الرد على الموضوع

الحكم التّكليفيّ :

4 - أ - ذهب الفقهاء إلى أنّ الاكتساب فرض على المحتاج إليه إذا كان قادراً عليه ، لأنّه به يقوم المكلّف بما وجب عليه من التّكاليف الماليّة ، من الإنفاق على النّفس والزّوجة والأولاد الصّغار ، والأبوين المعسرين ، والجهاد في سبيل اللّه وغير ذلك .

ب - ويفصّل ابن مفلحٍ الحنبليّ حكم الاكتساب بحسب أحوال المكتسب ، وخلاصة كلامه : يسنّ التّكسّب مع توفّر الكفاية للمكتسب ، قال المروزيّ : سمعت رجلاً يقول لأبي عبد اللّه أحمد بن حنبلٍ : إنّي في كفايةٍ ، قال الإمام أحمد : الزم السّوق تصل به رحمك ، وتعد به على نفسك .

 ويباح التّكسّب لزيادة المال والجاه والتّرفّه والتّنعّم والتّوسعة على العيال ، مع سلامة الدّين والعرض والمروءة وبراءة الذّمّة .

 ويجب التّكسّب على من لا قوت له ولمن تلزمه نفقته ، وعلى من عليه دين أو نذر طاعةٍ أو كفّارة . وقد فصّل الفقهاء ذلك في أبواب النّفقة .

 ويرى الماورديّ - الشّافعيّ - في كتابه أدب الدّنيا والدّين : أنّ طلب المرء من الكسب قدر كفايته ، والتماسه منه وفق حاجته هو أحمد أحوال الطّالبين ، وأعدل مراتب القاصدين .

من لا يكلّف الاكتساب :

5 - أ - لا تكلّف المرأة الاكتساب للإنفاق على نفسها أو على غيرها ، وتكون نفقتها إن كانت فقيرةً واجبةً على غيرها ، سواء كانت متزوّجةً أم ليست بذات زوجٍ .

ب - ولا يكلّف الصّغير الّذي ليس بأهلٍ للكسب الاكتساب ، ومن جملة هذه الأهليّة القدرة الجسديّة والفكريّة الّتي يفرّق فيها بين الحلال والحرام ، لما روى الإمام مالك في الموطّأ عن عثمان بن عفّان أنّه قال : لا تكلّفوا الصّغير الكسب ، فإنّه إذا لم يجد سرق .

 أمّا الكبير فإنّه يكلّف الاكتساب كما تقدّم .

طرق الاكتساب :

6 - إذا كان الاكتساب لا بدّ فيه من بذل الجهد - على خلاف الكسب الّذي قد يكون ببذل الجهد ، وقد يكون بغير بذل جهدٍ - فإنّه لا يكون إلاّ بالعمل ، وعندئذٍ يشترط في العمل أن يكون حلالاً ، فلا يجوز الاكتساب بتقديم الخمر  لشاربيه ، سواء احترف ذلك أم لم يحترفه ، كما يكره الاكتساب عن طريق حرفةٍ وضيعةٍ بقيودٍ وشروطٍ ذكرت في ( احتراف ) .


أكدريّة *

التّعريف :

1 - الأكدريّة هي : إحدى المسائل الملقّبات في الفرائض ، وهي زوج ، وأمّ ، وجدّ ، وأخت لأبٍ وأمٍّ ، أو لأبٍ . ولقّبت هذه المسألة بالأكدريّة ، لأنّها واقعة امرأةٍ من بني أكدر ماتت وخلّفت أولئك الورثة المذكورين ، واشتبه على زيدٍ مذهبه فيها فنسبت إليها . وقيل : إنّ شخصاً من هذه القبيلة كان يحسن مذهب زيدٍ في الفرائض ، فسأله عبد الملك بن مروان عن هذه المسألة فأخطأ في جوابها ، فنسبت إلى قبيلته . وقيل : سمّيت بذلك لأنّها كدّرت على زيد بن ثابتٍ أصوله في التّوريث ، وقيل : لأنّ الجدّ كدّر على الأخت نصيبها ، وأهل العراق يسمّونها الغرّاء ، لشهرتها فيما بينهم . وللعلماء في هذه المسألة ثلاثة مذاهب :

2 - أحدها : مذهب زيد بن ثابتٍ رضي الله عنه ، وبه أخذ الشّافعيّة والحنابلة ، وهو أنّ للزّوج النّصف ، وللأمّ الثّلث ، وللجدّ السّدس وللأخت النّصف ، ثمّ يضمّ نصيب الجدّ إلى نصيب الأخت ، ويقسم مجموع النّصيبين بينهما للذّكر مثل حظّ الأنثيين .

 أصل المسألة من ستّةٍ ، وتعول إلى تسعةٍ : للزّوج ثلاثة ، وللأمّ اثنان ، وللجدّ واحد ، وللأخت ثلاثة ، ومجموع النّصيبين أربعة ، فنقسمها على الجدّ والأخت للذّكر مثل حظّ الأنثيين ، وتصحّ من سبعةٍ وعشرين : للزّوج تسعة ، وللأمّ ستّة ، وللجدّ ثمانية ، وللأخت أربعة . فقد جعل زيد هاهنا الأخت ابتداءً صاحبة فرضٍ ، كي لا تحرم الميراث بالمرّة ، وجعلها عصبةً بالآخرة ، كي لا يزيد نصيبها على نصيب الجدّ الّذي هو كالأخ .

 المذهب الثّاني : وهو قول أبي بكرٍ وابن عبّاسٍ رضي الله عنهم ، حاصله : للزّوج النّصف ، وللأمّ الثّلث ، والسّدس الباقي للجدّ ، وتسقط الأخت ، وقد أخذ بهذا أبو حنيفة .

 المذهب الثّالث : وهو قول عمر وابن مسعودٍ ، للزّوج النّصف ، وللأخت النّصف ، وللأمّ السّدس ، وللجدّ السّدس ، وأصلها من ستّةٍ وتعول  إلى ثمانيةٍ ، للزّوج ثلاثة ، وثلاثة للأخت أيضاً والجدّ يأخذ سدساً عائلاً وهو واحد ، وكذا الأمّ . وإنّما جعلوا للأمّ السّدس كي لا يفضّلوها على الجدّ .

صلة الأكدريّة بغيرها من المسائل الملقّبات :

3 - الأكدريّة إن لم يكن فيها زوج فهي الخرقاء ، وإن لم يكن فيها جدّ كانت المباهلة ، وإن لم يكن فيها أخت كانت إحدى الغرّاوين ، وأحكام هذه المسائل تذكر في ( إرث ) .


إكراه *

التّعريف :

1 - قال في لسان العرب : أكرهته ، حملته على أمرٍ هو له كاره - وفي مفردات الرّاغب نحوه - ومضى صاحب اللّسان يقول : وذكر اللّه عزّ وجلّ الكره والكره في غير موضعٍ من كتابه العزيز ، واختلف القرّاء في فتح الكاف وضمّها . قال أحمد بن يحيى : ولا أعلم بين الأحرف الّتي ضمّها هؤلاء وبين الّتي فتحوها فرقاً في العربيّة ، ولا في سنّةٍ تتبع . وفي المصباح المنير :" الكَرْه ( بالفتح ) : المشقّة ، وبالضّمّ : القهر ، وقيل : ( بالفتح ) : الإكراه ، " وبالضّمّ " المشقّة . وأكرهته على الأمر إكراهاً : حملته عليه قهراً . يقال : فعلته كَرْهاً " بالفتح " أي إكراهاً - وعليه قوله تعالى : { طوعاً أو كرهاً } فجمع بين الضّدّين .

 ولخصّ ذلك كلّه فقهاؤنا إذ قالوا : الإكراه لغةً : حمل الإنسان على شيءٍ يكرهه ، يقال : أكرهت فلاناً إكراهاً : حملته على أمرٍ يكرهه . والكَرْه " بالفتح " اسم منه ( أي اسم مصدرٍ ) . أمّا الإكراه في اصطلاح الفقهاء فهو : فعل يفعله المرء بغيره ، فينتفي به رضاه ، أو يفسد به اختياره . وعرّفه البزدويّ بأنّه : حمل الغير على أمرٍ يمتنع عنه بتخويفٍ يقدر الحامل على إيقاعه ويصير الغير خائفاً به .

 أو هو : فعل يوجد من المكرِه ( بكسر الرّاء ) فيحدث في المحلّ ( أي المكَره بفتح الرّاء ) معنًى يصير به مدفوعاً إلى الفعل الّذي طلب منه . والمعنى المذكور في هذا التّعريف ، فسّروه بالخوف ، ولو ممّا يفعله الحكّام الظّلمة بالمتّهمين كيداً . فإذا كان الدّافع هو الحياء مثلاً ، أو التّودّد ، فليس بإكراهٍ .

2 - والفعل - في جانب المكِره ( بكسر الرّاء )  ليس على ما يتبادر منه من خلاف القول ، ولو إشارة الأخرس ، أو مجرّد الكتابة ، بل هو أعمّ ، فيشمل التّهديد - لأنّه من عمل اللّسان - ولو مفهوماً بدلالة الحال من مجرّد الأمر : كأمر السّلطان أو الأمير ، وأمر قاطع الطّريق ، وأمر الخانق الّذي يبدو منه الإصرار .

 والحنفيّة يقولون : أمر السّلطان ، إكراه - وإن لم يتوعّد - وأمر غيره ليس بإكراهٍ ، إلاّ أن يعلم تضمّنه التّهديد بدلالة الحال .

 وغير الحنفيّة يسوّون بين ذوي البطش والسّطوة أيّاً كانوا ، وصاحب المبسوط نفسه من الحنفيّة يقول : إنّ من عادة المتجبّرين التّرفّع عن التّهديد بالقتل ، ولكنّهم لا يعاقبون مخالفيهم إلاّ به .

3 - ثمّ المراد بالفعل المذكور - فعل واقع على المكَره ( بالفتح ) نفسه - ولو كان تهديداً بأخذ أو حبس ماله الّذي له وقع ، لا التّافه الّذي لا يعتدّ به ، أو تهديداً بالفجور بامرأته إن لم يطلّقها . ويستوي التّهديد المقترن بالفعل المهدّد به - كما في حديث : أخذ عمّار بن ياسرٍ ، وغطّه في الماء ليرتدّ . والتّهديد المجرّد ، خلافاً لمن لم يعتدّ بمجرّد التّهديد ، كأبي إسحاق المروزيّ من الشّافعيّة ، واعتمد . الخرقيّ من الحنابلة ، تمسّكاً بحديث عمّارٍ هذا ، واستدلّ الآخرون بالقياس حيث لا فرق ، وإلاّ توصّل المعتدون إلى أغراضهم - بالتّهديد المجرّد - دون تحمّل تبعةٍ ، أو هلك الواقع عليهم هذا التّهديد إذا رفضوا الانصياع له ، فكان إلقاء بالأيدي في التّهلكة ، وكلاهما محذور لا يأتي الشّرع بمثله . بل في الأثر عن عمر - وفيه انقطاع - ما يفيد هذا التّعميم : ذلك أنّ رجلاً في عهده تدلّى يشتار ( يستخرج ) عسلاً ، فوقفت امرأته على الحبل ، وقالت : طلّقني ثلاثاً ، وإلاّ قطعته ، فذكّرها اللّه والإسلام ، فقالت : لتفعلن ، أو لأفعلن ، فطلّقها ثلاثاً . ورفعت القصّة إلى عمر ، فرأى طلاق الرّجل لغواً ، وردّ عليه المرأة ، ولذا اعتمد ابن قدامة عدم الفرق .

 ويتفرّع على هذا التّفسير أنّه لو وقع التّهديد بقتل رجلٍ لا يمتّ إلى المهدّد بسببٍ ، إن هو لم يدلّ على مكان شخصٍ بعينه يراد للقتل ، فإنّ هذا لا يكون إكراهاً ، حتّى لو أنّه وقعت الدّلالة ممّن طلبت منه ، ثمّ قتل الشّخص المذكور ، لكان الدّالّ معيناً على هذا القتل عن طواعيةٍ إن علم أنّه المقصود - والمعيّن شريك للقاتل عند أكثر أهل  العلم ، بشرائط خاصّةٍ - وذهب أبو الخطّاب الحنبليّ إلى أنّ التّهديد في أجنبيٍّ إكراه في الأيمان ، واستظهره ابن رجبٍ .

4 - والفعل ، في جانب المكرَه ( بفتح الرّاء ) ، هو أيضاً أعمّ من فعل اللّسان وغيره ، إلاّ أنّ أفعال القلوب لا تقبل الإكراه ، فيشمل القول بلا شكٍّ .

 وفيما يسمّيه فقهاؤنا بالمصادرة في أبواب البيوع وما إليها ، الفعل الّذي يطلب من المكَره ( بالفتح ) دفع المال وغرامته ، لا سبب الحصول عليه من بيعٍ أو غيره - كاستقراضٍ - فيصحّ السّبب ويلزم وإن علم أنّه لا مخلص له إلاّ بسببٍ معيّنٍ ، إلاّ أنّ المكرِه ( بالكسر ) لم يعيّنه له في إكراهه إيّاه . ولذا قالوا : إنّ الحيلة في جعل السّبب مكرهاً عليه ، أن يقول : المكرَه ( بالفتح ) : من أين أتى بالمال ؟ فإذا عيّن له المكرِه ( بالكسر ) سبباً ، كأن قال له : بع كذا ، أو عند ابن نجيمٍ اقتصر على الأمر بالبيع دون تعيين المبيع ، وقع هذا السّبب المعيّن تحت طائلة الإكراه .

 ولم يخالف في هذا إلاّ المالكيّة - باستثناء ابن كنانة ومتابعيه - إذ جعلوا السّبب أيضاً مكرهاً عليه بإطلاقٍ .

 ويشمل التّهديد بإيذاء الغير ، ممّن يحبّه من وقع عليه التّهديد - على الشّرط المعتبر فيما يحصل به الإكراه من أسبابه المتعدّدة - بشريطة أن يكون ذلك المحبوب رحماً محرماً ، أو - كما زاد بعضهم - زوجةً .

 والمالكيّة ، وبعض الحنابلة يقيّدونه بأن يكون ولداً وإن نزل ، أو والداً وإن علا . والشّافعيّة - وخرّجه صاحب القواعد الأصوليّة من الحنابلة - لا يقيّدونه إلاّ بكونه ممّن يشقّ على المكرَه ( بالفتح ) إيذاؤه مشقّةً شديدةً كالزّوجة ، والصّديق ، والخادم . ومال إليه بعض الحنابلة . حتّى لقد اعتمد بعض الشّافعيّة أنّ من الإكراه ما لو قال الوالد لولده ، أو الولد لوالده ( دون غيرهما ) : طلّق زوجتك ، وإلاّ قتلت نفسي ، بخلاف ما لو قال : وإلاّ كفرت ، لأنّه يكفر في الحال .

 وفي التّقييد بالولد أو الوالد نظر لا يخفى .

 كما أنّه يصدق على نحو الإلقاء من شاهقٍ أي : الإلجاء بمعناه الحقيقيّ المنافي للقدرة الممكنة من الفعل والتّرك .

 والمالكيّة - وجاراهم ابن تيميّة - اكتفوا بظنّ الضّرر من جانب المكرَه ( بالفتح ) إن لم يفعل ، وعبارتهم : يكون ( أي الإكراه ) بخوف مؤلمٍ .

الألفاظ ذات الصّلة :

5 - الرّضى والاختيار :

 الرّضى لغةً : الاختيار . يقال : رضيت الشّيء ورضيت به : اخترته . والاختيار لغةً : أخذ ما يراه خيراً .

 وأمّا في الاصطلاح ، فإنّ جمهور الفقهاء لم يفرّقوا بين الرّضى والاختيار ، لكن ذهب الحنفيّة إلى التّفرقة بينهما .

 فالرّضى عندهم هو : امتلاء الاختيار وبلوغه نهايته ، بحيث يفضي أثره إلى الظّاهر من ظهور البشاشة في الوجه ونحوها .

 أو هو : إيثار الشّيء واستحسانه . والاختيار عند الحنفيّة هو : القصد إلى مقدورٍ متردّدٍ بين الوجود والعدم بترجيح أحد جانبيه على الآخر . أو هو : القصد إلى الشّيء وإرادته .

حكم الإكراه :

6 - الإكراه بغير حقٍّ ليس محرّماً فحسب ، بل هو إحدى الكبائر ، لأنّه أيضاً ينبئ بقلّة الاكتراث بالدّين ، ولأنّه من الظّلم . وقد جاء في الحديث القدسيّ : « يا عبادي إنّي حرّمت الظّلم على نفسي وجعلته بينكم محرّماً فلا تظالموا ... » .

شرائط الإكراه

 الشّريطة الأولى :

7 - قدرة المكرِه ( بالكسر ) على إيقاع ما هدّد به ، لكونه متغلّباً ذا سطوةٍ وبطشٍ - وإن لم يكن سلطاناً ولا أميراً - ذلك أنّ تهديد غير القادر لا اعتبار له .

 الشّريطة الثّانية :

8 - خوف المكرَه ( بفتح الرّاء ) من إيقاع ما هدّد به ، ولا خلاف بين الفقهاء في تحقّق الإكراه إذا كان المخوف عاجلاً . فإن كان آجلاً ، فذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة والأذرعيّ من الشّافعيّة إلى تحقّق الإكراه مع التّأجيل . وذهب جماهير الشّافعيّة إلى أنّ الإكراه لا يتحقّق مع التّأجيل ، ولو إلى الغد . والمقصود بخوف الإيقاع غلبة الظّنّ ، ذلك أنّ غلبة الظّنّ معتبرة عند عدم الأدلّة ، وتعذّر التّوصّل إلى الحقيقة .

 الشّريطة الثّالثة :

9 - أن يكون ما هدّد به قتلاً أو إتلاف عضوٍ ، ولو بإذهاب قوّته مع بقائه كإذهاب البصر ، أو القدرة على البطش أو المشي مع بقاء أعضائها ، أو  غيرهما ممّا يوجب غمّاً يعدم الرّضا ، ومنه تهديد المرأة بالزّنى ، والرّجل باللّواط .

 أمّا التّهديد بالإجاعة ، فيتراوح بين هذا وذاك ، فلا يصير ملجئاً إلاّ إذا بلغ الجوع بالمكره ( بالفتح ) حدّ خوف الهلاك .

 ثمّ الّذي يوجب غمّاً يعدم الرّضا يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال : فليس الأشراف كالأراذل ، ولا الضّعاف كالأقوياء ، ولا تفويت المال اليسير كتفويت المال الكثير ، والنّظر في ذلك مفوّض إلى الحاكم ، يقدّر لكلّ واقعةٍ قدرها .

 الشّريطة الرّابعة :

10 - أن يكون المكره ممتنعاً عن الفعل المكره عليه لولا الإكراه ، إمّا لحقّ نفسه - كما في إكراهه على بيع ماله - وإمّا لحقّ شخصٍ آخر ، وإمّا لحقّ الشّرع - كما في إكراهه ظلماً على إتلاف مال شخصٍ آخر ، أو نفس هذا الشّخص ، أو الدّلالة عليه لذلك أو على ارتكاب موجب حدٍّ في خالص حقّ اللّه ، كالزّنى وشرب الخمر .

 الشّريطة الخامسة :

11 - أن يكون محلّ الفعل المكره عليه متعيّناً . وهذا عند الشّافعيّة وبعض الحنابلة على إطلاقه . وفي حكم المتعيّن عند الحنفيّة ، ومن وافقهم من الحنابلة ما لو خيّر بين أمورٍ معيّنةٍ . ويتفرّغ على هذا حكم المصادرة الّتي سلف ذكره في فقرةٍ .

 ومنه يستنبط أنّ موقف المالكيّة في حالة الإبهام أدنى إلى مذهب الحنفيّة ، بل أوغل في الاعتداد بالإكراه حينئذٍ ، لأنّهم لم يشترطوا أن يكون مجال الإبهام أموراً معيّنةً .

 أمّا الإكراه على طلاق إحدى هاتين المرأتين ، أو قتل أحد هذين الرّجلين ، فمن مسائل الخلاف الّذي صدّرنا به هذه الشّريطة : فعند الحنفيّة والمالكيّة ، ومعهم موافقون من الشّافعيّة والحنابلة ، يتحقّق الإكراه برغم هذا التّخيير .

 وعند جماهير الشّافعيّة ، وقلّةٍ من الحنابلة ، لا يتحقّق ، لأنّ له مندوحةً عن طلاق كلٍّ بطلاق الأخرى - وكذا في القتل - نتيجة عدم تعيين المحلّ . والتّفصيل في الفصل الثّاني .  الشّريطة السّادسة :

12 - ألاّ يكون للمكره مندوحة عن الفعل المكره عليه ، فإن كانت له مندوحة عنه ، ثمّ فعله لا يكون مكرهاً عليه ، وعلى هذا لو خيّر المكره بين أمرين فإنّ الحكم يختلف تبعاً لتساوي هذين الأمرين أو تفاوتهما من حيث الحرمة والحلّ ، وتفصيل الكلام في ذلك كما يلي :

 إنّ الأمرين المخيّر بينهما إمّا أن يكون كلّ واحدٍ منهما محرّماً لا يرخّص فيه ، ولا يباح أصلاً ، كما لو وقع التّخيير بين الزّنى والقتل .

 أو يكون كلّ واحدٍ منهما محرّماً يرخّص فيه عند الضّرورة ، كما لو وقع التّخيير بين الكفر وإتلاف مال الغير . أو يكون كلّ واحدٍ منهما محرّماً يباح عند الضّرورة ، كما لو وقع التّخيير بين أكل الميتة وشرب الخمر . أو يكون كلّ واحدٍ منهما مباحاً أصالةً أو للحاجة ، كما لو وقع التّخيير بين طلاق امرأته وبيع شيءٍ من ماله ، أو بين جمع المسافر الصّلاة في الحجّ وفطره في نهار رمضان .

 ففي هذه الصّور الأربع الّتي يكون الأمران المخيّر بينهما متساويين في الحرمة أو الحلّ ، يترتّب حكم الإكراه على فعل أيّ واحدٍ من الأمرين المخيّر بينهما ، وهو الحكم الّذي سيجيء تقريره بخلافاته وكلّ ما يتعلّق به ، لأنّ الإكراه في الواقع ليس إلاّ على الأحد الدّائر دون تفاوتٍ ، وهذا لا تعدّد فيه ، ولا يتحقّق إلاّ في معيّنٍ ، وقد خالف في هذا أكثر الشّافعيّة وبعض الحنابلة ، فنفوا حصول الإكراه في هذه الصّور .

 وإن تفاوت الأمران المخيّر بينهما ، فإن كان أحدهما محرّماً لا يرخّص فيه ولا يباح بحالٍ كالزّنى والقتل ، فإنّه لا يكون مندوحةً ، ويكون الإكراه واقعاً على المقابل له ، سواء أكان هذا المقابل محرّماً يرخّص فيه عند الضّرورة ، كالكفر وإتلاف مال الغير ، أم محرّماً يباح عند الضّرورة ، كأكل الميتة وشرب الخمر ، أم مباحاً أصالةً أو للحاجة ، كبيعٍ كشيءٍ معيّنٍ من مال المكره ، والإفطار في نهار رمضان ، ويترتّب على هذا الإكراه حكمه الّذي سيجيء تفصيله بخلافاته .

 وتكون هذه الأفعال مندوحةً مع المحرّم الّذي لا يرخّص فيه ولا يباح بحالٍ ، أمّا هو فإنّه لا يمكن مندوحةً لواحدٍ منها ، ففي الصّور الثّلاث المذكور آنفاً ، وهي ما لو وقع التّخيير بين الزّنى أو القتل وبين الكفر أو إتلاف مال الغير ، أو وقع التّخيير بين الزّنى أو القتل وبين أكل الميتة أو شرب الخمر ، أو وقع التّخيير بين الزّنى أو القتل وبين بيع شيءٍ معيّنٍ من المال ، فإنّ الزّنى أو القتل لا يكون مكرهاً عليه ، فمن فعل واحداً منهما كان فعله صادرا عن طواعيةٍ لا إكراهٍ ، فيترتّب عليه أثره إذا كان الإكراه ملجئاً حتّى يتحقّق الإذن في فعل المندوحة ، وكان الفاعل عالماً بالإذن له في فعل المندوحة عند الإكراه .

 وإن كان أحد الأمرين المخيّر بينهما محرّماً يرخّص فيه عند الضّرورة ، والمقابل له محرّماً يباح عند الضّرورة ، كما لو وقع التّخيير بين الكفر أو إتلاف مال الغير ، وبين أكل الميتة أو شرب الخمر ، فإنّهما يكونان في حكم الأمرين المتساويين في الإباحة ، فلا يكون أحدهما مندوحةً عن فعل الآخر ، ويكون الإكراه واقعاً على فعل كلّ واحدٍ من الأمرين المخيّر بينهما ، متى كان بأمرٍ متلفٍ للنّفس أو لأحد الأعضاء .

 وإن كان أحد الأمرين محرّماً يرخّص فيه أو يباح عند الضّرورة ، والمقابل له مباحاً أصالةً أو للحاجة ، كما لو وقع التّخيير بين الكفر أو شرب الخمر ، وبين بيع شيءٍ من مال المكره أو الفطر في نهار رمضان ، فإنّ المباح في هذه الحالة يكون مندوحةً عن الفعل المحرّم الّذي يرخّص فيه أو يباح عند الضّرورة ، وعلى هذا يظلّ على تحريمه ، سواء كان الإكراه بمتلفٍ للنّفس أو العضو أو بغير متلفٍ لأحدهما ، لأنّ الإكراه بغير المتلف لا يزيل الحظر عند الحنفيّة مطلقاً ، والإكراه بمتلفٍ - وإن كان يزيل الحظر - إلاّ أنّ إزالته له بطريق الاضطرار ، ولا اضطرار مع وجود المقابل المباح .

تقسيم الإكراه

ينقسم الإكراه إلى : إكراهٍ بحقٍّ ، وإكراهٍ بغير حقٍّ . والإكراه بغير حقٍّ ينقسم إلى إكراهٍ                         ملجئٍ ، وإكراهٍ غير ملجئٍ .

أوّلاً : الإكراه بحقٍّ :

 تعريفه :

13 - هو الإكراه المشروع ، أي الّذي لا ظلم فيه ولا إثم . وهو ما توافر فيه أمران : الأوّل : أن يحقّ للمكره التّهديد بما هدّد به . الثّاني : أن يكون المكره عليه ممّا يحقّ للمكره الإلزام به . وعلى هذا فإكراه المرتدّ على الإسلام إكراه بحقٍّ ، حيث توافر فيه الأمران ، وكذلك إكراه المدين القادر على وفاء الدّين ، وإكراه المولي على الرّجوع إلى زوجته أو طلاقها إذا مضت مدّة الإيلاء .

أثره :

14 - والعلماء عادةً يقولون : إنّ الإكراه بحقٍّ ، لا ينافي الطّوع الشّرعيّ - وإلاّ لم تكن له فائدة ، ويجعلون من أمثلته إكراه العنّين على الفرقة ، ومن عليه النّفقة على الإنفاق ، والمدين والمحتكر على البيع ، وكذلك من له أرض بجوار المسجد أو المقبرة أو الطّريق يحتاج إليها من أجل التّوسيع ، ومن معه طعام يحتاجه مضطرّ .

ثانياً : الإكراه بغير حقٍّ :

 تعريفه :

15 - الإكراه بغير حقٍّ هو الإكراه ظلماً ، أو الإكراه المحرّم ، لتحريم وسيلته ، أو لتحريم المطلوب به . ومنه إكراه المفلس على بيع ما يترك له ..

الإكراه الملجئ والإكراه غير الملجئ :

16 - تقسيم الإكراه إلى ملجئٍ وغير ملجئٍ يتفرّد به الحنفيّة .

 فالإكراه الملجئ عندهم هو الّذي يكون بالتّهديد بإتلاف النّفس أو عضوٍ منها ، أو بإتلاف جميع المال ، أو بقتل من يهمّ الإنسان أمره .

 وحكم هذا النّوع أنّه يعدم الرّضى ويفسد الاختيار ولا يعدمه . أمّا إعدامه للرّضى ، فلأنّ الرّضا هو الرّغبة في الشّيء والارتياح إليه ، وهذا لا يكون مع أيّ إكراهٍ .

 وأمّا إفساده للاختيار دون إعدامه ، فلأنّ الاختيار هو : القصد إلى فعل الشّيء أو تركه بترجيحٍ من الفاعل ، وهذا المعنى لا يزول بالإكراه ، فالمكره يوقع الفعل بقصده إليه ، إلاّ أنّ هذا القصد تارةً يكون صحيحاً سليماً ، إذا كان منبعثاً عن رغبةٍ في العمل ، وتارةً يكون فاسداً ، إذا كان ارتكاباً لأخفّ الضّررين ، وذلك كمن أكره على أحد أمرين كلاهما شرّ ، ففعل أقلّهما ضرراً به ، فإنّ اختياره لما فعله لا يكون اختياراً صحيحاً ، بل اختياراً فاسداً . والإكراه غير الملجئ هو : الّذي يكون بما لا يفوّت النّفس أو بعض الأعضاء ، كالحبس لمدّةٍ قصيرةٍ ، والضّرب الّذي لا يخشى منه القتل أو تلف بعض الأعضاء .

 وحكم هذا النّوع أنّه يعدم الرّضا ولكن لا يفسد الاختيار ، وذلك لعدم اضطرار المكره إلى الإتيان بما أكره عليه ، لتمكّنه من الصّبر على تحمّل ما هدّد به بخلاف النّوع الأوّل .

17 - أمّا غير الحنفيّة فلم يقسّموا الإكراه إلى ملجئٍ وغير ملجئٍ كما فعل الحنفيّة ، ولكنّهم تكلّموا عمّا يتحقّق به الإكراه وما لا يتحقّق ، وممّا قرّروه في هذا الموضوع يؤخذ أنّهم جميعاً يقولون بما سمّاه الحنفيّة إكراهاً ملجئاً ، أمّا ما يسمّى بالإكراه غير الملجئ فإنّهم يختلفون فيه ، فعلى إحدى الرّوايتين عن الشّافعيّ وأحمد يعتبر إكراهاً ، وعلى الرّواية الأخرى لا يعتبر إكراهاً .

 أمّا عند المالكيّة فإنّه لا يعتبر إكراهاً بالنّسبة لبعض المكره عليه ، ويعتبر إكراهاً بالنّسبة للبعض الآخر ، فمن المكره عليه الّذي لا يعتبر الإكراه غير الملجئ إكراهاً فيه : الكفر بالقول أو الفعل ، والمعصية الّتي تعلّق بها حقّ لمخلوقٍ ، كالقتل أو القطع ، والزّنى بامرأةٍ مكرهةٍ أو لها زوج ، وسبّ نبيٍّ أو ملكٍ أو صحابيٍّ ، أو قذفٍ لمسلمٍ .

 ومن المكره عليه الّذي يعتبر الإكراه غير الملجئ إكراهاً فيه : شرب الخمر ، وأكل الميتة ، والطّلاق والأيمان والبيع وسائر العقود والحلول والآثار .

أثر الإكراه :

18 - هذا الأثر موضع خلافٍ ، بين الحنفيّة وغير الحنفيّة ، على النّحو الآتي :

 أثر الإكراه عند الحنفيّة :

19 - يختلف أثر الإكراه عند الحنفيّة باختلاف القول أو الفعل الّذي يقع الإكراه عليه ، فإن كان المكره عليه من الإقرارات ، كان أثر الإكراه إبطال الإقرار وإلغاءه ، سواء كان الإكراه ملجئاً أم غير  ملجئٍ . فمن أكره على الاعتراف بمالٍ أو زواجٍ أو طلاقٍ كان اعترافه باطلاً ، ولا يعتدّ به شرعاً ، لأنّ الإقرار إنّما جعل حجّةً في حقّ المقرّ باعتبار ترجّح جانب الصّدق فيه على جانب الكذب ، ولا يتحقّق هذا التّرجيح مع الإكراه ، إذ هو قرينة قويّة على أنّ المقرّ لا يقصد بإقراره الصّدق فيما أقرّ به ، وإنّما يقصد دفع الضّرر الّذي هدّد به عن نفسه . وإن كان المكره عليه من العقود والتّصرّفات الشّرعيّة كالبيع والإجارة والرّهن ونحوها كان أثر الإكراه فيها إفسادها لا إبطالها ، فيترتّب عليها ما يترتّب على العقد الفاسد ، حسب ما هو مقرّر في المذهب أنّه ينقلب صحيحاً لازماً بإجازة المكره ، وكذلك لو قبض المكره الثّمن ، أو سلّم المبيع طوعاً ، يترتّب عليه صحّة البيع ولزومه .

 وحجّتهم في ذلك أنّ الإكراه عندهم لا يعدم الاختيار الّذي هو ترجيح فعل الشّيء على تركه أو العكس ، وإنّما يعدم الرّضى الّذي هو الارتياح إلى الشّيء والرّغبة فيه ، والرّضى ليس ركناً من أركان هذه التّصرّفات ولا شرطاً من شروط انعقادها ، وإنّما هو شرط من شروط صحّتها ، فإذن فقد ترتّب على فقدانه فساد العقد لا بطلانه . ولكنّهم استثنوا من ذلك بعض التّصرّفات ، فقالوا بصحّتهما مع الإكراه ، ولو كان ملجئاً ، ومن هذه التّصرّفات : الزّواج والطّلاق ومراجعة الزّوجة والنّذر واليمين . وعلّلوا هذا بأنّ الشّارع اعتبر اللّفظ في هذه التّصرّفات - عند القصد إليه - قائماً مقام إرادة معناه ، فإذا وجد اللّفظ ترتّب عليه أثره الشّرعيّ ، وإن لم يكن لقائله قصد إلى معناه ، كما في الهازل ، فإنّ الشّارع اعتبر هذه التّصرّفات صحيحةً إذا صدرت منه ، مع انعدام قصده إليها ، وعدم رضاه بما يترتّب عليها من الآثار . وإن كان المكره عليه من الأفعال ، كالإكراه على قتل من لا يحلّ قتله ، أو إتلاف مالٍ لغيره أو شرب الخمر وما أشبه ذلك ، فالحكم فيها يختلف باختلاف نوع الإكراه والفعل المكره عليه .

20 - فإن كان الإكراه غير ملجئٍ - وهو الّذي يكون بما لا يفوّت النّفس ، أو بعض الأعضاء كالحبس لمدّةٍ قصيرةٍ ، أو أخذ المال اليسير ، ونحو ذلك - فلا يحلّ الإقدام على الفعل . وإذا أقدم المكرَه ( بالفتح ) على الفعل بناءً على هذا الإكراه كانت المسئوليّة عليه وحده ، لا على من أكرهه

 21 - وإن كان الإكراه ملجئاً - وهو الّذي يكون بالقتل أو تفويت بعض الأعضاء أو العمل المهين لذي الجاه - فالأفعال بالنّسبة إليه أربعة أنواعٍ :

أ - أفعال أباحها الشّارع أصالةً دون إكراهٍ كالأكل والشّرب ، فإنّه إذا أكره على ارتكابها وجب على المكرَه ( بالفتح ) أن يرتكب أخفّ الضّررين .

ب - أفعال أباح الشّارع إتيانها عند الضّرورة ، كشرب الخمر وأكل لحم الميتة أو الخنزير ، وغير ذلك من كلّ ما حرّم لحقّ اللّه لا لحقّ الآدميّ ، فالعقل - مع الشّرع - يوجبان ارتكاب أخفّ الضّررين .

  فهذه يباح للمكره فعلها ، بل يجب عليه الإتيان . بها ، إذا ترتّب على امتناعه قتل نفسه أو تلف عضوٍ من أعضائه ، لأنّ اللّه تعالى أباحها عند الضّرورة بقوله عزّ من قائلٍ : { إنّما حرّم عليكم الميتة والدّم ولحم الخنزير وما أهلّ به لغير اللّه ، فمن اضطرّ غير باغٍ ولا عادٍ فلا إثم عليه إنّ اللّه غفور رحيم } .

 ولا شكّ أنّ الإكراه الملجئ من الضّرورة الّتي رفع اللّه الإثم فيها ، فيباح الفعل عند تحقّقها ، وتناول المباح دفعاً للهلاك عن النّفس أو بعض أجزائها واجب ، فلا يجوز تركه ، ولو شرب الخمر مكرهاً لم يحدّ ، لأنّه لا جناية حينئذٍ ، والحدّ إنّما شرع زجراً عن الجنايات .

ج - أفعال رخّص الشّارع في فعلها عند الضّرورة ، إلاّ أنّه لو صبر المكره على تحمّل الأذى ، ولم يفعلها حتّى مات ، كان مثاباً من اللّه تعالى ، وذلك كالكفر باللّه تعالى أو الاستخفاف بالدّين ، فإذا أكره الإنسان على الإتيان بشيءٍ من ذلك جاز له الفعل متى كان قلبه مطمئنّاً بالإيمان ، لقول اللّه عزّ وجلّ { إلاّ من أكره وقلبه مطمئنّ بالإيمان } .

 ومن السّنّة ما جاء بإسنادٍ صحيحٍ عند الحاكم والبيهقيّ وغيرهما عن محمّد بن عمّارٍ عن أبيه « أخذ المشركون عمّار بن ياسرٍ ، فلم يتركوه حتّى سبّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم وذكر آلهتهم بخيرٍ ، فلمّا أتى النّبيّ عليه الصلاة والسلام قال : ما وراءك ؟ قال : شرّ ، يا رسول اللّه ، ما تركت حتّى نلت منك ، وذكرت آلهتهم بخيرٍ ، قال صلى الله عليه وسلم : فكيف تجد قلبك ؟ قال : مطمئنّاً بالإيمان ، قال صلى الله عليه وسلم : فإن عادوا فعد » .

وقد ألحق علماء المذهب بهذا النّوع الإكراه على إفساد صوم رمضان ، أو ترك الصّلاة المفروضة ، أو إتلاف مال الغير ، فإنّ المكره لو صبر وتحمّل الأذى ، ولم يفعل ما أكره عليه كان مثاباً ، وإن فعل شيئاً منها فلا إثم عليه ، وكان الضّمان في صورة الإتلاف على الحامل عليه لا على الفاعل ، لأنّ فعل الإتلاف يمكن أن ينسب إلى الحامل بجعل الفاعل آلةً له ، فيثبت الضّمان عليه .


اكتب معهد الماهر
أعلى