الرئيسية
المنتديات
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
الغرف الصوتية
غرفة ٠٠٠٠
ما الجديد
المشاركات الجديدة
جديد مشاركات الحائط
آخر النشاطات
الأعضاء
الزوار الحاليين
مشاركات الحائط الجديدة
البحث عن مشاركات الملف الشخصي
تسجيل الدخول
تسجيل
ما الجديد
البحث
البحث
بحث بالعناوين فقط
بواسطة:
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
قائمة
تسجيل الدخول
تسجيل
تثبيت التطبيق
تثبيت
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية
تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة
.
الرد على الموضوع
الرسالة
<blockquote data-quote="ابن عامر الشامي" data-source="post: 40959" data-attributes="member: 329"><p>حكم الوفاء بالالتزام وما يتعلّق به :</p><p>39 - الأصل في الالتزام أنّه يجب الوفاء به امتثالاً لقوله تعالى : { يا أيّها الّذين آمنوا أوفوا بالعقود } والمراد بالعقود كما يقول الفقهاء : ما عقده المرء على نفسه من بيعٍ وشراءٍ وإجارةٍ وكراءٍ ومناكحةٍ وطلاقٍ ومزارعةٍ ومصالحةٍ وتمليكٍ وتخييرٍ وعتقٍ وتدبيرٍ ، وكذلك العهود والذّمم الّتي نعقدها لأهل الحرب وأهل الذّمّة والخوارج ، وما عقده الإنسان على نفسه للّه تعالى من الطّاعات كالحجّ والصّيام والاعتكاف والنّذر واليمين وما أشبه ذلك ، فيلزم الوفاء بها . وقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « المسلمون على شروطهم » عامّ في إيجاب الوفاء بجميع ما يشرطه الإنسان على نفسه ، ما لم تقم دلالة تخصّصه .</p><p>لكن هذا الحكم ليس عامّاً في كلّ الالتزامات ، وذلك لتنوّع الالتزامات بحسب اللّزوم وعدمه وبيان ذلك فيما يأتي : </p><p>( 1 ) الالتزامات الّتي يجب الوفاء بها :</p><p>40 - أ - الالتزامات الّتي تنشأ بسبب العقود اللّازمة بين الطّرفين ، كالبيع والإجارة والصّلح وعقود الذّمّة ، فهذه الالتزامات متى تمّت صحيحةً لازمةً وجب الوفاء بها ما لم يحدث ما يقتضي الفسخ ، كالهلاك والاستحقاق والرّدّ بالعيب ، وهذا شامل للأعيان الواجب تسليمها ، وللدّيون الّتي تكون في الذّمم كبدل القرض وثمن المبيع والأجرة في الإجارة أو الّتي تنشأ نتيجة إنفاذ مال الغير على خلافٍ وتفصيلٍ .</p><p>ب - الالتزامات الّتي تنشأ نتيجة التّعدّي بالغصب أو السّرقة أو الإتلاف أو التّفريط .</p><p>ج - الأمانات الّتي تكون عند الملتزم ، سواء أكانت بموجب عقدٍ كالوديعة ، أم لم تكن كاللّقطة وكمن أطارت الرّيح ثوباً إلى داره .</p><p>د - نذر القربات ، وهو ما يلتزم به الإنسان من قرباتٍ بدنيّةٍ أو ماليّةٍ طاعةً وتقرّباً إلى اللّه سبحانه وتعالى .</p><p>هـ- الالتزامات التّكليفيّة الشّرعيّة ، ومنها النّفقات الواجبة . فهذه الالتزامات لا خلاف في وجوب الوفاء بها ، منجزةً إن كانت كذلك ، وبعد تحقّق الشّرط المشروع إن كانت معلّقةً ، وعند دخول الوقت إن كانت مضافةً ، وسواء أكان الوفاء لا يجب إلاّ بعد الطّلب أم يجب بدونه . ويتحقّق الوفاء بالأداء والتّسليم أو القيام بالعمل أو الإبراء أو المقاصّة وهكذا . ودليل الوجوب الآية السّابقة ، وكذلك قوله تعالى : { وأوفوا بعهد اللّه إذا عاهدتم } وقوله تعالى : { وليوفوا نذورهم } وقوله تعالى : { فليؤدّ الّذي اؤتمن أمانته } . </p><p>والتّخلّف عن الوفاء بغير عذرٍ يستوجب العقوبة الدّنيويّة والأخرويّة ، إذ العقوبة واجبة لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « ليّ الواجد يحلّ عرضه وعقوبته » فعقوبته حبسه ، وعرضه أن يحلّ القول في عرضه بالإغلاظ . وقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « مطل الغنيّ ظلم » . </p><p>ولذلك يجبر الممتنع عن الوفاء بالضّرب أو الحبس أو الحجر ومنع التّصرّف في المال ، أو بيع مال الملتزم والوفاء منه . إلاّ إذا كان الملتزم معسراً فيجب إنظاره لقوله تعالى : { وإن كان ذو عسرةٍ فنظرة إلى ميسرةٍ } . </p><p>41 - وما سبق إنّما هو في الجملة ، إذ للفقهاء في ذلك تفصيلات وتفريعات ، ومن ذلك مثلاً : اختلافهم في الإجبار على الوفاء بالنّذر المشروع عند الامتناع ، فعند المالكيّة يقضى بالنّذر المطلق إذا كان لمعيّنٍ ، وإن كان لغير معيّنٍ يؤمر بالوفاء ولا يقضى به على المشهور ، وقيل يقضى به ، وفيه الخلاف أيضاً عند الشّافعيّة . ومن ذلك أنّ أبا حنيفة لا يجيز الحجر في الدّين ، لأنّ في الحجر إهدار آدميّة المدين ، بل لا يجيز للحاكم التّصرّف في ماله ، وإنّما يجبره على بيعه لوفاء دينه . وهكذا ، وينظر تفصيل ذلك في مواضعه .</p><p>(2 )- التزامات يستحبّ الوفاء بها ولا يجب :</p><p>42 - أ - الالتزامات الّتي تنشأ من عقود التّبرّعات كالقرض والهبة والعاريّة والوصيّة .</p><p> ب - الالتزام النّاشئ بالوعد ، فهذه الالتزامات يستحبّ الوفاء بها ، لأنّها من المعروف الّذي ندب إليه الشّارع ، يقول اللّه تعالى : { وتعاونوا على البرّ والتّقوى } ويقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « من نفّس عن مسلمٍ كربةٍ من كرب الدّنيا نفّس اللّه عنه كربةً من كرب يوم القيامة » ويقول : « تهادوا تحابّوا » . </p><p> لكن لا يجب الوفاء بها ، ففي الوصيّة يجوز بالاتّفاق الرّجوع فيها ما دام الموصي حيّاً . وفي العاريّة والقرض يجوز الرّجوع بطلب المستعار وبدل القرض في الحال بعد القبض ، وهذا عند غير المالكيّة ، بل قال الجمهور : إنّ المقرض إذا أجّل القرض لا يلزمه التّأجيل ، لأنّه لو لزم فيه الأجل لم يبق تبرّعاً . </p><p>أمّا المالكيّة فإنّ العاريّة والقرض إذا كانا مؤجّلين فذلك لازم إلى أن ينقضي الأجل ، وإن كانا مطلقين لزم البقاء فترةً ينتفع بمثله فيها ، واستندوا إلى ما روي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم« أنّه ذكر رجلاً سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينارٍ فدفعها إليه إلى أجلٍ مسمًّى » . وقال ابن عمر وعطاء : إذا أجّله في القرض جاز . </p><p>ويجوز الرّجوع في الهبة قبل القبض عند الجمهور ، فإذا تمّ القبض فلا رجوع عند الشّافعيّة والحنابلة إلاّ فيما وهب الوالد لولده ، وعند الحنفيّة يجوز الرّجوع إن كانت لأجنبيٍّ . </p><p>أمّا المالكيّة فلا رجوع عندهم في الهبة قبل القبض وبعده في الجملة ، إلاّ فيما يهبه الوالد لولده . وينظر تفصيل ذلك في مواضعه . </p><p>43 - والوعد كذلك يستحبّ الوفاء به باتّفاقٍ . يقول القرافيّ : من أدب العبد مع ربّه إذا وعد ربّه بشيءٍ لا يخلفه إيّاه ، لا سيّما إذا التزمه وصمّم عليه ، فأدب العبد مع اللّه سبحانه وتعالى بحسن الوفاء وتلقّي هذه الالتزامات بالقبول . </p><p>لكن الوفاء به ليس بواجبٍ في الجملة ، ففي البدائع : الوعد لا شيء فيه وليس بلازمٍ ، وفي منتهى الإرادات : لا يلزم الوفاء بالوعد نصّاً ، وفي نهاية المحتاج : لو قال : أؤدّي المال أو أحضر الشّخص ، فهو وعد لا يلزم الوفاء به ، لأنّ الصّيغة غير مشعرةٍ بالالتزام . </p><p>إلاّ أنّه إذا كانت هناك حاجة تستدعي الوفاء بالوعد فإنّه يجب الوفاء به . فقد نقل ابن عابدين عن جامع الفصولين : لو ذكر البيع بلا شرطٍ ، ثمّ ذكر الشّرط على وجه العدة ، جاز البيع ولزم الوفاء بالوعد ، إذ المواعيد قد تكون لازمةً فيجعل لازماً لحاجة النّاس . والمشهور عند المالكيّة أنّ الوعد يلزم ويقضى به إذا دخل الموعود بسبب الوعد في شيءٍ ، قال سحنونٍ : الّذي يلزم من الوعد إذا قال : اهدم دارك وأنا أسلفك ما تبني به ، أو اخرج إلى الحجّ أو اشتر سلعةً أو تزوّج وأنا أسلفك ، لأنّك أدخلته بوعدك في ذلك ، أمّا مجرّد الوعد فلا يلزم الوفاء به ، بل الوفاء به من مكارم الأخلاق . </p><p>وقال القليوبيّ : قولهم الوعد لا يجب الوفاء به مشكل ، لمخالفته ظاهر الآيات والسّنّة ، ولأنّ خلفه كذب ، وهو من خصال المنافقين . </p><p>( 3 ) التزامات يجوز الوفاء بها ولا يجب :</p><p>44 - أ - الالتزامات الّتي تنشأ نتيجة العقود الجائزة بين الطّرفين ، كالوكالة والشّركة والقراض ، فهذه يجوز لكلٍّ من الطّرفين فسخها وعدم الالتزام بمقتضاها ، هذا مع مراعاة ما يشترطه بعض الفقهاء حين الفسخ من نضوض رأس المال في المضاربة ، وكتعلّق حقّ الغير بالوكالة . </p><p>ب - نذر المباح : يقول القرطبيّ : نذر المباح لا يلزم بإجماعٍ من الأمّة ، وقال ابن قدامة : نذر المباح ، كلبس الثّوب وركوب الدّابّة وطلاق المرأة على وجهٍ مباحٍ ، فهذا يتخيّر فيه النّاذر بين فعله فيبرّ ، وإن شاء تركه وعليه كفّارة يمينٍ ، ويتخرّج أن لا كفّارة عليه . </p><p>( 4) التزامات يحرم الوفاء بها :</p><p>45 - الالتزام بما لا يلزم لا يجب فيه الوفاء ، بل قد يكون الوفاء حراماً ، وذلك إذا كان التزاماً بمعصيةٍ . ومن ذلك :</p><p>أ - نذر المعصية حرام باتّفاقٍ ، فمن قال : للّه عليّ أن أشرب الخمر ، أو أقتل فلاناً ، فإنّ هذا الالتزام حرام في ذاته ، وأيضاً يحرم الوفاء به ، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « من نذر أن يعصي اللّه فلا يعصه » وفي وجوب الكفّارة خلاف ( ر : نذر - كفّارة ) .</p><p>ب - وكذلك اليمين على فعلٍ محرّمٍ ، فمن حلف على ترك واجبٍ أو فعل حرامٍ ، فقد عصى بيمينه . ولزمه الحنث والكفّارة . ( ر : كفّارة - أيمان ) .</p><p>ج - الالتزام المعلّق على فعلٍ محرّمٍ على الملتزم له ، كقوله : إن قتلت فلاناً أو شربت الخمر فلك كذا وكذا ، فإنّه حرام يحرم الوفاء به .</p><p>د - ما كان الالتزام فيه بإسقاط حقّ اللّه أو حقّ غير الملتزم ، فلا يجوز الصّلح عن حقّ اللّه كدعوى حدٍّ ، ولا عن حقّ الغير ، فلو أنّ امرأةً طلّقها زوجها وادّعت عليه صبيّاً في يده أنّه ابنه منها وجحد الرّجل ، فصالحت عن النّسب على شيءٍ ، فالصّلح باطل ، لأنّ النّسب حقّ الصّبيّ . ولو باع ذهباً بفضّةٍ مؤجّلاً لم يصحّ ، لأنّ القبض في الصّرف لحقّ اللّه .</p><p>هـ- الشّروط الباطلة لا يجوز الالتزام بها ومن ذلك : </p><p>46- من خالع زوجته على أن تتحمّل بالولد مدّةً معيّنةً وشرط عليها ألاّ تتزوّج بعد الحولين ( مدّة الرّضاع ) أي أنّه شرط عليها ترك النّكاح بعد الحولين ، فلا اختلاف أنّ ذلك لا يلزمها الوفاء به ، لأنّ هذا الشّرط فيه تحريم ما أحلّ اللّه . والخلع صحيح . </p><p>ومن ذلك ما يقوله المالكيّة فيمن باع حائطه ( حديقته ) وشرط في عقد البيع أنّ الجائحة لا توضع عن المشتري ، فالبيع جائز والشّرط باطل ، ولا يلتزم به المشتري . </p><p>وفي البدائع للكاسانيّ : لو وهب داراً على أن يبيعها ، أو على أن يبيعها لفلانٍ ، أو على أن يردّها عليه بعد شهرٍ جازت الهبة وبطل الشّرط . وهي شروط تخالف مقتضى العقد ، فتبطل ويبقى العقد على الصّحّة ، بخلاف البيع . </p><p>وفي المهذّب : لو شرط في القرض شرطاً فاسداً بطل الشّرط ، وفي القرض وجهان . والأمثلة من هذا النّوع كثيرة . ( ر : بيع - اشتراط ) . </p><p>وفي حالة عقد الهدنة يستثنى حالة الضّرورة أو الحاجة . جاء في جواهر الإكليل ، يجوز للإمام مهادنة الحربيّين لمصلحةٍ ، إن خلت المهادنة عن شرطٍ فاسدٍ ، كأن كانت على مالٍ يدفعه لهم فلا يجوز ، لقوله تعالى :{ ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين } إلاّ لضرورة التّخلّص منهم خوف استيلائهم على المسلمين ، فيجوز دفع المال لهم ، « وقد شاور النّبيّ صلى الله عليه وسلم أصحابه في مثل ذلك »، فلو لم يكن الإعطاء جائزاً عند الضّرورة ما شاور فيه . </p><p>وفي الأشباه لابن نجيمٍ ، ومثله في المنثور للزّركشيّ : ما حرم أخذه حرم إعطاؤه ، كالرّبا ومهر البغيّ وحلوان الكاهن والرّشوة للحاكم إذا بذلها ليحكم له بغير الحقّ ، إلاّ في مسائل في الرّشوة لخوفٍ على نفسه أو ماله أو لفكّ أسيرٍ أو لمن يخاف هجوه . وينبغي أن يكون مثله إعطاء الرّبا للضّرورة فيأثم المقرض دون المقترض . </p><p>الأوصاف المغيّرة لآثار الالتزام :</p><p> إذا تمّت التّصرّفات الملزمة بأيّ نوعٍ من أنواع الالتزام مستوفيةً أركانها وشرائطها ترتّبت عليها آثارها ووجب تنفيذ الالتزام . لكن قد يتّصل بالتّصرّف بعض الأوصاف الّتي تغيّر من آثار الالتزام ، فتوقفه أو تزيد عليه التزاماً آخر أو تبطله ، وبيان ذلك فيما يأتي :</p><p> أوّلاً : الخيارات :</p><p>47 - من الخيارات ما يتّصل بالتّصرّف ، فيتوقّف لزومه ويتأخّر تنفيذ الالتزام إلى أن يبتّ فيها ، فيتبيّن ما ينفذ وما لا ينفذ . والخيارات كثيرة ، ولكنّا نكتفي بالخيارات المشهورة عند الحنفيّة . وهي خيار الشّرط والتّعيين والرّؤية والعيب . </p><p>يقول ابن عابدين : من الخيارات ما يمنع ابتداء الحكم ، وهما خيار الشّرط والتّعيين ، ومنه ما يمنع تمام الحكم كخيار الرّؤية ، ومنه ما يمنع لزومه كخيار العيب . </p><p>ويقول الكاسانيّ : شرائط لزوم البيع بعد انعقاده ونفاذه وصحّته أن يكون خالياً من خياراتٍ أربعةٍ : خيار الشّرط ، والتّعيين والرّؤية ، والعيب . فلا يلزم مع هذه الخيارات إذ لا بدّ للّزوم من الرّضى لقوله تعالى : { يا أيّها الّذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلاّ أن تكون تجارةً عن تراضٍ منكم } . </p><p>وفي الموضوع تفصيلات كثيرة بالنّسبة للتّصرّفات الّتي تدخلها الخيارات والتّصرّفات الّتي لا تدخلها ، وبالنّسبة لما هو عند المذاهب الأخرى ، فخيار التّعيين مثلاً لا يأخذ به الشّافعيّة والحنابلة وزفر من الحنفيّة لمخالفته للقياس . وكذلك خيار الرّؤية بالنّسبة للشّافعيّة ، ولغيرهم تفصيل فيه . ( ر : خيار ) </p><p>ثانياً : الشّروط :</p><p>48 - الشّرط قد يكون تعليقيّاً ، وقد يكون تقييديّاً : فالشّرط التّعليقيّ : هو ربط وجود الشّيء بوجود غيره ، أي أنّ الملتزم يعلّق تنفيذ التزامه على وجود ما شرطه . وبذلك يكون أثر الشّرط التّعليقيّ في الالتزام هو توقّف تنفيذ الالتزام حتّى يحصل الشّرط ، فعند المالكيّة مثلاً إذا قال لشخصٍ : إن بنيت بيتك ، أو إن تزوّجت فلك كذا فهو لازم ، إذا وقع المعلّق عليه . وهذا طبعاً في التّصرّفات الّتي تقبل التّعليق ، كالإسقاطات والإطلاقات والالتزام بالقرب بالنّذر . أمّا التّصرّفات الّتي لا تقبل التّعليق كالبيع والنّكاح ، فإنّ التّعليق يمنع الانعقاد لعدم صحّة التّصرّفات حينئذٍ . ( ر : شرط - تعليق ) . </p><p>وأمّا الشّرط التّقييديّ فهو ما جزم فيه بالأصل وشرط فيه أمراً آخر . </p><p>وأمّا أثره في الالتزام ، فإن كان صحيحاً ، فما كان منه ملائماً للتّصرّف ، كمن يبيع ويشترط على المشتري أن يعطيه بالثّمن رهناً أو كفيلاً ... أو كان جرى به التّعامل بين النّاس كمن يشتري جراباً على أن يخرزه له البائع ... فإنّه ينشئ التزاماً زائداً على الالتزام الأصليّ ، كما هو واضح من الأمثلة ويجب الوفاء به . أمّا إن كان مؤكّداً لمقتضى التّصرّف ، كاشتراط التّسليم في البيع مثلاً ، فلا أثر له في الالتزام ، إذ الشّرط هنا تأكيد وبيان لمقتضى الالتزام . وإن كان الشّرط فاسداً ، فإن كان لا يقتضيه التّصرّف وليس ملائماً له ولا جرى به التّعامل بين النّاس وفيه منفعة لها صاحب يطالب بها ، كمن يبيع الدّار على أن يسكنها البائع شهراً ، أو الثّوب على أن يلبسه أسبوعاً ، فإنّ هذا الشّرط فاسد ويفسد معه التّصرّف ، وبالتّالي يفسد الالتزام الأصليّ للتّصرّف حيث قد فسد مصدره . </p><p>وهذا عند الحنفيّة ، وهو يجري في عقود المبادلات الماليّة فقط ، خلافاً للتّبرّعات كالهبة حيث يفسد الشّرط ويبقى التّصرّف في الالتزام به كما هو ، ويصبح الشّرط لا أثر له في الالتزام . </p><p>وأمّا عند الشّافعيّة فإنّ مثل هذا الشّرط يفسد ، ويفسد معه التّصرّف ، ويجرون هذا في كلّ التّصرّفات . </p><p>أمّا المالكيّة ، فإنّ الشّرط الّذي يفسد التّصرّف عندهم ، فهو ما كان منافياً لمقتضى العقد ، أو كان مخلّاً بالثّمن . وقريب من هذا مذهب الحنابلة . إذ هو عندهم : ما كان منافياً لمقتضى العقد ، أو كان العقد يشتمل على شرطه . أمّا ما كان فيه منفعة لأحدٍ ، فإنّه غير فاسدٍ عندهم إذا كانت المنفعة معلومةً . فمن يبيع الدّار ويشترط سكناها شهراً مثلاً فشرطه صحيح ويجب الوفاء به . واستدلّوا بحديث جابرٍ أنّه « باع النّبيّ صلى الله عليه وسلم جملاً ، واشترط ظهره إلى المدينة أي ركوبه » ، وفي لفظٍ قال : « بعته واستثنيت حملانه إلى أهلي » . </p><p>على أنّ الجمهور ومعهم أبو حنيفة متّفقون على أنّ من باع عبداً واشترط أن يعتقه المشتري فهو شرط صحيح يجب الوفاء به ، لتشوّف الشّارع للحرّيّة ، بل إنّ من الفقهاء من قال : يجبر المشتري على ذلك . </p><p>وأمّا إن كان الشّرط بغير ما ذكر ، فإنّه يفسد هو ويبقى التّصرّف صحيحاً فيجب الوفاء به . وفي الموضوع تفصيلات كثيرة ( ر : اشتراط ، شرط ) .</p><p>ثالثاً : الأجل :</p><p>49 - الأجل هو المدّة المتّفق عليها المستقبلة المحقّقة الوقوع . والالتزام قد يكون مؤجّلاً إذا كان الأجل أجل توقيتٍ ، فإنّه يجعل تنفيذ الالتزام مستمرّاً طوال المدّة المحدّدة حتّى تنتهي ، فمن أجّر داراً لمدّة شهرٍ أصبح من حقّ المستأجر الانتفاع بالدّار في هذه المدّة ولا يجوز للملتزم - وهو المؤجّر - أن يطالبه بتسليم الدّار قبل انتهاء الأجل المضروب . </p><p>وإذا كان أجل إضافةٍ ، فإنّ تنفيذ الالتزام لا يبدأ إلاّ عند حلول الأجل ، فالدّين المؤجّل إلى رمضان يمنع الدّائن من المطالبة قبل دخول رمضان . فإذا حلّ الأجل وجب على الملتزم بالدّين الوفاء ، وصار من حقّ الدّائن المطالبة بدينه . </p><p>والتّصرّفات تختلف بالنّسبة للأجل توقيتاً أو إضافةً ، فمنها ما هو مؤقّت أو مضاف بطبيعته ، كالإجارة والمساقاة والوصيّة ، ومنها ما هو منجز ولا يقبل التّأقيت بحالٍ كالصّرف والنّكاح ، وإذا دخلهما التّأقيت بطلا ، ويكون أثر التّأقيت هنا بطلان الأجل . </p><p>وأمّا العقد فيبطل في الصّرف إجماعاً . وفي النّكاح عند الأكثرين . </p><p>ومنها ما يكون الأصل فيه التّنجيز كالثّمن في البيع لكن يجوز تأجيله إرفاقاً فيتغيّر أثر الالتزام من التّسليم الفوريّ إلى تأخيره إلى الأجل المحدّد . </p><p>على أنّ التّصرّفات الّتي تقبل التّأجيل يشترط فيها في الجملة : أن يكون الأجل معلوماً ، إذ في الجهالة غرر يؤدّي إلى النّزاع ، وألاّ يعتاض عن الأجل ، إذ الاعتياض عنه يؤدّي إلى الرّبا . ويكون الأثر حينئذٍ بطلان الشّرط . وهذا في الجملة كما ذكرنا ، إذ من التّصرّفات ما يكون الأجل فيه مجهولاً بطبيعته ، كالجعالة والوصيّة ، ويلحق بهما الوكالة والقراض والإذن في التّجارة إذا لم يحدّد للعمل مدّةً . كذلك التّبرّعات عند المالكيّة تجوز إلى أجلٍ مجهولٍ . وفي كلّ ذلك تفصيلات مطوّلة تنظر في مواضعها وفي ( بحث : أجل ) . </p><p>توثيق الالتزام :</p><p>50 - توثيق الالتزام - أي إحكامه وإثباته - أمر مشروع لاحتياج النّاس إلى معاملة من لا يعرفونه ، خشية جحد الحقوق أو ضياعها . وقد شرع اللّه سبحانه وتعالى للنّاس ما يضمن لهم حقوقهم بتوثيقها ، وجعل لذلك طرقاً متعدّدةً وهي : </p><p>( 1 ) الكتابة والإشهاد :</p><p>51 - شرع اللّه سبحانه وتعالى الكتابة والإشهاد صيانةً للحقوق ، وذلك في قوله تعالى : { يا أيّها الّذين آمنوا إذا تداينتم بدينٍ إلى أجلٍ مسمًّى فاكتبوه } .. { واستشهدوا شهيدين من رجالكم } .. { وأشهدوا إذا تبايعتم } وقد أوجب الشّرع توثيق بعض الالتزامات لخطره كالنّكاح ، وقريب منه طلب الشّفعة فلا تثبت عند الإنكار إلاّ بالبيّنة ، ومثله الإشهاد عند دفع مال اليتيم إليه عند البلوغ والرّشد . </p><p>ومن الالتزامات ما اختلف في وجوب الإشهاد فيه أو استحبابه ، كالبيع والإجارة والسّلم والقرض والرّجعة . </p><p>والشّهادة تعتبر من البيّنات الّتي يثبت بها الحقّ . ولبيان ما يجب فيه الإشهاد وما لا يجب ، وبيان شروط الشّهادة في الحقوق من حيث التّحمّل والأداء والعدد وصفة الشّاهد والمشهود به ينظر : ( إثبات ، إشهاد - شهادة - أداء - تحمّل ) . </p><p>( 2 ) الرّهن :</p><p>52 - الرّهن شرع كذلك لتوثيق الالتزامات ، لأنّه احتباس العين ليستوفي الحقّ من ثمنها ، أو من ثمن منافعها عند تعذّر أخذه من الغريم . والأصل في مشروعيّته قول اللّه تعالى : { وإن كنتم على سفرٍ ولم تجدوا كاتباً فرهان مقبوضة } . وروي أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم « اشترى طعاماً من يهوديٍّ إلى أجلٍ ورهنه درعاً من حديدٍ » .</p><p> والرّهن مشروع بطريق النّدب لا بطريق الوجوب ، بدليل قول اللّه تعالى : { فإن أمن بعضكم بعضاً فليؤدّ الّذي اؤتمن أمانته } ، ولأنّه أمر به عند عدم تيسّر الكتابة ، والكتابة غير واجبةٍ فكذلك بدلها . </p><p>هذا وللرّهن شروط من حيث كونه مقبوضاً وكونه بدينٍ لازمٍ وغير ذلك ( ر : رهن ) . </p><p>( 3 ) الضّمان والكفالة :</p><p>53 - الضّمان والكفالة قد يستعملان بمعنًى واحدٍ ، وقد يستعمل الضّمان للدّين ، والكفالة للنّفس . وهما مشروعان أيضاً ليتوثّق بهما الالتزام . والأصل في ذلك قول اللّه تعالى في قصّة يوسف : { ولمن جاء به حمل بعيرٍ وأنا به زعيم } . </p><p>وفي كلّ ذلك تفصيلات واختلافات للفقهاء تنظر في موضعها ( ر : كفالة ) . </p><p>أمّا بالنّسبة للتّصرّفات الّتي يدخلها التّوثيق والّتي لا يدخلها ، فقد قال السّيوطيّ : الوثائق المتعلّقة بالأعيان ثلاثة : الرّهن والكفالة والشّهادة ، ثمّ قال : من العقود ما تدخله الثّلاثة كالبيع والسّلم والقرض ، ومنها ما تدخله الشّهادة دونهما وهو المساقاة - جزم به الماورديّ - ونجوم الكتابة . ومنها ما تدخله الشّهادة والكفالة دون الرّهن وهو الجعالة . </p><p>ومنها ما تدخله الكفالة دونهما وهو ضمان الدّرك . ثمّ قال : ليس لنا عقد يجب فيه الإشهاد من غير تقييدٍ إلاّ النّكاح قطعاً ، والرّجعة على قولٍ ، وعقد الخلافة على وجهٍ ، وممّا قيل بوجوب الإشهاد فيه من غير العقود : اللّقطة على وجهٍ ، واللّقيط على الأصحّ لخوف إرقاقه . وقد زاد الزّركشيّ أروش الجنايات المستقرّة فيما يدخله الثّلاثة . </p><p>وقد اعتبر الزّركشيّ أنّ التّوثيق لا ينحصر في هذه الثّلاثة ( الشّهادة والرّهن والكفالة ) وإنّما اعتبر منها : الحبس على الحقوق إلى الوفاء ، ومنها حبس المبيع حتّى يقبض الثّمن ، وكذلك منع المرأة تسليم نفسها حتّى تقبض معجّل المهر .. </p><p>انتقال الالتزام :</p><p>54 - يجوز انتقال الالتزام بالدّين من ذمّةٍ إلى ذمّةٍ أخرى ، إذ هو نوع من التّوثيق بمنزلة الكفالة ، وهو ما يسمّى بالحوالة ، وهي معاملة صحيحة مستثناة من بيع الدّين بالدّين فجازت للحاجة ، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « مطل الغنيّ ظلم . وإذا أحيل أحدكم على مليءٍ فليتبع » . وللتّفصيل ومعرفة الخلاف ( ر : حوالة ) . </p><p> إثبات الالتزام :</p><p>55 - إثبات الالتزام إنّما يحتاج إليه عند إنكار الملتزم . وفي هذه الحالة يكون على الملتزم له ( صاحب الحقّ ) إثبات حقّه ، عملاً بقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « البيّنة على من ادّعى ، واليمين على من أنكر » . وللقاضي - إن لم يظهر صاحب الحقّ بيّنته - أن يسأله : ألك بيّنة ؟ لما روي « أنّه جاء رجل من حضرموت ، ورجل من كندة ، إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال الحضرميّ : يا رسول اللّه إنّ هذا قد غلبني على أرضٍ لي كانت لأبي ، فقال الكنديّ : هي أرضي في يدي أزرعها ليس له فيها حقّ ، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم للحضرميّ : ألك بيّنة ؟ قال : لا ، قال : فلك يمينه » . وللإثبات طرق متعدّدة كالإقرار والشّهادة واليمين والنّكول والقسامة وغير ذلك ( ر : إثبات ) . </p><p>انقضاء الالتزام :</p><p>56 - الأصل أنّ الالتزام ينقضي بوفاء الملتزم وتنفيذه ما التزم به من تسليم عينٍ أو دينٍ ، كتسليم المبيع للمشتري ، والثّمن للبائع ، والمأجور للمستأجر ، والأجرة للمؤجّر والموهوب للمتّهب وبدل القرض للمقرض وهكذا . </p><p>وينقضي الالتزام أيضاً بالقيام بالعمل الملتزم به في إجارةٍ أو استصناعٍ أو مساقاةٍ أو وكالةٍ أو مضاربةٍ ، وبانقضاء المدّة في التّصرّف المقيّد بالزّمن كالإجارة المحدّدة . </p><p>57 - وقد ينقضي الالتزام بغير هذا ومن أمثلة ذلك : </p><p>( 1 ) إبراء الدّائن للمدين .</p><p>(2 ) - الفسخ أو العزل في العقود الجائزة كالوكالة والشّركة والقراض الوديعة ، إلاّ إذا اقتضى فسخها ضرراً على الطّرف الآخر . </p><p>يقول السّيوطيّ : الشّركة والوكالة والعاريّة الوديعة والقراض كلّها تنفسخ بالعزل من المتعاقدين أو أحدهما . </p><p>وفي المنثور للزّركشيّ : العقود الجائزة إذا اقتضى فسخها ضرراً على الطّرف الآخر امتنع وصارت لازمةً . ولهذا قال النّوويّ : للوصيّ عزل نفسه إلاّ أن يتعيّن عليه أو يغلب على ظنّه تلف المال باستيلاء ظالمٍ . </p><p>ويجري مثله في الشّريك والمقارض ، وقد قالوا في العامل إذا فسخ القراض : عليه التّقاضي والاستيفاء ، لأنّ الدّين ملك ناقص ، وقد أخذه منه كاملاً ، فليردّه كما أخذه ، وظاهر كلامهم أنّه لا ينعزل حتّى ينضّ المال . </p><p>( 3 ) الرّجوع في التّبرّعات قبل القبض كالوصيّة والهبة ، وبعد القبض في العاريّة والقرض عند غير المالكيّة . </p><p>( 4 ) المقاصّة في الدّيون . </p><p>( 5 ) انعدام الأهليّة في العقود الجائزة كالجنون والموت . </p><p>( 6 ) الفلس أو مرض الموت في التّبرّعات قبل القبض . </p><p>( 7 ) عدم إمكان التّنفيذ ، كهلاك المبيع قبل القبض . </p><p>يقول الكاسانيّ : هلاك المبيع قبل القبض ، إن هلك كلّه قبل القبض بآفةٍ سماويّةٍ انفسخ البيع ، لأنّه لو بقي أوجب مطالبة المشتري بالثّمن ، وإذا طالبه بالثّمن فهو يطالبه بتسليم المبيع ، وأنّه عاجز عن التّسليم فتمتنع المطالبة أصلاً ، فلم يكن في بقاء البيع فائدة فينفسخ ، وكذلك إذا هلك بفعل المبيع بأن كان حيواناً فقتل نفسه ، وكذا إذا هلك بفعل البائع يبطل البيع ويسقط الثّمن عن المشتري عندنا . </p><p>وإن هلك بفعل المشتري لا ينفسخ البيع وعليه الثّمن ، لأنّه بالإتلاف صار قابضاً .. </p><p></p><p>التصاق *</p><p>التّعريف :</p><p>1 - التصق والتزق بمعنًى واحدٍ ، والتصق بالشّيء : لزق وعلق به ، والالتصاق : اتّصال الشّيء بالشّيء بحيث لا يكون بينهما فجوة بتلزّجٍ أو تماسكٍ أو تماسٍّ . </p><p>والفقهاء يستعملونه بالمعنى نفسه .</p></blockquote><p></p>
[QUOTE="ابن عامر الشامي, post: 40959, member: 329"] حكم الوفاء بالالتزام وما يتعلّق به : 39 - الأصل في الالتزام أنّه يجب الوفاء به امتثالاً لقوله تعالى : { يا أيّها الّذين آمنوا أوفوا بالعقود } والمراد بالعقود كما يقول الفقهاء : ما عقده المرء على نفسه من بيعٍ وشراءٍ وإجارةٍ وكراءٍ ومناكحةٍ وطلاقٍ ومزارعةٍ ومصالحةٍ وتمليكٍ وتخييرٍ وعتقٍ وتدبيرٍ ، وكذلك العهود والذّمم الّتي نعقدها لأهل الحرب وأهل الذّمّة والخوارج ، وما عقده الإنسان على نفسه للّه تعالى من الطّاعات كالحجّ والصّيام والاعتكاف والنّذر واليمين وما أشبه ذلك ، فيلزم الوفاء بها . وقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « المسلمون على شروطهم » عامّ في إيجاب الوفاء بجميع ما يشرطه الإنسان على نفسه ، ما لم تقم دلالة تخصّصه . لكن هذا الحكم ليس عامّاً في كلّ الالتزامات ، وذلك لتنوّع الالتزامات بحسب اللّزوم وعدمه وبيان ذلك فيما يأتي : ( 1 ) الالتزامات الّتي يجب الوفاء بها : 40 - أ - الالتزامات الّتي تنشأ بسبب العقود اللّازمة بين الطّرفين ، كالبيع والإجارة والصّلح وعقود الذّمّة ، فهذه الالتزامات متى تمّت صحيحةً لازمةً وجب الوفاء بها ما لم يحدث ما يقتضي الفسخ ، كالهلاك والاستحقاق والرّدّ بالعيب ، وهذا شامل للأعيان الواجب تسليمها ، وللدّيون الّتي تكون في الذّمم كبدل القرض وثمن المبيع والأجرة في الإجارة أو الّتي تنشأ نتيجة إنفاذ مال الغير على خلافٍ وتفصيلٍ . ب - الالتزامات الّتي تنشأ نتيجة التّعدّي بالغصب أو السّرقة أو الإتلاف أو التّفريط . ج - الأمانات الّتي تكون عند الملتزم ، سواء أكانت بموجب عقدٍ كالوديعة ، أم لم تكن كاللّقطة وكمن أطارت الرّيح ثوباً إلى داره . د - نذر القربات ، وهو ما يلتزم به الإنسان من قرباتٍ بدنيّةٍ أو ماليّةٍ طاعةً وتقرّباً إلى اللّه سبحانه وتعالى . هـ- الالتزامات التّكليفيّة الشّرعيّة ، ومنها النّفقات الواجبة . فهذه الالتزامات لا خلاف في وجوب الوفاء بها ، منجزةً إن كانت كذلك ، وبعد تحقّق الشّرط المشروع إن كانت معلّقةً ، وعند دخول الوقت إن كانت مضافةً ، وسواء أكان الوفاء لا يجب إلاّ بعد الطّلب أم يجب بدونه . ويتحقّق الوفاء بالأداء والتّسليم أو القيام بالعمل أو الإبراء أو المقاصّة وهكذا . ودليل الوجوب الآية السّابقة ، وكذلك قوله تعالى : { وأوفوا بعهد اللّه إذا عاهدتم } وقوله تعالى : { وليوفوا نذورهم } وقوله تعالى : { فليؤدّ الّذي اؤتمن أمانته } . والتّخلّف عن الوفاء بغير عذرٍ يستوجب العقوبة الدّنيويّة والأخرويّة ، إذ العقوبة واجبة لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « ليّ الواجد يحلّ عرضه وعقوبته » فعقوبته حبسه ، وعرضه أن يحلّ القول في عرضه بالإغلاظ . وقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « مطل الغنيّ ظلم » . ولذلك يجبر الممتنع عن الوفاء بالضّرب أو الحبس أو الحجر ومنع التّصرّف في المال ، أو بيع مال الملتزم والوفاء منه . إلاّ إذا كان الملتزم معسراً فيجب إنظاره لقوله تعالى : { وإن كان ذو عسرةٍ فنظرة إلى ميسرةٍ } . 41 - وما سبق إنّما هو في الجملة ، إذ للفقهاء في ذلك تفصيلات وتفريعات ، ومن ذلك مثلاً : اختلافهم في الإجبار على الوفاء بالنّذر المشروع عند الامتناع ، فعند المالكيّة يقضى بالنّذر المطلق إذا كان لمعيّنٍ ، وإن كان لغير معيّنٍ يؤمر بالوفاء ولا يقضى به على المشهور ، وقيل يقضى به ، وفيه الخلاف أيضاً عند الشّافعيّة . ومن ذلك أنّ أبا حنيفة لا يجيز الحجر في الدّين ، لأنّ في الحجر إهدار آدميّة المدين ، بل لا يجيز للحاكم التّصرّف في ماله ، وإنّما يجبره على بيعه لوفاء دينه . وهكذا ، وينظر تفصيل ذلك في مواضعه . (2 )- التزامات يستحبّ الوفاء بها ولا يجب : 42 - أ - الالتزامات الّتي تنشأ من عقود التّبرّعات كالقرض والهبة والعاريّة والوصيّة . ب - الالتزام النّاشئ بالوعد ، فهذه الالتزامات يستحبّ الوفاء بها ، لأنّها من المعروف الّذي ندب إليه الشّارع ، يقول اللّه تعالى : { وتعاونوا على البرّ والتّقوى } ويقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « من نفّس عن مسلمٍ كربةٍ من كرب الدّنيا نفّس اللّه عنه كربةً من كرب يوم القيامة » ويقول : « تهادوا تحابّوا » . لكن لا يجب الوفاء بها ، ففي الوصيّة يجوز بالاتّفاق الرّجوع فيها ما دام الموصي حيّاً . وفي العاريّة والقرض يجوز الرّجوع بطلب المستعار وبدل القرض في الحال بعد القبض ، وهذا عند غير المالكيّة ، بل قال الجمهور : إنّ المقرض إذا أجّل القرض لا يلزمه التّأجيل ، لأنّه لو لزم فيه الأجل لم يبق تبرّعاً . أمّا المالكيّة فإنّ العاريّة والقرض إذا كانا مؤجّلين فذلك لازم إلى أن ينقضي الأجل ، وإن كانا مطلقين لزم البقاء فترةً ينتفع بمثله فيها ، واستندوا إلى ما روي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم« أنّه ذكر رجلاً سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينارٍ فدفعها إليه إلى أجلٍ مسمًّى » . وقال ابن عمر وعطاء : إذا أجّله في القرض جاز . ويجوز الرّجوع في الهبة قبل القبض عند الجمهور ، فإذا تمّ القبض فلا رجوع عند الشّافعيّة والحنابلة إلاّ فيما وهب الوالد لولده ، وعند الحنفيّة يجوز الرّجوع إن كانت لأجنبيٍّ . أمّا المالكيّة فلا رجوع عندهم في الهبة قبل القبض وبعده في الجملة ، إلاّ فيما يهبه الوالد لولده . وينظر تفصيل ذلك في مواضعه . 43 - والوعد كذلك يستحبّ الوفاء به باتّفاقٍ . يقول القرافيّ : من أدب العبد مع ربّه إذا وعد ربّه بشيءٍ لا يخلفه إيّاه ، لا سيّما إذا التزمه وصمّم عليه ، فأدب العبد مع اللّه سبحانه وتعالى بحسن الوفاء وتلقّي هذه الالتزامات بالقبول . لكن الوفاء به ليس بواجبٍ في الجملة ، ففي البدائع : الوعد لا شيء فيه وليس بلازمٍ ، وفي منتهى الإرادات : لا يلزم الوفاء بالوعد نصّاً ، وفي نهاية المحتاج : لو قال : أؤدّي المال أو أحضر الشّخص ، فهو وعد لا يلزم الوفاء به ، لأنّ الصّيغة غير مشعرةٍ بالالتزام . إلاّ أنّه إذا كانت هناك حاجة تستدعي الوفاء بالوعد فإنّه يجب الوفاء به . فقد نقل ابن عابدين عن جامع الفصولين : لو ذكر البيع بلا شرطٍ ، ثمّ ذكر الشّرط على وجه العدة ، جاز البيع ولزم الوفاء بالوعد ، إذ المواعيد قد تكون لازمةً فيجعل لازماً لحاجة النّاس . والمشهور عند المالكيّة أنّ الوعد يلزم ويقضى به إذا دخل الموعود بسبب الوعد في شيءٍ ، قال سحنونٍ : الّذي يلزم من الوعد إذا قال : اهدم دارك وأنا أسلفك ما تبني به ، أو اخرج إلى الحجّ أو اشتر سلعةً أو تزوّج وأنا أسلفك ، لأنّك أدخلته بوعدك في ذلك ، أمّا مجرّد الوعد فلا يلزم الوفاء به ، بل الوفاء به من مكارم الأخلاق . وقال القليوبيّ : قولهم الوعد لا يجب الوفاء به مشكل ، لمخالفته ظاهر الآيات والسّنّة ، ولأنّ خلفه كذب ، وهو من خصال المنافقين . ( 3 ) التزامات يجوز الوفاء بها ولا يجب : 44 - أ - الالتزامات الّتي تنشأ نتيجة العقود الجائزة بين الطّرفين ، كالوكالة والشّركة والقراض ، فهذه يجوز لكلٍّ من الطّرفين فسخها وعدم الالتزام بمقتضاها ، هذا مع مراعاة ما يشترطه بعض الفقهاء حين الفسخ من نضوض رأس المال في المضاربة ، وكتعلّق حقّ الغير بالوكالة . ب - نذر المباح : يقول القرطبيّ : نذر المباح لا يلزم بإجماعٍ من الأمّة ، وقال ابن قدامة : نذر المباح ، كلبس الثّوب وركوب الدّابّة وطلاق المرأة على وجهٍ مباحٍ ، فهذا يتخيّر فيه النّاذر بين فعله فيبرّ ، وإن شاء تركه وعليه كفّارة يمينٍ ، ويتخرّج أن لا كفّارة عليه . ( 4) التزامات يحرم الوفاء بها : 45 - الالتزام بما لا يلزم لا يجب فيه الوفاء ، بل قد يكون الوفاء حراماً ، وذلك إذا كان التزاماً بمعصيةٍ . ومن ذلك : أ - نذر المعصية حرام باتّفاقٍ ، فمن قال : للّه عليّ أن أشرب الخمر ، أو أقتل فلاناً ، فإنّ هذا الالتزام حرام في ذاته ، وأيضاً يحرم الوفاء به ، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « من نذر أن يعصي اللّه فلا يعصه » وفي وجوب الكفّارة خلاف ( ر : نذر - كفّارة ) . ب - وكذلك اليمين على فعلٍ محرّمٍ ، فمن حلف على ترك واجبٍ أو فعل حرامٍ ، فقد عصى بيمينه . ولزمه الحنث والكفّارة . ( ر : كفّارة - أيمان ) . ج - الالتزام المعلّق على فعلٍ محرّمٍ على الملتزم له ، كقوله : إن قتلت فلاناً أو شربت الخمر فلك كذا وكذا ، فإنّه حرام يحرم الوفاء به . د - ما كان الالتزام فيه بإسقاط حقّ اللّه أو حقّ غير الملتزم ، فلا يجوز الصّلح عن حقّ اللّه كدعوى حدٍّ ، ولا عن حقّ الغير ، فلو أنّ امرأةً طلّقها زوجها وادّعت عليه صبيّاً في يده أنّه ابنه منها وجحد الرّجل ، فصالحت عن النّسب على شيءٍ ، فالصّلح باطل ، لأنّ النّسب حقّ الصّبيّ . ولو باع ذهباً بفضّةٍ مؤجّلاً لم يصحّ ، لأنّ القبض في الصّرف لحقّ اللّه . هـ- الشّروط الباطلة لا يجوز الالتزام بها ومن ذلك : 46- من خالع زوجته على أن تتحمّل بالولد مدّةً معيّنةً وشرط عليها ألاّ تتزوّج بعد الحولين ( مدّة الرّضاع ) أي أنّه شرط عليها ترك النّكاح بعد الحولين ، فلا اختلاف أنّ ذلك لا يلزمها الوفاء به ، لأنّ هذا الشّرط فيه تحريم ما أحلّ اللّه . والخلع صحيح . ومن ذلك ما يقوله المالكيّة فيمن باع حائطه ( حديقته ) وشرط في عقد البيع أنّ الجائحة لا توضع عن المشتري ، فالبيع جائز والشّرط باطل ، ولا يلتزم به المشتري . وفي البدائع للكاسانيّ : لو وهب داراً على أن يبيعها ، أو على أن يبيعها لفلانٍ ، أو على أن يردّها عليه بعد شهرٍ جازت الهبة وبطل الشّرط . وهي شروط تخالف مقتضى العقد ، فتبطل ويبقى العقد على الصّحّة ، بخلاف البيع . وفي المهذّب : لو شرط في القرض شرطاً فاسداً بطل الشّرط ، وفي القرض وجهان . والأمثلة من هذا النّوع كثيرة . ( ر : بيع - اشتراط ) . وفي حالة عقد الهدنة يستثنى حالة الضّرورة أو الحاجة . جاء في جواهر الإكليل ، يجوز للإمام مهادنة الحربيّين لمصلحةٍ ، إن خلت المهادنة عن شرطٍ فاسدٍ ، كأن كانت على مالٍ يدفعه لهم فلا يجوز ، لقوله تعالى :{ ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين } إلاّ لضرورة التّخلّص منهم خوف استيلائهم على المسلمين ، فيجوز دفع المال لهم ، « وقد شاور النّبيّ صلى الله عليه وسلم أصحابه في مثل ذلك »، فلو لم يكن الإعطاء جائزاً عند الضّرورة ما شاور فيه . وفي الأشباه لابن نجيمٍ ، ومثله في المنثور للزّركشيّ : ما حرم أخذه حرم إعطاؤه ، كالرّبا ومهر البغيّ وحلوان الكاهن والرّشوة للحاكم إذا بذلها ليحكم له بغير الحقّ ، إلاّ في مسائل في الرّشوة لخوفٍ على نفسه أو ماله أو لفكّ أسيرٍ أو لمن يخاف هجوه . وينبغي أن يكون مثله إعطاء الرّبا للضّرورة فيأثم المقرض دون المقترض . الأوصاف المغيّرة لآثار الالتزام : إذا تمّت التّصرّفات الملزمة بأيّ نوعٍ من أنواع الالتزام مستوفيةً أركانها وشرائطها ترتّبت عليها آثارها ووجب تنفيذ الالتزام . لكن قد يتّصل بالتّصرّف بعض الأوصاف الّتي تغيّر من آثار الالتزام ، فتوقفه أو تزيد عليه التزاماً آخر أو تبطله ، وبيان ذلك فيما يأتي : أوّلاً : الخيارات : 47 - من الخيارات ما يتّصل بالتّصرّف ، فيتوقّف لزومه ويتأخّر تنفيذ الالتزام إلى أن يبتّ فيها ، فيتبيّن ما ينفذ وما لا ينفذ . والخيارات كثيرة ، ولكنّا نكتفي بالخيارات المشهورة عند الحنفيّة . وهي خيار الشّرط والتّعيين والرّؤية والعيب . يقول ابن عابدين : من الخيارات ما يمنع ابتداء الحكم ، وهما خيار الشّرط والتّعيين ، ومنه ما يمنع تمام الحكم كخيار الرّؤية ، ومنه ما يمنع لزومه كخيار العيب . ويقول الكاسانيّ : شرائط لزوم البيع بعد انعقاده ونفاذه وصحّته أن يكون خالياً من خياراتٍ أربعةٍ : خيار الشّرط ، والتّعيين والرّؤية ، والعيب . فلا يلزم مع هذه الخيارات إذ لا بدّ للّزوم من الرّضى لقوله تعالى : { يا أيّها الّذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلاّ أن تكون تجارةً عن تراضٍ منكم } . وفي الموضوع تفصيلات كثيرة بالنّسبة للتّصرّفات الّتي تدخلها الخيارات والتّصرّفات الّتي لا تدخلها ، وبالنّسبة لما هو عند المذاهب الأخرى ، فخيار التّعيين مثلاً لا يأخذ به الشّافعيّة والحنابلة وزفر من الحنفيّة لمخالفته للقياس . وكذلك خيار الرّؤية بالنّسبة للشّافعيّة ، ولغيرهم تفصيل فيه . ( ر : خيار ) ثانياً : الشّروط : 48 - الشّرط قد يكون تعليقيّاً ، وقد يكون تقييديّاً : فالشّرط التّعليقيّ : هو ربط وجود الشّيء بوجود غيره ، أي أنّ الملتزم يعلّق تنفيذ التزامه على وجود ما شرطه . وبذلك يكون أثر الشّرط التّعليقيّ في الالتزام هو توقّف تنفيذ الالتزام حتّى يحصل الشّرط ، فعند المالكيّة مثلاً إذا قال لشخصٍ : إن بنيت بيتك ، أو إن تزوّجت فلك كذا فهو لازم ، إذا وقع المعلّق عليه . وهذا طبعاً في التّصرّفات الّتي تقبل التّعليق ، كالإسقاطات والإطلاقات والالتزام بالقرب بالنّذر . أمّا التّصرّفات الّتي لا تقبل التّعليق كالبيع والنّكاح ، فإنّ التّعليق يمنع الانعقاد لعدم صحّة التّصرّفات حينئذٍ . ( ر : شرط - تعليق ) . وأمّا الشّرط التّقييديّ فهو ما جزم فيه بالأصل وشرط فيه أمراً آخر . وأمّا أثره في الالتزام ، فإن كان صحيحاً ، فما كان منه ملائماً للتّصرّف ، كمن يبيع ويشترط على المشتري أن يعطيه بالثّمن رهناً أو كفيلاً ... أو كان جرى به التّعامل بين النّاس كمن يشتري جراباً على أن يخرزه له البائع ... فإنّه ينشئ التزاماً زائداً على الالتزام الأصليّ ، كما هو واضح من الأمثلة ويجب الوفاء به . أمّا إن كان مؤكّداً لمقتضى التّصرّف ، كاشتراط التّسليم في البيع مثلاً ، فلا أثر له في الالتزام ، إذ الشّرط هنا تأكيد وبيان لمقتضى الالتزام . وإن كان الشّرط فاسداً ، فإن كان لا يقتضيه التّصرّف وليس ملائماً له ولا جرى به التّعامل بين النّاس وفيه منفعة لها صاحب يطالب بها ، كمن يبيع الدّار على أن يسكنها البائع شهراً ، أو الثّوب على أن يلبسه أسبوعاً ، فإنّ هذا الشّرط فاسد ويفسد معه التّصرّف ، وبالتّالي يفسد الالتزام الأصليّ للتّصرّف حيث قد فسد مصدره . وهذا عند الحنفيّة ، وهو يجري في عقود المبادلات الماليّة فقط ، خلافاً للتّبرّعات كالهبة حيث يفسد الشّرط ويبقى التّصرّف في الالتزام به كما هو ، ويصبح الشّرط لا أثر له في الالتزام . وأمّا عند الشّافعيّة فإنّ مثل هذا الشّرط يفسد ، ويفسد معه التّصرّف ، ويجرون هذا في كلّ التّصرّفات . أمّا المالكيّة ، فإنّ الشّرط الّذي يفسد التّصرّف عندهم ، فهو ما كان منافياً لمقتضى العقد ، أو كان مخلّاً بالثّمن . وقريب من هذا مذهب الحنابلة . إذ هو عندهم : ما كان منافياً لمقتضى العقد ، أو كان العقد يشتمل على شرطه . أمّا ما كان فيه منفعة لأحدٍ ، فإنّه غير فاسدٍ عندهم إذا كانت المنفعة معلومةً . فمن يبيع الدّار ويشترط سكناها شهراً مثلاً فشرطه صحيح ويجب الوفاء به . واستدلّوا بحديث جابرٍ أنّه « باع النّبيّ صلى الله عليه وسلم جملاً ، واشترط ظهره إلى المدينة أي ركوبه » ، وفي لفظٍ قال : « بعته واستثنيت حملانه إلى أهلي » . على أنّ الجمهور ومعهم أبو حنيفة متّفقون على أنّ من باع عبداً واشترط أن يعتقه المشتري فهو شرط صحيح يجب الوفاء به ، لتشوّف الشّارع للحرّيّة ، بل إنّ من الفقهاء من قال : يجبر المشتري على ذلك . وأمّا إن كان الشّرط بغير ما ذكر ، فإنّه يفسد هو ويبقى التّصرّف صحيحاً فيجب الوفاء به . وفي الموضوع تفصيلات كثيرة ( ر : اشتراط ، شرط ) . ثالثاً : الأجل : 49 - الأجل هو المدّة المتّفق عليها المستقبلة المحقّقة الوقوع . والالتزام قد يكون مؤجّلاً إذا كان الأجل أجل توقيتٍ ، فإنّه يجعل تنفيذ الالتزام مستمرّاً طوال المدّة المحدّدة حتّى تنتهي ، فمن أجّر داراً لمدّة شهرٍ أصبح من حقّ المستأجر الانتفاع بالدّار في هذه المدّة ولا يجوز للملتزم - وهو المؤجّر - أن يطالبه بتسليم الدّار قبل انتهاء الأجل المضروب . وإذا كان أجل إضافةٍ ، فإنّ تنفيذ الالتزام لا يبدأ إلاّ عند حلول الأجل ، فالدّين المؤجّل إلى رمضان يمنع الدّائن من المطالبة قبل دخول رمضان . فإذا حلّ الأجل وجب على الملتزم بالدّين الوفاء ، وصار من حقّ الدّائن المطالبة بدينه . والتّصرّفات تختلف بالنّسبة للأجل توقيتاً أو إضافةً ، فمنها ما هو مؤقّت أو مضاف بطبيعته ، كالإجارة والمساقاة والوصيّة ، ومنها ما هو منجز ولا يقبل التّأقيت بحالٍ كالصّرف والنّكاح ، وإذا دخلهما التّأقيت بطلا ، ويكون أثر التّأقيت هنا بطلان الأجل . وأمّا العقد فيبطل في الصّرف إجماعاً . وفي النّكاح عند الأكثرين . ومنها ما يكون الأصل فيه التّنجيز كالثّمن في البيع لكن يجوز تأجيله إرفاقاً فيتغيّر أثر الالتزام من التّسليم الفوريّ إلى تأخيره إلى الأجل المحدّد . على أنّ التّصرّفات الّتي تقبل التّأجيل يشترط فيها في الجملة : أن يكون الأجل معلوماً ، إذ في الجهالة غرر يؤدّي إلى النّزاع ، وألاّ يعتاض عن الأجل ، إذ الاعتياض عنه يؤدّي إلى الرّبا . ويكون الأثر حينئذٍ بطلان الشّرط . وهذا في الجملة كما ذكرنا ، إذ من التّصرّفات ما يكون الأجل فيه مجهولاً بطبيعته ، كالجعالة والوصيّة ، ويلحق بهما الوكالة والقراض والإذن في التّجارة إذا لم يحدّد للعمل مدّةً . كذلك التّبرّعات عند المالكيّة تجوز إلى أجلٍ مجهولٍ . وفي كلّ ذلك تفصيلات مطوّلة تنظر في مواضعها وفي ( بحث : أجل ) . توثيق الالتزام : 50 - توثيق الالتزام - أي إحكامه وإثباته - أمر مشروع لاحتياج النّاس إلى معاملة من لا يعرفونه ، خشية جحد الحقوق أو ضياعها . وقد شرع اللّه سبحانه وتعالى للنّاس ما يضمن لهم حقوقهم بتوثيقها ، وجعل لذلك طرقاً متعدّدةً وهي : ( 1 ) الكتابة والإشهاد : 51 - شرع اللّه سبحانه وتعالى الكتابة والإشهاد صيانةً للحقوق ، وذلك في قوله تعالى : { يا أيّها الّذين آمنوا إذا تداينتم بدينٍ إلى أجلٍ مسمًّى فاكتبوه } .. { واستشهدوا شهيدين من رجالكم } .. { وأشهدوا إذا تبايعتم } وقد أوجب الشّرع توثيق بعض الالتزامات لخطره كالنّكاح ، وقريب منه طلب الشّفعة فلا تثبت عند الإنكار إلاّ بالبيّنة ، ومثله الإشهاد عند دفع مال اليتيم إليه عند البلوغ والرّشد . ومن الالتزامات ما اختلف في وجوب الإشهاد فيه أو استحبابه ، كالبيع والإجارة والسّلم والقرض والرّجعة . والشّهادة تعتبر من البيّنات الّتي يثبت بها الحقّ . ولبيان ما يجب فيه الإشهاد وما لا يجب ، وبيان شروط الشّهادة في الحقوق من حيث التّحمّل والأداء والعدد وصفة الشّاهد والمشهود به ينظر : ( إثبات ، إشهاد - شهادة - أداء - تحمّل ) . ( 2 ) الرّهن : 52 - الرّهن شرع كذلك لتوثيق الالتزامات ، لأنّه احتباس العين ليستوفي الحقّ من ثمنها ، أو من ثمن منافعها عند تعذّر أخذه من الغريم . والأصل في مشروعيّته قول اللّه تعالى : { وإن كنتم على سفرٍ ولم تجدوا كاتباً فرهان مقبوضة } . وروي أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم « اشترى طعاماً من يهوديٍّ إلى أجلٍ ورهنه درعاً من حديدٍ » . والرّهن مشروع بطريق النّدب لا بطريق الوجوب ، بدليل قول اللّه تعالى : { فإن أمن بعضكم بعضاً فليؤدّ الّذي اؤتمن أمانته } ، ولأنّه أمر به عند عدم تيسّر الكتابة ، والكتابة غير واجبةٍ فكذلك بدلها . هذا وللرّهن شروط من حيث كونه مقبوضاً وكونه بدينٍ لازمٍ وغير ذلك ( ر : رهن ) . ( 3 ) الضّمان والكفالة : 53 - الضّمان والكفالة قد يستعملان بمعنًى واحدٍ ، وقد يستعمل الضّمان للدّين ، والكفالة للنّفس . وهما مشروعان أيضاً ليتوثّق بهما الالتزام . والأصل في ذلك قول اللّه تعالى في قصّة يوسف : { ولمن جاء به حمل بعيرٍ وأنا به زعيم } . وفي كلّ ذلك تفصيلات واختلافات للفقهاء تنظر في موضعها ( ر : كفالة ) . أمّا بالنّسبة للتّصرّفات الّتي يدخلها التّوثيق والّتي لا يدخلها ، فقد قال السّيوطيّ : الوثائق المتعلّقة بالأعيان ثلاثة : الرّهن والكفالة والشّهادة ، ثمّ قال : من العقود ما تدخله الثّلاثة كالبيع والسّلم والقرض ، ومنها ما تدخله الشّهادة دونهما وهو المساقاة - جزم به الماورديّ - ونجوم الكتابة . ومنها ما تدخله الشّهادة والكفالة دون الرّهن وهو الجعالة . ومنها ما تدخله الكفالة دونهما وهو ضمان الدّرك . ثمّ قال : ليس لنا عقد يجب فيه الإشهاد من غير تقييدٍ إلاّ النّكاح قطعاً ، والرّجعة على قولٍ ، وعقد الخلافة على وجهٍ ، وممّا قيل بوجوب الإشهاد فيه من غير العقود : اللّقطة على وجهٍ ، واللّقيط على الأصحّ لخوف إرقاقه . وقد زاد الزّركشيّ أروش الجنايات المستقرّة فيما يدخله الثّلاثة . وقد اعتبر الزّركشيّ أنّ التّوثيق لا ينحصر في هذه الثّلاثة ( الشّهادة والرّهن والكفالة ) وإنّما اعتبر منها : الحبس على الحقوق إلى الوفاء ، ومنها حبس المبيع حتّى يقبض الثّمن ، وكذلك منع المرأة تسليم نفسها حتّى تقبض معجّل المهر .. انتقال الالتزام : 54 - يجوز انتقال الالتزام بالدّين من ذمّةٍ إلى ذمّةٍ أخرى ، إذ هو نوع من التّوثيق بمنزلة الكفالة ، وهو ما يسمّى بالحوالة ، وهي معاملة صحيحة مستثناة من بيع الدّين بالدّين فجازت للحاجة ، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « مطل الغنيّ ظلم . وإذا أحيل أحدكم على مليءٍ فليتبع » . وللتّفصيل ومعرفة الخلاف ( ر : حوالة ) . إثبات الالتزام : 55 - إثبات الالتزام إنّما يحتاج إليه عند إنكار الملتزم . وفي هذه الحالة يكون على الملتزم له ( صاحب الحقّ ) إثبات حقّه ، عملاً بقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « البيّنة على من ادّعى ، واليمين على من أنكر » . وللقاضي - إن لم يظهر صاحب الحقّ بيّنته - أن يسأله : ألك بيّنة ؟ لما روي « أنّه جاء رجل من حضرموت ، ورجل من كندة ، إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال الحضرميّ : يا رسول اللّه إنّ هذا قد غلبني على أرضٍ لي كانت لأبي ، فقال الكنديّ : هي أرضي في يدي أزرعها ليس له فيها حقّ ، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم للحضرميّ : ألك بيّنة ؟ قال : لا ، قال : فلك يمينه » . وللإثبات طرق متعدّدة كالإقرار والشّهادة واليمين والنّكول والقسامة وغير ذلك ( ر : إثبات ) . انقضاء الالتزام : 56 - الأصل أنّ الالتزام ينقضي بوفاء الملتزم وتنفيذه ما التزم به من تسليم عينٍ أو دينٍ ، كتسليم المبيع للمشتري ، والثّمن للبائع ، والمأجور للمستأجر ، والأجرة للمؤجّر والموهوب للمتّهب وبدل القرض للمقرض وهكذا . وينقضي الالتزام أيضاً بالقيام بالعمل الملتزم به في إجارةٍ أو استصناعٍ أو مساقاةٍ أو وكالةٍ أو مضاربةٍ ، وبانقضاء المدّة في التّصرّف المقيّد بالزّمن كالإجارة المحدّدة . 57 - وقد ينقضي الالتزام بغير هذا ومن أمثلة ذلك : ( 1 ) إبراء الدّائن للمدين . (2 ) - الفسخ أو العزل في العقود الجائزة كالوكالة والشّركة والقراض الوديعة ، إلاّ إذا اقتضى فسخها ضرراً على الطّرف الآخر . يقول السّيوطيّ : الشّركة والوكالة والعاريّة الوديعة والقراض كلّها تنفسخ بالعزل من المتعاقدين أو أحدهما . وفي المنثور للزّركشيّ : العقود الجائزة إذا اقتضى فسخها ضرراً على الطّرف الآخر امتنع وصارت لازمةً . ولهذا قال النّوويّ : للوصيّ عزل نفسه إلاّ أن يتعيّن عليه أو يغلب على ظنّه تلف المال باستيلاء ظالمٍ . ويجري مثله في الشّريك والمقارض ، وقد قالوا في العامل إذا فسخ القراض : عليه التّقاضي والاستيفاء ، لأنّ الدّين ملك ناقص ، وقد أخذه منه كاملاً ، فليردّه كما أخذه ، وظاهر كلامهم أنّه لا ينعزل حتّى ينضّ المال . ( 3 ) الرّجوع في التّبرّعات قبل القبض كالوصيّة والهبة ، وبعد القبض في العاريّة والقرض عند غير المالكيّة . ( 4 ) المقاصّة في الدّيون . ( 5 ) انعدام الأهليّة في العقود الجائزة كالجنون والموت . ( 6 ) الفلس أو مرض الموت في التّبرّعات قبل القبض . ( 7 ) عدم إمكان التّنفيذ ، كهلاك المبيع قبل القبض . يقول الكاسانيّ : هلاك المبيع قبل القبض ، إن هلك كلّه قبل القبض بآفةٍ سماويّةٍ انفسخ البيع ، لأنّه لو بقي أوجب مطالبة المشتري بالثّمن ، وإذا طالبه بالثّمن فهو يطالبه بتسليم المبيع ، وأنّه عاجز عن التّسليم فتمتنع المطالبة أصلاً ، فلم يكن في بقاء البيع فائدة فينفسخ ، وكذلك إذا هلك بفعل المبيع بأن كان حيواناً فقتل نفسه ، وكذا إذا هلك بفعل البائع يبطل البيع ويسقط الثّمن عن المشتري عندنا . وإن هلك بفعل المشتري لا ينفسخ البيع وعليه الثّمن ، لأنّه بالإتلاف صار قابضاً .. التصاق * التّعريف : 1 - التصق والتزق بمعنًى واحدٍ ، والتصق بالشّيء : لزق وعلق به ، والالتصاق : اتّصال الشّيء بالشّيء بحيث لا يكون بينهما فجوة بتلزّجٍ أو تماسكٍ أو تماسٍّ . والفقهاء يستعملونه بالمعنى نفسه . [/QUOTE]
الإسم
التحقق
اكتب معهد الماهر
رد
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية