الرئيسية
المنتديات
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
الغرف الصوتية
غرفة ٠٠٠٠
ما الجديد
المشاركات الجديدة
جديد مشاركات الحائط
آخر النشاطات
الأعضاء
الزوار الحاليين
مشاركات الحائط الجديدة
البحث عن مشاركات الملف الشخصي
تسجيل الدخول
تسجيل
ما الجديد
البحث
البحث
بحث بالعناوين فقط
بواسطة:
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
قائمة
تسجيل الدخول
تسجيل
تثبيت التطبيق
تثبيت
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية
تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة
.
الرد على الموضوع
الرسالة
<blockquote data-quote="ابن عامر الشامي" data-source="post: 40953" data-attributes="member: 329"><p>الحكم التّكليفيّ :</p><p>4 - أ - ذهب الفقهاء إلى أنّ الاكتساب فرض على المحتاج إليه إذا كان قادراً عليه ، لأنّه به يقوم المكلّف بما وجب عليه من التّكاليف الماليّة ، من الإنفاق على النّفس والزّوجة والأولاد الصّغار ، والأبوين المعسرين ، والجهاد في سبيل اللّه وغير ذلك .</p><p>ب - ويفصّل ابن مفلحٍ الحنبليّ حكم الاكتساب بحسب أحوال المكتسب ، وخلاصة كلامه : يسنّ التّكسّب مع توفّر الكفاية للمكتسب ، قال المروزيّ : سمعت رجلاً يقول لأبي عبد اللّه أحمد بن حنبلٍ : إنّي في كفايةٍ ، قال الإمام أحمد : الزم السّوق تصل به رحمك ، وتعد به على نفسك .</p><p> ويباح التّكسّب لزيادة المال والجاه والتّرفّه والتّنعّم والتّوسعة على العيال ، مع سلامة الدّين والعرض والمروءة وبراءة الذّمّة .</p><p> ويجب التّكسّب على من لا قوت له ولمن تلزمه نفقته ، وعلى من عليه دين أو نذر طاعةٍ أو كفّارة . وقد فصّل الفقهاء ذلك في أبواب النّفقة .</p><p> ويرى الماورديّ - الشّافعيّ - في كتابه أدب الدّنيا والدّين : أنّ طلب المرء من الكسب قدر كفايته ، والتماسه منه وفق حاجته هو أحمد أحوال الطّالبين ، وأعدل مراتب القاصدين . </p><p>من لا يكلّف الاكتساب :</p><p>5 - أ - لا تكلّف المرأة الاكتساب للإنفاق على نفسها أو على غيرها ، وتكون نفقتها إن كانت فقيرةً واجبةً على غيرها ، سواء كانت متزوّجةً أم ليست بذات زوجٍ .</p><p>ب - ولا يكلّف الصّغير الّذي ليس بأهلٍ للكسب الاكتساب ، ومن جملة هذه الأهليّة القدرة الجسديّة والفكريّة الّتي يفرّق فيها بين الحلال والحرام ، لما روى الإمام مالك في الموطّأ عن عثمان بن عفّان أنّه قال : لا تكلّفوا الصّغير الكسب ، فإنّه إذا لم يجد سرق .</p><p> أمّا الكبير فإنّه يكلّف الاكتساب كما تقدّم . </p><p>طرق الاكتساب :</p><p>6 - إذا كان الاكتساب لا بدّ فيه من بذل الجهد - على خلاف الكسب الّذي قد يكون ببذل الجهد ، وقد يكون بغير بذل جهدٍ - فإنّه لا يكون إلاّ بالعمل ، وعندئذٍ يشترط في العمل أن يكون حلالاً ، فلا يجوز الاكتساب بتقديم الخمر لشاربيه ، سواء احترف ذلك أم لم يحترفه ، كما يكره الاكتساب عن طريق حرفةٍ وضيعةٍ بقيودٍ وشروطٍ ذكرت في ( احتراف ) . </p><p></p><p>أكدريّة *</p><p>التّعريف :</p><p>1 - الأكدريّة هي : إحدى المسائل الملقّبات في الفرائض ، وهي زوج ، وأمّ ، وجدّ ، وأخت لأبٍ وأمٍّ ، أو لأبٍ . ولقّبت هذه المسألة بالأكدريّة ، لأنّها واقعة امرأةٍ من بني أكدر ماتت وخلّفت أولئك الورثة المذكورين ، واشتبه على زيدٍ مذهبه فيها فنسبت إليها . وقيل : إنّ شخصاً من هذه القبيلة كان يحسن مذهب زيدٍ في الفرائض ، فسأله عبد الملك بن مروان عن هذه المسألة فأخطأ في جوابها ، فنسبت إلى قبيلته . وقيل : سمّيت بذلك لأنّها كدّرت على زيد بن ثابتٍ أصوله في التّوريث ، وقيل : لأنّ الجدّ كدّر على الأخت نصيبها ، وأهل العراق يسمّونها الغرّاء ، لشهرتها فيما بينهم . وللعلماء في هذه المسألة ثلاثة مذاهب :</p><p>2 - أحدها : مذهب زيد بن ثابتٍ رضي الله عنه ، وبه أخذ الشّافعيّة والحنابلة ، وهو أنّ للزّوج النّصف ، وللأمّ الثّلث ، وللجدّ السّدس وللأخت النّصف ، ثمّ يضمّ نصيب الجدّ إلى نصيب الأخت ، ويقسم مجموع النّصيبين بينهما للذّكر مثل حظّ الأنثيين .</p><p> أصل المسألة من ستّةٍ ، وتعول إلى تسعةٍ : للزّوج ثلاثة ، وللأمّ اثنان ، وللجدّ واحد ، وللأخت ثلاثة ، ومجموع النّصيبين أربعة ، فنقسمها على الجدّ والأخت للذّكر مثل حظّ الأنثيين ، وتصحّ من سبعةٍ وعشرين : للزّوج تسعة ، وللأمّ ستّة ، وللجدّ ثمانية ، وللأخت أربعة . فقد جعل زيد هاهنا الأخت ابتداءً صاحبة فرضٍ ، كي لا تحرم الميراث بالمرّة ، وجعلها عصبةً بالآخرة ، كي لا يزيد نصيبها على نصيب الجدّ الّذي هو كالأخ .</p><p> المذهب الثّاني : وهو قول أبي بكرٍ وابن عبّاسٍ رضي الله عنهم ، حاصله : للزّوج النّصف ، وللأمّ الثّلث ، والسّدس الباقي للجدّ ، وتسقط الأخت ، وقد أخذ بهذا أبو حنيفة .</p><p> المذهب الثّالث : وهو قول عمر وابن مسعودٍ ، للزّوج النّصف ، وللأخت النّصف ، وللأمّ السّدس ، وللجدّ السّدس ، وأصلها من ستّةٍ وتعول إلى ثمانيةٍ ، للزّوج ثلاثة ، وثلاثة للأخت أيضاً والجدّ يأخذ سدساً عائلاً وهو واحد ، وكذا الأمّ . وإنّما جعلوا للأمّ السّدس كي لا يفضّلوها على الجدّ . </p><p>صلة الأكدريّة بغيرها من المسائل الملقّبات :</p><p>3 - الأكدريّة إن لم يكن فيها زوج فهي الخرقاء ، وإن لم يكن فيها جدّ كانت المباهلة ، وإن لم يكن فيها أخت كانت إحدى الغرّاوين ، وأحكام هذه المسائل تذكر في ( إرث ) . </p><p></p><p>إكراه *</p><p>التّعريف :</p><p>1 - قال في لسان العرب : أكرهته ، حملته على أمرٍ هو له كاره - وفي مفردات الرّاغب نحوه - ومضى صاحب اللّسان يقول : وذكر اللّه عزّ وجلّ الكره والكره في غير موضعٍ من كتابه العزيز ، واختلف القرّاء في فتح الكاف وضمّها . قال أحمد بن يحيى : ولا أعلم بين الأحرف الّتي ضمّها هؤلاء وبين الّتي فتحوها فرقاً في العربيّة ، ولا في سنّةٍ تتبع . وفي المصباح المنير :" الكَرْه ( بالفتح ) : المشقّة ، وبالضّمّ : القهر ، وقيل : ( بالفتح ) : الإكراه ، " وبالضّمّ " المشقّة . وأكرهته على الأمر إكراهاً : حملته عليه قهراً . يقال : فعلته كَرْهاً " بالفتح " أي إكراهاً - وعليه قوله تعالى : { طوعاً أو كرهاً } فجمع بين الضّدّين .</p><p> ولخصّ ذلك كلّه فقهاؤنا إذ قالوا : الإكراه لغةً : حمل الإنسان على شيءٍ يكرهه ، يقال : أكرهت فلاناً إكراهاً : حملته على أمرٍ يكرهه . والكَرْه " بالفتح " اسم منه ( أي اسم مصدرٍ ) . أمّا الإكراه في اصطلاح الفقهاء فهو : فعل يفعله المرء بغيره ، فينتفي به رضاه ، أو يفسد به اختياره . وعرّفه البزدويّ بأنّه : حمل الغير على أمرٍ يمتنع عنه بتخويفٍ يقدر الحامل على إيقاعه ويصير الغير خائفاً به .</p><p> أو هو : فعل يوجد من المكرِه ( بكسر الرّاء ) فيحدث في المحلّ ( أي المكَره بفتح الرّاء ) معنًى يصير به مدفوعاً إلى الفعل الّذي طلب منه . والمعنى المذكور في هذا التّعريف ، فسّروه بالخوف ، ولو ممّا يفعله الحكّام الظّلمة بالمتّهمين كيداً . فإذا كان الدّافع هو الحياء مثلاً ، أو التّودّد ، فليس بإكراهٍ .</p><p>2 - والفعل - في جانب المكِره ( بكسر الرّاء ) ليس على ما يتبادر منه من خلاف القول ، ولو إشارة الأخرس ، أو مجرّد الكتابة ، بل هو أعمّ ، فيشمل التّهديد - لأنّه من عمل اللّسان - ولو مفهوماً بدلالة الحال من مجرّد الأمر : كأمر السّلطان أو الأمير ، وأمر قاطع الطّريق ، وأمر الخانق الّذي يبدو منه الإصرار .</p><p> والحنفيّة يقولون : أمر السّلطان ، إكراه - وإن لم يتوعّد - وأمر غيره ليس بإكراهٍ ، إلاّ أن يعلم تضمّنه التّهديد بدلالة الحال .</p><p> وغير الحنفيّة يسوّون بين ذوي البطش والسّطوة أيّاً كانوا ، وصاحب المبسوط نفسه من الحنفيّة يقول : إنّ من عادة المتجبّرين التّرفّع عن التّهديد بالقتل ، ولكنّهم لا يعاقبون مخالفيهم إلاّ به .</p><p>3 - ثمّ المراد بالفعل المذكور - فعل واقع على المكَره ( بالفتح ) نفسه - ولو كان تهديداً بأخذ أو حبس ماله الّذي له وقع ، لا التّافه الّذي لا يعتدّ به ، أو تهديداً بالفجور بامرأته إن لم يطلّقها . ويستوي التّهديد المقترن بالفعل المهدّد به - كما في حديث : أخذ عمّار بن ياسرٍ ، وغطّه في الماء ليرتدّ . والتّهديد المجرّد ، خلافاً لمن لم يعتدّ بمجرّد التّهديد ، كأبي إسحاق المروزيّ من الشّافعيّة ، واعتمد . الخرقيّ من الحنابلة ، تمسّكاً بحديث عمّارٍ هذا ، واستدلّ الآخرون بالقياس حيث لا فرق ، وإلاّ توصّل المعتدون إلى أغراضهم - بالتّهديد المجرّد - دون تحمّل تبعةٍ ، أو هلك الواقع عليهم هذا التّهديد إذا رفضوا الانصياع له ، فكان إلقاء بالأيدي في التّهلكة ، وكلاهما محذور لا يأتي الشّرع بمثله . بل في الأثر عن عمر - وفيه انقطاع - ما يفيد هذا التّعميم : ذلك أنّ رجلاً في عهده تدلّى يشتار ( يستخرج ) عسلاً ، فوقفت امرأته على الحبل ، وقالت : طلّقني ثلاثاً ، وإلاّ قطعته ، فذكّرها اللّه والإسلام ، فقالت : لتفعلن ، أو لأفعلن ، فطلّقها ثلاثاً . ورفعت القصّة إلى عمر ، فرأى طلاق الرّجل لغواً ، وردّ عليه المرأة ، ولذا اعتمد ابن قدامة عدم الفرق .</p><p> ويتفرّع على هذا التّفسير أنّه لو وقع التّهديد بقتل رجلٍ لا يمتّ إلى المهدّد بسببٍ ، إن هو لم يدلّ على مكان شخصٍ بعينه يراد للقتل ، فإنّ هذا لا يكون إكراهاً ، حتّى لو أنّه وقعت الدّلالة ممّن طلبت منه ، ثمّ قتل الشّخص المذكور ، لكان الدّالّ معيناً على هذا القتل عن طواعيةٍ إن علم أنّه المقصود - والمعيّن شريك للقاتل عند أكثر أهل العلم ، بشرائط خاصّةٍ - وذهب أبو الخطّاب الحنبليّ إلى أنّ التّهديد في أجنبيٍّ إكراه في الأيمان ، واستظهره ابن رجبٍ .</p><p>4 - والفعل ، في جانب المكرَه ( بفتح الرّاء ) ، هو أيضاً أعمّ من فعل اللّسان وغيره ، إلاّ أنّ أفعال القلوب لا تقبل الإكراه ، فيشمل القول بلا شكٍّ .</p><p> وفيما يسمّيه فقهاؤنا بالمصادرة في أبواب البيوع وما إليها ، الفعل الّذي يطلب من المكَره ( بالفتح ) دفع المال وغرامته ، لا سبب الحصول عليه من بيعٍ أو غيره - كاستقراضٍ - فيصحّ السّبب ويلزم وإن علم أنّه لا مخلص له إلاّ بسببٍ معيّنٍ ، إلاّ أنّ المكرِه ( بالكسر ) لم يعيّنه له في إكراهه إيّاه . ولذا قالوا : إنّ الحيلة في جعل السّبب مكرهاً عليه ، أن يقول : المكرَه ( بالفتح ) : من أين أتى بالمال ؟ فإذا عيّن له المكرِه ( بالكسر ) سبباً ، كأن قال له : بع كذا ، أو عند ابن نجيمٍ اقتصر على الأمر بالبيع دون تعيين المبيع ، وقع هذا السّبب المعيّن تحت طائلة الإكراه .</p><p> ولم يخالف في هذا إلاّ المالكيّة - باستثناء ابن كنانة ومتابعيه - إذ جعلوا السّبب أيضاً مكرهاً عليه بإطلاقٍ .</p><p> ويشمل التّهديد بإيذاء الغير ، ممّن يحبّه من وقع عليه التّهديد - على الشّرط المعتبر فيما يحصل به الإكراه من أسبابه المتعدّدة - بشريطة أن يكون ذلك المحبوب رحماً محرماً ، أو - كما زاد بعضهم - زوجةً .</p><p> والمالكيّة ، وبعض الحنابلة يقيّدونه بأن يكون ولداً وإن نزل ، أو والداً وإن علا . والشّافعيّة - وخرّجه صاحب القواعد الأصوليّة من الحنابلة - لا يقيّدونه إلاّ بكونه ممّن يشقّ على المكرَه ( بالفتح ) إيذاؤه مشقّةً شديدةً كالزّوجة ، والصّديق ، والخادم . ومال إليه بعض الحنابلة . حتّى لقد اعتمد بعض الشّافعيّة أنّ من الإكراه ما لو قال الوالد لولده ، أو الولد لوالده ( دون غيرهما ) : طلّق زوجتك ، وإلاّ قتلت نفسي ، بخلاف ما لو قال : وإلاّ كفرت ، لأنّه يكفر في الحال .</p><p> وفي التّقييد بالولد أو الوالد نظر لا يخفى .</p><p> كما أنّه يصدق على نحو الإلقاء من شاهقٍ أي : الإلجاء بمعناه الحقيقيّ المنافي للقدرة الممكنة من الفعل والتّرك .</p><p> والمالكيّة - وجاراهم ابن تيميّة - اكتفوا بظنّ الضّرر من جانب المكرَه ( بالفتح ) إن لم يفعل ، وعبارتهم : يكون ( أي الإكراه ) بخوف مؤلمٍ .</p><p>الألفاظ ذات الصّلة :</p><p>5 - الرّضى والاختيار :</p><p> الرّضى لغةً : الاختيار . يقال : رضيت الشّيء ورضيت به : اخترته . والاختيار لغةً : أخذ ما يراه خيراً .</p><p> وأمّا في الاصطلاح ، فإنّ جمهور الفقهاء لم يفرّقوا بين الرّضى والاختيار ، لكن ذهب الحنفيّة إلى التّفرقة بينهما .</p><p> فالرّضى عندهم هو : امتلاء الاختيار وبلوغه نهايته ، بحيث يفضي أثره إلى الظّاهر من ظهور البشاشة في الوجه ونحوها .</p><p> أو هو : إيثار الشّيء واستحسانه . والاختيار عند الحنفيّة هو : القصد إلى مقدورٍ متردّدٍ بين الوجود والعدم بترجيح أحد جانبيه على الآخر . أو هو : القصد إلى الشّيء وإرادته . </p><p>حكم الإكراه :</p><p>6 - الإكراه بغير حقٍّ ليس محرّماً فحسب ، بل هو إحدى الكبائر ، لأنّه أيضاً ينبئ بقلّة الاكتراث بالدّين ، ولأنّه من الظّلم . وقد جاء في الحديث القدسيّ : « يا عبادي إنّي حرّمت الظّلم على نفسي وجعلته بينكم محرّماً فلا تظالموا ... » . </p><p>شرائط الإكراه</p><p> الشّريطة الأولى :</p><p>7 - قدرة المكرِه ( بالكسر ) على إيقاع ما هدّد به ، لكونه متغلّباً ذا سطوةٍ وبطشٍ - وإن لم يكن سلطاناً ولا أميراً - ذلك أنّ تهديد غير القادر لا اعتبار له .</p><p> الشّريطة الثّانية :</p><p>8 - خوف المكرَه ( بفتح الرّاء ) من إيقاع ما هدّد به ، ولا خلاف بين الفقهاء في تحقّق الإكراه إذا كان المخوف عاجلاً . فإن كان آجلاً ، فذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة والأذرعيّ من الشّافعيّة إلى تحقّق الإكراه مع التّأجيل . وذهب جماهير الشّافعيّة إلى أنّ الإكراه لا يتحقّق مع التّأجيل ، ولو إلى الغد . والمقصود بخوف الإيقاع غلبة الظّنّ ، ذلك أنّ غلبة الظّنّ معتبرة عند عدم الأدلّة ، وتعذّر التّوصّل إلى الحقيقة .</p><p> الشّريطة الثّالثة :</p><p>9 - أن يكون ما هدّد به قتلاً أو إتلاف عضوٍ ، ولو بإذهاب قوّته مع بقائه كإذهاب البصر ، أو القدرة على البطش أو المشي مع بقاء أعضائها ، أو غيرهما ممّا يوجب غمّاً يعدم الرّضا ، ومنه تهديد المرأة بالزّنى ، والرّجل باللّواط .</p><p> أمّا التّهديد بالإجاعة ، فيتراوح بين هذا وذاك ، فلا يصير ملجئاً إلاّ إذا بلغ الجوع بالمكره ( بالفتح ) حدّ خوف الهلاك .</p><p> ثمّ الّذي يوجب غمّاً يعدم الرّضا يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال : فليس الأشراف كالأراذل ، ولا الضّعاف كالأقوياء ، ولا تفويت المال اليسير كتفويت المال الكثير ، والنّظر في ذلك مفوّض إلى الحاكم ، يقدّر لكلّ واقعةٍ قدرها .</p><p> الشّريطة الرّابعة :</p><p>10 - أن يكون المكره ممتنعاً عن الفعل المكره عليه لولا الإكراه ، إمّا لحقّ نفسه - كما في إكراهه على بيع ماله - وإمّا لحقّ شخصٍ آخر ، وإمّا لحقّ الشّرع - كما في إكراهه ظلماً على إتلاف مال شخصٍ آخر ، أو نفس هذا الشّخص ، أو الدّلالة عليه لذلك أو على ارتكاب موجب حدٍّ في خالص حقّ اللّه ، كالزّنى وشرب الخمر .</p><p> الشّريطة الخامسة :</p><p>11 - أن يكون محلّ الفعل المكره عليه متعيّناً . وهذا عند الشّافعيّة وبعض الحنابلة على إطلاقه . وفي حكم المتعيّن عند الحنفيّة ، ومن وافقهم من الحنابلة ما لو خيّر بين أمورٍ معيّنةٍ . ويتفرّغ على هذا حكم المصادرة الّتي سلف ذكره في فقرةٍ .</p><p> ومنه يستنبط أنّ موقف المالكيّة في حالة الإبهام أدنى إلى مذهب الحنفيّة ، بل أوغل في الاعتداد بالإكراه حينئذٍ ، لأنّهم لم يشترطوا أن يكون مجال الإبهام أموراً معيّنةً .</p><p> أمّا الإكراه على طلاق إحدى هاتين المرأتين ، أو قتل أحد هذين الرّجلين ، فمن مسائل الخلاف الّذي صدّرنا به هذه الشّريطة : فعند الحنفيّة والمالكيّة ، ومعهم موافقون من الشّافعيّة والحنابلة ، يتحقّق الإكراه برغم هذا التّخيير .</p><p> وعند جماهير الشّافعيّة ، وقلّةٍ من الحنابلة ، لا يتحقّق ، لأنّ له مندوحةً عن طلاق كلٍّ بطلاق الأخرى - وكذا في القتل - نتيجة عدم تعيين المحلّ . والتّفصيل في الفصل الثّاني . الشّريطة السّادسة :</p><p>12 - ألاّ يكون للمكره مندوحة عن الفعل المكره عليه ، فإن كانت له مندوحة عنه ، ثمّ فعله لا يكون مكرهاً عليه ، وعلى هذا لو خيّر المكره بين أمرين فإنّ الحكم يختلف تبعاً لتساوي هذين الأمرين أو تفاوتهما من حيث الحرمة والحلّ ، وتفصيل الكلام في ذلك كما يلي :</p><p> إنّ الأمرين المخيّر بينهما إمّا أن يكون كلّ واحدٍ منهما محرّماً لا يرخّص فيه ، ولا يباح أصلاً ، كما لو وقع التّخيير بين الزّنى والقتل .</p><p> أو يكون كلّ واحدٍ منهما محرّماً يرخّص فيه عند الضّرورة ، كما لو وقع التّخيير بين الكفر وإتلاف مال الغير . أو يكون كلّ واحدٍ منهما محرّماً يباح عند الضّرورة ، كما لو وقع التّخيير بين أكل الميتة وشرب الخمر . أو يكون كلّ واحدٍ منهما مباحاً أصالةً أو للحاجة ، كما لو وقع التّخيير بين طلاق امرأته وبيع شيءٍ من ماله ، أو بين جمع المسافر الصّلاة في الحجّ وفطره في نهار رمضان .</p><p> ففي هذه الصّور الأربع الّتي يكون الأمران المخيّر بينهما متساويين في الحرمة أو الحلّ ، يترتّب حكم الإكراه على فعل أيّ واحدٍ من الأمرين المخيّر بينهما ، وهو الحكم الّذي سيجيء تقريره بخلافاته وكلّ ما يتعلّق به ، لأنّ الإكراه في الواقع ليس إلاّ على الأحد الدّائر دون تفاوتٍ ، وهذا لا تعدّد فيه ، ولا يتحقّق إلاّ في معيّنٍ ، وقد خالف في هذا أكثر الشّافعيّة وبعض الحنابلة ، فنفوا حصول الإكراه في هذه الصّور .</p><p> وإن تفاوت الأمران المخيّر بينهما ، فإن كان أحدهما محرّماً لا يرخّص فيه ولا يباح بحالٍ كالزّنى والقتل ، فإنّه لا يكون مندوحةً ، ويكون الإكراه واقعاً على المقابل له ، سواء أكان هذا المقابل محرّماً يرخّص فيه عند الضّرورة ، كالكفر وإتلاف مال الغير ، أم محرّماً يباح عند الضّرورة ، كأكل الميتة وشرب الخمر ، أم مباحاً أصالةً أو للحاجة ، كبيعٍ كشيءٍ معيّنٍ من مال المكره ، والإفطار في نهار رمضان ، ويترتّب على هذا الإكراه حكمه الّذي سيجيء تفصيله بخلافاته .</p><p> وتكون هذه الأفعال مندوحةً مع المحرّم الّذي لا يرخّص فيه ولا يباح بحالٍ ، أمّا هو فإنّه لا يمكن مندوحةً لواحدٍ منها ، ففي الصّور الثّلاث المذكور آنفاً ، وهي ما لو وقع التّخيير بين الزّنى أو القتل وبين الكفر أو إتلاف مال الغير ، أو وقع التّخيير بين الزّنى أو القتل وبين أكل الميتة أو شرب الخمر ، أو وقع التّخيير بين الزّنى أو القتل وبين بيع شيءٍ معيّنٍ من المال ، فإنّ الزّنى أو القتل لا يكون مكرهاً عليه ، فمن فعل واحداً منهما كان فعله صادرا عن طواعيةٍ لا إكراهٍ ، فيترتّب عليه أثره إذا كان الإكراه ملجئاً حتّى يتحقّق الإذن في فعل المندوحة ، وكان الفاعل عالماً بالإذن له في فعل المندوحة عند الإكراه .</p><p> وإن كان أحد الأمرين المخيّر بينهما محرّماً يرخّص فيه عند الضّرورة ، والمقابل له محرّماً يباح عند الضّرورة ، كما لو وقع التّخيير بين الكفر أو إتلاف مال الغير ، وبين أكل الميتة أو شرب الخمر ، فإنّهما يكونان في حكم الأمرين المتساويين في الإباحة ، فلا يكون أحدهما مندوحةً عن فعل الآخر ، ويكون الإكراه واقعاً على فعل كلّ واحدٍ من الأمرين المخيّر بينهما ، متى كان بأمرٍ متلفٍ للنّفس أو لأحد الأعضاء .</p><p> وإن كان أحد الأمرين محرّماً يرخّص فيه أو يباح عند الضّرورة ، والمقابل له مباحاً أصالةً أو للحاجة ، كما لو وقع التّخيير بين الكفر أو شرب الخمر ، وبين بيع شيءٍ من مال المكره أو الفطر في نهار رمضان ، فإنّ المباح في هذه الحالة يكون مندوحةً عن الفعل المحرّم الّذي يرخّص فيه أو يباح عند الضّرورة ، وعلى هذا يظلّ على تحريمه ، سواء كان الإكراه بمتلفٍ للنّفس أو العضو أو بغير متلفٍ لأحدهما ، لأنّ الإكراه بغير المتلف لا يزيل الحظر عند الحنفيّة مطلقاً ، والإكراه بمتلفٍ - وإن كان يزيل الحظر - إلاّ أنّ إزالته له بطريق الاضطرار ، ولا اضطرار مع وجود المقابل المباح . </p><p>تقسيم الإكراه</p><p>ينقسم الإكراه إلى : إكراهٍ بحقٍّ ، وإكراهٍ بغير حقٍّ . والإكراه بغير حقٍّ ينقسم إلى إكراهٍ ملجئٍ ، وإكراهٍ غير ملجئٍ .</p><p>أوّلاً : الإكراه بحقٍّ :</p><p> تعريفه :</p><p>13 - هو الإكراه المشروع ، أي الّذي لا ظلم فيه ولا إثم . وهو ما توافر فيه أمران : الأوّل : أن يحقّ للمكره التّهديد بما هدّد به . الثّاني : أن يكون المكره عليه ممّا يحقّ للمكره الإلزام به . وعلى هذا فإكراه المرتدّ على الإسلام إكراه بحقٍّ ، حيث توافر فيه الأمران ، وكذلك إكراه المدين القادر على وفاء الدّين ، وإكراه المولي على الرّجوع إلى زوجته أو طلاقها إذا مضت مدّة الإيلاء .</p><p>أثره :</p><p>14 - والعلماء عادةً يقولون : إنّ الإكراه بحقٍّ ، لا ينافي الطّوع الشّرعيّ - وإلاّ لم تكن له فائدة ، ويجعلون من أمثلته إكراه العنّين على الفرقة ، ومن عليه النّفقة على الإنفاق ، والمدين والمحتكر على البيع ، وكذلك من له أرض بجوار المسجد أو المقبرة أو الطّريق يحتاج إليها من أجل التّوسيع ، ومن معه طعام يحتاجه مضطرّ .</p><p>ثانياً : الإكراه بغير حقٍّ :</p><p> تعريفه :</p><p>15 - الإكراه بغير حقٍّ هو الإكراه ظلماً ، أو الإكراه المحرّم ، لتحريم وسيلته ، أو لتحريم المطلوب به . ومنه إكراه المفلس على بيع ما يترك له .. </p><p>الإكراه الملجئ والإكراه غير الملجئ :</p><p>16 - تقسيم الإكراه إلى ملجئٍ وغير ملجئٍ يتفرّد به الحنفيّة .</p><p> فالإكراه الملجئ عندهم هو الّذي يكون بالتّهديد بإتلاف النّفس أو عضوٍ منها ، أو بإتلاف جميع المال ، أو بقتل من يهمّ الإنسان أمره .</p><p> وحكم هذا النّوع أنّه يعدم الرّضى ويفسد الاختيار ولا يعدمه . أمّا إعدامه للرّضى ، فلأنّ الرّضا هو الرّغبة في الشّيء والارتياح إليه ، وهذا لا يكون مع أيّ إكراهٍ .</p><p> وأمّا إفساده للاختيار دون إعدامه ، فلأنّ الاختيار هو : القصد إلى فعل الشّيء أو تركه بترجيحٍ من الفاعل ، وهذا المعنى لا يزول بالإكراه ، فالمكره يوقع الفعل بقصده إليه ، إلاّ أنّ هذا القصد تارةً يكون صحيحاً سليماً ، إذا كان منبعثاً عن رغبةٍ في العمل ، وتارةً يكون فاسداً ، إذا كان ارتكاباً لأخفّ الضّررين ، وذلك كمن أكره على أحد أمرين كلاهما شرّ ، ففعل أقلّهما ضرراً به ، فإنّ اختياره لما فعله لا يكون اختياراً صحيحاً ، بل اختياراً فاسداً . والإكراه غير الملجئ هو : الّذي يكون بما لا يفوّت النّفس أو بعض الأعضاء ، كالحبس لمدّةٍ قصيرةٍ ، والضّرب الّذي لا يخشى منه القتل أو تلف بعض الأعضاء .</p><p> وحكم هذا النّوع أنّه يعدم الرّضا ولكن لا يفسد الاختيار ، وذلك لعدم اضطرار المكره إلى الإتيان بما أكره عليه ، لتمكّنه من الصّبر على تحمّل ما هدّد به بخلاف النّوع الأوّل .</p><p>17 - أمّا غير الحنفيّة فلم يقسّموا الإكراه إلى ملجئٍ وغير ملجئٍ كما فعل الحنفيّة ، ولكنّهم تكلّموا عمّا يتحقّق به الإكراه وما لا يتحقّق ، وممّا قرّروه في هذا الموضوع يؤخذ أنّهم جميعاً يقولون بما سمّاه الحنفيّة إكراهاً ملجئاً ، أمّا ما يسمّى بالإكراه غير الملجئ فإنّهم يختلفون فيه ، فعلى إحدى الرّوايتين عن الشّافعيّ وأحمد يعتبر إكراهاً ، وعلى الرّواية الأخرى لا يعتبر إكراهاً .</p><p> أمّا عند المالكيّة فإنّه لا يعتبر إكراهاً بالنّسبة لبعض المكره عليه ، ويعتبر إكراهاً بالنّسبة للبعض الآخر ، فمن المكره عليه الّذي لا يعتبر الإكراه غير الملجئ إكراهاً فيه : الكفر بالقول أو الفعل ، والمعصية الّتي تعلّق بها حقّ لمخلوقٍ ، كالقتل أو القطع ، والزّنى بامرأةٍ مكرهةٍ أو لها زوج ، وسبّ نبيٍّ أو ملكٍ أو صحابيٍّ ، أو قذفٍ لمسلمٍ .</p><p> ومن المكره عليه الّذي يعتبر الإكراه غير الملجئ إكراهاً فيه : شرب الخمر ، وأكل الميتة ، والطّلاق والأيمان والبيع وسائر العقود والحلول والآثار . </p><p>أثر الإكراه :</p><p>18 - هذا الأثر موضع خلافٍ ، بين الحنفيّة وغير الحنفيّة ، على النّحو الآتي :</p><p> أثر الإكراه عند الحنفيّة :</p><p>19 - يختلف أثر الإكراه عند الحنفيّة باختلاف القول أو الفعل الّذي يقع الإكراه عليه ، فإن كان المكره عليه من الإقرارات ، كان أثر الإكراه إبطال الإقرار وإلغاءه ، سواء كان الإكراه ملجئاً أم غير ملجئٍ . فمن أكره على الاعتراف بمالٍ أو زواجٍ أو طلاقٍ كان اعترافه باطلاً ، ولا يعتدّ به شرعاً ، لأنّ الإقرار إنّما جعل حجّةً في حقّ المقرّ باعتبار ترجّح جانب الصّدق فيه على جانب الكذب ، ولا يتحقّق هذا التّرجيح مع الإكراه ، إذ هو قرينة قويّة على أنّ المقرّ لا يقصد بإقراره الصّدق فيما أقرّ به ، وإنّما يقصد دفع الضّرر الّذي هدّد به عن نفسه . وإن كان المكره عليه من العقود والتّصرّفات الشّرعيّة كالبيع والإجارة والرّهن ونحوها كان أثر الإكراه فيها إفسادها لا إبطالها ، فيترتّب عليها ما يترتّب على العقد الفاسد ، حسب ما هو مقرّر في المذهب أنّه ينقلب صحيحاً لازماً بإجازة المكره ، وكذلك لو قبض المكره الثّمن ، أو سلّم المبيع طوعاً ، يترتّب عليه صحّة البيع ولزومه .</p><p> وحجّتهم في ذلك أنّ الإكراه عندهم لا يعدم الاختيار الّذي هو ترجيح فعل الشّيء على تركه أو العكس ، وإنّما يعدم الرّضى الّذي هو الارتياح إلى الشّيء والرّغبة فيه ، والرّضى ليس ركناً من أركان هذه التّصرّفات ولا شرطاً من شروط انعقادها ، وإنّما هو شرط من شروط صحّتها ، فإذن فقد ترتّب على فقدانه فساد العقد لا بطلانه . ولكنّهم استثنوا من ذلك بعض التّصرّفات ، فقالوا بصحّتهما مع الإكراه ، ولو كان ملجئاً ، ومن هذه التّصرّفات : الزّواج والطّلاق ومراجعة الزّوجة والنّذر واليمين . وعلّلوا هذا بأنّ الشّارع اعتبر اللّفظ في هذه التّصرّفات - عند القصد إليه - قائماً مقام إرادة معناه ، فإذا وجد اللّفظ ترتّب عليه أثره الشّرعيّ ، وإن لم يكن لقائله قصد إلى معناه ، كما في الهازل ، فإنّ الشّارع اعتبر هذه التّصرّفات صحيحةً إذا صدرت منه ، مع انعدام قصده إليها ، وعدم رضاه بما يترتّب عليها من الآثار . وإن كان المكره عليه من الأفعال ، كالإكراه على قتل من لا يحلّ قتله ، أو إتلاف مالٍ لغيره أو شرب الخمر وما أشبه ذلك ، فالحكم فيها يختلف باختلاف نوع الإكراه والفعل المكره عليه .</p><p>20 - فإن كان الإكراه غير ملجئٍ - وهو الّذي يكون بما لا يفوّت النّفس ، أو بعض الأعضاء كالحبس لمدّةٍ قصيرةٍ ، أو أخذ المال اليسير ، ونحو ذلك - فلا يحلّ الإقدام على الفعل . وإذا أقدم المكرَه ( بالفتح ) على الفعل بناءً على هذا الإكراه كانت المسئوليّة عليه وحده ، لا على من أكرهه</p><p> 21 - وإن كان الإكراه ملجئاً - وهو الّذي يكون بالقتل أو تفويت بعض الأعضاء أو العمل المهين لذي الجاه - فالأفعال بالنّسبة إليه أربعة أنواعٍ :</p><p>أ - أفعال أباحها الشّارع أصالةً دون إكراهٍ كالأكل والشّرب ، فإنّه إذا أكره على ارتكابها وجب على المكرَه ( بالفتح ) أن يرتكب أخفّ الضّررين .</p><p>ب - أفعال أباح الشّارع إتيانها عند الضّرورة ، كشرب الخمر وأكل لحم الميتة أو الخنزير ، وغير ذلك من كلّ ما حرّم لحقّ اللّه لا لحقّ الآدميّ ، فالعقل - مع الشّرع - يوجبان ارتكاب أخفّ الضّررين .</p><p> فهذه يباح للمكره فعلها ، بل يجب عليه الإتيان . بها ، إذا ترتّب على امتناعه قتل نفسه أو تلف عضوٍ من أعضائه ، لأنّ اللّه تعالى أباحها عند الضّرورة بقوله عزّ من قائلٍ : { إنّما حرّم عليكم الميتة والدّم ولحم الخنزير وما أهلّ به لغير اللّه ، فمن اضطرّ غير باغٍ ولا عادٍ فلا إثم عليه إنّ اللّه غفور رحيم } .</p><p> ولا شكّ أنّ الإكراه الملجئ من الضّرورة الّتي رفع اللّه الإثم فيها ، فيباح الفعل عند تحقّقها ، وتناول المباح دفعاً للهلاك عن النّفس أو بعض أجزائها واجب ، فلا يجوز تركه ، ولو شرب الخمر مكرهاً لم يحدّ ، لأنّه لا جناية حينئذٍ ، والحدّ إنّما شرع زجراً عن الجنايات .</p><p>ج - أفعال رخّص الشّارع في فعلها عند الضّرورة ، إلاّ أنّه لو صبر المكره على تحمّل الأذى ، ولم يفعلها حتّى مات ، كان مثاباً من اللّه تعالى ، وذلك كالكفر باللّه تعالى أو الاستخفاف بالدّين ، فإذا أكره الإنسان على الإتيان بشيءٍ من ذلك جاز له الفعل متى كان قلبه مطمئنّاً بالإيمان ، لقول اللّه عزّ وجلّ { إلاّ من أكره وقلبه مطمئنّ بالإيمان } .</p><p> ومن السّنّة ما جاء بإسنادٍ صحيحٍ عند الحاكم والبيهقيّ وغيرهما عن محمّد بن عمّارٍ عن أبيه « أخذ المشركون عمّار بن ياسرٍ ، فلم يتركوه حتّى سبّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم وذكر آلهتهم بخيرٍ ، فلمّا أتى النّبيّ عليه الصلاة والسلام قال : ما وراءك ؟ قال : شرّ ، يا رسول اللّه ، ما تركت حتّى نلت منك ، وذكرت آلهتهم بخيرٍ ، قال صلى الله عليه وسلم : فكيف تجد قلبك ؟ قال : مطمئنّاً بالإيمان ، قال صلى الله عليه وسلم : فإن عادوا فعد » . </p><p>وقد ألحق علماء المذهب بهذا النّوع الإكراه على إفساد صوم رمضان ، أو ترك الصّلاة المفروضة ، أو إتلاف مال الغير ، فإنّ المكره لو صبر وتحمّل الأذى ، ولم يفعل ما أكره عليه كان مثاباً ، وإن فعل شيئاً منها فلا إثم عليه ، وكان الضّمان في صورة الإتلاف على الحامل عليه لا على الفاعل ، لأنّ فعل الإتلاف يمكن أن ينسب إلى الحامل بجعل الفاعل آلةً له ، فيثبت الضّمان عليه .</p></blockquote><p></p>
[QUOTE="ابن عامر الشامي, post: 40953, member: 329"] الحكم التّكليفيّ : 4 - أ - ذهب الفقهاء إلى أنّ الاكتساب فرض على المحتاج إليه إذا كان قادراً عليه ، لأنّه به يقوم المكلّف بما وجب عليه من التّكاليف الماليّة ، من الإنفاق على النّفس والزّوجة والأولاد الصّغار ، والأبوين المعسرين ، والجهاد في سبيل اللّه وغير ذلك . ب - ويفصّل ابن مفلحٍ الحنبليّ حكم الاكتساب بحسب أحوال المكتسب ، وخلاصة كلامه : يسنّ التّكسّب مع توفّر الكفاية للمكتسب ، قال المروزيّ : سمعت رجلاً يقول لأبي عبد اللّه أحمد بن حنبلٍ : إنّي في كفايةٍ ، قال الإمام أحمد : الزم السّوق تصل به رحمك ، وتعد به على نفسك . ويباح التّكسّب لزيادة المال والجاه والتّرفّه والتّنعّم والتّوسعة على العيال ، مع سلامة الدّين والعرض والمروءة وبراءة الذّمّة . ويجب التّكسّب على من لا قوت له ولمن تلزمه نفقته ، وعلى من عليه دين أو نذر طاعةٍ أو كفّارة . وقد فصّل الفقهاء ذلك في أبواب النّفقة . ويرى الماورديّ - الشّافعيّ - في كتابه أدب الدّنيا والدّين : أنّ طلب المرء من الكسب قدر كفايته ، والتماسه منه وفق حاجته هو أحمد أحوال الطّالبين ، وأعدل مراتب القاصدين . من لا يكلّف الاكتساب : 5 - أ - لا تكلّف المرأة الاكتساب للإنفاق على نفسها أو على غيرها ، وتكون نفقتها إن كانت فقيرةً واجبةً على غيرها ، سواء كانت متزوّجةً أم ليست بذات زوجٍ . ب - ولا يكلّف الصّغير الّذي ليس بأهلٍ للكسب الاكتساب ، ومن جملة هذه الأهليّة القدرة الجسديّة والفكريّة الّتي يفرّق فيها بين الحلال والحرام ، لما روى الإمام مالك في الموطّأ عن عثمان بن عفّان أنّه قال : لا تكلّفوا الصّغير الكسب ، فإنّه إذا لم يجد سرق . أمّا الكبير فإنّه يكلّف الاكتساب كما تقدّم . طرق الاكتساب : 6 - إذا كان الاكتساب لا بدّ فيه من بذل الجهد - على خلاف الكسب الّذي قد يكون ببذل الجهد ، وقد يكون بغير بذل جهدٍ - فإنّه لا يكون إلاّ بالعمل ، وعندئذٍ يشترط في العمل أن يكون حلالاً ، فلا يجوز الاكتساب بتقديم الخمر لشاربيه ، سواء احترف ذلك أم لم يحترفه ، كما يكره الاكتساب عن طريق حرفةٍ وضيعةٍ بقيودٍ وشروطٍ ذكرت في ( احتراف ) . أكدريّة * التّعريف : 1 - الأكدريّة هي : إحدى المسائل الملقّبات في الفرائض ، وهي زوج ، وأمّ ، وجدّ ، وأخت لأبٍ وأمٍّ ، أو لأبٍ . ولقّبت هذه المسألة بالأكدريّة ، لأنّها واقعة امرأةٍ من بني أكدر ماتت وخلّفت أولئك الورثة المذكورين ، واشتبه على زيدٍ مذهبه فيها فنسبت إليها . وقيل : إنّ شخصاً من هذه القبيلة كان يحسن مذهب زيدٍ في الفرائض ، فسأله عبد الملك بن مروان عن هذه المسألة فأخطأ في جوابها ، فنسبت إلى قبيلته . وقيل : سمّيت بذلك لأنّها كدّرت على زيد بن ثابتٍ أصوله في التّوريث ، وقيل : لأنّ الجدّ كدّر على الأخت نصيبها ، وأهل العراق يسمّونها الغرّاء ، لشهرتها فيما بينهم . وللعلماء في هذه المسألة ثلاثة مذاهب : 2 - أحدها : مذهب زيد بن ثابتٍ رضي الله عنه ، وبه أخذ الشّافعيّة والحنابلة ، وهو أنّ للزّوج النّصف ، وللأمّ الثّلث ، وللجدّ السّدس وللأخت النّصف ، ثمّ يضمّ نصيب الجدّ إلى نصيب الأخت ، ويقسم مجموع النّصيبين بينهما للذّكر مثل حظّ الأنثيين . أصل المسألة من ستّةٍ ، وتعول إلى تسعةٍ : للزّوج ثلاثة ، وللأمّ اثنان ، وللجدّ واحد ، وللأخت ثلاثة ، ومجموع النّصيبين أربعة ، فنقسمها على الجدّ والأخت للذّكر مثل حظّ الأنثيين ، وتصحّ من سبعةٍ وعشرين : للزّوج تسعة ، وللأمّ ستّة ، وللجدّ ثمانية ، وللأخت أربعة . فقد جعل زيد هاهنا الأخت ابتداءً صاحبة فرضٍ ، كي لا تحرم الميراث بالمرّة ، وجعلها عصبةً بالآخرة ، كي لا يزيد نصيبها على نصيب الجدّ الّذي هو كالأخ . المذهب الثّاني : وهو قول أبي بكرٍ وابن عبّاسٍ رضي الله عنهم ، حاصله : للزّوج النّصف ، وللأمّ الثّلث ، والسّدس الباقي للجدّ ، وتسقط الأخت ، وقد أخذ بهذا أبو حنيفة . المذهب الثّالث : وهو قول عمر وابن مسعودٍ ، للزّوج النّصف ، وللأخت النّصف ، وللأمّ السّدس ، وللجدّ السّدس ، وأصلها من ستّةٍ وتعول إلى ثمانيةٍ ، للزّوج ثلاثة ، وثلاثة للأخت أيضاً والجدّ يأخذ سدساً عائلاً وهو واحد ، وكذا الأمّ . وإنّما جعلوا للأمّ السّدس كي لا يفضّلوها على الجدّ . صلة الأكدريّة بغيرها من المسائل الملقّبات : 3 - الأكدريّة إن لم يكن فيها زوج فهي الخرقاء ، وإن لم يكن فيها جدّ كانت المباهلة ، وإن لم يكن فيها أخت كانت إحدى الغرّاوين ، وأحكام هذه المسائل تذكر في ( إرث ) . إكراه * التّعريف : 1 - قال في لسان العرب : أكرهته ، حملته على أمرٍ هو له كاره - وفي مفردات الرّاغب نحوه - ومضى صاحب اللّسان يقول : وذكر اللّه عزّ وجلّ الكره والكره في غير موضعٍ من كتابه العزيز ، واختلف القرّاء في فتح الكاف وضمّها . قال أحمد بن يحيى : ولا أعلم بين الأحرف الّتي ضمّها هؤلاء وبين الّتي فتحوها فرقاً في العربيّة ، ولا في سنّةٍ تتبع . وفي المصباح المنير :" الكَرْه ( بالفتح ) : المشقّة ، وبالضّمّ : القهر ، وقيل : ( بالفتح ) : الإكراه ، " وبالضّمّ " المشقّة . وأكرهته على الأمر إكراهاً : حملته عليه قهراً . يقال : فعلته كَرْهاً " بالفتح " أي إكراهاً - وعليه قوله تعالى : { طوعاً أو كرهاً } فجمع بين الضّدّين . ولخصّ ذلك كلّه فقهاؤنا إذ قالوا : الإكراه لغةً : حمل الإنسان على شيءٍ يكرهه ، يقال : أكرهت فلاناً إكراهاً : حملته على أمرٍ يكرهه . والكَرْه " بالفتح " اسم منه ( أي اسم مصدرٍ ) . أمّا الإكراه في اصطلاح الفقهاء فهو : فعل يفعله المرء بغيره ، فينتفي به رضاه ، أو يفسد به اختياره . وعرّفه البزدويّ بأنّه : حمل الغير على أمرٍ يمتنع عنه بتخويفٍ يقدر الحامل على إيقاعه ويصير الغير خائفاً به . أو هو : فعل يوجد من المكرِه ( بكسر الرّاء ) فيحدث في المحلّ ( أي المكَره بفتح الرّاء ) معنًى يصير به مدفوعاً إلى الفعل الّذي طلب منه . والمعنى المذكور في هذا التّعريف ، فسّروه بالخوف ، ولو ممّا يفعله الحكّام الظّلمة بالمتّهمين كيداً . فإذا كان الدّافع هو الحياء مثلاً ، أو التّودّد ، فليس بإكراهٍ . 2 - والفعل - في جانب المكِره ( بكسر الرّاء ) ليس على ما يتبادر منه من خلاف القول ، ولو إشارة الأخرس ، أو مجرّد الكتابة ، بل هو أعمّ ، فيشمل التّهديد - لأنّه من عمل اللّسان - ولو مفهوماً بدلالة الحال من مجرّد الأمر : كأمر السّلطان أو الأمير ، وأمر قاطع الطّريق ، وأمر الخانق الّذي يبدو منه الإصرار . والحنفيّة يقولون : أمر السّلطان ، إكراه - وإن لم يتوعّد - وأمر غيره ليس بإكراهٍ ، إلاّ أن يعلم تضمّنه التّهديد بدلالة الحال . وغير الحنفيّة يسوّون بين ذوي البطش والسّطوة أيّاً كانوا ، وصاحب المبسوط نفسه من الحنفيّة يقول : إنّ من عادة المتجبّرين التّرفّع عن التّهديد بالقتل ، ولكنّهم لا يعاقبون مخالفيهم إلاّ به . 3 - ثمّ المراد بالفعل المذكور - فعل واقع على المكَره ( بالفتح ) نفسه - ولو كان تهديداً بأخذ أو حبس ماله الّذي له وقع ، لا التّافه الّذي لا يعتدّ به ، أو تهديداً بالفجور بامرأته إن لم يطلّقها . ويستوي التّهديد المقترن بالفعل المهدّد به - كما في حديث : أخذ عمّار بن ياسرٍ ، وغطّه في الماء ليرتدّ . والتّهديد المجرّد ، خلافاً لمن لم يعتدّ بمجرّد التّهديد ، كأبي إسحاق المروزيّ من الشّافعيّة ، واعتمد . الخرقيّ من الحنابلة ، تمسّكاً بحديث عمّارٍ هذا ، واستدلّ الآخرون بالقياس حيث لا فرق ، وإلاّ توصّل المعتدون إلى أغراضهم - بالتّهديد المجرّد - دون تحمّل تبعةٍ ، أو هلك الواقع عليهم هذا التّهديد إذا رفضوا الانصياع له ، فكان إلقاء بالأيدي في التّهلكة ، وكلاهما محذور لا يأتي الشّرع بمثله . بل في الأثر عن عمر - وفيه انقطاع - ما يفيد هذا التّعميم : ذلك أنّ رجلاً في عهده تدلّى يشتار ( يستخرج ) عسلاً ، فوقفت امرأته على الحبل ، وقالت : طلّقني ثلاثاً ، وإلاّ قطعته ، فذكّرها اللّه والإسلام ، فقالت : لتفعلن ، أو لأفعلن ، فطلّقها ثلاثاً . ورفعت القصّة إلى عمر ، فرأى طلاق الرّجل لغواً ، وردّ عليه المرأة ، ولذا اعتمد ابن قدامة عدم الفرق . ويتفرّع على هذا التّفسير أنّه لو وقع التّهديد بقتل رجلٍ لا يمتّ إلى المهدّد بسببٍ ، إن هو لم يدلّ على مكان شخصٍ بعينه يراد للقتل ، فإنّ هذا لا يكون إكراهاً ، حتّى لو أنّه وقعت الدّلالة ممّن طلبت منه ، ثمّ قتل الشّخص المذكور ، لكان الدّالّ معيناً على هذا القتل عن طواعيةٍ إن علم أنّه المقصود - والمعيّن شريك للقاتل عند أكثر أهل العلم ، بشرائط خاصّةٍ - وذهب أبو الخطّاب الحنبليّ إلى أنّ التّهديد في أجنبيٍّ إكراه في الأيمان ، واستظهره ابن رجبٍ . 4 - والفعل ، في جانب المكرَه ( بفتح الرّاء ) ، هو أيضاً أعمّ من فعل اللّسان وغيره ، إلاّ أنّ أفعال القلوب لا تقبل الإكراه ، فيشمل القول بلا شكٍّ . وفيما يسمّيه فقهاؤنا بالمصادرة في أبواب البيوع وما إليها ، الفعل الّذي يطلب من المكَره ( بالفتح ) دفع المال وغرامته ، لا سبب الحصول عليه من بيعٍ أو غيره - كاستقراضٍ - فيصحّ السّبب ويلزم وإن علم أنّه لا مخلص له إلاّ بسببٍ معيّنٍ ، إلاّ أنّ المكرِه ( بالكسر ) لم يعيّنه له في إكراهه إيّاه . ولذا قالوا : إنّ الحيلة في جعل السّبب مكرهاً عليه ، أن يقول : المكرَه ( بالفتح ) : من أين أتى بالمال ؟ فإذا عيّن له المكرِه ( بالكسر ) سبباً ، كأن قال له : بع كذا ، أو عند ابن نجيمٍ اقتصر على الأمر بالبيع دون تعيين المبيع ، وقع هذا السّبب المعيّن تحت طائلة الإكراه . ولم يخالف في هذا إلاّ المالكيّة - باستثناء ابن كنانة ومتابعيه - إذ جعلوا السّبب أيضاً مكرهاً عليه بإطلاقٍ . ويشمل التّهديد بإيذاء الغير ، ممّن يحبّه من وقع عليه التّهديد - على الشّرط المعتبر فيما يحصل به الإكراه من أسبابه المتعدّدة - بشريطة أن يكون ذلك المحبوب رحماً محرماً ، أو - كما زاد بعضهم - زوجةً . والمالكيّة ، وبعض الحنابلة يقيّدونه بأن يكون ولداً وإن نزل ، أو والداً وإن علا . والشّافعيّة - وخرّجه صاحب القواعد الأصوليّة من الحنابلة - لا يقيّدونه إلاّ بكونه ممّن يشقّ على المكرَه ( بالفتح ) إيذاؤه مشقّةً شديدةً كالزّوجة ، والصّديق ، والخادم . ومال إليه بعض الحنابلة . حتّى لقد اعتمد بعض الشّافعيّة أنّ من الإكراه ما لو قال الوالد لولده ، أو الولد لوالده ( دون غيرهما ) : طلّق زوجتك ، وإلاّ قتلت نفسي ، بخلاف ما لو قال : وإلاّ كفرت ، لأنّه يكفر في الحال . وفي التّقييد بالولد أو الوالد نظر لا يخفى . كما أنّه يصدق على نحو الإلقاء من شاهقٍ أي : الإلجاء بمعناه الحقيقيّ المنافي للقدرة الممكنة من الفعل والتّرك . والمالكيّة - وجاراهم ابن تيميّة - اكتفوا بظنّ الضّرر من جانب المكرَه ( بالفتح ) إن لم يفعل ، وعبارتهم : يكون ( أي الإكراه ) بخوف مؤلمٍ . الألفاظ ذات الصّلة : 5 - الرّضى والاختيار : الرّضى لغةً : الاختيار . يقال : رضيت الشّيء ورضيت به : اخترته . والاختيار لغةً : أخذ ما يراه خيراً . وأمّا في الاصطلاح ، فإنّ جمهور الفقهاء لم يفرّقوا بين الرّضى والاختيار ، لكن ذهب الحنفيّة إلى التّفرقة بينهما . فالرّضى عندهم هو : امتلاء الاختيار وبلوغه نهايته ، بحيث يفضي أثره إلى الظّاهر من ظهور البشاشة في الوجه ونحوها . أو هو : إيثار الشّيء واستحسانه . والاختيار عند الحنفيّة هو : القصد إلى مقدورٍ متردّدٍ بين الوجود والعدم بترجيح أحد جانبيه على الآخر . أو هو : القصد إلى الشّيء وإرادته . حكم الإكراه : 6 - الإكراه بغير حقٍّ ليس محرّماً فحسب ، بل هو إحدى الكبائر ، لأنّه أيضاً ينبئ بقلّة الاكتراث بالدّين ، ولأنّه من الظّلم . وقد جاء في الحديث القدسيّ : « يا عبادي إنّي حرّمت الظّلم على نفسي وجعلته بينكم محرّماً فلا تظالموا ... » . شرائط الإكراه الشّريطة الأولى : 7 - قدرة المكرِه ( بالكسر ) على إيقاع ما هدّد به ، لكونه متغلّباً ذا سطوةٍ وبطشٍ - وإن لم يكن سلطاناً ولا أميراً - ذلك أنّ تهديد غير القادر لا اعتبار له . الشّريطة الثّانية : 8 - خوف المكرَه ( بفتح الرّاء ) من إيقاع ما هدّد به ، ولا خلاف بين الفقهاء في تحقّق الإكراه إذا كان المخوف عاجلاً . فإن كان آجلاً ، فذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة والأذرعيّ من الشّافعيّة إلى تحقّق الإكراه مع التّأجيل . وذهب جماهير الشّافعيّة إلى أنّ الإكراه لا يتحقّق مع التّأجيل ، ولو إلى الغد . والمقصود بخوف الإيقاع غلبة الظّنّ ، ذلك أنّ غلبة الظّنّ معتبرة عند عدم الأدلّة ، وتعذّر التّوصّل إلى الحقيقة . الشّريطة الثّالثة : 9 - أن يكون ما هدّد به قتلاً أو إتلاف عضوٍ ، ولو بإذهاب قوّته مع بقائه كإذهاب البصر ، أو القدرة على البطش أو المشي مع بقاء أعضائها ، أو غيرهما ممّا يوجب غمّاً يعدم الرّضا ، ومنه تهديد المرأة بالزّنى ، والرّجل باللّواط . أمّا التّهديد بالإجاعة ، فيتراوح بين هذا وذاك ، فلا يصير ملجئاً إلاّ إذا بلغ الجوع بالمكره ( بالفتح ) حدّ خوف الهلاك . ثمّ الّذي يوجب غمّاً يعدم الرّضا يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال : فليس الأشراف كالأراذل ، ولا الضّعاف كالأقوياء ، ولا تفويت المال اليسير كتفويت المال الكثير ، والنّظر في ذلك مفوّض إلى الحاكم ، يقدّر لكلّ واقعةٍ قدرها . الشّريطة الرّابعة : 10 - أن يكون المكره ممتنعاً عن الفعل المكره عليه لولا الإكراه ، إمّا لحقّ نفسه - كما في إكراهه على بيع ماله - وإمّا لحقّ شخصٍ آخر ، وإمّا لحقّ الشّرع - كما في إكراهه ظلماً على إتلاف مال شخصٍ آخر ، أو نفس هذا الشّخص ، أو الدّلالة عليه لذلك أو على ارتكاب موجب حدٍّ في خالص حقّ اللّه ، كالزّنى وشرب الخمر . الشّريطة الخامسة : 11 - أن يكون محلّ الفعل المكره عليه متعيّناً . وهذا عند الشّافعيّة وبعض الحنابلة على إطلاقه . وفي حكم المتعيّن عند الحنفيّة ، ومن وافقهم من الحنابلة ما لو خيّر بين أمورٍ معيّنةٍ . ويتفرّغ على هذا حكم المصادرة الّتي سلف ذكره في فقرةٍ . ومنه يستنبط أنّ موقف المالكيّة في حالة الإبهام أدنى إلى مذهب الحنفيّة ، بل أوغل في الاعتداد بالإكراه حينئذٍ ، لأنّهم لم يشترطوا أن يكون مجال الإبهام أموراً معيّنةً . أمّا الإكراه على طلاق إحدى هاتين المرأتين ، أو قتل أحد هذين الرّجلين ، فمن مسائل الخلاف الّذي صدّرنا به هذه الشّريطة : فعند الحنفيّة والمالكيّة ، ومعهم موافقون من الشّافعيّة والحنابلة ، يتحقّق الإكراه برغم هذا التّخيير . وعند جماهير الشّافعيّة ، وقلّةٍ من الحنابلة ، لا يتحقّق ، لأنّ له مندوحةً عن طلاق كلٍّ بطلاق الأخرى - وكذا في القتل - نتيجة عدم تعيين المحلّ . والتّفصيل في الفصل الثّاني . الشّريطة السّادسة : 12 - ألاّ يكون للمكره مندوحة عن الفعل المكره عليه ، فإن كانت له مندوحة عنه ، ثمّ فعله لا يكون مكرهاً عليه ، وعلى هذا لو خيّر المكره بين أمرين فإنّ الحكم يختلف تبعاً لتساوي هذين الأمرين أو تفاوتهما من حيث الحرمة والحلّ ، وتفصيل الكلام في ذلك كما يلي : إنّ الأمرين المخيّر بينهما إمّا أن يكون كلّ واحدٍ منهما محرّماً لا يرخّص فيه ، ولا يباح أصلاً ، كما لو وقع التّخيير بين الزّنى والقتل . أو يكون كلّ واحدٍ منهما محرّماً يرخّص فيه عند الضّرورة ، كما لو وقع التّخيير بين الكفر وإتلاف مال الغير . أو يكون كلّ واحدٍ منهما محرّماً يباح عند الضّرورة ، كما لو وقع التّخيير بين أكل الميتة وشرب الخمر . أو يكون كلّ واحدٍ منهما مباحاً أصالةً أو للحاجة ، كما لو وقع التّخيير بين طلاق امرأته وبيع شيءٍ من ماله ، أو بين جمع المسافر الصّلاة في الحجّ وفطره في نهار رمضان . ففي هذه الصّور الأربع الّتي يكون الأمران المخيّر بينهما متساويين في الحرمة أو الحلّ ، يترتّب حكم الإكراه على فعل أيّ واحدٍ من الأمرين المخيّر بينهما ، وهو الحكم الّذي سيجيء تقريره بخلافاته وكلّ ما يتعلّق به ، لأنّ الإكراه في الواقع ليس إلاّ على الأحد الدّائر دون تفاوتٍ ، وهذا لا تعدّد فيه ، ولا يتحقّق إلاّ في معيّنٍ ، وقد خالف في هذا أكثر الشّافعيّة وبعض الحنابلة ، فنفوا حصول الإكراه في هذه الصّور . وإن تفاوت الأمران المخيّر بينهما ، فإن كان أحدهما محرّماً لا يرخّص فيه ولا يباح بحالٍ كالزّنى والقتل ، فإنّه لا يكون مندوحةً ، ويكون الإكراه واقعاً على المقابل له ، سواء أكان هذا المقابل محرّماً يرخّص فيه عند الضّرورة ، كالكفر وإتلاف مال الغير ، أم محرّماً يباح عند الضّرورة ، كأكل الميتة وشرب الخمر ، أم مباحاً أصالةً أو للحاجة ، كبيعٍ كشيءٍ معيّنٍ من مال المكره ، والإفطار في نهار رمضان ، ويترتّب على هذا الإكراه حكمه الّذي سيجيء تفصيله بخلافاته . وتكون هذه الأفعال مندوحةً مع المحرّم الّذي لا يرخّص فيه ولا يباح بحالٍ ، أمّا هو فإنّه لا يمكن مندوحةً لواحدٍ منها ، ففي الصّور الثّلاث المذكور آنفاً ، وهي ما لو وقع التّخيير بين الزّنى أو القتل وبين الكفر أو إتلاف مال الغير ، أو وقع التّخيير بين الزّنى أو القتل وبين أكل الميتة أو شرب الخمر ، أو وقع التّخيير بين الزّنى أو القتل وبين بيع شيءٍ معيّنٍ من المال ، فإنّ الزّنى أو القتل لا يكون مكرهاً عليه ، فمن فعل واحداً منهما كان فعله صادرا عن طواعيةٍ لا إكراهٍ ، فيترتّب عليه أثره إذا كان الإكراه ملجئاً حتّى يتحقّق الإذن في فعل المندوحة ، وكان الفاعل عالماً بالإذن له في فعل المندوحة عند الإكراه . وإن كان أحد الأمرين المخيّر بينهما محرّماً يرخّص فيه عند الضّرورة ، والمقابل له محرّماً يباح عند الضّرورة ، كما لو وقع التّخيير بين الكفر أو إتلاف مال الغير ، وبين أكل الميتة أو شرب الخمر ، فإنّهما يكونان في حكم الأمرين المتساويين في الإباحة ، فلا يكون أحدهما مندوحةً عن فعل الآخر ، ويكون الإكراه واقعاً على فعل كلّ واحدٍ من الأمرين المخيّر بينهما ، متى كان بأمرٍ متلفٍ للنّفس أو لأحد الأعضاء . وإن كان أحد الأمرين محرّماً يرخّص فيه أو يباح عند الضّرورة ، والمقابل له مباحاً أصالةً أو للحاجة ، كما لو وقع التّخيير بين الكفر أو شرب الخمر ، وبين بيع شيءٍ من مال المكره أو الفطر في نهار رمضان ، فإنّ المباح في هذه الحالة يكون مندوحةً عن الفعل المحرّم الّذي يرخّص فيه أو يباح عند الضّرورة ، وعلى هذا يظلّ على تحريمه ، سواء كان الإكراه بمتلفٍ للنّفس أو العضو أو بغير متلفٍ لأحدهما ، لأنّ الإكراه بغير المتلف لا يزيل الحظر عند الحنفيّة مطلقاً ، والإكراه بمتلفٍ - وإن كان يزيل الحظر - إلاّ أنّ إزالته له بطريق الاضطرار ، ولا اضطرار مع وجود المقابل المباح . تقسيم الإكراه ينقسم الإكراه إلى : إكراهٍ بحقٍّ ، وإكراهٍ بغير حقٍّ . والإكراه بغير حقٍّ ينقسم إلى إكراهٍ ملجئٍ ، وإكراهٍ غير ملجئٍ . أوّلاً : الإكراه بحقٍّ : تعريفه : 13 - هو الإكراه المشروع ، أي الّذي لا ظلم فيه ولا إثم . وهو ما توافر فيه أمران : الأوّل : أن يحقّ للمكره التّهديد بما هدّد به . الثّاني : أن يكون المكره عليه ممّا يحقّ للمكره الإلزام به . وعلى هذا فإكراه المرتدّ على الإسلام إكراه بحقٍّ ، حيث توافر فيه الأمران ، وكذلك إكراه المدين القادر على وفاء الدّين ، وإكراه المولي على الرّجوع إلى زوجته أو طلاقها إذا مضت مدّة الإيلاء . أثره : 14 - والعلماء عادةً يقولون : إنّ الإكراه بحقٍّ ، لا ينافي الطّوع الشّرعيّ - وإلاّ لم تكن له فائدة ، ويجعلون من أمثلته إكراه العنّين على الفرقة ، ومن عليه النّفقة على الإنفاق ، والمدين والمحتكر على البيع ، وكذلك من له أرض بجوار المسجد أو المقبرة أو الطّريق يحتاج إليها من أجل التّوسيع ، ومن معه طعام يحتاجه مضطرّ . ثانياً : الإكراه بغير حقٍّ : تعريفه : 15 - الإكراه بغير حقٍّ هو الإكراه ظلماً ، أو الإكراه المحرّم ، لتحريم وسيلته ، أو لتحريم المطلوب به . ومنه إكراه المفلس على بيع ما يترك له .. الإكراه الملجئ والإكراه غير الملجئ : 16 - تقسيم الإكراه إلى ملجئٍ وغير ملجئٍ يتفرّد به الحنفيّة . فالإكراه الملجئ عندهم هو الّذي يكون بالتّهديد بإتلاف النّفس أو عضوٍ منها ، أو بإتلاف جميع المال ، أو بقتل من يهمّ الإنسان أمره . وحكم هذا النّوع أنّه يعدم الرّضى ويفسد الاختيار ولا يعدمه . أمّا إعدامه للرّضى ، فلأنّ الرّضا هو الرّغبة في الشّيء والارتياح إليه ، وهذا لا يكون مع أيّ إكراهٍ . وأمّا إفساده للاختيار دون إعدامه ، فلأنّ الاختيار هو : القصد إلى فعل الشّيء أو تركه بترجيحٍ من الفاعل ، وهذا المعنى لا يزول بالإكراه ، فالمكره يوقع الفعل بقصده إليه ، إلاّ أنّ هذا القصد تارةً يكون صحيحاً سليماً ، إذا كان منبعثاً عن رغبةٍ في العمل ، وتارةً يكون فاسداً ، إذا كان ارتكاباً لأخفّ الضّررين ، وذلك كمن أكره على أحد أمرين كلاهما شرّ ، ففعل أقلّهما ضرراً به ، فإنّ اختياره لما فعله لا يكون اختياراً صحيحاً ، بل اختياراً فاسداً . والإكراه غير الملجئ هو : الّذي يكون بما لا يفوّت النّفس أو بعض الأعضاء ، كالحبس لمدّةٍ قصيرةٍ ، والضّرب الّذي لا يخشى منه القتل أو تلف بعض الأعضاء . وحكم هذا النّوع أنّه يعدم الرّضا ولكن لا يفسد الاختيار ، وذلك لعدم اضطرار المكره إلى الإتيان بما أكره عليه ، لتمكّنه من الصّبر على تحمّل ما هدّد به بخلاف النّوع الأوّل . 17 - أمّا غير الحنفيّة فلم يقسّموا الإكراه إلى ملجئٍ وغير ملجئٍ كما فعل الحنفيّة ، ولكنّهم تكلّموا عمّا يتحقّق به الإكراه وما لا يتحقّق ، وممّا قرّروه في هذا الموضوع يؤخذ أنّهم جميعاً يقولون بما سمّاه الحنفيّة إكراهاً ملجئاً ، أمّا ما يسمّى بالإكراه غير الملجئ فإنّهم يختلفون فيه ، فعلى إحدى الرّوايتين عن الشّافعيّ وأحمد يعتبر إكراهاً ، وعلى الرّواية الأخرى لا يعتبر إكراهاً . أمّا عند المالكيّة فإنّه لا يعتبر إكراهاً بالنّسبة لبعض المكره عليه ، ويعتبر إكراهاً بالنّسبة للبعض الآخر ، فمن المكره عليه الّذي لا يعتبر الإكراه غير الملجئ إكراهاً فيه : الكفر بالقول أو الفعل ، والمعصية الّتي تعلّق بها حقّ لمخلوقٍ ، كالقتل أو القطع ، والزّنى بامرأةٍ مكرهةٍ أو لها زوج ، وسبّ نبيٍّ أو ملكٍ أو صحابيٍّ ، أو قذفٍ لمسلمٍ . ومن المكره عليه الّذي يعتبر الإكراه غير الملجئ إكراهاً فيه : شرب الخمر ، وأكل الميتة ، والطّلاق والأيمان والبيع وسائر العقود والحلول والآثار . أثر الإكراه : 18 - هذا الأثر موضع خلافٍ ، بين الحنفيّة وغير الحنفيّة ، على النّحو الآتي : أثر الإكراه عند الحنفيّة : 19 - يختلف أثر الإكراه عند الحنفيّة باختلاف القول أو الفعل الّذي يقع الإكراه عليه ، فإن كان المكره عليه من الإقرارات ، كان أثر الإكراه إبطال الإقرار وإلغاءه ، سواء كان الإكراه ملجئاً أم غير ملجئٍ . فمن أكره على الاعتراف بمالٍ أو زواجٍ أو طلاقٍ كان اعترافه باطلاً ، ولا يعتدّ به شرعاً ، لأنّ الإقرار إنّما جعل حجّةً في حقّ المقرّ باعتبار ترجّح جانب الصّدق فيه على جانب الكذب ، ولا يتحقّق هذا التّرجيح مع الإكراه ، إذ هو قرينة قويّة على أنّ المقرّ لا يقصد بإقراره الصّدق فيما أقرّ به ، وإنّما يقصد دفع الضّرر الّذي هدّد به عن نفسه . وإن كان المكره عليه من العقود والتّصرّفات الشّرعيّة كالبيع والإجارة والرّهن ونحوها كان أثر الإكراه فيها إفسادها لا إبطالها ، فيترتّب عليها ما يترتّب على العقد الفاسد ، حسب ما هو مقرّر في المذهب أنّه ينقلب صحيحاً لازماً بإجازة المكره ، وكذلك لو قبض المكره الثّمن ، أو سلّم المبيع طوعاً ، يترتّب عليه صحّة البيع ولزومه . وحجّتهم في ذلك أنّ الإكراه عندهم لا يعدم الاختيار الّذي هو ترجيح فعل الشّيء على تركه أو العكس ، وإنّما يعدم الرّضى الّذي هو الارتياح إلى الشّيء والرّغبة فيه ، والرّضى ليس ركناً من أركان هذه التّصرّفات ولا شرطاً من شروط انعقادها ، وإنّما هو شرط من شروط صحّتها ، فإذن فقد ترتّب على فقدانه فساد العقد لا بطلانه . ولكنّهم استثنوا من ذلك بعض التّصرّفات ، فقالوا بصحّتهما مع الإكراه ، ولو كان ملجئاً ، ومن هذه التّصرّفات : الزّواج والطّلاق ومراجعة الزّوجة والنّذر واليمين . وعلّلوا هذا بأنّ الشّارع اعتبر اللّفظ في هذه التّصرّفات - عند القصد إليه - قائماً مقام إرادة معناه ، فإذا وجد اللّفظ ترتّب عليه أثره الشّرعيّ ، وإن لم يكن لقائله قصد إلى معناه ، كما في الهازل ، فإنّ الشّارع اعتبر هذه التّصرّفات صحيحةً إذا صدرت منه ، مع انعدام قصده إليها ، وعدم رضاه بما يترتّب عليها من الآثار . وإن كان المكره عليه من الأفعال ، كالإكراه على قتل من لا يحلّ قتله ، أو إتلاف مالٍ لغيره أو شرب الخمر وما أشبه ذلك ، فالحكم فيها يختلف باختلاف نوع الإكراه والفعل المكره عليه . 20 - فإن كان الإكراه غير ملجئٍ - وهو الّذي يكون بما لا يفوّت النّفس ، أو بعض الأعضاء كالحبس لمدّةٍ قصيرةٍ ، أو أخذ المال اليسير ، ونحو ذلك - فلا يحلّ الإقدام على الفعل . وإذا أقدم المكرَه ( بالفتح ) على الفعل بناءً على هذا الإكراه كانت المسئوليّة عليه وحده ، لا على من أكرهه 21 - وإن كان الإكراه ملجئاً - وهو الّذي يكون بالقتل أو تفويت بعض الأعضاء أو العمل المهين لذي الجاه - فالأفعال بالنّسبة إليه أربعة أنواعٍ : أ - أفعال أباحها الشّارع أصالةً دون إكراهٍ كالأكل والشّرب ، فإنّه إذا أكره على ارتكابها وجب على المكرَه ( بالفتح ) أن يرتكب أخفّ الضّررين . ب - أفعال أباح الشّارع إتيانها عند الضّرورة ، كشرب الخمر وأكل لحم الميتة أو الخنزير ، وغير ذلك من كلّ ما حرّم لحقّ اللّه لا لحقّ الآدميّ ، فالعقل - مع الشّرع - يوجبان ارتكاب أخفّ الضّررين . فهذه يباح للمكره فعلها ، بل يجب عليه الإتيان . بها ، إذا ترتّب على امتناعه قتل نفسه أو تلف عضوٍ من أعضائه ، لأنّ اللّه تعالى أباحها عند الضّرورة بقوله عزّ من قائلٍ : { إنّما حرّم عليكم الميتة والدّم ولحم الخنزير وما أهلّ به لغير اللّه ، فمن اضطرّ غير باغٍ ولا عادٍ فلا إثم عليه إنّ اللّه غفور رحيم } . ولا شكّ أنّ الإكراه الملجئ من الضّرورة الّتي رفع اللّه الإثم فيها ، فيباح الفعل عند تحقّقها ، وتناول المباح دفعاً للهلاك عن النّفس أو بعض أجزائها واجب ، فلا يجوز تركه ، ولو شرب الخمر مكرهاً لم يحدّ ، لأنّه لا جناية حينئذٍ ، والحدّ إنّما شرع زجراً عن الجنايات . ج - أفعال رخّص الشّارع في فعلها عند الضّرورة ، إلاّ أنّه لو صبر المكره على تحمّل الأذى ، ولم يفعلها حتّى مات ، كان مثاباً من اللّه تعالى ، وذلك كالكفر باللّه تعالى أو الاستخفاف بالدّين ، فإذا أكره الإنسان على الإتيان بشيءٍ من ذلك جاز له الفعل متى كان قلبه مطمئنّاً بالإيمان ، لقول اللّه عزّ وجلّ { إلاّ من أكره وقلبه مطمئنّ بالإيمان } . ومن السّنّة ما جاء بإسنادٍ صحيحٍ عند الحاكم والبيهقيّ وغيرهما عن محمّد بن عمّارٍ عن أبيه « أخذ المشركون عمّار بن ياسرٍ ، فلم يتركوه حتّى سبّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم وذكر آلهتهم بخيرٍ ، فلمّا أتى النّبيّ عليه الصلاة والسلام قال : ما وراءك ؟ قال : شرّ ، يا رسول اللّه ، ما تركت حتّى نلت منك ، وذكرت آلهتهم بخيرٍ ، قال صلى الله عليه وسلم : فكيف تجد قلبك ؟ قال : مطمئنّاً بالإيمان ، قال صلى الله عليه وسلم : فإن عادوا فعد » . وقد ألحق علماء المذهب بهذا النّوع الإكراه على إفساد صوم رمضان ، أو ترك الصّلاة المفروضة ، أو إتلاف مال الغير ، فإنّ المكره لو صبر وتحمّل الأذى ، ولم يفعل ما أكره عليه كان مثاباً ، وإن فعل شيئاً منها فلا إثم عليه ، وكان الضّمان في صورة الإتلاف على الحامل عليه لا على الفاعل ، لأنّ فعل الإتلاف يمكن أن ينسب إلى الحامل بجعل الفاعل آلةً له ، فيثبت الضّمان عليه . [/QUOTE]
الإسم
التحقق
اكتب معهد الماهر
رد
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية