إجارة الإقطاعات وإعارتها :
21 - ما أقطعه الإمام للنّاس ملكاً ، أو اشتري من بيت المال شراءً مسوّغاً ، فلا خفاء في جواز إجارته وإعارته ، حيث صار ملكاً للأشخاص يتصرّفون فيه تصرّف الملّاك ، ومن أقطعه الإمام أرضاً إقطاع انتفاعٍ في مقابلة خدمةٍ عامّةٍ يؤدّيها ، وبعبارة الفقهاء : في مقابلة استعداده لما أعدّ له ، فإنّ للمقطع إجارتها وإعارتها ، لأنّه ملكها ملك منفعةٍ .
وإذا مات المؤجّر ، أو أخرج الإمام الأرض المقطعة منه انفسخت الإجارة ، لانتقال الملك إلى غير المؤجّر .
استرجاع الإقطاعات :
22 - إذا أقطع الإمام أرضاً مواتاً ، وتمّ إحياؤها ، أو لم تمض المدّة المقرّرة عند الفقهاء للإحياء ، فليس له استرجاع الإقطاع من مقطعه ، وكذلك إذا كان الإقطاع من بيت المال بشراءٍ مسوغٍ أو بمقابلٍ ، لأنّه في الأوّل يكون تمليكاً بالإحياء ، وفي الثّاني يكون تمليكاً بالشّراء فلا يجوز إخراجه منه إلاّ بحقّه .
ترك عمارة الأرض المقطعة :
23 - لا يعارض المقطع إذا أهمل أرضه بغير عمارةٍ قبل طول اندراسها . وقدّر الحنفيّة ذلك بثلاث سنين ، وهو رأي للمالكيّة . وقال الحنفيّة : إن أحياها غيره قبل ذلك كانت ملكاً للمقطع . وقال المالكيّة : إن أحياها عالماً بالإقطاع كانت ملكاً للمقطع ، وإن أحياها غير عالمٍ بالإقطاع ، خيّر المقطع بين أخذها وإعطاء المحيي نفقة عمارته ، وبين تركها للمحيي والرّجوع عليه بقيمة الأرض المحياة . وقال سحنون من المالكيّة : لا تخرج عن ملك محييها ولو طال اندراسها ، وإن أعمرها غيره لم تخرج عن ملك الأوّل .
ولم يشترط الشّافعيّة والحنابلة مدّةً معيّنةً ، واعتبروا القدرة على الإحياء بدلاً منها . فإن مضى زمان يقدر على إحيائها فيه قيل له : إمّا أن تحييها فتقرّ في يدك ، وإمّا أن ترفع يدك عنها لتعود إلى حالها قبل الإقطاع . وقد اعتبر الحنابلة الأعذار المقبولة مسوّغاً لبقائها على ملكه بدون إحياءٍ ، إلى أن يزول العذر .
واستدلّ الحنفيّة بأنّ عمر رضي الله عنه جعل أجل الإقطاع إلى ثلاث سنين .
وقال الشّافعيّة : إنّ التّأجيل لا يلزم ، وتأجيل عمر يجوز أن يكون لسببٍ اقتضاه .
وقف الإقطاعات :
24 - إنّ وقف الإقطاع يدور صحّةً وعدماً على ثبوت الملكيّة وعدمه للواقف ، فمن أثبتها له بوجهٍ من الوجوه حكم بصحّة وقف الإقطاع ، ومن لم يثبتها لم يحكم بصحّته .
على أنّ للإمام أن يقف شيئاً من بيت المال على جهةٍ أو شخصٍ معيّنٍ ، مع أنّه لا يملك ما يقفه ، إذا كان في ذلك مصلحة .
الإقطاع بشرط العوض :
25 - الأصل في إقطاع التّمليك : أن يكون مجرّداً عن العوض ، فإن أقطعه الإمام على أنّ عليه كذا أو كلّ عامٍ كذا جاز وعمل به ، ومحلّ العوض المأخوذ بيت مال المسلمين ، لا يختصّ الإمام به ، لعدم ملكه لما أقطعه ، وهو رأي الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ورأي للشّافعيّة ، حيث إنّ للإمام أن يفعل ما يراه مصلحةً للمسلمين . وهناك رأي للشّافعيّة بخلافه ، وعلّلوه بأنّ الإقطاع عطيّة وهبة وصلة وليس بيعاً ، والأثمان من صفة البيع .
أقطع *
التّعريف :
1 - الأقطع لغةً : مقطوع اليد .
وعند الفقهاء : يستعمل في مقطوع اليد أو الرّجل . وفي العمل النّاقص أو قليل البركة .
الحكم الإجماليّ ومواطن البحث :
2 - « كلّ أمرٍ لا يبدأ فيه ببسم اللّه الرّحمن الرّحيم فهو أقطع » كما ورد في الحديث .
3 - والمكلّف إن كان مقطوع اليد أو الرّجل يسقط عنه الجهاد إن كان فرض كفايةٍ ، لأنّه إذا سقط عن الأعرج فالأقطع أولى ، ولأنّه يحتاج إلى الرّجلين في المشي ، واليدين ليتّقي بأحدهما ويضرب بالأخرى .
ومن الفقهاء من يجعل بعض الأمراض الّتي تصيب اليد أو الرّجل عذراً يمنع الخروج للقتال كذلك .
4 - ومن قطعت يده أو رجله يسقط عنه فرض غسل العضو المقطوع في الوضوء والغسل ( ر : وضوء ، غسل ) .
5- وقطع اليد والرّجل صفة نقصٍ في إمام الصّلاة ، ولذلك كره بعض الفقهاء إمامته لغيره ، ومنهم من منعها ، وتفصيل ذلك في شروط الإمامة .
6- وإن قطع الأقطع من غيره عضواً مماثلاً للعضو المقطوع أو غير مماثلٍ ففي ذلك تفصيل ينظر في ( قصاص ) . وكذلك إذا سرق ففي إقامة الحدّ عليه تفصيل : ( ر : سرقة ) .
إقعاء *
التّعريف :
1 - الإقعاء عند العرب : إلصاق الأليتين بالأرض ، ونصب السّاقين ووضع اليدين على الأرض ، وقال ابن القطّاع : أقعى الكلب : جلس على أليتيه ونصب فخذيه ، وأقعى الرّجل : جلس تلك الجلسة .
وللفقهاء في الإقعاء تفسيران :
الأوّل : نحو المعنى اللّغويّ ، وهو اختيار الطّحاويّ من الحنفيّة .
والثّاني : أن يضع أليتيه على عقبيه ، ويضع يديه على الأرض ، وهو اختيار الكرخيّ من الحنفيّة .
وجلسة الإقعاء غير التّورّك والافتراش ، فالافتراش أن يجلس على كعب يسراه بحيث يلي ظهرها الأرض وينصب يمناه . ويخرجها من تحته ، ويجعل بطون أصابعها على الأرض معتمداً عليها لتكون أطراف أصابعه إلى القبلة .
والتّورّك إفضاء ألية وورك وساق الرّجل اليسرى للأرض ، ونصب الرّجل اليمنى على اليسرى ، وباطن إبهام اليمنى للأرض ، فتصير رجلاه معاً من الجانب الأيمن .
الحكم الإجماليّ :
2 - الإقعاء بالمعنى الأوّل مكروه في الصّلاة عند أكثر الفقهاء ، لما روي أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم « نهى عن الإقعاء في الصّلاة » . وعند المالكيّة : الإقعاء بهذه الصّورة حرام ، ولكن لا تبطل به الصّلاة . وأمّا الإقعاء بالمعنى الثّاني فمكروه أيضاً عند الحنفيّة ، والمالكيّة ، والحنابلة ، إلاّ أنّ الكراهة تنزيهيّة عند الحنفيّة .
استدلّ الحنابلة على هذا الرّأي رواه الحارث عن عليٍّ قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : « لا تقع بين السّجدتين » . وعند الشّافعيّة : الإقعاء بهذه الكيفيّة بين السّجدتين سنّة ، ففي مسلمٍ « الإقعاء سنّة نبيّنا صلى الله عليه وسلم » وفسّره العلماء بهذا ، ونصّ عليه الشّافعيّ في البويطيّ والإملاء في الجلوس بين السّجدتين ، ونقل عن أحمد بن حنبلٍ أنّه قال : لا أفعل ولا أعيب من فعله ، وقال : العبادلة كانوا يفعلونه .
أمّا الإقعاء في الأكل فلا يكره ، روى أنس رضي الله عنه قال : « رأيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم جالساً مقعياً يأكل تمراً » .
أقلف *
التّعريف :
1 - الأقلف : هو الّذي لم يختن ، والمرأة قلفاء ، والفقهاء يخصّون أحكام الأقلف بالرّجل دون المرأة . ويقابل الأقلف في المعنى : المختون .
وإزالة القلفة من الأقلف تسمّى ختاناً في الرّجل ، وخفضاً في المرأة .
حكمه التّكليفيّ :
2 - اتّفق الفقهاء على أنّ إزالة القلفة من الأقلف من سنن الفطرة ، لتضافر الأحاديث على ذلك ، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم : « الفطرة خمس : الختان ، والاستحداد ، وقصّ الشّارب ، وتقليم الأظافر ، ونتف الإبط » . كما سيأتي تفصيل ذلك في ( ختان ) .
وذهب الشّافعيّة وأحمد بن حنبلٍ إلى أنّ الختان فرض . وهو قول ابن عبّاسٍ وعليّ بن أبي طالبٍ والشّعبيّ وربيعة الرّأي والأوزاعيّ ويحيى بن سعيدٍ وغيرهم ، وعلى هذا فإنّ الأقلف تارك فرضٍ ، ومنهم من ذهب إلى أنّه سنّة كأبي حنيفة والمالكيّة ، وهو قول الحسن البصريّ .
3 - يختصّ الأقلف ببعض الأحكام :
أ - ردّ شهادته عند الحنفيّة إن كان تركه الاختتان لغير عذرٍ . وهو ما يفهم من مذهبي الشّافعيّة والحنابلة ، لأنّهم يقولون بوجوب الاختتان ، وترك الواجب فسق ، وشهادة الفاسق مردودة . وذهب المالكيّة إلى كراهة شهادته .
ب - جواز ذبيحة الأقلف وصيده ، لأنّه لا أثر للفسق في الذّبيحة والصّيد ، ولذلك فقد ذهب الجمهور - وهو الصّحيح عند الحنابلة - إلى أنّ ذبيحة الأقلف وصيده يؤكلان ، لأنّ ذبيحة النّصرانيّ تؤكل فهذا أولى . وروي عن ابن عبّاسٍ ، وعكرمة وأحمد بن حنبلٍ أنّ ذبيحة الأقلف لا تؤكل ، وقد بيّن الفقهاء ذلك في كتاب الذّبائح والصّيد .
ج - إذا كان الاختتان - إزالة القلفة - فرضاً ، أو سنّةً ، فلو أزالها إنسان بغير إذن صاحبها فلا ضمان عليه .
د - اتّفق الفقهاء على أنّه إذا كان هناك حرج في غسل ما تحت القلفة فلا يطلب تطهيرها دفعاً للحرج .
أمّا إذا كان تطهيرها ممكناً من غير حرجٍ فالشّافعيّة والحنابلة يوجبون تطهير ما تحت القلفة في الغسل والاستنجاء ، لأنّها واجبة الإزالة ، وما تحتها له حكم الظّاهر .
وذهب الحنفيّة إلى استحباب غسلها في الغسل والاستنجاء ، ويفهم من عبارة مواهب الجليل أنّ المالكيّة لا يرون وجوب غسل ما تحت القلفة .
هـ – ذهب الشّافعيّة والحنابلة ، وهم من يقولون بوجوب تطهير ما تحت القلفة ، إلى أنّه إذا لم يغسل ما تحتها لا تصحّ طهارته ، وبالتّالي لا تصحّ إمامته .
وأمّا الحنفيّة فتصحّ إمامته عندهم مع الكراهة التّنزيهيّة ، والمالكيّة يرون جواز إمامة الأقلف ، ولكنّهم يرون كراهة تعيينه إماماً راتباً ، ومع هذا لو صلّى النّاس خلفه لم يعيدوا صلاتهم .
أقلّ الجمع *
التّعريف :
1 - الجمع في اللّغة : تأليف المتفرّق ، وضمّ الشّيء بتقريب بعضه من بعض .
وفي اصطلاح النّحاة والصّرفيّين . اسم دلّ على جملة آحادٍ مقصودةٍ بحروف مفرده بتغيّرٍ ما . وفيما يفيده أقلّ الجمع من حيث العدد آراء :
أ - رأي النّحاة والصّرفيّين :
2 - أفاد الرّضيّ في الكافية أنّه لا يجوز إطلاق الجمع على الواحد والاثنين ، فلا يقع رجال على رجلٍ ولا رجلين . ، وصرّح ابن يعيشٍ بأنّ القليل الّذي جعل القلّة له هو الثّلاثة فما فوقها إلى العشرة .
ب - رأي الأصوليّين والفقهاء :
3 - ذكر الأصوليّون الخلاف في أقلّ عددٍ تطلق عليه صيغة الجمع ، فجاء في التّلويح ، ونحوه في مسلّم الثّبوت : أنّ أكثر الصّحابة والفقهاء وأئمّة اللّغة ذهبوا إلى أنّ أقلّ الجمع ثلاثة ، فلا يصحّ الإطلاق على أقلّ منه إلاّ مجازاً ، حتّى لو حلف لا يتزوّج نساءً لا يحنث بتزوّج امرأتين . وذهب بعضهم كحجّة الإسلام الغزاليّ ، وسيبويه من النّحاة ، إلى أنّ أقلّ الجمع اثنان حقيقةً ، حتّى يحنث بتزوّج امرأتين .
وقيل : لا يصحّ للاثنين لا حقيقةً ولا مجازاً . وبعد عرض أدلّة كلّ فريقٍ ، والرّدّ عليها ، يذكر صاحبا التّلويح ومسلّم الثّبوت أنّ النّزاع ليس في لفظ الجمع المؤلّف من ( ج م ع ) وإنّما النّزاع في المسمّى ، أي في الصّيغ المسمّاة به ، كرجالٍ ومسلمين .
وذكر القرطبيّ عند تفسير قوله تعالى : { فإن كان له إخوة فلأمّه السّدس } أنّ أقلّ الجمع اثنان ، لأنّ التّثنية جمع شيءٍ إلى مثله ، واستدلّ برأي سيبويه فيما يرويه عن الخليل . والظّاهر أنّ القرطبيّ أراد بقوله : إنّ أقلّ الجمع اثنان الميراث لأنّه قال بعد ذلك : وممّن قال : إنّ أقلّ الجمع ثلاثة - وإن لم يقل به هنا - ( يقصد الميراث ) ابن مسعودٍ والشّافعيّ وأبو حنيفة وغيرهم . وبالنّظر في أبواب الفقه المختلفة نجد أنّ أقلّ الجمع عند الفقهاء ثلاثة فصاعداً عدا الميراث ، وسيأتي بيان ذلك .
ج - رأي الفرضيّين :
4 - الفرضيّون - عدا ابن عبّاسٍ - يعتبرون أنّ أقلّ الجمع اثنان ، فقد جاء في العذب الفائض عند الكلام على ميراث الأمّ مع الإخوة أنّ أقلّ الجمع اثنان ، قال ابن سراقة وقد ورد ذلك في القرآن الكريم كقوله تعالى : { هذان خصمان اختصموا في ربّهم } . يريد اختصما ، ثمّ قال : ومن أهل اللّغة من يجعل الاثنين جمعاً حقيقةً ، وقد حكي عن الفرّاء أنّه قال : أوّل الجمع التّثنية ، وهو الأصل في اللّغة ، والاثنان من جنس الإخوة يردّان الأمّ إلى السّدس وجاء في السّراجيّة أنّ حكم الاثنين في الميراث حكم الجماعة ، فحكم البنتين والأختين كحكم البنات والأخوات في استحقاق الثّلثين ، فكذا في الحجب .
وهذا الحكم لم يخالف فيه سوى ابن عبّاسٍ .
ما يتفرّع على هذه القاعدة :
أوّلاً - عند الفقهاء :
5 - يبني الفقهاء أحكامهم على اعتبار أنّ أقلّ الجمع ثلاثة ، وهذا فيما يستعمل فيه من المسائل الفقهيّة المتفرّقة عدا مسائل الميراث ، عند جميع الفقهاء ، والوصيّة كذلك عند الحنفيّة ، فتبنى الأحكام فيها باعتبار أنّ أقلّ الجمع اثنان ، وذلك كما جاء في عباراتهم . ويجب أن يلاحظ أنّ المقصود هو الجمع المنكّر كما سنرى في الأمثلة - إذ هو الّذي يتمّ الحكم بانطباقه على ثلاثةٍ من أفراده باعتبارها أقلّ ما ينطبق عليه .
الأمثلة في غير الميراث :
6 - أ - في الوصيّة : من وصّى بكفّارة أيمانٍ فأقلّ ما يجب لتنفيذ هذه الوصيّة أن يكفّر عنه ثلاثة أيمانٍ ، لأنّ الثّلاثة أقلّ الجمع ، وهذا عند الجمهور . أمّا عند الحنفيّة فيجب التّكفير عن يمينين فصاعداً ، اعتباراً لمعنى الجمع ، وأقلّه اثنان في الوصيّة ، والوصيّة أخت الميراث ، وفي الميراث أقلّ الجمع اثنان .
ب - في الوقف : من وقف لجماعةٍ أو لجمعٍ من أقرب النّاس إليه صرف ريع الوقف إلى ثلاثةٍ ، لأنّها أقلّ الجمع ، فإن لم يبلغ أقرب النّاس إليه ثلاثةً يتمّم العدد ممّا بعد الدّرجة الأولى . فمثلاً : إن كان لمن وقف ابنان وأولاد ابنٍ ، فإنّه يخرج من أولاد ابنه واحد منهم بالقرعة . ويضمّ للابنين ويعطون الوقف .
ج - في الإقرار : لو قال : له عندي دراهم ، لزمه ثلاثة دراهم ، لأنّه جمع ، وأقلّ الجمع ثلاثة .
د - في اليمين : من حلف على ترك شيءٍ ، أو على ألاّ يكلّم غيره أيّاماً أو شهوراً أو سنين ، منكّراً لفظ الأيّام والشّهور والسّنين لزمه ثلاثة ، لأنّه أقلّ الجمع .
7- أمّا بالنّسبة للميراث فتبنى الأحكام فيه باعتبار أنّ أقلّ الجمع اثنان . ويتّضح ذلك في ميراث الأمّ مع الإخوة ، فقد أجمع أهل العلم - إلاّ ما روي عن ابن عبّاسٍ - على أنّ الأخوين ( فصاعداً ) ذكوراً كانوا أو إناثاً يحجبان الأمّ عن الثّلث إلى السّدس ، عملاً بظاهر قوله تعالى : { فإن كان له إخوة فلأمّه السّدس } . لأنّ أقلّ الجمع هنا اثنان ، وقد قال الزّمخشريّ : لفظ الإخوة هنا يتناول الأخوين ، لأنّ الجمع من الاجتماع ، وأنّه يتحقّق باجتماع الاثنين . ولأنّ الجمع يذكر بمعنى التّثنية كما في قوله تعالى : { فقد صغت قلوبكما } هذا رأي الجمهور .
وخالف في ذلك ابن عبّاسٍ فجعل الاثنين من الإخوة في حكم الواحد ولا يحجب الأمّ أقلّ من ثلاثٍ ، لظاهر الآية ، وقد وقع الكلام في ذلك بين عثمان وابن عبّاسٍ ، فقال له عثمان : إنّ قومك ( يعني قريشاً ) حجبوها - يعني الأمّ - وهم أهل الفصاحة والبلاغة .
ثانياً - عند الأصوليّين :
8 - ذكر الأصوليّون الخلاف في مسمّى الجمع ، وهل يطلق على الثّلاثة فأكثر ، أو يصحّ أن يطلق على الاثنين على نحو ما سبق بيانه .
وهم يذكرون ذلك في معرض الكلام عن العامّ وتخصيصه ، باعتبار أنّ الجمع من ألفاظ العموم ، وأنّ العامّ إذا كان جمعاً مثل الرّجال جاز تخصيصه إلى الثّلاثة ، تفريعاً على أنّ الثّلاثة أقلّ الجمع ، لأنّ التّخصيص إلى ما دون الثّلاثة يخرج اللّفظ عن الدّلالة على الجمع فيصير نسخاً ، وتفصيل هذا ينظر في الملحق الأصوليّ .
مواطن البحث :
9 - أقلّ الجمع يستعمل في المسائل الّتي يستعمل فيها الجمع المنكّر ، كالنّذر والأيمان والعتق والطّلاق وغير ذلك .
أقلّ ما قيل *
التّعريف :
1 - الأخذ بأقلّ ما قيل عند الأصوليّين أن يختلف الصّحابة في أمرٍ مقدّرٍ على أقاويل ، فيؤخذ بأقلّها ، إذا لم يدلّ على الزّيادة دليل . وذلك مثل اختلافهم في دية اليهوديّ هل هي مساوية لدية المسلم ، أو على النّصف ، أو على الثّلث ؟ فالقول بأقلّها وهو الثّلث – أخذ بأقلّ ما قيل . ويقاربه : الأخذ بأخفّ ما قيل . والفرق بينهما هو من حيث الكمّ والكيف .
ويقابله : الأخذ بأكثر ما قيل .
الحكم الإجماليّ :
2 - اختلف الأصوليّون في الأخذ بأقلّ ما قيل ، هل يعتبر دليلاً يعتمد في إثبات الحكم ؟ فأثبته الإمام الشّافعيّ ، والباقلّانيّ من المالكيّة ، وقال القاضي عبد الوهّاب منهم : وحكى بعض الأصوليّين إجماع أهل النّظر عليه .
ونفاه جماعة ، منهم ابن حزمٍ ، بل حكى قولاً بأنّه يؤخذ بأكثر ما قيل ، ليخرج عن عهدة التّكليف بيقينٍ ، وكما اختلفوا في الأخذ بالأقلّ اختلفوا في الأخذ بالأخفّ ومحلّ تفصيل ذلك الملحق الأصوليّ .
مواطن البحث :
3 - ذكر الأصوليّون الأخذ بأقلّ ما قيل في مبحث الاستدلال . والاستدلال هنا في اصطلاحهم : ما كان من الأدلّة ليس بنصٍّ ولا إجماعٍ ولا قياسٍ . كما ذكروه في الكلام على الإجماع لبيان علاقته به .
اكتحال *
التّعريف :
1 - الاكتحال لغةً : مصدر اكتحل . يقال اكتحل : إذا وضع الكحل في عينه . وهو في الاصطلاح مستعمل بهذا المعنى .
الحكم الإجماليّ :
2 - استحبّ الحنابلة والشّافعيّة الاكتحال وتراً ، لقوله عليه الصلاة والسلام : « من اكتحل فليوتر » ، وأجازه مالك في أحد قوليه للرّجال ، وكرهه في قوله الآخر للتّشبّه بالنّساء .
أمّا الحنفيّة ، فقالوا بالجواز إذا لم يقصد به الرّجل الزّينة ، وأوضح بعض الحنفيّة أنّ الممنوع هو التّزيّن للتّكبّر ، لا بقصد الجمال والوقار . ولا خلاف في جواز الاكتحال للنّساء ولو بقصد الزّينة ، وكذلك للرّجال بقصد التّداوي . وللتّفصيل ينظر مصطلح ( تزيّن ) .
الاكتحال بالمتنجّس :
3 - ينبغي أن يكون ما يكتحل به طاهراً حلالاً ، أمّا الاكتحال بالنّجس أو المحرّم فهو غير جائزٍ لعموم النّهي عن ذلك . أمّا إذا كان الاكتحال لضرورةٍ فقد أجازه الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ، ومنعه المالكيّة .
الاكتحال في الإحرام :
4 - أجاز الحنفيّة الاكتحال بالإثمد للمحرم بغير كراهةٍ ما دام بغير طيبٍ ، فإذا كان بطيبٍ وفعله مرّةً أو مرّتين فعليه صدقة ، فإن كان أكثر فعليه دم . ومنعه المالكيّة وإن كان من غير طيبٍ ، إلاّ إذا كان لضرورةٍ ، فإن اكتحل فعليه الفدية . وأجازه الشّافعيّة والحنابلة مع الكراهة ، واشترط الحنابلة عدم قصد الزّينة به . ( ر - إحرام ) .
الاكتحال في الصّوم :
5 - إذا اكتحل الصّائم بما يصل إلى جوفه فعند الحنفيّة والشّافعيّة - وهو اختيار ابن تيميّة - لا يفسد صومه ، وإن وجد طعمه في حلقه ، ولونه في نخامته ، لأنّه لم يصل إلى الجوف من منفذٍ مباشرٍ ، بل بطريق المسامّ . وقال المالكيّة ، وهو المذهب عند الحنابلة : إنّه يفسد صومه إذا وصل إلى الحلق . وللتّفصيل ينظر ( صوم ) .
الاكتحال للمعتدّة من الوفاة :
6 - إذا كان الاكتحال بما لا يتزيّن به عادةً فلا بأس به عند الفقهاء ليلاً أو نهاراً . أمّا إذا كان ممّا يتزيّن به كالإثمد ، فالأصل عدم جوازه إلاّ لحاجةٍ ، فإن دعت الحاجة إلى ذلك جاز . وصرّح المالكيّة أنّ المراد - في هذه الحال - تكتحل ليلاً وتغسله نهاراً وجوباً .
الاكتحال للمعتدّة من الطّلاق :
7 - اتّفق الفقهاء على إباحة الاكتحال للمعتدّة من طلاقٍ رجعيٍّ . بل صرّح المالكيّة بأنّه يفرض على زوج المعتدّة ثمن الزّينة الّتي تستضرّ بتركها .
واختلفوا في المعتدّة من طلاقٍ بائنٍ . قال الحنفيّة ، وهو رأي للشّافعيّة والحنابلة : يجب عليها ترك الاكتحال والزّينة ، وفي رأيٍ للشّافعيّة والحنابلة : يستحسن لها ذلك .
أمّا المالكيّة فعندهم الإباحة مطلقاً للمطلّقة ( ر - عدّة ) .
الاكتحال في الاعتكاف :
8 - تكلّم الشّافعيّة على الزّينة في الاعتكاف والاكتحال فيه ، وصرّحوا بأنّه لا يضرّ فيه الاكتحال ولا الزّينة . وقواعد المذاهب الأخرى لا تنافيه . ( ر - اعتكاف ) .
الاكتحال في يوم عاشوراء :
9 - تكلّم الحنفيّة على الاكتحال في يوم عاشوراء وعلى استحبابه ، وأبانوا بأنّه لم يرد في ذلك نصّ صحيح ، وقال بعضهم : بأنّه بدعة . ( ر - بدعة ) .
اكتساب *
التّعريف :
1 - الاكتساب : طلب الرّزق وتحصيل المال على العموم . وأضاف الفقهاء إلى ذلك ما يفصح عن الحكم ، فقالوا : الاكتساب هو تحصيل المال بما حلّ من الأسباب .
الألفاظ ذات الصّلة :
أ - الكسب :
2 - يفترق الكسب عن الاكتساب بأنّ الاكتساب لا يكون إلاّ ببذل الجهد ، أمّا الكسب فإنّه لا يعني أكثر من الإصابة ، يقال : كسب مالاً : إذا أصاب مالاً ، سواء كان ذلك ببذل جهدٍ ، بأن اكتسبه بعرق جبينه ، أو كسبه من غير جهدٍ ، كما إذا آل إليه بميراثٍ مثلاً .
ب - الاحتراف ، أو العمل :
3 - يفترق الاكتساب عن الاحتراف أو العمل بأنّهما من وسائل الاكتساب ، وليسا باكتسابٍ ، إذ الاكتساب قد يكون باحتراف حرفةٍ ، وقد يكون بغير احتراف حرفةٍ ، كمن يعمل يوماً عند نجّارٍ ، ويوماً عند حدّادٍ ، ويوماً حمّالاً ، دون أن يبرع أو يستقرّ في عملٍ .