الرئيسية
المنتديات
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
الغرف الصوتية
غرفة ٠٠٠٠
ما الجديد
المشاركات الجديدة
جديد مشاركات الحائط
آخر النشاطات
الأعضاء
الزوار الحاليين
مشاركات الحائط الجديدة
البحث عن مشاركات الملف الشخصي
تسجيل الدخول
تسجيل
ما الجديد
البحث
البحث
بحث بالعناوين فقط
بواسطة:
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
قائمة
تسجيل الدخول
تسجيل
تثبيت التطبيق
تثبيت
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية
تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة
.
الرد على الموضوع
الرسالة
<blockquote data-quote="ابن عامر الشامي" data-source="post: 40949" data-attributes="member: 329"><p>الشّرط الثّالث : ألاّ يُكَذّب المقرّ في إقراره :</p><p>33 - يشترط الفقهاء لصحّة الإقرار ألاّ يكذّب المقرّ له المقرّ فيما أقرّ به ، فإن كذّبه بطل إقراره لأنّ الإقرار ممّا يرتدّ بالرّدّ إلاّ في بعض مسائل : منها الإقرار بالحرّيّة والرّقّ والنّسب وولاء العتاقة والوقف والطّلاق والميراث والنّكاح وابراء الكفيل وإبراء المدين بعد قوله : أبرئني . فلو قال المقرّ له للمقرّ : ليس لي عليك شيء ، أو لا علم لي ، واستمرّ التّكذيب فلا يؤاخذ بإقراره . والتّكذيب يعتبر من بالغٍ رشيدٍ .</p><p> ونصّ الشّافعيّة على أنّه إن كذّب المقرّ له المقرّ وكان قد أقرّ له بعينٍ ، ترك المال المقرّ به في يد المقرّ في الأصحّ ، لأنّ يده مشعرة بالملك ظاهراً ، والإقرار بالطّارئ عارضه التّكذيب فسقط ، فتبقى يده على ما معه يد ملكٍ لا مجرّد استحفاظٍ . ويقابل الأصحّ أنّ الحاكم ينزعه منه ويحفظه إلى ظهور مالكه . وإذا ادّعى المقرّ له جنساً آخر بعد أن كذّب المقرّ حلف المقرّ . أمّا إذا أقرّ المقرّ بشيءٍ ثمّ ادّعى أنّه كاذب في إقراره حلف المقرّ له أو وارثه على المفتى به - عند الحنفيّة - أنّ المقرّ لم يكن كاذباً في إقراره . وقيل : لا يحلف ، وفي جامع الفصولين : أقرّ فمات فقال ورثته : إنّه أقرّ كاذباً فلم يجز إقراره ، والمقرّ له عالم به ليس لهم تحليفه ، إذ وقت الإقرار لم يتعلّق حقّهم بمال المقرّ فصحّ الإقرار ، وحيث تعلّق حقّهم صار حقّاً للمقرّ له . </p><p> الرّكن الثّالث : المقرّ به :</p><p>34 - المقرّ به في الأصل نوعان : حقّ اللّه تعالى ، وحقّ العبد . وحقّ اللّه تعالى نوعان : حقّ خالص للّه ، وحقّ للّه فيه حقّ وللعبد أيضاً .</p><p> ولصحّة الإقرار بحقّ اللّه شروط هي : تعدّد الإقرار ، ومجلس القضاء والعبارة . حتّى إنّ الأخرس إذا كتب الإقرار فيما هو حقّ اللّه بيده ، أو بما يعرف أنّه إقرار بهذه الأشياء يجوز ، بخلاف الّذي اعتقل لسانه ، لأنّ للأخرس إشارةً معهودةً فإذا أتى بها يحصل العلم بالمشار إليه ، وليس ذلك لمن اعتقل لسانه ، ولأنّ إقامة الإشارة مقام العبارة أمر ضروريّ ، والخرس ضرورة لأنّه أصليّ ، وكذلك فإنّه لا يشترط لصحّة الإقرار بحقّ اللّه تعالى الصّحو حتّى يصحّ إقرار السّكران ، وفي ذلك كلّه تفصيل وخلاف مبيّن في الحدود ، وعند الكلام عن حقّ اللّه تعالى .</p><p> وأمّا حقّ العبد فهو المال ، من العين والدّين والنّسب والقصاص والطّلاق والعتاق ونحوها ، ولا يشترط لصحّة الإقرار بها ما يشترط لصحّة الإقرار بحقوق اللّه تعالى . فهي تثبت مع الشّبهات ، بخلاف حقوق اللّه تعالى . والشّرائط المختصّة بحقوق العباد نوعان :</p><p> نوع يرجع إلى المقرّ له ، وهو أن يكون معلوماً على ما سبق ،</p><p> ونوع يرجع إلى المقرّ به ، فيشترط لصحّة الإقرار بالعين والدّين الفراغ عن تعلّق حقّ الغير . فإن كان مشغولاً بحقّ الغير لم يصحّ ، لأنّ حقّ الغير معصوم محترم ، فلا يجوز إبطاله من غير رضاه ، فلا بدّ من معرفة وقت التّعلّق .</p><p> 35 - ولمّا كان الإقرار إخباراً عن كائنٍ ، وذلك قد يكون معلوماً وقد يكون مجهولاً ، فإنّ جهالة المقرّ به لا تمنع صحّة الإقرار بغير خلافٍ . فلو أتلف على آخر شيئاً ليس من ذوات الأمثال فوجبت عليه قيمته ، أو جرح آخر جراحةً ليس لها في الشّرع أرش مقدّر فأقرّ بالقيمة والأرش ، فكان الإقرار بالمجهول إخباراً عن المخبر عنه على ما هو به . ويجبر على البيان لأنّه هو المجمل ، فكان البيان عليه ، قال اللّه تعالى : { فإذا قرأناه فاتّبع قرآنه ثمّ إنّ علينا بيانه } ويصحّ بيانه متّصلاً ومنفصلاً ، لأنّه بيان محض فلا يشترط فيه الوصل . 36 - لا بدّ أن يبيّن شيئاً له قيمة ، لأنّه أقرّ بما في ذمّته ، وما لا قيمة له لا يثبت في الذّمّة ، وإذا بيّن شيئاً له قيمة فإن صدّقه المقرّ له وادّعى عليه زيادةً ، أخذ ذلك القدر المعيّن ، وأقام البيّنة على الزّيادة ، وإلاّ حلّفه عليها إن أراد ، لأنّه منكر للزّيادة ، والقول قول المنكر مع يمينه ، وإن كذّبه وادّعى عليه مالاً آخر أقام البيّنة ، وإلاّ حلّفه عليه ، وليس له أن يأخذ ما عيّنه ، لأنّه أبطل إقراره بالتّكذيب .</p><p> وعلى هذا فإذا قال : لفلانٍ عليّ مال ، يصدّق في القليل والكثير . لأنّ المال اسم ما يتموّل ، وهذا يقع على القليل والكثير ، ويصحّ بيانه متّصلاً ومنفصلاً . وبهذا قال الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة . ونقل ابن قدامة عن أبي حنيفة أنّه لا يقبل تفسيره . بغير المال الزّكويّ ، وأنّ بعض أصحاب مالكٍ حكوا عنه ثلاثة أوجهٍ : أحدها كغير المالكيّة ،</p><p> والثّاني : لا يقبل إلاّ أوّل نصابٍ من نصب الزّكاة من نوع أموالهم ،</p><p>والثّالث : ما يقطع فيه السّارق ويصحّ مهراً .</p><p> ويقول الزّيلعيّ : لم يصدّق في أقلّ من درهمٍ ، لأنّ ما دونه لا يطلق عليه اسم المال عادةً وهو المعتبر . ولو قال : له عليّ مال عظيم فالواجب نصاب ، لأنّه عظيم في الشّرع حتّى اعتبر صاحبه غنيّاً . وعن أبي حنيفة أنّه لا يصدّق في أقلّ من عشرة دراهم ، لأنّه نصاب السّرقة والمهر ، وهو عظيم حيث تقطع به اليد ويصلح مهراً .</p><p> ويجبره القاضي على البيان ، ولا بدّ أن يبيّن ما له قيمة ، لأنّ ما لا قيمة له لا يجب في الذّمّة ، فإذا بيّن بما لا قيمة له اعتبر رجوعاً ، والقول قوله مع يمينه ، وإن ادّعى المقرّ له أكثر من ذلك فالقول قول المقرّ مع يمينه .</p><p> ولو أقرّ له بشيءٍ أو حقٍّ ، وقال : أردت حقّ الإسلام ، لا يصحّ إن قاله مفصولاً ، ويصحّ إن قاله موصولاً . وينصّ المالكيّة على أنّه إن قال : لك أحد ثوبين ، عيّن المقرّ . فإن عيّن له الأدنى حلف إن اتّهمه المقرّ له ، وإذا لم يعيّن بأن قال : لا أدري . قيل للمقرّ له : عيّن أنت . فإن عيّن أدناهما أخذه بلا يمينٍ ، وإن عيّن أجودهما حلف للتّهمة وأخذه ، وإن قال : لا أدري ، حلفا معاً على نفي العلم ، واشتركا فيهما بالنّصف .</p><p> وقال المالكيّة : لو قال : له في هذه الدّار حقّ ، أو في هذا الحائط ، أو في هذه الأرض ، ثمّ فسّر ذلك بجزءٍ منها قبل تفسيره ، قليلاً كان أو كثيراً ، شائعاً كان أو معيّناً .</p><p> وينصّ الحنابلة على أنّه إن امتنع عن التّفسير حبس حتّى يفسّر ، لأنّه ممتنع من حقٍّ عليه ، فيحبس به ، كما لو عيّنه وامتنع من أدائه . وقال القاضي : يجعل ناكلاً ويؤمر المقرّ له بالبيان . وقالوا : إن مات من عليه الحقّ أخذ ورثته بمثل ذلك ، لأنّ الحقّ ثبت على مورثهم فيتعلّق بتركته ، وقد صارت إلى الورثة ، فيلزمهم ما لزم مورثهم ، كما لو كان الحقّ مبيّناً ، وإن لم يخلّف الميّت تركةً فلا شيء على الورثة .</p><p> ونصّ الشّافعيّة على أنّه لو فسّره بما لا يتموّل - لكن من جنسه - كحبّة حنطةٍ ، أو بما يحلّ اقتناؤه ككلبٍ معلّمٍ ، قبل في الأصحّ ويحرم أخذه ويجب ردّه . وقيل : لا يقبل فيهما ، لأنّ الأوّل لا قيمة له فلا يصحّ التزامه بكلمة " عليّ " ، والثّاني : ليس بمالٍ ، وظاهر الإقرار المال . وقالوا : لا يقبل تفسيره بنحو عيادة مريضٍ وردّ سلامٍ ، إذ لا مطالبة بهما ، وهم يشترطون أن يكون المقرّ به ممّا يجوز به المطالبة . أمّا لو كان قال : له عليّ حقّ ، فإنّه يقبل لشيوع الحقّ في استعمال كلّ ذلك .</p><p> وكذلك يصرّح الحنابلة بأنّه متى فسّر إقراره بما يتموّل في العادة قبل تفسيره وثبت ، إلاّ أن يكذّبه المقرّ له ، ويدّعي جنساً آخر أو لا يدّعي شيئاً ، فبطل إقراره ، وكذا إن فسّره بما ليس بمالٍ في الشّرع ، وإن فسّره بكلبٍ غير جائزٍ اقتناؤه فكذلك . وإن فسّره بكلبٍ يجوز اقتناؤه ، أو جلد ميتةٍ غير مدبوغٍ ففيه وجهان ، الأوّل : يقبل لأنّه شيء يجب ردّه ، والوجه الثّاني : لا يقبل ، لأنّ الإقرار إخبار عمّا يجب ضمانه وهذا لا يجب ضمانه ، غير أنّهم قالوا : إن فسّره بحبّة حنطةٍ أو شعيرٍ لم يقبل ، لأنّ هذا لا يتموّل عادةً على انفراده . وقالوا أيضاً : إن فسّره بحقّ شفعةٍ قبل ، لأنّه حقّ واجب ويئول إلى مالٍ ، وإن فسّره بحدّ قذفٍ قبل ، لأنّه حقّ يجب عليه - وهم في ذلك كالشّافعيّة - غير أنّهم قالوا بالنّسبة لحدّ القذف : يحتمل ألاّ يقبل لأنّه لا يئول إلى مالٍ ، والأوّل أصحّ وإن فسّره بردّ سلامٍ أو تشميت عاطسٍ ونحوه لم يقبل - خلافاً للشّافعيّة - لأنّه يسقط بفواته فلا يثبت في الذّمّة ، وقالوا : يحتمل أن يقبل تفسيره ، فهم في هذا كالشّافعيّة .</p><p> 37 - ولو كان المقرّ به معلوم الأصل ومجهول الوصف ، نحو أن يقول : إنّه غصب من فلانٍ ثوباً من العروض ، فيصدّق في البيان من جنس ذلك سليماً كان أو معيباً ، لأنّ الغصب يردّ على السّليم والمعيب عادةً ، وقد بيّن الأصل وأجّل الوصف ، فيرجع في بيان الوصف إليه فيصحّ منفصلاً ، ومتى صحّ بيانه يلزمه الرّدّ إن قدر عليه ، وإن عجز عنه تلزمه القيمة وإن قال : غصبت شيئاً فطلب منه البيان ففسّره بما ليس بمالٍ قبل ، لأنّ اسم الغصب يقع عليه . قال ابن قدامة : وهو مذهب الشّافعيّ . وحكي عن أبي حنيفة أنّه لا يقبل تفسيره بغير المكيل والموزون ممّا لا يثبت في الذّمّة بنفسه .</p><p> ولو أقرّ بأنّ ما عنده لغيره كان رهناً ، فقال المقرّ له : بل وديعة ، فالقول قول المقرّ له ( المالك ) لأنّ العين تثبت بالإقرار ، وادّعى المقرّ ديناً لا يعترف له به والقول قول المنكر ، ولأنّه أقرّ بمالٍ لغيره وادّعى أنّ له به تعلّقاً ( حقّاً في الاحتباس ) فلم يقبل ، كما لو ادّعاه بكلامٍ منفصلٍ ، وكذلك لو أقرّ له بدارٍ وقال : استأجرتها ، أو بثوبٍ وادّعى أنّه خاطه بأجرٍ يلزم المقرّ له . لم يقبل لأنّه مدّعٍ على غيره حقّاً فلا يقبل قوله إلاّ ببيّنةٍ .</p><p> وإن قال : لك عليّ ألف من ثمن مبيعٍ لم أقبضه ، فقال المدّعى عليه : بل لي عليك ألف ولا شيء لك عندي . قال أبو الخطّاب : فيه وجهان :</p><p> أحدهما . القول قول المقرّ له ، لأنّه اعترف له بالألف وادّعى عليه مبيعاً ، فأشبه ما إذا قال : هذا رهن فقال المالك : وديعة ، أو له عليّ ألف لم أقبضها .</p><p> الثّاني : القول قول المقرّ وهو قياس المذهب ، وهو قول الشّافعيّ وأبي يوسف ، لأنّه أقرّ بحقٍّ في مقابلة حقٍّ له ولا ينفكّ أحدهما عن الآخر . ويصرّح ابن قدامة بأنّ الشّهادة على الإقرار بالمجهول تقبل ، لأنّ الإقرار به صحيح ، وما كان صحيحاً في نفسه صحّت الشّهادة به كالمعلوم .</p><p> 38 - ونصّ الشّافعيّة على أنّه يشترط في المقرّ به لصحّة الإقرار ألاّ يكون ملكاً للمقرّ حين يقرّ ، لأنّ الإقرار ليس إزالةً عن الملك ، وإنّما هو إخبار عن كونه ملكاً للمقرّ له ، فلا بدّ من تقديم المخبر عنه على الخبر ، فلو قال : داري أو ثوبي أو ديني الّذي على زيدٍ لعمرٍو ولم يرد الإقرار فهو لغو ، لأنّ الإضافة إليه تقتضي الملك له ، فينافي إقراره لغيره ويحمل على الوعد بالهبة . ولو قال : هذا لفلانٍ وكان ملكي إلى أن أقررت به ، فأوّل كلامه إقرار ، وآخره لغو ، فليطرح آخره فقط ، ويعمل بأوّله ، لاشتماله على جملتين مستقلّتين .</p><p> 39 - كما اشترطوا لإعمال الإقرار - أي التّسليم لا لصحّته ، أن تكون العين المقرّ بها في يد المقرّ حسّاً أو حكماً ، كالمعار أو المؤجّر تحت يد الغير ، لأنّه عند انتفاء يده عنه يكون مدّعياً أو شاهداً ، ومتى حصل بيده لزمه تسليمه ، لأنّ هذا الشّرط ليس شرط صحّةٍ . فلو أقرّ ولم يكن في يده ثمّ صار في يده عمل بمقتضى إقراره ، واستثنوا من اشتراط أن يكون في يده ما لو باع بشرط الخيار له أو لهما ، ثمّ ادّعاه رجل ، فأقرّ البائع في مدّة الخيار له به فإنّه يصحّ . أمّا لو كانت العين في يده باعتباره نائباً عن غيره كناظر وقفٍ ووليّ محجورٍ فلا يصحّ إقراره . وكذلك صرّح الحنابلة باشتراط أن يكون المقرّ به بيد المقرّ وولايته واختصاصه ، فلا يصحّ إقراره بشيءٍ في يد غيره ، أو في ولاية غيره ، كما لو أقرّ أجنبيّ على صغيرٍ ، أو وقفٍ في ولاية غيره أو اختصاصه ، لكنّهم قالوا بصحّة إقراره بمالٍ في ولايته واختصاصه ، كأن يقرّ وليّ اليتيم ونحوه أو ناظر الوقف ، لأنّه يملك إنشاء ذلك . واشترطوا أن يتصوّر التزام المقرّ بما أقرّ به ، أي أن يمكن صدقه ، فلو أقرّ بارتكابه جنايةً منذ عشرين سنةً وعمره لا يتجاوز العشرين ، فإنّ إقراره لا يصحّ .</p><p> الرّكن الرّابع : الصّيغة :</p><p>40 - الصّيغة هي ما يظهر الإرادة من لفظٍ ، أو ما يقوم مقامه من كتابةٍ أو إشارةٍ ، وإظهار الإرادة لا بدّ منه ، فلا عبرة بالإرادة الباطنة .</p><p>يقول السّرخسيّ : إنّ ما يكون بالقلب فهو نيّة ، والنّيّة وحدها لا تكفي ، ويقول ابن القيّم : إنّ اللّه تعالى وضع الألفاظ بين عباده تعريفاً ودلالةً على ما في نفوسهم ، فإذا أراد أحدهم من الآخر شيئاً عرّفه بمراده وما في نفسه بلفظه ، ورتّب على تلك الإرادات والمقاصد أحكامها بواسطة الألفاظ ، ولم يرتّب تلك الأحكام على مجرّد ما في النّفوس من غير دلالة فعلٍ أو قولٍ ، ولا على مجرّد ألفاظٍ مع العلم بأنّ المتكلّم بها لم يرد معانيها .</p><p> وصيغة الإقرار نوعان : صريح ودلالة . فالصّريح نحو أن يقول : لفلانٍ عليّ ألف درهمٍ ، لأنّ كلمة ( عليّ ) كلمة إيجابٍ لغةً وشرعاً . قال اللّه تعالى : { وللّه على النّاس حجّ البيت .. } وكذا لو قال لرجلٍ : هل لي عليك ألف درهمٍ ؟ فقال الرّجل : نعم . لأنّ كلمة نعم بمثابة إعادةٍ لكلامه ، وكذا لو قال : لفلانٍ في ذمّتي ألف درهمٍ ، لأنّ ما في الذّمّة هو الدّين ، فيكون إقراراً بالدّين .</p><p> هذا ما مثّل به الحنفيّة ، ولا تخرج أمثلة غيرهم عن ذلك ، والعرف في هذا هو المرجع . والأمر بكتابة الإقرار إقرار حكماً ، إذ الإقرار كما يكون باللّسان يكون بالبنان ، فلو قال للكاتب : اكتب إقراراً بألفٍ عليّ لفلانٍ ، صحّ الإقرار واعتبر ، كتب أو لم يكتب .</p><p> ويقول ابن عابدين : إنّ الكتابة المرسومة المعنونة كالنّطق بالإقرار ، ولا فرق بين أن تكون الكتابة بطلبٍ من الدّائن أو بلا طلبه . ونقل عن الأشباه لابن نجيمٍ أنّه إذا كتب ولم يقل شيئاً لا تحلّ الشّهادة ، لأنّ الكتابة قد تكون للتّجربة . ولو كتب أمام الشّهود وقال : اشهدوا عليّ بما فيه ، كان إقراراً إن علموا بما فيه وإلاّ فلا .</p><p> والإيماء بالرّأس من النّاطق ليس بإقرارٍ إلاّ في النّسب والإسلام والكفر والإفتاء .</p><p> وأمّا الصّيغة الّتي تفيد الإقرار دلالةً فهي أن يقول له رجل : لي عليك ألف ، فيقول : قد قبضتها ، لأنّ القضاء اسم لتسليم مثل الواجب في الذّمّة ، فيقتضي ما يعيّن الوجوب ، فكان الإقرار بالقضاء إقراراً بالوجوب ، ثمّ يدّعي الخروج عنه بالقضاء فلا يصحّ إلاّ بالبيّنة ، وكذا إذا قال : أجّلني بها . لأنّ التّأجيل تأخير المطالبة مع قيام أصل الدّين في الذّمّة . </p><p>الصّيغة من حيث الإطلاق والتّقييد :</p><p> الصّيغة قد تكون مطلقةً كما تقدّم ، وقد تكون مقترنةً . والقرينة في الأصل نوعان :</p><p>41 - أ - قرينة مبيّنة ( على الإطلاق ) ، وهي المعيّنة لبعض ما يحتمله اللّفظ ، فإن كان اللّفظ يحتمل المعنيين على السّواء صحّ بيانه متّصلاً كان البيان أو منفصلاً ، وإن كان لأحد الاحتمالين رجحان تسبق إليه الأفهام من غير قرينةٍ لا يصحّ إن كان البيان منفصلاً ، ويصحّ بالنّسبة للمتّصل إذا لم يتضمّن الرّجوع .</p><p> وبصفةٍ عامّةٍ إذا كانت القرينة منفصلةً عن الإقرار بأن قال : لفلانٍ عليّ عشرة دراهم وسكت ، ثمّ قال : إلاّ درهماً ، لا يصحّ الاستثناء عند كافّة العلماء وعامّة الصّحابة ، إلاّ ما روي عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما أنّه يصحّ ، لأنّ الاستثناء بيان فيصحّ متّصلاً ومنفصلاً . ووجه قول العامّة أنّ صيغة الاستثناء إذا انفصلت عن الجملة الملفوظة لا تكون كلام استثناءٍ لغةً ، وقالوا . إنّ الرّواية عن ابن عبّاسٍ لا تكاد تصحّ . وبيان ذلك تفصيلاً سبق في مصطلح ( استثناء ) . </p><p>42-ب- قرينة مغيرة ( من حيث الظاهر ) مبنية ( حقيقة )، وهذه يتغير بها الاسم لكن يتبين بها المراد، فكان تغييراً صورة ،تبييناً معنى، ومنه ما يلي :</p><p>أ- تعليق الإقرار على المشيئة :</p><p>43- القرينة المغيرة قد تدخل على أصل الإقرار، ، وتكون متصلة به، كتعليق الإقرار على مشيئة الله أو مشيئة فلان . وهذا يمنع صحة الإقرار عند الحنفية، لأن التعليق على المشيئة يجعل الأمر محتملاً . والإقرار إخبار عن كائن، والكائن لا يحتمل التعليق . وهو ما ذهب إليه ابن المواز وابن عبد الحكم من المالكية إذ قالا : لو علق الإقرار على المشيئة لم يلزمه شيء، وكأنه أدخل ما يوجب الشك، وهو مفاد قول الشافعية فيمن قرن إقراره بقوله فيما أحسب أو أظن، إذ قالوا : إنه لغو، لعدم اللزوم على المذهب، لأنه علق مشيئة إقراره على شرط فلم يصح، ولأن ما علق على مشيئة الله لا سبيل إلى معرفته . قال الشيرازي : إن قال :له عليّ ألف إن شاء الله لم يلزمه شيء، لأن ما علق على مشيئة الله تعالى لاسبيل إلى معرفته ، وإن قال : له علي ألف إن شاء زيد أو قدم فلان لم يلزمه شيء .</p><p>ويرى المالكية –عدا ابن المواز وابن عبد الحكم –وكذا الحنابلة أن الإقرار يلزمه، نص عليه أحمد، وقال سحنون :أجمع أصحابنا على ذلك .غير أن الحنابلة يفرقون بين التعليق على مشيئة الله، وبين التعليق على مشيئة الأشخاص .</p><p>يقول ابن قدامة : لأنه أقر ثم علق رفع الإقرار على أمر لايعلم فلم يرتفع . وإن قال :لك علي ألف إن شئت، أو إن شاء زيد لم يصح الإقرار، ولأنه علقه على شرط يمكن علمه فلم يصح. ويفارق التعليق على مشئية الله تعالى، لأنها كثيراً ما تذكر تبركاً وصلة وتفويضاً إلى الله، لا للاشتراط، لقوله تعالى { لتدخُلُنّ المسجدَ الحرامَ إن شاء الله آمنِين } بخلاف مشيئة الآدمي، كما أن مشيئته تعالى لا تعلم إلا بوقوع الأمر، فلا يمكن وقف الأمر على وجودها ، ومشيئة الآدمي يمكن العلم بها فيمكن جعلها شرطاً يتوقف الأمرعلى وجودها، ويتعين حمل الأمر هنا على المستقبل، فيكون وعداً لا إقراراً .</p><p> وقال القاضي : لو علق الإقرار على مشيئة المقر له أو شخص آخر صح الإقرار، لأنه عقبه بما يرفعه، فصح الإقرار دون ما رفعه . أي كأنه أقر ثم رجع فلا يصح رجوعه . </p><p>ب - تعليق الإقرار على شرطٍ :</p><p>44 - وضع الحنابلة قاعدةً عامّةً بأنّ كلّ إقرارٍ معلّقٍ على شرطٍ ليس بإقرارٍ ، لأنّه ليس بمقرٍّ في الحال ، وما لا يلزمه في الحال لا يصير واجباً عند وجود الشّرط ، لأنّ الشّرط لا يقتضي إيجاب ذلك . ونصّ الحنفيّة على أنّه لو أقرّ بشيءٍ على أن يكون له خيار الشّرط ، فإنّ الإقرار صحيح ويبطل الشّرط ، لأنّ شرط الخيار في معنى الرّجوع ، والإقرار في حقوق العباد لا يحتمل الرّجوع ، لأنّ الإقرار إخبار فلا يقبل الخيار ، وهو مذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ، لأنّ ما يذكره المقرّ بعد الإقرار يعتبر رفعاً له فلا يقبل كالاستثناء . </p><p>ج - تغيير وصف المقَرّ به :</p><p>45 - إن كان التّغيير متّصلاً باللّفظ كأن يقول : لفلانٍ عليّ ألف درهمٍ وديعة . كان إقراراً الوديعة ، أمّا إن كان منفصلاً ، بأن سكت ثمّ قال : هي وديعة فلا يصحّ ، ويكون إقراراً بالدّين ، لأنّ البيان هنا لا يصحّ إلاّ بشرط الوصل ، ولو قال : عليّ ألف درهمٍ وديعة قرضاً أو ديناً ، فهو إقرار بالدّين ، لجواز أن يكون أمانةً في الابتداء ثمّ يصير مضموناً في الانتهاء ، إذ الضّمان قد يطرأ على الأمانة متّصلاً كان أو منفصلاً ، لأنّ الإنسان في الإقرار بالضّمان غير متّهمٍ .</p><p>د - الاستثناء في الإقرار :</p><p>46 - إن كان الاستثناء من جنس المستثنى منه ومتّصلاً به ، فإن كان استثناء الأقلّ فلا خلاف في جوازه ، كأن يقول : عليّ لفلانٍ عشرة دراهم إلاّ ثلاثةً فيلزمه سبعة . أمّا إن كان استثناء الأكثر بأن قال : عليّ لفلانٍ عشرة دراهم إلاّ تسعةً فجائز في ظاهر الرّواية عند الحنفيّة ، ويلزمه درهم وهو الصّحيح ، لأنّ الاستثناء تكلّم بالباقي بعد الثّنيا ، وهذا المعنى كما يوجد في استثناء الأقلّ يوجد في استثناء الأكثر من القليل ، وإن كان غير مستحسنٍ عند أهل اللّغة ، وروي عن أبي يوسف أنّه لا يصحّ وعليه العشرة .</p><p> وإن كان استثناء الكلّ من الكلّ بأن يقول : لفلانٍ عليّ عشرة دنانير إلاّ عشرةً فباطل ، وعليه العشرة كاملةً ، لأنّه ليس استثناءً ، وإنّما هو إبطال ورجوع ، والرّجوع عن الإقرار في حقّ العباد لا يصحّ . وقال الشّافعيّة : يصحّ الاستثناء وهو إخراج ما لولاه لدخل بنحو إلاّ ، وذلك إن اتّصل إجماعاً ، والسّكوت اليسير غير مضرٍّ ، ويضرّ كلام أجنبيّ يسير أو سكوت طويل ، ويشترط أن يقصده قبل فراغ الإقرار ، ولكونه رفعاً لبعض ما شمله اللّفظ احتاج إلى نيّةٍ ولو كان إخباراً ، ولم يستغرق المستثنى المستثنى منه ، فإن استغرقه كخمسةٍ إلاّ خمسةً كان باطلاً بالإجماع إلاّ من شذّ ، لما في ذلك من المناقضة الصّريحة . وقال الحنابلة : لو قال : عليّ ألف إلاّ ستّمائةٍ لزمه الألف لأنّه استثنى الأكثر ، ولم يرد ذلك في لغة العرب . </p><p></p><p>هـ – الاستثناء من خلاف الجنس :</p><p>47 – إن كان الاستثناء من خلاف الجنس – ما لا يثبت ديناً في الذّمّة – فلا يصحّ عند الحنفيّة ، وعليه جميع ما أقرّ به ، فإن قال : له عليّ عشرة دراهم إلاّ ثوباً بطل الاستثناء ، خلافاً للشّافعيّة . وإن كان ممّا يثبت ديناً في الذّمّة بأن قال : لفلانٍ عليّ مائة دينارٍ إلاّ عشرة دراهم أو إلاّ قفيز حنطةٍ ، صحّ عند الشّيخين ، ويطرح ممّا أقرّ به قدر قيمة المستثنى ، لأنّه إن لم يمكن تحقيق معنى المجانسة في الاسم أمكن تحقيقها في الوجوب في الذّمّة ، فالدّراهم والحنطة من حيث احتمال الوجوب في الذّمّة من جنس الدّنانير ، وقال محمّد بن الحسن وزفر : إنّ الاستثناء استخراج بعض ما لولاه لدخل تحت نصّ المستثنى منه ، وذلك لا يتحقّق إلاّ إذا اتّحد الجنس . وقال الحنابلة : لا يصحّ الاستثناء من غير الجنس ولا من غير النّوع على ما هو المذهب وعليه جماهير الأصحاب .</p><p> أمّا الشّافعيّة فقد نصّوا على أنّه يصحّ الاستثناء من خلاف الجنس لورود الكتاب وغيره بذلك ، يقول اللّه سبحانه : { لا يسمعون فيها لغواً إلاّ سلاماً } ويقول : { ما لهم به من علمٍ إلاّ اتّباع الظّنّ } وقالوا : ويلزم المقرّ بالبيان ، فلو كان أقرّ لآخر بألف درهمٍ إلاّ ثوباً لزمه البيان بثوبٍ قيمته دون الألف .</p><p> وقالوا : ويصحّ الاستثناء من المعيّن كهذه الدّار إلاّ هذا البيت . </p><p>و - تعقيب الإقرار بما يرفعه :</p><p>48 - قال المالكيّة : لو عقّب الإقرار بما يرفعه بأن قال : لك عليّ ألف من ثمن خمرٍ أو خنزيرٍ لم يلزمه شيء ، إلاّ أن يقول الطّالب ( المقرّ له ) : هي ثمن برٍّ أو ما يشبهه فيلزمه مع يمين الطّالب . ولو قال : عليّ ألف من ثمن كذا ثمّ قال : لم أقبض المبيع ، قال ابن القاسم وسحنون وغيرهما : يلزمه الثّمن ولا يصدّق في عدم القبض . وقيل : القول قوله . وقال الحنابلة : إذا وصل بإقراره ما يغيّره أو يسقطه ، كأن يقول : عليّ ألف من ثمن خمرٍ أو استوفاه الدّائن أو من ثمن مبيعٍ فاسدٍ لم أقبضه لزمه الألف ، لأنّ كلّ ما ذكره بعد الإقرار بالألف يعتبر رفعاً له فلا يقبل ، كاستثناء الكلّ .</p><p> وفي قوله له : عليّ من ثمن خمرٍ أو خنزيرٍ ألف لا يجب . ولو قال : كان له عليّ ألف وقضيته إيّاه ، أو أبرأني منه ، أو قضيت منها خمسمائةٍ ، فهو منكر ، لأنّه قول يمكن صدقه ولا تناقض فيه من جهة اللّفظ ، فوجب قبول قوله بيمينه وهو المذهب . ولا يلزمه شيء كاستثناء البعض استثناءً متّصلاً ، بخلاف استثناء البعض المنفصل ، لأنّ الحقّ قد استقرّ بسكوته فلا يرفعه استثناء ولا غيره . ولا يصحّ استثناء ما زاد على النّصف ، ويصحّ في النّصف - على ما هو المذهب - فما دونه من غير خلافٍ لأنّه لغة العرب .</p></blockquote><p></p>
[QUOTE="ابن عامر الشامي, post: 40949, member: 329"] الشّرط الثّالث : ألاّ يُكَذّب المقرّ في إقراره : 33 - يشترط الفقهاء لصحّة الإقرار ألاّ يكذّب المقرّ له المقرّ فيما أقرّ به ، فإن كذّبه بطل إقراره لأنّ الإقرار ممّا يرتدّ بالرّدّ إلاّ في بعض مسائل : منها الإقرار بالحرّيّة والرّقّ والنّسب وولاء العتاقة والوقف والطّلاق والميراث والنّكاح وابراء الكفيل وإبراء المدين بعد قوله : أبرئني . فلو قال المقرّ له للمقرّ : ليس لي عليك شيء ، أو لا علم لي ، واستمرّ التّكذيب فلا يؤاخذ بإقراره . والتّكذيب يعتبر من بالغٍ رشيدٍ . ونصّ الشّافعيّة على أنّه إن كذّب المقرّ له المقرّ وكان قد أقرّ له بعينٍ ، ترك المال المقرّ به في يد المقرّ في الأصحّ ، لأنّ يده مشعرة بالملك ظاهراً ، والإقرار بالطّارئ عارضه التّكذيب فسقط ، فتبقى يده على ما معه يد ملكٍ لا مجرّد استحفاظٍ . ويقابل الأصحّ أنّ الحاكم ينزعه منه ويحفظه إلى ظهور مالكه . وإذا ادّعى المقرّ له جنساً آخر بعد أن كذّب المقرّ حلف المقرّ . أمّا إذا أقرّ المقرّ بشيءٍ ثمّ ادّعى أنّه كاذب في إقراره حلف المقرّ له أو وارثه على المفتى به - عند الحنفيّة - أنّ المقرّ لم يكن كاذباً في إقراره . وقيل : لا يحلف ، وفي جامع الفصولين : أقرّ فمات فقال ورثته : إنّه أقرّ كاذباً فلم يجز إقراره ، والمقرّ له عالم به ليس لهم تحليفه ، إذ وقت الإقرار لم يتعلّق حقّهم بمال المقرّ فصحّ الإقرار ، وحيث تعلّق حقّهم صار حقّاً للمقرّ له . الرّكن الثّالث : المقرّ به : 34 - المقرّ به في الأصل نوعان : حقّ اللّه تعالى ، وحقّ العبد . وحقّ اللّه تعالى نوعان : حقّ خالص للّه ، وحقّ للّه فيه حقّ وللعبد أيضاً . ولصحّة الإقرار بحقّ اللّه شروط هي : تعدّد الإقرار ، ومجلس القضاء والعبارة . حتّى إنّ الأخرس إذا كتب الإقرار فيما هو حقّ اللّه بيده ، أو بما يعرف أنّه إقرار بهذه الأشياء يجوز ، بخلاف الّذي اعتقل لسانه ، لأنّ للأخرس إشارةً معهودةً فإذا أتى بها يحصل العلم بالمشار إليه ، وليس ذلك لمن اعتقل لسانه ، ولأنّ إقامة الإشارة مقام العبارة أمر ضروريّ ، والخرس ضرورة لأنّه أصليّ ، وكذلك فإنّه لا يشترط لصحّة الإقرار بحقّ اللّه تعالى الصّحو حتّى يصحّ إقرار السّكران ، وفي ذلك كلّه تفصيل وخلاف مبيّن في الحدود ، وعند الكلام عن حقّ اللّه تعالى . وأمّا حقّ العبد فهو المال ، من العين والدّين والنّسب والقصاص والطّلاق والعتاق ونحوها ، ولا يشترط لصحّة الإقرار بها ما يشترط لصحّة الإقرار بحقوق اللّه تعالى . فهي تثبت مع الشّبهات ، بخلاف حقوق اللّه تعالى . والشّرائط المختصّة بحقوق العباد نوعان : نوع يرجع إلى المقرّ له ، وهو أن يكون معلوماً على ما سبق ، ونوع يرجع إلى المقرّ به ، فيشترط لصحّة الإقرار بالعين والدّين الفراغ عن تعلّق حقّ الغير . فإن كان مشغولاً بحقّ الغير لم يصحّ ، لأنّ حقّ الغير معصوم محترم ، فلا يجوز إبطاله من غير رضاه ، فلا بدّ من معرفة وقت التّعلّق . 35 - ولمّا كان الإقرار إخباراً عن كائنٍ ، وذلك قد يكون معلوماً وقد يكون مجهولاً ، فإنّ جهالة المقرّ به لا تمنع صحّة الإقرار بغير خلافٍ . فلو أتلف على آخر شيئاً ليس من ذوات الأمثال فوجبت عليه قيمته ، أو جرح آخر جراحةً ليس لها في الشّرع أرش مقدّر فأقرّ بالقيمة والأرش ، فكان الإقرار بالمجهول إخباراً عن المخبر عنه على ما هو به . ويجبر على البيان لأنّه هو المجمل ، فكان البيان عليه ، قال اللّه تعالى : { فإذا قرأناه فاتّبع قرآنه ثمّ إنّ علينا بيانه } ويصحّ بيانه متّصلاً ومنفصلاً ، لأنّه بيان محض فلا يشترط فيه الوصل . 36 - لا بدّ أن يبيّن شيئاً له قيمة ، لأنّه أقرّ بما في ذمّته ، وما لا قيمة له لا يثبت في الذّمّة ، وإذا بيّن شيئاً له قيمة فإن صدّقه المقرّ له وادّعى عليه زيادةً ، أخذ ذلك القدر المعيّن ، وأقام البيّنة على الزّيادة ، وإلاّ حلّفه عليها إن أراد ، لأنّه منكر للزّيادة ، والقول قول المنكر مع يمينه ، وإن كذّبه وادّعى عليه مالاً آخر أقام البيّنة ، وإلاّ حلّفه عليه ، وليس له أن يأخذ ما عيّنه ، لأنّه أبطل إقراره بالتّكذيب . وعلى هذا فإذا قال : لفلانٍ عليّ مال ، يصدّق في القليل والكثير . لأنّ المال اسم ما يتموّل ، وهذا يقع على القليل والكثير ، ويصحّ بيانه متّصلاً ومنفصلاً . وبهذا قال الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة . ونقل ابن قدامة عن أبي حنيفة أنّه لا يقبل تفسيره . بغير المال الزّكويّ ، وأنّ بعض أصحاب مالكٍ حكوا عنه ثلاثة أوجهٍ : أحدها كغير المالكيّة ، والثّاني : لا يقبل إلاّ أوّل نصابٍ من نصب الزّكاة من نوع أموالهم ، والثّالث : ما يقطع فيه السّارق ويصحّ مهراً . ويقول الزّيلعيّ : لم يصدّق في أقلّ من درهمٍ ، لأنّ ما دونه لا يطلق عليه اسم المال عادةً وهو المعتبر . ولو قال : له عليّ مال عظيم فالواجب نصاب ، لأنّه عظيم في الشّرع حتّى اعتبر صاحبه غنيّاً . وعن أبي حنيفة أنّه لا يصدّق في أقلّ من عشرة دراهم ، لأنّه نصاب السّرقة والمهر ، وهو عظيم حيث تقطع به اليد ويصلح مهراً . ويجبره القاضي على البيان ، ولا بدّ أن يبيّن ما له قيمة ، لأنّ ما لا قيمة له لا يجب في الذّمّة ، فإذا بيّن بما لا قيمة له اعتبر رجوعاً ، والقول قوله مع يمينه ، وإن ادّعى المقرّ له أكثر من ذلك فالقول قول المقرّ مع يمينه . ولو أقرّ له بشيءٍ أو حقٍّ ، وقال : أردت حقّ الإسلام ، لا يصحّ إن قاله مفصولاً ، ويصحّ إن قاله موصولاً . وينصّ المالكيّة على أنّه إن قال : لك أحد ثوبين ، عيّن المقرّ . فإن عيّن له الأدنى حلف إن اتّهمه المقرّ له ، وإذا لم يعيّن بأن قال : لا أدري . قيل للمقرّ له : عيّن أنت . فإن عيّن أدناهما أخذه بلا يمينٍ ، وإن عيّن أجودهما حلف للتّهمة وأخذه ، وإن قال : لا أدري ، حلفا معاً على نفي العلم ، واشتركا فيهما بالنّصف . وقال المالكيّة : لو قال : له في هذه الدّار حقّ ، أو في هذا الحائط ، أو في هذه الأرض ، ثمّ فسّر ذلك بجزءٍ منها قبل تفسيره ، قليلاً كان أو كثيراً ، شائعاً كان أو معيّناً . وينصّ الحنابلة على أنّه إن امتنع عن التّفسير حبس حتّى يفسّر ، لأنّه ممتنع من حقٍّ عليه ، فيحبس به ، كما لو عيّنه وامتنع من أدائه . وقال القاضي : يجعل ناكلاً ويؤمر المقرّ له بالبيان . وقالوا : إن مات من عليه الحقّ أخذ ورثته بمثل ذلك ، لأنّ الحقّ ثبت على مورثهم فيتعلّق بتركته ، وقد صارت إلى الورثة ، فيلزمهم ما لزم مورثهم ، كما لو كان الحقّ مبيّناً ، وإن لم يخلّف الميّت تركةً فلا شيء على الورثة . ونصّ الشّافعيّة على أنّه لو فسّره بما لا يتموّل - لكن من جنسه - كحبّة حنطةٍ ، أو بما يحلّ اقتناؤه ككلبٍ معلّمٍ ، قبل في الأصحّ ويحرم أخذه ويجب ردّه . وقيل : لا يقبل فيهما ، لأنّ الأوّل لا قيمة له فلا يصحّ التزامه بكلمة " عليّ " ، والثّاني : ليس بمالٍ ، وظاهر الإقرار المال . وقالوا : لا يقبل تفسيره بنحو عيادة مريضٍ وردّ سلامٍ ، إذ لا مطالبة بهما ، وهم يشترطون أن يكون المقرّ به ممّا يجوز به المطالبة . أمّا لو كان قال : له عليّ حقّ ، فإنّه يقبل لشيوع الحقّ في استعمال كلّ ذلك . وكذلك يصرّح الحنابلة بأنّه متى فسّر إقراره بما يتموّل في العادة قبل تفسيره وثبت ، إلاّ أن يكذّبه المقرّ له ، ويدّعي جنساً آخر أو لا يدّعي شيئاً ، فبطل إقراره ، وكذا إن فسّره بما ليس بمالٍ في الشّرع ، وإن فسّره بكلبٍ غير جائزٍ اقتناؤه فكذلك . وإن فسّره بكلبٍ يجوز اقتناؤه ، أو جلد ميتةٍ غير مدبوغٍ ففيه وجهان ، الأوّل : يقبل لأنّه شيء يجب ردّه ، والوجه الثّاني : لا يقبل ، لأنّ الإقرار إخبار عمّا يجب ضمانه وهذا لا يجب ضمانه ، غير أنّهم قالوا : إن فسّره بحبّة حنطةٍ أو شعيرٍ لم يقبل ، لأنّ هذا لا يتموّل عادةً على انفراده . وقالوا أيضاً : إن فسّره بحقّ شفعةٍ قبل ، لأنّه حقّ واجب ويئول إلى مالٍ ، وإن فسّره بحدّ قذفٍ قبل ، لأنّه حقّ يجب عليه - وهم في ذلك كالشّافعيّة - غير أنّهم قالوا بالنّسبة لحدّ القذف : يحتمل ألاّ يقبل لأنّه لا يئول إلى مالٍ ، والأوّل أصحّ وإن فسّره بردّ سلامٍ أو تشميت عاطسٍ ونحوه لم يقبل - خلافاً للشّافعيّة - لأنّه يسقط بفواته فلا يثبت في الذّمّة ، وقالوا : يحتمل أن يقبل تفسيره ، فهم في هذا كالشّافعيّة . 37 - ولو كان المقرّ به معلوم الأصل ومجهول الوصف ، نحو أن يقول : إنّه غصب من فلانٍ ثوباً من العروض ، فيصدّق في البيان من جنس ذلك سليماً كان أو معيباً ، لأنّ الغصب يردّ على السّليم والمعيب عادةً ، وقد بيّن الأصل وأجّل الوصف ، فيرجع في بيان الوصف إليه فيصحّ منفصلاً ، ومتى صحّ بيانه يلزمه الرّدّ إن قدر عليه ، وإن عجز عنه تلزمه القيمة وإن قال : غصبت شيئاً فطلب منه البيان ففسّره بما ليس بمالٍ قبل ، لأنّ اسم الغصب يقع عليه . قال ابن قدامة : وهو مذهب الشّافعيّ . وحكي عن أبي حنيفة أنّه لا يقبل تفسيره بغير المكيل والموزون ممّا لا يثبت في الذّمّة بنفسه . ولو أقرّ بأنّ ما عنده لغيره كان رهناً ، فقال المقرّ له : بل وديعة ، فالقول قول المقرّ له ( المالك ) لأنّ العين تثبت بالإقرار ، وادّعى المقرّ ديناً لا يعترف له به والقول قول المنكر ، ولأنّه أقرّ بمالٍ لغيره وادّعى أنّ له به تعلّقاً ( حقّاً في الاحتباس ) فلم يقبل ، كما لو ادّعاه بكلامٍ منفصلٍ ، وكذلك لو أقرّ له بدارٍ وقال : استأجرتها ، أو بثوبٍ وادّعى أنّه خاطه بأجرٍ يلزم المقرّ له . لم يقبل لأنّه مدّعٍ على غيره حقّاً فلا يقبل قوله إلاّ ببيّنةٍ . وإن قال : لك عليّ ألف من ثمن مبيعٍ لم أقبضه ، فقال المدّعى عليه : بل لي عليك ألف ولا شيء لك عندي . قال أبو الخطّاب : فيه وجهان : أحدهما . القول قول المقرّ له ، لأنّه اعترف له بالألف وادّعى عليه مبيعاً ، فأشبه ما إذا قال : هذا رهن فقال المالك : وديعة ، أو له عليّ ألف لم أقبضها . الثّاني : القول قول المقرّ وهو قياس المذهب ، وهو قول الشّافعيّ وأبي يوسف ، لأنّه أقرّ بحقٍّ في مقابلة حقٍّ له ولا ينفكّ أحدهما عن الآخر . ويصرّح ابن قدامة بأنّ الشّهادة على الإقرار بالمجهول تقبل ، لأنّ الإقرار به صحيح ، وما كان صحيحاً في نفسه صحّت الشّهادة به كالمعلوم . 38 - ونصّ الشّافعيّة على أنّه يشترط في المقرّ به لصحّة الإقرار ألاّ يكون ملكاً للمقرّ حين يقرّ ، لأنّ الإقرار ليس إزالةً عن الملك ، وإنّما هو إخبار عن كونه ملكاً للمقرّ له ، فلا بدّ من تقديم المخبر عنه على الخبر ، فلو قال : داري أو ثوبي أو ديني الّذي على زيدٍ لعمرٍو ولم يرد الإقرار فهو لغو ، لأنّ الإضافة إليه تقتضي الملك له ، فينافي إقراره لغيره ويحمل على الوعد بالهبة . ولو قال : هذا لفلانٍ وكان ملكي إلى أن أقررت به ، فأوّل كلامه إقرار ، وآخره لغو ، فليطرح آخره فقط ، ويعمل بأوّله ، لاشتماله على جملتين مستقلّتين . 39 - كما اشترطوا لإعمال الإقرار - أي التّسليم لا لصحّته ، أن تكون العين المقرّ بها في يد المقرّ حسّاً أو حكماً ، كالمعار أو المؤجّر تحت يد الغير ، لأنّه عند انتفاء يده عنه يكون مدّعياً أو شاهداً ، ومتى حصل بيده لزمه تسليمه ، لأنّ هذا الشّرط ليس شرط صحّةٍ . فلو أقرّ ولم يكن في يده ثمّ صار في يده عمل بمقتضى إقراره ، واستثنوا من اشتراط أن يكون في يده ما لو باع بشرط الخيار له أو لهما ، ثمّ ادّعاه رجل ، فأقرّ البائع في مدّة الخيار له به فإنّه يصحّ . أمّا لو كانت العين في يده باعتباره نائباً عن غيره كناظر وقفٍ ووليّ محجورٍ فلا يصحّ إقراره . وكذلك صرّح الحنابلة باشتراط أن يكون المقرّ به بيد المقرّ وولايته واختصاصه ، فلا يصحّ إقراره بشيءٍ في يد غيره ، أو في ولاية غيره ، كما لو أقرّ أجنبيّ على صغيرٍ ، أو وقفٍ في ولاية غيره أو اختصاصه ، لكنّهم قالوا بصحّة إقراره بمالٍ في ولايته واختصاصه ، كأن يقرّ وليّ اليتيم ونحوه أو ناظر الوقف ، لأنّه يملك إنشاء ذلك . واشترطوا أن يتصوّر التزام المقرّ بما أقرّ به ، أي أن يمكن صدقه ، فلو أقرّ بارتكابه جنايةً منذ عشرين سنةً وعمره لا يتجاوز العشرين ، فإنّ إقراره لا يصحّ . الرّكن الرّابع : الصّيغة : 40 - الصّيغة هي ما يظهر الإرادة من لفظٍ ، أو ما يقوم مقامه من كتابةٍ أو إشارةٍ ، وإظهار الإرادة لا بدّ منه ، فلا عبرة بالإرادة الباطنة . يقول السّرخسيّ : إنّ ما يكون بالقلب فهو نيّة ، والنّيّة وحدها لا تكفي ، ويقول ابن القيّم : إنّ اللّه تعالى وضع الألفاظ بين عباده تعريفاً ودلالةً على ما في نفوسهم ، فإذا أراد أحدهم من الآخر شيئاً عرّفه بمراده وما في نفسه بلفظه ، ورتّب على تلك الإرادات والمقاصد أحكامها بواسطة الألفاظ ، ولم يرتّب تلك الأحكام على مجرّد ما في النّفوس من غير دلالة فعلٍ أو قولٍ ، ولا على مجرّد ألفاظٍ مع العلم بأنّ المتكلّم بها لم يرد معانيها . وصيغة الإقرار نوعان : صريح ودلالة . فالصّريح نحو أن يقول : لفلانٍ عليّ ألف درهمٍ ، لأنّ كلمة ( عليّ ) كلمة إيجابٍ لغةً وشرعاً . قال اللّه تعالى : { وللّه على النّاس حجّ البيت .. } وكذا لو قال لرجلٍ : هل لي عليك ألف درهمٍ ؟ فقال الرّجل : نعم . لأنّ كلمة نعم بمثابة إعادةٍ لكلامه ، وكذا لو قال : لفلانٍ في ذمّتي ألف درهمٍ ، لأنّ ما في الذّمّة هو الدّين ، فيكون إقراراً بالدّين . هذا ما مثّل به الحنفيّة ، ولا تخرج أمثلة غيرهم عن ذلك ، والعرف في هذا هو المرجع . والأمر بكتابة الإقرار إقرار حكماً ، إذ الإقرار كما يكون باللّسان يكون بالبنان ، فلو قال للكاتب : اكتب إقراراً بألفٍ عليّ لفلانٍ ، صحّ الإقرار واعتبر ، كتب أو لم يكتب . ويقول ابن عابدين : إنّ الكتابة المرسومة المعنونة كالنّطق بالإقرار ، ولا فرق بين أن تكون الكتابة بطلبٍ من الدّائن أو بلا طلبه . ونقل عن الأشباه لابن نجيمٍ أنّه إذا كتب ولم يقل شيئاً لا تحلّ الشّهادة ، لأنّ الكتابة قد تكون للتّجربة . ولو كتب أمام الشّهود وقال : اشهدوا عليّ بما فيه ، كان إقراراً إن علموا بما فيه وإلاّ فلا . والإيماء بالرّأس من النّاطق ليس بإقرارٍ إلاّ في النّسب والإسلام والكفر والإفتاء . وأمّا الصّيغة الّتي تفيد الإقرار دلالةً فهي أن يقول له رجل : لي عليك ألف ، فيقول : قد قبضتها ، لأنّ القضاء اسم لتسليم مثل الواجب في الذّمّة ، فيقتضي ما يعيّن الوجوب ، فكان الإقرار بالقضاء إقراراً بالوجوب ، ثمّ يدّعي الخروج عنه بالقضاء فلا يصحّ إلاّ بالبيّنة ، وكذا إذا قال : أجّلني بها . لأنّ التّأجيل تأخير المطالبة مع قيام أصل الدّين في الذّمّة . الصّيغة من حيث الإطلاق والتّقييد : الصّيغة قد تكون مطلقةً كما تقدّم ، وقد تكون مقترنةً . والقرينة في الأصل نوعان : 41 - أ - قرينة مبيّنة ( على الإطلاق ) ، وهي المعيّنة لبعض ما يحتمله اللّفظ ، فإن كان اللّفظ يحتمل المعنيين على السّواء صحّ بيانه متّصلاً كان البيان أو منفصلاً ، وإن كان لأحد الاحتمالين رجحان تسبق إليه الأفهام من غير قرينةٍ لا يصحّ إن كان البيان منفصلاً ، ويصحّ بالنّسبة للمتّصل إذا لم يتضمّن الرّجوع . وبصفةٍ عامّةٍ إذا كانت القرينة منفصلةً عن الإقرار بأن قال : لفلانٍ عليّ عشرة دراهم وسكت ، ثمّ قال : إلاّ درهماً ، لا يصحّ الاستثناء عند كافّة العلماء وعامّة الصّحابة ، إلاّ ما روي عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما أنّه يصحّ ، لأنّ الاستثناء بيان فيصحّ متّصلاً ومنفصلاً . ووجه قول العامّة أنّ صيغة الاستثناء إذا انفصلت عن الجملة الملفوظة لا تكون كلام استثناءٍ لغةً ، وقالوا . إنّ الرّواية عن ابن عبّاسٍ لا تكاد تصحّ . وبيان ذلك تفصيلاً سبق في مصطلح ( استثناء ) . 42-ب- قرينة مغيرة ( من حيث الظاهر ) مبنية ( حقيقة )، وهذه يتغير بها الاسم لكن يتبين بها المراد، فكان تغييراً صورة ،تبييناً معنى، ومنه ما يلي : أ- تعليق الإقرار على المشيئة : 43- القرينة المغيرة قد تدخل على أصل الإقرار، ، وتكون متصلة به، كتعليق الإقرار على مشيئة الله أو مشيئة فلان . وهذا يمنع صحة الإقرار عند الحنفية، لأن التعليق على المشيئة يجعل الأمر محتملاً . والإقرار إخبار عن كائن، والكائن لا يحتمل التعليق . وهو ما ذهب إليه ابن المواز وابن عبد الحكم من المالكية إذ قالا : لو علق الإقرار على المشيئة لم يلزمه شيء، وكأنه أدخل ما يوجب الشك، وهو مفاد قول الشافعية فيمن قرن إقراره بقوله فيما أحسب أو أظن، إذ قالوا : إنه لغو، لعدم اللزوم على المذهب، لأنه علق مشيئة إقراره على شرط فلم يصح، ولأن ما علق على مشيئة الله لا سبيل إلى معرفته . قال الشيرازي : إن قال :له عليّ ألف إن شاء الله لم يلزمه شيء، لأن ما علق على مشيئة الله تعالى لاسبيل إلى معرفته ، وإن قال : له علي ألف إن شاء زيد أو قدم فلان لم يلزمه شيء . ويرى المالكية –عدا ابن المواز وابن عبد الحكم –وكذا الحنابلة أن الإقرار يلزمه، نص عليه أحمد، وقال سحنون :أجمع أصحابنا على ذلك .غير أن الحنابلة يفرقون بين التعليق على مشيئة الله، وبين التعليق على مشيئة الأشخاص . يقول ابن قدامة : لأنه أقر ثم علق رفع الإقرار على أمر لايعلم فلم يرتفع . وإن قال :لك علي ألف إن شئت، أو إن شاء زيد لم يصح الإقرار، ولأنه علقه على شرط يمكن علمه فلم يصح. ويفارق التعليق على مشئية الله تعالى، لأنها كثيراً ما تذكر تبركاً وصلة وتفويضاً إلى الله، لا للاشتراط، لقوله تعالى { لتدخُلُنّ المسجدَ الحرامَ إن شاء الله آمنِين } بخلاف مشيئة الآدمي، كما أن مشيئته تعالى لا تعلم إلا بوقوع الأمر، فلا يمكن وقف الأمر على وجودها ، ومشيئة الآدمي يمكن العلم بها فيمكن جعلها شرطاً يتوقف الأمرعلى وجودها، ويتعين حمل الأمر هنا على المستقبل، فيكون وعداً لا إقراراً . وقال القاضي : لو علق الإقرار على مشيئة المقر له أو شخص آخر صح الإقرار، لأنه عقبه بما يرفعه، فصح الإقرار دون ما رفعه . أي كأنه أقر ثم رجع فلا يصح رجوعه . ب - تعليق الإقرار على شرطٍ : 44 - وضع الحنابلة قاعدةً عامّةً بأنّ كلّ إقرارٍ معلّقٍ على شرطٍ ليس بإقرارٍ ، لأنّه ليس بمقرٍّ في الحال ، وما لا يلزمه في الحال لا يصير واجباً عند وجود الشّرط ، لأنّ الشّرط لا يقتضي إيجاب ذلك . ونصّ الحنفيّة على أنّه لو أقرّ بشيءٍ على أن يكون له خيار الشّرط ، فإنّ الإقرار صحيح ويبطل الشّرط ، لأنّ شرط الخيار في معنى الرّجوع ، والإقرار في حقوق العباد لا يحتمل الرّجوع ، لأنّ الإقرار إخبار فلا يقبل الخيار ، وهو مذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ، لأنّ ما يذكره المقرّ بعد الإقرار يعتبر رفعاً له فلا يقبل كالاستثناء . ج - تغيير وصف المقَرّ به : 45 - إن كان التّغيير متّصلاً باللّفظ كأن يقول : لفلانٍ عليّ ألف درهمٍ وديعة . كان إقراراً الوديعة ، أمّا إن كان منفصلاً ، بأن سكت ثمّ قال : هي وديعة فلا يصحّ ، ويكون إقراراً بالدّين ، لأنّ البيان هنا لا يصحّ إلاّ بشرط الوصل ، ولو قال : عليّ ألف درهمٍ وديعة قرضاً أو ديناً ، فهو إقرار بالدّين ، لجواز أن يكون أمانةً في الابتداء ثمّ يصير مضموناً في الانتهاء ، إذ الضّمان قد يطرأ على الأمانة متّصلاً كان أو منفصلاً ، لأنّ الإنسان في الإقرار بالضّمان غير متّهمٍ . د - الاستثناء في الإقرار : 46 - إن كان الاستثناء من جنس المستثنى منه ومتّصلاً به ، فإن كان استثناء الأقلّ فلا خلاف في جوازه ، كأن يقول : عليّ لفلانٍ عشرة دراهم إلاّ ثلاثةً فيلزمه سبعة . أمّا إن كان استثناء الأكثر بأن قال : عليّ لفلانٍ عشرة دراهم إلاّ تسعةً فجائز في ظاهر الرّواية عند الحنفيّة ، ويلزمه درهم وهو الصّحيح ، لأنّ الاستثناء تكلّم بالباقي بعد الثّنيا ، وهذا المعنى كما يوجد في استثناء الأقلّ يوجد في استثناء الأكثر من القليل ، وإن كان غير مستحسنٍ عند أهل اللّغة ، وروي عن أبي يوسف أنّه لا يصحّ وعليه العشرة . وإن كان استثناء الكلّ من الكلّ بأن يقول : لفلانٍ عليّ عشرة دنانير إلاّ عشرةً فباطل ، وعليه العشرة كاملةً ، لأنّه ليس استثناءً ، وإنّما هو إبطال ورجوع ، والرّجوع عن الإقرار في حقّ العباد لا يصحّ . وقال الشّافعيّة : يصحّ الاستثناء وهو إخراج ما لولاه لدخل بنحو إلاّ ، وذلك إن اتّصل إجماعاً ، والسّكوت اليسير غير مضرٍّ ، ويضرّ كلام أجنبيّ يسير أو سكوت طويل ، ويشترط أن يقصده قبل فراغ الإقرار ، ولكونه رفعاً لبعض ما شمله اللّفظ احتاج إلى نيّةٍ ولو كان إخباراً ، ولم يستغرق المستثنى المستثنى منه ، فإن استغرقه كخمسةٍ إلاّ خمسةً كان باطلاً بالإجماع إلاّ من شذّ ، لما في ذلك من المناقضة الصّريحة . وقال الحنابلة : لو قال : عليّ ألف إلاّ ستّمائةٍ لزمه الألف لأنّه استثنى الأكثر ، ولم يرد ذلك في لغة العرب . هـ – الاستثناء من خلاف الجنس : 47 – إن كان الاستثناء من خلاف الجنس – ما لا يثبت ديناً في الذّمّة – فلا يصحّ عند الحنفيّة ، وعليه جميع ما أقرّ به ، فإن قال : له عليّ عشرة دراهم إلاّ ثوباً بطل الاستثناء ، خلافاً للشّافعيّة . وإن كان ممّا يثبت ديناً في الذّمّة بأن قال : لفلانٍ عليّ مائة دينارٍ إلاّ عشرة دراهم أو إلاّ قفيز حنطةٍ ، صحّ عند الشّيخين ، ويطرح ممّا أقرّ به قدر قيمة المستثنى ، لأنّه إن لم يمكن تحقيق معنى المجانسة في الاسم أمكن تحقيقها في الوجوب في الذّمّة ، فالدّراهم والحنطة من حيث احتمال الوجوب في الذّمّة من جنس الدّنانير ، وقال محمّد بن الحسن وزفر : إنّ الاستثناء استخراج بعض ما لولاه لدخل تحت نصّ المستثنى منه ، وذلك لا يتحقّق إلاّ إذا اتّحد الجنس . وقال الحنابلة : لا يصحّ الاستثناء من غير الجنس ولا من غير النّوع على ما هو المذهب وعليه جماهير الأصحاب . أمّا الشّافعيّة فقد نصّوا على أنّه يصحّ الاستثناء من خلاف الجنس لورود الكتاب وغيره بذلك ، يقول اللّه سبحانه : { لا يسمعون فيها لغواً إلاّ سلاماً } ويقول : { ما لهم به من علمٍ إلاّ اتّباع الظّنّ } وقالوا : ويلزم المقرّ بالبيان ، فلو كان أقرّ لآخر بألف درهمٍ إلاّ ثوباً لزمه البيان بثوبٍ قيمته دون الألف . وقالوا : ويصحّ الاستثناء من المعيّن كهذه الدّار إلاّ هذا البيت . و - تعقيب الإقرار بما يرفعه : 48 - قال المالكيّة : لو عقّب الإقرار بما يرفعه بأن قال : لك عليّ ألف من ثمن خمرٍ أو خنزيرٍ لم يلزمه شيء ، إلاّ أن يقول الطّالب ( المقرّ له ) : هي ثمن برٍّ أو ما يشبهه فيلزمه مع يمين الطّالب . ولو قال : عليّ ألف من ثمن كذا ثمّ قال : لم أقبض المبيع ، قال ابن القاسم وسحنون وغيرهما : يلزمه الثّمن ولا يصدّق في عدم القبض . وقيل : القول قوله . وقال الحنابلة : إذا وصل بإقراره ما يغيّره أو يسقطه ، كأن يقول : عليّ ألف من ثمن خمرٍ أو استوفاه الدّائن أو من ثمن مبيعٍ فاسدٍ لم أقبضه لزمه الألف ، لأنّ كلّ ما ذكره بعد الإقرار بالألف يعتبر رفعاً له فلا يقبل ، كاستثناء الكلّ . وفي قوله له : عليّ من ثمن خمرٍ أو خنزيرٍ ألف لا يجب . ولو قال : كان له عليّ ألف وقضيته إيّاه ، أو أبرأني منه ، أو قضيت منها خمسمائةٍ ، فهو منكر ، لأنّه قول يمكن صدقه ولا تناقض فيه من جهة اللّفظ ، فوجب قبول قوله بيمينه وهو المذهب . ولا يلزمه شيء كاستثناء البعض استثناءً متّصلاً ، بخلاف استثناء البعض المنفصل ، لأنّ الحقّ قد استقرّ بسكوته فلا يرفعه استثناء ولا غيره . ولا يصحّ استثناء ما زاد على النّصف ، ويصحّ في النّصف - على ما هو المذهب - فما دونه من غير خلافٍ لأنّه لغة العرب . [/QUOTE]
الإسم
التحقق
اكتب معهد الماهر
رد
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية