الرئيسية
المنتديات
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
الغرف الصوتية
غرفة ٠٠٠٠
ما الجديد
المشاركات الجديدة
جديد مشاركات الحائط
آخر النشاطات
الأعضاء
الزوار الحاليين
مشاركات الحائط الجديدة
البحث عن مشاركات الملف الشخصي
تسجيل الدخول
تسجيل
ما الجديد
البحث
البحث
بحث بالعناوين فقط
بواسطة:
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
قائمة
تسجيل الدخول
تسجيل
تثبيت التطبيق
تثبيت
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية
تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة
.
الرد على الموضوع
الرسالة
<blockquote data-quote="ابن عامر الشامي" data-source="post: 40958" data-attributes="member: 329"><p>أركان الالتزام :</p><p>17 - ركن الالتزام عند الحنفيّة هو : الصّيغة فقط ويزاد عليها عند غيرهم : الملتزِم ( بكسر الزّاي ) والملتزم له ، والملتزم به ، أي محلّ الالتزام .</p><p>أوّلاً : الصّيغة :</p><p>18 - تتكوّن الصّيغة من الإيجاب والقبول معاً في الالتزامات الّتي تتوقّف على إرادة الملتزم والملتزم له ، كالنّكاح وكعقود المعاوضات ، مثل البيع والإجارة ، وهذا باتّفاقٍ .</p><p>أمّا الالتزامات بالتّبرّعات كالوقف والوصيّة والهبة ففيها اختلاف الفقهاء بالنّسبة للقبول . ومن الالتزامات ما يتمّ بإرادة الملتزم وحده باتّفاقٍ ، كالنّذر والعتق واليمين .</p><p>وصيغة الالتزام ( الإيجاب ) تكون باللّفظ أو ما يقوم مقامه من كتابةٍ أو إشارةٍ مفهمةٍ ونحوها ممّا يدلّ على إلزام الشّخص نفسه ما التزمه .</p><p>وقد يكون الالتزام بالفعل كالشّروع في الجهاد والحجّ ، وكمن قام إلى الصّلاة فنوى وكبّر فقد عقدها لربّه بالفعل . كذلك يكون الالتزام بمقتضى العادة ، ومن القواعد الفقهيّة ( العادة محكّمة ) ومن ذلك من تزوّجت وهي ساكنة في بيتٍ لها ، فسكن الزّوج معها ، فلا كراء عليه ، إلاّ إن تبيّن أنّها ساكنة بالكراء .</p><p>ويلاحظ أنّ أغلب الالتزامات قد ميّزت بأسماءٍ خاصّةٍ ، فالالتزام بتسليم الملك بعوضٍ بيع ، وبدونه هبة أو عطيّة أو صدقة ، والالتزام بالتّمكين من المنفعة بعوضٍ إجارة ، وبدونه إعارة أو وقف أو عمرى ، وسمّي التزام الدّين ضماناً ، ونقله حوالةً ، والتّنازل عنه إبراءً ، والتزام طاعة اللّه بنيّة القربة : نذراً وهكذا .</p><p>ولكلّ نوعٍ من هذه الالتزامات صيغ خاصّة سواء أكانت صريحةً ، أم كنايةً تحتاج إلى نيّةٍ أو قرينةٍ ، وتنظر في أبوابها .</p><p>وقد ذكر الفقهاء ألفاظاً خاصّةً تعتبر صريحةً في الالتزام وهي : التزمت ، أو ألزمت نفسي . ومنها أيضاً لفظ ( عليّ ) أو ( إليّ ) ، جاء في الهداية في باب الكفالة لو قال : عليّ أو إليّ تصحّ الكفالة ، لأنّها صيغة الالتزام ، وقال مثل ذلك ابن عابدين .</p><p>وفي نهاية المحتاج : شرط الصّيغة في الإقرار لفظ أو كتابة من ناطقٍ أو إشارة من أخرس تشعر بالالتزام بحقٍّ ، مثل : لزيدٍ هذا الثّوب " وعليّ " " وفي ذمّتي " للمدين الملتزم " ومعي " " وعندي " للعين .</p><p>ثانياً : الملتزم :</p><p>19 - الملتزم هو من التزم بأمرٍ من الأمور كتسليم شيءٍ ، أو أداء دينٍ ، أو القيام بعملٍ . والالتزامات متنوّعة على ما هو معروف . فما كان منها من باب المعاوضات فإنّه يشترط فيه في الجملة أهليّة التّصرّف . وما كان من باب التّبرّعات فيشترط فيه أن يكون أهلاً للتّبرّع . وفي ذلك تفصيل من حيث تصرّف الوكيل والوليّ والفضوليّ ، ومن الفقهاء من أجاز وصيّة السّفيه والصّبيّ المميّز كالحنابلة . وينظر ذلك في أبوابه .</p><p>ثالثاً : الملتزم له :</p><p>20 - الملتزم له الدّائن ، أو صاحب الحقّ : فإن كان الالتزام تعاقديّاً ، وكان الملتزم له طرفاً في العقد ، فإنّه يشترط فيه الأهليّة ، أي أهليّة التّعاقد على ما هو معروف في العقود ، وإلاّ تمّ ذلك بواسطة من ينوب عنه .</p><p>وإذا كان الالتزام بالإرادة المنفردة فلا يشترط في الملتزم له ذلك .</p><p>والّذي يشترط في الملتزم له في الجملة أن يكون ممّن يصحّ أن يملك ، أو يملك النّاس الانتفاع به كالمساجد والقناطر .</p><p>وعلى ذلك فإنّه يصحّ الالتزام للحمل ، ولمن سيوجد ، فتصحّ الصّدقة عليه والهبة له .</p><p>وعند المالكيّة تجوز الوصيّة لميّتٍ علم الموصي بموته ، ويصرف الموصى به في قضاء ما عليه من الدّيون ، وإلاّ صرف لورثته وإلاّ بطلت الوصيّة .</p><p>كما أنّ كفالة دين الميّت المفلس جائزة ، وقد أقرّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم ذلك ، فقد روى البخاريّ عن سلمة بن الأكوع « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أتي برجلٍ يصلّي عليه فقال : هل عليه دين ؟ قالوا : نعم ديناران ، قال : هل ترك لهما وفاءً ؟ قالوا : لا ، فتأخّر ، فقيل : لم لا تصلّي عليه ؟ فقال : ما تنفعه صلاتي وذمّته مرهونة إلاّ إن قام أحدكم فضمنه ، فقام أبو قتادة فقال : هما عليّ يا رسول اللّه ، فصلّى عليه النّبيّ صلى الله عليه وسلم » .</p><p> كما أنّه يجوز الالتزام للمجهول ، فقد نصّ الفقهاء على صحّة تنفيل الإمام في الجهاد بقوله محرّضاً للمجاهدين : من قتل قتيلاً فله سلبه ، وعندئذٍ من يقتل عدوّاً يستحقّ أسلابه ، ولو لم يكن ممّن سمعوا مقالة الإمام .</p><p> ومن ذلك ما لو قال رجل : من يتناول من مالي فهو مباح فتناول رجل من غير أن يعلم . ومن ذلك أيضاً بناء سقايةٍ للمسلمين أو خانٍ لأبناء السّبيل . وينظر تفصيل ذلك في مواضعه رابعاً : محلّ الالتزام ( الملتزم به ) :</p><p>21 - الالتزام هو إيجاب الفعل الّذي يقوم به الملتزم كالالتزام بتسليم المبيع للمشتري ، وتسليم الثّمن للبائع ، وكالالتزام بأداء الدّين ، والمحافظة على الوديعة ، وتمكين المستأجر والمستعير من الانتفاع بالعين ، والموهوب له من الهبة ، والمسكين من الصّدقة ، والقيام بالعمل في عقد الاستصناع والمساقاة والمزارعة ، وفعل المنذور ، وإسقاط الحقّ ... وكذا . وهذه الالتزامات ترد على شيءٍ تتعلّق به ، وهو قد يكون عيناً أو ديناً ، أو منفعةً أو عملاً ، أو حقّاً ، وهذا ما يسمّى بمحلّ الالتزام أو موضوعه .</p><p>ولكلّ محلٍّ شروط خاصّة حسب طبيعة التّصرّف المرتبط به ، والشّروط قد تختلف من تصرّفٍ إلى آخر ، فما يجوز الالتزام به في تصرّفٍ قد لا يجوز الالتزام به في تصرّفٍ آخر .</p><p>إلاّ أنّه يمكن إجمال الشّروط بصفةٍ عامّةٍ مع مراعاة الاختلاف في التّفاصيل .</p><p> وبيان ذلك فيما يلي :</p><p>أ - انتفاء الغرر والجهالة :</p><p>22 - يشترط بصفةٍ عامّةٍ في المحلّ الّذي يتعلّق به الالتزام انتفاء الغرر ، والغرر ينتفي عن الشّيء - كما يقول ابن رشدٍ - بأن يكون معلوم الوجود ، معلوم الصّفة ، معلوم القدر ، ومقدوراً على تسليمه .</p><p>وانتفاء الغرر شرط متّفق عليه في الجملة في الالتزامات الّتي تترتّب على المعاوضات المحضة كالبيع والإجارة ، مبيعاً وثمناً ومنفعةً وعملاً وأجرةً .</p><p>هذا مع استثناء بعضها بالنّسبة لوجود محلّ الالتزام وقت التّصرّف كالسّلم والإجارة والاستصناع ، فإنّها أجيزت استحساناً مع عدم وجود المسلم فيه والمنفعة والعمل ، وذلك للحاجة . ويراعى كذلك الخلاف في بيع الثّمر قبل بدوّ صلاحه .</p><p>وإذا كان شرط انتفاء الغرر متّفقاً عليه في المعاوضات المحضة ، فإنّ الأمر يختلف بالنّسبة لغيرها من تبرّعاتٍ كالهبة بلا عوضٍ والإعارة ، وتوثيقاتٍ كالرّهن والكفالة وغيرها .</p><p> فمن الفقهاء من يجيز الالتزام بالمجهول وبالمعدوم وبغير المقدور على تسليمه ، ومنهم من لا يجيز ذلك . وأكثرهم تمسّكاً بذلك الحنفيّة والشّافعيّة .</p><p>23 - ومن العسير في هذا المقام تتبّع كلّ التّصرّفات لمعرفة مدى انطباق شرط انتفاء الغرر على كلّ تصرّفٍ . ولذلك سنكتفي ببعض نصوص المذاهب الّتي تلقي ضوءاً على ذلك ، على أن يرجع في التّفصيلات إلى مواضعها :</p><p>-1- في الفروق للقرافيّ : الفرق الرّابع والعشرون بين قاعدة : ما تؤثّر فيه الجهالات والغرر ، وقاعدة : ما لا يؤثّر فيه ذلك من التّصرّفات . وردت الأحاديث الصّحيحة في « نهيه عليه الصلاة والسلام عن بيع الغرر وعن بيع المجهول » .</p><p>واختلف العلماء بعد ذلك ، فمنهم من عمّمه في التّصرّفات ، وهو الشّافعيّ ، فمنع من الجهالة في الهبة والصّدقة والإبراء والخلع والصّلح وغير ذلك .</p><p>ومنهم من فصّل ، وهو مالك ، بين قاعدة ما يجتنب فيه الغرر والجهالة ، وهو باب المماكسات والتّصرّفات الموجبة لتنمية الأموال وما يقصد به تحصيلها ، وقاعدة ما لا يجتنب فيه الغرر والجهالة ، وهو ما لا يقصد لذلك ، وانقسمت التّصرّفات عنده ثلاثة أقسامٍ : طرفان وواسطة .</p><p>24 - فالطّرفان : أحدهما معاوضة صرفة ، فيجتنب فيها ذلك إلاّ ما دعت الضّرورة إليه عادةً .</p><p> وثانيهما ما هو إحسان صرف لا يقصد به تنمية المال ، كالصّدقة والهبة والإبراء ، فإنّ هذه التّصرّفات لا يقصد بها تنمية المال ، بل إن فاتت على من أحسن إليه بها لا ضرر عليه ، فإن لم يبذل شيئاً بخلاف القسم الأوّل إذا فات بالغرر والجهالات ضاع المال المبذول في مقابلته ، فاقتضت حكمة الشّرع منع الجهالات فيه . أمّا الإحسان الصّرف فلا ضرر فيه ، فاقتضت حكمة الشّرع وحثّه على الإحسان التّوسعة فيه بكلّ طريقٍ ، بالمعلوم والمجهول ، فإنّ ذلك أيسر لكثرة وقوعه قطعاً ، وفي المنع من ذلك وسيلة إلى تقليله ، فإذا وهب له عبده الآبق جاز أن يجده ، فيحصل له ما ينتفع به ولا ضرر عليه إن لم يجده ، لأنّه لم يبذل شيئاً . وهذا فقه جميل . ثمّ إنّ الأحاديث لم يرد فيها ما يعمّ هذه الأقسام حتّى نقول : يلزم منه مخالفة نصوص الشّرع ، بل إنّما وردت في البيع ونحوه .</p><p>25 - وأمّا الواسطة بين الطّرفين فهو النّكاح ، فهو من جهة أنّ المال فيه ليس مقصوداً - وإنّما مقصده المودّة والألفة والسّكون - يقتضي أن يجوز فيه الجهالة والغرر مطلقاً ، ومن جهة أنّ صاحب الشّرع اشترط فيه المال بقوله تعالى : { أن تبتغوا بأموالكم } يقتضي امتناع الغرر والجهالة فيه . فلوجود الشّبهين توسّط مالك فجوّز فيه الغرر القليل دون الكثير ، نحو عبدٍ من غير تعيينٍ وشورة بيتٍ ( وهي الجهاز ) ، ولا يجوز على العبد الآبق والبعير الشّارد ، لأنّ الأوّل يرجع فيه إلى الوسط المتعارف ، والثّاني ليس له ضابط فامتنع ، وألحق الخلع بأحد الطّرفين الأوّلين الّذي يجوز فيه الغرر مطلقاً ، لأنّ العصمة وإطلاقها ليس من باب ما يقصد للمعاوضة ، بل شأن الطّلاق أن يكون بغير شيءٍ فهو كالهبة . فهذا هو الفرق ، والفقه مع مالكٍ رحمه الله .</p><p>وفي الفروق كذلك : اتّفق مالك وأبو حنيفة على جواز التّعليق في الطّلاق والعتاق قبل النّكاح وقبل الملك ، فيقول للأجنبيّة : إن تزوّجتك فأنت طالق ، وللعبد : إن اشتريتك فأنت حرّ ، فيلزمه الطّلاق والعتاق إذا تزوّج واشترى خلافاً للشّافعيّ ، ووافقنا الشّافعيّ على جواز التّصرّف بالنّذر قبل الملك ، فيقول : إن ملكت ديناراً فهو صدقة .</p><p>وجميع ما يمكن أن يتصدّق به المسلم في الذّمّة في باب المعاملات . ودليل ذلك .</p><p>أوّلاً : القياس على النّذر في غير المملوك بجامع الالتزام بالمعدوم .</p><p>وثانياً : قال اللّه تعالى : { أوفوا بالعقود } والطّلاق والعتاق عقدان عقدهما على نفسه فيجب الوفاء بهما .</p><p>وثالثاً : قوله عليه الصلاة والسلام : « المسلمون على شروطهم » ، وهذان شرطان فوجب الوقوف معهما .</p><p>26 -/ 2- في المنثور للزّركشيّ : من حكم العقود اللّازمة أن يكون المعقود عليه معلوماً مقدوراً على تسليمه في الحال ، والجائز قد لا يكون كذلك ، كالجعالة تعقد على ردّ الآبق . ثمّ قال : حيث اعتبر العوض في عقدٍ من الطّرفين أو من أحدهما فشرطه أن يكون معلوماً ، كثمن المبيع وعوض الأجرة ، إلاّ في الصّداق وعوض الخلع ، فإنّ الجهالة فيه لا تبطله ، لأنّ له مراداً ( بدلاً ) معلوماً وهو مهر المثل ، وقد يكون العوض في حكم المجهول ، كالعوض في المضاربة والمساقاة .</p><p>- 3- في إعلام الموقّعين بعد أن قرّر ابن القيّم أنّ العلّة في بطلان بيع المعدوم هي الغرر قال : وكذلك سائر عقود المعاوضات بخلاف الوصيّة فإنّها تبرّع محض ، فلا غرر في تعلّقها بالموجود والمعدوم ، وما يقدر على تسليمه وما لا يقدر ، وطرده ( مثاله ) : الهبة ، إذ لا محذور في ذلك فيها ، وقد صحّ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم هبة المشاع المجهول في قوله لصاحب كبّة الشّعر حين أخذها من المغنم ، وسأله أن يهبها له فقال : « أمّا ما كان لي ولبني عبد المطّلب فهو لك » </p><p>27 -/ 4- في القواعد لابن رجبٍ في إضافة الإنشاءات والإخبارات إلى المبهمات قال : أمّا الإنشاءات فمنها العقود ، وهي أنواع :</p><p>أحدها : عقود التّمليكات المحضة كالبيع والصّلح بمعناه ( أي على بدلٍ ) ، وعقود التّوثيقات كالرّهن والكفالة ، والتّبرّعات اللّازمة بالعقد أو بالقبض بعدةٍ كالهبة والصّدقة ، فلا يصحّ في مبهمٍ من أعيانٍ متفاوتةٍ ، كعبدٍ من عبيدٍ ، وشاةٍ من قطيعٍ ، وكفالة أحد هذين الرّجلين ، وضمان أحد هذين الدّينين . وفي الكفالة احتمال ، لأنّه تبرّع ، فهو كالإعارة والإباحة ، ويصحّ في مبهمٍ من أعيانٍ متساويةٍ مختلطةٍ ، كقفيزٍ من صبرةٍ ، فإن كانت متميّزةً متفرّقةً ففيه احتمالان ذكرهما في التّلخيص ، وظاهر كلام القاضي الصّحّة .</p><p>والثّاني : عقود معاوضاتٍ غير متمحّضةٍ ، كالصّداق وعوض الخلع والصّلح عن دم العمد ، ففي صحّتها على مبهمٍ من أعيانٍ مختلفةٍ وجهان : أصحّهما الصّحّة .</p><p>والثّالث : عقد تبرّعٍ معلّق بالموت فيصحّ في المبهم بغير خلافٍ لما دخله من التّوسّع ، ومثله عقود التّبرّعات ، كإعارة أحد هذين الثّوبين وإباحة أحد هذين الرّغيفين ، وكذلك عقود المشاركات والأمانات المحضة ، مثل أن يقول : ضارب بإحدى هاتين المائتين - وهما في كيسين - ودع الأخرى عندك وديعةً . وأمّا الفسوخ فما وضع منها على التّغليب والسّراية صحّ في المبهم كالطّلاق والعتاق .. إلخ .</p><p>ب - قابليّة المحلّ لحكم التّصرّف :</p><p>28 - يشترط كذلك في المحلّ الّذي يتعلّق به الالتزام : أن يكون قابلاً لحكم التّصرّف ، بمعنى ألاّ يكون التّصرّف فيه مخالفاً للشّرع .</p><p>وهذا الشّرط متّفق عليه بصفةٍ عامّةٍ مع الاختلاف في التّفاصيل .</p><p>يقول السّيوطيّ : كلّ تصرّفٍ تقاعد عن تحصيل مقصوده فهو باطل . فلذلك لم يصحّ بيع الحرّ ولا الإجارة على عملٍ محرّمٍ .</p><p>ويقول ابن رشدٍ في الإجارة : ممّا اجتمعوا على إبطال إجارته : كلّ منفعةٍ كانت لشيءٍ محرّم العين ، كذلك كلّ منفعةٍ كانت محرّمةً بالشّرع ، مثل أجر النّوائح وأجر المغنّيات ، وكذلك كلّ منفعةٍ كانت فرض عينٍ على الإنسان بالشّرع ، مثل الصّلاة وغيرها .</p><p>وفي المهذّب : الوصيّة بما لا قربة فيه ، كالوصيّة للكنيسة والوصيّة بالسّلاح لأهل الحرب باطلة . وبالجملة فإنّه لا يصحّ الالتزام بما هو غير مشروعٍ ، كالالتزام بتسليم الخمر أو الخنزير في بيعٍ أو هبةٍ أو وصيّةٍ أو غير ذلك ، ولا الالتزام بالتّعامل بالرّبا ، أو الزّواج بمن تحرم عليه شرعاً . وهكذا . وينظر تفصيل ذلك في مواضعه . </p><p>آثار الالتزام :</p><p> آثار الالتزام هي : ما تترتّب عليه ، وهي المقصد الأصليّ للالتزام . وتختلف آثار الالتزام تبعاً لاختلاف التّصرّفات الملزمة واختلاف الملتزم به ، ومن ذلك :</p><p>( 1 ) ثبوت الملك :</p><p>29 - يثبت ملك العين أو المنفعة أو الانتفاع أو العوض وانتقاله للملتزم له في التّصرّفات الّتي تقتضي ذلك متى استوفت أركانها وشرائطها ، مثل البيع والإجارة والصّلح والقسمة ، ومع ملاحظة القبض فيما يشترط فيه القبض عند من يقول به . وهذا باتّفاقٍ .</p><p>( 2 ) حقّ الحبس :</p><p>30 - يعتبر الحبس من آثار الالتزام . فالبائع له حقّ حبس المبيع ، حتّى يستوفي الثّمن الّذي التزم به المشتري ، إلاّ أن يكون الثّمن مؤجّلاً . </p><p>والمؤجّر له حقّ حبس المنافع إلى أن يستلم الأجرة المعجّلة . وللصّانع حقّ حبس العين بعد الفراغ من العمل إذا كان لعمله أثر في العين ، كالقصّار والصّبّاغ والنّجّار والحدّاد . والمرتهن له حقّ حبس المرهون حتّى يؤدّي الرّاهن ما عليه . يقول ابن رشدٍ : حقّ المرتهن في الرّهن أن يمسكه حتّى يؤدّي الرّاهن ما عليه ، والرّهن عند الجمهور يتعلّق بجملة الحقّ المرهون فيه وببعضه ، أعني أنّه إذا رهنه في عددٍ ما ، فأدّى منه بعضه ، فإنّ الرّهن بأسره يبقى بعد بيد المرتهن حتّى يستوفي حقّه . وقال قوم : بل يبقى من الرّهن بيد المرتهن بقدر ما يبقى من الحقّ ، وحجّة الجمهور أنّه محبوس بحقٍّ ، فوجب أن يكون محبوساً بكلّ جزءٍ منه ، أصله ( أي المقيس عليه ) حبس التّركة على الورثة حتّى يؤدّوا الدّين الّذي على الميّت . وحجّة الفريق الثّاني أنّ جميعه محبوس بجميعه ، فوجب أن يكون أبعاضه محبوسةً بأبعاضه ، أصله الكفالة . </p><p>ومن ذلك حبس المدين بما عليه من الدّين ، إذا كان قادراً على أداء دينه وماطل في الأداء ، وطلب صاحب الدّين حبسه من القاضي ، وللغريم كذلك منعه من السّفر ، لأنّ له حقّ المطالبة بحبسه . </p><p>( 3 ) التّسليم والرّدّ :</p><p>31 - يعتبر التّسليم من آثار الالتزام فيما يلتزم الإنسان بتسليمه . </p><p> فالبائع ملتزم بتسليم المبيع للمشتري ، والمؤجّر ملتزم بتسليم العين وما يتبعها للمستأجر بحيث تكون مهيّأةً للانتفاع بها ، والمشتري والمستأجر ملتزمان بتسليم العوض ، وأجير الوحد ( الأجير الخاصّ ) ملتزم بتسليم نفسه ، والكفيل ملتزم بتسليم ما التزم به ، والزّوج ملتزم بتسليم الصّداق ، والزّوجة ملتزمة بتسليم البضع ، والواهب ملتزم بتسليم الموهوب عند من يرى وجوب الهبة ، وربّ المال في السّلم والمضاربة مطالب بتسليم رأس المال . وهكذا كلّ من التزم بتسليم شيءٍ وجب عليه القيام بالتّسليم . </p><p>ومثل ذلك ردّ الأمانات والمضمونات ، سواء أكان الرّدّ واجباً ابتداءً أم بعد الطّلب ، وذلك كالمودع والمستعار والمستأجر والقرض والمغصوب والمسروق واللّقطة إذا جاء صاحبها ، وما عند الوكيل والشّريك والمضارب إذا فسخ المالك وهكذا . </p><p>مع اعتبار أنّ التّسليم في كلّ شيءٍ بحسبه ، قد يكون بالإقباض ، وقد يكون بالتّخلية والتّمكين من الملتزم به . </p><p>( 4 ) ثبوت حقّ التّصرّف : </p><p>يثبت للملتزم له حقّ التّصرّف في الملتزم به بامتلاكه ، لكن يختلف نوع التّصرّف باختلاف نوع الملكيّة في الملتزم به ، وذلك كما يأتي :</p><p>32 - أ - إذا كان الملتزم به تمليكاً للعين أو للدّين ، فإنّه يثبت للمالك حقّ التّصرّف فيه بكلّ أنواع التّصرّف من بيعٍ وهبةٍ ووصيّةٍ وعتقٍ وأكلٍ ونحو ذلك ، لأنّه أصبح ملكه ، فله ولاية التّصرّف فيه . </p><p>وهذا إذا كان بعد القبض بلا خلافٍ ، أمّا قبل القبض فإنّ الفقهاء يختلفون فيما يجوز التّصرّف فيه قبل القبض وما لا يجوز . </p><p>وبالجملة فإنّه لا يصحّ عند الحنفيّة والشّافعيّة ، وفي روايةٍ عن الإمام أحمد التّصرّف في الأعيان المملوكة في عقود المعاوضات قبل قبضها . إلاّ العقار فيجوز بيعه قبل قبضه عند أبي حنيفة وأبي يوسف خلافاً لمحمّدٍ . ودليل منع التّصرّف قبل القبض قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزامٍ : « لا تبع ما لم تقبضه » ولأنّ فيه غرر انفساخ العقد على اعتبار الهلاك . </p><p>وعند المالكيّة ، والمذهب عند الحنابلة : أنّه يجوز التّصرّف قبل القبض إلاّ في الطّعام ، فلا يجوز التّصرّف فيه قبل قبضه ، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتّى يستوفيه » . </p><p>وأمّا الدّيون : فعند الحنفيّة يجوز التّصرّف فيها قبل القبض إلاّ في الصّرف والسّلم : </p><p>أمّا الصّرف فلأنّ كلّ واحدٍ من بدلي الصّرف مبيع من وجهٍ وثمن من وجهٍ . فمن حيث هو ثمن يجوز التّصرّف فيه قبل القبض ، ومن حيث هو مبيع لا يجوز ، فغلب جانب الحرمة احتياطاً . وأمّا السّلم فلأنّ المسلم فيه مبيع بالنّصّ ، والاستبدال بالمبيع المنقول قبل القبض لا يجوز . وكذلك يجوز تصرّف المقرض في القرض قبل القبض عندهم ، وذكر الطّحاويّ : أنّه لا يجوز . وعند المالكيّة يجوز التّصرّف في الدّيون قبل القبض فيما سوى الصّرف والسّلم ، فإنّ الإمام مالكاً منع بيع المسلم فيه قبل قبضه في موضعين : </p><p>أحدهما : إذا كان المسلم فيه طعاماً ، وذلك بناءً على مذهبه في أنّ الّذي يشترط في صحّة بيعه القبض هو الطّعام ، على ما جاء عليه النّصّ في الحديث . </p><p>والثّاني : إذا لم يكن المسلم فيه طعاماً فأخذ عوضه المسلم ( صاحب الثّمن ) ما لا يجوز أن يسلم فيه رأس ماله ، مثل أن يكون المسلم فيه عرضاً والثّمن عرضاً مخالفاً له ، فيأخذ المسلم من المسلم إليه إذا حان الأجل شيئاً من جنس ذلك العرض الّذي هو الثّمن ، وذلك أنّ هذا يدخله إمّا سلف وزيادة ، إن كان العرض المأخوذ أكثر من رأس مال السّلم ، وإمّا ضمان وسلف إن كان مثله أو أقلّ . </p><p>وعند الشّافعيّة إن كان الملك على الدّيون مستقرّاً ، كغرامة المتلف وبدل القرض جاز بيعه ممّن عليه قبل القبض ، لأنّ ملكه مستقرّ عليه ، وهو الأظهر في بيعه من غيره . وإن كان الدّين غير مستقرٍّ فإن كان مسلماً فيه لم يجز ، وإن كان ثمناً في بيعٍ ففيه قولان . </p><p>وعند الحنابلة : كلّ عوضٍ ملك بعقدٍ ينفسخ بهلاكه قبل القبض لم يجز التّصرّف فيه قبل قبضه ، كالأجرة وبدل الصّلح إذا كانا من المكيل أو الموزون أو المعدود ، وما لا ينفسخ العقد بهلاكه جاز التّصرّف فيه قبل قبضه ، كعوض الخلع وأرش الجناية وقيمة المتلف . </p><p>أمّا ما يثبت فيه الملك من غير عوضٍ ، كالوصيّة والهبة والصّدقة ، فإنّه يجوز في الجملة التّصرّف فيه قبل قبضه عند الجمهور . </p><p>33 - ب - وإذا كان الملتزم به تمليكاً للمنفعة ، فإنّه يثبت لمالك المنفعة حقّ التّصرّف في الحدود المأذون فيها ، وتمليك المنفعة لغيره كما في الإجارة والوصيّة بالمنفعة والإعارة وهذا عند المالكيّة وفي الإجارة عند جميع المذاهب ، وفي غيرها اختلافهم ، والقاعدة عند الحنفيّة : أنّ المنافع الّتي تملك ببدلٍ يجوز تمليكها ببدلٍ كالإجارة ، والّتي تملك بغير عوضٍ لا يجوز تمليكها بعوضٍ . فالمستعير يملك الإعارة ولا يملك الإجارة . </p><p>34 - ج - وإذا كان الملتزم به حقّ الانتفاع فقط ، فإنّ حقّ التّصرّف يقتصر على انتفاع الملتزم له بنفسه فقط ، كما في العاريّة عند الشّافعيّة ، وفي وجهٍ عند الحنابلة ، وكالإباحة للطّعام في الضّيافات . </p><p>35 - د - وإذا كان الملتزم به إذناً في التّصرّف ، فإنّه يثبت للمأذون له حقّ التّصرّف المطلق إذا كان الإذن مطلقاً ، وإلاّ اقتصر التّصرّف على ما أذن به ، وذلك كما في الوكالة والمضاربة . وفي كلّ ذلك تفصيل ينظر في مواضعه . </p><p>( 5 ) منع حقّ التّصرّف :</p><p>36 - قد ينشأ من بعض الالتزامات منع حقّ التّصرّف ومن أمثلة ذلك : الرّهن ، فلا يصحّ تصرّف الرّاهن في المرهون ببيعٍ أو غيره ، لأنّ المرتهن أخذ العين بحقّه في الرّهن ، وهو التّوثّق باستيفاء دينه وقبض المرهون . فالمرتهن بالنّسبة إلى الرّهن كغرماء المفلس المحجور عليه . </p><p>( 6 ) صيانة الأنفس والأموال :</p><p>37 - الأصل أنّ المسلم ملتزم بحكم إسلامه بالمحافظة على دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم في خطبته يوم النّحر : « إنّ دماءكم وأموالكم حرام كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا ، في بلدكم هذا » . </p><p>أمّا بالنّسبة لغير المسلمين ، فإنّ ممّا يصون دماءهم وأموالهم التزام المسلمين بذلك بسبب العقود الّتي تتمّ معهم ، كعقد الأمان المؤقّت أو الدّائم . إذ ثمرة الأمان حرمة قتلهم واسترقاقهم وأخذ أموالهم ، ما داموا ملتزمين بموجب عقد الأمان أو عقد الذّمّة . </p><p>ومن صيانة الأموال : الالتزام بحفظ الوديعة بجعلها في مكان أمينٍ . وقد يجب الالتزام بذلك حرصاً على الأموال ، ولذلك يقول الفقهاء : إن لم يكن من يصلح لأخذ الوديعة غيره وخاف إن لم يقبل أن تهلك تعيّن عليه قبولها ، لأنّ حرمة المال كحرمة النّفس ، لما روى ابن مسعودٍ أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : « حرمة مال المؤمن كحرمة دمه » . ولو خاف على دمه لوجب عليه حفظه ، فكذلك إذا خاف على ماله . </p><p>ومن ذلك أخذ اللّقطة واللّقيط ، إذ يجب الأخذ إذا خيف الضّياع ، لأنّ حفظ مال الغير واجب ، قال ابن رشدٍ : يلزم أن يؤخذ اللّقيط ولا يترك ، لأنّه إن ترك ضاع وهلك ، لا خلاف بين أهل العلم في هذا ، وإنّما اختلفوا في لقطة المال ، وهذا الاختلاف إنّما هو إذا كانت بين قومٍ مأمونين والإمام عدل . أمّا إذا كانت بين قومٍ غير مأمونين فأخذها واجب قولاً واحداً . </p><p>ومن ذلك الالتزام بالولاية الشّرعيّة لحفظ مال الصّغير واليتيم والسّفيه . وينظر تفصيل ذلك في مواضعه . </p><p>( 7 ) الضّمان :</p><p>38 - الضّمان أثر من آثار الالتزام ، وهو يكون بإتلاف مال الغير أو الاعتداء عليه بالغصب أو السّرقة أو بالتّعدّي في الاستعمال المأذون فيه في المستعار والمستأجر أو بالتّفريط وترك الحفظ كما في الوديعة . يقول الكاسانيّ : تتغيّر صفة المستأجر من الأمانة إلى الضّمان بأشياء منها : ترك الحفظ ، لأنّ الأجير لمّا قبض المستأجر فقد التزم حفظه ، وترك الحفظ الملتزم سبب لوجوب الضّمان ، كالمودع إذا ترك الحفظ حتّى ضاعت الوديعة . وكذلك يضمن بالإتلاف والإفساد إذا كان الأجير متعدّياً فيه ، إذ الاستعمال المأذون فيه مقيّد بشرط السّلامة . ويقول السّيوطيّ : أسباب الضّمان أربعة : </p><p>الأوّل : العقد ، ومن أمثلته ضمان المبيع ، والثّمن المعيّن قبل القبض ، والمسلم فيه ، والمأجور . </p><p>والثّاني : اليد ، مؤتمنةً كانت كالوديعة والشّركة والوكالة والمقارضة إذا حصل التّعدّي ، أو غير مؤتمنةٍ كالغصب والسّوم والعاريّة والشّراء فاسداً . </p><p>والثّالث : الإتلاف للنّفس أو المال . </p><p>والرّابع : الحيلولة . </p><p>ويقول ابن رشدٍ : الموجب للضّمان إمّا المباشرة لأخذ المال المغصوب أو لإتلافه ، وإمّا المباشرة للسّبب المتلف ، وإمّا إثبات اليد عليه . وفي القواعد لابن رجبٍ : أسباب الضّمان ثلاثة : عقد ، ويد ، وإتلاف . وفي كلّ ذلك خلاف وتفصيلات وتفريعات تنظر في مواضعها .</p></blockquote><p></p>
[QUOTE="ابن عامر الشامي, post: 40958, member: 329"] أركان الالتزام : 17 - ركن الالتزام عند الحنفيّة هو : الصّيغة فقط ويزاد عليها عند غيرهم : الملتزِم ( بكسر الزّاي ) والملتزم له ، والملتزم به ، أي محلّ الالتزام . أوّلاً : الصّيغة : 18 - تتكوّن الصّيغة من الإيجاب والقبول معاً في الالتزامات الّتي تتوقّف على إرادة الملتزم والملتزم له ، كالنّكاح وكعقود المعاوضات ، مثل البيع والإجارة ، وهذا باتّفاقٍ . أمّا الالتزامات بالتّبرّعات كالوقف والوصيّة والهبة ففيها اختلاف الفقهاء بالنّسبة للقبول . ومن الالتزامات ما يتمّ بإرادة الملتزم وحده باتّفاقٍ ، كالنّذر والعتق واليمين . وصيغة الالتزام ( الإيجاب ) تكون باللّفظ أو ما يقوم مقامه من كتابةٍ أو إشارةٍ مفهمةٍ ونحوها ممّا يدلّ على إلزام الشّخص نفسه ما التزمه . وقد يكون الالتزام بالفعل كالشّروع في الجهاد والحجّ ، وكمن قام إلى الصّلاة فنوى وكبّر فقد عقدها لربّه بالفعل . كذلك يكون الالتزام بمقتضى العادة ، ومن القواعد الفقهيّة ( العادة محكّمة ) ومن ذلك من تزوّجت وهي ساكنة في بيتٍ لها ، فسكن الزّوج معها ، فلا كراء عليه ، إلاّ إن تبيّن أنّها ساكنة بالكراء . ويلاحظ أنّ أغلب الالتزامات قد ميّزت بأسماءٍ خاصّةٍ ، فالالتزام بتسليم الملك بعوضٍ بيع ، وبدونه هبة أو عطيّة أو صدقة ، والالتزام بالتّمكين من المنفعة بعوضٍ إجارة ، وبدونه إعارة أو وقف أو عمرى ، وسمّي التزام الدّين ضماناً ، ونقله حوالةً ، والتّنازل عنه إبراءً ، والتزام طاعة اللّه بنيّة القربة : نذراً وهكذا . ولكلّ نوعٍ من هذه الالتزامات صيغ خاصّة سواء أكانت صريحةً ، أم كنايةً تحتاج إلى نيّةٍ أو قرينةٍ ، وتنظر في أبوابها . وقد ذكر الفقهاء ألفاظاً خاصّةً تعتبر صريحةً في الالتزام وهي : التزمت ، أو ألزمت نفسي . ومنها أيضاً لفظ ( عليّ ) أو ( إليّ ) ، جاء في الهداية في باب الكفالة لو قال : عليّ أو إليّ تصحّ الكفالة ، لأنّها صيغة الالتزام ، وقال مثل ذلك ابن عابدين . وفي نهاية المحتاج : شرط الصّيغة في الإقرار لفظ أو كتابة من ناطقٍ أو إشارة من أخرس تشعر بالالتزام بحقٍّ ، مثل : لزيدٍ هذا الثّوب " وعليّ " " وفي ذمّتي " للمدين الملتزم " ومعي " " وعندي " للعين . ثانياً : الملتزم : 19 - الملتزم هو من التزم بأمرٍ من الأمور كتسليم شيءٍ ، أو أداء دينٍ ، أو القيام بعملٍ . والالتزامات متنوّعة على ما هو معروف . فما كان منها من باب المعاوضات فإنّه يشترط فيه في الجملة أهليّة التّصرّف . وما كان من باب التّبرّعات فيشترط فيه أن يكون أهلاً للتّبرّع . وفي ذلك تفصيل من حيث تصرّف الوكيل والوليّ والفضوليّ ، ومن الفقهاء من أجاز وصيّة السّفيه والصّبيّ المميّز كالحنابلة . وينظر ذلك في أبوابه . ثالثاً : الملتزم له : 20 - الملتزم له الدّائن ، أو صاحب الحقّ : فإن كان الالتزام تعاقديّاً ، وكان الملتزم له طرفاً في العقد ، فإنّه يشترط فيه الأهليّة ، أي أهليّة التّعاقد على ما هو معروف في العقود ، وإلاّ تمّ ذلك بواسطة من ينوب عنه . وإذا كان الالتزام بالإرادة المنفردة فلا يشترط في الملتزم له ذلك . والّذي يشترط في الملتزم له في الجملة أن يكون ممّن يصحّ أن يملك ، أو يملك النّاس الانتفاع به كالمساجد والقناطر . وعلى ذلك فإنّه يصحّ الالتزام للحمل ، ولمن سيوجد ، فتصحّ الصّدقة عليه والهبة له . وعند المالكيّة تجوز الوصيّة لميّتٍ علم الموصي بموته ، ويصرف الموصى به في قضاء ما عليه من الدّيون ، وإلاّ صرف لورثته وإلاّ بطلت الوصيّة . كما أنّ كفالة دين الميّت المفلس جائزة ، وقد أقرّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم ذلك ، فقد روى البخاريّ عن سلمة بن الأكوع « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أتي برجلٍ يصلّي عليه فقال : هل عليه دين ؟ قالوا : نعم ديناران ، قال : هل ترك لهما وفاءً ؟ قالوا : لا ، فتأخّر ، فقيل : لم لا تصلّي عليه ؟ فقال : ما تنفعه صلاتي وذمّته مرهونة إلاّ إن قام أحدكم فضمنه ، فقام أبو قتادة فقال : هما عليّ يا رسول اللّه ، فصلّى عليه النّبيّ صلى الله عليه وسلم » . كما أنّه يجوز الالتزام للمجهول ، فقد نصّ الفقهاء على صحّة تنفيل الإمام في الجهاد بقوله محرّضاً للمجاهدين : من قتل قتيلاً فله سلبه ، وعندئذٍ من يقتل عدوّاً يستحقّ أسلابه ، ولو لم يكن ممّن سمعوا مقالة الإمام . ومن ذلك ما لو قال رجل : من يتناول من مالي فهو مباح فتناول رجل من غير أن يعلم . ومن ذلك أيضاً بناء سقايةٍ للمسلمين أو خانٍ لأبناء السّبيل . وينظر تفصيل ذلك في مواضعه رابعاً : محلّ الالتزام ( الملتزم به ) : 21 - الالتزام هو إيجاب الفعل الّذي يقوم به الملتزم كالالتزام بتسليم المبيع للمشتري ، وتسليم الثّمن للبائع ، وكالالتزام بأداء الدّين ، والمحافظة على الوديعة ، وتمكين المستأجر والمستعير من الانتفاع بالعين ، والموهوب له من الهبة ، والمسكين من الصّدقة ، والقيام بالعمل في عقد الاستصناع والمساقاة والمزارعة ، وفعل المنذور ، وإسقاط الحقّ ... وكذا . وهذه الالتزامات ترد على شيءٍ تتعلّق به ، وهو قد يكون عيناً أو ديناً ، أو منفعةً أو عملاً ، أو حقّاً ، وهذا ما يسمّى بمحلّ الالتزام أو موضوعه . ولكلّ محلٍّ شروط خاصّة حسب طبيعة التّصرّف المرتبط به ، والشّروط قد تختلف من تصرّفٍ إلى آخر ، فما يجوز الالتزام به في تصرّفٍ قد لا يجوز الالتزام به في تصرّفٍ آخر . إلاّ أنّه يمكن إجمال الشّروط بصفةٍ عامّةٍ مع مراعاة الاختلاف في التّفاصيل . وبيان ذلك فيما يلي : أ - انتفاء الغرر والجهالة : 22 - يشترط بصفةٍ عامّةٍ في المحلّ الّذي يتعلّق به الالتزام انتفاء الغرر ، والغرر ينتفي عن الشّيء - كما يقول ابن رشدٍ - بأن يكون معلوم الوجود ، معلوم الصّفة ، معلوم القدر ، ومقدوراً على تسليمه . وانتفاء الغرر شرط متّفق عليه في الجملة في الالتزامات الّتي تترتّب على المعاوضات المحضة كالبيع والإجارة ، مبيعاً وثمناً ومنفعةً وعملاً وأجرةً . هذا مع استثناء بعضها بالنّسبة لوجود محلّ الالتزام وقت التّصرّف كالسّلم والإجارة والاستصناع ، فإنّها أجيزت استحساناً مع عدم وجود المسلم فيه والمنفعة والعمل ، وذلك للحاجة . ويراعى كذلك الخلاف في بيع الثّمر قبل بدوّ صلاحه . وإذا كان شرط انتفاء الغرر متّفقاً عليه في المعاوضات المحضة ، فإنّ الأمر يختلف بالنّسبة لغيرها من تبرّعاتٍ كالهبة بلا عوضٍ والإعارة ، وتوثيقاتٍ كالرّهن والكفالة وغيرها . فمن الفقهاء من يجيز الالتزام بالمجهول وبالمعدوم وبغير المقدور على تسليمه ، ومنهم من لا يجيز ذلك . وأكثرهم تمسّكاً بذلك الحنفيّة والشّافعيّة . 23 - ومن العسير في هذا المقام تتبّع كلّ التّصرّفات لمعرفة مدى انطباق شرط انتفاء الغرر على كلّ تصرّفٍ . ولذلك سنكتفي ببعض نصوص المذاهب الّتي تلقي ضوءاً على ذلك ، على أن يرجع في التّفصيلات إلى مواضعها : -1- في الفروق للقرافيّ : الفرق الرّابع والعشرون بين قاعدة : ما تؤثّر فيه الجهالات والغرر ، وقاعدة : ما لا يؤثّر فيه ذلك من التّصرّفات . وردت الأحاديث الصّحيحة في « نهيه عليه الصلاة والسلام عن بيع الغرر وعن بيع المجهول » . واختلف العلماء بعد ذلك ، فمنهم من عمّمه في التّصرّفات ، وهو الشّافعيّ ، فمنع من الجهالة في الهبة والصّدقة والإبراء والخلع والصّلح وغير ذلك . ومنهم من فصّل ، وهو مالك ، بين قاعدة ما يجتنب فيه الغرر والجهالة ، وهو باب المماكسات والتّصرّفات الموجبة لتنمية الأموال وما يقصد به تحصيلها ، وقاعدة ما لا يجتنب فيه الغرر والجهالة ، وهو ما لا يقصد لذلك ، وانقسمت التّصرّفات عنده ثلاثة أقسامٍ : طرفان وواسطة . 24 - فالطّرفان : أحدهما معاوضة صرفة ، فيجتنب فيها ذلك إلاّ ما دعت الضّرورة إليه عادةً . وثانيهما ما هو إحسان صرف لا يقصد به تنمية المال ، كالصّدقة والهبة والإبراء ، فإنّ هذه التّصرّفات لا يقصد بها تنمية المال ، بل إن فاتت على من أحسن إليه بها لا ضرر عليه ، فإن لم يبذل شيئاً بخلاف القسم الأوّل إذا فات بالغرر والجهالات ضاع المال المبذول في مقابلته ، فاقتضت حكمة الشّرع منع الجهالات فيه . أمّا الإحسان الصّرف فلا ضرر فيه ، فاقتضت حكمة الشّرع وحثّه على الإحسان التّوسعة فيه بكلّ طريقٍ ، بالمعلوم والمجهول ، فإنّ ذلك أيسر لكثرة وقوعه قطعاً ، وفي المنع من ذلك وسيلة إلى تقليله ، فإذا وهب له عبده الآبق جاز أن يجده ، فيحصل له ما ينتفع به ولا ضرر عليه إن لم يجده ، لأنّه لم يبذل شيئاً . وهذا فقه جميل . ثمّ إنّ الأحاديث لم يرد فيها ما يعمّ هذه الأقسام حتّى نقول : يلزم منه مخالفة نصوص الشّرع ، بل إنّما وردت في البيع ونحوه . 25 - وأمّا الواسطة بين الطّرفين فهو النّكاح ، فهو من جهة أنّ المال فيه ليس مقصوداً - وإنّما مقصده المودّة والألفة والسّكون - يقتضي أن يجوز فيه الجهالة والغرر مطلقاً ، ومن جهة أنّ صاحب الشّرع اشترط فيه المال بقوله تعالى : { أن تبتغوا بأموالكم } يقتضي امتناع الغرر والجهالة فيه . فلوجود الشّبهين توسّط مالك فجوّز فيه الغرر القليل دون الكثير ، نحو عبدٍ من غير تعيينٍ وشورة بيتٍ ( وهي الجهاز ) ، ولا يجوز على العبد الآبق والبعير الشّارد ، لأنّ الأوّل يرجع فيه إلى الوسط المتعارف ، والثّاني ليس له ضابط فامتنع ، وألحق الخلع بأحد الطّرفين الأوّلين الّذي يجوز فيه الغرر مطلقاً ، لأنّ العصمة وإطلاقها ليس من باب ما يقصد للمعاوضة ، بل شأن الطّلاق أن يكون بغير شيءٍ فهو كالهبة . فهذا هو الفرق ، والفقه مع مالكٍ رحمه الله . وفي الفروق كذلك : اتّفق مالك وأبو حنيفة على جواز التّعليق في الطّلاق والعتاق قبل النّكاح وقبل الملك ، فيقول للأجنبيّة : إن تزوّجتك فأنت طالق ، وللعبد : إن اشتريتك فأنت حرّ ، فيلزمه الطّلاق والعتاق إذا تزوّج واشترى خلافاً للشّافعيّ ، ووافقنا الشّافعيّ على جواز التّصرّف بالنّذر قبل الملك ، فيقول : إن ملكت ديناراً فهو صدقة . وجميع ما يمكن أن يتصدّق به المسلم في الذّمّة في باب المعاملات . ودليل ذلك . أوّلاً : القياس على النّذر في غير المملوك بجامع الالتزام بالمعدوم . وثانياً : قال اللّه تعالى : { أوفوا بالعقود } والطّلاق والعتاق عقدان عقدهما على نفسه فيجب الوفاء بهما . وثالثاً : قوله عليه الصلاة والسلام : « المسلمون على شروطهم » ، وهذان شرطان فوجب الوقوف معهما . 26 -/ 2- في المنثور للزّركشيّ : من حكم العقود اللّازمة أن يكون المعقود عليه معلوماً مقدوراً على تسليمه في الحال ، والجائز قد لا يكون كذلك ، كالجعالة تعقد على ردّ الآبق . ثمّ قال : حيث اعتبر العوض في عقدٍ من الطّرفين أو من أحدهما فشرطه أن يكون معلوماً ، كثمن المبيع وعوض الأجرة ، إلاّ في الصّداق وعوض الخلع ، فإنّ الجهالة فيه لا تبطله ، لأنّ له مراداً ( بدلاً ) معلوماً وهو مهر المثل ، وقد يكون العوض في حكم المجهول ، كالعوض في المضاربة والمساقاة . - 3- في إعلام الموقّعين بعد أن قرّر ابن القيّم أنّ العلّة في بطلان بيع المعدوم هي الغرر قال : وكذلك سائر عقود المعاوضات بخلاف الوصيّة فإنّها تبرّع محض ، فلا غرر في تعلّقها بالموجود والمعدوم ، وما يقدر على تسليمه وما لا يقدر ، وطرده ( مثاله ) : الهبة ، إذ لا محذور في ذلك فيها ، وقد صحّ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم هبة المشاع المجهول في قوله لصاحب كبّة الشّعر حين أخذها من المغنم ، وسأله أن يهبها له فقال : « أمّا ما كان لي ولبني عبد المطّلب فهو لك » 27 -/ 4- في القواعد لابن رجبٍ في إضافة الإنشاءات والإخبارات إلى المبهمات قال : أمّا الإنشاءات فمنها العقود ، وهي أنواع : أحدها : عقود التّمليكات المحضة كالبيع والصّلح بمعناه ( أي على بدلٍ ) ، وعقود التّوثيقات كالرّهن والكفالة ، والتّبرّعات اللّازمة بالعقد أو بالقبض بعدةٍ كالهبة والصّدقة ، فلا يصحّ في مبهمٍ من أعيانٍ متفاوتةٍ ، كعبدٍ من عبيدٍ ، وشاةٍ من قطيعٍ ، وكفالة أحد هذين الرّجلين ، وضمان أحد هذين الدّينين . وفي الكفالة احتمال ، لأنّه تبرّع ، فهو كالإعارة والإباحة ، ويصحّ في مبهمٍ من أعيانٍ متساويةٍ مختلطةٍ ، كقفيزٍ من صبرةٍ ، فإن كانت متميّزةً متفرّقةً ففيه احتمالان ذكرهما في التّلخيص ، وظاهر كلام القاضي الصّحّة . والثّاني : عقود معاوضاتٍ غير متمحّضةٍ ، كالصّداق وعوض الخلع والصّلح عن دم العمد ، ففي صحّتها على مبهمٍ من أعيانٍ مختلفةٍ وجهان : أصحّهما الصّحّة . والثّالث : عقد تبرّعٍ معلّق بالموت فيصحّ في المبهم بغير خلافٍ لما دخله من التّوسّع ، ومثله عقود التّبرّعات ، كإعارة أحد هذين الثّوبين وإباحة أحد هذين الرّغيفين ، وكذلك عقود المشاركات والأمانات المحضة ، مثل أن يقول : ضارب بإحدى هاتين المائتين - وهما في كيسين - ودع الأخرى عندك وديعةً . وأمّا الفسوخ فما وضع منها على التّغليب والسّراية صحّ في المبهم كالطّلاق والعتاق .. إلخ . ب - قابليّة المحلّ لحكم التّصرّف : 28 - يشترط كذلك في المحلّ الّذي يتعلّق به الالتزام : أن يكون قابلاً لحكم التّصرّف ، بمعنى ألاّ يكون التّصرّف فيه مخالفاً للشّرع . وهذا الشّرط متّفق عليه بصفةٍ عامّةٍ مع الاختلاف في التّفاصيل . يقول السّيوطيّ : كلّ تصرّفٍ تقاعد عن تحصيل مقصوده فهو باطل . فلذلك لم يصحّ بيع الحرّ ولا الإجارة على عملٍ محرّمٍ . ويقول ابن رشدٍ في الإجارة : ممّا اجتمعوا على إبطال إجارته : كلّ منفعةٍ كانت لشيءٍ محرّم العين ، كذلك كلّ منفعةٍ كانت محرّمةً بالشّرع ، مثل أجر النّوائح وأجر المغنّيات ، وكذلك كلّ منفعةٍ كانت فرض عينٍ على الإنسان بالشّرع ، مثل الصّلاة وغيرها . وفي المهذّب : الوصيّة بما لا قربة فيه ، كالوصيّة للكنيسة والوصيّة بالسّلاح لأهل الحرب باطلة . وبالجملة فإنّه لا يصحّ الالتزام بما هو غير مشروعٍ ، كالالتزام بتسليم الخمر أو الخنزير في بيعٍ أو هبةٍ أو وصيّةٍ أو غير ذلك ، ولا الالتزام بالتّعامل بالرّبا ، أو الزّواج بمن تحرم عليه شرعاً . وهكذا . وينظر تفصيل ذلك في مواضعه . آثار الالتزام : آثار الالتزام هي : ما تترتّب عليه ، وهي المقصد الأصليّ للالتزام . وتختلف آثار الالتزام تبعاً لاختلاف التّصرّفات الملزمة واختلاف الملتزم به ، ومن ذلك : ( 1 ) ثبوت الملك : 29 - يثبت ملك العين أو المنفعة أو الانتفاع أو العوض وانتقاله للملتزم له في التّصرّفات الّتي تقتضي ذلك متى استوفت أركانها وشرائطها ، مثل البيع والإجارة والصّلح والقسمة ، ومع ملاحظة القبض فيما يشترط فيه القبض عند من يقول به . وهذا باتّفاقٍ . ( 2 ) حقّ الحبس : 30 - يعتبر الحبس من آثار الالتزام . فالبائع له حقّ حبس المبيع ، حتّى يستوفي الثّمن الّذي التزم به المشتري ، إلاّ أن يكون الثّمن مؤجّلاً . والمؤجّر له حقّ حبس المنافع إلى أن يستلم الأجرة المعجّلة . وللصّانع حقّ حبس العين بعد الفراغ من العمل إذا كان لعمله أثر في العين ، كالقصّار والصّبّاغ والنّجّار والحدّاد . والمرتهن له حقّ حبس المرهون حتّى يؤدّي الرّاهن ما عليه . يقول ابن رشدٍ : حقّ المرتهن في الرّهن أن يمسكه حتّى يؤدّي الرّاهن ما عليه ، والرّهن عند الجمهور يتعلّق بجملة الحقّ المرهون فيه وببعضه ، أعني أنّه إذا رهنه في عددٍ ما ، فأدّى منه بعضه ، فإنّ الرّهن بأسره يبقى بعد بيد المرتهن حتّى يستوفي حقّه . وقال قوم : بل يبقى من الرّهن بيد المرتهن بقدر ما يبقى من الحقّ ، وحجّة الجمهور أنّه محبوس بحقٍّ ، فوجب أن يكون محبوساً بكلّ جزءٍ منه ، أصله ( أي المقيس عليه ) حبس التّركة على الورثة حتّى يؤدّوا الدّين الّذي على الميّت . وحجّة الفريق الثّاني أنّ جميعه محبوس بجميعه ، فوجب أن يكون أبعاضه محبوسةً بأبعاضه ، أصله الكفالة . ومن ذلك حبس المدين بما عليه من الدّين ، إذا كان قادراً على أداء دينه وماطل في الأداء ، وطلب صاحب الدّين حبسه من القاضي ، وللغريم كذلك منعه من السّفر ، لأنّ له حقّ المطالبة بحبسه . ( 3 ) التّسليم والرّدّ : 31 - يعتبر التّسليم من آثار الالتزام فيما يلتزم الإنسان بتسليمه . فالبائع ملتزم بتسليم المبيع للمشتري ، والمؤجّر ملتزم بتسليم العين وما يتبعها للمستأجر بحيث تكون مهيّأةً للانتفاع بها ، والمشتري والمستأجر ملتزمان بتسليم العوض ، وأجير الوحد ( الأجير الخاصّ ) ملتزم بتسليم نفسه ، والكفيل ملتزم بتسليم ما التزم به ، والزّوج ملتزم بتسليم الصّداق ، والزّوجة ملتزمة بتسليم البضع ، والواهب ملتزم بتسليم الموهوب عند من يرى وجوب الهبة ، وربّ المال في السّلم والمضاربة مطالب بتسليم رأس المال . وهكذا كلّ من التزم بتسليم شيءٍ وجب عليه القيام بالتّسليم . ومثل ذلك ردّ الأمانات والمضمونات ، سواء أكان الرّدّ واجباً ابتداءً أم بعد الطّلب ، وذلك كالمودع والمستعار والمستأجر والقرض والمغصوب والمسروق واللّقطة إذا جاء صاحبها ، وما عند الوكيل والشّريك والمضارب إذا فسخ المالك وهكذا . مع اعتبار أنّ التّسليم في كلّ شيءٍ بحسبه ، قد يكون بالإقباض ، وقد يكون بالتّخلية والتّمكين من الملتزم به . ( 4 ) ثبوت حقّ التّصرّف : يثبت للملتزم له حقّ التّصرّف في الملتزم به بامتلاكه ، لكن يختلف نوع التّصرّف باختلاف نوع الملكيّة في الملتزم به ، وذلك كما يأتي : 32 - أ - إذا كان الملتزم به تمليكاً للعين أو للدّين ، فإنّه يثبت للمالك حقّ التّصرّف فيه بكلّ أنواع التّصرّف من بيعٍ وهبةٍ ووصيّةٍ وعتقٍ وأكلٍ ونحو ذلك ، لأنّه أصبح ملكه ، فله ولاية التّصرّف فيه . وهذا إذا كان بعد القبض بلا خلافٍ ، أمّا قبل القبض فإنّ الفقهاء يختلفون فيما يجوز التّصرّف فيه قبل القبض وما لا يجوز . وبالجملة فإنّه لا يصحّ عند الحنفيّة والشّافعيّة ، وفي روايةٍ عن الإمام أحمد التّصرّف في الأعيان المملوكة في عقود المعاوضات قبل قبضها . إلاّ العقار فيجوز بيعه قبل قبضه عند أبي حنيفة وأبي يوسف خلافاً لمحمّدٍ . ودليل منع التّصرّف قبل القبض قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزامٍ : « لا تبع ما لم تقبضه » ولأنّ فيه غرر انفساخ العقد على اعتبار الهلاك . وعند المالكيّة ، والمذهب عند الحنابلة : أنّه يجوز التّصرّف قبل القبض إلاّ في الطّعام ، فلا يجوز التّصرّف فيه قبل قبضه ، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتّى يستوفيه » . وأمّا الدّيون : فعند الحنفيّة يجوز التّصرّف فيها قبل القبض إلاّ في الصّرف والسّلم : أمّا الصّرف فلأنّ كلّ واحدٍ من بدلي الصّرف مبيع من وجهٍ وثمن من وجهٍ . فمن حيث هو ثمن يجوز التّصرّف فيه قبل القبض ، ومن حيث هو مبيع لا يجوز ، فغلب جانب الحرمة احتياطاً . وأمّا السّلم فلأنّ المسلم فيه مبيع بالنّصّ ، والاستبدال بالمبيع المنقول قبل القبض لا يجوز . وكذلك يجوز تصرّف المقرض في القرض قبل القبض عندهم ، وذكر الطّحاويّ : أنّه لا يجوز . وعند المالكيّة يجوز التّصرّف في الدّيون قبل القبض فيما سوى الصّرف والسّلم ، فإنّ الإمام مالكاً منع بيع المسلم فيه قبل قبضه في موضعين : أحدهما : إذا كان المسلم فيه طعاماً ، وذلك بناءً على مذهبه في أنّ الّذي يشترط في صحّة بيعه القبض هو الطّعام ، على ما جاء عليه النّصّ في الحديث . والثّاني : إذا لم يكن المسلم فيه طعاماً فأخذ عوضه المسلم ( صاحب الثّمن ) ما لا يجوز أن يسلم فيه رأس ماله ، مثل أن يكون المسلم فيه عرضاً والثّمن عرضاً مخالفاً له ، فيأخذ المسلم من المسلم إليه إذا حان الأجل شيئاً من جنس ذلك العرض الّذي هو الثّمن ، وذلك أنّ هذا يدخله إمّا سلف وزيادة ، إن كان العرض المأخوذ أكثر من رأس مال السّلم ، وإمّا ضمان وسلف إن كان مثله أو أقلّ . وعند الشّافعيّة إن كان الملك على الدّيون مستقرّاً ، كغرامة المتلف وبدل القرض جاز بيعه ممّن عليه قبل القبض ، لأنّ ملكه مستقرّ عليه ، وهو الأظهر في بيعه من غيره . وإن كان الدّين غير مستقرٍّ فإن كان مسلماً فيه لم يجز ، وإن كان ثمناً في بيعٍ ففيه قولان . وعند الحنابلة : كلّ عوضٍ ملك بعقدٍ ينفسخ بهلاكه قبل القبض لم يجز التّصرّف فيه قبل قبضه ، كالأجرة وبدل الصّلح إذا كانا من المكيل أو الموزون أو المعدود ، وما لا ينفسخ العقد بهلاكه جاز التّصرّف فيه قبل قبضه ، كعوض الخلع وأرش الجناية وقيمة المتلف . أمّا ما يثبت فيه الملك من غير عوضٍ ، كالوصيّة والهبة والصّدقة ، فإنّه يجوز في الجملة التّصرّف فيه قبل قبضه عند الجمهور . 33 - ب - وإذا كان الملتزم به تمليكاً للمنفعة ، فإنّه يثبت لمالك المنفعة حقّ التّصرّف في الحدود المأذون فيها ، وتمليك المنفعة لغيره كما في الإجارة والوصيّة بالمنفعة والإعارة وهذا عند المالكيّة وفي الإجارة عند جميع المذاهب ، وفي غيرها اختلافهم ، والقاعدة عند الحنفيّة : أنّ المنافع الّتي تملك ببدلٍ يجوز تمليكها ببدلٍ كالإجارة ، والّتي تملك بغير عوضٍ لا يجوز تمليكها بعوضٍ . فالمستعير يملك الإعارة ولا يملك الإجارة . 34 - ج - وإذا كان الملتزم به حقّ الانتفاع فقط ، فإنّ حقّ التّصرّف يقتصر على انتفاع الملتزم له بنفسه فقط ، كما في العاريّة عند الشّافعيّة ، وفي وجهٍ عند الحنابلة ، وكالإباحة للطّعام في الضّيافات . 35 - د - وإذا كان الملتزم به إذناً في التّصرّف ، فإنّه يثبت للمأذون له حقّ التّصرّف المطلق إذا كان الإذن مطلقاً ، وإلاّ اقتصر التّصرّف على ما أذن به ، وذلك كما في الوكالة والمضاربة . وفي كلّ ذلك تفصيل ينظر في مواضعه . ( 5 ) منع حقّ التّصرّف : 36 - قد ينشأ من بعض الالتزامات منع حقّ التّصرّف ومن أمثلة ذلك : الرّهن ، فلا يصحّ تصرّف الرّاهن في المرهون ببيعٍ أو غيره ، لأنّ المرتهن أخذ العين بحقّه في الرّهن ، وهو التّوثّق باستيفاء دينه وقبض المرهون . فالمرتهن بالنّسبة إلى الرّهن كغرماء المفلس المحجور عليه . ( 6 ) صيانة الأنفس والأموال : 37 - الأصل أنّ المسلم ملتزم بحكم إسلامه بالمحافظة على دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم في خطبته يوم النّحر : « إنّ دماءكم وأموالكم حرام كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا ، في بلدكم هذا » . أمّا بالنّسبة لغير المسلمين ، فإنّ ممّا يصون دماءهم وأموالهم التزام المسلمين بذلك بسبب العقود الّتي تتمّ معهم ، كعقد الأمان المؤقّت أو الدّائم . إذ ثمرة الأمان حرمة قتلهم واسترقاقهم وأخذ أموالهم ، ما داموا ملتزمين بموجب عقد الأمان أو عقد الذّمّة . ومن صيانة الأموال : الالتزام بحفظ الوديعة بجعلها في مكان أمينٍ . وقد يجب الالتزام بذلك حرصاً على الأموال ، ولذلك يقول الفقهاء : إن لم يكن من يصلح لأخذ الوديعة غيره وخاف إن لم يقبل أن تهلك تعيّن عليه قبولها ، لأنّ حرمة المال كحرمة النّفس ، لما روى ابن مسعودٍ أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : « حرمة مال المؤمن كحرمة دمه » . ولو خاف على دمه لوجب عليه حفظه ، فكذلك إذا خاف على ماله . ومن ذلك أخذ اللّقطة واللّقيط ، إذ يجب الأخذ إذا خيف الضّياع ، لأنّ حفظ مال الغير واجب ، قال ابن رشدٍ : يلزم أن يؤخذ اللّقيط ولا يترك ، لأنّه إن ترك ضاع وهلك ، لا خلاف بين أهل العلم في هذا ، وإنّما اختلفوا في لقطة المال ، وهذا الاختلاف إنّما هو إذا كانت بين قومٍ مأمونين والإمام عدل . أمّا إذا كانت بين قومٍ غير مأمونين فأخذها واجب قولاً واحداً . ومن ذلك الالتزام بالولاية الشّرعيّة لحفظ مال الصّغير واليتيم والسّفيه . وينظر تفصيل ذلك في مواضعه . ( 7 ) الضّمان : 38 - الضّمان أثر من آثار الالتزام ، وهو يكون بإتلاف مال الغير أو الاعتداء عليه بالغصب أو السّرقة أو بالتّعدّي في الاستعمال المأذون فيه في المستعار والمستأجر أو بالتّفريط وترك الحفظ كما في الوديعة . يقول الكاسانيّ : تتغيّر صفة المستأجر من الأمانة إلى الضّمان بأشياء منها : ترك الحفظ ، لأنّ الأجير لمّا قبض المستأجر فقد التزم حفظه ، وترك الحفظ الملتزم سبب لوجوب الضّمان ، كالمودع إذا ترك الحفظ حتّى ضاعت الوديعة . وكذلك يضمن بالإتلاف والإفساد إذا كان الأجير متعدّياً فيه ، إذ الاستعمال المأذون فيه مقيّد بشرط السّلامة . ويقول السّيوطيّ : أسباب الضّمان أربعة : الأوّل : العقد ، ومن أمثلته ضمان المبيع ، والثّمن المعيّن قبل القبض ، والمسلم فيه ، والمأجور . والثّاني : اليد ، مؤتمنةً كانت كالوديعة والشّركة والوكالة والمقارضة إذا حصل التّعدّي ، أو غير مؤتمنةٍ كالغصب والسّوم والعاريّة والشّراء فاسداً . والثّالث : الإتلاف للنّفس أو المال . والرّابع : الحيلولة . ويقول ابن رشدٍ : الموجب للضّمان إمّا المباشرة لأخذ المال المغصوب أو لإتلافه ، وإمّا المباشرة للسّبب المتلف ، وإمّا إثبات اليد عليه . وفي القواعد لابن رجبٍ : أسباب الضّمان ثلاثة : عقد ، ويد ، وإتلاف . وفي كلّ ذلك خلاف وتفصيلات وتفريعات تنظر في مواضعها . [/QUOTE]
الإسم
التحقق
اكتب معهد الماهر
رد
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية