الرئيسية
المنتديات
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
الغرف الصوتية
غرفة ٠٠٠٠
ما الجديد
المشاركات الجديدة
جديد مشاركات الحائط
آخر النشاطات
الأعضاء
الزوار الحاليين
مشاركات الحائط الجديدة
البحث عن مشاركات الملف الشخصي
تسجيل الدخول
تسجيل
ما الجديد
البحث
البحث
بحث بالعناوين فقط
بواسطة:
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
قائمة
تسجيل الدخول
تسجيل
تثبيت التطبيق
تثبيت
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية
تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة
.
الرد على الموضوع
الرسالة
<blockquote data-quote="ابن عامر الشامي" data-source="post: 40950" data-attributes="member: 329"><p>ز - تقييد الإقرار بالأجل :</p><p>49 - إذا أقرّ شخص بدينٍ عليه لآخر وقال : إنّه مؤجّل ، وادّعى المقرّ له حلوله ولزومه ، أي صدقه في الدّين وكذبه في التّأجيل ، فإنّ الدّين يلزمه حالاً عند الحنفيّة ، وهو قول للمالكيّة ، لأنّه أقرّ على نفسه بمالٍ ، وادّعى حقّاً لنفسه أنكره المقرّ له ، فالقول للمنكر بيمينه . والقول الآخر للمالكيّة أنّ المقرّ يحلف ، ويقبل قوله في التّنجيم والتّأجيل ، وقد اختلف في يمين المقرّ ، وهذا أحوط ، وبه كان يقضي متقدّمو قضاة مصر وهو مذهب كلٍّ من الشّافعيّة والحنابلة . </p><p>ح - الاستدراك في الإقرار :</p><p>50 - قال الحنفيّة : إن كان الاستدراك في القدر ، فهو على ضربين : إمّا أن يكون في الجنس كأن يقول : لفلانٍ عليّ ألف درهمٍ لا بل ألفان ، فعليه ألفان وهو قول الجمهور . وقيل : يكون عليه ثلاثة آلافٍ ، وهو قول زفر وهو القياس ، والأوّل استحسان . وجه الاستحسان أنّ الإقرار إخبار ، والمخبر عنه ما يجري الغلط في قدره أو وصفه عادةً ، فقبل الاستدراك ما لم يكن متّهماً فيه . بخلاف الاستدراك في خلاف الجنس لأنّ الغلط لا يقع فيه عادةً . ووجه القياس أنّ قوله : لفلانٍ عليّ ألف درهمٍ إقرار بألفٍ وهذا لا رجوع فيه ، والاستدراك صحيح ، فأشبه الاستدراك في خلاف الجنس ، فأشبه ما لو قال لامرأته : أنت طالق واحدةً بل ثنتين ، إذ يقع ثلاث تطليقاتٍ .</p><p> وإن كان الاستدراك في صفة المقرّ به ، فعليه أرفع الصّفتين ، لأنّه غير متّهمٍ في ذلك ، أمّا بالنّسبة لأنقصهما فهو متّهم ، فكان مستدركاً في الزّيادة راجعاً في النّقصان ، فيصحّ استدراكه ولا يصحّ رجوعه ، وإن أرجع الاستدراك إلى المقرّ له ، بأن قال : هذه الألف لفلانٍ بل لفلانٍ ، وادّعاها كلّ واحدٍ منهما كانت لمن أقرّ له أوّلاً ، لأنّه لمّا أقرّ له بها صحّ إقراره له ، فصار واجب الدّفع إليه ، فقوله بعد ذلك رجوع عن الإقرار الأوّل فلا يصحّ في حقّه ، وصحّ إقراره بها للثّاني في حقّه - أي الثّاني - لكن إن دفعه للأوّل بغير قضاءٍ ضمن للثّاني ، لإتلافها عليه بدفعها للأوّل .</p><p> هذا بخلاف ما لو قال : غصبت هذا الشّيء من فلانٍ لا بل من فلانٍ ، فإنّه يدفعه للأوّل ويضمن للثّاني ، سواء دفعه للأوّل بقضاءٍ أو بغير قضاءٍ ، لأنّ الغصب سبب لوجوب الضّمان ، فكان الإقرار به إقراراً بوجود سبب وجوب الضّمان ، وهو ردّ القيمة عند القدرة وقيمتها عند العجز ، وقد عجز عن ردّها إلى المقرّ له الثّاني ، فيلزمه ردّ قيمتها . </p><p>عدم اشتراط القبول في صحّة الإقرار :</p><p>51 - الإقرار ليس بعقدٍ حتّى تتكوّن صيغته من إيجابٍ وقبولٍ . وإنّما هو تصرّف قوليّ والتزام من جانب المقرّ وحده ، فليس القبول شرطاً لصحّة الإقرار ، لكنّه يرتدّ بالرّدّ ، والملك يثبت للمقرّ له بلا تصديقٍ وقبولٍ ، ولكن يبطل بردّه ، فالإقرار للحاضر يلزم من جانب المقرّ حتّى لا يصحّ إقراره لغيره به قبل ردّه ، ولا يلزم من جانب المقرّ له فيصحّ ردّه . أمّا الإقرار للغائب فإنّه وإن كان صحيحاً إلاّ أنّه لا يلزم ، وإنّما يتوقّف لزومه على عدم الرّدّ ، ولعدم لزومه للمقرّ صحّ إقراره لغيره ، كما لا يلزم المقرّ له فيصحّ له ردّه . وكلّ من أقرّ لرجلٍ بملكٍ فكذّبه به بطل إقراره ، لأنّه لا يثبت للإنسان ملك لا يعترف به ، والإقرار بما في الذّمّة ليس من التّبرّعات ، وفي المال وجهان : يترك في يد المقرّ لأنّه كان محكوماً له به فإذا بطل إقراره بقي على ما كان عليه . وقيل : يؤخذ إلى بيت المال لأنّه لم يثبت له مالك . وقيل : يؤخذ فيحفظ حتّى يظهر مالكه ، لأنّه لا يدّعيه أحد . فإن عاد أحدهما فكذّب نفسه دفع إليه ، لأنّه يدّعيه ولا منازع له فيه . </p><p>الصّوريّة في الإقرار :</p><p>52 - لمّا كان الإقرار إخباراً يحتمل الصّدق والكذب جاز تخلّف مدلوله الوضعيّ ، بمعنى أنّه قد يكون في الحقيقة كاذباً يترتّب عليه أثره لزوماً . فإذا ادّعى أنّ مورثه أقرّ تلجئةً ، قال بعضهم : له تحليف المقرّ له ، ولو ادّعى أنّه أقرّ كاذباً لا يقبل . ووجه الفرق : أنّ في التّلجئة يدّعي الوارث على المقرّ له فعلاً له ، وهو تواطؤه مع المقرّ في السّرّ ، فلذا يحلف بخلاف دعوى الإقرار كاذباً كما لا يخفى .</p><p> ونقل الموّاق عن سماع أشهب وابن نافعٍ لو سأل شخص ابن عمّه أن يسكنه منزلاً فقال : هو لزوجتي ، ثمّ قال : لثانٍ ولثالثٍ كذلك ، ثمّ طلبت امرأته بذلك فقال : إنّما قلته اعتذاراً لنمنعه ، فلا شيء لها بذلك الإقرار . أي لا يعتبر كلامه إقراراً . ويقول الشّيخ منصور البهوتيّ الحنبليّ : إذا خاف شخص أن يأخذ آخر ماله ظلماً جاز له الإقرار - صورةً - بما يدفع هذا الظّلم ، ويحفظ المال لصاحبه . مثل أن يقرّ بحاضرٍ أنّه ابنه أو أخوه أو أنّ له عليه كذا ديناً ، ويتأوّل في إقراره ، بأن يعني بكونه ابنه صغره ، أو بقوله أخي أخوّة الإسلام . والاحتياط أن يشهد على المقرّ له أنّ هذا الإقرار تلجئة ، تفسيره كذا وكذا . وعلى هذا فالإقرار لا يعتبر ما دام قد ثبتت صوريّته ، وقواعد الشّافعيّة لا تأبى ذلك . </p><p>التّوكيل في الإقرار :</p><p>53 - الأصل أنّ التّوكيل يجوز في كلّ ما يقبل النّيابة ، ومن ذلك الإقرار ، كما هو مذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة وفي قولٍ عند الشّافعيّة ، إذ الإخبار من الموكّل حقيقةً ، ومن الوكيل حكماً ، لأنّ فعل الوكيل كفعل الموكّل ، فكأنّ الإقرار صدر ممّن عليه الحقّ . وصرّح الشّافعيّة بأنّ إقرار الوكيل بالتّصرّف إذا أنكره الموكّل لا ينفذ ، كما صرّح المالكيّة بأنّ إقرار الوكيل يلزم الموكّل إن كان مفوّضاً أو جعل له الإقرار . والأصحّ عند الشّافعيّة : أنّ التّوكيل في الإقرار لا يجوز . نعم يكون بالتّوكيل بالإقرار مقرّاً لثبوت الحقّ عليه . وبالنّسبة لإقرار الوكيل بالخصومة فإنّه لا يقبل إقراره بقبض الدّين إلاّ إذا كان قد فوّض في ذلك عند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وابن أبي ليلى ، لأنّ الإقرار معنًى يقطع الخصومة وينافيها فلا يملكه الوكيل ، ولأنّ الإذن في الخصومة لا يقتضي الإقرار ، فإن أقرّ بشيءٍ لم يلزم الموكّل ما أقرّ به ، ويكون الوكيل كشاهدٍ . وقال أبو حنيفة ومحمّد بن الحسن : يقبل إقراره في مجلس الحكم فيما عدا الحدود والقصاص ، وقال أبو يوسف : يقبل إقراره في مجلس الحكم وغيره ، لأنّ الإقرار أحد جوابي الدّعوى ، فصحّ من الوكيل بالخصومة كما يصحّ منه الإنكار ، لكنّ الحنفيّة يتّفقون على أنّ الموكّل إذا نصّ في عقد الوكالة على أنّ الوكيل ليس له الإقرار ، لم يكن له حقّ الإقرار في ظاهر الرّواية ، فلو أقرّ عند القاضي لا يصحّ ، وخرج به عن الوكالة ، كما نصّوا على أنّ التّوكيل بالإقرار يصحّ ، ولا يصير الموكّل بمجرّد التّوكيل مقرّاً خلافاً للشّافعيّة ، ونقل ابن عابدين عن الطّواويسيّ : معناه أن يوكّل بالخصومة ويقول : خاصم ، فإذا رأيت لحوق مئونةٍ أو خوف عارٍ عليّ فأقرّ بالمدّعى يصحّ إقراره على الموكّل كما في البزّازيّة . وقال ابن عابدين : ويظهر منه وجه عدم كونه إقراراً أي بمجرّد الوكيل . </p><p>أثر الشّبهة في الإقرار :</p><p>54 - الشّبهة لغةً : الالتباس ، وشبّه عليه الأمر : خلّط حتّى اشتبه لغيره وعرّفها الفقهاء بأنّها : ما يشبه الثّابت وليس بثابتٍ فهي بهذا تؤثّر على الإثبات ومنه الإقرار . فلو احتمل الإقرار اللّبس أو التّأويل أو شابه شيء من الغموض والخفاء اعتبر ذلك شبهةً ، والشّيء المقرّ به إمّا أن يكون حقّاً للّه تعالى أو حقّاً للعباد . وحقوق العباد تثبت مع الشّبهات ، بخلاف حقوق اللّه تعالى ، فإنّ منها ما يسقط بالشّبهة ، كالزّنى والسّرقة وشرب الخمر ، ومنها ما لا يسقط بالشّبهة ، كالزّكاة والكفّارة . على تفصيلٍ يبيّن في موضعه ، وينظر في مصطلح ( حقّ ، وشبهة ) .</p><p> 55 - وجمهور الفقهاء على عدم الاعتداد بإقرار الأخرس بالإشارة غير المفهمة ، لما فيها من الشّبهة . يقول ابن قدامة : وأمّا الأخرس فإن لم تفهم إشارته فلا يتصوّر منه إقرار . وإن فهمت إشارته ، فقال القاضي : عليه الحدّ ، وهو قول الشّافعيّ وابن القاسم من المالكيّة وأبي ثورٍ وابن المنذر . لأنّ من صحّ إقراره بغير الزّنى صحّ إقراره به كالنّاطق . وقال أصحاب أبي حنيفة : لا يحدّ ، لأنّ الإشارة تحتمل ما فهم منها وغيره ، فيكون ذلك شبهةً في درء الحدّ ، وهو احتمال كلام الخرقيّ .</p><p> 56 - وقد سبق الكلام عن إقرار الصّبيّ والمجنون والسّكران والمكره وأثر ذلك كلّه في الإقرار . كما أنّ تكذيب المقرّ له للمقرّ فيما أقرّ به ، أو ظهور كذب المقرّ - كمن يقرّ بالزّنى فظهر مجبوباً - مانع من إقامة الحدّ ، لتيقّن كذب الإقرار .</p><p> ولو أقرّ بشيءٍ وكذّبه المقرّ له ، وكان أهلاً للتّكذيب ، فلا يصحّ ، لأنّه منكر ، والقول له ، كإقراره بدينٍ بسبب كفالةٍ . ويقول الشّيرازيّ : لو أقرّ لرجلٍ بمالٍ في يده فكذّبه المقرّ له بطل الإقرار ، لأنّه ردّه ، وفي المال وجهان :</p><p> أحدهما : أنّه يؤخذ منه ويحفظ لأنّه لا يدّعيه ، والمقرّ له لا يدّعيه ، فوجب على الإمام حفظه كالمال الضّائع .</p><p> والثّاني : لا يؤخذ منه ، لأنّه محكوم له بملكه ، فإذا ردّه المقرّ له بقي في ملكه .</p><p> وفي المغني : لو أقرّ أنّه زنى بامرأةٍ فكذّبته فعليه الحدّ دونها ، وبه قال الشّافعيّ ، لأنّ استيفاء ثبوته في حقّها لا يبطل إقراره ، كما لو سكتت ، وقال أبو حنيفة وأبو يوسف : لا حدّ عليه لأنّا صدّقناها في إنكارها فصار محكوماً بكذبه .</p><p> وينصّ المالكيّة على أنّه يلزم لإبطال الإقرار بتكذيب المقرّ له أن يستمرّ التّكذيب ، بحيث إذا رجع المقرّ له إلى تصديقه صحّ الإقرار ولزم ، ما لم يرجع المقرّ .</p><p> كلّ هذا ممّا يوجد شبهةً في الإقرار . فوجود الشّبهة فيه أو وجود ما يعارضه أولى بالاعتداد به من الإقرار نفسه ، لأنّ الأصل براءة الذّمّة ، ولا يعدل عن هذا الأصل إلاّ بدليلٍ ثابتٍ يقينيٍّ لا يوجد ما يعارضه أو يوهن منه . </p><p>الشّبهة بتقادم الإقرار في حقوق اللّه :</p><p>57 - جاء في الهداية والفتح : التّقادم لا يبطل الإقرار عند محمّدٍ ، كما في حدّ الزّنى الّذي لا يبطل التّقادم الإقرار به اتّفاقاً . وفي نوادر ابن سماعة عن محمّدٍ قال : أنا أقيم عليه الحدّ وإن جاء بعد أربعين عاماً . وعندهما لا يقام الحدّ على الشّارب إلاّ إذا أقرّ به عند قيام الرّائحة . فالتّقادم يؤثّر على الإقرار بالشّرب عندهما فيسقط الحدّ .</p><p> وفي الهداية والفتح والبحر : التّقادم يؤثّر على الشّهادة في حقوق اللّه عدا حدّ القذف ، لما فيه من حقّ العبد ، لما فيه من رفع العار عنه ، بخلاف الإقرار ، فإنّ التّقادم لا يؤثّر عليه ، ويحدّ بإقراره مع التّقادم إلاّ في حدّ الشّرب فقط عند أبي حنيفة وأبي يوسف ، فإنّ التّقادم فيه يبطل الإقرار خلافاً لمحمّدٍ .</p><p> 58 - أمّا حقوق العباد فإنّ التّقادم لا يؤثّر فيها ، لا في الإقرار بها ولا في الشّهادة عليها . ويقول ابن قدامة : إن أقرّ بزنًى قديمٍ وجب الحدّ ، وبهذا قال الحنابلة والمالكيّة والأوزاعيّ والنّوويّ وإسحاق وأبو ثورٍ . لعموم الآية ولأنّه حقّ يثبت على الفور فيثبت بالبيّنة بعد تطاول الزّمان كسائر الحقوق . ونقل عن أبي حنيفة أنّه قال : لا أقبل بيّنةً على زنًى قديمٍ وأحدّه بالإقرار به ، وأنّه قول ابن حامدٍ ، وذكره ابن أبي موسى مذهباً لأحمد . </p><p>الرّجوع عن الإقرار :</p><p>59 - الرّجوع قد يكون صريحاً كأن يقول : رجعت عن إقراري ، أو كذبت فيه ، أو دلالةً كأن يهرب عند إقامة الحدّ ، إذ الهرب دليل الرّجوع ، فإن كان بحقٍّ من حقوق اللّه الّتي تسقط بالشّبهة كالزّنى ، فإنّ جمهور الفقهاء : الحنفيّة والمشهور عند المالكيّة ومذهب كلٍّ من الشّافعيّة والحنابلة على أنّ الرّجوع يعتبر ، ويسقط الحدّ عنه ، لأنّه يحتمل أن يكون صادقاً في الرّجوع وهو الإنكار ، ويحتمل أن يكون كاذباً فيه ، فإن كان صادقاً في الإنكار يكون كاذباً في الإقرار ، وإن كان كاذباً في الإنكار يكون صادقاً في الإقرار ، فيورث شبهةً في ظهور الحدّ ، والحدود لا تستوفى مع الشّبهات ، وقد روي أنّ« ماعزاً لمّا أقرّ بين يدي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بالزّنى لقّنه الرّجوع ». فلو لم يكن محتملاً للسّقوط بالرّجوع ما كان للتّلقين معنًى ، سواء أرجع قبل القضاء أم بعده ، قبل الإمضاء أم بعده . ويستوي أن يكون الرّجوع بالقول أو بالفعل بأن يهرب عند إقامة الحدّ عليه ، وإنكار الإقرار رجوع ، فلو أقرّ عند القاضي بالزّنى أربع مرّاتٍ ، فأمر القاضي برجمه فقال : ما أقررت بشيءٍ يدرأ عنه الحدّ . ولأنّ من شرط إقامه الحدّ بالإقرار البقاء عليه إلى تمام الحدّ ، فإن رجع عن إقراره أو هرب كفّ عنه ، وبهذا قال عطاء ويحيى بن يعمر والزّهريّ وحمّاد ومالك والثّوريّ والشّافعيّ وإسحاق وأبو حنيفة وأبو يوسف . وقال الحسن وسعيد بن جبيرٍ وابن أبي ليلى : يقام عليه الحدّ ولا يترك ، لأنّ ماعزاً هرب فقتلوه ولم يتركوه ، ولو قبل رجوعه للزمتهم الدّية ، ولأنّه حقّ وجب بإقراره ، فلم يقبل رجوعه كسائر الحقوق . وحكي عن الأوزاعيّ أنّه إن رجع حدّ للفرية على نفسه ، وإن رجع عن السّرقة والشّرب ضرب دون الحدّ . ونقل الشّيرازيّ عن أبي ثورٍ أنّه لا يقبل رجوعه ، لأنّه حقّ ثبت بالإقرار فلم يسقط بالرّجوع كالقصاص وحدّ القذف .</p><p> واستدلّ ابن قدامة للجمهور القائلين باعتبار الرّجوع بأنّ « ماعزاً هرب ، فذكر ذلك للنّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : هلاّ تركتموه يتوب فيتوب اللّه عليه ؟ »</p><p>ففي هذا أوضح الدّلائل على أنّه يقبل رجوعه . ولأنّ الإقرار إحدى بيّنتي الحدّ ، فيسقط بالرّجوع عنه كالشّهود إذا رجعوا قبل إقامة الحدّ . وإنّما لم يجب ضمان ماعزٍ على الّذين قتلوه بعد هربه ، لأنّه ليس بصريحٍ في الرّجوع . أمّا إن رجع صراحةً بأن قال : كذبت في إقراري أو رجعت عنه أو لم أفعل ما أقررت به وجب تركه ، فإن قتله قاتل بعد ذلك وجب ضمانه ، لأنّه قد زال إقراره بالرّجوع عنه فصار كمن لم يقرّ ، ولا قصاص على القاتل للاختلاف في صحّة الرّجوع فكان شبهةً .</p><p> وقيّد الإمام مالك في الرّواية غير المشهورة عنه قبول رجوع المقرّ في حقوق اللّه الّتي تسقط بالشّبهة بأن يكون الرّجوع لوجود شبهةٍ ، أمّا لو رجع عن إقراره بغير شبهةٍ فلا يعتدّ برجوعه ، فقد نصّ أشهب على أنّه لا يعذر إلاّ إذا رجع بشبهةٍ ، وروي ذلك عن مالكٍ ، وبه قال ابن الماجشون .</p><p> والشّافعيّة في الأصحّ عندهم لا يعتبرون إلاّ الرّجوع الصّريح . ولا يرون مثل الهروب عند تنفيذ الحدّ رجوعاً ، فلو قال المقرّ : اتركوني أو لا تحدّوني ، أو هرب قبل حدّه أو في أثنائه لا يكون رجوعاً في الأصحّ ، لأنّه لم يصرّح به ، وإن كان يجب تخليته حالاً ، فإن صرّح فذاك وإلاّ أقيم عليه الحدّ ، وإن لم يخلّ لم يضمن ، « لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم لم يوجب عليهم شيئاً في خبر ماعزٍ ».</p><p> 60 - أمّا من أقرّ بحقٍّ من حقوق العباد أو بحقٍّ للّه تعالى لا يسقط بالشّبهة - كالقصاص وحدّ القذف وكالزّكاة والكفّارات - ثمّ رجع في إقراره فإنّه لا يقبل رجوعه عنها من غير خلافٍ ، لأنّه حقّ ثبت لغيره فلم يملك إسقاطه بغير رضاه ، لأنّ حقّ العبد بعد ما ثبت لا يحتمل السّقوط بالرّجوع ، ولأنّ حقوق العباد مبنيّة على المشاحّة ، وما دام قد ثبت له فلا يمكن إسقاطه بغير رضاه .</p><p> وقد وضّح القرافيّ الإقرار الّذي يقبل الرّجوع عنه والّذي لا يقبل الرّجوع عنه ، فقال : الأصل في الإقرار اللّزوم من البرّ والفاجر ، لأنّه على خلاف الطّبع . وضابط ما لا يجوز الرّجوع عنه ، هو ما ليس له فيه عذر عاديّ ، وضابط ما يجوز الرّجوع عنه ، أن يكون له في الرّجوع عنه عذر عاديّ ، فإذا أقرّ الوارث للورثة أنّ ما تركه أبوه ميراث بينهم على ما عهد في الشّريعة ، ثمّ جاء شهود أخبروه أنّ أباه أشهدهم أنّه تصدّق عليه في صغره بهذه الدّار وحازها له ، فإنّه إذا رجع عن إقرارٍ معتذراً بإخبار البيّنة له ، وأنّه لم يكن عالماً بذلك ، فإنّه تسمع دعواه وعذره ، ويقيم بيّنته ، ولا يكون إقراره السّابق مكذّباً للبيّنة وقادحاً فيها ، فيقبل الرّجوع في الإقرار .</p><p> وإذا قال : له عليّ مائة درهمٍ إن حلف - أو مع يمينه - فحلف المقرّ له ، فرجع المقرّ وقال : ما ظننت أنّه يحلف ، لا يلزم المقرّ شيء ، لأنّ العادة جرت بأنّ هذا الاشتراط يقضي عدم اعتقاد لزوم ما أقرّ به ، والعادة جرت على أنّ هذا ليس بإقرارٍ . ويقول ابن جزيٍّ : من أقرّ بحقٍّ لمخلوقٍ لم ينفعه الرّجوع ، وإن أقرّ بحقٍّ للّه تعالى كالزّنى وشرب الخمر فإن رجع إلى شبهةٍ قبل منه ، وإن رجع إلى غير شبهةٍ ففيه قولان : قول يقبل منه وفاقاً لأبي حنيفة والشّافعيّ . وقيل : لا يقبل منه وفاقاً للحسن البصريّ . </p><p>هل الإقرار يصلح سبباً للملك ؟</p><p> 61 - نصّ الحنفيّة : على أنّه لو أقرّ لغيره بمالٍ ، والمقرّ له يعلم أنّه كاذب في إقراره ، لا يحلّ له أخذه عن كرهٍ منه فيما بينه وبين اللّه تعالى ، إلاّ أن يسلّمه بطيبٍ من نفسه ، فيكون تمليكاً مبتدأً على سبيل الهبة ، ونقل ابن عابدين عن ابن الفضل : أنّ الإقرار لا يصلح سبباً للتّمليك ، وفي الهداية وشروحها : والمقرّ له إذا صدّقه ثمّ ردّه لا يصحّ ردّه . وحكمه لزوم ما أقرّ به على المقرّ ، وعمله إظهار المخبر به لغيره لا التّمليك به ابتداءً ، ويدلّ عليه مسائل :</p><p>أ - أنّ الرّجل إذا أقرّ بعينٍ لا يملكها يصحّ إقراره ، حتّى لو ملكها المقرّ يوماً من الدّهر يؤمر بتسليمها إلى المقرّ له ، ولو كان الإقرار تمليكاً مبتدأً لما صحّ ذلك ، لأنّه لا يصحّ تمليك ما ليس بمملوكٍ له ، وصرّح الشّافعيّة بموافقة الحنفيّة في صحّة الإقرار ، لكن لم نجد في كلامهم أنّ المقرّ إذا ملك العين يؤمر بتسليمها للمقرّ له ، وكذلك لم نجد من المالكيّة والحنابلة ذكراً لهذه المسألة .</p><p>ب - الإقرار بالخمر للمسلم يصحّ حتّى يؤمر بالتّسليم إليه ، ولو كان تمليكاً مبتدأً لم يصحّ ، لكن ذهب المالكيّة والحنابلة إلى عدم صحّة الإقرار بالخمر ، وفرّق الشّافعيّة بين الخمر إذا كان محترماً أو غير محترمٍ ، وصحّحوا الإقرار بالخمر المحترم .</p><p>ج - المريض مرض الموت الّذي لا دين عليه إذا أقرّ بجميع ماله لأجنبيٍّ صحّ إقراره ، ولا يتوقّف على إجازة الورثة ، ولو كان تمليكاً مبتدأً لم ينفذ إلاّ بقدر الثّلث عند عدم إجازتهم ، وبقولهم مال جمهور العلماء ، وعند الحنابلة قولان آخران ، قيل : لا يصحّ مطلقاً ، وقيل : لا يصحّ إلاّ في الثّلث .</p><p>د - العبد المأذون إذا أقرّ لرجلٍ بعينٍ في يده صحّ إقراره ، ولو كان الإقرار سبباً للملك ابتداءً كان تبرّعاً من العبد ، وهو لا يجوز في الكثير . ومثله عند الجمهور إلاّ أنّهم لم يفرّقوا بين القليل والكثير . </p><p>الإقرار بالنّسب :</p><p>62 - إذا أقرّ أحد الورثة بوارثٍ ثالثٍ مشاركٍ لهما في الميراث لم يثبت النّسب بالإجماع ، لأنّ النّسب لا يتبعّض فلا يمكن إثباته في حقّ المقرّ دون المنكر ، ولا يمكن إثباته في حقّهما ، لأنّ أحدهما منكر ولم توجد شهادة يثبت بها النّسب . ولكنّه يشارك المقرّ في الميراث في قول أكثر أهل العلم ، لأنّه أقرّ بسبب مالٍ لم يحكم ببطلانه فلزمه المال ، كما لو أقرّ ببيعٍ أو بدينٍ فأنكر الآخر . ويجب له فضل ما في يد المقرّ من ميراثه ، وبهذا قال ابن أبي ليلى ، ومالك ، والثّوريّ ، والحسن بن صالحٍ ، وشريك ، ويحيى بن آدم وإسحاق وأبو عبيدٍ وأبو ثورٍ . وتقسم حصّة المقرّ أثلاثاً فلا يستحقّ المقرّ له ممّا في يد المقرّ إلاّ الثّلث ( وهو سدس جميع المال ) كما لو ثبت نسبه ببيّنةٍ ، لأنّه إقرار بحقٍّ يتعلّق بحصّته وحصّة أخيه ، فلا يلزمه أكثر ممّا يخصّه ، كالإقرار بالوصيّة ، وإقرار أحد الشّريكين على مال الشّركة ، وقال أبو حنيفة : إذا كان اثنان فأقرّ أحدهما بأخٍ لزمه دفع نصف ما في يده ، وإن أقرّ بأختٍ لزمه ثلث ما في يده ، لأنّه أخذ ما لا يستحقّ من التّركة ، فصار كالغاصب ، فيكون الباقي بينهما ، ولأنّ الميراث يتعلّق ببعض التّركة كما يتعلّق بجميعها ، فإذا ملك بعضها أو غصب تعلّق الحقّ بباقيها ، والّذي في يد المنكر كالمغصوب فيقتسمان الباقي بالسّويّة ، كما لو غصبه أجنبيّ .</p><p> وقال الشّافعيّ : لا يشارك المقرّ في الميراث ( قضاءً ) ، وحكي ذلك عن ابن سيرين ، وقال إبراهيم : ليس بشيءٍ حتّى يقرّوا جميعاً ، لأنّه لم يثبت نسبه فلا يرث ، كما لو أقرّ بنسب معروف النّسب . ولأصحاب الشّافعيّ فيما إذا كان المقرّ صادقاً فيما بينه وبين اللّه تعالى . هل يلزمه أن يدفع إلى المقرّ له نصيبه ؟ على وجهين : أحدهما يلزمه ( ديانةً ) وهو الأصحّ ، وهل يلزمه أن يدفع إلى المقرّ له نصف ما في يده أو ثلثه ؟ على وجهين .</p><p> وإن أقرّ جميع الورثة بنسب من يشاركهم في الميراث ثبت نسبه ، سواء أكان الورثة واحداً أم جماعةً ، ذكوراً أم إناثاً ، وبهذا قال الشّافعيّ وأبو يوسف وحكاه عن أبي حنيفة ، لأنّ الوارث يقوم مقام الميّت في ميراثه وديونه … وكذلك في النّسب ، وقد روت السّيّدة عائشة رضي الله عنها أنّ « سعد بن أبي وقّاصٍ رضي الله عنه اختصم هو وعبد بن زمعة في ابن أمة زمعة ، فقال سعد : أوصاني أخي عتبة إذا قدمت مكّة أن أنظر إلى ابن أمة زمعة وأقبضه فإنّه ابنه ، فقال عبد بن زمعة : هو أخي وابن وليدة أبي ، ولد على فراشه فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : هو لك يا عبد بن زمعة » ولأنّه حقّ يثبت بالإقرار فلم يعتبر فيه العدد ، ولأنّه قول لا تعتبر فيه العدالة فلم يعتبر العدد فيه ، والمشهور عن أبي حنيفة أنّه لا يثبت إلاّ بإقرار رجلين أو رجلٍ وامرأتين ، وقال مالك : لا يثبت إلاّ بإقرار اثنين ، لأنّه يحمل النّسب على غيره فاعتبر فيه العدد كالشّهادة . </p><p>شروط الإقرار بالنّسب :</p><p>63 - يشترط لصحّة الإقرار بالنّسب على المقرّ نفسه :</p><p>- 1 - أن يكون المقرّ به مجهول النّسب .</p><p>- 2 - ألاّ ينازعه فيه منازع ، لأنّه إن نازعه فيه غيره تعارضا ، فلم يكن إلحاقه بأحدهما أولى من الآخر .</p><p>- 3 - وأن يمكن صدقه بأن يحتمل أن يولد مثله لمثله .</p><p>- 4 - أن يكون ممّن لا قول له كالصّغير والمجنون ، أو يصدّق المقرّ إن كان من أهل التّصديق . فإن كبر الصّغير وعقل المجنون فأنكر لم يسمع إنكاره ، لأنّ نسبه قد ثبت فلا يسقط ، ولأنّ الأب لو عاد فجحد النّسب لم يقبل منه .</p><p> 64 - وإن كان الإقرار عليه وعلى غيره كإقرارٍ بأخٍ اعتبر فيه الشّروط الأربعة السّابقة ، وشرط خامس ، وهو كون المقرّ جميع الورثة . فإن كان الوارث بنتاً أو أختاً أو أمّاً أو ذا فرضٍ يرث جميع المال بالفرض والرّدّ ، ثبت النّسب بقوله عند الحنفيّة والحنابلة القائلين بالرّدّ ، وعند من لا يرى الرّدّ كالشّافعيّ لا يثبت بقوله النّسب ، لأنّه لا يرى الرّدّ ويجعل الباقي لبيت المال ، ولهم فيما إذا وافقه الإمام في الإقرار وجهان ، يقول الشّيرازيّ : وإن مات وخلّف بنتاً فأقرّت بنسب أخٍ لم يثبت النّسب ، لأنّها لا ترث جميع المال . فإن أقرّ معها الإمام ففيه وجهان :</p><p> أحدهما : أن يثبت ، لأنّ الإمام نافذ الإقرار في مال بيت المال .</p><p> والثّاني : أنّه لا يثبت لأنّه لا يملك المال بالإرث ، وإنّما يملكه المسلمون وهم لا يتبيّنون ، فلا يثبت النّسب . وينصّ المالكيّة على أنّ من أقرّ بأخٍ وعمٍّ لم يرثه إن وجد وارث ، وإلاّ يكن له وارث أصلاً أو وارث غير حائزٍ فخلاف ، والرّاجح : إرث المقرّ به من المقرّ جميع المال سواء أكان الإقرار في حال الصّحّة أم في حالة المرض ، وفي قولٍ : يحلف المقرّ به أنّ الإقرار حقّ .</p><p> 65 - وإن كان أحد الوارثين غير مكلّفٍ كالصّبيّ والمجنون فأقرّ المكلّف بأخٍ ثالثٍ لم يثبت النّسب بإقراره ، لأنّه لا يحوز الميراث كلّه ، فإن بلغ الصّبيّ أو أفاق المجنون فأقرّا به أيضاً ثبت نسبه لاتّفاق جميع الورثة عليه ، وإن ماتا قبل أن يصيرا مكلّفين ثبت نسب المقرّ به لأنّه وجد الإقرار من جميع الورثة ، فإنّ المقرّ صار جميع الورثة ، هذا فيما إذا كان المقرّ يحوز جميع الميراث بعد من مات ، فإن كان للميّت وارث سواه أو من يشاركه في الميراث لم يثبت النّسب ، ويقوم وارث الميّت مقامه ، فإذا وافق المقرّ في إقراره ثبت النّسب ، وإن خالفه لم يثبت . وإذا أقرّ الوارث بمن يحجبه كأخٍ أقرّ بابنٍ للميّت ثبت نسب المقرّ به وورث وسقط المقرّ ... وهذا اختيار ابن حامدٍ والقاضي وقول أبي العبّاس بن سريجٍ . لأنّه ابن ثابت النّسب لم يوجد في حقّه أحد موانع الإرث فيرثه ، كما لو ثبت نسبه ببيّنةٍ ، ولأنّ ثبوت النّسب سبب للميراث فلا يجوز قطع حكمه عنه ، ولا يورث محجوب به مع وجوده وسلامته من الموانع . وقال أكثر الشّافعيّة : يثبت نسب المقرّ به ولا يرث ، لأنّ توريثه يفضي إلى إسقاط توريث المقرّ ، فيبطل إقراره ، فأثبتنا النّسب دون الإقرار . يقول الشّيرازيّ : إن كان المقرّ به يحجب المقرّ ، مثل أن يموت الرّجل ويخلّف أخاً فيقرّ الأخ بابنٍ للميّت يثبت له النّسب ولا يرث ، لأنّا لو أثبتنا له الإرث أدّى ذلك إلى إسقاط إرثه ، لأنّ توريثه يخرج المقرّ عن أن يكون وارثاً فيبطل إقراره ، لأنّه إقرار من غير وارثٍ .</p></blockquote><p></p>
[QUOTE="ابن عامر الشامي, post: 40950, member: 329"] ز - تقييد الإقرار بالأجل : 49 - إذا أقرّ شخص بدينٍ عليه لآخر وقال : إنّه مؤجّل ، وادّعى المقرّ له حلوله ولزومه ، أي صدقه في الدّين وكذبه في التّأجيل ، فإنّ الدّين يلزمه حالاً عند الحنفيّة ، وهو قول للمالكيّة ، لأنّه أقرّ على نفسه بمالٍ ، وادّعى حقّاً لنفسه أنكره المقرّ له ، فالقول للمنكر بيمينه . والقول الآخر للمالكيّة أنّ المقرّ يحلف ، ويقبل قوله في التّنجيم والتّأجيل ، وقد اختلف في يمين المقرّ ، وهذا أحوط ، وبه كان يقضي متقدّمو قضاة مصر وهو مذهب كلٍّ من الشّافعيّة والحنابلة . ح - الاستدراك في الإقرار : 50 - قال الحنفيّة : إن كان الاستدراك في القدر ، فهو على ضربين : إمّا أن يكون في الجنس كأن يقول : لفلانٍ عليّ ألف درهمٍ لا بل ألفان ، فعليه ألفان وهو قول الجمهور . وقيل : يكون عليه ثلاثة آلافٍ ، وهو قول زفر وهو القياس ، والأوّل استحسان . وجه الاستحسان أنّ الإقرار إخبار ، والمخبر عنه ما يجري الغلط في قدره أو وصفه عادةً ، فقبل الاستدراك ما لم يكن متّهماً فيه . بخلاف الاستدراك في خلاف الجنس لأنّ الغلط لا يقع فيه عادةً . ووجه القياس أنّ قوله : لفلانٍ عليّ ألف درهمٍ إقرار بألفٍ وهذا لا رجوع فيه ، والاستدراك صحيح ، فأشبه الاستدراك في خلاف الجنس ، فأشبه ما لو قال لامرأته : أنت طالق واحدةً بل ثنتين ، إذ يقع ثلاث تطليقاتٍ . وإن كان الاستدراك في صفة المقرّ به ، فعليه أرفع الصّفتين ، لأنّه غير متّهمٍ في ذلك ، أمّا بالنّسبة لأنقصهما فهو متّهم ، فكان مستدركاً في الزّيادة راجعاً في النّقصان ، فيصحّ استدراكه ولا يصحّ رجوعه ، وإن أرجع الاستدراك إلى المقرّ له ، بأن قال : هذه الألف لفلانٍ بل لفلانٍ ، وادّعاها كلّ واحدٍ منهما كانت لمن أقرّ له أوّلاً ، لأنّه لمّا أقرّ له بها صحّ إقراره له ، فصار واجب الدّفع إليه ، فقوله بعد ذلك رجوع عن الإقرار الأوّل فلا يصحّ في حقّه ، وصحّ إقراره بها للثّاني في حقّه - أي الثّاني - لكن إن دفعه للأوّل بغير قضاءٍ ضمن للثّاني ، لإتلافها عليه بدفعها للأوّل . هذا بخلاف ما لو قال : غصبت هذا الشّيء من فلانٍ لا بل من فلانٍ ، فإنّه يدفعه للأوّل ويضمن للثّاني ، سواء دفعه للأوّل بقضاءٍ أو بغير قضاءٍ ، لأنّ الغصب سبب لوجوب الضّمان ، فكان الإقرار به إقراراً بوجود سبب وجوب الضّمان ، وهو ردّ القيمة عند القدرة وقيمتها عند العجز ، وقد عجز عن ردّها إلى المقرّ له الثّاني ، فيلزمه ردّ قيمتها . عدم اشتراط القبول في صحّة الإقرار : 51 - الإقرار ليس بعقدٍ حتّى تتكوّن صيغته من إيجابٍ وقبولٍ . وإنّما هو تصرّف قوليّ والتزام من جانب المقرّ وحده ، فليس القبول شرطاً لصحّة الإقرار ، لكنّه يرتدّ بالرّدّ ، والملك يثبت للمقرّ له بلا تصديقٍ وقبولٍ ، ولكن يبطل بردّه ، فالإقرار للحاضر يلزم من جانب المقرّ حتّى لا يصحّ إقراره لغيره به قبل ردّه ، ولا يلزم من جانب المقرّ له فيصحّ ردّه . أمّا الإقرار للغائب فإنّه وإن كان صحيحاً إلاّ أنّه لا يلزم ، وإنّما يتوقّف لزومه على عدم الرّدّ ، ولعدم لزومه للمقرّ صحّ إقراره لغيره ، كما لا يلزم المقرّ له فيصحّ له ردّه . وكلّ من أقرّ لرجلٍ بملكٍ فكذّبه به بطل إقراره ، لأنّه لا يثبت للإنسان ملك لا يعترف به ، والإقرار بما في الذّمّة ليس من التّبرّعات ، وفي المال وجهان : يترك في يد المقرّ لأنّه كان محكوماً له به فإذا بطل إقراره بقي على ما كان عليه . وقيل : يؤخذ إلى بيت المال لأنّه لم يثبت له مالك . وقيل : يؤخذ فيحفظ حتّى يظهر مالكه ، لأنّه لا يدّعيه أحد . فإن عاد أحدهما فكذّب نفسه دفع إليه ، لأنّه يدّعيه ولا منازع له فيه . الصّوريّة في الإقرار : 52 - لمّا كان الإقرار إخباراً يحتمل الصّدق والكذب جاز تخلّف مدلوله الوضعيّ ، بمعنى أنّه قد يكون في الحقيقة كاذباً يترتّب عليه أثره لزوماً . فإذا ادّعى أنّ مورثه أقرّ تلجئةً ، قال بعضهم : له تحليف المقرّ له ، ولو ادّعى أنّه أقرّ كاذباً لا يقبل . ووجه الفرق : أنّ في التّلجئة يدّعي الوارث على المقرّ له فعلاً له ، وهو تواطؤه مع المقرّ في السّرّ ، فلذا يحلف بخلاف دعوى الإقرار كاذباً كما لا يخفى . ونقل الموّاق عن سماع أشهب وابن نافعٍ لو سأل شخص ابن عمّه أن يسكنه منزلاً فقال : هو لزوجتي ، ثمّ قال : لثانٍ ولثالثٍ كذلك ، ثمّ طلبت امرأته بذلك فقال : إنّما قلته اعتذاراً لنمنعه ، فلا شيء لها بذلك الإقرار . أي لا يعتبر كلامه إقراراً . ويقول الشّيخ منصور البهوتيّ الحنبليّ : إذا خاف شخص أن يأخذ آخر ماله ظلماً جاز له الإقرار - صورةً - بما يدفع هذا الظّلم ، ويحفظ المال لصاحبه . مثل أن يقرّ بحاضرٍ أنّه ابنه أو أخوه أو أنّ له عليه كذا ديناً ، ويتأوّل في إقراره ، بأن يعني بكونه ابنه صغره ، أو بقوله أخي أخوّة الإسلام . والاحتياط أن يشهد على المقرّ له أنّ هذا الإقرار تلجئة ، تفسيره كذا وكذا . وعلى هذا فالإقرار لا يعتبر ما دام قد ثبتت صوريّته ، وقواعد الشّافعيّة لا تأبى ذلك . التّوكيل في الإقرار : 53 - الأصل أنّ التّوكيل يجوز في كلّ ما يقبل النّيابة ، ومن ذلك الإقرار ، كما هو مذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة وفي قولٍ عند الشّافعيّة ، إذ الإخبار من الموكّل حقيقةً ، ومن الوكيل حكماً ، لأنّ فعل الوكيل كفعل الموكّل ، فكأنّ الإقرار صدر ممّن عليه الحقّ . وصرّح الشّافعيّة بأنّ إقرار الوكيل بالتّصرّف إذا أنكره الموكّل لا ينفذ ، كما صرّح المالكيّة بأنّ إقرار الوكيل يلزم الموكّل إن كان مفوّضاً أو جعل له الإقرار . والأصحّ عند الشّافعيّة : أنّ التّوكيل في الإقرار لا يجوز . نعم يكون بالتّوكيل بالإقرار مقرّاً لثبوت الحقّ عليه . وبالنّسبة لإقرار الوكيل بالخصومة فإنّه لا يقبل إقراره بقبض الدّين إلاّ إذا كان قد فوّض في ذلك عند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وابن أبي ليلى ، لأنّ الإقرار معنًى يقطع الخصومة وينافيها فلا يملكه الوكيل ، ولأنّ الإذن في الخصومة لا يقتضي الإقرار ، فإن أقرّ بشيءٍ لم يلزم الموكّل ما أقرّ به ، ويكون الوكيل كشاهدٍ . وقال أبو حنيفة ومحمّد بن الحسن : يقبل إقراره في مجلس الحكم فيما عدا الحدود والقصاص ، وقال أبو يوسف : يقبل إقراره في مجلس الحكم وغيره ، لأنّ الإقرار أحد جوابي الدّعوى ، فصحّ من الوكيل بالخصومة كما يصحّ منه الإنكار ، لكنّ الحنفيّة يتّفقون على أنّ الموكّل إذا نصّ في عقد الوكالة على أنّ الوكيل ليس له الإقرار ، لم يكن له حقّ الإقرار في ظاهر الرّواية ، فلو أقرّ عند القاضي لا يصحّ ، وخرج به عن الوكالة ، كما نصّوا على أنّ التّوكيل بالإقرار يصحّ ، ولا يصير الموكّل بمجرّد التّوكيل مقرّاً خلافاً للشّافعيّة ، ونقل ابن عابدين عن الطّواويسيّ : معناه أن يوكّل بالخصومة ويقول : خاصم ، فإذا رأيت لحوق مئونةٍ أو خوف عارٍ عليّ فأقرّ بالمدّعى يصحّ إقراره على الموكّل كما في البزّازيّة . وقال ابن عابدين : ويظهر منه وجه عدم كونه إقراراً أي بمجرّد الوكيل . أثر الشّبهة في الإقرار : 54 - الشّبهة لغةً : الالتباس ، وشبّه عليه الأمر : خلّط حتّى اشتبه لغيره وعرّفها الفقهاء بأنّها : ما يشبه الثّابت وليس بثابتٍ فهي بهذا تؤثّر على الإثبات ومنه الإقرار . فلو احتمل الإقرار اللّبس أو التّأويل أو شابه شيء من الغموض والخفاء اعتبر ذلك شبهةً ، والشّيء المقرّ به إمّا أن يكون حقّاً للّه تعالى أو حقّاً للعباد . وحقوق العباد تثبت مع الشّبهات ، بخلاف حقوق اللّه تعالى ، فإنّ منها ما يسقط بالشّبهة ، كالزّنى والسّرقة وشرب الخمر ، ومنها ما لا يسقط بالشّبهة ، كالزّكاة والكفّارة . على تفصيلٍ يبيّن في موضعه ، وينظر في مصطلح ( حقّ ، وشبهة ) . 55 - وجمهور الفقهاء على عدم الاعتداد بإقرار الأخرس بالإشارة غير المفهمة ، لما فيها من الشّبهة . يقول ابن قدامة : وأمّا الأخرس فإن لم تفهم إشارته فلا يتصوّر منه إقرار . وإن فهمت إشارته ، فقال القاضي : عليه الحدّ ، وهو قول الشّافعيّ وابن القاسم من المالكيّة وأبي ثورٍ وابن المنذر . لأنّ من صحّ إقراره بغير الزّنى صحّ إقراره به كالنّاطق . وقال أصحاب أبي حنيفة : لا يحدّ ، لأنّ الإشارة تحتمل ما فهم منها وغيره ، فيكون ذلك شبهةً في درء الحدّ ، وهو احتمال كلام الخرقيّ . 56 - وقد سبق الكلام عن إقرار الصّبيّ والمجنون والسّكران والمكره وأثر ذلك كلّه في الإقرار . كما أنّ تكذيب المقرّ له للمقرّ فيما أقرّ به ، أو ظهور كذب المقرّ - كمن يقرّ بالزّنى فظهر مجبوباً - مانع من إقامة الحدّ ، لتيقّن كذب الإقرار . ولو أقرّ بشيءٍ وكذّبه المقرّ له ، وكان أهلاً للتّكذيب ، فلا يصحّ ، لأنّه منكر ، والقول له ، كإقراره بدينٍ بسبب كفالةٍ . ويقول الشّيرازيّ : لو أقرّ لرجلٍ بمالٍ في يده فكذّبه المقرّ له بطل الإقرار ، لأنّه ردّه ، وفي المال وجهان : أحدهما : أنّه يؤخذ منه ويحفظ لأنّه لا يدّعيه ، والمقرّ له لا يدّعيه ، فوجب على الإمام حفظه كالمال الضّائع . والثّاني : لا يؤخذ منه ، لأنّه محكوم له بملكه ، فإذا ردّه المقرّ له بقي في ملكه . وفي المغني : لو أقرّ أنّه زنى بامرأةٍ فكذّبته فعليه الحدّ دونها ، وبه قال الشّافعيّ ، لأنّ استيفاء ثبوته في حقّها لا يبطل إقراره ، كما لو سكتت ، وقال أبو حنيفة وأبو يوسف : لا حدّ عليه لأنّا صدّقناها في إنكارها فصار محكوماً بكذبه . وينصّ المالكيّة على أنّه يلزم لإبطال الإقرار بتكذيب المقرّ له أن يستمرّ التّكذيب ، بحيث إذا رجع المقرّ له إلى تصديقه صحّ الإقرار ولزم ، ما لم يرجع المقرّ . كلّ هذا ممّا يوجد شبهةً في الإقرار . فوجود الشّبهة فيه أو وجود ما يعارضه أولى بالاعتداد به من الإقرار نفسه ، لأنّ الأصل براءة الذّمّة ، ولا يعدل عن هذا الأصل إلاّ بدليلٍ ثابتٍ يقينيٍّ لا يوجد ما يعارضه أو يوهن منه . الشّبهة بتقادم الإقرار في حقوق اللّه : 57 - جاء في الهداية والفتح : التّقادم لا يبطل الإقرار عند محمّدٍ ، كما في حدّ الزّنى الّذي لا يبطل التّقادم الإقرار به اتّفاقاً . وفي نوادر ابن سماعة عن محمّدٍ قال : أنا أقيم عليه الحدّ وإن جاء بعد أربعين عاماً . وعندهما لا يقام الحدّ على الشّارب إلاّ إذا أقرّ به عند قيام الرّائحة . فالتّقادم يؤثّر على الإقرار بالشّرب عندهما فيسقط الحدّ . وفي الهداية والفتح والبحر : التّقادم يؤثّر على الشّهادة في حقوق اللّه عدا حدّ القذف ، لما فيه من حقّ العبد ، لما فيه من رفع العار عنه ، بخلاف الإقرار ، فإنّ التّقادم لا يؤثّر عليه ، ويحدّ بإقراره مع التّقادم إلاّ في حدّ الشّرب فقط عند أبي حنيفة وأبي يوسف ، فإنّ التّقادم فيه يبطل الإقرار خلافاً لمحمّدٍ . 58 - أمّا حقوق العباد فإنّ التّقادم لا يؤثّر فيها ، لا في الإقرار بها ولا في الشّهادة عليها . ويقول ابن قدامة : إن أقرّ بزنًى قديمٍ وجب الحدّ ، وبهذا قال الحنابلة والمالكيّة والأوزاعيّ والنّوويّ وإسحاق وأبو ثورٍ . لعموم الآية ولأنّه حقّ يثبت على الفور فيثبت بالبيّنة بعد تطاول الزّمان كسائر الحقوق . ونقل عن أبي حنيفة أنّه قال : لا أقبل بيّنةً على زنًى قديمٍ وأحدّه بالإقرار به ، وأنّه قول ابن حامدٍ ، وذكره ابن أبي موسى مذهباً لأحمد . الرّجوع عن الإقرار : 59 - الرّجوع قد يكون صريحاً كأن يقول : رجعت عن إقراري ، أو كذبت فيه ، أو دلالةً كأن يهرب عند إقامة الحدّ ، إذ الهرب دليل الرّجوع ، فإن كان بحقٍّ من حقوق اللّه الّتي تسقط بالشّبهة كالزّنى ، فإنّ جمهور الفقهاء : الحنفيّة والمشهور عند المالكيّة ومذهب كلٍّ من الشّافعيّة والحنابلة على أنّ الرّجوع يعتبر ، ويسقط الحدّ عنه ، لأنّه يحتمل أن يكون صادقاً في الرّجوع وهو الإنكار ، ويحتمل أن يكون كاذباً فيه ، فإن كان صادقاً في الإنكار يكون كاذباً في الإقرار ، وإن كان كاذباً في الإنكار يكون صادقاً في الإقرار ، فيورث شبهةً في ظهور الحدّ ، والحدود لا تستوفى مع الشّبهات ، وقد روي أنّ« ماعزاً لمّا أقرّ بين يدي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بالزّنى لقّنه الرّجوع ». فلو لم يكن محتملاً للسّقوط بالرّجوع ما كان للتّلقين معنًى ، سواء أرجع قبل القضاء أم بعده ، قبل الإمضاء أم بعده . ويستوي أن يكون الرّجوع بالقول أو بالفعل بأن يهرب عند إقامة الحدّ عليه ، وإنكار الإقرار رجوع ، فلو أقرّ عند القاضي بالزّنى أربع مرّاتٍ ، فأمر القاضي برجمه فقال : ما أقررت بشيءٍ يدرأ عنه الحدّ . ولأنّ من شرط إقامه الحدّ بالإقرار البقاء عليه إلى تمام الحدّ ، فإن رجع عن إقراره أو هرب كفّ عنه ، وبهذا قال عطاء ويحيى بن يعمر والزّهريّ وحمّاد ومالك والثّوريّ والشّافعيّ وإسحاق وأبو حنيفة وأبو يوسف . وقال الحسن وسعيد بن جبيرٍ وابن أبي ليلى : يقام عليه الحدّ ولا يترك ، لأنّ ماعزاً هرب فقتلوه ولم يتركوه ، ولو قبل رجوعه للزمتهم الدّية ، ولأنّه حقّ وجب بإقراره ، فلم يقبل رجوعه كسائر الحقوق . وحكي عن الأوزاعيّ أنّه إن رجع حدّ للفرية على نفسه ، وإن رجع عن السّرقة والشّرب ضرب دون الحدّ . ونقل الشّيرازيّ عن أبي ثورٍ أنّه لا يقبل رجوعه ، لأنّه حقّ ثبت بالإقرار فلم يسقط بالرّجوع كالقصاص وحدّ القذف . واستدلّ ابن قدامة للجمهور القائلين باعتبار الرّجوع بأنّ « ماعزاً هرب ، فذكر ذلك للنّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : هلاّ تركتموه يتوب فيتوب اللّه عليه ؟ » ففي هذا أوضح الدّلائل على أنّه يقبل رجوعه . ولأنّ الإقرار إحدى بيّنتي الحدّ ، فيسقط بالرّجوع عنه كالشّهود إذا رجعوا قبل إقامة الحدّ . وإنّما لم يجب ضمان ماعزٍ على الّذين قتلوه بعد هربه ، لأنّه ليس بصريحٍ في الرّجوع . أمّا إن رجع صراحةً بأن قال : كذبت في إقراري أو رجعت عنه أو لم أفعل ما أقررت به وجب تركه ، فإن قتله قاتل بعد ذلك وجب ضمانه ، لأنّه قد زال إقراره بالرّجوع عنه فصار كمن لم يقرّ ، ولا قصاص على القاتل للاختلاف في صحّة الرّجوع فكان شبهةً . وقيّد الإمام مالك في الرّواية غير المشهورة عنه قبول رجوع المقرّ في حقوق اللّه الّتي تسقط بالشّبهة بأن يكون الرّجوع لوجود شبهةٍ ، أمّا لو رجع عن إقراره بغير شبهةٍ فلا يعتدّ برجوعه ، فقد نصّ أشهب على أنّه لا يعذر إلاّ إذا رجع بشبهةٍ ، وروي ذلك عن مالكٍ ، وبه قال ابن الماجشون . والشّافعيّة في الأصحّ عندهم لا يعتبرون إلاّ الرّجوع الصّريح . ولا يرون مثل الهروب عند تنفيذ الحدّ رجوعاً ، فلو قال المقرّ : اتركوني أو لا تحدّوني ، أو هرب قبل حدّه أو في أثنائه لا يكون رجوعاً في الأصحّ ، لأنّه لم يصرّح به ، وإن كان يجب تخليته حالاً ، فإن صرّح فذاك وإلاّ أقيم عليه الحدّ ، وإن لم يخلّ لم يضمن ، « لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم لم يوجب عليهم شيئاً في خبر ماعزٍ ». 60 - أمّا من أقرّ بحقٍّ من حقوق العباد أو بحقٍّ للّه تعالى لا يسقط بالشّبهة - كالقصاص وحدّ القذف وكالزّكاة والكفّارات - ثمّ رجع في إقراره فإنّه لا يقبل رجوعه عنها من غير خلافٍ ، لأنّه حقّ ثبت لغيره فلم يملك إسقاطه بغير رضاه ، لأنّ حقّ العبد بعد ما ثبت لا يحتمل السّقوط بالرّجوع ، ولأنّ حقوق العباد مبنيّة على المشاحّة ، وما دام قد ثبت له فلا يمكن إسقاطه بغير رضاه . وقد وضّح القرافيّ الإقرار الّذي يقبل الرّجوع عنه والّذي لا يقبل الرّجوع عنه ، فقال : الأصل في الإقرار اللّزوم من البرّ والفاجر ، لأنّه على خلاف الطّبع . وضابط ما لا يجوز الرّجوع عنه ، هو ما ليس له فيه عذر عاديّ ، وضابط ما يجوز الرّجوع عنه ، أن يكون له في الرّجوع عنه عذر عاديّ ، فإذا أقرّ الوارث للورثة أنّ ما تركه أبوه ميراث بينهم على ما عهد في الشّريعة ، ثمّ جاء شهود أخبروه أنّ أباه أشهدهم أنّه تصدّق عليه في صغره بهذه الدّار وحازها له ، فإنّه إذا رجع عن إقرارٍ معتذراً بإخبار البيّنة له ، وأنّه لم يكن عالماً بذلك ، فإنّه تسمع دعواه وعذره ، ويقيم بيّنته ، ولا يكون إقراره السّابق مكذّباً للبيّنة وقادحاً فيها ، فيقبل الرّجوع في الإقرار . وإذا قال : له عليّ مائة درهمٍ إن حلف - أو مع يمينه - فحلف المقرّ له ، فرجع المقرّ وقال : ما ظننت أنّه يحلف ، لا يلزم المقرّ شيء ، لأنّ العادة جرت بأنّ هذا الاشتراط يقضي عدم اعتقاد لزوم ما أقرّ به ، والعادة جرت على أنّ هذا ليس بإقرارٍ . ويقول ابن جزيٍّ : من أقرّ بحقٍّ لمخلوقٍ لم ينفعه الرّجوع ، وإن أقرّ بحقٍّ للّه تعالى كالزّنى وشرب الخمر فإن رجع إلى شبهةٍ قبل منه ، وإن رجع إلى غير شبهةٍ ففيه قولان : قول يقبل منه وفاقاً لأبي حنيفة والشّافعيّ . وقيل : لا يقبل منه وفاقاً للحسن البصريّ . هل الإقرار يصلح سبباً للملك ؟ 61 - نصّ الحنفيّة : على أنّه لو أقرّ لغيره بمالٍ ، والمقرّ له يعلم أنّه كاذب في إقراره ، لا يحلّ له أخذه عن كرهٍ منه فيما بينه وبين اللّه تعالى ، إلاّ أن يسلّمه بطيبٍ من نفسه ، فيكون تمليكاً مبتدأً على سبيل الهبة ، ونقل ابن عابدين عن ابن الفضل : أنّ الإقرار لا يصلح سبباً للتّمليك ، وفي الهداية وشروحها : والمقرّ له إذا صدّقه ثمّ ردّه لا يصحّ ردّه . وحكمه لزوم ما أقرّ به على المقرّ ، وعمله إظهار المخبر به لغيره لا التّمليك به ابتداءً ، ويدلّ عليه مسائل : أ - أنّ الرّجل إذا أقرّ بعينٍ لا يملكها يصحّ إقراره ، حتّى لو ملكها المقرّ يوماً من الدّهر يؤمر بتسليمها إلى المقرّ له ، ولو كان الإقرار تمليكاً مبتدأً لما صحّ ذلك ، لأنّه لا يصحّ تمليك ما ليس بمملوكٍ له ، وصرّح الشّافعيّة بموافقة الحنفيّة في صحّة الإقرار ، لكن لم نجد في كلامهم أنّ المقرّ إذا ملك العين يؤمر بتسليمها للمقرّ له ، وكذلك لم نجد من المالكيّة والحنابلة ذكراً لهذه المسألة . ب - الإقرار بالخمر للمسلم يصحّ حتّى يؤمر بالتّسليم إليه ، ولو كان تمليكاً مبتدأً لم يصحّ ، لكن ذهب المالكيّة والحنابلة إلى عدم صحّة الإقرار بالخمر ، وفرّق الشّافعيّة بين الخمر إذا كان محترماً أو غير محترمٍ ، وصحّحوا الإقرار بالخمر المحترم . ج - المريض مرض الموت الّذي لا دين عليه إذا أقرّ بجميع ماله لأجنبيٍّ صحّ إقراره ، ولا يتوقّف على إجازة الورثة ، ولو كان تمليكاً مبتدأً لم ينفذ إلاّ بقدر الثّلث عند عدم إجازتهم ، وبقولهم مال جمهور العلماء ، وعند الحنابلة قولان آخران ، قيل : لا يصحّ مطلقاً ، وقيل : لا يصحّ إلاّ في الثّلث . د - العبد المأذون إذا أقرّ لرجلٍ بعينٍ في يده صحّ إقراره ، ولو كان الإقرار سبباً للملك ابتداءً كان تبرّعاً من العبد ، وهو لا يجوز في الكثير . ومثله عند الجمهور إلاّ أنّهم لم يفرّقوا بين القليل والكثير . الإقرار بالنّسب : 62 - إذا أقرّ أحد الورثة بوارثٍ ثالثٍ مشاركٍ لهما في الميراث لم يثبت النّسب بالإجماع ، لأنّ النّسب لا يتبعّض فلا يمكن إثباته في حقّ المقرّ دون المنكر ، ولا يمكن إثباته في حقّهما ، لأنّ أحدهما منكر ولم توجد شهادة يثبت بها النّسب . ولكنّه يشارك المقرّ في الميراث في قول أكثر أهل العلم ، لأنّه أقرّ بسبب مالٍ لم يحكم ببطلانه فلزمه المال ، كما لو أقرّ ببيعٍ أو بدينٍ فأنكر الآخر . ويجب له فضل ما في يد المقرّ من ميراثه ، وبهذا قال ابن أبي ليلى ، ومالك ، والثّوريّ ، والحسن بن صالحٍ ، وشريك ، ويحيى بن آدم وإسحاق وأبو عبيدٍ وأبو ثورٍ . وتقسم حصّة المقرّ أثلاثاً فلا يستحقّ المقرّ له ممّا في يد المقرّ إلاّ الثّلث ( وهو سدس جميع المال ) كما لو ثبت نسبه ببيّنةٍ ، لأنّه إقرار بحقٍّ يتعلّق بحصّته وحصّة أخيه ، فلا يلزمه أكثر ممّا يخصّه ، كالإقرار بالوصيّة ، وإقرار أحد الشّريكين على مال الشّركة ، وقال أبو حنيفة : إذا كان اثنان فأقرّ أحدهما بأخٍ لزمه دفع نصف ما في يده ، وإن أقرّ بأختٍ لزمه ثلث ما في يده ، لأنّه أخذ ما لا يستحقّ من التّركة ، فصار كالغاصب ، فيكون الباقي بينهما ، ولأنّ الميراث يتعلّق ببعض التّركة كما يتعلّق بجميعها ، فإذا ملك بعضها أو غصب تعلّق الحقّ بباقيها ، والّذي في يد المنكر كالمغصوب فيقتسمان الباقي بالسّويّة ، كما لو غصبه أجنبيّ . وقال الشّافعيّ : لا يشارك المقرّ في الميراث ( قضاءً ) ، وحكي ذلك عن ابن سيرين ، وقال إبراهيم : ليس بشيءٍ حتّى يقرّوا جميعاً ، لأنّه لم يثبت نسبه فلا يرث ، كما لو أقرّ بنسب معروف النّسب . ولأصحاب الشّافعيّ فيما إذا كان المقرّ صادقاً فيما بينه وبين اللّه تعالى . هل يلزمه أن يدفع إلى المقرّ له نصيبه ؟ على وجهين : أحدهما يلزمه ( ديانةً ) وهو الأصحّ ، وهل يلزمه أن يدفع إلى المقرّ له نصف ما في يده أو ثلثه ؟ على وجهين . وإن أقرّ جميع الورثة بنسب من يشاركهم في الميراث ثبت نسبه ، سواء أكان الورثة واحداً أم جماعةً ، ذكوراً أم إناثاً ، وبهذا قال الشّافعيّ وأبو يوسف وحكاه عن أبي حنيفة ، لأنّ الوارث يقوم مقام الميّت في ميراثه وديونه … وكذلك في النّسب ، وقد روت السّيّدة عائشة رضي الله عنها أنّ « سعد بن أبي وقّاصٍ رضي الله عنه اختصم هو وعبد بن زمعة في ابن أمة زمعة ، فقال سعد : أوصاني أخي عتبة إذا قدمت مكّة أن أنظر إلى ابن أمة زمعة وأقبضه فإنّه ابنه ، فقال عبد بن زمعة : هو أخي وابن وليدة أبي ، ولد على فراشه فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : هو لك يا عبد بن زمعة » ولأنّه حقّ يثبت بالإقرار فلم يعتبر فيه العدد ، ولأنّه قول لا تعتبر فيه العدالة فلم يعتبر العدد فيه ، والمشهور عن أبي حنيفة أنّه لا يثبت إلاّ بإقرار رجلين أو رجلٍ وامرأتين ، وقال مالك : لا يثبت إلاّ بإقرار اثنين ، لأنّه يحمل النّسب على غيره فاعتبر فيه العدد كالشّهادة . شروط الإقرار بالنّسب : 63 - يشترط لصحّة الإقرار بالنّسب على المقرّ نفسه : - 1 - أن يكون المقرّ به مجهول النّسب . - 2 - ألاّ ينازعه فيه منازع ، لأنّه إن نازعه فيه غيره تعارضا ، فلم يكن إلحاقه بأحدهما أولى من الآخر . - 3 - وأن يمكن صدقه بأن يحتمل أن يولد مثله لمثله . - 4 - أن يكون ممّن لا قول له كالصّغير والمجنون ، أو يصدّق المقرّ إن كان من أهل التّصديق . فإن كبر الصّغير وعقل المجنون فأنكر لم يسمع إنكاره ، لأنّ نسبه قد ثبت فلا يسقط ، ولأنّ الأب لو عاد فجحد النّسب لم يقبل منه . 64 - وإن كان الإقرار عليه وعلى غيره كإقرارٍ بأخٍ اعتبر فيه الشّروط الأربعة السّابقة ، وشرط خامس ، وهو كون المقرّ جميع الورثة . فإن كان الوارث بنتاً أو أختاً أو أمّاً أو ذا فرضٍ يرث جميع المال بالفرض والرّدّ ، ثبت النّسب بقوله عند الحنفيّة والحنابلة القائلين بالرّدّ ، وعند من لا يرى الرّدّ كالشّافعيّ لا يثبت بقوله النّسب ، لأنّه لا يرى الرّدّ ويجعل الباقي لبيت المال ، ولهم فيما إذا وافقه الإمام في الإقرار وجهان ، يقول الشّيرازيّ : وإن مات وخلّف بنتاً فأقرّت بنسب أخٍ لم يثبت النّسب ، لأنّها لا ترث جميع المال . فإن أقرّ معها الإمام ففيه وجهان : أحدهما : أن يثبت ، لأنّ الإمام نافذ الإقرار في مال بيت المال . والثّاني : أنّه لا يثبت لأنّه لا يملك المال بالإرث ، وإنّما يملكه المسلمون وهم لا يتبيّنون ، فلا يثبت النّسب . وينصّ المالكيّة على أنّ من أقرّ بأخٍ وعمٍّ لم يرثه إن وجد وارث ، وإلاّ يكن له وارث أصلاً أو وارث غير حائزٍ فخلاف ، والرّاجح : إرث المقرّ به من المقرّ جميع المال سواء أكان الإقرار في حال الصّحّة أم في حالة المرض ، وفي قولٍ : يحلف المقرّ به أنّ الإقرار حقّ . 65 - وإن كان أحد الوارثين غير مكلّفٍ كالصّبيّ والمجنون فأقرّ المكلّف بأخٍ ثالثٍ لم يثبت النّسب بإقراره ، لأنّه لا يحوز الميراث كلّه ، فإن بلغ الصّبيّ أو أفاق المجنون فأقرّا به أيضاً ثبت نسبه لاتّفاق جميع الورثة عليه ، وإن ماتا قبل أن يصيرا مكلّفين ثبت نسب المقرّ به لأنّه وجد الإقرار من جميع الورثة ، فإنّ المقرّ صار جميع الورثة ، هذا فيما إذا كان المقرّ يحوز جميع الميراث بعد من مات ، فإن كان للميّت وارث سواه أو من يشاركه في الميراث لم يثبت النّسب ، ويقوم وارث الميّت مقامه ، فإذا وافق المقرّ في إقراره ثبت النّسب ، وإن خالفه لم يثبت . وإذا أقرّ الوارث بمن يحجبه كأخٍ أقرّ بابنٍ للميّت ثبت نسب المقرّ به وورث وسقط المقرّ ... وهذا اختيار ابن حامدٍ والقاضي وقول أبي العبّاس بن سريجٍ . لأنّه ابن ثابت النّسب لم يوجد في حقّه أحد موانع الإرث فيرثه ، كما لو ثبت نسبه ببيّنةٍ ، ولأنّ ثبوت النّسب سبب للميراث فلا يجوز قطع حكمه عنه ، ولا يورث محجوب به مع وجوده وسلامته من الموانع . وقال أكثر الشّافعيّة : يثبت نسب المقرّ به ولا يرث ، لأنّ توريثه يفضي إلى إسقاط توريث المقرّ ، فيبطل إقراره ، فأثبتنا النّسب دون الإقرار . يقول الشّيرازيّ : إن كان المقرّ به يحجب المقرّ ، مثل أن يموت الرّجل ويخلّف أخاً فيقرّ الأخ بابنٍ للميّت يثبت له النّسب ولا يرث ، لأنّا لو أثبتنا له الإرث أدّى ذلك إلى إسقاط إرثه ، لأنّ توريثه يخرج المقرّ عن أن يكون وارثاً فيبطل إقراره ، لأنّه إقرار من غير وارثٍ . [/QUOTE]
الإسم
التحقق
اكتب معهد الماهر
رد
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية