقرار لهذا ومثله كالطّريق والقنطرة والسّقاية ، يصحّ ، ولو لم يذكر سبباً ، كغلّة وقفٍ أو وصيّةٍ ، لأنّه إقرار من مكلّفٍ مختارٍ فلزمه ، كما لو عيّن السّبب ويكون لمصالحها ، فإذا أسنده لممكنٍ بعد الإقرار صحّ . وفي وجهٍ عند الحنابلة ذكره التّميميّ : أنّ الإقرار للمسجد ونحوه من الجهات لا يصحّ إلاّ مع ذكر السّبب .</p></blockquote><p></p>
[QUOTE="ابن عامر الشامي, post: 40948, member: 329"] أثر الإقرار : 8 - أثر الإقرار ظهور ما أقرّ به ، أي ثبوت الحقّ في الماضي ، لا إنشاء الحقّ ابتداءً ، فلو أقرّ لغيره بمالٍ والمقرّ له يعلم أنّ المقرّ كاذب في إقراره ، لا يحلّ له أخذ المال عن كرهٍ منه فيما بينه وبين اللّه تعالى ، إلاّ أن يسلّمه إيّاه بطيب نفسٍ منه فيكون تمليكاً مبتدأً على سبيل الهبة . وقال صاحب النّهاية ومن يحذو حذوه : حكمه لزوم ما أقرّ به على المقرّ . حجّيّة الإقرار : 9 - الإقرار خبر ، فكان محتملاً للصّدق والكذب باعتبار ظاهره ، ولكنّه جعل حجّةً لظهور رجحان جانب الصّدق فيه ، إذ المقرّ غير متّهمٍ فيما يقرّ به على نفسه . قال ابن القيّم : الحكم بالإقرار يلزم قبوله بلا خلافٍ . والأصل أنّ الإقرار حجّة بنفسه ، ولا يحتاج لثبوت الحقّ به إلى القضاء ، فهو أقوى ما يحكم به ، وهو مقدّم على البيّنة . ولهذا يبدأ الحاكم بالسّؤال عنه قبل السّؤال عن الشّهادة . قال القاضي أبو الطّيّب : ولهذا لو شهد شاهدان للمدّعي ثمّ أقرّ المدّعى عليه حكم بالإقرار وبطلت الشّهادة . ولذا قيل : إنّه سيّد الحجج . على أنّ حجّيّته قاصرة على المقرّ وحده لقصور ولاية المقرّ عن غيره فيقتصر عليه . فلا يصحّ إلزام أحدٍ بعقوبةٍ نتيجة إقرار آخر بأنّه شاركه في جريمته . وهذا ما جرى عليه القضاء في عهد الرّسول صلى الله عليه وسلم . فقد روي أنّ « رجلاً جاء إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : إنّه قد زنى بامرأةٍ - سمّاها - فأرسل النّبيّ صلى الله عليه وسلم إلى المرأة فدعاها فسألها عمّا قال ، فأنكرت فحدّه وتركها » . غير أنّ هناك بعض حالاتٍ لا بدّ فيها للحكم بمقتضى الإقرار من إقامة البيّنة أيضاً . وهذا إذا ما طلب تعدّي الحكم إلى الغير . فلو ادّعى شخص على مدين الميّت أنّه وصيّه في التّركة ، وصدّقه المدين في دعوى الوصاية والدّين ، فإنّ الوصاية لا تثبت بهذا الإقرار بالنّسبة لمدينٍ آخر ينكر الوصاية وإنّما يحتاج إلى بيّنةٍ . وفي الدّرّ المختار : أحد الورثة أقرّ بالدّين المدّعى به على مورثه ، وجحده الباقون ، يلزمه الدّين كلّه إن وفّت حصّته من الميراث به ، وقيل : لا يلزمه إلاّ حصّته من الدّين رفعاً للضّرر عنه ، لأنّه إنّما أقرّ بما يتعلّق بكلّ التّركة . وهو قول الشّعبيّ والبصريّ والثّوريّ ومالكٍ وابن أبي ليلى ، واختاره ابن عابدين ، ولو شهد هذا المقرّ مع آخر أنّ الدّين كان على الميّت قبلت شهادته ، ولا يؤخذ منه إلاّ ما يخصّه . وبهذا علم أنّه لا يحلّ الدّين في نصيبه بمجرّد إقراره ، بل بقضاء القاضي عليه بإقراره . يقول ابن عابدين : ولو أقرّ من عنده العين أنّه وكيل بقبضها لا يكفي إقراره ، ويكلّف الوكيل إقامة البيّنة على إثبات الوكالة حتّى يكون له قبض ذلك . ثمّ الإقرار حجّة في النّسب ، ويثبت به النّسب إلاّ إذا كذّبه الواقع ، كأن يقرّ بنسب من لا يولد مثله لمثله . سبب الإقرار : 10 - سبب الإقرار كما يقول الكمال بن الهمام : إرادة إسقاط الواجب عن ذمّته بإخباره وإعلامه ، لئلاّ يبقى في تبعة الواجب . ركن الإقرار : 11 - أركان الإقرار عند غير الحنفيّة أربعة : مقرّ ، ومقرّ له ، ومقرّ به ، وصيغة ، وذلك لأنّ الرّكن عندهم هو ما لا يتمّ الشّيء إلاّ به ، سواء أكان جزءاً منه أم لازماً له . وزاد بعضهم كما يقول الرّمليّ : المقرّ عنده من حاكمٍ أو شاهدٍ ، وقال : وهذه الزّيادة محلّ نظرٍ ، إذ لو توقّف تحقّق الإقرار على ذلك لزم أنّه لو أقرّ خالياً بحيث لا يسمعه شاهد ، ولم يكن أمام قاضٍ ، ثمّ بعد مدّةٍ تبيّن أنّه أقرّ على هذا الوجه في يوم كذا ، لم يعتدّ بهذا الإقرار ، لعدم وجود هذا الرّكن الزّائد ، وهو ممنوع ، ولذا فإنّه لا يشترط . وأمّا ركن الإقرار عند الحنفيّة فهو الصّيغة فقط ، صراحةً كانت أو دلالةً ، وذلك لأنّ الرّكن عندهم : ما يتوقّف عليه وجود الشّيء ، وهو جزء من ماهيّته . المقرّ وما يشترط فيه : المقرّ من صدر منه الإخبار عن ثبوت حقٍّ للغير على نفسه وتشترط فيه أمور : الشّرط الأوّل : المعلوميّة : 12 - أوّل ما يشترط لاعتبار الإقرار والأخذ به أن يكون المقرّ معلوماً حتّى لو قال رجلان : لفلانٍ على واحدٍ منّا ألف درهمٍ لا يصحّ ، لأنّه إذا لم يكن معلوماً لا يتمكّن المقرّ له من المطالبة ، وكذلك إذا قال أحدهما : غصب واحد منّا ، أو زنى ، أو سرق ، أو شرب ، أو قذف ، لأنّ من عليه الحقّ غير معلومٍ ويجبران على البيان . الشّرط الثّاني : العقل : 13 - ويشترط في المقرّ أن يكون عاقلاً . فلا يصحّ إقرار الصّبيّ غير المميّز والمجنون والمعتوه والنّائم والسّكران على تفصيلٍ يأتي بيانه . إقرار المعتوه : 14 - لا يصحّ إقرار المعتوه ولو بعد البلوغ ، لأنّ حكمه حكم الصّبيّ المميّز ، فلا يلتزم بشيءٍ فيه ضرر إلاّ إذا كان مأذوناً له فيصحّ إقراره بالمال ، لكونه من ضرورات التّجارة : كالدّيون ، والودائع ، والعواريّ ، والمضاربات ، والغصوب ، فيصحّ إقراره . لالتحاقه في حقّها بالبالغ العامل . بخلاف ما ليس من باب التّجارة : كالمهر ، والجناية ، والكفالة ، حيث لا يصحّ إقراره بها لأنّها لا تدخل تحت الإذن . إقرار النّائم والمغمى عليه : 15 - النّائم والمغمى عليه إقرارهما كإقرار المجنون ، لأنّهما حال النّوم والإغماء ليسا من أهل المعرفة والتّمييز ، وهما شرطان لصحّة الإقرار . إقرار السّكران : 16 - السّكران من فقد عقله بشرب ما يسكر ، وإقرار السّكران جائز بالحقوق كلّها إلاّ الحدود الخالصة ، والرّدّة بمنزلة سائر التّصرّفات . وهذا عند الحنفيّة والمزنيّ من الشّافعيّة وأبي ثورٍ إذا كان سكره بطريقٍ محظورٍ ، لأنّه لا ينافي الخطاب ، إلاّ إذا أقرّ بما يقبل الرّجوع كالحدود الخالصة حقّاً للّه تعالى ، لأنّ السّكران يكاد لا يثبت على شيءٍ فأقيم السّكر مقامه فيما يحتمل الرّجوع فلا يلزمه شيء . وإن سكر بطريقٍ غير محرّمٍ ، كمن شرب المسكر مكرهاً لا يلزمه شيء ، وكذا من شرب ما لا يعلم أنّه مسكر فسكر بذلك . وقال المالكيّة : إنّ السّكران لا يؤاخذ بإقراره ، لأنّه وإن كان مكلّفاً إلاّ أنّه محجور عليه في المال ، وكما لا يلزمه إقراره . لا تلزمه العقود ، بخلاف جناياته فإنّها تلزمه . وقال جمهور الشّافعيّة : إقرار السّكران صحيح ، ويؤاخذ به في كلّ ما أقرّ به ، سواء وقع الاعتداء فيها على حقّ اللّه سبحانه أو على حقّ العبد ، لأنّ المتعدّي بسكره يجب أن يتحمّل نتيجة عمله ، تغليظاً عليه وجزاءً لما أقدم عليه وهو يعلم أنّه سيذهب عقله . 17 - أمّا من تغيّب عقله بسببٍ يعذر فيه فلا يلزم بإقراره ، سواء أقرّ بما يجب فيه الحدّ حقّاً للّه خالصاً أو ما فيه حقّ العبد أيضاً . وكذا فإنّه لا يصحّ إقرار السّكران في روايةٍ عند الحنابلة ، قال ابن منجّا : إنّها المذهب وجزم به في الوجيز وغيره . وجاء في أوّل كتاب الطّلاق عند الحنابلة أنّ في أقوال السّكران وأفعاله خمس رواياتٍ أو ستّة ، وأنّ الصّحيح في المذهب : أنّه مؤاخذ بعبارته . إقرار السّفيه : 18 - السّفيه بعد الحجر عليه لا يصحّ إقراره بالمال ، لأنّه من التّصرّفات الضّارّة المحضة من حيث الظّاهر ، وإنّما قبل الإقرار من المأذون للضّرورة . وإذا بلغ الصّبيّ سفيهاً أو ذا غفلةٍ وحجر عليه بسبب ذلك أو اعتبر محجوراً عليه فإنّه في تصرّفاته الماليّة الضّارّة يأخذ حكم الصّبيّ المميّز ، فإذا تزوّج وأقرّ بأنّ المهر الّذي قرّره لها أكثر من مهر المثل فالزّيادة باطلة ، وهكذا فإنّ القاضي يردّ كلّ تصرّفاته الماليّة الضّارّة . وعلى القول بأنّ الحجر عليه لا بدّ من الحكم به ولا يكون تلقائيّاً بسبب السّفه فإنّ السّفيه المهمل - أي الّذي لم يحجر عليه - يصحّ إقراره . ونصّ الشّافعيّة على أنّه لا يصحّ إقراره بنكاحٍ ، ولا بدينٍ أسند وجوبه إلى ما قبل الحجر ، أو إلى ما بعده ، ولا يقبل إقراره بعينٍ في يده في حال الحجر ، وكذا بإتلاف مال الغير ، أو جناية توجب المال في الأظهر . وفي قولٍ عندهم يقبل ، لأنّه إذا باشر الإتلاف يضمن ، فإذا أقرّ به قبل إقراره ، ويصحّ إقراره بالحدّ والقصاص لعدم تعلّقهما بالمال ، وسائر العقوبات مثلهما لبعد التّهمة ، ولو كان الحدّ سرقةً قطع ، ولا يلزمه المال . وذكر الأدميّ البغداديّ من الحنابلة : أنّ السّفيه إن أقرّ بحدٍّ أو قودٍ أو نسبٍ أو طلاقٍ لزم - ويتبع به في الحال - وإن أقرّ بمالٍ أخذ به بعد رفع الحجر عنه . والصّحيح من مذهب الحنابلة : صحّة إقرار السّفيه بالمال سواء لزمه باختياره أو لا ، ويتبع به بعد فكّ الحجر عنه ، وقيل : لا يصحّ مطلقاً ، وهو احتمال ذكره ابن قدامة في المقنع في باب الحجر ، واختاره هو والشّارح . الشّرط الثّالث : البلوغ : 19 - أمّا البلوغ فإنّه ليس بشرطٍ لصحّة الإقرار فيصحّ إقرار الصّبيّ العاقل المأذون له بالدّين والعين ، لأنّ ذلك من ضرورات التّجارة ، ويصحّ إقراره في قدر ما أذن له فيه دون ما زاد ، ونصّ الحنابلة على أنّه المذهب وعليه جمهور الأصحاب ، وهو قول أبي حنيفة . وقال الشّافعيّ : لا يصحّ إقراره بحالٍ لعموم الخبر : « رفع القلم عن ثلاثةٍ ، عن الصّبيّ حتّى يبلغ ، وعن المجنون حتّى يفيق ، وعن النّائم حتّى يستيقظ » ولأنّه لا تقبل شهادته ، وفي قولٍ عند الحنابلة : إنّه لا يصحّ إقرار المأذون له إلاّ في الشّيء اليسير . إلاّ أنّه لا يصحّ إقرار المحجور عليه ، لأنّه من التّصرّفات الضّارّة المحضة من حيث الظّاهر . ويقبل إقرار الصّبيّ ببلوغه الاحتلام في وقت إمكانه ، إذ لا يمكن معرفة ذلك إلاّ من جهته ، وكذا ادّعاء الصّبيّة البلوغ برؤية الحيض . ولو ادّعى البلوغ بالسّنّ قبل ببيّنةٍ ، وقيل : يصدّق في سنٍّ يبلغ في مثلها ، وهي تسع سنين ، وقيل : عشر سنين ، وقيل : اثنتا عشرة سنةً ، ويلزمه بهذا البلوغ ما أقرّ به . وأفتى الشّيخ تقيّ الدّين : فيمن أسلم أبوه ، فادّعى أنّه بالغ ، بأنّه إذا كان لم يقرّ بالبلوغ إلى حين الإسلام فقد حكم بإسلامه قبل الإقرار بالبلوغ . وذلك بمنزلة ما إذا ادّعت انقضاء العدّة بعد أن ارتجعها ، وقال : هذا يجيء في كلّ من أقرّ بالبلوغ بعد حقٍّ ثبت في حقّ الصّبيّ ، مثل الإسلام ، وثبوت أحكام الذّمّة تبعاً لأبيه . الشّرط الرّابع : فهم المقرّ لما يقرّ به . 20 - لا بدّ للزوم الإقرار واعتباره أن تكون الصّيغة مفهومةً للمقرّ فلو لقّن العامّيّ كلماتٍ عربيّةً لا يعرف معناها لم يؤاخذ بها ، لأنّه لمّا لم يعرف مدلولها يستحيل عليه قصدها ، لأنّ العامّيّ - غير المخالط للفقهاء - يقبل منه دعوى الجهل بمدلول كثيرٍ من ألفاظ الفقهاء ، بخلاف المخالط فلا يقبل منه فيما لا يخفى على مثله معناه . وبالأولى لو أقرّ العربيّ بالعجميّة أو العكس وقال : لم أدر ما قلت ، صدّق بيمينه ، لأنّه أدرى بنفسه والظّاهر معه . الشّرط الخامس : الاختيار : 21 - ويشترط في المقرّ الاختيار ، مدعاةً للصّدق ، فيؤاخذ به المكلّف بلا حجرٍ ، أي حال كونه غير محجورٍ عليه . فإذا أقرّ الحرّ البالغ العاقل طواعيةً بحقٍّ لزمه . وقال الحنابلة : إنّه يصحّ من مكلّفٍ مختارٍ بما يتصوّر منه التزامه ، بشرط كونه بيده وولايته واختصاصه ، ولو على موكّله أو مورثه أو مولّيه . الشّرط السّادس : عدم التّهمة : 22 - ويشترط في المقرّ لصحّة إقراره أن يكون غير متّهمٍ في إقراره ، لأنّ التّهمة تخلّ برجحان الصّدق على جانب الكذب في إقراره ، لأنّ إقرار الإنسان على نفسه شهادة . قال اللّه تعالى : { يا أيّها الّذين آمنوا كونوا قوّامين بالقسط شهداء للّه ولو على أنفسكم } والشّهادة على نفسه إقرار . والشّهادة ترد بالتّهمة . ومن أمثلته : ما لو أقرّ لمن بينه وبينه صداقة أو مخالطة . 23 - وممّن يتّهم في إقراره المدين المحجور عليه ، لإحاطة الدّين بماله الّذي حجر عليه فيه ، وهو ما يعبّر عنه بالمفلس . بل صرّح المالكيّة أنّ هذا القيد - ألاّ يكون متّهماً - إنّما يعتبر في المريض ونحوه والصّحيح المحجور عليه ، لإحاطة الدّين بماله الّذي حجر عليه فيه . والصّحيح : أنّ المفلس بالنّسبة لما فلّس فيه متّهم في إقراره ، فلا يقبل إقراره لأحدٍ ، حيث كان الدّين الّذي فلّس فيه ثابتاً بالبيّنة ، لأنّه متّهم على ضياع مال الغرماء ، ولا يبطل الإقرار ، بل هو لازم يتبع به في ذمّته ، ويؤاخذ به المقرّ فيما يجدّ له من مالٍ فقط ، ولا يحاصّ المقرّ له الغرماء بالدّين الّذي أقرّ له به المفلس . ونقل القاضي عن الإمام أحمد أنّ المفلس إذا أقرّ ، وعليه دين ببيّنةٍ ، يبدأ بالدّين الّذي بالبيّنة ، لأنّه أقرّ بعد تعلّق الحقّ بتركته ، فوجب ألاّ يشارك المقرّ له من ثبت دينه ببيّنةٍ ، كغريم المفلس الّذي أقرّ له بعد الحجر عليه ، وبهذا قال النّخعيّ والثّوريّ وأصحاب الرّأي . وفصّل الشّافعيّة ، فقالوا : لو أقرّ المفلس بعينٍ أو دينٍ وجب قبل الحجر ، فالأظهر قبوله في حقّ الغرماء لانتفاء التّهمة الظّاهرة ، وقيل : لا يقبل إقراره في حقّ الغرماء ، لئلاّ يضرّهم بالمزاحمة ، ولأنّه ربّما واطأ المقرّ له . وإن أسند وجوبه إلى ما بعد الحجر لم يقبل في حقّهم ، بل يطالب بعد فكّ الحجر . ولو لم يسند وجوبه إلى ما قبل الحجر ولا لما بعده ، فقياس المذهب - على ما قاله الرّافعيّ - تنزيله على الأقلّ ، وهو جعله كالمسند إلى ما بعد الحجر . إقرار المريض مرض الموت : 24 - وممّن يتّهم في إقراره : المريض مرض موتٍ في بعض الحالات على ما سنبيّنه في مصطلح ( مرض الموت ) وإن كان الأصل أنّ المرض ليس بمانعٍ من صحّة الإقرار في الجملة . إذ الصّحّة ليست شرطاً في المقرّ لصحّة إقراره ، لأنّ صحّة إقرار الصّحيح برجحان جانب الصّدق ، وحال المريض أدلّ على الصّدق ، فكان إقراره أولى بالقبول . غير أنّ المالكيّة نصّوا على أنّ من أقرّ بشيءٍ في صحّته : بشيءٍ من المال ، أو الدّين ، أو البراءات ، أو قبض أثمان المبيعات ، فإقراره عليه جائز ، لا تلحقه فيه تهمة ، ولا يظنّ فيه توليج ، والأجنبيّ والوارث في ذلك سواء ، وكذا القريب والبعيد والعدوّ والصّديق . ويقول الحطّاب : من أقرّ بشيءٍ في صحّته لبعض ورثته ، قدّم المقرّ له بعد موت المقرّ ، ويقيم البيّنة على الإقرار . قال ابن رشدٍ : هذا هو المعلوم من قول ابن القاسم وروايته عن مالكٍ المشهور في المذهب . ووقع في المبسوط لابن كنانة والمخزوميّ وابن أبي حازمٍ ومحمّد بن مسلمة أنّه لا شيء له ، وإن أقرّ له في صحّته إذا لم يقم عليه بذلك بيّنةً حتّى هلك إلاّ أن يعرف سبب ذلك ، فإن عرف ذلك فبها وإلاّ فإذا لم يعرف له سبب فلا شيء له ، لأنّ الرّجل يتّهم أن يقرّ بدينٍ في صحّته لمن يثق به من ورثته على ألاّ يقوم به حتّى يموت . وقيل : إنّه نافذ ويحاصّ به الغرماء في الفلس ، وهو قول ابن القاسم في المدوّنة والعتبيّة ، وقال ابن رشدٍ : لا يحاصّ به على قول ابن القاسم إن ثبت ميله إليه إلاّ باليمين ، واختار ابن رشدٍ إبطال الإقرار بالدّين مراعاةً لقول المدنيّين . وعلى هذا فإقرار المريض مرض موتٍ بالحدّ والقصاص مقبول اتّفاقاً ، وكذا إقراره بدينٍ لأجنبيٍّ فإنّه ينفذ من كلّ ماله ما لم يكن عليه ديون أقرّ بها في حال صحّته عند الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة ، وأصحّ الرّوايات عند الحنابلة ، وهو المذهب عندهم ، وجزم به في الوجيز ، لأنّه لم يتضمّن إبطال حقّ الغير وكان المقرّ له أولى من الورثة ، لقول عمر : إذا أقرّ المريض بدينٍ جاز ذلك عليه في جميع تركته ، ولأنّ قضاء الدّين من الحوائج الأصليّة ، وحقّ الورثة يتعلّق بالتّركة بشرط الفراغ . وفي رواية عند الحنابلة : أنّه لا يقبل ، وفي روايةٍ أخرى عندهم لا يصحّ بزيادةٍ على الثّلث . قال ابن قدامة : أجمع كلّ من نحفظ عنه من أهل العلم على أنّ إقرار المريض في مرضه لغير وارثٍ جائز ، وحكى أصحابنا روايةً أخرى أنّه لا يقبل ، لأنّه إقرار في مرض الموت أشبه الإقرار لوارثٍ . وقال أبو الخطّاب في روايةٍ أخرى : إنّه لا يقبل إقراره بزيادةٍ على الثّلث ، لأنّه ممنوع من عطيّة ذلك الأجنبيّ ، كما هو ممنوع من عطيّة الوارث ، فلا يصحّ إقراره بما لا يملك عطيّته بخلاف الثّلث فما دون . والمقصود بالأجنبيّ هنا أن يكون غير وارثٍ في المقرّ فيشمل القريب غير الوارث . ويصرّح المالكيّة بذلك فيقولون : إن أقرّ لقريبٍ غير وارثٍ كالخال أو لصدّيقٍ ملاطفٍ أو مجهولٍ حاله - لا يدرى هل هو قريب أم لا - صحّ الإقرار إن كان لذلك المقرّ ولد وإلاّ فلا ، وقيل : يصحّ . وأمّا لو أقرّ لأجنبيٍّ غير صديقٍ كان الإقرار لازماً كان له ولد أم لا . وقال الشّافعيّة : للوارث تحليف المقرّ له على الاستحقاق . وأمّا إقرار المريض لوارثٍ فهو باطل إلاّ أن يصدّقه الورثة أو يثبت ببيّنةٍ عند الحنفيّة والمذهب عند الحنابلة ، وفي قولٍ للشّافعيّة . وعند المالكيّة : إن كان متّهماً في إقراره كأن يقرّ لوارثٍ قريبٍ مع وجود الأبعد أو المساوي ، كمن له بنت وابن عمٍّ فأقرّ لابنته لم يقبل وإن أقرّ لابن عمّه قبل ، لأنّه لا يتّهم في أنّه يزري ابنته ويوصّل المال إلى ابن عمّه . وعلّة منع الإقرار التّهمة ، فاختصّ المنع بموضعها . وأطال المالكيّة في تصوير ذلك والتّفريع عليه . وقالوا : من مرض بعد الإشهاد في صحّته لبعض ولده فلا كلام لبقيّة أولاده إن كتب الموثّق أنّ الصّحيح قبض من ولده ثمن ما باعه له ، فإن لم يكتب فقيل : يحلف مطلقاً . وقيل : يحلف إن اتّهم الأب بالميل إليه . قال الموّاق : لا يقبل إقرار المريض لمن يتّهم عليه . وسئل المازريّ عمّن أوصى بثلث ماله ، ثمّ اعترف بدنانير لمعيّنٍ : فأجاب إن اعترف في صحّته حلف المقرّ له يمين القضاء . واستدلّ القائلون ببطلان الإقرار بما روي أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال : « لا وصيّة لوارثٍ ، ولا إقرار له بالدّين » ، وبالأثر عن ابن عمر أنّه قال : " إذا أقرّ الرّجل في مرضه بدينٍ لرجلٍ غير وارثٍ فإنّه جائز وإن أحاط بماله ، وإن أقرّ لوارثٍ فهو باطل إلاّ أن يصدّقه الورثة " . وقول الواحد من فقهاء الصّحابة مقدّم على القياس . ولم يعرف لابن عمر في ذلك مخالف من الصّحابة فكان إجماعاً ، ولأنّه تعلّق حقّ الورثة بماله في مرضه ، ولهذا يمنع من التّبرّع على الوارث أصلاً ، ففي تخصيص البعض به إبطال حقّ الباقين . وفي كتب الحنابلة : لو أقرّت المرأة بأنّها لا مهر لها على زوجها لم يصحّ ، إلاّ أن يقيم بيّنةً أنّها أخذته . إقرار المريض بالإبراء : 25 - إذا أقرّ المريض أنّه أبرأ فلاناً من الدّين الّذي عليه في صحّته لا يجوز ، لأنّه لا يملك إنشاء الإبراء للحال ، فلا يملك الإقرار به ، بخلاف الإقرار باستيفاء الدّين ، لأنّه إقرار بقبض الدّين ، وأنّه يملك إنشاء القبض فيملك الإخبار عنه بالإقرار . وهذا مذهب الحنفيّة . ويقرب منهم الشّافعيّة إذ يقولون : إذا أبرأ المريض مرض الموت أحد مديونيه ، والتّركة مستغرقة بالدّيون ، لم ينفذ إبراؤه لتعلّق حقّ الغرماء . بينما يقول المالكيّة في باب الإقرار : وإن أبرأ إنسان شخصاً ممّا قبله أو أبرأه من كلّ حقٍّ له عليه ، أو أبرأه وأطلق بريء مطلقاً ممّا في الذّمّة وغيرها معلوماً أو مجهولاً . وهذه العبارة بإطلاقها شاملة للمريض وللصّحيح ، وشاملة للإبراء من دين الصّحّة وغيره . الرّكن الثّاني : المقرّ له ، وما يشترط فيه : المقرّ له من يثبت له الحقّ المقرّ به ، ويحقّ له المطالبة به أو العفو عنه واشترط الفقهاء فيه ما يأتي : الشّرط الأوّل : ألاّ يكون المقرّ له مجهولاً : 26 - فلا بدّ أن يكون معيّناً ، بحيث يمكن أن يطالب به ، ولو كان حملاً . كأن يقول : عليّ ألف لفلانٍ ، أو عليّ ألف لحمل فلانة ، وسيأتي تفصيل الإقرار للحمل . أو يكون مجهولاً جهالةً غير فاحشةٍ ، كأن يقول : عليّ مال لأحد هؤلاء العشرة ، أو لأحد أهل البلد ، وكانوا محصورين عند الشّافعيّة ، والنّاطفيّ وخواهر زاده من الحنفيّة . الإقرار مع جهالة المقرّ له : 27 - أجمع الفقهاء على أنّ الجهالة الفاحشة بالمقرّ له لا يصحّ معها الإقرار ، لأنّ المجهول لا يصلح مستحقّاً ، إذ لا يجبر المقرّ على البيان ، من غير تعيين المستحقّ ، فلا يفيد الإقرار شيئاً . وأمّا إذا كانت الجهالة غير فاحشةٍ بأن قال : عليّ ألف لأحد هذين أو لأحد هؤلاء العشر : أو لأحد أهل البلد وكانوا محصورين ، فهناك اتّجاهان : الأوّل : ما ذهب إليه الشّافعيّة ، وهو ما اختاره النّاطفيّ وخواهر زاده من الحنفيّة . أنّ هذا الإقرار صحيح ، لأنّه قد يفيد وصول الحقّ إلى المستحقّ بتحليف المقرّ لكلٍّ من حصرهم ، أو بتذكّره ، لأنّ المقرّ قد ينسى ، وهو ما يفهم من مغني ابن قدامة ، لأنّه مثّل بالجهالة اليسيرة . والثّاني : ما ذهب إليه جمهور الحنفيّة ، وهو ما اختاره السّرخسيّ : من أنّ أيّ جهالةٍ تبطل الإقرار ، لأنّ المجهول لا يصلح مستحقّاً ، ولا يجبر المقرّ على البيان ، من غير تعيين المدّعي . الشّرط الثّاني : أن تكون للمقرّ له أهليّة استحقاق المقرّ به حسّاً وشرعاً : 28 - فلو أقرّ لبهيمةٍ أو دارٍ ، بأنّ لها عليه ألفاً وأطلق لم يصحّ الإقرار ، لأنّهما ليسا من أهل الاستحقاق . أمّا لو ذكر سبباً يمكن أن ينسب إليه ، كما لو قال : عليّ كذا لهذه الدّابّة بسبب الجناية عليها ، أو لهذه الدّار بسبب غصبها أو إجارتها ، فالجمهور على أنّ هذا الإقرار صحيح ، ويكون الإقرار في الحقيقة لصاحب الدّابّة أو الدّار وقت الإقرار وهو اختيار المرداويّ ، كما جزم به صاحب الرّعاية ، وابن مفلحٍ في الفروع من الحنابلة . لكن جمهور الحنابلة على أنّ هذا الإقرار لا يصحّ ، لأنّ هذا الإقرار وقع للدّار وللدّابّة ، وهما ليستا من أهل الاستحقاق . الإقرار للحمل : 29 - إن أقرّ لحمل امرأةٍ عيّنها بدينٍ أو عيّن فقال : عليّ كذا ، أو عندي كذا لهذا الحمل وبيّن السّبب فقال : بإرثٍ أو وصيّةٍ ، كان الإقرار معتبراً ولزمه ما أقرّ به لإمكانه . وكان الخصم في ذلك وليّ الحمل عند الوضع ، إلاّ إذا تمّ الوضع لأكثر من أربع سنين - من حين الاستحقاق مطلقاً - الّتي هي أقصى مدّة الحمل - كما يرى فريق من الفقهاء - أو لستّة أشهرٍ فأكثر - الّتي هي أقلّ مدّة الحمل - وهي فراش لم يستحقّ ، لاحتمال حدوث الحمل بعد الإقرار . ولا يصحّ الإقرار إلاّ لحملٍ يتيقّن وجوده عند الإقرار ، ويكون ذلك بما إذا وضعته لأقلّ من ستّة أشهرٍ ، أو لأكثر من ذلك إلى سنتين عند الحنفيّة ، وإلى أربعةٍ عند الشّافعيّة . وينصّ المالكيّة : ولزم الإقرار للحمل ، وإن كان الإقرار أصله وصيّةً فله الكلّ ، وإن كان بالإرث من الأب - وهو ذكر - فكذلك ، وإن كان أنثى فلها النّصف ، وإن ولدت ذكراً وأنثى فهو بينهما بالسّويّة إن أسنده إلى وصيّةٍ ، وأثلاثاً إن أسنده إلى إرثٍ ، إلاّ إذا كانت جهة التّوريث يستوي فيها الذّكر والأنثى كالإخوة لأمٍّ ، وإن أسند السّبب إلى جهةٍ لا تمكن في حقّه كقوله : باعني شيئاً فلغو للقطع بكذبه ، وعند الشّافعيّة قول بغير ذلك . وإن أطلق الإقرار ولم يسنده إلى شيءٍ صحّ عند الحنابلة ، لإطلاقهم القول بصحّة الإقرار بحال حمل امرأةٍ ، لجواز أن يكون له وجه . وقال أبو الحسن التّميميّ : لا يصحّ إلاّ أن يسنده إلى سببٍ من إرثٍ أو وصيّةٍ ، وقيل : لا يصحّ مطلقاً . قال في النّكت : ولا أحسب هذا قولاً في المذهب . وصحّ في الأظهر عند الشّافعيّة ، ويحمل على الممكن في حقّه ، صوناً لكلام المكلّف عن الإلغاء ما أمكن . وفي قولٍ عند الشّافعيّة : لا يصحّ ، إذ المال لا يجب إلاّ بمعاملةٍ أو جنايةٍ ، وهما منتفيان في حقّه ، فحمل الإطلاق على الوعد . وقال أبو يوسف من الحنفيّة : إن أجمل الإقرار لا يصحّ ، لأنّ الإقرار المبهم يحتمل الصّحّة والفساد ، لأنّه إن كان يصحّ بالحمل على الوصيّة والإرث فإنّه يفسد بالحمل على البيع والغصب والقرض ، كما أنّ الحمل في نفسه محتمل الوجود والعدم ، والشّكّ من وجهٍ واحدٍ يمنع صحّة الإقرار ، فمن وجهين أولى . وقال محمّد : يصحّ حملاً لإقرار العاقل على الصّحّة . ولو انفصل الحمل ميّتاً فلا شيء على المقرّ للحمل أو ورثته ، للشّكّ في حياته وقت الإقرار . فيسأل القاضي المقرّ حسبةً عن جهة إقرارٍ من إرثٍ أو وصيّةٍ ليصل الحقّ لمستحقّه . وإن مات المقرّ قبل البيان بطل . وإن ألقت حيّاً وميّتاً جعل المال للحيّ . الإقرار للميّت : 30 - لو قال : لهذا الميّت عليّ كذا فذلك إقرار صحيح ، وهو إقرار في الحقيقة للورثة يتقاسمونه قسمة الميراث ، لكن إن كان المقرّ له حملاً ثمّ سقط ميّتاً بطل الإقرار ، إن كان سبب الاستحقاق ميراثاً أو وصيّةً ، ويرجع المال إلى ورثة المورث ، أو ورثة الموصي . الإقرار بالحمل : 31 - نصّ الحنفيّة : على أنّ من أقرّ لرجلٍ بحمل فرسٍ أو حمل شاةٍ فإنّ إقراره صحيح ولزمه ما أقرّ به ، لأنّ له وجهاً صحيحاً وهو الوصيّة بالحمل ، بأن تكون الفرس أو الشّاة لواحدٍ ، وأوصى بحملها لرجلٍ ، ومات والمقرّ وارثه ، وقد علم بوصيّةٍ مورثه . الإقرار للجهة : 32 - الأصل أنّه يصحّ الإقرار لمن كان لديه أهليّة ماليّةٍ أو استحقاقٍ كالوقف والمسجد ، فيصحّ الإقرار لهما . على نفسه بمالٍ له ، ويصرف في إصلاحه وبقاء عينه ، كأن يقول ناظر على مسجدٍ أو وقفٍ : ترتّب في ذمّتي مثلاً للمسجد أو للوقف كذا . فإنّ الإقرار لهذا ومثله كالطّريق والقنطرة والسّقاية ، يصحّ ، ولو لم يذكر سبباً ، كغلّة وقفٍ أو وصيّةٍ ، لأنّه إقرار من مكلّفٍ مختارٍ فلزمه ، كما لو عيّن السّبب ويكون لمصالحها ، فإذا أسنده لممكنٍ بعد الإقرار صحّ . وفي وجهٍ عند الحنابلة ذكره التّميميّ : أنّ الإقرار للمسجد ونحوه من الجهات لا يصحّ إلاّ مع ذكر السّبب . [/QUOTE]
الإسم
التحقق
اكتب معهد الماهر
رد
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية